الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع: الآثار عن عمر في الاعتصام بسنة الخلفاء الراشدين
.
229/1- أبو نعيم الحافظ قال: حدثنا حبيب بن الحسن، ثنا جعفر ابن محمد الفريابي، حدثنا قتيبة بن سعيد، ثنا عرعرة بن البرنْد، عن حاجب بن خليف البرجمي، قال: شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب الناس وهو خليفة فقال في خطبته: ألا إن ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه فهو دين نأخذ به وننتهي إليه، وما سن سواهما فإنا نرجئه1.
230/2- ابن عبد الحكم قال: وذكر أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب: من عمر بن عبد العزيز إلى سالم بن عبد الله أما بعد: فقد ابتليت بما ابتليت به من أمر هذه الأمة من غير مشاورة مني، ولا إرادة يعلم الله ذلك، فإذا أتاك كتابي هذا، فاكتب إلي بسيرة عمر بن الخطاب في أهل القبلة وأهل العهد، فإني سائر بسيرته، إن أعانني الله على ذلك والسلام2.
1 أبو نعيم في الحلية 5/298، وابن رجب في جامع العلوم والحكم ص288، وقد تقدم الأثر مع ترجمة لرجال سنده برقم 111.
2 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص107، وأبو نعيم في الحلية 5/ ص284، وابن الجوزي سيرة عمر ص108، والآجري أخبار أبي حفص ص70-71، وأبو حفص الملَاّء 1/395- 396 مع بعض الاختلاف في الألفاظ.
231/3- عبد الرزاق قال: عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار، عن عون بن عبد الله، قال: قال لي عمر بن عبد العزيز أعدلان عندك عمر وابن عمر؟ قال: قلت نعم. قال: إنهما لم يكونا يكبران هذا التكبير1.
232/4- أبو زرعة الدمشقي قال: حدثني آدم حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، قال: قال رجل لعمر بن عبد العزيز: طلقت امرأتي وأنا سكران، قال الزهري، فكان رأي عمر بن عبد العزيز أن يجلده ويفرق بينه وبين امرأته حتى حدثه أبان بن عثمان (عن أبيه) : ليس على المجنون ولا السكران طلاق، فقال عمر: تأمروني وهذا يحدثني عن عثمان بن عفان؟ فجلده وردَّ إليه امرأته2.
233/5- ابن عبد الحكم قال: قال عمر بن عبد العزيز: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده سننا الأخذ بها اعتصام بكتاب الله، وقوة
1 عبد الرزاق في المصنف 2/66.
2 أبو زرعة في التاريخ 1/509، وانظر ابن أبي شيبة في المصنف 4/31، والبخاري مع الفتح 9/391، وآدم هو آدم بن أبي إياس: عبد الرحمن العسقلاني ثقة عابد مات سنة 21هـ تقريب ص86.
وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة الحارث بن أبي ذئب القرشي العامري، ثقة فاضل مات سنة 58هـ. تقريب ص493.
والزهري هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري القرشي أبو بكر الفقيه الحافظ، متفق على جلالته وإتقانه مات سنة 25هـ. تقريب ص506.
على دين الله، ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها، ولا النظر في أمر خالفها، من اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن تركها، واتبع غير سبيل المؤمنين، ولاه الله ما تولىّ وأصلاه جهنم وساءت مصيرا1.
التعليق:
إن الآثار الواردة عن عمر في هذا المبحث تبين اعتصامه رحمه الله بسنة الخلفاء الراشدين وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتمسك بسنته وبسنتهم عند حدوث الاختلاف فقال: "اتقوا الله وعليكم بالسمع والطاعة، وإن عبدا حبشيا، وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء من بعدي الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة"2.
1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص40 وقد تقدم تخريجه برقم 115.
2 الحديث أخرجه الترمذي 5/44، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة في المقدمة 1/15-16، والدارمي 1/44-45، وابن أبي عاصم في السنة ص29، ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة للألباني ط المكتب الإسلامي الطبعة الثالثة عام 1413هـ وصححه الألباني وقال: إسناده صحيح رجاله ثقات.
وفي مسند الإمام أحمد وجامع الترمذي، عن حذيفة رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوسا فقال: "إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي وأشار إلى أبي بكر وعمر
…
"1.
هذا وقد اختلف العلماء في اجتماع الخلفاء الأربعة هل هو إجماع أو حجة مع مخالفة غيرهم من الصحابة أم لا؟ فيه روايتان عن الإمام أحمد2، وهذا فيما يتعلق بالأحكام.
أما العقائد فيتضح من الآثار السابقة عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أنه يرى وجوب الأخذ بسنة الخلفاء الراشدين ويحرم الخروج عما أجمعوا عليه، ولا ريب أنه يقصد بسنتهم ما يتعلق بالاعتقاد لأنه أصل الدين، "ولأن الصحابة قد تنازعوا في كثير من مسائل الأحكام، وهم سادات المؤمنين وأكمل الأمة إيمانا، ولكن بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال، بل كلهم على إثبات ما نطق به الكتاب والسنة كلمة واحدة، من أولهم إلى آخرهم، لم يسوموا
1 سنن الترمذي 5/610، ومسند أحمد 5/385، وانظر جامع العلوم والحكم ص287، وابن ماجة في المقدمة 1/37، وصحح الحديث الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/200.
2 انظر ابن القيم إعلام الموقعين 4/118- 156 فقد فصّل في هذه المسألة بما فيه الكفاية. وانظر جامع العلوم والحكم لابن رجب ص287.
أدلتها تأويلا، ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلا، ولم يبدوا لشيء منها إبطالا، ولا ضربوا لها أمثالا، ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها، ولم يقل أحد منهم يجب صرفها عن حقائقها وحملها على مجازها، بل تلقوها بالقبول والتسليم، وقابلوها بالإيمان والتعظيم، وجعلوا الأمر فيها كلها أمرا واحدا، وأجروها على سنن واحد، لم يفعلوا كما فعل أهل الأهواء والبدع حيث جعلوها عضين، وأقروا ببعضها وأنكروا بعضها من غير فرقان مبين، مع أن اللازم لهم فيما أنكروه كاللازم فيما أقروا به وأثبتوه"1. ولذا يرى عمر إجماعهم حجة وهو الحق، فهم الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة.
أما ما يتعلق بالأحكام فيظهر مما أثر عن عمر أنه كان يعتصم بسنتهم كذلك، ويرجع إلى أقوالهم عند النزاع، وهذا ما دل عليه الحديث الشريف: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي
…
" فعض عمر على سننهم بالنواجذ، وأخذ بها في الحكم على أهل القبلة وأهل العهد، كما أخذ بها في العبادات، والمعاملات، وقد أولى الخليفة الأول والثاني أبابكر وعمر جل اهتمامه، وعدَّ الأخذ بسنتهم أخذًا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم كما أخذ بسنة الخليفة الثالث فور سماعه وطبَّق تلك السنة، واعتصم بسنة الخليفة الرابع في معاملة الخوارج حيث ناظرهم وكتب إليهم فلما
1 انظر: إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم 1/49.
تمادوا حاربهم، وقضى على أموالهم وذراريهم وأسراهم بقضاء الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه1، بل يرى عمر أن من خرج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين رضي الله عنهم فهو خارج عن سبيل المؤمنين، وهو من الفرقة الهالكة، وكل ما سنه الخلفاء الراشدون فإنه من سنته صلى الله عليه وسلم لأنهم إنما سنوه بأمره ولا يكون في الدين واجبا إلا ما أوجبه ولا حراما إلا ما حرمه ولا مستحبا إلا ما استحبه ولا مكروها إلا ما كرهه ولا مباحا إلا ما أباحه2.
واتباع سنة الخلفاء الراشدين في العقائد والأحكام هو ما عليه السلف الصالح وهو الذي دل عليه الكتاب والسنة قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} 3.
1 انظر معاملته مع الخوارج في طبقات ابن سعد 5/357- 358.
2 انظر مجموع الفتاوى 1/282.
3 الآية 115 من سورة النساء.