الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد الثاني
الباب الثالث: الآثار عن عمر في الاعتصام بالكتاب والسنة وموقفه من أهل الأهواء والبدع وأهل الذمة
الفصل الأول: الآثار عن عمر في الاعتصام بالكتاب والسنة
المبحث الأول: الأثار عن عمر في وجوب لزوم الجماعة
…
الباب الثالث: الآثار عن عمر في الاعتصام بالكتاب والسنة وموقفه من أهل الأهواء والبدع وأهل الذمة.
وفيه تسعة فصول: الفصل الأول: الآثار عن عمر في الاعتصام بالكتاب والسنة.
وفيه سبعة مباحث: المبحث الأول: الآثار عن عمر في وجوب لزوم الجماعة.
207/1- ابن الجوزي قال: قال ابن مهدي: حدثنا عبد الله بن المبارك، عن الأوزاعي، قال: قال عمر بن عبد العزيز: "إذا رأيت قوما يتناجون في دينهم بشيء دون العامة فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة"1.
208/2- ابن عبد الحكم قال: قال عمر بن عبد العزيز: سنّ رسول الله صلىالله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده سننا، الأخذ بها اعتصام بكتاب الله وقوة على دين الله، ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها، ولا النظر في أمر خالفها، من اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن تركها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاّه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً2.
1 ابن الجوزي سيرة عمر ص86، والإمام أحمد في الزهد ص408-410، واللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/135، والدارمي في السنن 1/91، وأبو نعيم في الحلية 5/338، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/932، وأبو حفص الملاء 1/35-36) وسيأتي برقم 234، 246، 247، و 287.
2 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص40، وقد تقدم تخريجه برقم115.
209/3- ابن عبد الحكم أن عمر كتب رسالة إلى الخوارج وفيها:
…
أقسم بالله لو كنتم أبكاري من أولادي ورغبتم عما فرشنا للعامة فيما ولينا لدفقت دماءكم أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة
…
"1.
التعليق:
تدل الآثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز في هذا المبحث على لزوم الجماعة وترك التفرق. ولاشك أن ميزة أهل السنة والجماعة كونهم متفقين غير متفرقين ولذا تجد التوافق العجيب بينهم وإن باعدت بينهم الديار والأزمان، لأن مصدر تلقي العقيدة عندهم كتاب الله وسنة نبيه صلىالله عليه وسلم ولأن الاجتماع على الحق هو مطلبهم وغايتهم، فمن اهتدى بمنهجهم هُدي ومن استبصر بها بصر، وقد أمرنا الله تبارك وتعالى بالاجتماع وترك التفرق قال تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} 2، وبرأ الله نبيه صلىالله عليه وسلم {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} 3.
1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص75. وابن الجوزي سيرة عمر ص96، وابن حجر في الفتح 12/303، وابن عبد البر في التمهيد 23/336. وسيأتي برقم 265.
2 الآية 103، آل عمران.
3 الآية 32 الروم.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"1.
ولزوم جماعة المسلمين والحرص على الحق هو ديدن أهل السنة والجماعة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - في بيان أهمية هذا الأصل-: "وهذا الأصل العظيم وهو الاعتصام بحبل الله جميعا، وأن لا يتفرق هو من أعظم أصول الإسلام، ومما عظمت وصية الله تعالى به في كتابه، ومما عظم ذمه لمن تركه من أهل الكتاب وغيرهم، ومما عظمت به وصية النبي صلىالله عليه وسلم في مواطن عامة وخاصة2.
وإذا كان الاجتماع على الحق وأهله بهذه المنزلة فمن هم الجماعة المعنية بهذه المنزلة الرفيعة والنجاح الموفور في الدنيا والآخرة؟
قال الشاطبي رحمه الله تعالى- في بيان هذه الجماعة-: "اختلف الناس في معنى الجماعة على خمسة أقوال:
أحدها: أنها السواد الأعظم من أهل الإسلام.
الثاني: جماعة أئمة العلماء المجتهدين.
الثالث: جماعة أهل الإسلام إذا أجمعوا على أمر.
الرابع: جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير.
1 رواه مسلم 4/375- 376، رقم (1715) .
2 مجموع الفتاوى 22/359.
الخامس: الجماعة هي الصحابة على الخصوص1.
وهذا ما كان يراه عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى كما تبين من الآثار وكما ذكر ذلك عنه الشاطبي2،ويدل على هذا أن إجماعهم حجة، والتمسك بسنتهم والسير على نهجهم من أسمَى المطالب، فالمتمسك بما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم ومن تبعهم بإحسان هم الجماعة في أي زمان وفي أي مكان، ومن خالف ما عليه أصحاب محمد صلىالله عليه وسلم فهو خارج عن الجماعة، لأن الله تبارك وتعالى يقول:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} 3.
وقد حذر الرسول صلىالله عليه وسلم أصحابه من مخالفة سبيل المؤمنين والخروج عن جماعتهم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية"4. وروى الترمذي من حديث الحارث بن الحارث الأشعري فذكر حديثا طويلا وفيه: "
…
وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن: السمع والطاعة، والجهاد،
1 انظر الاعتصام للشاطبي ص448- 451.
2 المصدر السابق ص448 -451.
3 الآية 115 من سورة النساء.
4 البخاري مع الفتح 13/5،رقم (7053) ،ومسلم 4/549،رقم 1849 واللفظ له.
والهجرة، والجماعة، فإن من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه"1
ويتبين مما أثر عن عمر أنه كان يقصد بالعامة في تلك الآثار: "الجماعة" بدليل وصفه من خرج عنها بالضلال، ووصفه من تركها بأنه قد اتبع غير سبيل المؤمنين وهو من الهالكين، كما بين للخوارج أنهم لو كانوا أولاده من صلبه ثم خرجوا عن جماعة المسلمين وإمامهم لدق رقابهم قربة لله تعالى.
وهذا منه رحمه الله تعالى تطبيق لنص الحديث الشريف كما في صحيح مسلم أنه صلىالله عليه وسلم قال: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه"2.
وكان السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم يحثون على لزوم الجماعة ويحذرون من الخروج عليها حرصا منهم على اتباع الكتاب والسنة، وتقديرا للعواقب، وتجنبا للفتنة ودرءا للمفسدة وحقنا لدماء المسلمين، وهذه كلها يجب على المسلم مراعاتها.
قال الآجري رحمه الله تعالى: "إن المؤمن العاقل يحتاط لدينه فالفتن على وجوه كثيرة، قد مضى منها فتن عظيمة نجا منها أقوام، وهلك فيها
1 انظر البخاري مع الفتح 13/316.
2 مسلم 4/550 رقم (1852) .
أقوام باتباعهم الهوى، وإيثارهم للدنيا فمن أراد الله تعالى به خيراً فتح له باب الدعاء والتجأ إلى مولاه الكريم، وخاف على دينه وحفظ لسانه وعرف زمانه، ولزم الحجة الواضحة والسواد الأعظم
…
"1.
ويبدو مما تقدم أن الراجح في الجماعة التي يراها عمر أنهم هم الصحابة رضوان الله عليهم، ومن سار على نهجهم، واقتفى آثارهم، وهذا هو الحق، لأن تلك الأقوال كلها تصدق على الصحابة، وتصدق على من سار على نهجهم.
ومن المهم ذكره هنا أن هذه الجماعة التي يقصدها عمر باقية إن شاء الله تعالى إلى قيام الساعة روى البخاري عن المغيرة بن شعبة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يزال من أمتي قوم ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله "2.قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - مبينا أمر هذه الجماعة وهذه الطائفة-: "ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلد واحد، وأن يكونوا في بعض منه دون بعض، ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أوّلاً فأوّلاً، إلى أن لا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد فإذا انقرضوا جاء أمر الله"3.
1 انظر الآجري في الشريعة ص51-52.
2 البخاري مع الفتح 13/442، رقم 7459.
3 البخاري مع الفتح 13/295.