الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: موقف عمر بن عبد العزيز ممن يُزهّد في العلم الشرعي من الفرق الضالة
.
326/1- ابن عبد البر قال: حدثنا عبد الوارث، نا قاسم، نا أحمد بن زهير، نا أبو الفتح البخاري نصر بن المغيرة، قال: قال سفيان بن عيينة، قال عمر بن عبد العزيز: "من عمل في غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح1.
327/2- الدارمي قال: أخبرنا مروان بن محمد، ثنا سعيد بن عبد العزيز، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل المدينة إنه من تعبد بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح، ومن عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه، ومن جعل دينه غرضا للخصومة كثر تنقله"2.
1 ابن عبد البر: جامع بيان العلم 1/131، وقال محقق الكتاب رجاله ثقات وهو منقطع بين ابن عيينة وعمر بن عبد العزيز، وأخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقه 1/19، وله شاهد من كلام ضرار بن عمرو أخرجه الخطيب بإسناد حسن 1/119.
2 الدارمي في السنن 1/91.
مروان بن محمد الطاطرى شامي روى عن سعيد بن عبد العزيز ومالك بن أنس ثقة. انظر الجرح والتعديل 8/275، وسعيد بن عبد العزيز التنوخي الدمشقي أبو محمد روى عن الزهري ومكحول وروى عنه الثوري والوليد بن مسلم ثقة. انظر الجرح والتعديل 4/42-43، وتقريب التهذيب ص238.
328/3- قال البخاري رحمه الله تعالى باب كيف يقبض العلم، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: "انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه فإني خفت دروس العلم، وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولتفشوا العلم. ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا ثم قال: حدثنا العلاء بن عبد الجبار قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم، عن عبد الله بن دينار بذلك -يعني حديث عمر بن عبد العزيز إلى قوله ذهاب العلماء 1.
التعليق:
العلم الشرعي المستمد من الكتاب والسنة فضله عظيم وخطبه ومنزلته رفيعة وقد أمر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بطلب الاستزادة منه قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} 2،وأهل العلم هم ورثة الأنبياء وأعلام الأمة وهم شهداء الله في الأرض ودرجاتهم رفيعة عالية قال تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} 3، والعلم والعمل قرينان لكن لا بد أن يتقدم
1 البخاري مع الفتح 1/194.ومحمد بن نصر المروزي في السنة ص 31.
2 الآية 114 من سورة طه.
3 الآية 11 من سورة المجادلة.
العلم على العمل. وقد بوب البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه بابا بعنوان: باب العلم قبل القول والعمل لقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ} 1، فبدأ بالعلم2، قال الحافظ: قال ابن المنير: أراد البخاري به أن العلم شرط في صحة القول والعمل فلا يعتبران إلا به. فهو متقدم عليهما لأنه مصحح للنية المصححة للعمل فنبه المصنف على ذلك حتى لا يسبق إلى الذهن من قولهم: "أن العلم لا ينفع إلا بالعمل" تهوين أمر العلم والتساهل في طلبه3، والجهل بعلم الكتاب والسنة خطره عظيم وضرره كثير، وكثرة الجهل بعلم الشريعة من علامات الساعة ولهذا أمر عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى بتدوين الحديث النبوي وكانوا قبل ذلك يعتمدون على الحفظ فقط. فلما خاف عمر بن عبد العزيز وكان واليا للمسلمين على رأس المائة الأولى من ذهاب العلم بموت العلماء رأى أن في تدوينه ضبطا له وإبقاء4. وحذر من عبادة الله تعالى بالجهل الذي هو سبب هلاك الأمم الماضية وهذه الأمة. فسجل كلمته المشهورة المأثورة من تعبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح فالذي يعبد الله تعالى وهو
1 الآية 19 من سورة محمد.
2 البخاري مع الفتح 1/159.
3 المصدر السابق 1/160.
4 انظر المصدر السابق 1/194.
جاهل بعلم الكتاب والسنة لا شك أنه يقع في الخرافات التي تحل في النفوس محل العلم والاعتقاد الصحيح فيضعف نور الإيمان وتنتشر الخرافات ويقوي أمر التحزب الباطل وقد عاب الله تعالى في كتابه الكريم الجهل وأخبر أن سبب ترك الناس لدين الله وتفرقهم فيه إنما هو الجهل. قال تعالى في شأن موسى وقومه حين وصل بهم الجهل إلى أن طلبوا من موسى أن ينصب لهم إلها قال تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} 1، وآيات كثيرة في القرآن الكريم فيها ذم الجهل والدعوة إلى العلم والمعرفة وكذا في السنة النبوية أحاديث كثيرة في ذم الجهل والتحذير منه. قال صلى الله عليه وسلم:"إن الله لا يقبض العلم انتزاعا من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"2.
وقد نشأ عن الجهل الغلو في تعظيم بعض المخلوقين تعظيما خارجا عن هدي الإسلام كما نرى في الصوفية حيث جعلوا مرتبة أوليائهم فوق مرتبة الأنبياء وقدَّسوهم ونسجوا أساطير من صنع خيالهم حول هؤلاء الأولياء الأبدال بزعمهم. وإذا شئت أن تأكد من هذا فراجع طبقات
1 الأعراف/ 138.
2 البخاري مع الفتح 1/194، رقم (100) ، ومسلم 1/170، برقم (2673) .
الصوفية للشعراني، ورماح حزب الرحيم المعوجة للفوتى، وجواهر المعاني لعلي خرازم، وغيرها لترى العجب العجاب، ولتعرف مدى خطر التعبد بغير علم كيف يجر المسلم إلى الإلحاد والشرك والكفر وقد ذكر ابن الجوزي في تلبيس إبليس أن الصوفية ينكرون على من تشاغل بالعلم فقال: "لما انقسم هؤلاء بين متكاسل عن طلب العلم وبين ظان أن العلم هو ما يقع في النفوس من ثمرات التعبد وسموا ذلك العلم: العلم الباطن نهوا عن التشاغل بالعلم الظاهر ثم روى رحمه الله بسنده عن جعفر الخلدي قال: لو تركني الصوفية لجئتكم بإسناد الدنيا لقد مضيت إلى عباس الدوري وأنا حدث فكتبت عنه مجلسا واحدا وخرجت من عنده فلقيني بعض من كنت أصحبه من الصوفية فقال: إيش هذا معك؟ فأريته إياه فقال ويحك تدع علم الخرق وتأخذ علم الورق، ثم خرق الأوراق فدخل كلامه في قلبي فلم أعد إلى عباس، ثم روى أيضا عن الحسين بن أحمد الصفار قال: كان بيدي محبرة فقال الشبلي غيب سوادك عني يكفيني سواد قلبي1.
هذا وبعض المتصوفة في العصر الحديث يشنعون على طلاب العلم ولا سيما الذين يعتنون بالمسائل وأدلتها من الكتاب والسنة بل يحاربون ذلك ويسمون هذا العلم شغبا وجدلا وخصاما. ويقولون: إن العلم كهذا
1 تلبيس إبليس ص399.
يصرف الإنسان عن العمل ويقولون: إن إبليس كان علمه من هذا القبيل أي من قبيل المسائل والأدلة ويجعلون قول إبليس {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} 1، من قبيل العلم بالمسائل، مع أنه ليس إلا معارضة النص بالقياس. ويقولون: إن إبليس كان أعلم من في الأرض بل حتى ممن في عالم الملكوت وزيادة عليه فقد كان معلم الملكوت ولكن علمه وكثرة علمه هذا أداه إلى الضلال مع أن الله جل وعلا يقول في إبليس {أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} 2، فهم يضللون العلم بالمسائل والعلم بالأدلة وأهلها3.
وقد عد السيوطي رحمه الله تعالى الاشتغال بنوافل العبادات مع الجهل وترك حمل العلم من البدع4.
ولا شك أن العلم الشرعي هو العلم الذي تعبدنا الله به لأنه هو المأخوذ عن الله عز وجل وعن أنبيائه ورسله ومن المعلوم أن الله تعالى لا يقبل أي عمل إلا إذا كان موافقا لما أمر به لأن العلم إذا لم يكن شرعيا
1 الآية رقم 12 من سورة الأعراف.
2 الآية رقم 34 من سورة البقرة.
3 انظر القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ ص199-200.
4 الأمر بالإتباع والنهي عن الابتداع ص84.
من الله تعالى كان وضعيا من استحسانات البشر ومفاهيمهم القاصرة وما يذكر من تزهيد أقطاب التصوف وغيرهم عن العلم الشرعي فإنما هو دليل على تلاعب الشيطان بهم. واتباعهم لهوى أنفسهم يتمثل هذا في قولهم يعيبون على أهل الشريعة: "أخذتم علمكم ميتا عن ميت حدثني فلان أين هو؟ قالوا: مات. عن فلان أين هو؟ قالوا: مات. فعلمنا عن الحي القيوم يقول أحدنا: حدثني قلبي عن ربي" 1 وغير ذلك من عباراتهم التي يعيبون بها العلوم الشرعية والذين يسمون أصحابها بأصحاب القراطيس. تنفيرا عنهم وترغيبا فيما ابتدعوه في الدين بجهلهم الذي يزعمون أنه يعتمدون فيه على العلم اللدني الذي يتباهون بحصولهم عليه كذبا وافتراء وزخرفا من القول غرورا.
1 انظر الرسائل والمسائل لشيخ الإسلام ابن تيمية4 – 5 /265.