الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: العربية بين أخواتها السامية
الفصل الأول: أشهر فضائل اللغات
…
الباب الثاني: العربية بين أخواتها السامية
الفصل الأول: أشهر فصائل اللغات 1
لعل أفضل النظريات في تقسيم اللغات هي التي تعوّل على صلات القرابة اللغوية، فتنشيء من كل مجموعة مماثلة أو متشابهة في الكلمات وقواعد البنية والتراكيب فصيلة من الفصائل، تؤلف بينها غالبًا روابط جغرافية وتاريخية واجتماعية.
وعلى هذا الأساس لاحظ العلماء مجموعتين هامتين متميزتين، سموا إحداهما: الفصيلة الهندية - الأوربية lndo - Europeenne، والأخرى الحامية - السامية Chamito - Samitiques، وتنبهوا إلى صلات القرابة بين اللغات الداخلة تحت كلٍّ منهما على حدة، وإلى الصفات المشتركة
1 ليس من شأننا في هذا الفصل التوسع والإسهاب، إنما هي عجالة لبيان أبسط الضروريات التي لا بد منها في هذه البحوث، ومن أراد التوسع فعليه بكتاب Les langueu du monde، ومنه نقل وافي في "علم اللغة 179" المعلومات المفيدة عن فضائل اللغات.
بين الفصيلتين كلتيهمتا، ثم جاء ماكس مولر Max Moller بتقسيمه الثلاثي للغات، حين سمى طائفة من اللغات الأسيوية والأوربية التي لا تدخل تحت الفصيلتين السابقتين باسم اصطلاحي هو الفصيلة الطورانية Touranienne. وإنما كان الاسم اصطلاحيًّا؛ لأن أفراد الفصيلة الأخيرة متنوعة جدًّا، ومتباعدة جدًّا، وليس بينها روابط لغوية واضحة، وهذا ما دعا المحدثين من علماء اللغة إلى تقسيم ما بقي من اللغات الإنسانبة إلى تسع عشرة فصيلة، تنفرد كل فصيل منها بروابط من القرابة اللغوية في الأصول والقواعد والتراكيب، وبذلك أصبحت فصائل اللغات الإنسانية إحدى وعشرين؛ أهمها الأوليان، والباقية ثانوية متفرقة في أنحاءٍ مختلفة من العالم، ولا بد من كلمة عجلى حول الفصيلتين الهامتين.
أ- الفصيلة الهندية - الأوربية:
وهي أكثر اللغات الإنسانية انتشارًا، والشعوب الناطقة بها جليلة الأثر في الحضارة الإنسانية الحديثة، ومن العسير تحديد موطنها الأصلي، فمن ذاهب إلى نشأتها في آسية بمنطقة التركستان، ومن قائل بنشأتها في المناطق الروسية بأوروبة الشرقية، ومن أنها في مناطق بحر البلطيق.
وهي تشتمل على ثمانٍ من طوائف اللغات:
1-
اللغات الآرية: بفرعيها الهندي والإيراني.
2-
اللغات اليونانية: وتشمل اليونانية القديمة، واليونانية الحديثة التي قامت على أنقاض القديمة في القرون السابقة للميلاد، ولغة اليونان في العصر الحديث.
3-
اللغات الإيطالية، وأهم فروعها: اللاتينية التي تشعبت منها الفرنسية والإسبانية والإيطالية والبرتغالية ولغة رومانية.
4-
اللغات الجرمانية، وأهمها شعبتان: شعبة اللغات الجرمانية الغربية، وفيها الإنجليزية -السكسونية، والإنجليزية الحديثة، والهولاندية والألمانية، وشعبة اللغات الجرمانية الشمالية، وهي لغات الدانيمرك والسويد والنرويج.
5-
اللغات السلافية: وهي شعبتان صقلبية وبلطيقية؛ فمن الصقلبية الروسية، والتشيكية، والبولونية، والبلغارية الحديثة، ومن البلطيقية: الليتوانية، والبروسية القديمة.
6-
اللغات الأرمنية.
7-
اللغات الألبانية.
8-
اللغات الكلتية التي كان ينطق بها شعوب الكلت Les Cletes، وقد غلبتها الآن اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، وإن بقيت ظواهر منها في لهجات إيرلندا ومنطقة البريتون Bretagne غربي فرنسا،.
ب- الفصيلة الحامية - السامية:
وليست المناطق التي تشغلها هذه الفصيلة شديدة الاتساع كالمناطق التي تشغلها الفصيلة الأولى "الهندية - الأوربية" فلا يعدو ما تشغله بلاد العرب وشمال إفريقية وجزءًا من شرقي إفريقية، غير أن مناطقها تكاد تشكل منطقة واحدة متماسكة الأجزاء، مستقلة ليس فيها عنصر دخيل، وتلك مزية كبيرة من مزاياها، وهي ذات مجموعتين:
أ- مجموعة اللغات الحامية، وفيها المصرية والبربرية والكوشيتية.
وقد اصطلح على إدخالها في مجموعة واحدة، مع أن صلات القرابة بينها ضعيفة، ولذلك يعد بعضهم كل فرعٍ منها مستقلًّا برأسه على حدة.
واللغة المصرية تشمل المصرية القديمة والقبطية، أما البربرية فهي لغة السكان الأصليين لشمال أفريقية "تونس ومراكش
والجزائر وطرابلس والصحراء والجزر المتاخمة لها"، وأهمها اللغة القبيلية Kbyle، والتماشكية Temachek وهي لغة قبائل التوارج Touareg "الطوارق".
وأما الكوشيتية فهي لغة السكان الأصليين للقسم الشرقي من إفريقية، وبها يتكلم نحو ثلث سكان الحبشة. وهنالك مناطق في الحبشة تتكلم بلغة سامية.
ب- مجموعة اللغات السامية، وسنتكم عنها بتفصيل بعد قليل؛ لأن لغتنا العربية تفرعت منها.
ج- فصائل اللغات الإنسانية الأخرى:
أما بقية اللغات الإنسانية الأخرى فقد ذهبت جمعية علم اللغة بباريس إلى قسمتها إلى تسع عشرة فصيلة أهمها:
1-
فصيلة اللغات الطورانية؛ كالتركية والمغولية والمنشورية، وبها سمَّى ماكس مولر جميع الفصائل الباقية على سبيل الاصطلاح الخاص.
2-
فصيلة اللغات اليابانية.
3-
فصيلة اللغات الصينية - التيبيتية "ومنها لغة سيام".
4-
فصيلة اللغات الكورية "لسكان شبه جزيرة كورية".
5-
فصيلة اللغات القوقازية "ويستثنى منها اللغات القوقازية السامية، والهندية الأوروبية".
6-
لغات الهنود الحمر في أمريكا، وهم سكانها الأصليون.
7-
لغات السودان وغانة، وقد قسَّمَها العلامة Maurice Delafosse إلى 435 لغة، ترجع إلى ست عشرة شعبة، أهمها الشعبة النيلية، والشعبة النوبية، والشعبة الاستوائية، والشعبة الكونغوية.
8-
اللغات الملايوية البولينزية Malayo - Polynesiennes ومنها الأندونيسية والميلانيزية "جزر سليمان، وسانت كروز، وتوريس".
وقد عرضت جمعية علم اللغة بباريس Societe de linguistique paeis بحثًا موجزًا في دراسة هذه الفصائل التسع عشرة، بإشراف الأستاذين Meillet ومارسل كوهين Marcel Cohen، فجاء البحث في نحو ست مئة صفحة من القطع الكبير "من 153-713"، وذلك في الكتاب الضخم الشهير "لغات العالم""Les langues du Monde".
طريقة أخرى لتقسيم اللغات إلى فصائل:
هناك طريقة أخرى لا تعول في تقسيم اللغات على صلات القرابة اللغوية، بل تستند في هذه القسمة إلى قوانين التطور والارتقاء المتعلقة بقواعد الصرف والتنظيم.
وأشهر نظرية في هذه الطريقة هي نظرية العلامة شليجل Schlegel، التي اتبعه عليها كثير من الباحثين.
في ضوء هذه النظرية ثلاث فصائل:
1-
اللغات التحليلية Analytiques.
2-
اللغات الإلصاقية Agglomerantes.
3-
اللغات العازلة isolantes.
ويرى أصحاب هذه النظرية أن اللغة الإنسانية نشأت عازلة، ثم تطورت فأصبحت إلصاقية، ثم ارتقت أخيرًا إلى التحليلية.
أ- واللغة العازلة هي غير المتصرفة؛ فبنية الكلمات فيها لا تتغير، وأصولها لا تلصق بها حروف زائدة لا قبلها ولا بعدها، وليس بين أجزاء تراكبيها روابط وصلات، ويدخل في هذه اللغة الصينية، وكثير من اللغات البدائية.
1 قارن بـperrot، op. cit. 109
ب- واللغة الإلصاقية: هي لغة وصلية تمتاز بالسوابق prefixes واللواحق Suffixes، التي تربط بالأصل فتغير معناه، وعلاقته بما عداه من أجزاء التركيب، وأشهر هذه اللغات: اليابانية والتركية وبعض اللغات البدائية.
ج- واللغة التحليلية: هي المصرفة التي تتغير أبنيتها بتغير المعاني وتحلل أجزاؤها المترابطة فيما بينها بروابط تدل على علاقاتها، ومن هذه اللغات: السامية، وفي طليعتها العربية، وأكثر اللغات الهندية، والأوربية.
وأصحاب هذه النظرية يستدلون على مراحل التطور فيها بلغة الطفل ولغات الأمم البدائية، ويرون أن مرحلة التصريف والتنظيم مرحلة متأخرة في اللغات الإنسانية، ولكن هذا خطأ، فجميع الظواهر "العزل والإلصاق والتصريف" موجودة في مختلف الألسنة، ومن العسير أن تتجرد منها لغة من اللغات1.
وقد حاول كثير من الباحثين أن يقارنوا بين الفصليتين الهامتين "السامية" و"الهندية والأوربية"، والتوسع في هذا خارج عن نطاق بحثنا؛ فسنكتفي بإشارة عابرة إلى خصائص اللغات السامية تمهيدًا لبحث خصائص لغتنا العربية التي تفرعت عنها.
1 راجع علم اللغة لوافي 108.