‌المبحث الرابع ما ورد في فضائل أهل أحد - الأحاديث الواردة في فضائل الصحابة - جـ ٢

‌

‌المبحث الرابع ما ورد في فضائل أهل أُحد

152 -

[1] عن أبي طلحة رضي الله عنه قال: (كنتُ فيمنْ تغشَّاهُ

(1)

النُّعاسُ يومَ أحدٍ، حتَّى سقطَ سيفي مِنْ يدي مِرارًا، يسقطُ وآخذُه، ويسقطُ فآخذُه).

هذا الحديث رواه: قتادة بن دعامة، وحميد الطويل، وغيرهما

(2)

عن أنس بن مالك عن أبي طلحة.

فأما حديث قتادة

(3)

فرواه عنه: سعيد بن أبي عروبة، وشيبان بن عبد الرحمن، وعمران أبو العوام القطان.

فأما حديث سعيد بن أبي عروبة عنه فرواه: البخاري

(4)

- وهذا لفظه - قال: وقال لي خليفة: حدثنا يزيد بن زريع

(5)

، ورواه: الطبراني في

الكبير

(1)

عن عبدان بن أحمد عن العباس بن الوليد النرسي عن يزيد بن زريع - أيضًا -، ورواه: الترمذي

(2)

عن يوسف بن حماد عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، كلاهما (يزيد، وعبد الأعلى) عنه به

…

وللترمذي: (غشينا ونحن في مصافنا يوم أحد)، حدث أنه كان فيمن غشيه النعاس يومئذ، قال:(فجعل سيفي يسقط من يدي، وآخذه. ويسقط من يدي، وآخذه). قال الترمذي - عقبه -: (هذا حديث حسن صحيح) اهـ. وخليفة هو: ابن خياط. واسم عبدان: عبد الله.

وأما حديث شيبان عنه فرواه: البخاري

(3)

عن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن أبي يعقوب عن حسين بن محمد عنه به، بلفظ:(غشينا النعاس، ونحن في مصافنا يوم أحد)، قال:(فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه). وحسين بن محمد هو: المروزي.

وأما حديث عمران القطان عنه فرواه: الطبراني في الكبير

(4)

، وفي الأوسط

(5)

عن أبي مسلم الكشي عن عمرو بن مرزوق عنه به، بلفظ:(كنت فيمن صُب عليه النعاس يوم أحد)

…

وعمران القطّان صدوق يهم - وتقدم -، وطريقه جيدة في المتابعات. حدث به عنه: عمرو بن مرزوق، وهو: الباهلي. وأبو مسلم الكشي اسمه: إبراهيم بن عبد الله.

وأما حديث حميد الطويل عنه فرواه: أبو يعلى

(1)

عن أبي معمر الهذلي عن هشيم، ورواه: الطبراني في الكبير

(2)

عن الحسن بن علي المعمري

(3)

عن أبي بكر بن خلاد عن محمد بن أبي عدي

(4)

، كلاهما عنه

(5)

به

…

ولأبي يعلى: (لقد سقط السيف مني يوم بدر؛ لما غشينا من النعاس، يقول الله:{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً}

(6)

. وللطبراني: (كنت فيمن صُبَ عليه النعاس يوم أحد). وحميد الطويل مدلس، لم أره صرح بالتحديث، وهو كثير التدليس عن أنس، حتى قيل:(إن معظم حديثه عنه بواسطة ثابت، وقتادة) - وتقدم -، فلعل هذا مما أخذه عن قتادة، وعلمت أن حديث قتادة عند البخاري، وغيره. وأبو معمر الهذلي - شيخ أبي يعلى - اسمه:

إسماعيل بن إبراهيم. وهشيم هو: ابن بشير. والمعمري - شيخ الطبراني - قال الخطيب

(1)

: (كان من أوعية العلم، يذكر بالفهم، ويوصف بالحفظ، وفي حديثه غرائب، وأشياء ينفرد بها) اهـ، وهو متابع على هذا الحديث. وأبو بكر خلاد اسمه: محمد. والحديث عزاه السيوطي في الدر المنثور

(2)

إلى: عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن حبان، وأبي الشيخ، وابن مردويه، كلهم من حديث أنس عن أبي طلحة.

وتقدم

(3)

من حديث أبي طلحة رضي الله عنه أنه ممن غشيه النعاس يوم بدر، فجعل سيفه يسقط ويأخذه، ويسقط ويأخذه

…

رواه: الإمام أحمد بإسناد على شرط الشيخين.

153 -

[2] عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (أنَا شهيدٌ علَى هؤلاءِ يومَ القِيَامَة)

(4)

- يعني: شهداء أحد -.

هذا الحديث يرويه ابن شهاب الزهري، واختلف عنه

…

فرواه: الليث بن سعد عنه عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر

…

رواه: البخارى

(5)

،

وأبو داود

(1)

، والترمذي

(2)

، والنسائي

(3)

، كلهم عن قتيبة بن سعيد - وقرن أبو داود به: يزيد بن خالد بن موهب

(4)

-، ورواه: البخاري

(5)

- أيضًا - عن عبد الله بن يوسف، ورواه - مرة

(6)

-: عن ابن مقاتل، وأخرى

(7)

عن عبدان

(8)

، كلاهما عن عبد الله بن يوسف، ورواه: ابن ماجه

(9)

عن محمد بن رمح

(10)

، ثلاثتهم (قتيبة، وعبد الله، ومحمد) عن الليث

(11)

. وابن مقاتل هو: محمد، أبو الحسن الكسائي. وعبدان لقب عبد الله بن عثمان.

وخالفه عبد الرحمن بن عبد العزيز، فرواه: عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه

…

رواه: الطبراني في الكبير

(1)

عن عبيد بن غنام عن أبي بكر بن أبي شيبة

(2)

عن خالد بن مخلد

(3)

عنه به، في قصة، وفيه:(أنا لشهيد على هؤلاء). وعبد الرحمن بن عبد العزيز هو: ابن عبد الله الأنصاري، قال ابن سعد

(4)

: (كان عالمًا بالسيرة، وغيرها، وكان كثير الحديث)، وقال أبو حاتم

(5)

: (شيخ مديني، مضطرب الحديث)، وذكره ابن عدي

(6)

، والذهبي

(7)

في الضعفاء، قال ابن عدي:(ليس هو بذاك المعروف) اهـ

…

والصحيح حديث الليث، ولعلّ عبد الرحمن بن عبد العزيز وهم، فرواه على الجادّة! حدث به عنه: خالد بن مخلد القطواني، قال ابن حجر

(8)

: (صدوق له أفراد). والحديث من هذا الوجه، أورده الهيثمي في مجمع الزوائد

(9)

، وقال - وقد عزاه إلى الطبراني -:(ورجاله رجال الصحيح) اهـ.

ورواه: معمر بن راشد عن الزهري عن ابن أبي صعير

(1)

عن جابر بن عبد الله .. رواه الإمام أحمد

(2)

، ورواه: أبو يعلى

(3)

عن إسحاق بن أبي إسرائيل، كلاهما عن عبد الرزاق

(4)

عنه، به. وفيه للإمام أحمد:( .. فإني شهدت عليهم). ومعمر من أثبت الناس، وأصحهم حديثًا عن الزهري، قاله جماعة من النقاد. وعدّه ابن رجب في الطبقة الأولى من أصحاب الزهري، وتمييزها: طبقة جمعت الحفظ، والإتقان، وطول الصحبة له، والعلم بحديثه، والضبط له، وقدمه جماعة في الزهري على الليث بن سعد

(5)

…

والحديث محفوظ عن الزهري من طريقيهما

(6)

.

ورواه: محمد بن إسحاق عن الزهري، واختلف عنه .. ، فرواه: الإمام أحمد

(7)

عن يزيد بن هارون عنه عن الزهري عن ابن أبي صُعير، قال: لما أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أشهد على هؤلا

…

)، وابن إسحاق لم يصرح بالتحديث. وهو في السيرة لابن

إسحاق

(1)

عن الزهري عن ابن أبي صُعير عن جابر - كحديث معمر -.

ورواه: الضياء في المختارة

(2)

بسنده عنه كذلك.

ورواه: سفيان بن عيينة عن ابن شهاب الزهري، واختلف عنه - أيضًا -

…

فرواه: الإمام أحمد

(3)

- أيضًا - عنه

(4)

عن الزهري - مثل حديث يزيد بن هارون -.

ورواه: ابن عبد البر في التمهيد

(5)

بسنده عن علي بن حرب عنه عن الزهري - مثل حديث معمر عن الزهري -.

ورواه: أبو يعلى

(6)

عن بشر بن الوليد

(7)

عن أبي يوسف عن إسحاق بن راشد عن الزهري: بمثل حديث يزيد بن هارون عن ابن إسحاق، وحديث الإمام أحمد عن سفيان بن عيينة -.

وابن أبي صُعير له رؤية، ولم يثبت له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم؛ والواسطة بينه، وبين النبي صلى الله عليه وسلم جابر بن

عبد الله، فحديثه: مرسل صحابي، وهو حجة

(1)

. وبشر بن الوليد الكندي هو: صاحب أبي يوسف، تُكلّم فيه

(2)

، وأورده الذهبي في الميزان

(3)

، وأشار له (بصح)، ليدل على أن العمل على توثيقه

(4)

.

وروى: ابن عبد البر

(5)

بسنده عن أحمد بن خالد عن أسامة بن زيد عن ابن شهاب الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا الشاهد عليكم) - يعني: شهداء أحد -، في حديث أطول من هذا.

وروى: البخاري، والنسائي، وغيرهما من طرق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني عن عقبة بن عامر رضي الله عنه: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خرج يومًا، فصلى على أهل أُحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر، فقال:(إني فرط لكم، وأنا شهيد عليكم)

…

وهذا حديث عام، تقدم في الفصل الأول من البحث

(6)

.

154 -

[3] عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول يوم أحد: (اللهمَّ إنَّكَ إنْ تَشأْ لا تُعبَد في الأرْض).

هذا حديث صحيح يرويه حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس به

…

رواه: مسلم

(1)

عن حجاج بن الشاعر عن عبد الصمد، ورواه: الإمام أحمد

(2)

- مرة - عن عبد الصمد وعفان جميعًا، ومرة

(3)

عن عفان - وحده -، ورواه: أبو يعلى

(4)

عن هدبة، ثلاثتهم (عبد الص م د، وعفان، وهدبة) عن حماد بن سلمة

(5)

به

…

وعبد الصمد هو: ابن عبد الوارث العنبري. وعفان هو: ابن مسلم الصفار. وهدبة هو: ابن خالد.

وتقدم نحو هذا الحديث فِي غزوة بدر

(6)

. وسيأتي نحوه - أيضًا - في غزوة حنين

(7)

، وذلك صحيح كله.

155 -

[4] عن أبي طلحة رضي الله عنه قال: (رفعتُ رأسِي يومَ أحُدٍ، فجعلتُ أنظُر، وما منهمْ يومئذٍ أحدٌ إلّا يميدُ

(1)

تحتَ حجفته

(2)

مِن النَّعَاسِ؛ فذلكَ قولهُ عز وجل: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا}

(3)

).

هذا الحديث رواه: الترمذى

(4)

- واللفظ له - عن عبد بن حميد عن روح بن عبادة، ورواه: أبو يعلى

(5)

عن عبد الواحد بن غياث أبي بحر، ورواه: الطبراني في الكبير

(6)

عن الحسن بن علي المعمري عن أبي بكر بن خلاد الباهلي عن عبد الرحمن بن مهدي

(7)

، ثلاثتهم عن حماد بن سلمة

(8)

عن ثابت عن أنس بن مالك عن أبي طلحة به

…

ولأبي يعلى نحوه، دون قوله: (فذلك قوله

…

) إلخ. وللطبراني: (رمقت

(1)

النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فلم أر أحدا إلّا وهو يميل

(2)

تحت حجفته من النعاس). قال الترمذي - عقبه -: (هذا حديث صحيح) هـ، وهو كما قال. ورواه من طريقه: الضياء في المختارة

(3)

. ورواه: الحاكم في المستدرك - كما تقدم - بسنده عن حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة، وقال:(هذا حديث صحيح، على شرط مسلم، ولم يخرجاه) اهـ، ووافقه الذهبي في التلخيص

(4)

. والحسن بن على المعمري - شيخ الطبراني - صدوق، له غرائب - وتقدم آنفًا -، وهو متابع. وشيخه: أبو بكر بن خلاد الباهلي، اسمه: محمدٌ، بصري.

وتقدم في أول حديث في هذا المبحث أن أبا طلحة قال: (كنت ليمن تغشاه النعاس يوم أحد)، رواه البخاري، وغيره.

156 -

[5] عن الزبير بن العوام - رضى اللّه عنه - قال: (كُنتُ مِمَّنْ يَعتَريهُ

(1)

النُّعَاسُ

(2)

يَومَ أحُد).

رواه: الترمذي

(3)

عن عبد بن حميد عن روح بن عبادة، ورواه: البزار

(4)

- واللفظ له -، وأبو يعلى

(5)

، كلاهما عن أبي بحر عبد الواحد بن غياث

(6)

، كلاهما (روح، وعبد الواحد) عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير به

…

ولم يسق الترمذي لفظه، قال:(مثله) - يعني: مثل حديث أبي طلحة، المتقدم آنفا -. ولأبي يعلى: وتلا: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً}

(7)

. قال الترمذي - عقبه -: (هذا حديث

حسن صحيح) اهـ، والحديث صحيح، رواه: الضياء

(1)

من طريق الترمذي. وأبو بحر صدوق

(2)

، لكن تابعه روح بن عبادة - وهو: القيسي - ثقة.

ورواه - أيضًا -: البزار

(3)

عن يوسف بن حماد عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن أبيه به، بلفظ:(كنت ممن يعتريه النعاس يوم أحد، فلا أنس أنه أسمع صوت معتب بن قشير كالحلم)

…

وهذا إسناد رجاله ثقات، عدا محمد بن إسحاق - وهو: ابن يسار - صدوق إذا صرح بالتحديث، وقد صرح به عند البيهقي في الدلائل

(4)

، رواه بسنده عن يونس بن بكير عنه به، ولفظه عنده: (والله لكأني أسمع قول معتب بن قشير، وإن النعاس ليغشاني، ما أسمعها منه إلّا كالحلم

(5)

، وهو يقول: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا). وصرح به - أيضًا - عند الضياء في المختارة

(6)

، رواه بسنده عن محمد بن سلمة عنه به، بنحو لفظ البيهقي.

ثم ساقه

(1)

- أيضًا - بسنده عن صدقة بن سابق عن ابن إسحاق قال: حدثني يحيى بن عبد الله بن الزبير عن عبد الله بن الزبير عن الزبير به، بنحوه.

157 -

[6] عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: في قوله عز وجل: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا} ، قال:(أُلقِي عَلينَا النَّومُ يومَ أُحُد).

هذا الحديث رواه: الطبراني في الكبير

(2)

عن علي بن عبد العزيز، وفي الأوسط

(3)

عن علي بن إبراهيم المعافري، كلاهما عن أبي نعيم ضرار بن صرد الطحان عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن عبد العزيز عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة عن أبيه عنه به

…

قال في الأوسط: (لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلّا محمد بن عبد العزيز) اهـ. وفي الإسناد علل

…

ضرار بن صرد الطحان، ضعيف الحديث

(4)

، وبه أعل الهيثمي

(5)

الحديث. ومحمد بن عبد العزيز هو: ابن عمر بن عبد الرحمن الزهري القاضى

…

قال البخاري

(6)

،

والنسائي

(1)

: (منكر الحديث)، وقال النسائي

(2)

- مرة -: (متروك الحديث)، وضعفه: أبو حاتم

(3)

، وابن حبان

(4)

، وابن عدي

(5)

، و الدارقطني

(6)

، وابن الجوزي

(7)

، والذهبي

(8)

. قال أبو حاتم: (وليس لمحمد عن أبي الزناد، والزهري، وهشام بن عروة حديث صحيح)، وقال ابن عدي:(وليس له من الحديث إلا القليل)، ونحوه قال الذهبي. وقال البخاري وغيره:(وكان محمد. بمشورته جُلد مالك)

(9)

. وعبد الرحمن بن المسور - روى عنه جماعة

(10)

، ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى

(11)

، وقال:(وكان قليل الحديث)، وترجم له البخاري

(12)

، وابن أبي حاتم

(13)

، ولم يجرحاه، ولم يوثقاه، وذكره ابن حبان في ثقاته

(14)

.

وقال ابن حجر في التقريب

(1)

: (مقبول) - يعني: إذا توبع، وإلّا فلين الحديث، كما هو اصطلاحه - ولا أعلم من تابعه. وفي الإسناد - أيضًا -: عبد العزيز الدراوردي، وهو صدوق كثير الحديث، يغلط إذا حدث من حفظه، أو من كتب غيره

(2)

. وعلى بن إبراهيم المعافري - أحد شيخي الطبراني - لم أقف على ترجمة له، وتابعه: على بن عبد العزيز، وهو: البغوي.

وخلاصة القول: أن الإسناد واهٍ، والحديث منكر من حديث ابن عوف، وفي الحديثين المتقدمين - حديثي أبي طلحة، وحديث الزبير - غُنية.

158 -

[7] عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يريد قبور الشهداء، حتى إذا أشرفنا على حرة واقم

(3)

، فلما تدلينا منها وإذا قبور بمحنيّة

(4)

. قال: قلنا: يا رسول الله، أقبور إخواننا هذه؟ قال:(قُبُورُ أصْحَابِنَا). فلما جئنا قبور الشهداء قال: (هَذِهِ قبُورُ إخْوَانِنَا).

هذا الحديث رواه: أبو داود

(1)

- وهذا لفظه - عن حامد بن يحيى

(2)

، ورواه: الإمام أحمد عن علي بن عبد الله

(3)

، ورواه: البزار

(4)

عن يوسف بن موسى عن يعقوب بن محمد، ثلاثتهم عن محمد بن معن المدني الغفاري عن داود بن خالد بن دينار عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير عنه به

…

وللبزار: (هذه قبور إخواننا)، ودعا لهم. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال البزار:(وهذا الكلام لا نعلمه وروى إلّا عن طلحة بن عبيد الله؛ بهذا الإسناد) اهـ، وهو إسناد حسن؛ فيه: داود بن خالد بن دينار، وهو صدوق

(5)

. قال ابن المديني

(6)

- وهو شيخ الإمام أحمد فيه -: (وإسناده كله جيد، إلّا أن داود بن خالد هذا لا يحفظ عنه إلّا هذا الحديث) اهـ. وأورده الضياء المقدسي في المختارة

(7)

من طريق الإمام أحمد، وقال الألباني

(8)

: (صحيح).

وقوله: (ودعا لهم) في حديث البزار تفرد به يعقوب بن محمد، وهو: ابن عيسى الزهري، قال فيه أبو زرعة

(1)

: (منكر الحديث)، وقال الحافظ في التقريب

(2)

: (صدوق كثير الوهم، والراوية عن الضعفاء) اهـ، وزيادته: منكرة - والله أعلم -.

159 -

[8] عن جابر بن عبد الله - رضى الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - أنه قال في قتلى أحد: (لا تُغَسِّلُوهُم، فإنَّ كلَّ جُرحٍ - أو: كلّ دَمٍ - يفوحُ مِسْكًا يومَ القِيَامَة).

هذا بعض حديث رواه: الإمام أحمد

(3)

عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عبد ربّ عن الزهري عن ابن جابر عن أبيه به

…

قال محققو المسند: (عبد رب: كذا وقع في النسخ الخطية) اهـ. والحديث رواه: بن عبد البر في التمهيد

(4)

بسنده عن أبي داود عن الإمام أحمد بهذا الإسناد، وفيه:(عبد ربه). وذكره أبو القاسم البغوي في الجعديات

(5)

عن الإمام أحمد، وفيه:(عبد ربه) - ووقع في بعض النسخ منها: عبد رب، كما أشار إليه المحقق -.

قال الحافظ في تعجيل المنفعة

(1)

: (عبد رب - هكذا بغير إضافة -. روى عن: الزهري، وعنه: شعبة)، ثم ذكر حديثه هذا؛ وقال: (أغفله الحسيني، ومن تابعه. وزعم التاج السبكي في شرح المختصر أنه مجهول

…

وهو غلط، أو تحريف من أجل الرواية. وإلّا فقد أخرج الحديث: المحاملي في الجزء الثالث من أماليه - رواية: الأصبهانيين عنه -، فقال فيه: عن عبد ربه بن سعيد عن الزهري. وهذا هو الصواب، وعبد ربه بن سعيد هو: الأنصاري، ثقة مشهور، من رجال التهذيب) اهـ.

فإذا علم هذا يبقى أن في الإسناد: ابن جابر، لم يسم

…

ولجابر ثلاثة إبناء رُوَاة: عبد الرحمن، قال الحافظ

(2)

: (ثقة). ومحمد، وهو صدوق - كما في التقريب

(3)

-. وعقيل، قال الذهبي

(4)

: (ما روى عنه غير: صدقة بن يسار)

(5)

، انفرد ابن حبان بذكره في الثقات

(6)

- فيما أعلم -، وقال الذهبي

(7)

: (لا يعرف)، وقال في الموضع المتقدم من الميزان:(فيه جهالة)

(8)

.

فلعل رواية الزهري هنا عن أحد أخوي عقيل - المتقدمين -، وعليه: فالحديث حسن - على أقل أحواله - والله تعالى أعلم.

160 -

[9] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لمَّا أُصيبَ إخوانُكُم بأُحُد جعلَ اللهُ أرواحَهُمْ في جوفِ طيرٍ خُضْرٍ، تردُ أنهارَ الجنَّة، تأكلُ مِنْ ثمارِهَا، وتَأوي إلى قناديلَ مِنْ ذَهَبٍ، معلّقة في ظلِّ العَرَشِ، فلمَّا وجَدُوا طيْبَ مأكَلهِمْ، ومشربِهِمْ، ومَقِيلهِمْ، قالُوا: منْ يُبلّغْ إخوانَنَا عنّا، أنَّا أحيَاءٌ في الجنَّةِ، نرزقُ؛ لئَلَّا يزهَدُوا في الجِهَادِ، ولا يَنكُلُوا عندَ الحربِ؟ فقالَ اللهُ - سبحانَه -: أنَّا أُبلِّغُهُمْ عَنْكُمْ، قَالَ: فأنزلَ الله: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ، إلى آخر الآية

(1)

.

هذَا الحديث يرويه محمد بن إسحاق، وعدي بن الفضل، كلاهما عن إسماعيل بن أمية.

فأما حديث ابن إسحاق فاختلف فيه عنه

…

فرواه: أبو داود

(2)

- واللفظ له - وأبو يعلى

(3)

، كلاهما عن عثمان بن أبي شيبة

(4)

عن عبد الله

ابن إدريس الأودى عنه

(1)

عن إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.

وخالف يوسفُ بن بهلول عثمانَ بن أبي شيبة، فرواه عن ابن إدريس عن ابن إسحاق عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن ابن عباس

…

لم يذكر سعيد بن جبير، رواه: عبد بن حميد

(2)

عن يوسف.

وهكذا وواه: الإمام أحمد

(3)

عن يعقوب عن أبيه عن ابن إسحاق.

وهكذا رواه: ابن المبارك في الجهاد

(4)

، والطبري في التفسير

(5)

، وابن أبي عاصم في الجهاد

(6)

، كلاهما من طريق إسماعيل بن عياش، والطبري في التفسير

(7)

بسنده عن سلمة (هو: ابن الفضل)، وابن أبي شيبة في المصنف

(8)

، وابن أبي عاصم في الجهاد

(9)

،

وهناد في الزهد

(1)

، كلهم من طريق محمد بن فضيل، أربعتهم (ابن المبارك، وابن عياش، وسلمة، وابن فضيل) عن ابن إسحاق.

وأما حديث عدى بن الفضل فرواه: البزار

(2)

عن عبد الواحد بن غياث عنه عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن ابن عباس به، بنحوه، أطول منه

…

وقال - أثناء سياق الإسناد -: (وقال غيره: عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) اهـ، وعدي بن الفضل - وهو: أبو حاتم التيمي البصري -، متروك الحديث، لا يشتغل به

(3)

. وأبو الزبير هو: محمد بن مسلم بن تدرس، مشهور بالتدليس، وقد رأى ابنَ عباس، لكنه لم

يسمع منه - على الصحيح

(4)

-

…

فالإسناد: منقطع، مع وهائه، والواسطة بينهما: سعيد بن جبير - كما تقدم عند أبي داود، وأبي يعلى -، والإسناد بذكره أثبت، قاله: ابن كثير

(5)

، وقال:(وكذا رواه: سفيان الثوري عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) اهـ، وصححه الحاكم

(6)

على شرط مسلم، ووافقه الذهبي في التلخيص

(1)

، وذكره القرطبي في التفسير

(2)

عن أبي داود، وصحح إسناده

…

لكني لم أقف لأبي الزبير تصريحًا بالسماع عن سعيد بن جبير.

وللحديث شاهد بنحوه في فضل الشهداء على وجه العموم، رواه: مسلم

(3)

، وغيره

(4)

، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه؛ فهو به: حسن لغيره - والله الموفق -.

161 -

[10] عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصعب بن عمير، حين رجع من أحد، فوقف عليه، وعلى أصحابه، فقال: (أشهدُ أنَّكُمْ أحياءٌ عندَ الله. فزوروهُم، وسلِّمُوا عليهِمْ، فوالَّذي نفسُ محمَّد بيدِهِ لا يُسَلّم

(5)

عَليهِمْ أحَدٌ إلَّا رَدّوا عَلَيهِ إلى يَومِ القِيَامَة).

هذا حديث رواه: الطبراني في الأوسط

(1)

عن عمر بن حفص السدوسى عن أبي بلال الأشعري عن يحيى بن العلاء الرازي عن عبد الأعلى بن عبد اللّه بن أبي فروة عن قطن بن وهب عن ابن عمر به

…

وقال: (لا يروى هذا الحديث عن ابن عمر إلّا بهذا الإسناد، تفرد به أبو بلال) اهـ.

وفي الإسناد ثلاث علل، الأولى: يحيى بن العلاء هو: أبو عمرو البجلي الرازي، قال ابن معين

(2)

: (ليس بثقة)، وقال الإمام أحمد

(3)

: (كذاب رافضي، يضع الحديث)، وقال البخاري

(4)

: (متروك الحديث)، وتركه - أيضًا -: عمرو بن علي

(5)

، والنسائي

(6)

، والدارقطني

(7)

، وقال الحافظ في التقريب

(8)

: (رمي بالوضع).

والثانية: حدث بهذا عنه أبو بلال الأشعري، يقال اسمه: مرداس بن محمد

(9)

ويقال: اسمه كنيته

(10)

، وقيل غير ذلك

(11)

. وذكره ابن

حبان في الثقات

(1)

، وقال الدارقطني

(2)

: (ضعيف)، وأورده الذهبي في الضعفاء

(3)

.

والثالثة: قطن بن وهب هو: ابن عويمر أبو الحسن، يروي عن التابعين، ويروى بواسطة عن سالم بن عبد الله ابن عمر

(4)

، فلا أخاله أدرك ابن عمر، والحديث - موضوع بهذا المتن، وتقدم ما يغني عنه.

وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى

(5)

، وابن أبي شيبة في المغازي

(6)

، والبيهقي في السنن الكبرى

(7)

، كلهم من طريق عبد الرحمن بن عبد العزيز الأنصاري عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه

…

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد

…

فذكر كلاما، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بين ظهراني القتلى، فقال: (أنا شهيد على هؤلاء، لفوهم لي دمائهم؛ فإنه ليس من جريح يجرح في الله إلّا جاء جرحه يوم القيامة يَدْمى، لونه لون الدم، وريحه ريح المسك

…

). وعبد الرحمن بن عبد العزيز ضعفه جماعة، وقال الحافظ:(صدوق يخطئ) - وتقدم -، وحديثه حسن لغيره بما قبله.

* ومما سيأتي في فضائل أهل أُحد: ما رواه: الإمام أحمد بإسنادين صحيحين على شرط الشيخين من حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي - صلى الله عديه وسلم - قام خطيبًا، فحمد الله، وأثنى عليه، واستغفر للشهداء الذين قتلوا يوم أحد)

(1)

.

• خلاصة: اشتمل هذا المبحت من الأحاديث على ثلاثة عشر حديثًا، كلها موصولة. منها ثمانية أحاديث صحيحة - انفرد البخاري باثنين، ومسلم بواحد -. وحديثان حسنان. وحديث حسن لغيره. وحديث منكر. ومثله موضوع - من طريقيهما -، وهذان الأخيران ورد ما يغني عنهما. وذكرت في الشواهد أربعة أحاديث - والله سبحانه الموفق -.