الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العمرة، ولا يكون سعيه لها طولا حيث لم يقم عندها إقامة تقطع حكم التوديع، والمراد بتأديه بهما: أنه لا يستحب لمن طاف للإفاضة أو للعمرة، ثم خرج من فوره أن يطوف للوداع، بل يسقط عنه الطلب بما ذكر، ويحصل له فضل الوداع إن نواه بما ذكر، قياسا على تحية المسجد.
ج - فقهاء
الشافعية:
قال النووي رحمه الله (1) :
قال المصنف رحمه الله: (إذا فرغ من الحج وأراد المقام بمكة لم يكلف طواف الوداع، فإن أراد الخروج طاف للوداع وصلى ركعتي الطواف، وهل يجب طواف الوداع أم لا؟ فيه قولان:
(أحدهما) : أنه يجب، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت (2) » .
(والثاني) : لا يجب؛ لأنه لو وجب لم يجز للحائض تركه، فإن قلنا: إنه واجب وجب بتركه الدم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من ترك نسكا فعليه دم» . وإن قلنا: لا يجب، لم يجب بتركه دم؛ لأنه سنة فلا يجب بتركه دم، كسائر سنن الحج، وإن طاف للوداع ثم أقام لم يعتد بطوافه عن الوداع؛ لأنه لا توديع مع المقام، فإذا أراد أن يخرج أعاد طواف الوداع، وإن طاف ثم صلى في طريقه أو اشترى زادا - لم يعد الطواف؛ لأنه لا يصير بذلك مقيما، وإن نسي الطواف وخرج ثم ذكره (فإن قلنا) : إنه واجب نظرت، فإن كان من مكة على مسافة تقصر فيها الصلاة استقر عليه الدم، فإن عاد
(1)[المجموع شرح المهذب](8 \ 253 - 257) .
(2)
صحيح البخاري الحج (1759) ، صحيح مسلم الحج (1327) ، سنن أبو داود المناسك (2002) ، سنن ابن ماجه المناسك (3070) ، مسند أحمد بن حنبل (6/431) ، سنن الدارمي المناسك (1932) .
وطاف لم يسقط الدم؛ لأن الطواف الثاني للخروج الثاني فلا يجزئه عن الخروج الأول، فإن ذكر ذلك وهو في مسافة لا تقصر فيها الصلاة فعاد وطاف سقط عنه الدم؛ لأنه في حكم المقيم، ويجوز للحائض أن تنفر بلا وداع؛ لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:«أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه قد خفف عن المرأة الحائض (1) » ، فإن نفرت الحائض ثم طهرت، فإن كانت في بنيان مكة عادت وطافت وإن خرجت من البنيان لم يلزمها الطواف) .
(الشرح) حديث ابن عباس الأول: «لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده (2) » رواه مسلم، وحديثه الآخر:(أمر الناس. .) إلى آخره، رواه البخاري ومسلم، وحديث:«من ترك نسكا فعليه دم» سبق بيانه في هذا الباب مرات.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفر إذا صفية على باب خبائها كئيبة حزينة فقال: " عقرى، حلقى، إنك لحابستنا " ثم قال لها: " أكنت أفضت يوم النحر؟ " قالت: نعم. قال: " فانفري (3) » رواه البخاري ومسلم. والوداع بفتح الواو، وتنفر بكسر الفاء.
أما الأحكام ففيها مسائل:
(إحداها) : قال أصحابنا: من فرغ من مناسكه وأراد المقام بمكة ليس عليه طواف الوداع، وهذا لا خلاف فيه سواء كان من أهلها أو غريبا، وإن أراد الخروج من مكة إلى وطنه أو غيره طاف للوداع ولا رمل في هذا الطواف ولا اضطباع كما سبق، وإذا طاف صلى ركعتي الطواف، وفي هذا الطواف قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما: أصحهما: أنه
(1) صحيح البخاري الحج (1755) ، صحيح مسلم الحج (1328) ، مسند أحمد بن حنبل (6/431) ، سنن الدارمي المناسك (1934) .
(2)
صحيح البخاري الحج (1759) ، صحيح مسلم الحج (1327) ، سنن أبو داود المناسك (2002) ، سنن ابن ماجه المناسك (3070) ، مسند أحمد بن حنبل (6/431) ، سنن الدارمي المناسك (1932) .
(3)
صحيح مسلم الحج (1211) ، سنن الترمذي الحج (943) ، سنن النسائي الحيض والاستحاضة (391) ، سنن أبو داود المناسك (2003) ، سنن ابن ماجه المناسك (3072) ، موطأ مالك الحج (945) ، سنن الدارمي المناسك (1917) .
واجب، والثاني: سنة، وحكي طريق آخر أنه سنة قولا واحدا، حكاه الرافعي وهو ضعيف غريب. والمذهب: أنه واجب.
قال القاضي أبو الطيب والبندنيجي وغيرهما هذا نصه في [الأم] والقديم، والاستحباب هو نصه في الإملاء، فإن تركه أراق دما (فإن قلنا) : سنة فالدم سنة، ولو أراد الحاج الرجوع إلى بلده من منى لزمه دخول مكة لطواف الوداع إن قلنا هو واجب. والله أعلم.
(الثانية) : إذا خرج بلا وداع وقلنا يجب طواف الوداع عصى، ولزمه العود للطواف ما لم يبلغ مسافة القصر من مكة، فإن بلغها لم يجب العود بعد ذلك، ومتى لم يعد لزمه الدم، فإن عاد قبل بلوغه مسافة القصر سقط عنه الدم، وإن عاد بعد بلوغها فطريقان:
(أصحهما) وبه قطع الجمهور: لا يسقط.
(والثاني) : حكاه الخراسانيون وجهان: (أصحهما) : لا يسقط، (والثاني) : يسقط.
(الثالثة) : ليس على الحائض ولا على النفساء طواف وداع ولا دم عليها لتركه؛ لأنها ليست مخاطبة به للحديث السابق، لكن يستحب لها أن تقف على باب المسجد الحرام، وتدعو بما سنذكره إن شاء الله تعالى.
ولو طهرت الحائض والنفساء فإن كان قبل مفارقة بناء مكة لزمها طواف الوداع؛ لزوال عذرها، وإن كان بعد مسافة القصر لم يلزمها العود بلا خلاف، وإن كان بعد مفارقة مكة وقبل مسافة القصر فقد نص الشافعي: أنه لا يلزمها، ونص أن المقصر بترك الطواف يلزمه العود. وللأصحاب طريقان:(المذهب) الفرق كما نص عليه وبه قطع المصنف والجمهور؛
لأنه مقصر بخلاف الحائض.
(والطريق الثاني) : حكاه الخراسانيون فيهما قولان: (أحدهما) : يلزمهما، (والثاني) : لا يلزمهما. (فإن قلنا) : لا يجب العود فهل الاعتبار في المسافة بنفس مكة أم بالحرم؟ فيه طريقان: المذهب وبه قطع المصنف والجمهور بنفس مكة، والثاني: حكاه جماعة من الخراسانيين، فيه وجهان أصحهما هذا، والثاني الحرم، وأما المستحاضة إذا نفرت في يوم حيضها فلا وداع عليها، وإن نفرت في يوم طهرها لزمها طواف الوداع.
(الرابعة) : ينبغي أن يقع طواف الوداع بعد جميع الأشغال، ويعقبه الخروج بلا مكث، فإن مكث نظر: إن كان لغير عذر أو لشغل غير أسباب الخروج كشراء متاع أو قضاء دين أو زيارة صديق أو عيادة مريض لزمه إعادة الطواف، وإن اشتغل بأسباب الخروج كشراء الزاد وشد الرحل ونحوهما، فهل يحتاج إلى إعادته؟ فيه طريقان: قطع الجمهور بأنه لا يحتاج، وذكر إمام الحرمين فيه وجهين، ولو أقيمت الصلاة فصلاها معهم لم يعد الطواف، نص عليه الشافعي في الإملاء، واتفق عليه الأصحاب. والله أعلم.
(الخامسة) : حكم طواف الوداع حكم سائر أنواع الطواف في الأركان والشروط، وفيه وجه لأبي يعقوب الأيبوردي أنه يصح بلا طهارة وتجبر الطهارة بالدم، وقد سبق بيان الوجه في فصل طواف القدوم، وهو غلط ظاهر. والله تعالى أعلم.
(السادسة) : هل طواف الوداع من جملة المناسك أم عبادة مستقلة؟ فيه خلاف، فقال إمام الحرمين والغزالي: هو من المناسك وليس على الحاج
والمعتمر طواف وداع إذا خرج من مكة لخروجه، وقال البغوي والمتولي وغيرهما: ليس طواف الوداع من المناسك، بل هو عبادة مستقلة يؤمر بها كل من أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر سواء كان مكيا أو آفاقيا، وهذا الثاني أصح عند الرافعي وغيره من المحققين تعظيما للحرم وتشبيها لاقتضاء خروجه الوداع باقتضاء دخوله الإحرام، قال الرافعي: ولأن الأصحاب اتفقوا على أن المكي إذا حج ونوى على أن يقيم بوطنه لا يؤمر بطواف الوداع، وكذا الآفاقي إذا حج وأراد الإقامة بمكة لا وداع عليه، ولو كان من جملة المناسك لعم الحجيج، هذا كلام الرافعي، ومما يستدل به من السنة لكونه ليس من المناسك ما ثبت في [صحيح مسلم] وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا (1) » وجه الدلالة أن طواف الوداع يكون عند الرجوع وسماه قبله قاضيا للمناسك، وحقيقته أن يكون قضاها كلها. والله أعلم.
(فرع) ذكرنا في هذه المسألة السادسة عن البغوي: أن طواف الوداع يتوجه على كل من أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر، قال: ولو أراد دون مسافة القصر لا وداع عليه، والصحيح المشهور: أنه يتوجه على من أراد مسافة القصر ودونها سواء كانت مسافة بعيدة أم قريبة؛ لعموم الأحاديث وممن صرح بهذا صاحب البيان وغيره.
(فرع) قد ذكرنا أنه لا يجوز أن ينفر من منى ويترك طواف الوداع إذا قلنا بوجوبه، فلو طاف يوم النحر للإفاضة وطاف بعده للوداع، ثم أتى منى ثم أراد النفر منها في وقت النفر إلى وطنه واقتصر على طواف الوداع السابق فهل يجزئه؟ قال صاحب البيان: اختلف أصحابنا المتأخرون فيه، فقال
(1) صحيح البخاري المناقب (3933) ، صحيح مسلم الحج (1352) ، سنن الترمذي الحج (949) ، سنن النسائي تقصير الصلاة في السفر (1455) ، سنن أبو داود المناسك (2022) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1073) ، مسند أحمد بن حنبل (5/52) ، سنن الدارمي الصلاة (1512) .