الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد الثاني
الباب الثاني: الأمثال المضروبة لاستنارة قلوب المؤمنين وظلمة قلوب الكافرين في سورة النور
الفصل الأول: المثل المضروب لنور الله في قلوب المؤمنين
المبحث الأول: دلالة السياق الذي ورد فيه المثل
…
المبحث الأول: دلالة السياق الَّذِي ورد فيه المثل.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِة ٍلَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لَاّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآء بِغَيْرِ حِسَابٍ وَالَّذِينَ كَفَرُوآ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَآءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ
…
} .
إلى قوله سبحانه: {لَقَدْ أَنْزَلْنَآ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} 1.
لقد ورد هذا المثل العظيم في سياق بدأ بذكر العلم الذي أنزله الله إلىعباده، والذي يتضمن: الآيات البينات، والأمثال المضروبة من أحوال الأمم السابقة، والمواعظ. وذلك في قوله تعالى:{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ} . وهذا العلم النازل هو الطريق الوحيد لهداية الناس.
ثم بين سبحانه أنه هو الهادي لأهل السموات والأرض، فكل خير ونور وبصيرة وهدى فهو منه وحده سبحانه حيث قال:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} .
ثم ضرب - سبحانه - مثلاً لنوره الذي يجعله في قلوب عباده المؤمنين جزاء تصديقهم وقبولهم لما نزل من البينات، وتعلمهم لها، وعملهم بها، مبيناً في المثل حقيقة ذلك النور، ومادته التي تغذيه، وأثره في استنارة القلب وبصيرته، وذلك بقوله: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا
1سورة النور الآيات (35-46)
مِصْبَاحٌ
…
} الآية.
ثم ذكر سبحانه شاهداً على أثر ذلك النور في ذكر بعض صفات عباده المؤمنين الذين استنارت قلوبهم بذلك النور، فأكسبها البصيرة، وكشف لهم أحاسن الأعمال فلزموها، وأراذلها فتجافوا عنها. حيث قال سبحانه:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لَاّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآء بِغَيْرِ حِسَابٍ} 1.
ثم أتبع ذلك بذكر مثلين يصور فيهما سبب ضلال فريقين من الكفار، المتمثل في إعراضهما عن نور العلم الذي أنزله الله لهداية الناس، وما نتج عن ذلك من حجب الله نوره عنهم فبقوا في الضلال والظلمات يعمهون.
قال – سبحانه -: {وَالَّذِينَ كَفَرُوآ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَآء حَتَّى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ
1سورة النور الآيات (36-38)
الْحِسَابِ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} 1.
وفي ختم المثل الأول بقوله: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآء} .
والمثل الثالث بقوله: {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} ربط بين هذه الأمثال المصورة لحال من أعطاه الله النور ومن لم يحصل له ذلك النور، وبيان لحقيقة هامة وهي أن الهداية لا تكون إلا بنور الله عز وجل الحاصل من تعلم العلم من الوحي النازل من الله والإيمان والعمل به، وأن من لم يسلك سبيل العلم فلن يُعْطيَهُ الله نوراً، ومن لم يعطه الله نوراً فلن يستنير قلبه أبداً، ولو سلك ما سلك من الطرق.
وهذه الحقيقة المستفادة من سياق الأمثال الثلاثة المتمثلة: بوجود نور يهدي إلى الإيمان، هو نور العلم، ووجود نور يجعله الله في قلوب عباده المؤمنين، هو نور الإيمان، دل عليه قوله تعالى في ألفاظ المثل الأول:{نُّورٌ عَلَى نُورٍ} .
1سورة النور الآيتان (39-40) .
وتعلم العلم هو فعل العبد، وقذف النور في القلب هو فعل الله تعالى. فإذا جاء العبد بما عليه من الاستجابة للعلم، أعطاه الله ما يستحقه فهداه. حيث قال سبحانه:{نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآء} .
خلاصة دلالة السياق:
إن مثل النور في قوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ
…
} الآية، ورد في سياق أشاد الله فيه بالعلم النازل به الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين أنه الطريق والسبب الأوحد لهداية الناس حيث ينير قلوب المؤمنين وأعمالهم. وأن نور الإيمان يقذفه الله في تلك القلوب التي استنارت بالعلم واستجابت له.
وصوّر مثل النور هذا المعنى أكمل تصوير.
كما دل السياق على أن سبب ضلال الكفار هو إعراضهم عما أنزله الله من العلم. وضُرب لذلك مثلان يبينان حال الكفار الذين حُرموا من النور الإلهي، هما: مثل السراب، ومثل الظلمات.
وسوف يأتي مزيد من التأمل في السياق عند دراسة هذين المثلين إن شاء الله تعالى.