المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: في بيان الحجة في قوله تعالى: {وضرب الله مثلا رجلين أحدهمآ أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم} - الأمثال القرآنية القياسية المضروبة للإيمان بالله - جـ ٣

[عبد الله بن عبد الرحمن الجربوع]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌الباب الثالث: الأمثال المضافة إلى الله تعالى

- ‌الفصل الأول: في النهي عن ضرب الأمثال لله تعالى

- ‌المبحث الأول: في دلالة السياق الذي ورد فيه النهي عن ضرب الأمثال لله تعالى

- ‌المبحث الثاني: المراد بالأمثال التي نهي عن ضربها لله عز وجل

- ‌المبحث الثالث: في أهم الفوائد المستفادة من النهي عن ضرب الأمثال لله تعالى

-

- ‌الفصل الثاني: في ثبوت تفرد الله بالمثل الأعلى ونماذج مما جرى على قياس الأولى من الأمثال

- ‌المبحث الأول: في دلالة السياق الذي ورد فيه إثبات المثل الأعلى لله تعالى

- ‌المطلب الأول: في دلالة السياق من سورة "النحل" الذي ورد فيه ثبوت المثل الأعلى لله تعالى

- ‌المطلب الثاني: دلالة السياق من سورة "الروم" الذي ورد فيه إثبات المثل الأعْلَى لله تعالى

- ‌المبحث الثاني: في المراد بالمثل الأعلى ومعنى الآيات الدالة على ذلك

- ‌المطلب الأول: في المراد بالمثل الأعلى لله تعالى

- ‌المطلب الثاني: في معنى قوله تعالى: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ المَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}

- ‌المطلب الثالث: في معنى قوله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعِيده وهو أهون عليه وله المثل الأَعلى في السماوات والأرض وهو العزِيز الحكيم}

- ‌المبحث الثالث: في دلالة ثبوت المثل الأعلى لله تعالى على قاعدة قياس الأولي

- ‌المطلب الأول: في بيان المطلبين اللذين يمكن إثباتهما بقاعدة قياس الأولى، ويدل عليهما ثبوت المثل الأعلى لله تعالى

- ‌المطلب الثاني: بيان المراد بالكمال الذي يثبت لله بهذه القاعدة

- ‌المطلب الثالث: كيفية تطبيق قاعدة قياس الأولى على الأمثال القرآنية

-

- ‌المبحث الرابع: نماذج من الامثال الجارية على قياس الاولى

- ‌المطلب الأول: في بيان الحجة في قوله تعالى:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}

- ‌المطلب الثاني: في بيان الحجة في قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}

- ‌المطلب الثالث: في بيان الحجة في قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}

- ‌المبحث الخامس: أهم الفوائد التي دل عليها ثبوت المثل الأعلى لله تعالى

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: في بيان الحجة في قوله تعالى: {وضرب الله مثلا رجلين أحدهمآ أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم}

‌المطلب الثاني: في بيان الحجة في قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}

1.

هذا المثل ورد في سورة "النحل" بعد المثل الذي تم بيان الحجة التي يدل عليها في المطلب السابق.

والقول في: دلالة السياق، ونوع المثل والقياس الذي تضمنه، والغرض الذي ضرب من أجله، كالقول في المثل قبله.

فهذا المثل هو حجة أخرى بيّنها الله تعالى لإبطال الشرك، وأن التسوية بين الكامل والناقص غير صحيحة في دلالة العقول.

بيان الحجة التي دل عليها المثل:

تدور تفاسير أهل العلم لهذا المثل على أنه يتضمن الاحتجاج على المشركين بنظر العقول الصحيحة التي تحكم ببطلان التسوية بين الكامل الذي يتكلم ويدل على الخير وهو مستقيم على الحق لا يزول عنه، وبين الناقص الأبكم الذي لا يأتي بخير. وبذلك يبطل ما يزعمه المشركون من

1 سورة النحل (76)

ص: 1059

التسوية بين الله تعالى والأصنام حيث جعلوها آلهة مع الله تعالى عن ذلك.

قال ابن جرير رحمه الله: "وهذا مثل ضربه الله تعالى لنفسه، والآلهة التي تُعبد من دونه، فقال تعالى ذكره:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} يعني بذلك الصنم أنه لا يسمع شيئاً، ولا ينطق، لأنه إما خشب منحوت، وإما نحاس مصنوع، لا يقدر على نفع لمن خدمه، ولا دفع ضر عنه

{هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ} يعني: هل يستوي هذا الأبكم الكَلّ على مولاه، الذي لا يأتي بخير حيث توجه، ومن هو ناطق متكلم يأمر بالحق، ويدعو إليه، وهو الله الواحد القهار، الذي يدعو عباده إلى توحيده وطاعته؟ يقول: لا يستوي هو تعالى ذكره، والصنم الذي صفته ما وصف"1.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وهذا مثل آخر. فالأول: مثل العاجز عن الكلام وعن الفعل، الذي لا يقدر على شيء، والآخر المتكلم الآمر بالعدل الذي هو على صراط مستقيم، فهو عادل في أمره، مستقيم في فعله

فلا يستوي هذا، والعاجز عن الكلام والفعل"2.

1 جامع البيان، (7/622، 623) .

2 مجموع الفتاوى، (6/80) .

ص: 1060

وقال الشوكاني رحمه الله ما معناه: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً} أي مثلاً آخر أوضح مما قبله، وأظهر منه

لأن حاصل أوصاف الأول عدم استحقاقه لشيء، وحاصل أوصاف الثاني أنه مستحق أكمل استحقاق. والمقصود الاستدلال بعدم تساوي هذين المذكورين على امتناع التساوي بينه سبحانه وما يجعلونه شريكاً له1.

وقال محمد بن علي الصابوني: "هذا هو المثل الثاني للتفريق بين الإله الحق والأصنام الباطلة، قال مجاهد: هذا مثل مضروب للوثن والحق تعالى: فالوثن أبكم لا يتكلم ولا ينطق بخير، ولا يقدر على شيء بالكلية، لأنه إما حجر أو شجر. {وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ} أي ثقيل عالة على وليه، {أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ} أي حيثما أرسله سيده لم ينجح في مسعاه لأنه أخرس، بليد ضعيف. {هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي هل يستوي هذا الأخرس، وذلك الرجل البليغ المتكلم بأفصح بيان، وهو على طريق الحق والاستقامة، مستنير بنور القرآن؟ وإذا كان العاقل لا يسوِّي بين هذين الرجلين، فكيف تمكن التسوية بين صنم أو حجر، وبين الله سبحانه وهو

1 انظر: فتح التقدير، (3/182) .

ص: 1061

القادر العليم، الهادي إلى الصراط المستقيم"1.

إيضاح الحجة على قاعدة قياس الأولى:

أولاً: تضمن المثل ذكر حال رجلين: أحدهما: أبكم لا يقدر على شيء، ولا يستفاد منه خير. والآخر: متكلم فصيح عادل في أمره، مستقيم في فعله. والمراد لفت عقول المخاطبين إلى المقارنة بينهما. ونتيجة المقارنة مسلمة عندهم.

ثانياً: الحكم وهو نتيجة المقارنة، حيث تقطع بعدم استوائهما وأن التسوية بينهما جهل وضلال.

ثالثاً: إقرار المخاطبين بالمثل - وهم المشركون من كفار العرب - بأن تحقق الوصف الكامل في الله تعالى أتم، وأنه أعلى وأجل، وتحقق الوصف الناقص في الأصنام أتم، وهي أعجز من ذلك الرجل الأبكم الموصوف في المثل.

رابعاً: إلزام المشركين بوجوب الحكم لله بهذا الحكم. وهو عدم التسوية بينه وبين الأصنام في الألوهية واستحقاق العبادة. وأنه أولى بهذا الحكم، لأن الفرق بينه وبين تلك الأصنام أعظم مما بين المخلوق والمخلوق ممن ذكرت أوصافهم.

وبذلك يبطل الشرك الذي يتلبسون به.

1 صفوة التفاسير، (2/136) .

ص: 1062

خامساً: ينقلون بعد هذا - إذا أقروا به - إلى إثبات "المثل الأعلى" لله تعالى، وهو أن الله أعلى وأكمل من كل مخلوق، فلا يوجد من يساويه في الكمال، وعليه فلا يوجد من يساويه فيكون نداً له في الألوهية واستحقاق العبادة.

ص: 1063