الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكتب " (1) ويظهر اهتمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بكتب ابن القيم وتأثره بها أن قام باختصار كتابه " زاد المعاد في هدي خير العباد "، وقد تطرق ابن القيم في مقدمة كتابه هذا إلى مسألة تحقيق معنى لا إله إلا الله (2) وقد تأثر بذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب فركز على هذه المسألة في كثير من مؤلفاته ورسائله وخاصة في " كتاب التوحيد " (3) .
ومما تقدم كله ندرك اهتمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بآثار السلف الصالح وذلك كأحد الأسس النقلية التي اعتمدت وتعتمد عليها الدعوة في تقرير مبادئها بعد القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولم تؤمن الدعوة بسلطان العقل المطلق، لأن العقل تجريب وكل تجريب فيه إمكان خطأ، أما النص ففيه اليقين المنزل، والعقل يجب أن يكون شاهدا على التصديق والإذعان لا ناقضا ولا رافضا لما اشتمل عليه القرآن والسنة الصحيحة (4) .
[حقيقة الدعوة]
حقيقة الدعوة اختلفت آراء المؤرخين والباحثين في حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، هل هي حركة دينية أم سياسية أم للأمرين معا؟ .
فمنهم من قال إنها حركة إصلاح ديني خالص، غايتها القضاء على ما أصاب الدين من شوائب الشرك والوثنية (5) .
وآخرون يرون أنها حركة سياسية اتخذت الإصلاح الديني وسيلة لتحقيق أهدافها والتي من أهمها إنشاء دولة مستقلة في الجزيرة العربية منفصلة عن الخلافة العثمانية (6) .
وفريق ثالث يرى أنها حركة دينية سياسية بدليل ما قامت به من إصلاح ديني وما
(1) سليمان بن سحمان: مرجع سابق ص 49.
(2)
انظر ابن القيم: زاد المعاد في هدي خير العباد ج1، وكمال السيد درويش: مرجع سابق ص 188.
(3)
محمد بن عبد الوهاب: كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ص 11، 12.
(4)
مناف منصور: الوهابية أو الكفاح ضد الوثنية الجديدة، مجلة الخفجي، العدد الرابع، المجلد الخامس (يوليو 75م) ص 10.
(5)
Qeyamuddin Ahmad: Ibid p22.
(6)
توفيق الطويل: ضمن كتاب: الفكر العربي في مائة سنة، بحوث مؤتمر الدراسات العربية سنة 1969 - الجامعة الأمريكية ببيروت ص 277.
أسسته من حكومة مستقلة عن الخلافة العثمانية (1) .
وفي رأينا أن الفريق الثالث أقرب الآراء إلى تفهم حقيقة الدعوة بالرغم من تأثر تلك الآراء كلها بفكرة فصل الدين عن الدولة والحياة، والتي على أساسها يزن الغربيون وأتباعهم الأحداث التاريخية بها.
والحق أن أقرب وصف لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن نقول إنها حركة إصلاحية هدفها العودة بالمسلمين إلى ما كانوا عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين من تمسك بأهداب الإسلام وتعاليمه وتحكيمه في جميع شؤونهم الدينية والسياسية، إنها عودة إلى الإسلام الذي كان عليه المسلمون الأوائل والذي قادوا به العالم وسادوا.
ولما كان الإسلام بطبيعته دين ودولة كانت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب دعوة جامعة للأمور الدينية والسياسية معا.
وغني عن البيان الأثر الذي تركته الدعوة في مجال الإصلاح الديني حيث دعت منذ باكورة ظهورها إلى ابتعاد المسلمين عما لحق بإسلامهم من شوائب الشرك والبدع والخرافات والتي كادت أن تشوه معالم الإسلام وتفسد جماله وتذهب بروعته، فأبانت بدعوتها تلك حقيقة الإسلام الناصعة كما أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم (2) .
أما الواجهة السياسية للدعوة فيكفي دليلا عليه ما قامت به الدعوة من إقامة مجتمع إسلامي متكامل في ظل دولة إسلامية تؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة.
وفي اعتقادنا أنه من الخطأ اعتبار هدف الدعوة الأساسي إقامة دولة منفصلة عن دولة الخلافة العثمانية بقدر ما هو محاولة إصلاح تلك الدولة والمجتمع الإسلامي الذي يعيش في ظلها (3) وإذا كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد أبطل الدعوة للسلطان
(1) صلاح العقاد: المرجع السابق - المجلة التاريخية المصرية - المجلد السابع (1958 م) ص 93 - 96.
(2)
محمد عبد الله السلمان: أثر الدعوة السلفية في العالم الإسلامي - مجلة كلية العلوم الاجتماعية، العدد الأول ص 484.
(3)
انظر عجيل النشمي: دولة الخلافة والحركات الوهابية، مجلة المجتمع، العدد 510 في 30 صفر 1401 هـ، يناير 1981 م، ص 38 و 39 و 40.
العثماني في خطبة يوم الجمعة، فقد بين ابن غنام أن سبب ترك الشيخ ذلك لأنها بدعة محدثة في الدين وأنكرها جماعة من العلماء قبله (1) .
وإذا كانت الدولة العثمانية قد وقفت موقفا عدائيا من الدعوة وحركتها فذلك لأنها اعتقدت فيها نذيرا بتقويض سلطانها وخلافتها من بلاد العرب وقيام إمامة دينية جديدة، كما أن الدعوة قضت على نفوذ العثمانيين في الجزيرة العربية وبخاصة سلطتهم الدينية والسياسية في الحجاز وسلبتهم لقب حامي أو خادم الحرمين الشريفين، لذلك عهدت الدولة إلى واليها على مصر (محمد علي) بقمعها والقضاء عليها (2) .
وإذا كان بعض الباحثين (3) تمنى لو تعاونت حركة محمد علي السياسية في نجد بدعوة نجد الدينية في سبيل الإصلاح الإسلامي في ذلك الوقت فإننا نتمنى - من قلوبنا - لو تعاونت الخلافة العثمانية مع الدعوة السلفية في نجد، وفهمتها على حقيقتها الناصعة التي لو اعتنقتها لكان شفاء للرجل المريض الذي كان يطلق لقبا عليها (4) .
ولا نشك أبدا أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد شوهت أمام السلاطين العثمانيين حتى تصوروها على غير حقيقتها، ويؤيد ذلك ما ذكره بعض الباحثين أن بعض أعداء الدعوة السياسيين كانوا كثيرا ما يكتبون إلى الأتراك العثمانيين أن حكام الدعوة السلفية في نجد من (آل سعود) اتخذوا راية شعارها (لا إله إلا الله محد رسول الله) بحذف " ميم " محمد الثانية - أي لا أحد رسول الله - وكل هذا تنفير للأتراك من الدعوة وأتباعها (5) .
(1) حسين بن غنام: روضة الأفكار والأفهام ج1 ص 132، ومنير العجلاني: المرجع السابق ص 266.
(2)
محمد عزة دروزة: نشأة الحركة العربية الحديثة ص 72.
(3)
جلال يحيى: العالم العربي الحديث، المدخل ص 98، وحسين مؤنس: الشرق الإسلامي في العصر الحديث ص 193.
(4)
عبد العزيز سيد الأهل: داعية التوحيد محمد بن عبد الوهاب ص 82، ومحمد حامد الفقي: المرجع السابق ص 24.
(5)
حافظ وهبة: جزيرة العرب في القرن العشرين ص 344 و 345، ومحمد عبد الله ماضي: النهضات الحديثة في جزيرة العرب ج1 ص 60.
ولقد اشتركت جهات كثيرة في تشويه مبادئ الدعوة السلفية في نجد خاصة أولئك الذين اصطدموا بحركة الدعوة من أول ظهورها مثل (أشراف مكة)(1) كما أن (الإنجليز) كان لهم نصيب في ذلك، حتى إنهم كانوا يطلقون على أعدائهم في الهند لقب (الوهابيون) حتى ولو كانوا لا يمتون في سلوكهم ودعوتهم بأي صلة للدعوة السلفية في نجد (2) .
ونعود فنقول: إن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد تركت بجانب ذلك كله أثرا سياسيا آخر، فقد اشتملت مبادئها كثيرا من الآراء السياسية سواء في مؤلفات الشيخ أو أتباعه من علماء الدعوة، وعلى الرغم من أن هذه الآراء متأثرة إلى حد كبير بكتاب (السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية) لشيخ الإسلام ابن تيمية (3) إلا أنها تعكس - بحق - الواجهة السياسية للدعوة. ولعل من أهم المصادر للآراء السياسية للدعوة هو كتاب ألفه الشيخ (سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب) - حفيد الشيخ - واسمه (توضيح توحيد الخلّاق في الرد على أهل العراق)(4) .
وبهذا ندرك أن الإصلاح الذي نادت به الدعوة لم يكن الغرض منه دينيا محضا - كما زعم بعض الباحثين (5) - حقيقة إن الدعوة اهتمت بالإصلاح الديني أكثر من اهتمامها بالإصلاح السياسي، ولكن ذلك يرجع إلى الانحراف الديني في العالم الإسلامي - في ذلك الوقت - يفوق تدهوره السياسي، وفوق هذا وذاك فإن إصلاح العقيدة الإسلامية في نفوس المجتمع الإسلامي أساس كل إصلاح، ومن هنا نستطيع أن نرد على أولئك الباحثين الآخرين الذين ينقدون ويعيبون على الدعوة السلفية في نجد عدم الاهتمام بالتقدم الحضاري الذي يشهده العالم وقت ظهورها (6) فمبادئ الدعوة - تبعا
(1) مسعود الندوي: محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم مفترى عليه ص 179.
(2)
انظر: Qeyamuddin Ahmad: Ibid pp. 232-268.
(3)
منير العجلاني: مرجع سابق ص 240.
(4)
صلاح العقاد: مرجع سابق ص 90 و 95 وقد طبع كتاب (التوضيح) طبعة أولى سنة 1319 هـ.
(5)
عبد المتعال الصعيدي: المرجع السابق ص 439.
(6)
حسين مؤنس: المرجع السابق ص 194.
للإسلام الحق - لا تتنافى مع التقدم الحضاري النافع إذا سار بهدى القرآن والسنة النبوية وآثار السلف الصالحين. ولعل الظروف الصعبة التي أحاطت بالدعوة وأتباعها في تاريخها الطويل هو الذي صرفها عن الأخذ بتلك الحضارة.
أما أن ينسب إلى الحضارة وأدواتها أنها ربما قامت عوائق في طريق الدعوات الدينية الإصلاحية السليمة - ومن أجل ذلك تفاداها محمد بن عبد الوهاب فإنه غير صحيح، إذ ربما كانت هذه الحضارة أيسر تسخيرا في التوصل السريع والنشر العاجل (1) .
وحينما عارض بعض جماعة (الإخوان) المتزمتين في عهد الملك عبد العزيز دخول أساليب الحضارة كالسيارة والتلغراف ونحوها قام علماء الدعوة في ذلك الوقت بإبطال اعتراضهم وبيان الحق في ذلك (2) .
وأيا كان الأمر فإن مبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم تقف في يوم من الأيام حائلا أمام الأخذ بما ينفع في التقدم الحضاري بشرط ألا يكون ذلك مخالفا لأحكام الإسلام وتعاليمه (3) ولعل ما تشهده المملكة العربية السعودية من تقدم حضاري - في هذا الوقت - في جميع مجالات الحياة خير شاهد على ما نقول.
(1) عبد العزيز سيد الأهل: المرجع السابق ص 11.
(2)
جمعت رسائلهم وفتاويهم تلك في كتيب صغير اسمه: مجموعة رسائل وفتاوى مهمة تمس إليها حاجة العصر لعلماء نجد الأعلام، طبع بأمر الملك عبد العزيز في مطبعة المنار بمصر سنة 1346 هـ.
(3)
محمد خليل هراس: الحركة الوهابية ص 47 - 51.