الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استقلالها، وذلك بقيام الإدارة البريطانية في نيجيريا عام (1318 هـ 1900 م) .
ومما هو جدير بالذكر أن قيام الاستعمار الأجنبي في تلك المنطقة لم يمنع انتشار الإسلام سلميا في المناطق الوثنية المجاورة، وذلك على يد مسلمي قبائل (الفلبي - الحوصة) وغيرهم رغم محاولة إرساليات التبشير النصراني عرقلة هذا الانتشار بقوتها المادية ونفوذها السياسي، بل وبقوة السلاح أيضا (1) .
ومن قريب خرج من قبيلة الفلبي الداعية الإسلامي المجاهد (أحمد وبللو) - رئيس وزراء نيجيريا الشمالية سابقا - وبذل جهودا كبيرة لنصرة عقيدته ووطنه ومكافحة المستعمرين (2) ولكن لم يلبث أن اغتيل رحمه الله على يد أعداء الإسلام في 24 رمضان عام 1385 هـ (يناير 1966 م) بعد أيام من عودته من مكة المكرمة معتمرا (3) .
ومع كل هذه العراقيل استمر الإسلام في انتشاره بسهولة بتلك المناطق وغيرها من قارة أفريقية، وبقيت الدعوة السلفية رمزا له هناك، وظل المسلمون هناك صامدين على إسلامهم أمام هذه القوى الصليبية وغيرها من القوى المعادية " ولا زالوا يتمسكون بمبادئه ويتحلون بفضائله "(4) وبقيت إفريقية هي " قارة الإسلام " المرتقبة عن قريب - بإذن الله.
[هل حققت الدعوة أهدافها]
هل حققت الدعوة أهدافها؟ رأينا في الصفحات السابقة مدى انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية في أصقاع مختلفة من العالم الإسلامي ، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن. . ما هي النتائج الملموسة لهذا الانتشار؟ وما هو التقويم العام لهذا الجهد العظيم والطريق الطويل الذي تخطته تلك الدعوة؟ وبالتالي هل نجحت الدعوة في تحقيق أهدافها التي كانت هي أمل الشيخ المصلح (محمد بن عبد الوهاب) منذ باكورة حياة دعوته المباركة؟ . .
لقد قامت الدعوة في أول أمرها من لا شيء، فإذا هي بعد فترة - ليست بالطويلة - كل شيء، قامت أولا وهي لا تتعدى في تكوينها شخصية الشيخ محمد بن عبد الوهاب
(1) توماس أرنولد: ص 361 - 362.
(2)
انظر جهود (أحمد وبللو) للإسلام ووطنه في كتاب (نيجيريا) سلسلة الشعوب الإسلامية لمحمود شاكر ص 88.
(3)
أحمد عبد الغفور عطار: ص 217.
(4)
محمد عبد الله ماضي: ج1 ص 66 - 67.
- رحمه الله تعالى - وفي زمن قصير تقوم دولة بأكملها على أكتافها، وتستنير بتعاليمها، وتقوى بإخلاصها لها، فكانت أشبه بالقذيفة التي تنفجر في جوف ليل حالك الظلام، والناس فيه نيام سامدون، فإذا صوتها قوي أيقظ النائمين في المجتمع الإسلامي كله - وما أكثرهم - ففتح الناس أعينهم على هذه الدعوة، وكانوا حيالها فريقين:
* فريق: قبلها ورأى فيها الحق فاتبعها، ودافع عنها بكل قواه وساندها بالحجج والبراهين.
* والفريق الآخر: عاداها وهب لدفع خطرها عليه ما وسعه إلى ذلك سبيل.
وقامت حروب طاحنة من لم يشترك فيها بسيفه اشترك فيها برأيه.
واستمرت هذه الحروب بالسيف والقلم طويلا حتى التقى المجتمع الإسلامي أخيرا مع هذه الدعوة المباركة، عن طريق العلم الذي لا تقف أمامه الأباطيل والأكاذيب والمفتريات من ناحية، وعن طريق التعمق والبحث بأمور الدين ودراستها دراسة عميقة من ناحية أخرى.
وكانت نتيجة ذلك أن كتب الباحثون (1) - على اختلافهم وكثرتهم - كتابات ومؤلفات عن هذه الدعوة وصاحبها، كشف بعضهم فيها عن دورها العظيم في إحياء المجتمع الإسلامي وتحريره من أغلاله وضلالاته.
وكلما تطورت تلك المفاهيم واتسمت الدراسة بالعمق والبحث العلمي المنهجي كلما ظهرت لنا أسرار جديدة عن عبقرية هذا المصلح الكبير، وأثر دعوته في إنارة عقول الأمة الإسلامية لمدة أربت على القرنين من الزمان.
والحق أنه لا يستطيع منصف ينظر في حال المجتمع الإسلامي خلال القرنين الماضيين ويغفل دور هذه الدعوة المباركة في نشر الوعي الإسلامي والعقيدة الصحيحة بين المسلمين، وأثرها الكبير في تنمية الناحية الفكرية المبنية على الكتاب والسنة وتطورها في العالم الإسلامي.
(1) انظر مجموعة من أقوال وآراء الباحثين - مسلمين وغيرهم - في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب (تاريخ البلاد العربية السعودية) تأليف منير العجلاني ج1 ص 351 - 371، وفي كتاب (الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب) تأليف عبد الله بن سعد الرويشد ج 2 ص 303 إلى آخر الكتاب.
فمنذ بزوغ شمس هذه الدعوة وهي تحاول بشتى الوسائل عودة المسلمين إلى أصول إسلامهم الصحيح؛ لأن هذا أساس هام لحياتهم حياة عزيزة كريمة، ومتى فقدوا هذا فقدوا معهم مكانتهم بين الأمم، وأصبحت الأمة الإسلامية إمعة بين الأمم تأخذ نظام هذا وتدع نظام ذاك.
ومن الملاحظ أن أحوال ظهور هذه الدعوة في أي بلد إسلامي كانت متشابهة إلى حد بعيد من حيث انتشار الخرافات والبدع واختلاطها مع أمور العقيدة الإسلامية ومن حيث التأخر والانحطاط في النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وإن كانت درجة ذلك متفاوتة من بلد إلى آخر، ولكن ما إن تدخل الدعوة السلفية تلك المناطق حتى تقلب أوضاعها رأسا على عقب، وتقودها نحو حياة الإيمان والأمان، والتقدم والاستقرار.
وإذا كانت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية قد نجحت في كل هذه البلاد التي دخلتها، وبخاصة من ناحية تصحيح العقيدة الإسلامية، وإقامة مجتمع إسلامي متمسك بعقيدته، فإن دورها في هذه الناحية لا يزال إلى اليوم في طريقه إلى التمام، فلا زال في العالم الإسلامي بلاد تعيش في ظلام القرون الماضية، وبحاجة إلى توجيهها نحو مبادئ الدعوة السلفية وتعاليمها المباركة.
ويكفي فخرا لهذه الدعوة في هذا المجال أنها أبانت حقيقة الإسلام الناصعة كما أنزله الله تعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مبرأ من شوائب الشرك والبدع، والتي كادت أن تشوه معالم الإسلام وتفسد جماله وتذهب بروعته.
وغني عن البيان الأثر الذي تركته الدعوة في المجال السياسي، إذ قامت في ظل هذه الدعوة دول إسلامية خدمت الإسلام والمسلمين في مناطقها، كما أن انتشار هذه الدعوة في أرجاء مختلفة من العالم الإسلامي دفع حركات التحرر من الاستعمار الأوربي الذي ضرب أطنابه في كثير من الأقطار العربية والإسلامية، فعن طريق هذه الدعوة والحركة الإصلاحية قامت حركات إصلاحية في بعض تلك البلدان وتأثرت بطريق مباشر أو غير مباشر بالدعوة السلفية، وكان لهذه الحركات دور كبير في طرد المستعمرين من بلادهم الإسلامية سجله التاريخ لهذه الحركات بكل فخر واعتزاز وعرفان.
ولو قدّر للدعوة والحركة السلفية ألا تتعرض لما تعرضت له من ضغوط حربية من جانب أعدائها، لتمكنت من توحيد كلمة العرب والمسلمين في وقت كانوا أحوج فيه إلى وحدة الكلمة واتحاد الهدف، يقول الدكتور طه حسين في هذا الصدد:". . ولولا أن الترك والمصريين اجتمعوا على حرب هذا المذهب، وحاربوه في داره بقوى وأسلحة لا عهد لأهل البادية بها لكان من المرجو جدا أن يوحد هذا المذهب (1) كلمة العرب في القرن الثاني عشر والثالث عشر للهجرة، كما وحد ظهور الإسلام كلمتهم في القرن الأول "(2) .
كما لا يخفى أثر هذه الحركة والدعوة الإصلاحية على اليقظة الفكرية في العالم الإسلامي وذلك بالنشاط العلمي الذي برزت آثاره عن طريق ما يقع بين أنصار الدعوة وخصومها من محاجات ومناقشات، ومحاولة دعم كل فريق لأقواله بالدليل والبرهان ، ولقد أحدث هذا نهضة علمية وثقافية عارمة بعد الجمود الفكري والتأخر العلمي الذي مني بهما العالم الإسلامي فترة من الزمن طويلة.
ومن جهة أخرى فإن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية حملت الناس على أن يقبلوا وجهات النظر، وأن يرجعوا إلى ما خلّف السلف من آراء وسنن، حتى انتهوا إلى الينابيع الأولى للإسلام يستقون منها جميعا، ونتج عن ذلك تلاقي وجهات النظر ، على حين أخذت شقة الخلاف تضيق كما هو ملاحظ اليوم.
والحق، أنه إذا كان مقياس نجاح كل حركة مقدرا بالنتائج والثمار التي تجنى منها فنستطيع أن نقول - بكل أمانة وتجرد - إن حركة الدعوة السلفية قد نجحت كل النجاح، وآتت من الثمار أكثر مما ينتظر منها قبل ذلك، وحقق الله لأصحابها ما كانوا يأملون من عزة ومنعة ونصر وتمكين، وصدق الله العظيم إذ يقول:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55]
(1) وصف طه حسين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنها (مذهب) خطأ، والواقع أن الدعوة إحياء للإسلام كما كان عليه المسلمون الأوائل عن طريق التمسك بالقرآن والسنة وآثار سلفنا الصالحين، وخصوم الدعوة هم الذين وصفوها بـ (المذهب الوهابي) كما مر آنفا.
(2)
طه حسين: الحياة الأدبية في جزيرة العرب ص 13 و 14.
لهذا كتب الله النصر كل النصر لصاحب هذه الدعوة وأعوانه رحمهم الله في دعوتهم المباركة وجهادهم العظيم، فبارك لهم في دعوتهم وكتب لها البقاء فتحررت بها العقول، وانفكت من إسارها نفوس لا تزال تزداد وتزداد على مر الأوقات، وتتابع الأيام. . . .
والله الموفق والمستعان.