الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويمكن القول: إن أثر الدعوة على الحركات الإصلاحية الإسلامية في إفريقيا تشبه إلى حد كبير أثرها في آسيا، فلم توجد حركة تبنت كل مبادئ الدعوة السلفية، ولكنها تأثرت بأهم مبادئها خاصة (إخلاص التوحيد لله تعالى ومحاربة البدع والخرافات بالإضافة إلى الدعوة إلى الاجتهاد وعدم التقليد الأعمى) .
أما أهم مناطق أثر الدعوة في قارة إفريقية فهي:
أولا: في مصر: اعتبر الشيخ محمد رشيد رضا ومجلته (المنار) من أكبر أنصار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية في مصر، فبجانب المجلة ألّف الشيخ محمد رشيد رضا (1282 - 1354 هـ / 1865 - 1935م) عددا من الكتب لشرح مبادئ الدعوة السلفية وأهدافها منها كتاب " الوهابيون والحجاز "، وكتاب " السنة والشريعة أو الوهابية والرافضة "، وكتاب " المنار والأزهر " وغيرها، كما قامت مطبعة المنار في مصر بطبع عدد من مؤلفات علماء الدعوة السلفية.
كما ظهر في مصر عدد من الجمعيات الإسلامية التي تأثرت بالدعوة السلفية مثل: " جمعية أنصار السنة المحمدية "، وقد ألّف رئيسها " محمد حامد الفقي " كتابا عن الدعوة السلفية أسماه " أثر الدعوة الوهابية في الإصلاح الديني والعمراني في جزيرة العرب " وتصدر هذه الجمعية مجلة شهرية باسم " التوحيد ".
[ثانيا في ليبيا]
ثانيا: في ليبيا: في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي ظهرت دعوة إصلاحية اتخذت ليبيا مركزا لها، وكانت هذه الدعوة بزعامة " محمد بن علي السنوسي "(1202-1276 هـ 1787 -1859 م) وإليه تنسب تلك الدعوة وسميت " السنوسية " نسبة إلى جده الرابع (1) .
وقد ولد " السنوسي " في " مستغانم " بالجزائر عام 1787 م، وتلقى علومه الإسلامية الأولى في " فاس " ببلاد المغرب، وقد بدأت مقدمات دعوته تلك حين إحساسه بضعف
(1) عباس محمود العقاد: ص129-133.
المسلمين في عصره دينيا وسياسيا واقتصاديا بسبب انحرافهم عن طريق الإسلام السوي، وبذلك تسلطت الدول الأوربية عليهم وغزتهم في عقر دارهم.
وقد قام السنوسي بعدة رحلات في مدن الشمال الإفريقي (فاس، طرابلس، بني غازي، القاهرة) حتى إذا كان عام 1253 هـ 1837 م) جاء إلى الحجاز لأداء فريضة الحج (1) وهناك التقى ببعض علماء الدعوة السلفية وتأثر بآرائهم وبنى عليها أسس دعوته التي تدعو إلى إخلاص العبادة لله تعالى والبعد عن أنواع البدع والخرافات كالتوسل بالصالحين، كما دعا إلى الاجتهاد وحارب التقليد، فرغم أنه كان مالكي المذهب إلا أنه قد يخالفه إذا رأى الدليل بخلافه (2) وفي هذا الأمر شابهت دعوة (السنوسي) دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب السلفية ، كما تشابهت مع الدعوة في البيئة التي ظهرت فيها (3) حيث جعل واحة (جغبوب) في الصحراء الليبية المصرية منطلقا رئيسيا لدعوته، كما كانت (نجد) منطلقا للدعوة السلفية ومركزا لها، وكان لـ (جغبوب) موقعها الهام، فهي بعيدة عن عصا السلطة السياسية في الشمال، وهي ممر هام للقوافل، وبذلك يسهل على السنوسية نشر الإسلام في الجنوب.
ولكن هناك أمور تختلف فيها السنوسية عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأهمها:
1 -
أن في الدعوة السنوسية بعض مبادئ التصوف، وهو ما تنكره الدعوة السلفية - كما سبق - ويظهر هذا التصوف في دعوتها المتشددة للزهد والعبادة، وبطلبها ممن يريدون الدخول في دعوتها قراءة الفاتحة، ثم يمر بثلاث درجات أولاها (المنتسبون) وثانيها درجة (الإخوان) وثالثها درجة (الخواص) ، كما يظهر ميلها إلى التصوف في إنشائها (الزوايا) وهي أماكن خاصة لأتباعها تستعمل للزهد والعبادة بجانب أعمال أخرى كالزراعة والتجارة وطلب العلم (4) .
(1) أحمد عبد الرحيم مصطفى ص 38.
(2)
جمال الدين الشيال: ج1 ص70، وعبد الفتاح منصور ص 38-39.
(3)
أحمد عبد الغفور عطار ص 115، وعبد الرحمن الجطيلي (محمد بن عبد الوهاب) ص 54.
(4)
جمال الدين الشيال: ج1 ص 69، أحمد عبد الرحيم مصطفى ص 41.