الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الفصل الثالث أثر الدعوة في العالم الإسلامي]
[انتشار الدعوة]
الفصل الثالث
أثر الدعوة في العالم الإسلامي انتشار الدعوة اقتضت الرغبة في نشر مبادئ الدعوة والدفاع عنها أمام خصومها امتشاق الحسام - كما مر - فابتدأت سلسلة المعارك التي بدأت من عام 1159 هـ (1746 م) إلى أن توفي الشيخ محمد بن عبد الوهاب عام 1206 هـ (1791 م) وبقيت مستمرة بعده معارك متصلة لا تنتهي معركة حتى تبدأ أخرى، بذل فيها أصحاب الدعوة دماءهم وأموالهم.
وعلى الرغم من أن هذه المعارك عمت معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية إلا أنها نقلتها من حال إلى حال، حولتها من الانقسام إلى الوحدة، ومن الانحراف والجهالة والعصيان إلى التوحيد والعلم والعبادة، وأصلحتها في أخلاقها ومعاملاتها، وكانت عاقبتها خيرا للإسلام والمسلمين في الدين والدنيا (1) فهي صراع بين الحق والباطل انتهت بانتصار دعوة الحق وأصحابها، وقامت دولة إسلامية عزيزة الجانب مرهوبة الأركان وحدت الإمارات المتناحرة تحت لوائها، وامتدت من البحر الأحمر غربا إلى الخليج العربي شرقا ومن الشام شمالا إلى اليمن جنوبا (2) توفرت لها كل مقومات الدولة في مفهوم ذلك العصر وعرفت باسم (الدولة السعودية الأولى) - تاريخيا - فقضت على نفوذ العثمانيين في الجزيرة العربية، وهددت أملاكهم في الشام والعراق مما دفع الأتراك إلى الاستماتة في القضاء عليها، فلجأوا أخيرا إلى واليهم على مصر (محمد علي باشا) ليقوم بهذه المهمة فأرسل الأخير عدة حملات بقيادة ابنه (طوسون) ثم بقيادته، وأخيرا بقيادة ابنه (إبراهيم باشا) عام 1231 هـ (1816 م) الذي تمكن من الوصول إلى الدرعية (قاعدة الدولة السعودية الأولى - في مطلع جمادى الأولى عام 1233 هـ - بعد مقاومة
(1) علي الطنطاوي: محمد بن عبد الوهاب ص 34 - 40، وحسن خزعل: حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص 338.
(2)
عبد الله الشبل: الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ص 62.
عنيفة لقيها في الطريق إليها من أنصار الدعوة فبدأ بحصارها، وانتهى الأمر بتسليم (عبد الله بن سعود) نفسه إلى (إبراهيم باشا) في ذي القعدة سنة 1233هـ (1818 م)(1) وبهذا تم للأتراك القضاء على الدولة السعودية الأولى.
إلا أنه بالرغم من سقوط الدولة السعودية الأولى من المفهوم السياسي إلا أنها تركت في البلاد النجدية مقومات الدولة السعودية الثانية، فقد ظلت أفكار الدعوة السلفية الإصلاحية ماثلة أمام الناس ، وظل المجتمع النجدي يكِنّ ولاءه للأسرة السعودية التي تبنت الدفاع ضد حكم الترك ومحمد علي (2) وكان ظهور (تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود) عام 1238 هـ (1823 م) بداية لقيام الدولة السعودية الثانية التي استمرت حتى تمكن آل رشيد من الاستئثار بحكم نجد عام 1309 هـ (1891 م) وخرج حكام آل سعود من نجد إلى الكويت، ولكن لم تستمر الحالة طويلا حتى ابتدأ الدور الثالث من حكم آل سعود حينما بدأ الملك (عبد العزيز آل سعود) في استعادة ملك آبائه وأجداده عام 1319 هـ (1902 م) بالاستيلاء على الرياض، فابتدأت بذلك الدولة السعودية الثالثة حتى وقتنا الحاضر.
وقد سرى روح الدفاع عن الدعوة السلفية التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الدولتين السعوديتين الثانية والثالثة، كما سرى ذلك في الأولى ، في حين زالت دولة (محمد علي) في مصر - التي حاولت القضاء على هذه الدعوة - وبادت من الوجود (3) .
لكن إذا كانت الدعوة السلفية قد وطدت أقدامها في مساحات واسعة من شبه الجزيرة العربية - دينيا وسياسيا في ظل الدولة السعودية بجميع أدوارها - فإنها تعدت في انتشارها إلى بلاد داخل شبه الجزيرة العربية وخارجها حتى أنارت عقول الأمة الإسلامية من سومطرة شرقا إلى نيجيريا غربا.
(1) عثمان بن بشر: المصدر السابق ج1 ص 207 - 285.
(2)
عبد الفتاح حسن أبو علية: الدولة السعودية الثانية ص 24.
(3)
عبد العزيز سيد الأهل: داعية التوحيد محمد بن عبد الوهاب ص 137 و 138.