الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الوهاب فيما بعد منقذا له من دوامة كان يجري في فلكها دون أن يعرف طريقا للخلاص منها (1) .
[الحالة الدينية]
(ب) الحالة الدينية: لعل من أهم المصادر التي تعطينا تصويرا شاملا عن الحياة الدينية في بلاد نجد قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هي مؤلفات علماء ومؤرخي الدعوة السلفية وأتباعها (2) وعلى رأسهم عمدتا مؤرخي نجد الشيخ حسين بن غنام، وعثمان بن بشر.
وقد يجد الباحث في هذا الصدد بعض التناقضات في تصوير الحالة الدينية في نجد خاصة في كتب المؤرخين المحدثين، وبعض هؤلاء يبالغ في تصوير الحالة السيئة في بلاد نجد في تلك الفترة مبالغة كبيرة حتى إن الرحالة (بلجريف) قال عن أهل نجد في ذلك الزمن:" أهملوا القرآن وما عادوا يعرفون في أي جهة تقع القبلة وتناسوا الزكاة والصيام والحج "(3) والبعض الآخر يغالط الحقيقة فيصف بلاد نجد في تلك الفترة بأنها " أنقى بلدان العالم الإسلامي إسلاما وأطهر الأقطار دينا ". كما وصفها لوثروب ستودارد (4) .
وبالرجوع إلى المصادر الموثوقة التي عالجت تاريخ تلك الفترة من بلاد نجد نرى أن كلا من هذين الوصفين قد جانب الصواب، حقيقة أن بلاد نجد لم تكن أسعد حظا من باقي أقطار العالم الإسلامي، فقد جرفها تيار الانحراف عن الدين الإسلامي الصحيح من شرك وبدع وخرافات كالدعاء والنذر والذبح وصرف أنواع العبادات الأخرى لغير الله - لكنها لم تصل في انحرافها أن تناسى أهلها شعائر الإسلام من صلاة وزكاة وصيام وحج، وخاصة أهل الحاضرة.
(1) عبد العزيز الخويطر: مرجع سابق ص 23.
(2)
أحمد بن محمد الضبيب: آثار الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص 5.
(3)
Palgrave: W. Narraative of a years Journey through central and Eastren Arabia (1862-1863) London 1865. 2. P. 370
.
(4)
لوثروب ستودارد: المرجع السابق ج1 ص 260.
وعندما قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوته في بلاد نجد كان الخلاف بين الشيخ وبين مخالفيه على أساس التوحيد، أما بقية أعمال الإسلام فإنه لم يعارضه أحد بشأنها (1) وعند قيام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوته وقبله كان في نجد عدد من العلماء بعضهم تلقى العلم في مصر والشام وغيرها، وكان هؤلاء العلماء على المذهب الحنبلي حيث كان مذهب الإمام أحمد بن حنبل هو المتبع في تلك العهود، وكان انتشاره في نجد قبل بداية القرن العاشر الهجري، وهناك عدد قليل من العلماء على المذهب الشافعي والحنفي (2) .
وإذا كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد لاقى معارضة من بعض هؤلاء العلماء في دعوته السلفية مع ما كان لبعضهم من إنتاج علمي، فإننا نجد بعض علماء نجد السابقين للشيخ والمعاصرين له قد آمنوا بنفس الفكرة التي آمن بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من انتشار البدع والشركيات المخالفة للعقيدة الإسلامية مثل صرف أنواع العبادة لأصحاب الأضرحة والقبور كالذبح عندها والنذر والاستغاثة ونحوها (3) وذلك لأن هؤلاء العلماء استقوا أفكارهم من نفس المصادر التي استقى منها الشيخ أفكاره، وهي بالإضافة إلى الكتاب والسنة كتب الشيخين، شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرها من كتب السلف الصالح، ولكنهم لم يتمكنوا من نشر أفكارهم خوفا على أنفسهم أو خشية من مواجهة الأهالي.
ومن هنا فقد عم الانحراف عن أساس العقيدة الإسلامية الصحيحة معظم بلاد نجد من أقصاها إلى أقصاها من شرك وبدع وخرافات كالدعاء والذبح والنذر والاستغاثة وغيرها من أنواع العبادة التي لا يجوز صرفها إلا لله تعالى بالإضافة إلى
(1) حمد الجاسر: (ملاحظات منير العجلاني: مرجع سابق) ص 451.
(2)
منصور الرشيدي: قضاة نجد أثناء العهد السعودي - مجلة الدارة، العدد الثاني، السنة الرابعة - رجب 1398 هـ ص 27 و 28.
(3)
حمد الجاسر: مرجع سابق ص 454 وعبد الله الصالح العثيمين: نجد منذ القرن العاشر الهجري حتى ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب - مجلة الدارة، العدد الثالث، السنة الرابعة - شوال 1398 هـ، ص 40-43.
التوسل بالأولياء والصالحين، وتقديسهم والاعتقاد بالجمادات كالأشجار والأحجار في جلب النفع ودفع الضر، حتى أصبح كثير من المسلمين مسلمين بالاسم فقط لكنهم بعيدون كل البعد عن حقيقة الإسلام.
وقد فصل المؤرخ النجدي (حسين بن غنام) مظاهر الانحراف عن الإسلام الصحيح في نجد في تاريخه " روضة الأفكار والأفهام "(1) الذي فك سجعه وحرره الدكتور ناصر الدين الأسد باسم " تاريخ نجد "، وقد مثل حسين بن غنام لمظاهر هذه الانحرافات بتعظيم الناس في نجد للقبور، والأشجار ، والأحجار، والأولياء.
(أ) أما القبور: فيذكر منها قبر (زيد بن الخطاب) رضي الله عنه في الجبيلة، وقبر (ضرار بن الأزور) في شعيب غبيراء، وقبر بعض الصحابة رضي الله عنهم في قريوه بالدرعية، وكل هذه القبور يتوجه إليها العامة يدعون أصحابها لتفريج الكرب وكشف النوب وقضاء الحاجات (2) .
(ب) أما الأشجار: فيذكر أن النساء والرجال يأتون بليدة الفدا حيث يكثر ذكر النخل المعروف بـ (الفحال) يتبركون به ويعتقدون فيه، فكانت تأتيه المرأة إذا تأخرت عن الزواج فتضمه بيديها ترجو أن يفرج كربها وتقول: يا فحل الفحول أريد زوجا قبل الحول، وكذلك شجرة الطرفية ينتابها طوائف من الناس فيتبركون بها، وتعلق المرأة فيها خرقا إذا ولدت ذكرا لعله يسلم من الموت.
(جـ) أما الأحجار: فيذكر منها غار بنت الأمير الذي يزعمون أن الله فلقه لها لتعتصم به من أحد الفسقة الذي أراد هتك عرضها، فكان الناس يرسلون إلى ذلك الغار اللحم والخبز ويبعثون بصنوف الهدايا.
(د) أما الأولياء: فيذكر منهم ولي عند العامة اسمه " تاج " وهو من أهل الخرج افتتن به الناس وسلكوا فيه سبيل الطواغيت فصرفوا إليه النذور، وتوجهوا إليه بالدعاء، واعتقدوا فيه النفع والضر، وكانوا يأتونه لقضاء شؤونهم أفواجا وكان
(1) حسين بن غنام: روضة الأفكار والأفهام ج1 ص 7 و 8.
(2)
حسين بن غنام: تاريخ نجد، تحقيق الدكتور ناصر الدين الأسد ص11.
أعمى، فزعموا أنه يأتي من الخرج إلى الدرعية بدون قائد، وذلك لتحصيل ما تجمع له من النذور والخراج، ويذكر ابن غنام أن الحكام في المنطقة خافوه وهاب الناس أعوانه وحاشيته (1) .
هذه هي حالة الحاضرة في بلاد نجد. أما البادية فلم تكن أسعد منها إن لم تكن أسوأ حالا، وذلك أن طبيعة الحياة الصحراوية بجفائها ورهبتها وتفرق سكانها، بالإضافة إلى انتشار الأمية بينهم، وعدم قيام دولة ذات سلطان تحمل الناس على الحق، كل هذه العوامل جعلت من البادية مرتعا خصبا لأنواع الشرك والبدع والخرافات (2) . وإذا كانت المصادر التاريخية التي بين أيدينا قد أهملت الحديث عن حالة البادية، فقد أشار ابن بشر في تاريخه إلى وجود أنواع شركية فيها، كالذبح لغير الله طلبا للشفاء من بعض الأمراض عند بعض القبائل (3) بالإضافة إلى عبادة الأشجار والأحجار التي أشار إليها الشاعر العامي (راشد الخلاوي) بقوله:
فإن سلت قومي يا منيع فلا تسل
…
أحجار وأشجار يعبدون خايبه (4) .
ومهما يكن من شيء فإنه كلما مرت الأعوام والأيام ازدادت الحالة سوءا في الحاضرة والبادية، حتى أذن الله بانبلاج فجر جديد حين قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بدعوته المباركة على حين فترة من دعاء المصلحين فأشرقت الجزيرة العربية بنور هذه الدعوة وتبدلت فيها مظاهر الحياة كلها.
(1) المصدر السابق ص 12.
(2)
عبد الله يوسف الشبل: المرجع السابق ص 29.
(3)
عثمان بن بشر: المرجع السابق ج1 ص 19 و 20.
(4)
عبد الله بن خميس: راشد الخلاوي ص 237 و 238 نشر دار اليمامة بالرياض عام 1392 هـ 1972 م.