الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدعوة هناك، وقد أسس ابن باديس جمعيته على أساس من المبادئ السلفية، فدعا إلى إصلاح عقيدة المسلمين في الجزائر من أنواع البدع والخرافات، كما دعا إلى الاجتهاد ومحاربة التقليد الأعمى والجمود الفكري وذلك بالتعمق في دراسة القرآن الكريم والسنة النبوية، ولقد كان لجمعيته دور كبير في محاربة الاستعمار الفرنسي في الجزائر حتى نال استقلاله عام 1382 هـ (1962 م)(1) .
[رابعا في السودان]
رابعا: في السودان: وهو ما كان يسمى (السودان الشرقي) ويشغل دولة السودان المعروفة الآن، وقد ظهرت فيها حركة إصلاحية سميت بـ (المهدية) نسبة إلى زعيمها (محمد عبد الله أحمد) 1845 م - 1885 م والذي زعم أنه المهدي المنتظر، وقام بنشر دعوته هناك وتلقب بـ (المهدي)(2) .
وقد ظهرت دعوة المهدي تلك في أوقات اجتاحت العالم الإسلامي كثير من الدعوات والحركات الصحيحة والباطلة، ومنها دعوات المهديين الذين زعموا أنهم مبعوثون على موعد لتخليص الناس مما لحق بهم من ظلم وجور وفساد - فظهر منهم من ظهر في فارس والهند - وظهر غيرهم في وادي النيل.
وقد اختلفت آراء المؤرخين في حقيقة حركات المهديين من حيث الصحة والبطلان ، وهل كانت حركات دينية بحتة أم سياسية خالصة أم للأمرين معا؟ ولكن أكثر المؤرخين يرون أن المهديين - بحركاتهم الإصلاحية - هم قوم مخادعون يتعمدون الكذب في دعوتهم، ويسرون غير ما يعلنون من طلب الإصلاح أو العناية بشؤون الدين (3) .
أما من ناحية مهدي السودان (محمد أحمد) فقد نشأ في بلاد السودان الشرقي (4)
(1) الزركلي: الأعلام 4 60، وعبد الحليم عويس، أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الفكر الإسلامي الإصلاحي في الجزائر، مجلة كلية العلوم الاجتماعية بالرياض، العدد الخامس (1401 هـ) ص 225-256.
(2)
عباس العقاد، المرجع السابق ص 161 - 164.
(3)
المرجع السابق ص 153.
(4)
لوثروب ستودارد: المرجع السابق ج1 ص 89 - 90 (تعليق شكيب أرسلان) .
نشأة صوفية فمال إلى التنسك والعبادة وحفظ القرآن الكريم ودرس الفقه والتصوف.
وكان قيامه بدعوته في وقت كانت فكرة ظهور (المهدي المنتظر) متوافرة في السودان ومنتشرة بين سكانها، ويرجع ذلك إلى معاناة أهل البلاد من الإدارة المصرية الخاضعة للنفوذ الإنجليزي الأجنبي.
فانحلت الحالة الدينية بانتشار الفساد والبدع، كما تدهورت الحالة الاقتصادية بين أبناء الشعب، فكان الناس متلهفين إلى حركة إصلاحية (1) وقد استغل " محمد أحمد " ذلك فأعلن في سنة 1881 م أنه المهدي المنتظر، وضمّن دعوته تلك كثيرا من مبادئ التصوف، وكان مما دعا إليه القضاء على الفساد والبدع والعودة بالإسلام إلى أصوله الأولى.
كما أعلن الجهاد لتحرير البلاد من الحكم الأجنبي ونفوذه الواسع، وكان انتصار " المهدي " هذا على جنود الحكومة في الحملة المعروفة بحملة " هكس " عام 1883م سببا لعلو أمره وانتشار دعوته في أرجاء مختلفة من السودان، كما كانت الهزيمة ذريعة لإكراه الإنجليز الحكومة المصرية على إخلاء السودان والانسحاب منها، وذلك تمهيدا لاستعمارهم السودان باسم جديد (2) .
وهو ما حصل فعلا في ختام القرن التاسع عشر الميلادي (1899 م) .
وأيا كان الأمر فإن حركة المهدي في السودان تعتبر حركة دينية وسياسية معا أو هي في الحقيقة حركة اتخذت من الدين قوة تشد أزرها وتجمع حولها الأنصار، هذا إضافة إلى أن دعوتها الدينية الظاهرة التي تدعو إليها الناس لم تكن واضحة المعالم (3) .
والسؤال الآن: هل كان لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية في الجزيرة العربية تأثير على هذه الحركة؟ .
. . والحقيقة أن تأثير الدعوة السلفية على هذه الدعوة أو الحركة في السودان كان تأثيرا طفيفا -إذا نسبنا ذلك إلى تأثيرها على الحركات الإصلاحية الأخرى في العالم
(1) أحمد عبد الرحيم مصطفى ص 42 - 44.
(2)
عباس محمود العقاد: المرجع السابق ص 162-163، ولوثروب ستودارد ج1 ص 9.
(3)
عبد الكريم الخطيب: ص 139 - 140.
الإسلامي - ذلك أن مبادئ الدعوة السلفية تخالف أسس مبادئ المهدية بالسودان في الصميم، فالدعوة السلفية تحارب التصوف ولا تؤمن بهذا المهدي (1) لأن الأحاديث الواردة في ظهوره وصفاته وشروطه لا تنطبق عليه، وذلك حسب رأي علماء المسلمين من أهل السنة (2) ورغم ذلك فنستطيع أن نلمس تأثر الحركة المهدية في السودان بالدعوة السلفية في وجهين:
1 -
كرر المهدي في رسائله أن الهدف من دعوته هو إنعاش العقيدة الإسلامية وإحياء سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما تشدد المهدي في منع بعض البدع وحظر المفاسد وتحريمها وخاصة شرب الخمر (3) وذلك كله مما تنادي به الدعوة السلفية، كما سبق.
2 -
أنها دعوة ظهرت بالمظهر السياسي والديني معا - وقد نهجت بذلك منهج الدعوة السلفية وتأثرت بها، ذلك أن " زعامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الدينية قد أعادت إلى النفوس صورا من هذه الزعامات التي أقامت دولا كدولة الفاطميين بمصر ودولة الموحدين بالمغرب فإن لم يكن المهدي قد نظر إلى الدعوة السلفية من جميع اتجاهاتها فلا أقل من أن ينظر إليها من هذا الاتجاه فانتفع به وأراد أن يقيم دولة في ظل زعامته الدينية (4) .
ونستطيع القول بعد ذلك كله: إن الحركة والدعوة المهدية في السودان من أقل الحركات الإصلاحية في العالم الإسلامي تأثرا بالدعوة السلفية.
ومهما يكن من أمر فإن أثر هذه الدعوة ظل محدودا ومحليا إلى حد كبير، فقد توفي
(1) أرسل بعض علماء نجد الشيخ (علي بن وادي المتوفى عام 1361 هـ في عنيزة) إلى السودان للتحقق من صدق ذلك المهدي، فسافر ثم عاد بعد أن تبين له أنه غير ذلك. انظر: عبد الله البسام (علماء نجد) ج3 ص739.
(2)
انظر الاختلاف في شخصية المهدي في كتاب حاضر العالم الإسلامي: المصدر السابق ج1 ص 88 وما بعدها (تعليق شكيب أرسلان) ط 1343 هـ المطبعة السلفية، وانظر كتاب (النهاية) لابن كثير ج1 ص 27 - 34، وكتاب (الخطوط العريضة لمذهب الشيعة الاثنا عشرية) لمحب الدين الخطيب ص 39-40، وكتاب (لوامع الأنوار البهية) لمحمد أحمد السفاريني ص 70 - 86.
(3)
أحمد عبد الرحيم مصطفى: ص 44، وعبد الفتاح منصور: ص 28.
(4)
عبد الكريم الخطيب: ص 140 - 141.