الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سادسا التكفير والقتال]
سادسا: التكفير والقتال: قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوته السلفية وهو مؤمن إيمانا تاما بأنه لا بد لهذه الدعوة لكي تنتشر أن تؤمَّن ضد أعدائها والمعارضين لها، لذلك أخذ يبحث عن مستند يستند إليه في ذلك الوقت فانتهى إلى (محمد بن سعود) أمير الدرعية الذي تعاهد مع الشيخ على الدفاع عن الدعوة ونشرها وليس معنى ذلك أن الدعوة انتشرت بحد السيف، ولكن العكس هو الصحيح - كما يظهر ذلك لكل باحث بعمق في تاريخ تلك الدعوة - فقد كانت الدعوة في معظم الأحوال تسبق الغزوات، فتكون مهمة الغزوات حماية أنصار الدعوة والراغبين في الدخول فيها.
لقد سلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب في سبيل نشر دعوته عدة طرق ووسائل يأتي (الجهاد والقتال) في آخر قائمة تلك الوسائل، فقد سلك أسلوب (الوعظ والتدريس) وعقد في كل يوم عدة مجال لتدريس تلاميذه مبادئ الدعوة، وسلك أيضا أسلوب (الخطابة) لبيان مبادئ الدعوة كما سلك أسلوب (الرسائل) بينه وبين أهل البلدان المختلفة، كما سلك أسلوب (المناظرات) مع علماء تلك البلدان، وسلك أيضا أسلوب (تأليف الكتب) التي تبحث في حقيقة الدعوة.
ثم إذا لم تفد كل هذه الوسائل والطرق يأتي الأسلوب الأخير (الجهاد والقتال) لحماية الدعوة وأنصارها والراغبين في الانضواء تحت لوائها (1) ولإيجاد المناخ المناسب لانتشار الدعوة ، ولإقامة دولة إسلامية تؤمن بالإسلام عقيدة وعبادة وشرعة ومنهاجا ذات سلطة تحمل الناس على الحق.
وهكذا نرى أن الدعوة قد سلكت الأسلوب السلمي في أغلب مراحل انتشارها ولم تلجأ إلى أسلوب القتال إلا بعد فشل أساليب السلم، ولكن أعداء الدعوة على اختلافهم أخذوا يشنعون على الدعوة قتالها للمسلمين، لأن مبادئها تقوم على تكفير المسلمين كما زعموا.
(1) كمال السيد درويش: محمد بن عبد الوهاب والدعوة الوهابية ص 60 - 75، وصالح بن فوزان العبد الله تعقيب في مجلة كلية أصول الدين، العدد الأول ص 86 بالرياض.
وسنترك لصاحب هذه الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه مهمة الرد على تلك التهمة الباطلة التي أخذ يرددها -مع الأسف - كثير من الباحثين في تاريخ الدعوة كأحد منتقداتهم عليها (1) وذلك لأن هؤلاء الباحثين لم يستقوا مبادئ الدعوة من ينابيعها الأصلية وهي مؤلفات ورسائل الشيخ محمد صاحب الدعوة وأتباعه من علماء الدعوة، وإنما استقوها من مؤلفين لا ينتمون إلى الدعوة بصلة، بل كثيرا ما يكون هؤلاء المؤلفون من أعدائها المريدين تشويهها أمام الناس.
فالشيخ محمد بن عبد الوهاب يقول ما نصه: " وأما التكفير فأنا أكفّر من عرف دين الرسول صلى الله عليه وسلم ثم بعدما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى من فعله، فهذا الذي أكفّره وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك "(2) ثم يقول: " وأما القتال فلم نقاتل أحدا إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة، وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا، ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وكذلك من جاهر بسبب دين الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما عرفه "(3) .
الحق أن هذا النص - على اختصاره - يرد على أولئك المشنعين على الدعوة، وهو في الحقيقة يلخص رأي الدعوة عامة في مسألة (التكفير والقتال) .
وهناك نصوص في رسائل ومؤلفات للشيخ نفسه وعلماء الدعوة تناقش رأي الدعوة في هذه المسألة، وتورد الأدلة من القرآن والسنة وآثار السلف الصالح محاولة إقناع من وقفوا في طريقها.
فيذكر الشيخ في إحدى هذه الرسائل أن علماء المسلمين أجمعوا على أن من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في شيء وكذبه في شيء آخر فهو كافر حلال الدم والمال، وإخلاص
(1) انظر مثلا: عبد المتعال الصعيدي: المجددون في الإسلام ص 439و440، ومحمد عزة دروزة: نشأة الحركة العربية الحديثة ص 71، وعبد الكريم الخطيب: الدعوة الوهابية ص 75 ط ثانية (دار الشروق) .
(2)
مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ج4 ص8 طبع على نفقة الإمام عبد العزيز آل سعود، مطبعة المنار بمصر ط أولى عام 1349 هـ.
(3)
المصدر السابق ص 8، وحسين بن غنام: تاريخ نجد ص 361 و 362.
التوحيد لله تعالى أهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف نقاتل من ينكر الصلاة والزكاة ولا نقاتل من ينكر إخلاص التوحيد لله، بل ويعادي أهل التوحيد ويحاربهم؟ ثم بعد ذلك يقوم الشيخ بالرد على من قال: إن قول لا إله إلا الله تكفي في عدم تكفير قائلها وقتاله، ويفند كثيرا من شبههم التي أوردوها في ذلك في كتابه:" كشف الشبهات "، وينتهي في الأخير إلى تقرير أن التوحيد وإخلاصه لله تعالى لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإذا اختل شيء من هذا لم يكن الشخص مسلما (1) .
والحقيقة أن من يتأمل في أقوال الشيخ يتبين من خلالها قوة حجته في أن كلمة لا إله إلا الله لا تبرئ قائلها - الذي يجهل معناها ولا يعمل بمقتضاها كالذي كان يوجد عند بادية نجد - من الشرك ولا تحميه من الكفر.
وفي رسالة أخرى يحصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب من يكفرهم في أربعة أنواع:
1 -
من عرف التوحيد ووجوب إخلاصه لله وأن الاعتقاد بغيره شرك، ولكنه لم يلتفت إلى التوحيد ولا تعلمه ولا دخل فيه ولا ترك الشرك، فهو كافر نقاتله بكفره.
2 -
من عرف ذلك كله ولكنه سب دين الرسول صلى الله عليه وسلم ومدح أهل الشرك فهذا كافر أشد من الأول.
3 -
من عرف التوحيد واتبعه وعرف الشرك وتركه، ولكنه يكره من دخل في التوحيد ويحب من بقي على الشرك، فهذا أيضا كافر لقوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 9]
4 -
من سلم من ذلك ولكن أهل بلده معادون لأهل التوحيد ويتقاتلون معهم فيشترك معهم في قتال أهل التوحيد بماله ونفسه، فهذا أيضا كافر لإمكان هجرته عن بلده (2) .
ولم تسلك الدعوة مع هؤلاء كلهم سبيل الشدة من أول الأمر؛ بل سلكت معهم سبل الإقناع المختلفة من تدريس ووعظ، ومناظرة ، ومراسلة، وتأليف - كما تقدم - ولذلك يقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: " ولا نكفّر إلا من بلغته دعوتنا
(1) محمد بن عبد الوهاب " كشف الشبهات " ضمن مجموعة التوحيد النجدية ص 79 - 85.
(2)
حسين بن غنام: المصدر السابق ص 475 و 476.
للحق ووضحت له المحجة، وقامت عليه الحجة، وأصر مستكبرا معاندا كغالب من نقاتلهم اليوم يصرون على ذلك الإشراك، وغير الغالب نقاتله لمناصرته لمن هذه حاله ورضاه عنه " (1) .
ولعل أقرب دليل على أن الدعوة لم تسلك سبيل الشدة مع هؤلاء من أول أمرها الأدوار أو المراحل التي مرت بها الدعوة - كما سبق بيانها - وهي ثلاثة:
1 -
الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن في كل من (حريملاء والعيينة والدرعية) .
2 -
مرحلة تطبيق مبادئ الدعوة في العيينة من هدم القباب، وقطع الأشجار، وإقامة الحدود.
3 -
دور الجهاد بالسيف لحمل الناس بالقوة على الرجوع إلى دينهم الإسلامي الصحيح وذلك بعد سنتين من قدوم الشيخ إلى الدرعية، وقد قضى الشيخ السنتين في مراسلة ومناظرة مع مخالفيه في محاولة لإقناعهم بالرجوع إلى الدين الصحيح.
والواقع أن أي باحث في تاريخ الدعوة لا يستطيع أن يحصل على حادثة واحدة سلكت فيها الدعوة سبيل الشدة والقتال من أول الأمر - حتى مذبحة (كربلاء) عام 1216 هـ (1801 م) التي أوردها كثير من الباحثين كمثال على سلوك الدعوة سبيل الشدة - على أنه يجب أن نلفت النظر فيها إلى أمرين هامين:
أولهما: أن تلك الحادثة أبرزت في كثير من الكتب بصورة مبالغ فيها، هذا إضافة إلى أن كثيرا من أهل البادية التي اشتركت مع جيش الدعوة عملوا في تلك الواقعة من الأعمال التي لا تتفق مع تعليمات الرئيس الأعلى للدولة، ولا مع الآراء التي دعا إليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
وثانيهما: أن التبعة في هذه الواقعة لا تقع على الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود وإنما تقع على والي العراق العثماني في ذلك العهد الذي ساعد أهل الأحساء في تمردهم ضد السعوديين وبعث جيشا بقيادة (ثويني) لمحاربة جيوش الدعوة، كما أنه عاهد
(1) سليمان بن سحمان: الهدية السنية والتحفة الوهابية النجدية ص 45.