الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
12 - بابُ التَّطَهُّرِ بِماءِ البَحْرِ
92 -
حَدِيثُ أَبي هُرَيْرَةَ:
◼ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا نَرْكَبُ البَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنا القَلِيلَ مِنَ المَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوضَّأُ بِماءِ البَحْرِ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ (الْحَلَالُ) مَيْتَتُهُ)).
[الحكم]:
صحيح، وصحَّحه البخاري، والترمذي، وابن المنذر، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وابن منده، والخطابي، والبيهقي، والبغوي، والإشبيلي، وابن العربي، وابن دقيق العيد، والنووي، وابن الأثير، وابن القيم، وابن الملقن، وابن حجر، ومن المعاصرين: أحمد شاكر، والألباني.
[الفوائد]:
قال ابن عبد البر:
((وقد أجمع جمهور العلماء وجماعة أئمة الفتيا بالأمصار من الفقهاء أن البحر طهور ماؤه وأن الوضوء جائز به.
إلَّا ما رُوِيَ عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص فإنَّه رُوِيَ عنهما أنهما كرها الوضوء من ماء البحر ولم يتابعهما أحد من فقهاء الأمصار على ذلك ولا عرج عليه ولا التفت إليه لحديث هذا الباب
عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يدلك على استشهار الحديث عندهم وعملهم به وقبولهم له، وهذا أولى عندهم من الإسناد الظاهر الصحة بمعنى تردُّه الأصول، وبالله التوفيق.
…
... وفي حديث هذا الباب من الفقه:
إباحة ركوب البحر؛ لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كره ركوبه لنهى عنه الذين قالوا: إنَّا نركب البحر، وقولهم هذا يدل على أنَّ ذلك كان كثيرًا ما يركبونه لطلب الرزق من أنواع التجارة وغيرها، وللجهاد وسائر ما فيه إباحة أو فضيلة، والله أعلم)) (التمهيد 16/ 221).
[التخريج]:
[د 82 ((واللفظ له)) / ت 70 / ن 60، 336، 4390/ كن 67، 5055/ جه 390، 3267/ طا 45/ حم 7233 ((والرواية له ولغيره))، 8735/ مي 747، 2036/ خز 119 / حب 1238، 5291/ ك 497، 498، 499، 504، 505/ شف 1/ أم 1/ ش 1402 / تخ (3/ 478) / علت 33/ كم (1/ 87) / جا 42/ قط 80 - 82 / مشكل 4029، 4030/ طحق 59، 60/ طيل 331/ عط (هشام 13)، (حاكم 29) / هق 1، 18996/ هقغ 197/ هقع 467، 472/ عق (2/ 147، 148) / مجر (1/ 451 - 452)، (1/ 533 - 534) / منذ 157، 158/ طوسي 60/ مشب 531/ خط (8/ 8)، (10/ 187) / متفق 658/ متشابه (2/ 723) / عد (9/ 134) / كما (10/ 481) / غو (2/ 555) / طهور 231، 232، 233/ شيو 335، 681/ كر (20/ 279)، (37/ 316) / علقط (4/ 274/ 1614) / بغ 281/ بغت (3/ 101) / تحقيق 3، 5/ مطغ 441 / سمعانش (ص: 416) / كلابي (رواية النرسي 10) / حنائي 255/ سلفي 52/ دلائل (1/ 193) / طهارة (منده - إمام 1/ 98)].
[السند]:
أخرجه (مالك) في ((الموطأ)): عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة من آل بني الأزرق، عن المغيرة بن أبي بردة وهو من بني عبد الدار أنه سمع أبا هريرة يقول:
…
فذكره.
ومن طريق مالك، رواه أحمد، وأصحاب السنن، وابن حبان، وابن خزيمة، وغيرهم، ورواه عنه الشافعي في الأم والمسند.
[التحقيق]:
هذا إسناد صحيح، رجاله كلُّهم ثقات.
صفوان بن سليم هو أبو عبد الله المدني الزهرى: ثقة من رجال الشيخين (التقريب 2933).
وسعيد بن سلمة وشيخه المغيرة بن أبي بردة وثقهما النسائي (التقريب 2327، 6829)، وذكرهما ابن حبان في (الثقات 6/ 364) و (5/ 410).
وقال أبو داود عن المغيرة: ((معروف)) (تهذيب التهذيب 10/ 256).
وقال ابن منده والحاكم: ((واتفاق يحيى وسعيد على المغيرة مما يوجب شهرته)) (إكمال تهذيب الكمال 11/ 317).
وبهذا يندفعُ إعلال من أعلَّ الحديث بكونهما مجهولين، فهذا الإمام النسائي مع تَشَدُّدِهِ قد وثقهما، وروى عن كلٍّ منهما أكثر من راوٍ، وصحَّح حديثَهما هذا جمعٌ من الأئمة سيأتي ذكرهم.
وقد توبع عليه كلٌّ من: مالك، وصفوان، وسعيد بن سلمة.
* أما مالك:
فتابعه إسحاق بن إبراهيم المزني - لين الحديث -، كما عند الحاكم (499)، والبيهقي في (المعرفة 473).
وعبد الرحمن بن إسحاق المدني- صدوق -، كما عند البيهقي في (المعرفة 472). ولكنه شك فيه فقال:((عن صفوان عن سلمة بن سعيد أو سعيد بن سلمة))، والثاني: هو الصواب كما رواه مالك.
وخالفهم أبو أويس فرواه عن صفوان، عن سعيد بن سلمة، عن أبي بردة بن عبد الله، عن أبي هريرة، به. أخرجه أحمد في (المسند 2/ 392).
وأبو أويس: ((صدوق يهم)) كما في (التقريب 3412)، وقد وهم في اسم تابعي الحديث، والصواب ما قاله مالك، ومالك أجل وأتقن من كلِّ مَن روى هذا الحديث فروايته مقدَّمة على كلِّ من خالفه فيه.
ورواه عبد الله بن عامر - كما عند العقيلي في (الضعفاء 2/ 147 - 148) بسند صحيح عن الأوزاعي عنه -، عن صفوان بن سليم، عن أبي هريرة، به. فأسقط من سنده سعيد والمغيرة.
وهذا وهم ولا شك من عبد الله بن عامر هذا، وهو الأسلمي: متفق على ضعفه. انظر: (تهذيب التهذيب 5/ 275). فكيف إذا خالف جبل الحفظ والإتقان: مالك بن أنس؟ !
ولذا قال العقيلي - عقبه -: ((وقال مالك، عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة بن البراء الأزرق، عن المغيرة بن أبي بردة، من بني عبد الدار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وهو الصواب)) (الضعفاء الكبير 2/ 132).
* وأما صفوان: فتابعه الجُلَاح أبو كثير.
* وأما سعيد بن سلمة: فتابعه يزيد بن محمد القرشي، وسيأتي الكلام على رواية كل منهما.
وروى هذا الحديث يحيى بن سعيد الأنصاري واخْتَلفَ عليه الثقاتُ اختلافًا كبيرًا وصل إلى حدِّ الاضطراب، وجزم ابن حجر بأنَّ هذا الاضطراب فيه إنما هو من يحيى (التلخيص الحبير 1/ 120).
وعلى هذا فلا يمكن أن تعل رواية مالك برواية قد اضطَرب فيها صاحبُها - كما صنع ابن عبد البر وغيره -، بل قال البيهقي: ((هذا الاختلاف يدل على أنه لم يحفظه كما ينبغي وقد أقام إسناده مالك بن أنس عن صفوان بن سليم، وتابعه على ذلك الليث بن سعد عن يزيد عن الجُلَاح أبي كثير، ثم عمرو بن الحارث عن الجلاح، كلاهما، عن سعيد بن سلمة، عن المغيرة بن أبي بردة
…
فصار الحديث بذلك صحيحًا كما قال البخاري)) (المعرفة 1/ 137).
هذا وقد صحَّحه جماعة من أئمة الحديث والفقه:
فقال البخاري: ((هو حديث صحيح)) (العلل الكبير للترمذي ص 41).
وقال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح)) (السنن).
وقال ابن المنذر: ((ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في ماء البحر: ((هو الطَّهُورُ ماؤه الحِلُّ مَيْتَتُهُ)))) (الأوسط 1/ 247).
وصحَّحه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، ونصَّ على صحته أيضًا في (المجروحين 2/ 316).
وابن منده في كتاب ((الطهارة بالاتفاق والتفرد على رسم أهل المعرفة
بالآثار وصحيح الأخبار)) كما في (الإمام لابن دقيق العيد 1/ 98).
وقال الحاكم: ((قد رَوَيْتُ في متابعات الإمام مالك بن أنس في طرق هذه الحديث عن ثلاثة ليسوا من شرط هذا الكتاب، وهم عبد الرحمن بن إسحاق، وإسحاق بن إبراهيم المزني، وعبد الله بن محمد القُدَامي، وإنما حَمَلنِي على ذلك بأن يعرف العَالِمُ أن هذه المتابعات والشواهد لهذا الأصل الذي صدَّر به مالك كتاب الموطَّأ وتداوله فقهاء الإسلام رضي الله عنهم من عصره إلى وقتنا هذا وأن مثل هذا الحديث لا يُعلَّلُ بجهالة سعيد بن سلمة والمغيرة بن أبي بردة، على أنَّ اسمَ الجهالة مرفوع عنهما بهذه المتابعات)) (المستدرك عقب رقم 505).
وقال البيهقي: ((هذا حديث أودعه مالك بن أنس كتاب الموطأ. وأخرجه أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، وجماعة من أئمة الحديث في كتبهم محتجين به.
وإنما لم يخرجه البخاري، ومسلم بن الحجاج في الصحيحين لاختلاف وقع في اسم سعيد بن سلمة، والمغيرة بن أبي بردة)) (معرفة السنن والآثار 1/ 223). وسبق تصريحه بصحته.
وقال الجورقاني: ((هذا حديث حسن، لم نكتبه إلَّا بهذا الإسناد، وهو إسناد متصل ثابت)) (الأباطيل والصحاح 1/ 522).
وقال البغوي: ((هذا حديث حسن صحيح)) (شرح السنة 2/ 56).
وصحَّحه ابن العربي في (أحكام القرآن 1/ 78).
وقال النووي: ((حديث صحيح)) (المجموع 1/ 82). وذكره في فصل الصحيح في (خلاصة الأحكام 1/ 63).
وصحَّحه ابن القيم في (زاد المعاد 4/ 361).
وقال ابن الأثير في ((شرح المسند)): ((هذا حديث صحيح مشهور، أخرجه الأئمة في كتبهم، واحتجُّوا به، ورجاله ثقات)) (البدر المنير 1/ 350).
وقال ابن حجر في ترجمة المغيرة: ((وصحَّح حديثَه عن أبي هريرة في البحر: ابن خزيمة، وابن حبان، وابن المنذر، والخطابي، والطحاوي، وابن منده، والحاكم، وابن حزم، والبيهقي، وعبد الحق، وآخرون)) (تهذيب التهذيب 10/ 256).
وقد أعلَّ بعض أهل العلم هذا الحديث، بعدة أمور:
قال الإمام الشافعي: ((في إسناده من لا أعرفه)) (معرفة السنن والآثار 1/ 222).
قال البيهقي: ((واختلفوا أيضًا في اسم سعيد بن سلمة،
…
وهو الذي أراد الشافعي بقوله: في إسناده من لا أعرفه، أو المغيرة، أو هما، إلَّا أن الذي أقام إسناده ثقة أودعه مالك بن أنس الموطأ)) (السنن 1/ 11).
وقال الطحاوي: ((سعيد بن سلمة مجهول لا يُعرف بالثبت فيقطع بروايته، وقد خالفه في إسناده يحيى بن سعيد الأنصاري؛ فرواه عن المغيرة بن عبد الله - وهو ابن أبي بردة - عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)(مختصر اختلاف العلماء 3/ 216).
وقال الجصاص: ((وسعيد بن سلمة مجهول لا يقطع بروايته وقد خولف في هذا الإسناد
…
وهذه الأخبار لا يحتجُّ بها من له معرفة بالحديث)) (أحكام القرآن 4/ 146 - 147).
ولذا قال ابن حزم: ((لا يصحُّ؛ ولذلك لم نحتجَّ به)) (المحلى 1/ 221).
وقال ابن عبد البر: ((ويحيى بن سعيد أحفظ من صفوان بن سليم وأثبت من سعيد بن سلمة. وليس إسناد هذا الحديث مما تقوم به حجة عند أهل العلم بالنقل؛ لأنَّ فيه رجلين غيرُ معروفين بحمل العلم)) (الاستذكار 1/ 159).
وقال في (التمهيد): ((أرسل يحيى بن سعيد الأنصاري هذا الحديث عن المغيرة بن أبي بردة، لم يذكر أبا هريرة، ويحيى بن سعيد أحد الأئمة في الفقه والحديث، وليس يقاس به سعيد بن سلمة ولا أمثاله، وهو أحفظ من صفوان بن سليم، وفي رواية يحيى بن سعيد لهذا الحديث ما يدل على أنَّ سعيد بن سلمة لم (يكن) بمعروف من الحديث عند أهله، وقد رُوِيَ هذا الحديث عن يحيى بن سعيد، عن المغيرة بن عبد الله بن أبي بردة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصواب فيه عن يحيى بن سعيد: ما رواه عنه ابن عُيَينَة مرسلًا، كما ذكرنا، والله أعلم)) (التمهيد 16/ 220).
وقال أيضًا: ((سعيد بن سلمة فلم يروِ عنه فيما علمت إلَّا صفوان بن سليم، والله أعلم، يقال إنَّه مخزومي من آل ابن الأزرق أو بني الأزرق، ومن كانت هذه حاله فهو مجهول لا تقوم به حجة عندهم. وأما المغيرة بن أبي بردة فهو المغيرة بن عبد الله بن أبي بردة، قيل إنَّه غير معروف في حملة العلم كسعيد بن سلمة وقيل ليس بمجهول. وقد سأل أبو عيسى الترمذي محمد بن إسماعيل البخاري عن حديث مالك هذا عن صفوان بن سليم فقال: هو عندي حديث صحيح
…
))، قال ابن عبد البر:((لا أدري ما هذا من البخاري رحمه الله ولو كان عنده صحيحًا لأخرجه في مصنّفه الصحيح عنده ولم يفعل؛ لأنَّه لا يُعَوِّل في الصحيح إلَّا على الإسناد، وهذا الحديث لا يحتجُّ أهل الحديث بمثل إسناده وهو عندي صحيح؛ لأنَّ العلماء تلقَّوه بالقبول له والعمل به ولا يخالف في جملته أحد من الفقهاء)) (التمهيد 16/ 217 -
219).
وقال أبو الحسن الطبري - المعروف بالكيا الهراسي-: ((وسعيد بن سلمة مجهول غير معروف بالثبت، وقد خالفه في سنده يحيى بن سعيد الأنصاري فرواه عن المغيرة بن عبد الله بن أبي بردة، عن أبيه، عن رسول الله عليه السلام، ومثل هذا الاضطراب في السند يوجب اضطراب الحديث، وغير جائز تخصيص آية محكمة به)) (أحكام القرآن 1/ 33).
والجواب:
قال ابن دقيق العيد: ((يجاب عليه بأنه روى عن سعيد: صفوان الجلاح، وعن المغيرة: سعيد بن سلمة ويحيى بن سعيد؛ فارتفعت الجهالة عنهما؛ كما أنه وثقهما النسائي)) (الإمام 1/ 99)، وانظر:(البدر المنير 1/ 350).
قلنا: وقد صحَّح حديثَهما جماعةٌ من الأئمة، على رأسهم أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري، وهذا أعلى من التوثيق المجرد.
أما رواية يحيى بن سعيد المرسلة، والأخرى التي قال فيها (عن المغيرة عن أبيه) وغيرهما، فمن اضطراب يحيى بن سعيد فيه كما سبق الإشارة إليه، فلا تُعَلُّ بها رواية من حفظ وأتقن.
ولهذا لم يُعَوِّلِ الدارقطني عليها، فقال - بعد ذِكْرِ أوجه الخلاف الكثيرة على يحيى بن سعيد -:((وأشبههما بالصواب قول مالك ومن تابعه، عن صفوان بن سليم)) (العلل 9/ 273).
وبنحوه قال العقيلي في (الضعفاء 2/ 148).
وأما اعتراض ابن عبد البر على تصحيح البخاري له، بقوله إنَّ البخاري لم يخرجه في صحيحه، فقد أجاب عن ذلك الحافظ فقال: ((وهذا مردود؛ لأنَّه
لم يلتزم الاستيعاب، ثم حكم ابن عبد البر - مع ذلك - بصحته لتلقي العلماء له بالقبول، فردَّه من حيث الإسناد وقبله من حيث المعنى، وقد حكم بصحة جملة من الأحاديث لا تبلغ درجة هذا ولا تقاربه)) (التلخيص الحبير 1/ 8).
رِوَايةٌ مُطَوَّلة:
• وفي رِوايةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَجَاءَهُ صَيَّادٌ (رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَنْطَلِقُ فِي الْبَحْرِ نُرِيدُ الصَّيْدَ فَيَحْمِلُ مَعَهُ أَحَدُنَا الْإِدَاوَةَ [أَوْ الِاثْنَتَيْنِ] وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يَأْخُذَ (يَجِدَ) الصَّيْدَ قريبًا فَرُبَّمَا وَجَدَهُ كَذَلِكَ وَرُبَّمَا لَمْ يَجِدِ الصَّيْدَ حَتَّى يَبْلُغَ مِنَ الْبَحْرِ مَكَانًا لَمْ يَظُنَّ أَنْ يَبْلُغَهُ فَلَعَلَّهُ يَحْتَلِمُ أَوْ يَتَوَضَّأُ فَإِنِ اغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ بِهَذَا الْمَاءِ [فِي كُلِّ صَلَاةٍ نَفِدَ الْمَاءُ] فَلَعَلَّ أَحَدَنَا [أَنْ] يُهْلِكَهُ الْعَطَشُ فَهَلْ تَرَى فِي مَاءِ الْبَحْرِ أَنْ نَغْتَسِلَ بِهِ أَوْ نَتَوَضَّأَ بِهِ إِذَا خِفْنَا ذَلِكَ؟ فَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (([نَعَم] اغْتَسِلُوا مِنْهُ وَتَوَضَّئُوا بِهِ فَإِنَّهُ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ)).
[الحكم]:
صحيح بما قبله، وإسناده حسن.
[التخريج]:
[ك 500 واللفظ له/ هق 2/ هقع 5 ((والرواية له))، 6، 7، 8/ مشكل 4034، 4036 ((والزيادات والروايتان له)) / تخ (3/ 478) واختصر متنه].
[السند]:
رواه (الحاكم) - وعنه البيهقي في (السنن) -: عن علي بن حَمْشَاذَ العدل أنبأ عبيد بن عبد الواحد بن شَريك، ثنا يحيى بن بكير حدثني الليث، عن يزيد بن أبي حبيب حدثني الجُلَاح أبو كثير أنَّ ابن سلمة المخزومي حدَّثه أن المغيرة بن أبي بردة أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول، فذكره.
ورواه البيهقي في (المعرفة): من طريق أحمد بن عبيد الصفار قال: حدثنا عبيد بن شريك، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد حسن؛ من أجل الجُلَاح أبي كثير القرشي، روى له مسلم في صحيحه، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الدارقطني:((لا بأس به))، ووثقه ابن عبد البر، وابن خلفون. وقال يزيد بن أبي حبيب:((كان رضا)). انظر: (التاريخ الكبير 3/ 478)، و (إكمال التهذيب لمغلطاي 3/ 263)، و (تهذيب التهذيب 2/ 126)، وقال الحافظ:((صدوق)) (التقريب 990)، فحديثه لا ينزل عن رتبة الحسن.
وبقية رجاله ثقات، عبيد بن عبد الواحد ثقة صدوق إلَّا أنَّه قد تَغَيَّرَ بأَخَرَةٍ، ولكن قال الذهبي:((ما ضرَّه التغير)) (اللسان 4/ 120).
ويحيى بن بكير وإنْ كان فيه كلام إلَّا أنه من أثبت الناس في الليث كما قال ابن عدي ولذا قال الحافظ: ((ثقة في الليث)) (التقريب 7580).
ومع هذا فقد توبعا:
فرواه الطحاوي في ((المشكل)) عن الربيع المرادي، قال: حدثنا شعيب بن الليث، قال: حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي كثير
جُلَاح، أن سعيد بن سلمة المخرومي أخبره، أن المغيرة بن أبي بردة أخبره، أنه سمع أبا هريرة يقول، فذكره.
وهذا إسناد رجاله ثقات، عدا الجُلَاح وهو حسن الحديث كما سبق.
وقد رواه أبو عبيد في كتاب الطهور عن أبي النضر، ويحيى بن بكير، كلاهما عن الليث، به، مختصرًا بلفظ الرواية الأولى، وقد خرجناه هناك لذلك.
وأبو النضر هو هاشم بن القاسم: ثقة ثبت من رجال الشيخين (تقريب 7256) فهذه متابعة أخرى لابن بكير.
وتوبع عليه يزيد أيضًا تابعه عمرو بن الحارث:
رواه البخاري في (تاريخه)، عن ابن وهب، عن عمرو، به.
وقد روى هذا الحديث ابن إسحاق وأخطأ فيه:
فرواه الطحاوي في (المشكل) من طريق محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن الجُلَاح، عن عبد الله بن سعيد المخزومي، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة، به.
كذا قال في شيخ الجلاح، وقيل عنه غير ذلك - انظر:(التاريخ الكبير 3/ 478)، و (المعرفة للبيهقي 1/ 135) - مما يدلُّ على اضطرابه فيه، وأنه لم يضبطه.
قال البيهقي: ((الليث بن سعد أحفظ من محمد بن إسحاق، وقد أقام إسناده عن يزيد بن أبي حبيب، وتابعه على ذلك عمرو بن الحارث عن الجلاح، فهو أولى أن يكون صحيحًا)) (المعرفة 1/ 135).
رِوَايةُ: (جَاءَهُ صَيادُونَ):
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنهُ جَاءَهُ نَاسٌ صَيادُونَ في البَحْرِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، إِنَّا أَهْلُ أَرْمَاثٍ، وَإِنَّا نَتَزَودُ مَاءً يَسِيرًا، [لا نَحْمِلُ مِنَ الْمَاءِ إلَّا الإدَاوَةَ وَالإدَاوَتَين لأَنَّا لا نَجِدُ الصَّيْدَ حَتَّى نَبْعُدَ،] إِنْ شَرِبْنَا مِنْهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا نَتَوَضَّأُ بهِ، وَإِنْ تَوَضَّأْنَا مِنْهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا نَشْرَبُ، أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ مَاءِ البَحْرِ؟ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:((نَعَم، فَهُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ)).
[الحكم]:
صحيح بما قبله.
[اللغة]:
الأرماث: جمع رَمَث - بفتح الميم - وهو خشب يُضَم بعضُه إلى بعض ثم يُشَد ويُركَب في الماء (النهاية لابن الأثير 2/ 636).
[التخريج]:
[حم 8912 ((والزيادة له))، 9099 ((واللفظ له)) / مي 746/ لا 1637/ دلائل (1/ 193)].
[التحقيق]:
هذا السياق رُوِيَ من طرق:
الطريق الأول:
رواه (أحمد 8899) قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، عن ليث، عن الجُلَاح أبي كثير، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة، به.
ورواه ((الدولابي)) عن النسائي، عن قتيبة، به.
وسبق الكلام على رجاله عدا قتيبة، وهو ثقة ثبت إلَّا أنه خولف في إسناده:
فرواه يحيى بن بكير، وشعيب بن الليث، وأبو النضر هاشم بن القاسم، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن الجلاح، عن سعيد بن سلمة، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة، به.
وهذا هو الصواب؛ لأنهم أثبت وأكثر عددًا، وتؤيدهم رواية عمرو بن الحارث عن الجلاح، به.
وقد تقدَّم ذكر رواياتهم مفصلًا فانظرها عقب الرواية السابقة.
الطريق الثاني:
رواه (أحمد 9088) عن الحسين بن محمد، قال: ثنا أبو أويس، ثنا صفوان بن سليم مولى حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن سعيد بن سلمة بن الأزرق المخزومي، عن أبي بردة بن عبد الله أحد بني عبد الدار بن قصي، عن أبي هريرة به مرفوعًا.
كذا قال أبو أويس وقد وهم في إسناده كما سبق بيانه في الرواية الأولى وقد أشار أحمد إلى وهمه هذا حيث أتبع روايته هذه برواية مالك التي قال فيها: ((عن المغيرة بن أبي بردة)) وهو الصواب.
الطريق الثالث:
رواه (الدارمي) عن الحسن بن أحمد الحراني، ثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن الجلاح، عن عبد الله بن سعيد المخزومي، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي هريرة، به.
كذا قال ابن إسحاق ووهم فيه في موضعين:
الأول: في قوله: ((عن عبد الله بن سعيد)).
والثاني: في قوله: ((عن المغيرة عن أبيه عن أبي هريرة)).
والصواب: عن سعيد بن سلمة عن المغيرة عن أبي هريرة، كذا رواه الليث عن يزيد، وعمرو بن الحارث عن الجلاح، وانظر ما سبق.
الطريق الرابع:
أخرجه السرقسطي في (الدلائل 1/ 193) قال: حدثنا موسى بن هارون، قال: نا إبراهيم بن مرزوق بن دينار، بمصر، قال: نا عبد الله بن حمران، قال: نا عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد بن أبي حبيب المصري، عن المغيرة بن عبد العزيز بن مروان، عن أبي ذر رجلٍ من أهل مصر، عن جلاح، عن أبي هريرة، أنَّ ناسًا ممن يصيد في البحر، قالوا: يا رسول الله، وذكر الحديث.
وهذا الإسناد وهم أيضًا، فإنَّ المحفوظ عن يزيد بن أبي حبيب، عن الجُلَاح، عن سعيد بن سلمة، عن المغيرة، عن أبي هريرة، كما سبق.
* * *
رواية ((هَلْ يَصْلُحُ أَنْ نَتَوَضَّأَ مِنَ البَحْرِ الْمَالِحِ؟)).
• وَفي رِوَايةٍ، قَالَ: فَهَلْ يَصْلُحُ أَنْ نَتَوَضَّأَ مِنَ البَحْرِ الْمَالِحِ (مَاءِ الْبَحْرِ)؟ فَقَالَ: ((نَعَم تَوَضَّئُوا مِنْهُ [وَحَلَّ مَيِّتُ مَا طَرَحَ])).
[الحكم]:
إسناده حسن، والمعنى صحيح بما قبله.
[التخريج]:
[ك 503 / هق 5 "واللفظ له" / هقع 486 ((والرواية والزيادة له)) / تخ (8/ 357/ 3320)].
[السند]:
رواه (الحاكم) - وعنه (البيهقي) - عن علي بن حمشاذ العدل، ثنا عبيد بن عبد الواحد، ثنا ابن أبي مريم أخبرني يحيى بن أيوب حدثني خالد بن يزيد أن يزيد بن محمد القرشي حدَّثه، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة، به.
ورواه البيهقي في (المعرفة 486) من طريق أحمد بن عبيد الصفار، عن عبيد بن شريك (وهو ابن عبد الواحد)، به.
وعلَّقه البخاري في (التاريخ) عن ابن أبي مريم، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد حسن؛ من أجل يحيى بن أيوب وهو الغافقي، وثقه جماعة وتكلم فيه آخرون، وقال الحافظ:((صدوق ربما أخطأ)) (التقريب: 7511).
وباقي رجاله ثقات، ابن أبي مريم هو سعيد بن الحكم ثقة ثبت من رجال الشيخين، وخالد بن يزيد هو الجمحي المصري ثقة من رجال الشيخين،
ويزيد بن محمد القرشي هو المطلبي المصري روى له البخاري مقرونًا ووثقه الدارقطني كما في (تهذيب التهذيب 11/ 358)، واعتمده الحافظ في (التقريب 7772).
93 -
حُدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عن أَبيهِ:
◼ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبيهِ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:((مَاءُ البَحْرِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الحَلالُ مَيْتَتُهُ)).
[الحكم]:
صحيح المتن، وإسناده معلول، وأعلَّه ابن حبان، وأشار إلى إعلاله البيهقي وابن حجر.
[التخريج]:
[مث 2818 ((واللفظ له)) / مشكل 4031/ ك 502].
[السند]:
قال ابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني): حدثنا هدبة، حدثنا حماد، عن يحيى بن سعيد، عن المغيرة بن عبد الله، عن أبيه، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ظاهر الصحة؛ فرجاله كلُّهم ثقات، إلَّا أنَّ المحفوظ في هذا الحديث (عن المغيرة عن أبي هريرة) كما سبق، وقد اضطرب يحيى بن سعيد فيه على أوجه كثيرة سبق بعضها وهذا أحدُها.
قال البيهقي - بعد أن ذكر أوجه الاختلاف فيه على يحيى بن سعيد -: ((هذا الاختلاف يدلُّ على أنه لم يحفظ كما ينبغي)) (معرفة السنن والآثار 1/ 231).
وقال الحافظ: ((رواه عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، إلَّا أنه اختلف عليه فيه، والاضطراب منه)) (التلخيص الحبير 1/ 8).
وقد قال ابن حبان في ترجمة المغيرة: ((يروي عن أبي هريرة ومن أدخل بينه وبين أبي هريرة أباه فقد وهم)) (الثقات 5/ 410).
94 -
حديث الْمُغِيرَةِ أَنَّ نَاسًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ
…
:
◼ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ نَاسًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ سَأَلُوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، إِنَّا نَركَبُ أَرْمَاثًا لَنَا، وَيَحْمِلُ أَحَدُنَا مُوَيْهًا لِسَقْيِهِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بمَاءِ البَحْرِ وَجَدْنَا في أَنفُسِنَا، وَإِنْ تَوَضَّأْنَا مِنْهُ عَطِشْنَا، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:((هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحَلَالُ مَيْتَتُهُ)).
[الحكم]:
صحيح المتن، وإسناده مرسل.
[اللغة]:
قوله (مُوَيْهًا): قال النووي: ((مُوَيه: بضم الميم، وفتح الواو، وإسكان الياء وهو تصغير ماء)) (شرح مسلم 15/ 127).
[التخريج]:
[عب 322/ تمهيد (16/ 219)].
[السند]:
قال (عبد الرزاق): عن الثوري وابن عُيَينَة، عن يحيى بن سعيد، عن المغيرة بن عبد الله، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد مرسل، وهو أحد أوجه اضطراب يحيى بن سعيد، وقد سبق ذكر بعضها، وقد صحَّ الحديث متصلًا عن أبي هريرة كما سبق.
أما قول ابن عبد البر: ((وهو مرسل لا يصحُّ فيه الاتصال)) (الاستذكار 1/ 158). فعلى قوله في تضعيف حديث أبي هريرة، وقد سبق الجواب عليه هناك، والله الموفق.
95 -
حَدِيثُ بَعْضِ بَنِي مُدْلِجٍ:
◼ عَنْ بَعْضِ بَنِي مُدْلِجٍ: أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنَّا نَركَبُ الأَرْمَاثَ فِي الْبَحْرِ للصَّيْدِ فَنَحْمِلُ مَعَنَا المَاءَ للشَّفَةِ
(1)
فإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَإِنْ تَوَضَّأَ أَحَدُنَا بمَائِهِ عَطِشَ وَإِنْ تَوَضَّأَ بمَاءِ البَحْرِ وَجَدَ في نَفْسِهِ؟ فَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: ((هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالحِلُّ (الحَلَالُ) مَيْتَتُهُ)).
[الحكم]:
صحيح المتن؛ وهذا إسناده ضعيف؛ لاضطرابه.
[التخريج]:
[حم 23096 ((والرواية له ولغيره)) / ش 1388 ((واللفظ له)) / مسد (خيرة 419/ 1، 2) / مع (خيرة 419/ 3) / طهور 234/ مشكل 4032/ علقط (4/ 274/ 1614) / ك 501/ صحا 6611/ هقع 10 - 12، 15 - 17/ متفق 1546].
[السند]:
رواه ((ابن أبي شيبة)) عن عبد الرحيم بن سليمان.
ورواه ((أحمد)) عن يزيد بن هارون، كلاهما عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن المغيرة، عن بعض بني مدلج، به.
وقال بعضهم: عن رجل من بني مدلج، به.
(1)
وجاء في المصنف: للشقة: بالقاف، والمثبت هو الصواب، وكذا ضبطها محققو المسند، ومعناها: من أجل الشرب، وكذا فسرها السندي، وفي رواية البيهقي في المعرفة ((لشفاهنا)).
[التحقيق]:
هذا إسناد رجاله ثقات؛ ولكن قد اختلف في هذا الحديث على يحيى بن سعيد - (وهو الأنصاري) - اختلافًا كبيرًا وصل إلى حد الاضطراب - كما أشرنا إليه من قبل - وجزم ابن حجر وغيره بأنَّ هذا الاضطراب فيه إنما هو من يحيى (التلخيص 1/ 10).
وقد نتج عن اضطرابه فيه روايات كثيرة اختلف فيها اسم الصاحب والتابعي، وكذلك وصلًا وإرسالًا، ولا حاجة هنا لتطويل الكلام بذكر هذه الروايات أو الشواهد إذ هي نتيجة لاضطراب يحيى بن سعيد ومن أراد الوقوف عليها فليرجع إلى (العلل للدارقطني 1416).
96 -
حَدِيثُ جَابِرِ:
◼ عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: عَنْ مَاءِ البَحْرِ؟ فقال: ((هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ (الحَلَالُ) مَيْتَتُهُ)).
[الحكم]:
صحيح لغيره؛ وهذا سنده حسن، وصحَّحه ابن خزيمة، وابن حبان، وابن السكن - وتبعه ابن دقيق العيد، وابن سيد الناس، ومغلطاي -، وقال ابن حجر:((إسناده لا بأس به)).
[التخريج]:
[جه 392 ((واللفظ له))، (زيادات القطان 47) / حم 15012/ خز 120 ((والرواية له ولغيره)) / حب 1239/ ك 507/ طب (2/ 186/ 1759) / جا 892/ قط 68 - 70/ علحم 4082/ هق 1210، 18997/ علت 35/ كما (34/ 193) / حل (9/ 229) / مجر (2/ 321) / خط (16/ 574) / تحقيق 4/ مشب 116/ متفق 812/ شجاعة 400/ علقط 26 معلقاً/ جصاص (1/ 133)، (4/ 146) / هانئ 27/ سكن (إمام 1/ 107)].
[التحقيق]:
له طريقان عن جابر بن عبد الله:
الطريق الأول:
أخرجه (أحمد) في ((المسند)) وفي ((العلل)) - ومن طريقه ابن هانئ، وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبان، والدارقطني، والبيهقي، وأبو نعيم الأصبهاني، والجصاص، وابن البخاري، وابن السكن، وابن جماعة، والمزي - قال: حدثنا أبو القاسم بن
أبي الزناد أخبرني إسحاق بن حازم، عن ابن مقسم
(1)
- يعني عبيد الله بن مقسم -، عن جابر، به.
وهذا إسناد حسن؛ أبو القاسم بن أبي الزناد: وثقه أحمد، كما في (تاريخ بغداد 14/ 399). وقال ابن معين:((ليس به بأس)) (تاريخ ابن معين - رواية الدوري 903). واعتمده الحافظ في (التقريب 8310).
وقال ابن عبد الهادي، والذهبي - عقب هذا الحديث -:((وأبو القاسم ابن أبي الزناد: صدوق)) (تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 1/ 13)، و (تنقيح التحقيق للذهبي 1/ 12).
وإسحاق بن حازم، وثقه أحمد، كما في (العلل 1250)، وابن معين، كما في (تاريخه - رواية الدارمي 158)، وقال أبو حاتم:((صالح الحديث)) (الجرح والتعديل 2/ 216). وقال أبو داود: ((ليس به بأس))، وقال الساجي:((صدوق، يرى القدر)) (إكمال تهذيب الكمال 2/ 87). وذكره ابن حبان في (الثقات 6/ 48) وكذا ابن شاهين في (الثقات 61).
وقال الذهبي: ((ثقة)) (الكاشف 293)، وقال الحافظ:((صدوق تُكلِّمَ فيه للقدر)) (التقريب 348).
وقال الدارقطني: ((وإسحاق بن حازم هذا شيخ مديني ليس بالقوي)) (العلل 1/ 220). والصواب ما عليه الجمهور.
(1)
وقع في طبعة الرسالة: (عن أبي مقسم) وهو خطأ، والصواب ما ذكرناه، كما في طبعة المكنز، وكذا في العلل، وقد رواه على الصواب ابن البخاري وابن جماعة والمزي من طريق القطيعي عن عبد الله بن أحمد به. وكذا رواه جماعة عن أحمد على الصواب.
وعبيد الله بن مقسم: ((ثقة من رجال الشيخين)) (التقريب 4344).
ولذا صحَّحه ابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، وكذا ابن السكن في (صحاحه)، وقال:((حديث جابر أصحُّ ما رُوِيَ في الباب)) (الإمام لابن دقيق 1/ 107).
وقال ابن حجر: ((وإسناده لا بأس به)) (الدراية 1/ 54).
وخالف ابن منده في ذلك، فقال:((لا يثبت)) (الإمام لابن دقيق 1/ 107).
فتعقبه ابن دقيق العيد؛ فقال: ((عندي أن قول أبي علي بن السكن في تقوية حديث جابر، أقوى من قول ابن منده؛
…
)) وذكر ما ذكرنا من توثيق رواته. ثم قال: ((ويمكن أن يكون ابن منده علل الحديث باختلاف في إسناده؛ فإنَّ عبد العزيز بن عمران، رواه عن إسحاق بن حازم الزيات، عن وهب بن كيسان، عن جابر، عن أبي بكر رضي الله عنه. أخرجه الدارقطني، وذكر أنَّ عبد العزيز - وهو ابن أبي ثابت - ليس بالقوي)) (الإمام لابن دقيق 1/ 107 - 108).
وقال ابن سيد الناس: ((وهذا الذي ذكره [عن]
(1)
ابن منده لا يصلح أنْ يكون مُعلًا لرواية أحمد، عن ابن أبي الزناد، عن إسحاق؛ لتوثيق ابن أبي الزناد، وضعفِ عبد العزيز بن عمران بن أبي ثابت عندهم، ورواية الضعيف لا تُعِلُّ رواية الثقة)) (النفح الشذي 2/ 161).
وقال مغلطاي: ((والظاهر أنَّ القول كما قاله ابن السكن؛ وذلك أنَّ رجال إسناده ثقات)) (شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي 1/ 322).
(1)
ما بين المعقوفين سقط من مطبوع (النفح الشذي)، وأثبتناه من (البدر المنير 1/ 361).
وذكره الجصاص في أحكامه، ثم قال:((وهذه الأخبار لا يحتجُّ بها من له معرفة بالحديث)) (أحكام القرآن 4/ 146 - 147).
وذكره الغساني في (تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني ص 4).
قلنا: ولم يذكرا دليلًا على إعلاله، وقد بينَّا أنَّه ثابت على قواعد المحدثين، وقد صحَّحه جماعة من أئمة هذا الشأن، وبهذا يُرَدُّ على قول الجصاص ومن وافقه.
الطريق الثاني:
رواه (الطبراني) عن محمد بن علي بن شعيب السمسار، نا الحسن بن بشر، نا المعافى بن عمران، عن ابن جُرَيجٍ، عن أبي الزبير، عن جابر، به.
ورواه (الحاكم، والدارقطني) من طريق عبد الباقي بن قانع، عن محمد بن علي، نا الحسن، به.
وهذا إسناد ضعيف؛ ابنُ جُرَيجٍ وإِنْ كان ثقة إلَّا أنَّه مدلس كما في (التقريب 4193) وقد عنعن.
وقد تابعه مبارك بن فضالة - كما عند الدارقطني في (السنن 68) - فرواه عن أبي الزبير، عن جابر، مثله.
ومبارك: يدلس ويسوي، كما في (التقريب 6464)، وقد عنعنه.
ولذا قال ابن الملقن: ((وهذا سند على شرط الصحيح، إلَّا أنه يخشى أن يكون ابنُ جُرَيجٍ لم يسمعه من أبي الزبير، فإنه مدلس، وأبو الزبير مدلس أيضًا، وقد عنعنا في هذا الحديث.
وقد تابع ابنَ جُرَيجٍ: مباركُ بنُ فضالة، فرواه عن أبي الزبير، عن جابر،
…
ومبارك هذا كان يدلس أيضًا، وضعفه أحمد، والنسائي)) (البدر المنير 1/ 363).
وقال الحافظ ابن حجر: ((وإسناده حسن ليس فيه إلَّا ما يخشى من التدليس)) (التلخيص 1/ 122).
قلنا: والحديث ثابت عن جابر من الطريق الآخر.
رواية: (نِعْمَ الجَارُ الْبَحْرُ):
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَرِيَّةٍ بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ ثَلَاثُمَائَة رَجُلٍ، فَقَلَّتْ أَزوَادُنَا حَتَّى مَا كَانَ يُصِيبُ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا إِلَّا تَمرَةٌ فَجِئْنَا الْبَحْرَ؛ فَإِذَا نَحْنُ بِحُوتٍ أَلْقَاهُ الْبَحْرُ مَيْتًا فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ فَمَكَثْنَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً نَأْكُلُ مِنْهُ ثُمَّ قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْنَاهُ فَقَالَ:((نِعْمَ الجَارُ الْبَحْرُ، هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُهُ)).
[الحكم]:
إسناده ضعيف جدًّا.
[التخريج]:
[تمهيد (23/ 14 - 15)].
[السند]:
قال (ابن عبد البر): حدثنا خلف ابن القاسم قال: حدثنا أحمد بن محمد
ابن أبي الموت المكي، قال: حدثنا أحمد بن زيد بن هارون، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة، عن هشام بن عروة، عن وهب بن كيسان، عن جابر، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ آفته عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة بن الزبير، فهو متروك متهم؛ قال ابن حبان:((يروي الموضوعات عن الأثبات)). وقال أبو حاتم الرازي: ((متروك الحديث)). وساق له ابن عدي أحاديث ثم قال: ((عامتها مما لا يتابعه عليها الثقات)). انظر: (لسان الميزان 4/ 552).
97 -
حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ:
◼ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: عَنْ مَاءِ البَحْرِ، فَقَالَ:((هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُهُ)).
[الحكم]:
صحيح المتن؛ صحَّ من حديث أبي هريرة كما سبق، أما عن أبي بكر فضعيف جدًّا والصواب فيه الوقف.
[التخريج]:
[قط 71 ((واللفظ له)) / مجر (1/ 451)، (2/ 122) / فوائد ابن صخر (مغلطاي 1/ 323)].
[التحقيق]:
رُوِيَ هذا الحديث من طريقين:
الأول:
قال (الدارقطني): حدثنا الحسين بن إسماعيل، ومحمد بن مخلد، قالا: نا عمر بن شَبَّة أبو زيد، نا محمد بن يحيى بن علي بن عبد الحميد، حدثني عبد العزيز بن أبي ثابت بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، عن إسحاق بن حازم الزيات مولى آل نوفل، عن وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله، عن أبي بكر الصديق، به.
ورواه ابن حبان في (المجروحين): عن عبد الرحمن بن سانجور الرملي بطرسوس، قال: حدثنا عمر بن شَبَّة، به.
وهذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فيه عبد العزيز بن عمران - المعروف بابن أبي ثابت -، وهو متروك؛ احترقت كتبه، فحدَّث من حفظه فاشتدَّ
غلطه (التقريب 4114).
وقد أخطأ فيه من وجهين:
الأول: حين رواه عن إسحاق الزيات بهذا السند، والصواب - كما قال ابن حبان وغيره - عن إسحاق، عن ابن مقسم، عن جابر مرفوعًا كما سبق.
والثاني: حين رفعه عن أبي بكر، والمحفوظ عن أبي بكر الصديق من قوله غير مرفوع؛ فقد رواه ابن أبي شيبة في (مصنفه 1389): عن عبد الرحيم بن سليمان، عن عبيد الله بن عمر، أخبرني عمرو بن دينار، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ؟ فقال:((هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ)). هكذا موقوفًا.
ورواه ابن المنذر في (الأوسط 159)، والدارقطني في (السنن 72) وفي (العلل 1/ 53)، والبيهقي في ((السنن الصغير)) (3882) من طرق: عن عبيد الله بن عمر، به.
وهذا إسناد صحيح غاية. قال الذهبي: ((وهذا سند صحيح)) (نصب الراية 1/ 99).
ولذا قال ابن حبان - عن الرواية المرفوعة -: ((وهو خطأ فاحش، إنما هو عن إسحاق بن حازم عن عبيد الله بن مقسم عن جابر
…
والخبر عن أبي بكر الصديق مشهور قوله غير موفوع من حديث عمرو بن دينار عن أبي الطفيل عن أبي بكر الصديق)) (المجروحين 2/ 122 - 123).
وقال الدارقطني: ((هو حديث تفرَّد به عبد العزيز بن أبي ثابت الزُّهري، مديني ضعيف الحديث)). قال: ((وقد روى هذا الحديث، عن أبي بكر الصديق موقوفًا، من قوله: غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، من رواية صحيحة
عنه.
ورواه ابن زاطيا، عن شيخ له من حديث عبيد الله بن عمر، عن عمرو بن دينار، عن أبي الطفيل، عن أبي بكر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ووهم في رفعه والموقوف أصح)) (العلل 1/ 40 - 41/ س 26). وبنحوه في (السنن 1/ 44).
وسُئِلَ عن حديث أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن أبي بكر في البحر أنه قال:((هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ)).
فقال: ((يرويه عمرو بن دينار، عن أبي الطفيل.
حدَّث به عنه عبيد الله بن عمر العمري عنه موقوفًا.
قاله عنه يحيى بن سعيد القطان، وعبد الله بن نمير، وأبو ضمرة، وعبد الله بن رجاء، ومحمد بن عبيد، وغيرهم.
وقيل: عن عبيد الله بن عمر، عن عمرو بن دينار مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والموقوف أصح" (العلل 1/ 53/ س 41).
وقال ابن الملقن: ((وعبد العزيز هذا أحد المتروكين، ثم رواه الدارقطني موقوفًا على أبي بكر الصديق، بإسناد صحيح)) (البدر المنير 1/ 371).
وقال ابن حجر: ((وفي إسناده عبد العزيز بن أبي ثابت وهو ضعيف، وصحَّح الدارقطني وقفه وكذا ابن حبان في الضعفاء)) (التلخيص الحبير 1/ 124).
الطريق الثاني:
رواه ابن حبان في (المجروحين 1/ 451 - 452) عن الحسين بن زريق
البغدادي بمكة قال: ثنا السري بن عاصم، عن محمد بن عبيد، [عن عبيد] الله بن عمر، عن عمرو بن دينار، عن أبي الطفيل، عن أبي بكر الصديق مرفوعًا، به.
وهذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فيه السري بن عاصم؛ وهَّاه ابن عدي، وقال:((يسرق الحديث))، وكذَّبه ابن خراش (اللسان 4/ 22).
والحديث ذكره ابن حبان في ترجمته، وقال:((يسرق الحديث ويرفع الموقوفًات لا يحلُّ الاحتجاج به)). وقال: ((إنما هو من قول أبي بكر الصديق فأسنده فيما يشبه هذا من الأشياء التى لا ينكرها من الحديث صناعته)) (المجروحين 1/ 451).
وقال ابن حجر: ((وهذا الإسناد مركب ما حدَّث به هؤلاء قط هكذا، وإنما يُعرف من حديث أبي بكر موقوفًا)) (لسان الميزان 4/ 23).
98 -
حَدِيثُ ابنِ عَبَّاسٍ:
◼ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ مَاءِ البَحْرِ؟ فَقَالَ: ((مَاءُ البَحْرِ طَهُورٌ)).
[الحكم]:
صحيح المتن بما سبق، وإسناده معلول، الصواب موقوف، كما قال الدارقطني - وتبعه الغساني، وابن حجر -.
[التخريج]:
[ك 496/ قط 77 ((واللفظ له))].
[السند]:
رواه (الدارقطني) عن أحمد بن موسى بن مجاهد، نا إبراهيم بن راشد.
ورواه (الحاكم) عن أبي العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق الصاغاني.
كلاهما (إبراهيم، والصاغاني) عن سريج بن النعمان، ثنا حماد بن سلمة، عن أبي التياح، عن موسى بن سلمة، عن ابن عباس، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد رجاله ثقات رجال الصحيح، إلَّا أنه معلول؛ فقد قال الدارقطني - عقبه -:((كذا قال، والصواب وقفه)). وتبعه الغساني فذكره في (تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني ص: 5).
وقال ابن حجر: ((ورواته ثقات لكن صحَّح الدارقطني وقفه)) (التلخيص الحبير 1/ 122).
قلنا: والموقوف الذي أشار إليه الدارقطني، أخرجه أحمد في (مسنده 1/
279) عن عفان بن مسلم.
وأخرجه ابن المنذر في (الأوسط 161) عن علي بن عبد العزيز، عن حجاج بن المنهال.
كلاهما (عفان، وحجاج) عن حماد بن سلمة، عن أبي التياح، عن موسى بن سلمة، عن ابن عباس، أنه قال:((مَاءُ الْبَحْرِ طَهُورٌ)). واللفظ لابن المنذر، وعند أحمد في أوله قصة طويلة، وفي آخره: أنه سأله - أي ابن عباس - عن ماء البحر؟ فقال: ((مَاءُ الْبَحْرِ طَهُورٌ)).
وعفان وحجاج أوثق وأحفظ من سريج، وسريج مع كونه ثقة فهو يهم، فقد قال فيه الحافظ:((ثقة يهم قليلًا)). فلعلَّ ذلك من أوهامه.
وقد رواه ابن المنذر في (الأوسط 161) عن علي بن عبد العزيز، عن حجاج بن المنهال، عن حماد، عن قتادة، عن موسى بن سلمة، به موقوفًا أيضًا.
ومع هذا فقد مشَّاه الحاكم على ظاهره فقال: ((هذا حديث صحيح على شرط مسلم)).
وتبعه ابن الملقن فقال: ((وهو كما قال. وقد قال الشيخ تقي الدين في (الإمام): موسى بن سلمة: هو المحبق، أخرج له مسلم، وقد صحَّح بعض الحفاظ حديثًا من رواية حماد، عن أبي التياح، عنه. وباقي السند مشهور)) (البدر المنير 1/ 363).
قلنا: قوله (على شرط مسلم) وهم، فلم يخرج مسلم لسريج بن النعمان وإنما أخرج له البخاري.
ومع ذلك فهو معلول كما بينَّاه.
رِوَايةُ: (ذَكِيٌّ صَيْدُهُ):
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْبَحْرِ: ((ذَكِيٌّ صَيْدُهُ، طَهُورٌ مَاؤُهُ)).
[الحكم]:
ضعيف بهذا اللفظ، وضعَّفه الجصاص.
[التخريج]:
[جصاص (1/ 133)].
[السند]:
قال الجصاص: وقد روى [زياد]
(1)
بن عبد الله البكائي، قال: حدثنا سليمان الأعمش قال: حدثنا أصحابنا عن ابن عباس، فذكره.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف، فيه ثلاث علل:
الأولى: زياد البكائي: في حديثه عن غير ابن إسحاق لين، كما في (التقريب 2085).
الثاني: إبهام شيوخ الأعمش.
ولذا قال الجصاص: ((وهذا أضعف عند أهل النقل من الأول)). يعني حديث أبي هريرة، ولا يسلم له في ذلك، وسبق الردُّ عليه.
الثالث: أنه معلق، فلم يذكر الجصاص سنده إلى زياد البكائي.
* * *
(1)
في المطبوع: [ابن زياد]، وهو خطأ. وقد نقله على الصواب الكيا الهراسي في (أحكام القرآن 1/ 33).
99 -
حَدِيثُ الْعَرَكِي:
◼ عَنِ الْعَرَكِي أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ مَاءِ البَحْرِ [فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّا نَرْكَبُ فِي الأَرْمَاثِ فَنَبْعُدُ في الْبَحْرِ، وَمَعَنَا مَاءٌ لِشِفَاهِنَا، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا (مِتْنَا عَطَشًا)، وَيَزعُمُونَ أَنَّ مَاءَ البَحْرِ لَيْسَ بطَهُورٍ] فَقَالَ [رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم]: ((هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ (مَاؤُهُ طَهُورٌ وَمَيتَتُهُ حَلَالٌ))).
[الحكم]:
إسناده حسن في الشواهد، وحسَّنه الطحاوي، والهيثمي.
[اللغة]:
العركي: ملاح السفينة، وهو وصف وليس باسم، واسمه: عبد، وقيل: عبيد (التلخيص 1/ 12).
[التخريج]:
[طب (جامع 7179)، (مجمع 1080) ((واللفظ له)) / مشكل 4035 ((والزيادتان والرواية الثانية له)) / طحق 65 ((والرواية الأولى له)) / صحا 4808/ علقط (4/ 272) تعليقًا].
[السند]:
أخرجه الطحاوي في ((المشكل)) وفي ((أحكام القرآن)). عن الربيع المرادي، قال: حدثنا أسد بن موسى، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن حميد بن صخر، عن عياش بن عباس المصري، عن عبد الله بن زرير
(1)
،
(1)
وقع في ((المشكل)): (رزين)، وفي ((أحكام القرآن)):(رزية). وعند الطبراني وفي معرفة الصحابة (جرير)، والصواب ما ذكرناه كما في كتب التراجم، وقد جاء على الصواب في (علل الدارقطني 9/ 10).
عن العركي، به.
ورواه الطبراني في ((الكبير)) - وعنه أبو نعيم في ((معرفة الصحابه)) - عن الحضرمي، عن عثمان بن أبي شيبة، ثنا حاتم بن إسماعيل، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد حسن في الشواهد؛ رجاله ثقات عدا حميد بن صخر - وصوابه أبو صخر كما قال البغوي
(1)
- وهو ابن زياد المدني -؛ مختلف فيه، لخصه الحافظ بقوله:((صدوق يهم)) (التقريب 1547).
وقال الهيثمي: ((رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن)) (المجمع 1080).
وقال الطحاوي: ((إسناد هذا الحديث حسن، غير أنَّ عبد الله بن زرير قديم لا يقع في القلوب لقاء عياش بن عباس إيَّاه)) (المشكل 10/ 206).
قلنا: وما ذكره الطحاوي غير مستبعد، خاصة وقد ثبت عن عياش روايته عن عبد الله بن زرير بالواسطة بينهما الحارث بن يزيد الحضرمي، وفيها تصريح كل منهم بالسماع من الآخر، هذا مع أن لقاء عياش بابن زرير غير ممتنع؛ فقد مات عبد الله بن زرير (80 هـ) أو بعدها، ومات عياش (133 هـ) وكلاهما مصريان.
وعلي كلٍّ الحديث يشهد له حديث أبي هريرة وحديث جابر وغيرهما في الباب، فلا بأس بتحسينه في ظلِّ هذه الشواهد. والله أعلم.
(1)
انظر (الإصابة 4/ 323).
100 -
حَدِيثُ عَلِيٍّ:
◼ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: عَنْ مَاءِ البَحْرِ؟ فَقَالَ: ((هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُهُ)).
[الحكم]:
صحيح المتن؛ صحَّ من حديث أبي هريرة، وهذا إسناده ضعيف جدًّا.
[التخريج]:
[ك 506/ قط 73 ((واللفظ له))].
[السند]:
قال (الدارقطني): حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، نا أحمد بن الحسين بن عبد الملك، نا معاذ بن موسى، نا محمد بن الحسين حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي، به.
ورواه (الحاكم) عن أبي سعيد أحمد بن محمد النسوي، ثنا أحمد بن محمد بن سعيد، ثنا أحمد بن الحسين بن علي حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد مسلسل بالمجاهيل، ومع أن مخرج الطريقين واحد وهو أحمد بن محمد بن سعيد، إلَّا أنهما اختلفا في بعض رواته، وهم مجهولون لا يعرفون.
قال ابن الملقن: ((هذا إسناد عجيب. قال الشيخ تقي الدين في (الإمام): فيه من يحتاج إلى معرفة حاله.
قلت: وشيخ الدارقطني فيه: هو ابن عقدة، وقد ضعَّفوه، وإِنْ كان
حافظًا)) (البدر المنير 1/ 369).
وقال ابن حجر: ((ورواه الدارقطني والحاكم من حديث علي بن أبي طالب من طريق أهل البيت وفي إسناده من لا يُعرف)) (التلخيص الحبير 1/ 123).
101 -
حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو:
◼ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ صَيْدَ مَيْتَةِ البَحْرِ حَلَالٌ، وَمَاؤُهُ طَهُورٌ)).
[الحكم]:
صحيح المتن؛ صحَّ عن أبي هريرة، وهذا إسناده ضعيف معلول، ضعَّفه ابن القيسراني، وابن حجر.
[التخريج]:
[ك 508/ قط 74، 83/ طهور (زوائد المروزي 236) ((واللفظ له)) / عد (6/ 424)].
[السند]:
رواه محمد بن يحيى المروزي في ((زوائده على كتاب الطهور لأبي عبيد)) - ومن طريقه ابن عدي - قال: حدثنا الحكم بن موسى قال: ثنا هقل، عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، به.
ورواه الدارقطني (74) عن الحسين المحاملي، عن محمد بن إسحاق الصغاني، عن الحكم، به.
ورواه الدارقطني (83) من طريق سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، عن إسماعيل بن عياش، عن المثنى بن الصباح، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف؛ وعلته: المثنى بن الصباح وقد ضعَّفه غير واحد من الأئمة، وقال الحافظ:((ضعيف اختلط بأخرة)) (التقريب 6471).
وبه أعلَّه ابن القيسراني في (ذخيرة الحفاظ 5666)، وابن حجر في
(التلخيص الحبير 1/ 123).
قلنا: وقد وقفنا له على متابعة:
أخرجها الحاكم في ((المستدرك)) عن العباس بن محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني، ثنا الحكم بن موسى، ثنا هِقلُ بن زياد، عن الأوزاعي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، به.
وهذا إسناد ظاهره الحسن، رجاله ثقات إلى عمرو بن شعيب، وعمرو وأبوه صدوقان.
ولذا قال ابن الملقن: ((وهو إسناد على شرط مسلم، خلا ترجمة عمرو بن شعيب)) (البدر المنير 1/ 367)، وذكر طريق المثنى، ثم قال:((والاعتماد إنما هو على الطريق الأول، وهذه متابعة له)) (البدر المنير 1/ 367).
ولكن الصواب - والله أعلم - أنَّ ذِكْرَ (الأوزاعي) فيه وهم، لعلَّه من الحاكم، فهو مع جلالة قدره، وسعة حفظه، له أوهام. أو لعلَّها من شيخه أبي العباس الأصم.
وقد رواه الدارقطني من طريق الصاغاني على الصواب - كما سبق -.
ولذا قال ابن حجر: ((ووقع في رواية الحاكم: (الأوزاعي) بدل (المثنى) وهو غير محفوظ)) (التلخيص الحبير 1/ 123).
وقال في الإتحاف: ((وهو وهم منه أو من شيخه)) (إتحاف المهرة 9/ 473).
102 -
حَدِيثُ أَنَسٍ:
◼ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَاءِ الْبَحْرِ قَالَ: ((الحَلَالُ مَيْتَتُهُ، الطَّهُورُ مَاؤُهُ)).
[الحكم]:
صحيح المتن؛ صحَّ عن أبي هريرة، وهذا إسناده ضعيف جدًّا، وضعَّفه الدارقطني - وأقرَّه الغساني، وابن الملقن -، وعبد الحق الإشبيلي.
[التخريج]:
[عب 321/ قط 75 ((واللفظ له))، 76].
[السند]:
رواه (عبد الرزاق) - ومن طريقه (الدارقطني) -: عن الثوري، عن أبان، عن أنس، به.
ورواه (الدارقطني) من طريق محمد بن يزيد، عن أبان، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد واهٍ؛ علته: أبان وهو ابن أبي عياش: متروك الحديث، كما قال أحمد وغيره، واعتمده الحافظ في (التقريب 142).
وبه أعلَّه الدارقطني، حيث قال عقبه:((أبان بن أبي عياش متروك)) (السنن 1/ 45). وتبعه الغساني فذكره في (تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني ص: 5). وقال ابن الملقن: ((وهو كما قال)) (البدر المنير 1/ 372).
وقال عبد الحق الإشبيلي: ((وأبان ضعيف جدًّا)) (الأحكام الوسطى 1/ 157).
103 -
حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ المُدْلِجِيِّ:
◼ عَنْ عَبْدِ اللهِ المُدْلِجِيِّ قَالَ: كُنَّا فِي أَرْمَاثٍ فِي الْبَحْرِ فَنَحْمِلُ مَعَنَا القَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِذَا تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا وَإِذَا تَوَضَّأْنَا بِمَاءِ الْبَحْرِ كَفَانَا، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:((هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ)).
[الحكم]:
صحيح المتن؛ صحَّ عن أبي هريرة وغيره، وهذا إسناده ضعيف.
[التخريج]:
[مشكل 4033 ((واللفظ له)) / طحق 62/ غو (2/ 556) / طب (مجمع 1079)].
[السند]:
رواه (الطحاوي) في ((المشكل)) وفي ((أحكام القرآن)) قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا حجاج بن رشدين، قال: حدثنا عبد الجبار بن عمر، عن عبد ربه بن سعيد، عن المغيرة بن أبي بردة، عن عبد الله المدلجي، به.
ورواه (ابن بشكوال) من طريق ابن وهب، قال: حدَّثني عبد الجبار بن عمر، عن عبد (ربه)
(1)
بن سعيد وإسحاق بن عبد الله، عن المغيرة، به.
ورواه (الطبراني) من طريق عبد الجبار بن عمر - كما ذكر الهيثمي-.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف؛ مداره على عبد الجبار بن عمر الأيلي، واتفق الأئمة
(1)
في المطبوع: (عبد الله) وهو خطأ.
على ضعفه، وشذَّ ابن سعد فوثقه، واعتمد ضعفه الحافظ في (التقريب 3742)، وهو الصواب.
وقال الهيثمي: ((رواه الطبراني في الكبير، وفيه عبد الجبار بن عمر، ضعَّفه البخاري والنسائي، ووثقه محمد بن سعد)) (المجمع 1079).
وإسحاق المقرون بعبد ربه - في رواية ابن بشكوال - هو ابن أبي فروة، وهو متروك كما في (التقريب 368).
104 -
حديث ابن عمر:
◼ عَنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما رَفَعَهُ فِي مَاءِ البَحْرِ: ((هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُهُ)).
[الحكم]:
صحيح المتن، وإسناده ضعيف جدًّا.
[التخريج]:
[قطغ (لسان 1/ 563/ 749)، (بدر 1/ 370)].
[السند]:
أخرجه الدارقطني في غرائب مالك - كما في لسان الميزان -: عن أبي بكر الشافعي من أصل كتابه وعن غيره كلاهما، عن أحمد بن عمر، عن هشام بن عمار، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، به.
[التحقيق]:
ذكر ابن حجر هذا الحديث في ترجمة (أحمد بن عمر بن موسى)، ونقل عن الدارقطني أنه قال:((هذا باطل بهذا الإسناد وهو مقلوب)).
قال ابن حجر: ((ولكن لم يتعين كون الغلط منه (أي: من أحمد بن عمر)؛ فقد وثقه الخطيب، وهشام حدَّث في آخر عمره بأحاديثَ أخطأَ فيها)) (اللسان 1/ 563).
قلنا: والمحفوظ عن مالك - كما في الموطأ -: عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة، عن المغيرة، عن أبي هريرة به، وقد سبق.
أما ابن عمر فالمحفوظ عنه أنَّه كره الوضوء بماء البحر، كما عند ابن أبي شيبة في (مصنفه 1403) قال: حدثنا وكيع، عن شعبة، عن قتادة، عن عقبة بن صهبان، قال: سمعت ابن عمر يقول: ((التَّيَمُّمُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْوُضُوءِ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ)).
وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات.
105 -
حَدِيثُ الفِرَاسِيِّ:
◼ عَنِ الفِرَاسِيِّ قَالَ: كُنْتُ أَصِيْدُ فِي الْبَحْرِ الأَخْضَرِ عَلَى أَرْمَاثٍ، وَكُنْتُ أَحْمِلُ قِرْبَةً فِيهَا مَاءٌ، فَإِذَا لَمْ أَتَوَضَّأُ مِنَ الْقِرْبَةِ رَفَقَ ذَلِكَ بِي، وَبَقِيَتْ لِي، فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَقُلْتُ: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: ((هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ)).
[الحكم]:
المرفوع منه صحيح من حديث أبي هريرة كما تقدَّم، وإسناده ضعيف.
[التخريج]:
[طهور 237/ مشكل 4037 - 4039/ طحق (1/ 91) / تمهيد (16/ 220) ((واللفظ له))].
[السند]:
رواه أبو عبيد في (الطهور): عن سعيد بن أبي مريم، عن يحيى بن أيوب، عن جعفر بن ربيعة وعمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، عن أبي معاوية مسلم بن مخشي، عن الفراسي، به.
ورواه الطحاوي في (المشكل 4037) عن علي بن عبد الرحمن. ورواه ابن عبد البر في ((التمهيد)) من طريق روح بن الفرج القطان. كلاهما (علي، وروح) عن يحيى بن بكير.
ورواه الطحاوي في (المشكل 4038) وفي (أحكام القرآن): عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا أبي.
كلاهما (ابن بكير، وابن عبد الحكم) عن الليث بن سعد، عن جعفر بن ربيعة - وحدَه -، عن بكر، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف؛ فيه علتان:
الأولى: جهالة مسلم بن مخشي المدلجي أبو معاوية المصري، ترجم له البخاري في (التاريخ 7/ 272)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 8/ 195)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، ولم يروِ عنه إلَّا بكر بن سوادة، وذكره ابن حبان في (الثقات 5/ 398) على قاعدته، وقال الحافظ في (التقريب 6646):((مقبول)). أي حيث يتابع وإلا فلين، ولم يتابع.
وذكره الذهبي في الميزان، وقال:((تفرَّد بحديث الفراسي في ماء البحر، ما حدَّث عنه غير بكر بن سوادة)) (ميزان الاعتدال 6/ 420).
قال الطحاوي: ((وكان هذا الحديث مما لا يصلح لنا الاحتجاج به؛ لأنَّ من رُواته بعض من لا يُعرف)) (شرح مشكل الآثار 10/ 210). وبنحوه في (مختصر اختلاف العلماء 3/ 216).
وقال الجصاص: ((هذا أيضًا مما لا يُحتجُّ به؛ لجهالة راويه)) (أحكام القرآن 1/ 133).
الثانية: الانقطاع بين مسلم بن مخشي والفراسي؛ فهو لم يدركه، وإنما روى عن ابنه عنه كما قال البخاري وغيره. انظر:(التلخيص 1/ 11).
قال ابن القطان - متعقبًا الإشبيلي -: ((وأظنُّ أنَّه خفي عليه انقطاع حديث الفراسي، وهو حديث لم يسمعه مسلم بن مخشي عن الفراسي، وإنما يروي مسلم بن مخشي عن ابن الفراسي، عن الفراسي)) (بيان الوهم والإيهام 2/ 440).
[تنبيهان]:
الأول:
قال ابن عبد البر: ((وقد رُوِيَ هذا الحديث أيضًا عن النبي عليه السلام من حديث الفراسي رجل من بني فراس من بني مدلج بإسناد ليس بالقائم
…
والفراسي مذكور في الصحابة غير معروف)) (الاستذكار 1/ 159).
وتعقبه ابن دقيق العيد، في ((الإمام)) فقال:((إنْ كان مراد أبي عمر: مجهول الحال، مع إثبات كونه من الصحابة، فقد اشتهر بين أرباب الأصول والحديث أن ذلك لا يضرُّ، لعدالة جميع الصحابة رضي الله عنهم. وإن أراد: مجهول الصحبة، فقد أثبت البخاري صحبته فيما حكاه أبو عيسى الترمذي، فيما ذُكر عنه مضافًا إلى كتاب العلل)) (الإمام 1/ 109). وأقرَّه ابن الملقن في (البدر المنير 1/ 364).
الثاني:
وقع عند الطحاوي في (المشكل 4039) من رواية عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، عن جدّه، عن يحيى به إلى بكر بن سوادة:((عن أبي معاوية العلوي عن مسلم بن مخشي))! .
هكذا رواه عبد الله بن محمد حفيد سعيد بن أبي مريم، عن جدّه، وهو وهم، والصواب:((عن أبي معاوية مسلم بن مخشي))، هكذا رواه أبو عبيد، عن سعيد، به.
والوهم فيه من عبد الله حفيد سعيد؛ فإنه مغفل يُحدِّث بالبواطيل، راجع ترجمته في (اللسان 4405).
ويؤكد ذلك أنَّ أهل العلم ذكروا أن مسلمًا هذا لم يروِ عنه إلَّا بكر.
قال عبد الحق الإشبيلي: ((حديث الفراسي، لم يروه عنه - فيما أعلم - إلَّا
مسلم بن مخشي، ومسلم بن مخشي لم يروِ عنه - فيما أعلم - إلَّا بكر بن سوادة)) (الأحكام الوسطى 1/ 157).
وقال الذهبي في ترجمة مسلم: ((تفرَّد بحديث الفراسي في ماء البحر، ما حدَّث عنه غير بكر بن سوادة)) (ميزان الاعتدال 6/ 420).
* * *
106 -
حَدِيثُ ابْنِ الفِرَاسِيِّ:
◼ عَنِ ابْنِ الفِرَاسِيِّ، قَالَ: كُنْتُ أَصِيدُ، وَكَانَتْ لِي قِرْبَةٌ أَجْعَلُ فِيهَا مَاءً، وَإني أَتَوَضَّأُ بمَاءِ البَحْرِ، فَذَكَرتُ ذَلكَ لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:((هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ)).
[الحكم]:
صحيح المتن من حديث أبي هريرة، وإسناده مرسل ضعيف.
[التخريج]:
[جه 391].
[السند]:
قال (ابن ماجه): حدثنا سهل بن أبي سهل، قال: حدثنا يحيى بن بكير، قال: حدثني الليث بن سعد، عن جعفر بن ربيعة، عن بكر بن سوادة، عن مسلم بن مخشي، عن ابن الفراسي، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف؛ مسلم بن مخشي مجهول كما سبق، وفيه أيضًا إرسال؛ فابن الفراسي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم؛ وإنما يرويه عن أبيه؛ قال الترمذي:((وسألت محمدًا - أي: البخاري - عن حديث ابن الفراسي في ماء البحر فقال: هو مرسل، ابن الفراسي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، والفراسي له صحبة)) (العلل الكبير ص 41).
مع أنَّ البخاري قال في (التاريخ): ((ابن الفراسي، سمع النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه مسلم بن مخشي))! (التاريخ الكبير 8/ 444)، فلعلَّه اعتمد على ظاهر الرواية، قبل النظر في طرق الحديث، والله أعلم.
وقال ابن الملقن: ((مرسل بين ابن الفراسي والنبي صلى الله عليه وسلم)(البدر المنير 1/ 366).
وقال ابن حجر: ((فعلى هذا كأنَّه سقط من الرواية عن أبيه، أو أنَّ قوله: (ابن) زيادة؛ فقد ذكر البخاري: أن مسلم بن مخشى لم يدرك الفراسي نفسه، وإنما يروي عن ابنه، وأنَّ الابن ليست له صحبة، وقد رواه البيهقي من طريق شيخ شيخ ابن ماجه يحيى بن بكير، عن الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن مسلم بن مخشى أنه حدَّثه أن الفراسي قال: ((كُنْتُ أَصِيدُ
…
)) فهذا السياق مجوَّد، وهو على رأي البخاري مرسل)) (التلخيص 1/ 123)، وانظر:(البدر المنير 1/ 365).
وقال البوصيري: ((هذا إسناد رجاله ثقات إلَّا أن مسلمًا لم يسمع من الفراس إنما سمع من ابن الفراس الفراسي لا صحبةَ له، وإنما روى هذا الحديث عن أبيه فالظاهر أنه سقط من هذه الطريق)) (مصباح الزجاجة 157).
قلنا: قوله (رجاله ثقات) فيه نظر، لما قدمنا من جهالة مسلم بن مخشي، وأن ابن حبان انفرد بتوثيقه ولا يعتمد عليه لتساهله المعروف في ذلك.
وقد يؤكد سقوط أبيه منه قوله: ((فَذَكَرتُ ذَلكَ لرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم). والله أعلم.
والحديث قد صحَّ من حديث أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما؛ ولذا قال الألباني: ((صحيح بما قبله)) (صحيح ابن ماجه 310).
107 -
حَدِيثُ سُلَيمَانَ بنِ مُوسَى مُرْسَلًا:
◼ عَنْ سُلَيمَانَ بنِ مُوسَى قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((البَحْرُ طَهُورٌ مَاؤُهُ، حَلَالٌ مَيْتَتُهُ)).
[الحكم]:
صحيح المتن من حديث أبي هريرة وغيره، وهذا إسناده مرسل.
[التخريج]:
[عب 320].
[السند]:
رواه (عبد الرزاق) عن ابنِ جُرَيجٍ، قال: أخبرني سليمان بن موسى به مرسلًا.
[التحقيق]:
هذا إسناد رجاله ثقات، لكنه مرسل؛ فسليمان بن موسى من صغار التابعين.
108 -
حَدِيثُ يَحيَى بنِ أَبي كَثِيرٍ مُرْسَلًا:
◼ عَنْ يَحيَى بنِ أَبي كَثِيرٍ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: عَنِ البَحْرِ؟ فَقَالَ: ((هُوَ الحِلُّ مَيْتَتُهُ، الطَّهُورُ مَاؤُهُ)).
[الحكم]:
صحيح المتن من حديث أبي هريرة وغيره، وهذا إسناده مرسل.
[التخريج]:
[عب 319، 8821].
[السند]:
قال (عبد الرزاق): أخبرنا مَعْمَرٌ، عن يحيى بن أبي كثير به مرسلًا.
[التحقيق]:
هذا إسناد رجاله ثقات، لكنه مرسل؛ فيحيى بن أبي كثير من صغار التابعين.
109 -
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ:
◼ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ مَاءُ البَحْرِ فَلا طَهَّرَهُ اللهُ)).
[الحكم]:
ضعيف جدًّا، وضعَّفه ابن التركماني، وابن الملقن، والمناوي، والألباني.
[التخريج]:
[أم 2/ قط 78 ((واللفظ له)) / 3/ هقع 504].
[السند]:
قال (الشافعي): أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن عبد العزيز بن عمر، عن سعيد بن ثوبان، عن أبي هند الفراسي، عن أبي هريرة، به.
[التحقيق]:
هذا سند ضعيف جدًّا؛ فيه ثلاث علل:
الأولى: إبراهيم بن محمد؛ هو الأسلمي، وهو متروك كما في (التقريب 241).
وقد توبع ممن هو دونه أو مثله:
فرواه (الدارقطني)، و (البيهقي)، في (السنن): من طريق محمد بن حميد الرازي، عن إبراهيم بن المختار، عن عبد العزيز، به.
وهذا إسناد واهٍ؛ فمحمد بن حميد - مع سعة حفظه -، اتهم بسرقة الحديث، وكذَّبه أبو زُرْعَةَ وصالح جزرة وغيرهما، وقال البخاري:((فيه نظر))، وقال النسائي:((ليس بثقة))، ولذا قال الذهبي: ((وثقه جماعة،
والأولى تركه)) (الكاشف 4810). وانظر: (الميزان 7453).
وشيخه إبراهيم بن المختار: ((ضعيف الحفظ)) كما في (التقريب 245).
وبهما أعلَّه ابن التركماني في (الجوهر النقي 1/ 4).
ورواه (البيهقي) في (المعرفة): من طريق عمر بن هارون البلخي، عن عبد العزيز بن عمر، به.
وعمر هذا متروك أيضًا (التقريب 4979).
الثانية والثالثة: سعيد بن ثوبان، وشيخه أبو هند مجهولان. قاله الغرياني في مختصر الدارقطني، كما في (فيض القدير 6/ 225).
وأما قول الدارقطني - عقب الحديث -: ((إسناد حسن)).
فقد تعقبه ابن الملقن فقال: ((فيه نظر فإنَّ فيه محمد بن حميد الرازي وإبراهيم بن المختار .. )) وذكر نحو ما ذكرناه. انظر (البدر المنير 1/ 374).
وقال المناوي: ((إسناده واهٍ)) (التيسير بشرح الجامع الصغير 2/ 443).
وضعَّفه جدًّا الألباني، ثم قال - متعقبًا الدارقطني -: ((وهذا منه عجيب؛ فإن الرازي هذا - مع حفظه - ضعيف، بل اتهمه أبو زُرْعَةَ وغيرُه بالكذب.
وإبراهيم بن المختار، قال الحافظ:((صدوق ضعيف الحفظ)).
وعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز - وهو الأموي، مع كونه من رجال الشيخين - مضعَّف؛ قال الحافظ:((صدوق يخطئ)).
وسعيد بن ثوبان لا يعرف. وأبو هند الفراسي، لم أجد من ذكره)) (السلسلة الضعيفة 4657).
قلنا: إعلاله بعبد العزيز بن عمر غير صواب، فهو ثقة على الراجح، ولذا لم يعتبر الذهبي في (الميزان 4/ 369) الكلام فيه، ورمز له بـ (صح) أي أن العمل على توثيقه، فقول الحافظ في (التقريب):((صدوق يخطئ)). غير صواب، والله أعلم.
هذا مع احتمال كون الدارقطني لم يُردِ الحسن الاصطلاحي، وإنما أراد الغرابة والنكارة، وهما من معاني الحسن عند أئمة الحديث، كما رُوِيَ عن أمية بن خالد، قال: قلت لشعبة تحدِّث عن محمد بن عبيد الله العرزمي وتدع عبد الملك بن أبي سليمان - وقد كان حسن الحديث - فقال: ((من حسنها فررت)). قال السيوطي: يعني أنها منكرة.
وقال إبراهيم النخعي: ((كانوا يكرهون إذا اجتمعوا أن يخرج الرجل أحسن ما عنده))، قال السمعاني:((عنى بالأحسن الغريب)). انظر: (تدريب الراوي 1/ 177).
وقال العراقي: قد أطلقوا على الحديث الضعيف بأنه حسن وأرادوا حُسْن اللفظ لا المعنى الاصطلاحى فروى ابن عبد البر في كتاب ((بيان آداب العلم)) حديث معاذ بن جبل مرفوعًا: ((تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ ذَلِكَ للهِ خَشْيَةٌ وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ
…
الحديث)). قال ابن عبد البر: ((وهو حديث حسن جدًّا، ولكن ليس له إسناد قوى)) انتهى كلامه. فأراد بالحسن حسن اللفظ قطعًا فإنَّه من رواية موسى بن محمد البلقاوي، عن عبد الرحيم بن زيد العمي، والبلقاوى هذا كذاب، وعبد الرحيم بن زيد العمى متروك الحديث أيضًا)) (التقييد والأيضًاح ص: 60).