المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌410 - باب ما روي في ترك التوقيت في المسح - ديوان السنة - قسم الطهارة - جـ ٢٠

[عدنان العرعور]

فهرس الكتاب

- ‌أَبْوَابُ المَسْحِ عَلَى الخُفَّينِ وَالجَورَبَيْنِ وَغَيْرِهِمَا

- ‌405 - بَابُ مَشْرُوعِيَّةِ المَسْحِ عَلَى الخُفَّينِ فِي السَّفَرِ وَالحَضَرِ

- ‌406 - بَابُ أَوَّلُ مَنْ لَبِسَ الخُفَّينِ فِي الإِسْلَامِ

- ‌407 - بَابُ الخُفِّ الذِي مَسَحَ عَلَيهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم

- ‌408 - بَابُ كَيْفِيَّةِ المَسْحِ عَلَى الخُفَّينِ

- ‌409 - بَابُ مُدَّةِ المَسْحِ عَلَى الخُفَّينِ لِلمُسَافِرِ، وَالمُقِيمِ

- ‌410 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي تَرْكِ التَّوْقِيتِ فِي المَسْحِ

- ‌411 - بَابُ لُبْسِ الخُفَّينِ عَلَى طَهَارَةٍ

- ‌412 - بَابُ مَنْ نَزَعَ خُفَّهُ وَغَسَلَ قَدَمَيهِ

- ‌413 - بَابُ المَسْحِ عَلَى الجَورَبَينِ

- ‌414 - فَصْلٌ فِيمَا وَرَدَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِي المَسْحِ عَلَى الجَورَبَينِ

- ‌415 - بَابُ المَسْحِ عَلَى النَّعْلَيْنِ

- ‌416 - بَابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي النَّعْلَيْنِ وَلا يَمْسَحُ عَلَى النَّعْلَيْنِ

- ‌417 - بَابُ المَسْحِ عَلَى العَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ

- ‌418 - بَابُ المَسْحِ عَلَى الجَبَائِرِ

الفصل: ‌410 - باب ما روي في ترك التوقيت في المسح

‌410 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي تَرْكِ التَّوْقِيتِ فِي المَسْحِ

2503 -

حديثُ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ:

◼ عَنْ خُزَيْمَةَ بنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه، قَالَ:«جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ» ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ مَضَى السَّائِلُ فِي مَسْأَلَتِهِ، لَجَعَلَهَا خَمْسًا (وَلَوِ اسْتَزَدْنَاهُ لَزَادَنَا).

[الحكم]:

مختلفٌ فيه:

فأَعلَّهُ: ابنُ المدينيِّ.

وضَعَّفَهُ: البخاريُّ، وابنُ حزمٍ، والبيهقيُّ، ومالَ إليه الخطابيُّ.

وجَوَّدَهُ: أحمدُ.

وصَحَّحَهُ: ابنُ مَعِينٍ، والترمذيُّ، والعقيليُّ، وابنُ حِبانَ، ومغلطاي، والألبانيُّ. ومال إليه ابنُ دَقِيقِ العيدِ، وابنُ القَيمِ، وابنُ التركمانيِّ.

[الفوائد]:

قال الخطابيُّ: "ولو ثبتَ لم يكن فيه حجة؛ لأنه ظَنٌّ منه وحسبان، والحجةُ إنما تقومُ بقولِ صاحبِ الشريعةِ لا بظنِّ الراوي"(معالم السنن 1/ 60).

وقال النوويُّ: "ولو صَحَّ لم تكن فيه دلالةٌ، ظَنَّ أن لو استزاده لزاده، والأحكامُ لا تثبتُ بهذا"(المجموع 1/ 485).

ص: 532

وقال ابنُ سَيِّدِ النَّاسِ: "لو ثبتَ لم تقمْ به حجةٌ؛ إلا على التوقيتِ المنصوصِ عليه فيه؛ لأنَّ الزيادةَ فيه على ذلك التوقيتِ مَظْنُونَةٌ أنهم لو سألوا لزادهم، وهذا صريحٌ في أنهم ما سألوا ولا زيدوا، فكيف تثبتُ زيادة بخبرٍ دَلَّ على عَدَمِ وقوعها؟ ! "(النفح الشذي شرح جامع الترمذي 2/ 355).

وقال الشوكانيُّ: "وغايتها بعد تسليمِ صحتها، أن الصحابيَّ ظَنَّ ذلك، ولم نتعبد بمثل هذا، ولا قال أحدٌ إنه حجةٌ، وقد وَرَدَ توقيتُ المسحِ بالثلاثِ، واليومِ والليلةِ، من طريقِ جماعةٍ مِنَ الصحابةِ، ولم يَظُنُّوا ما ظَنَّهُ خُزيمةُ"(نيل الأوطار 1/ 233).

[التخريج]:

[جه (دار إحياء الكتب العربية 553) / حم 21871، 21881 ((واللفظ له)) / حب 1327 ((والرواية له))، 1329/ عب 790/ ش 1875، 1876/ ..... ].

سبقَ تخريجُهُ وتحقيقُهُ برواياتِهِ تحت باب: "مُدَّة المسحِ عَلَى الخُفَّينِ"، حديث رقم (؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ).

* * *

ص: 533

2504 -

حديثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ:

◼ عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ الجُهَنِيِّ، أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ مِنْ مِصْرَ، فَقَالَ: مُنْذُ كَمْ لَمْ تَنْزِعْ خُفَّيْكَ؟ قَالَ: مِنَ الجُمُعَةِ إِلَى الجُمُعَةِ، قَالَ:«أَصَبْتَ السُّنَّةَ» .

[الحكم]:

معلولٌ بالشذوذِ، وأشارَ الإمامُ أحمدُ إلى شذوذِهِ، وأعلَّهُ الدارقطنُّي والطحاويُّ وابنُ حزمٍ، واستنكره الجورقانيُّ، واستغربه أبو بكرٍ النيسابوريُّ والكاسانيُّ.

وقد صَحَّ عن عمرَ من وجوهٍ القولُ بالتوقيتِ في المسحِ.

[الفوائد]:

قال الطحاويُّ: "قالوا: ففي قولِ عمرَ هذا لعقبةَ: «أَصَبْتَ السُّنَّةَ» ، يدلُّ أنَّ ذلكَ عنده عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأن السُّنَّةَ لا تكونُ إلا عنه. وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: بل يمسحُ المقيمُ على خُفَّيهِ، يومًا وليلةً، والمسافرُ ثلاثةَ أَيَّامٍ ولياليهن.

وقالوا: أما ما رويتُمُوه عن عمرَ من قوله: «أَصَبْتَ السُّنَّةَ» ، فليسَ في ذلك دليلٌّ على أنه عنده عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأن السُّنَّةَ قد تكون منه وقد تكون من خُلفَائِهِ، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ

»، وقد يحتمل حديث عقبة أيضًا: أن يكونَ ذلك الكلام كان من عمرَ؛ لأنه عَلِمَ أن طريقَ عقبةَ الذي جاءَ منه طريقٌ لا ماءَ فيه، فكان حكمه أن يتيممَ فسأله: متى عهدك بخلع خُفيك؟ -إذا كان حكمك هو التيمم-، فأخبره بما أخبره.

ص: 534

وهذا الوجهُ أَولى ما حُمِلَ عليه هذا الحديثُ ليوافقَ ما رُوِيَ عن عمرَ رضي الله عنه سواه ولا يضاده" (شرح معاني الآثار 1/ 80 - 84).

وقال السنديُّ: " قوله: «أَصَبْتَ السُّنَّةَ»، المشهورُ أن الصحابيَّ إذا قال كذلك فهو بمنزلةِ رفع الحديث، فهذا يدلُّ على عدمِ التوقيتِ، إلا أن يقالَ هذا لا بقوة صريح الرفع فيقدم عليه صريح الرفع، أو يحتمل أن يكونَ السؤالُ والجوابُ عن لُبْسِ الخُفِّ مع مراعاةِ التوقيتِ، واللهُ أعلمُ"(حاشية السندي على سنن ابن ماجه 1/ 197).

وقال الألبانيُّ: "على أنه يمكنُ التوفيقُ بوجهٍ آخر، وهو أن يُحملَ حديثُ عمرَ على الضرورةِ، وتَعَذُّرِ خَلْعِهِ بسببِ الرّفقةِ أو غيره، وإليه ذهبَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمه الله تعالى في بحثٍ طويلٍ له في المسحِ عَلَى الخُفَّينِ. وهل يشترطُ أن يكونا غير مخرقين؟ فقال: فأحاديثُ التوقيتِ فيها الأمرُ بالمسحِ يومًا وليلةً، وثلاثة ولياليهن، وليسَ فيها النهيُّ عن الزيادةِ إلا بطريقِ المفهومِ، والمفهومُ لا عمومَ له، فإذا كان يَخْلَعُ بعد الوقتِ عند إمكان ذلك عمل بهذه الأحاديث، وعلى هذا يُحْمَلُ حديث عقبة بن عامر لما خرجَ من دمشقَ إلى المدينةِ يُبَشِّرُ الناسَ بفتحِ دِمشقَ، ومَسَحَ أسبوعًا بلا خَلْعٍ، فقالَ له عمرُ: «أَصَبْتَ السُّنَّةَ»، وهو حديثٌ صحيحٌ، وعَمِلَ به شيخُ الإسلامِ في بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فقال: "لما ذهبتُ على البريدِ، وجَدَّ بنا السيرُ، وقد انقضتْ مدةُ المسحِ، فلم يمكنِ النزعُ والوضوءُ إلا بالانقطاعِ عن الرفقةِ، أو حبسهم على وجهٍ يتضررونَ بالوقوفِ، فَغَلبَ على ظَنِّي عدمُ التوقيتِ عندَ الحاجةِ كما قلنا في الجبيرةِ، ونَزَّلْتُ حديثَ عمرَ وقوله لعقبةَ بنِ عَامرٍ:«أَصَبْتَ السُّنَّةَ» ، على هذا توفيقًا بينَ الآثارِ، ثم رأيتُهُ مصرحًا به في (مغازي ابن عائذ) أنه كان قد ذَهَبَ على البريدِ

-كما ذهبتُ- لما فُتِحتْ دِمشقُ

، فحمدتُ اللهَ على

ص: 535

الموافقةِ، قال: وهي مسألةٌ نافعةٌ جدًّا".

قلتُ: ولقد صَدَقَ رحمه الله، وهي من نوادرِ فقهِهِ جزاه الله عنا خير الجزاء، وقد نقلَ الشيخُ علاءُ الدينِ المراديُّ في كتابه (الإنصاف 1/ 176) عن شيخِ الإسلام أنه قال في "الاختيارات":"لا تتوقفُ مدةُ المسحِ في المسافرِ الذي يَشُقُّ عليه اشتغاله بالخلعِ واللبسِ، كالبريدِ المجهزِ في مصلحةِ المسلمينَ". وأقرَّه" (السلسلة الصحيحة 2622).

[التخريج]:

[جه (طبعة دار إحياء الكتب العربية 558)

(1)

].

[التحقيق]:

انظره بعد الرواية الآتية.

(1)

سقط هذا الحديث من طبعة (التأصيل)، وهو مثبتٌ في غيرِهِا من الطبعاتِ؛ كطبعة الرسالة، وطبعة دار الجيل، وطبعة دار الصديق، وغيرها، وكذا أثبته المزيُّ في (التحفة 10610).

ص: 536

الروايةُ الثَّانِيَةُ مُنْذُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ:

• وفي روايةٍ، قال: قَالَ لِي عُمَرُ: كَمْ لَكَ يَا عُقْبَةُ مُنْذُ لَمْ تَنْزِعْ؟، قَالَ: قُلْتُ: مُنْذُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ. قَالَ عُمَرُ: «أَحْسَنْتَ وَأَصَبْتَ السُّنَّةَ» .

[الحكم]:

معلولٌ بالشذوذِ.

[التخريج]:

[طيل 372].

[التحقيق]:

انظره بعد الرواية الآتية.

ص: 537

الروايةُ الثَّالِثَةُ مُنْذُ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ:

• عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ الجُهَنِيِّ، قَالَ: خَرَجْتُ (أَنَّهُ وَفَدَ) 1 (ارْتَدَدْتُ) 2 مِنَ الشَّامِ إِلَى المَدِينَةِ] عَامًا [1 يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَدَخَلْتُ المَدِينَةَ يَوْمَ الجُمُعَةِ،] قَالَ عُقْبَةُ: وَعَلَيَّ خِفَافٌ مِنْ تِلْكَ الخِفَافِ الغِلَاظِ، (وَعَلَيَّ خُفَّانِ مُجَرْمَقَانِيَانِ) 3] 2 فَدَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ] بِفَتْحٍ مِنَ الشَّامِ (بِفَتْحِ دِمَشْقَ) 4 [3، فَقَالَ لِي: مَتَى أَوْلَجْتَ خُفَّيْكَ فِي رِجْلَيْكَ؟ (مَتَى عَهْدُكَ بِلِبَاسِهِمَا؟) 5 (كَمْ لَكَ مُنْذُ لَمْ تَنْزِعْهُمَا؟) 6 قُلْتُ:] لَبِسْتُهُمَا 4 [يَوْمَ الجُمُعَةِ،] وَهَذَا يَوْمُ الجُمُعَةِ، [5] مُنْذُ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ 6 [قَالَ: فَهَلْ نَزَعْتَهُمَا؟ قُلْتُ: لَا، فَقَالَ:«] أَحْسَنْتَ وَ [7 أَصَبْتَ السُّنَّةَ» .

[الحكم]:

معلولٌ بالشذوذِ.

[التخريج]:

]

ك 653 ((واللفظ له))، 654 ((والرواية الأولى، والخامسة: له، والزيادة الأولى، والثانية، والرابعة، والخامسة: له)) / حرب (طهارة 295) / منذ 459/ طح (1/ 80)((والرواية الثانية، والثالثة: له)) / قط 756، 757، 766، 767 ((والزيادة السادسة، والسابعة: له)) / هق 1344، 1346/ عارضة (1/ 143) / كر (2/ 135، 137 - 139)، (40/ 487 - 489) / تحقيق 240/ ضيا (1/ 362/ 251، 252)].

[السند]:

أخرجه ابنُ المنذر في (الأوسط)، والطحاويُّ في (شرح معاني الآثار)، قالا: حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا بشر بن بكر، قال: ثنا موسى بن علي، عن أبيه، عن عقبة بن عامر، به.

ص: 538

ورواه الدارقطني في (سننه)، قال: حدثنا أبو بكر النيسابوري، نا سليمان بن شعيب بمصر، ثنا بشر بن بكر،

به.

ورواه الحاكمُ في (المستدرك)، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا بحر بن نصر بن سابق الخولاني، ثنا بشر بن بكر،

به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، عليُّ بنُ رَباحٍ المصريُّ، سمعَ عقبةَ بنَ عامرٍ، وأخرجَ له مسلمٌ في (صحيحه)، ووَثَّقَهُ النسائيُّ، وابنُ سعدٍ، والعجليُّ، وابنُ حِبانَ، وقال أحمدُ:"ما علمتُ إلا خيرًا"(تهذيب الكمال 20/ 426 - 430)، ولذا قال الذهبيُّ:"وَثَّقُوه"(الكاشف 3914)، وقال ابنُ حَجَرٍ:"ثقةٌ"(التقريب 4732).

وابنُهُ مُوسَى بنُ عُلَيٍّ أَخرجَ له مسلمٌ، ووَثَّقَهُ أحمدُ، وابنُ مَعِينٍ، والبخاريُّ، والنسائيُّ، وابنُ سعدٍ، والعجليُّ، وابنُ حِبانَ، وقال أبو حاتمٍ:"كان رجلًا صالحًا يُتْقِنُ حديثَهُ، لا يزيدُ ولا ينقصُ، صالحُ الحديثِ، وكان من ثقاتِ المصريينَ". وقال ابنُ المدينيِّ: " كان عندنا ثقةً ثبتًا" انظر: (العلل الكبير للترمذي صـ 391)، (سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني 104)، (تهذيب الكمال 29/ 122 - 125).

ومع ما ذكرناه من توثيقِ الأئمةِ لموسَى بنِ عُلَيٍّ، فقد قال عنه ابنُ عبدِ البرِّ:"ما انفردَ به فليس بالقويِّ"(التمهيد 21/ 163)، (تهذيب التهذيب 10/ 364)، وقال ابنُ حَجَرٍ:"صدوقٌ ربما أخطأَ"! (التقريب 6994)، وهذا عجيبٌ منهما، والذي دعاهما إلى هذا القول، هو أن السَّاجيَّ نقلَ عنِ ابنِ مَعِينٍ، أنه قال في موسى بن علي بن رباح:"لم يكن بالقوي"، وهذا

ص: 539

خلافُ المحفوظِ عنِ ابنِ مَعِينٍ، فقد نقلَ توثيقَ ابنِ مَعِينٍ له: ابنُ الجُنيدِ في (سؤالاته 152)، وابنُ محرزٍ في (معرفة الرجال 398)، وإسحاقُ بنُ منصورٍ كما في (الجرح والتعديل 8/ 154)، فمما لا شَكَّ فيه أن اجتماعَ هؤلاءِ الثلاثةِ في نقلِ التوثيقِ عنِ ابنِ مَعِينٍ، هو المقدَّمُ.

وبشرُ بنُ بكرٍ، هو التنيسيُّ، وَثَّقَهُ أبو زرعةَ، والدارقطنيُّ، والعجليُّ، والعقيليُّ، وقال أبو حاتم:"ما به بأس"، وقال الحاكمُ:"ثقةٌ مأمونٌ"، وذكره ابنُ حِبانَ في (الثقات)، و (تهذيب التهذيب 1/ 443)، و (إكمال تهذيب الكمال 2/ 390).

لذلك قال الدارقطنيُّ بإثره: "صحيحُ الإسنادِ"

(1)

.

وقال الحاكمُ: "حديثٌ صحيحٌ على شرطِ مسلمٍ".

وقال الألبانيُّ: "وهو كما قالوا

، ويمكنُ أن يلحقَ بهم البيهقيُّ، والنوويُّ، وغيرهما، ممن أورده ولم يضَعِّفْهُ، بل ساقَهُ معارضًا به أحاديث التوقيتِ التي استدلَّ بها الجمهورُ، فأجابَ عنه البيهقيُّ عقبه بقوله:"وقد روينا عن عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه التوقيت، فإما أن يكونَ رجعَ إليه حينَ جاءَهُ الثبتُ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في التوقيتِ، وإما أن يكونَ قوله الذي يوافق السنة المشهورة أولى"، ونقله النوويُّ في "المجموع" وارتضاه، فلو أنهما وجدا

(1)

ونقل عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ عنِ الدارقطنيِّ أنه قال: "حديثٌ غريبٌ صحيحُ الإسنادِ"(الأحكام الوسطى 1/ 178)، ونقلَ عنه في (الأحكام الكبرى 1/ 478)، على الصوابِ كما ذكرنا، فالظاهرُ أن عبدَ الحقِّ الإشبيليَّ جمعَ بين قولِ أبي بكرٍ النيسابوريِّ:"هذا حديثٌ غريبٌ"، وقول الدارقطني:"صحيح الإسناد"، والله أعلم. وسيأتي عن الدارقطني أنه أعلَّ متنه.

ص: 540

مجالًا لتضعيفه لاستغنيا بذلك عنِ التوفيقِ بينه وبين أحاديث التوقيت بما ذكراه" (السلسلة الصحيحة 2622).

وقد توبع موسى بن عُلَيٍّ: تابعه عبدُ اللهِ بنُ الحكمِ البلويُّ، كما عند ابنِ ماجه، والحاكمِ (654)، وغيرهما.

وعبدُ اللهِ بنُ الحَكَمِ البلويُّ، وَثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ (تهذيب الكمال 7/ 107)، وقال الدارقطنيُّ في (حاشية السنن):"ليس بمشهور"، وقال في موضع آخر:"ليس بالقوي"، وقال الجورقانيُّ في (الأباطيل):"لا يعرفُ بعدالةٍ، وَلا جرحٍ"(لسان الميزان 4206)، وذكره ابنُ حِبانَ في (الثقات 7/ 30)، وقال ابنُ حزمٍ:"مجهولٌ"(المحلى 7/ 462)، وقال الذهبيُّ في (المغني 1660)، وفي (الميزان 1/ 576):"لا يعرفُ"، وقال في (ديوان الضعفاء 1079):"مجهولٌ".

غير أن هذا الحديثَ قد أَعَلَّهُ الدارقطنيُّ، فقال: "رواه موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، عن عقبة بن عامر، أَنَّهُ مَسَحَ مِنَ الجُمُعَةِ إِلَى الجُمُعَةِ عَلَى خُفَّيهِ.

وتابعه مُفَضَّلُ بنُ فَضَالَةَ، وابنُ لَهيعَةَ عن يزيدَ بنِ أبي حَبيبٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ الحَكَمِ البلويِّ، عن علي بن رباح، فقالا فيه:«أَصَبْتَ السُّنَّةَ» .

وخالفهم: عمرُو بنُ الحارثِ، ويحيى بنُ أيوبَ، والليثُ بنُ سَعدٍ، فقالوا فيه:(فقال عمرُ: أَصَبْتَ) ولم يقولوا: (السُّنَّةَ)، كما قال من تقدمهم، وهو المحفوظُ، واللهُ أعلمُ" (العلل 148).

قلنا: وكلامُ الدارقطنيِّ قد يَسْلَمُ له في روايةِ عبدِ اللهِ بنِ الحَكمِ، وفيه مقالٌ كما سبقَ بيانُهُ، ولكن رواه موسى بن علي بن رباح -وهو أوثقُ منه بلا

ص: 541

ريب-، عن أبيه

به، بلفظ:«أَصَبْتَ السُّنَّةَ» بلا خلافٍ عليه، وعليه فتكونُ لفظةُ:«أَصَبْتَ السُّنَّةَ» ، هي المحفوظةُ عن علي بن رباح.

لكن المتن معلولٌ بالشذوذِ من وجهينِ:

* الأولُ: مخالفتُهُ الثابتَ عن عمرَ رضي الله عنه:

فقد صَحَّ عنه التوقيتُ في المسحِ من عِدَّةِ وجوهٍ، وإليكَ بيانُ بعضها:

الوجهُ الأولُ: عنِ ابنِ عمرَ عنه:

أخرجه ابنُ أبي شيبةَ في (مصنفه 1892)، حدثنا يزيد بن هارون، عن أبي مالك الأشجعي، عن أبي حازم، عن ابن عمر، أن عمر بن الخطاب قال في المسح على الخُفَّينِ:((لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثٌ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ إلَى اللَّيلِ)).

وهذا إسنادٌ صحيحٌ؛ رجالُهُ كُلُّهم ثقاتٌ.

الوجهُ الثاني: عن أبي عثمانَ النهديِّ، عن عمرَ:

رواه عبدُ الرزاقِ في (مصنفه 808)، عن عبد الله بن المبارك، قال: حدثني عاصم بن سليمان، عن أبي عثمان النهدي، قال: حضرت سعدًا وابنَ عمر يختصمان إلى عمر في المسح على الخُفَّينِ، فقال عمرُ:«يَمْسَحُ عَلَيهِمَا إِلى مِثْلِ سَاعَتِهِ مِنْ يَومِهِ وَلَيلَتِهِ» .

ورواه البيهقيُّ في (الكبرى 1325) من طريق سفيان، عن عاصم

به.

ورواه ابنُ المنذرِ في (الأوسط 467)، من طريق خالد الحذاء، عن أبي عثمان النهدي، عن عمر

فذكره.

وهذا إسنادٌ صحيحٌ؛ رجالُهُ كُلُّهم ثقاتٌ.

ص: 542

الوجهُ الثالثُ: عن سُويدِ بنِ غَفَلَةَ، عن عمرَ:

ورواه ابنُ المنذرِ في (الأوسط 456)، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أحمد بن يونس، ثنا زهير، ثنا عمران بن مسلم، عن سويد بن غفلة، قَالَ: قَدِمْنَا مَكَّةَ، فَأَمَرْنَا نُبَاتَةَ الوَالِبِيَّ أَنْ يَسْأَلَ عُمَرَ -وَكَانَ أَجْرَأَنَا عَلَيْهِ- عَنِ المَسْحِ عَلَى الخُفَّينِ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ:«يَومٌ إِلَى اللَّيلِ لِلْمُقِيمِ فِي أَهْلِهِ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِلْمُسَافِرِ» .

ورواه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 83/ 525) من طريق مؤمل، قال: ثنا سفيان الثوري، قال: ثنا عمران بن مسلم، عن سويد بن غفلة

به، نحوه.

ورواه الطحاويُّ أيضًا (1/ 83/ 526) من طريق مالك بن مغول، عن عمران بن مسلم، عن سويد بن غفلة

به، نحوه.

وهذا إسنادٌ صحيحٌ؛ رجالُهُ كُلُّهم ثقاتٌ. فعمرانُ بنُ مسلمٍ هو الجعفيُّ: وَثَّقَهُ أحمدُ، وابنُ مَعِينٍ، وأبو حاتم، وغيرُهُم، انظر (تهذيب التهذيب 22/ 139).

الوجهُ الرابعُ: عن نباتةَ الجعفيِّ، عن عمرَ:

رواه عبدُ الرزاقِ في (مصنفه 794): عن الثوري، عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن نباتة، عن عمر قال:«لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ» .

ورواه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 83/ 527)، من طريقِ شعبة، عن حماد

به.

وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ غير حمادٍ، وهو ابنُ أبي سليمانَ، فيه كلامٌ معروفٌ.

ص: 543

ونباتةُ الجعفيُّ، قال أبو حاتم، وغيرُهُ:"كان مُعَلِّمًا على عَهْدِ عُمرَ"، وقال العجليُّ:" كوفيٌّ تابعيٌّ ثقةٌ روى عن عُمرَ"(معرفة الثقات وغيرهم 1840)، وذكره ابنُ حِبانَ في (الثقات)، و (تهذيب الكمال 29/ 310).

وقال ابنُ حزمٍ: "والثابتُ عن عُمرَ في التوقيتِ -برواية نباتة الجعفي، وأبي عثمان النهدي، وهما من أوثقِ التابعين- هو الزائدُ على ما في هذا الخبر"(المحلى 2/ 91).

ولخَّصَ ابنُ حَجَرٍ حالَهُ فقال: "مقبولٌ"(التقريب 7090).

والذي يظهرُ لنا: أنه صدوقٌ يُحَسَّنُ حديثه على أقلِّ الأحوالِ، والله أعلم.

الوجهُ الخامسُ: عن زيدِ بنِ وهبٍ، عن عُمرَ:

أخرجه عبدُ الرزاقِ في (مصنفه 796)، وابنُ أبي شيبةَ في (مصنفه 1891)، والطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 84)، من طريق يزيد بن أبي زياد، قال: حدثنا زيد بن وهب، قال: كَتَبَ إلَيْنَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ فِي المَسْحِ عَلَى الخُفَّينِ: ((ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَومًا وَلَيلَةً لِلْمُقِيمِ)).

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لضعفِ يزيدَ بنِ أَبي زيادٍ، كما في (التقريب 7717)، ولكن يشهدُ له ما سبقَ.

قلنا: فلمَّا صَحَّ عن عمرَ التوقيتُ من كُلِّ هذه الوجوه، دلَّ ذلك على شُذُوذِ حديثِ عُقبةَ، ووهم راويه.

* الوجهُ الآخرُ: مخالفتُهُ الثابت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:

فقد ثبتَ التوقيتُ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم من حديثِ عليٍّ، وعوفِ بنِ مالكٍ، وأبي بكرةَ، وصفوانَ بنِ عَسَّالٍ رضي الله عنهم جميعًا، وقريب منهم حديث خزيمةَ بن

ص: 544

ثابتٍ، وكذا رُوي عن جماعةِ مِنَ الصَّحابةِ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لكن بأسانيدَ ضعيفةٍ، كما تَقَدَّمَ بيانُهُ في البابِ السابقِ.

ولهذا ذهبَ إلى شُذوذِ حديثِ عقبةَ غيرُ واحدٍ من أهل العلم:

فقال الطحاويُّ: "فذهبَ قومٌ إلى هذا، فقالوا: لا وقتَ للمسحِ عَلَى الخُفَّينِ، في السفرِ ولا في الحضرِ. قالوا: وقد شَذَّ ذلك ما رُوي عن عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه أيضًا، فذكروا ما

" فأسندَ حديثَ عُقبةَ، ثم قال: "مع أنه قد جاءتِ الآثارُ المتواترةُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في ذلك، بتوقيتِ المسحِ للمسافرِ والمقيمِ .... " ثم أسندَ حديثَ عليٍّ رضي الله عنه، وحديثَ صفوانَ بنِ عَسَّالٍ، وحديثَ عوفِ بنِ مالكٍ، وحديثَ خزيمةَ، وغيرهم ثم قال: "فهذه الآثارُ قد تواترتْ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالتوقيتِ في المسحِ عَلَى الخُفَّينِ: للمسافرِ ثلاثة أيام ولياليها، وللمقيم يوم وليلة، فليس ينبغي لأحدٍ أن يتركَ مثل هذه الآثار المتواترة إلى مثل حديثِ أُبي بنِ عمارة

(1)

، وأما ما احتجوا به مما رواه عقبةُ عن عمرَ رضي الله عنه، فإنه قد تواترتْ الآثارُ أيضًا عن عمرَ بخلافِ ذلك"، وأَسندَ عن عمرَ من غيرِ وجهٍ أنه قال في المسحِ عَلَى الخُفَّينِ:«لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَومٌ وَلَيْلَةٌ» .

ثم قال: "فهذا عمرُ قد جاءَ عنه في هذا، ما يوافقُ ما روينا، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوقيتِ للمسافرِ وللمقيمِ، وقد يحتمل حديث عقبة أيضًا: أن يكونَ ذلك الكلام كان من عمرَ؛ لأنه عَلِمَ أن طريقَ عُقبةَ، الذي جاءَ منه طريقٌ لا ماءَ فيه، فكان حكمُهُ أن يتيممَ، فسأله: مَتَى عَهْدُكَ بِخَلْعِ خُفَّيْكَ؟ -إِذَا كَانَ حُكْمُكَ هُوَ التَّيَمُّمُ- فَأَخْبَرَهُ بِمَا أَخْبَرَهُ. وهذا الوجهُ أولى ما حُمِلَ عليه هذا

(1)

وهو حديث ضعيف باتفاق الأئمة؛ كما سيأتي بيانُهُ عقب هذا.

ص: 545

الحديثُ ليوافقَ ما رُوي عن عمرَ رضي الله عنه سِواه ولا يُضَادُّهُ، وقد رُوي عن غيرِ عمرَ رضي الله عنه من أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما يُوافقُ ما روينا في التوقيتِ" (شرح معاني الآثار 1/ 80 - 84).

وقال البيهقيُّ: " قد روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه التوقيتَ، فإما أن يكونَ رجعَ إليه حينَ جاءَهُ الثَّبتُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في التوقيتِ، وإما أن يكونَ قوله الذى يُوافقُ السُّنَّةَ المشهورةَ أَولى"(السنن الكبرى 2/ 331).

وقال أبو داودَ: "سمعتُ أحمدَ، سُئِلَ عن رجلٍ كان يتدينُ بحديثِ عقبةَ بنِ عامرٍ، عن عمرَ في المسحِ، فكان يمسحُ أكثرَ مِن ثلاثةٍ ولياليهنَّ، ثم تركَ ذلك؟ فقال أحمدُ: "يعيدُ ما كانَ صَلَّى وقد مَسَحَ أكثرَ من ثلاثةٍ ولياليهنَّ"، فقالَ له الرجلُ: احتياطًا ذلك يحتاط له أو هو عليه واجبٌ؟ فقال أحمدُ: "لا يمسحُ على خُفَّيهِ أكثر من ثلاثةٍ ولياليهنَّ، أَمْرُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَولى أن يُتَّبَعَ من قولِ عقبةَ بنِ عامرٍ" (مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود 60).

كأنه يشيرُ إلى شذوذِ حديثِ عقبةَ، وشذوذ رواية الرفع عن عمر.

وقال الجورقانيُّ -عقبه-: "هذا حديثٌ منكرٌ، وليس هذا بصحيحٍ عن عمرَ رضي الله عنه، والصحيحُ عن عمرَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم التوقيتُ"(الأباطيل 1/ 570).

ثم أسندَ حديثَ عليٍّ رضي الله عنه السابق في (صحيح مسلم)، وحديث نباتةَ الجعفيِّ عن عمرَ رضي الله عنه في فَتْوَاهُ بالتوقيتِ ليُعِلَّ به حديثَ عقبةَ هذا (الأباطيل 1/ 571 - 573).

وذكر ابنُ عبدِ البرِّ الخلافَ في توقيتِ المسحِ، ثم أسندَ عن عمرَ رضي الله عنه ما سبقَ من فَتْوَاهُ، ثم قالَ: "وثبتَ التوقيتُ عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ، وابنِ عباسٍ، وحذيفةَ، وابنِ مسعودٍ، من وجوهٍ، وأكثرُ التابعينَ والفقهاءِ على ذلك، وهو

ص: 546

الاحتياطُ عندي؛ لأن المسحَ ثبتَ بالتواترِ، واتفقَ عليه أهلُ السنةِ والجماعةِ، واطمأنتِ النفسُ إلى اتِّفَاقِهِم، فلمَّا قال أكثرُهُم: إنه لا يجوزُ المسحُ للمقيمِ أكثر من خمسِ صلواتِ يومٍ وليلةٍ، ولا يجوزُ للمسافرِ أكثر من خمسِ عشرةَ صلاة ثلاثة أيام ولياليها؛ فالواجبُ على العَالِمِ أن يؤدي صَلَاتَهُ بيقينٍ، واليقينُ الغسلُ، حتَّى يُجمِعُوا على المسحِ، ولم يُجمعوا فوق الثلاث للمسافرِ، ولا فوقَ اليومِ للمقيمِ" (التمهيد 11/ 153).

وقال ابنُ حزمٍ: "ثم لو صَحَّ عن أَبي بكرٍ، وعمرَ، وعقبةَ رضي الله عنهم ما ذكرنا، وكان قد خالفَ ذلك: علي، وابن مسعود، وغيرهما، لوجبَ عند التنازعِ الردُّ إلى بيانِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وبيانُهُ عليه السلام قد صَحَّ بالتوقيتِ، ولم يَصحَّ عنه شيءٌ غيرُهُ أصلًا، فكيفَ ولم يَصحَّ قط عن عمرَ إلا التوقيت؟ ! "(المحلى 2/ 94).

وقال الكاسانيُّ الحنفيُّ: "ورُوِيَ أن عمرَ رضي الله عنه، سألَ عُقبةَ بنَ عَامرٍ -وقد قَدِمَ منَ الشَّامِ-: مَتَى عَهْدُكَ بالمسحِ؟ قال: سبعًا، فقال عمرُ رضي الله عنه: "أَصَبْتَ السُّنَّةَ"، وبلغَ بالمسحِ سبعًا، فهو غريبٌ، فلا يترك به المشهور مع أن الروايةَ المتفق عليها: أنه بلغَ بالمسحِ ثَلَاثًا، ثم تأويله أنه احتاجَ إلى المسحِ سبعًا في مُدَّةِ المسحِ، وأما الحديثُ الآخرُ فقد روى جابرٌ الجعفيُّ

(1)

، عن عمرَ، أنه قال:"لِلمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ"، وهو موافقٌ للخبرِ المشهورِ، فكانَ الأَخْذُ به أَولَى" (بدائع الصنائع 1/ 8).

(1)

كذا، وهو خطأٌ، والصوابُ: نباتة الجعفي، كما في جميع المصادر التي سبق ذكرها في التحقيق.

ص: 547

[تنبيه]:

وَهِمَ ابنُ دَقِيقِ العيدِ في (الإمام 2/ 174)، فَذَكَرَ أن النسائيَّ أخرجَ الحديثَ، والحديثُ لم يخرجه النسائيُّ؛ ولذا تَعَقَّبَهُ الزيلعيُّ فقال:"لم أجده في أطرافِ ابنِ عَساكر"(نصب الراية 1/ 180)، وتَعَقَّبَهُ مغلطاي أيضًا، فقال:"لم أرَه في كتاب (السنن الكبير)، ولا (الصغير)، فلينظر"(شرح ابن ماجه 2/ 274).

* * *

ص: 548

2505 -

حديثُ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةَ:

◼ عَنْ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةَ -وَكَانَ قَدْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْقِبْلَتَيْنِ-، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْسَحُ عَلَى الخُفَّينِ؟ قَالَ:«نَعَمْ» ، قَالَ:«يَومًا؟ » ، قَالَ:«يَومًا» ، قَالَ: وَيَومَينِ؟ قَالَ: «وَيَومَينِ» ، قَالَ: وَثَلَاثَةً؟ [حَتَّى بَلَغَ سَبْعًا]، قَالَ:«نَعَمْ، وَمَا شِئْتَ (وَمَا بَدَا لَكَ)» .

[الحكم]:

منكرُ المتنِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا، وضَعَّفَهُ: ابنُ مَعِينٍ، وأحمدُ، والبخاريُّ، وأبو داودَ، والطحاويُّ، وابنُ حِبانَ، وأبو الفتحِ الأزديُّ، والدارقطنيُّ، وابنُ حزمٍ، والبيهقيُّ، وابنُ عبدِ البرِّ، وابنُ العربيِّ، والجورقانيُّ، وعبدُ الحقِّ الإشبيليُّ، والحازميُّ، وابنُ الجوزيِّ، وعبدُ الغنيِّ المقدسيُّ، وأبو السعاداتِ ابنُ الأثيرِ، وابنُ الحَصَّارِ، وابنُ قُدامةَ المقدسيُّ، وابنُ بدرٍ الموصليُّ، وابنُ القطانِ، وابنُ الصَّلاحِ، والمنذريُّ، والنوويُّ، والذهبيُّ، وابنُ القيمِ، والزيلعيُّ، وابنُ كَثيرٍ، وابنُ الملقنِ، وابنُ حَجرٍ، والعينيُّ، والألبانيُّ.

[التخريج]:

[د 157 ((واللفظ له)) / جه (طبعة دار إحياء الكتب العربية 557)

(1)

((والزيادة والرواية له ولغيره)) / ك 617/ قا (1/ 5 - 6) / ش 1882/ مث 2145/ تخث (السفر الثاني/ 2554 - 2556) / حث (توضيح المشتبه 6/ 345) / طب (1/ 202 - 203/ 545، 546) / طس 3408/

(1)

سقط هذا الحديث من طبعة (التأصيل)، وهو مثبتٌ في غيرها من الطبعات؛ كطبعة الرسالة، وطبعة دار الجيل، وطبعة دار الصديق، وغيرها، وكذا أثبته المزي في (التحفة 6).

ص: 549

قط 765/ عد (10/ 567) / فة (1/ 316) / صبغ 93/ طح (1/ 79) / صحا 760 - 763/ هق 1338 - 1340/ مصر (صـ 343) / بنس 17/ طيل 371/ عسكر (صحابة - مغلطاي 2/ 270، إكمال تهذيب الكمال 10/ 393) / محمد بن نصر المروزي (إتحاف 1/ 177) / علج 593/ تحقيق 239/ كما (17/ 92 - 93)].

[التحقيق]:

هذا الحديثُ مداره على يحيى بن أيوب، وقدِ اختُلِفَ عليه على أكثر من وجهٍ، وبيانها على النحو التالي:

الوجهُ الأولُ:

رواه ابنُ ماجه، والجورقانيُّ في (الأباطيل)، وابنُ عبدِ الحَكَمِ في (فتوح مصر)، من طريق عبد الله بن وهب، قال: أخبرنا يحيى بن أيوب، عن عبد الرحمن بن رزين، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد، عن أيوب بن قطن، عن عبادة بن نسي، عن أبي بن عمارة، به.

وتابع ابن وهب على هذا الوجه: سعيد بن عفير.

أخرجه الطبرانيُّ في (الكبير 546)، و (الأوسط 3408) -ومن طريقه أبو نُعَيمٍ في (معرفة الصحابة) -، والطحاويُّ في (شرح معاني الآثار)، والدارقطنيُّ، وابنُ عبدِ الحَكَمِ في (فتوح مصر)، والفسويُّ في (المعرفة والتاريخ)، وغيرهم: من طُرُقٍ عن سعيدِ بنِ عُفَيرٍ، عن يحيى بنِ أيوبَ

به.

غير أن ابنَ عبدِ الحكمِ قال: "ولم يذكرِ ابن عفير عبادة بن نسي".

ص: 550

الوجهُ الثاني: رواه عمرُو بنُ الربيعِ، واختُلِفَ عليه:

فرواه أبو داود -ومن طريقِهِ: البيهقيُّ-، وابنُ عَدِيٍّ في (الكامل) عن أبي يعلى، كلاهما: عن يحيى بنِ مَعِينٍ، حدثنا عمرُو بنُ الربيعِ بنِ طارقٍ، أخبرنا يحيى بنُ أيوبَ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ رَزِينٍ، عن محمدِ بنِ يزيدَ، عن أيوبَ بنِ قطن، عن أُبي بنِ عِمارةَ، به. فأَسقطَ منه عبادةَ بنَ نُسَي.

ورواه الحاكمُ من طريقِ أبي المثنى العنبريِّ، ثنا يحيى بنُ مَعِينٍ، ثنا عمرُو بُن الربيعِ بنِ طارقٍ، أنبأ يحيى بنُ أيوبَ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ رَزِينٍ، عن محمدِ بنِ يزيدَ بنِ أبي زِيادٍ، عن عبادةَ بنِ نُسَيٍّ، عن أُبي بنِ عِمارةَ

به، فأَسقطَ منه أيوبَ بنَ قطن، وأثبتَ عبادةَ.

وقد توبع يحيى بنُ مَعِينٍ على الوجهِ الأَولِ: فرواه أبو نُعَيمٍ في (معرفة الصحابة) -ومن طريقِهِ: المزيُّ في (تهذيب الكمال) - قال: حدثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد، ثنا إسماعيل بن عبد الله، ثنا عمرو بن الربيع بن طارق

، فذكر نحو رواية أبي داود، وأسقط منه عبادة بن نسي.

وتوبع على الوجهِ الثاني: كما رواه الحاكمُ في (المستدرك)، من طريق يحيى بنِ عثمانَ بنِ صالحٍ السهميِّ، حدثنا عمرُو بنُ الربيعِ بنِ طارقٍ

، بنحو روايته السابقة.

الوجهُ الثالثُ: عَلَّقَهُ أبو داودَ في (سننه) فقال: "رواه ابنُ أبي مريمَ المصريُّ، عن يحيى بنِ أيوبَ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ رَزِينٍ، عن محمدِ بنِ يزيدَ بن أَبي زيادٍ، عن عبادةَ بنِ نُسَيٍّ، عن أُبي بنِ عِمارةَ، قال فيه: حَتَّى بَلَغَ سَبْعًا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«نَعَمْ، وَمَا بَدَا لَكَ» .

ووَصَلَهُ الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار)، والبيهقيُّ، والآبنوسيُّ في

ص: 551

(مشيخته)، والبغويُّ في (معجمه)، من طُرُقٍ عن ابنِ أبي مريمَ

به، فأسقط من إسنادِهِ أيوب بن قطن، وزادَ في متنه: "قَالَ: ((نَعَمْ)) حَتَّى عَدَّ سَبْعًا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((نَعَمْ، مَا بَدَا لَكَ)).

الوجهُ الرابعُ:

رواه ابنُ أبي شيبةَ في (مصنفه)، ومن طريقِهِ: ابنُ أَبي عَاصمٍ في (الآحاد والمثاني)، وأبو نُعَيمٍ في (معرفة الصحابة)، والطبرانيُّ في (الكبير 545)، وابنُ قَانعٍ في (معجمه)، من طُرُقٍ عن يحيى بن إسحاق السليحيني، قال: حدثنا يحيى بن أيوب، عن عبد الرحمن بن رزين، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد، عن أيوب بن قطن الكندي، عن أبي بن عمارة الأنصاري، فذكره. وأسقط منه عبادة بن نُسَيٍّ.

الوجهُ الخامسُ:

رواه إسحاق بن الفرات، عن يحيى بن أيوب، عن وهب بن قطن، عن أبي بن عمارة، به.

فقال: وهب بن قطن، مكان أيوب بن قطن.

ذكره أبو نُعَيمٍ في (معرفة الصحابة 763)، وابنُ ناصرِ الدينِ في (توضيح المشتبه 6/ 345)، والمزيُّ في (تحفة الأشراف 1/ 10).

الوجهُ السادسُ:

ذكره ابنُ القطانِ في (بيان الوهم والإيهام 3/ 325)، قال: ويروى عنه -يعني: يحيى بنَ أيوبَ- عن عبد الرحمن بن رزين، عن محمد بن يزيد، عن أيوب بن قطن، عن عبادة بن نسي -مرسلًا- عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 552

الوجهُ السابعُ:

أشارَ إليه ابنُ السَّكَنِ، ولم يوصلْ به إسنادًا، إنما قال:"ويقالُ أيضًا: عن يحيى بن أيوب، عن عبد الرحمن، عن محمد، عن وهب بن قطن -مرسلًا- عن النبي صلى الله عليه وسلم"، حكاه عنه ابنُ القطانِ في (بيان الوهم 3/ 325).

وهذا حديثٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه سبعُ عللٍ:

العلةُ الأُولى: الاضطرابُ في أسانيدِهِ، فبسببِ الخلافِ في أسانيدِهِ، ذَهَبَ فريقٌ من أهلِ العلمِ إلى تضعيفه بالاضطرابِ:

فضَعَّفَهُ أبو داودَ فقال: "وقد اختُلِفَ في إسنادِهِ وليس هو بالقويِّ"(السنن 1/ 41).

قال البيهقيُّ: "وبمعناه قال البخاريُّ"(معرفة السنن 2/ 117).

وقال الدارقطنيُّ: "هذا الإسنادُ لا يثبتُ، وقد اختُلِفَ فيه على يحيى بن أيوب اختلافًا كثيرًا قد بَيَّنْتُهُ في موضعٍ آخر"(السنن 765)، ولم نقفْ على الموضعِ الآخر له.

وقال ابنُ عبدِ البرِّ: "وأيوبُ بنُ قَطَنٍ يضطربُ في إسنادِ حديثِهِ"(الاستيعاب 1/ 70).

وقال ابنُ الأَثيرِ في ترجمةِ أُبي بنِ عِمارةَ: "أَدْخَلَهُ أبو زُرْعَةَ في مسندِ المصريينَ، له عنده حديثٌ واحدٌ وهو معلولٌ، وفي إسنادِهِ اضطرابٌ، ولم يذكره البخاريُّ في (التاريخ)، وهو غيرُ مشهورٍ"(جامع الأصول 12/ 137).

وقال ابنُ الجَوزِيِّ: "هذا حديثٌ مضطربٌ اختُلِفَ فيه على يحيى بنِ أيوبَ"(إعلام العالم بعد رسوخه صـ 96).

ص: 553

وقال النوويُّ: "واتفقوا على أنه ضعيفٌ مضطربٌ لا يُحتجُّ به"(المجموع 1/ 482).

وقال أيضًا: "اتفقَ الحُفَّاظُ على أنه حديثٌ ضعيفٌ مضطربٌ"(تهذيب الأسماء واللغات 1/ 120).

وقال عبدُ الغنيِّ المقدسيُّ: "في إسنادِ حديثِهِ جهالةٌ واضطرابٌ"(شرح ابن ماجه لمغلطاي 2/ 269)، وانظر:(تهذيب الكمال 2/ 261)، وبنحوه قال العينيُّ في (مغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار 1/ 85).

وقال الذهبيُّ في ترجمةِ أيوبَ بنِ قَطَنٍ من (الميزان): "وحديثُهُ في مسحِ الخُفِّ بلا تَوقيتٍ، لم يثبتْ؛ لأنه اختُلِفَ فيه على يحيى بنِ أيوبَ"(الميزان 1/ 292).

وقال ابنُ حَجَرٍ في ترجمةِ أُبي بنِ عُمارةَ من (التقريب 282): "في إسنادِ حديثِهِ اضطرابٌ".

وقال ابنُ الحَصَّارِ في (تقريب المدارك): "في إسنادِهِ اختلافٌ واضطرابٌ"(شرح ابن ماجه لمغلطاي 2/ 270)، (نخب الأفكار 2/ 138).

وقال الألبانيُّ: "وله علةٌ أُخرَى، وهي الاضطرابُ"(ضعيف أبي داود 1/ 51 - 53).

العلة الثانية: أيوبُ بنُ قَطَنٍ.

قال ابنُ أبي حَاتمٍ: "سألتُ أبي عنه، فقال: هو من أهل فلسطين، قلت: ما حالُهُ؟ قال: مُحَدِّثٌ"، وقال أبو زرعةَ:"لا يُعْرَفُ".

وقال أبو داودَ عقب حديثِهِ: "اختُلِفَ في إسنادِهِ وليسَ بالقويِّ"، وفي

ص: 554

بعضِ نسخِ أَبي داودَ -عقب حديثه- قال ابنُ مَعِينٍ: "إسنادُهُ مظلمٌ"، وقال الدارقطنيُّ:"مجهولٌ"، ووقعَ في روايةِ محمدِ بنِ نصرٍ المروزيِّ ما يقتضي أن أيوبَ بنَ قَطَنٍ هذا حفيدُ أُبي بنِ عِمارةَ، وذكره ابنُ حِبانَ في (الثقات) وقال:"أحسبه بصريًا"، (تهذيب التهذيب 1/ 410).

زَادَ مغلطاي: "لما ذَكَرَ الإمامُ أحمدُ حديثَ أُبي بنِ عِمارةَ من طريقِ ابنِ قَطَنٍ، قال: "رجالُهُ لا يُعْرَفُونَ".

وقال أبو الفتحِ الأزديُّ الموصليُّ: "أيوبُ بنُ قَطَنٍ مجهولٌ"، وَذَكَرَ حديثَهُ هذا، والاختلافَ فيه، وقال:"كُلٌّ لا يَصحُّ"(بيان الوهم والإيهام 3/ 324)، و (إكمال تهذيب الكمال 2/ 341) باختصارٍ.

وقال الذهبيُّ: "مجهولٌ"(ديوان الضعفاء 527)، ولخَّصَ ابنُ حَجَرٍ حالَهُ فقال:"فيه لِينٌ"(التقريب 620).

قلنا: فخلاصةُ أمرِهِ أنه مجهولٌ، ولا عِبرةَ بِذِكْرِ ابنِ حِبانَ له في (الثقات).

وقد رواه بعضُهم فقال: (وهبُ بنُ قَطَنٍ) وهو وهمٌ، والصوابُ:(أيوبُ بنُ قَطَنٍ)، كما قال الحافظ في (الإصابة 11/ 374).

العلةُ الثالثةُ: محمدُ بنُ يزيدَ بنِ أبي زيادٍ.

قال أبو حاتم: "مجهولٌ"، وقال الخَلَّالُ في (العلل):"سُئِلَ أحمدُ بنُ حَنبلٍ عن هذا الحديثِ، فقال: رجالُهُ لا يُعْرَفُونَ"، وفي (تاريخ أبي زرعة الدمشقي) عنه:"ليسَ بمعروفِ الإسنادِ"، وقال ابنُ حِبانَ:"لستُ أَعْتَمِدُ على إسنادِ خَبرِهِ"، وقال أبو الفتحِ الأزديُّ:"ليسَ بالقَائمِ، في إسنادِهِ نظرٌ"، وقال أبو الحسنِ الدارقطنيُّ:"إسنادٌ لا يَثبتُ، وعبدُ الرحمنِ، ومحمدُ بنُ يزيدَ، وأيوبُ بنُ قَطَنٍ كُلُّهم مجهولونَ"، وقال ابنُ حزمٍ: "خبرٌ ساقطٌ، فيه

ص: 555

يحيى، ومحمدٌ، وهما مجهولانِ"، وقال ابنُ القطانِ: "محمدُ بنُ يزيدَ مجهولٌ" (إكمال تهذيب الكمال 10/ 393)، (تهذيب التهذيب 9/ 524).

وقال الذهبيُّ في (الكاشف 5221): "ليسَ بحجةٍ"، وقال في (ديوان الضعفاء 4043):"مجهولٌ"، وقال ابنُ حَجَرٍ:"مجهولُ الحالِ"(التقريب 6398).

وقال عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ: "وفي طريقِ هذا الحديثِ: محمدُ بنُ يزيدَ بنِ أبي زيادٍ -صاحب حديث الصور- وهو مجهولٌ"(الأحكام الكبرى 1/ 478).

وعليه: فلا وجه لما قاله مغلطاي في (شرح ابن ماجه 2/ 272): " ومحمدُ بنُ يزيدَ لم أرَ أحدًا نَسَبَهُ إلى ضعفٍ كما قاله أبو عبدِ اللهِ بنُ البيعِ، وغايةُ ما قال فيه البخاريُّ: روى عنه إسماعيلُ بنُ رَافعٍ حديثَ الصورِ مرسل، ولم يَصحَّ، وقال ابنُ يُونسَ في (الغرباء): روى عنه يزيدُ بنُ أبي حَبيبٍ -وكان يُجَالِسُهُ-، وحرملةُ بنُ عمرانَ، ومن أهل الكوفة أبو بكرِ بنِ عيّاشٍ، فهذا كما ترى قد خَرَجَ منَ الجَهالةِ العَينِيَّةِ، وأما الجهالةُ الحاليةُ فيمكنُ أن تكونَ منفيةً بما ذكره الحاكمُ، فإنّه لما خَرَّجَ هذا الحديثَ قال فيه: صحيحٌ ولم يخرجاه، وأُبيٌّ صحابيٌّ معروفٌ وهو إسنادٌ مِصريٌّ، ولم يُنْسَبْ واحدٌ من رواتِهِ إلى جَرحٍ".

العلةُ الرابعةُ: عبدُ الرحمنِ بنُ رَزِينٍ.

ترجمَ له ابنُ أبي حَاتمٍ في (الجرح والتعديل 5/ 232)، ولم يذكرْ فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابنُ حِبانَ في (الثقات 5/ 82)، على قاعدتِهِ في توثيقِ المجاهيلِ.

ص: 556

وسبقَ قولُ أحمدَ بنِ حنبلَ، والدارقطنيِّ فيه، ومَن فَوقَهُ:"رجالُهُ لا يُعْرَفُونَ، مجهولونَ"، وأقرَّهما المنذريُّ في (محتصر أبي داود 1/ 120)، وأقرَّ الدارقطنيَّ عليه ابنُ القطانِ في (بيان الوهم 3/ 323).

وبجهالةِ رواةِ هذا الحديثِ ضَعَّفَهُ فريقٌ منَ الأئمةِ:

قال ابنُ أبي خيثمةَ: "وسُئِلَ يحيى بنُ مَعِينٍ، عن حديثِ يحيى بنِ أيوبَ هذا، فقال: إسنادٌ مظلمٌ"(التاريخ الكبير - السفر الثاني 2/ 617).

وقال أحمدُ: "حديثُ أُبيِّ بنِ عِمارةَ ليسَ بمعروفِ الإسنادِ"، وقال أبو زرعةَ الدمشقيُّ:"فناظرتْ أبا عبدِ اللهِ أحمدَ بنَ حنبلٍ في حديثِهِ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في المسحِ فلم يقنعْ به"(تاريخ أبي زرعة 1824)، وقال أحمدُ -مرة-:"رجالُهُ لا يُعْرَفُونَ"(العلل المتناهية 1/ 360)، (التحقيق 1/ 209)، (الإمام 2/ 191)، (شرح ابن ماجه لمغلطاي 2/ 268).

وقال الحازميُّ: "روى محمدُ بنُ معاويةَ التميميُّ، عنِ البخاريِّ، قال: يقالُ: لأُبيِّ بنِ عِمارةَ صحبة، لا يَصِحُّ حديثُهُ في المسحِ، إسنادُهُ مجهولٌ، وليسَ يروى عنه غير هذا الحديث"(البدر المنير 3/ 44).

وقال الدارقطنيُّ: "وعبدُ الرحمنِ، ومحمدُ بنُ يزيدَ، وأيوبُ بنُ قَطَنٍ، مجهولونَ كُلُّهم"(السنن 765)، وبنحوه قال الجورقانيُّ في (الأباطيل 1/ 568).

وقال ابنُ حزمٍ: "وتَعَلَّقَ مُقَلِّدُوه في ذلكَ بأخبارٍ ساقطةٍ لا يَصحُّ منها شيءٌ"، إلى أن قال: "وآخر من طريقِ أُبيِّ بنِ عِمارةَ فيه يحيى بن أيوب الكوفيُّ

(1)

،

(1)

هذا من أوهام ابن حزم، فيحيى بن أيوب هو: الغافقي المصري، وليس الكوفي، ولذا قال ابن الملقن:"قول ابن حزم إنه كوفي، وهم في ذلك، وإنما هو مصري قاضي مصر"(البدر المنير (3/ 43).

ص: 557

وأخر مجهولون" (المحلى 2/ 90).

وقال ابنُ عبدِ البرِّ: "هو حديثٌ لا يثبتُ، وليسَ له إسنادٌ قائمٌ"(الاستذكار 2/ 249).

وقال ابنُ العربيِّ: "وفي طريقِهِ ضعفاء ومجاهيلٌ، منهم: عبدُ الرحمنِ بنُ رَزِينٍ، ومحمدُ بنُ يزيدَ، وأيوبُ بنُ قَطَنٍ"(عارضة الأحوذي 1/ 142).

وذكرَ الحديثَ ابنُ الجوزيِّ في (العلل المتناهية 593)، ثم قال:"هذا حديثٌ لا يصحُّ".

وقال ابنُ القطانِ: "وعِلَّتُهُ هي أنَّ هؤلاءِ الثلاثةَ مجهولونَ، قال ذلك الدارقطنيُّ، وقال الموصليُّ أيضًا: أيوبُ بنُ قَطَنٍ مجهولٌ، وذكرَ حَدِيثَهُ هذا، والاختلافَ فيه، وقال: كُلٌّ لا يصحُّ، ومحمدُ بنُ يزيدَ، هو ابنُ أبي زيادٍ، صاحبُ حديثِ الصورِ، قال فيه أبو حاتم: مجهولٌ، وعبدُ الرحمنِ بنُ رَزِينٍ أيضًا لا تُعْرَفُ له حالٌ، فهو مجهولٌ"(بيان الوهم 3/ 323).

وقال ابنُ قُدامةَ المقدسيُّ: "وفي إسنادِهِ مجاهيلٌ منهم: عبدُ الرحمنِ بنُ رَزِينٍ، وأيوبُ بنُ قَطَنٍ، ومحمدُ بن زيد"(المغني 1/ 210).

وقال ابنُ كَثيرٍ: "في إسنادِهِ غرابةٌ"(مسند الفاروق 1/ 128).

وضَعَّفَ إسنادَهُ ابنُ حَجَرٍ في (الإصابة 1/ 56).

العلةُ الخامسةُ: يحيى بنُ أيوبَ.

هو: الغَافِقيُّ المصريُّ، وهو وإن كان في الأصلِ صدوقًا؛ إلا أنَّ في حفظِهِ مقالًا، قال فيه أحمدُ:"سيئُ الحفظِ"، وقال أيضًا:"يُخطئُ خطأً كثيرًا"، وقال أبو حاتم: "ومحلُّ يحيى الصدقُ، يُكْتَبُ حَدِيثُهُ ولا يُحتجُّ

ص: 558

به"، وقال ابنُ سعدٍ: "منكرُ الحديثِ"، وقال الدارقطنيُّ: "في بعضِ حديثِهِ اضطرابٌ"، وقال أحمدُ بنُ صَالحٍ: "ربما زَلَّ في حفظه"، وقال السَّاجيُّ: "صدوقٌ يَهِمُ"، وقال أبو أحمد الحاكمُ: "إذا حَدَّثَ من حفظِهِ يُخطئُ، وما حَدَّثَ من كتابٍ فليسَ به بأس" (تهذيب التهذيب 11/ 186 - 187). وقال الذهبيُّ:"له غرائبُ ومناكيرُ يتجنبها أربابُ الصحاحِ، وينقون حديثه، وهو حسنُ الحديثِ"(سير أعلام النبلاء 8/ 6).

وقال ابنُ حَجَرٍ: "صدوقٌ ربما أخطأَ"(التقريب 7511).

وبه أعلَّه ابنُ القطانِ، فقال:"ويحيى بنُ أيوبَ مختلفٌ فيه، وهو ممن عيبَ على مسلمٍ إخراجُ حديثِهِ"(بيان الوهم والإيهام 3/ 324).

العلةُ السادسةُ: الخِلافُ في صحبةِ أُبيِّ بنِ عِمارةَ.

قال النوويُّ: "أنكرَ بعضُ العلماءِ كونَ أُبيِّ بنِ عِمارةَ صحابيًا. قال ابنُ عبدِ البرِّ: اضطربَ حديثُهُ، ولم يذكره البخاريُّ فى (تاريخه الكبير)؛ لأنهم يقولونَ: أنه خطأٌ، وإنما هو: أبو أُبيّ ابن أم حزام، واسمه عبد الله، هذا كلامُ ابنِ عبدِ البرِّ. وقال ابنُ أبي حَاتمٍ: من قال: أُبيُّ بنُ عِمارةَ أخطأَ، إنما هو أبو أُبيّ، واسمه عبدُ اللهِ بنُ عمرِو ابن أم حزام،

" (تهذيب الأسماء واللغات 1/ 108).

وقال أبو أحمدَ العسكريُّ في (كتاب الصحابة): "قال بعضُهم: ليس تصحُّ له صحبة، ونسبه عبسيًا"(شرح ابن ماجه 2/ 270).

ولما ذكره ابنُ حِبانَ في طبقةِ الصحابةِ في (الثقات 3/ 6) قال: "أُبيُّ بنُ عِمارةَ الأنصاريُّ صَلَّى مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم القبلتين، إلا أني لستُ أَعْتَمِدُ على إسنادِ خبرِهِ".

ص: 559

وقال أبو الفتحِ الأزديُّ الموصليُّ: "أُبيُّ بنُ عِمارةَ الأنصاريُّ لا نحفظُ أن أحدًا روى عنه، إلا أيوب بن قطن، حديثُهُ ليسَ بالقائمِ، في متنِهِ نظرٌ، وفي إسنادِهِ نظرٌ"(المخزون في علم الحديث صـ 44).

وأشار الحازميُّ إلى تضعيفِ البخاريِّ القولَ بصحبتِهِ، قائلًا:"روى محمدُ بنُ معاويةَ التميميُّ عنِ البخاريِّ، قال: يقالُ: لأُبيِّ بنِ عِمارةَ صحبةٌ، لا يصحُّ حديثُهُ في المسحِ، إسنادُهُ مجهولٌ، وليسَ يَروى عنه غير هذا الحديث"(البدر المنير 3/ 46).

وقال ابنُ الصَّلاحِ: "هذا حديثٌ ضعيفٌ. وأُبيُّ بنُ عِمارةَ قِيلَ: لم يَثبتْ له ذكرٌ في الصحابةِ، ولذلك لم يذكرْهُ البخاريُّ في (تاريخه الكبير) "(البدر المنير 3/ 46).

بينما ذَكَرَهُ في الصحابةِ ابنُ حَجَرٍ في القسمِ الأولِ منَ (الإصابة)، والبغويُّ في (معجمه)، وابنُ قَانِعٍ، وأبو نُعَيمٍ، وقال المزيُّ: عدادُهُ في الصحابةِ، وكذلك الدارقطنيُّ في (المؤتلف)، وابنُ يونسَ في (تاريخه).

العلةُ السابعةُ: نَكَارةُ المتنِ، ومخالفتُهُ للأحاديثِ الصحيحةِ الواردةِ في التوقيتِ.

فقد ثبتَ التوقيتُ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم من حديثِ عليٍّ، وعوفِ بنِ مالكٍ، وأَبي بكرةَ، وصفوانَ بنِ عَسَّالٍ رضي الله عنهم جميعًا، كما تَقَدَّمَ بيانُهُ في البابِ السابقِ.

ولذا قال أبو الفتحِ الأزديُّ الموصليُّ: "في متنِهِ نظرٌ، وفي إسنادِهِ نظرٌ"(المخزون في علم الحديث صـ 44).

وقال الجورقانيُّ: "هذا حديثٌ [باطلٌ]

(1)

منكرٌ" (الأباطيل 1/ 568).

(1)

ما بين المعقوفين زيادة من (شرح ابن ماجه لمغلطاي 2/ 269).

ص: 560

وأشارَ إلى هذه العلةِ الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 81 - 81)، فذكرَ الأحاديثَ الصحيحةَ الواردةَ في مُدَّةِ المسحِ عَلَى الخُفَّينِ كحديثِ عليٍّ، وخزيمةَ بنِ ثابتٍ، وغيرِهِما، ثم قال:"فليسَ ينبغي لأحدٍ أن يتركَ مثل هذه الآثار المتواترة إلى مثلِ حديثِ أُبيِّ بنِ عِمارةَ".

وقال ابنُ الجَوزيِّ: "هذا حديثٌ مضطربٌ

فلا يترك الأحاديث الصِّحاح لأجلِهِ" (إعلام العالم صـ 96).

فالحديثُ بهذه العللِ مجتمعة منكرٌ، بل من العلماءِ مَن ذكره في الموضوعاتِ.

قال ابنُ الملقنِ: "وغلا ابنُ بَدرٍ الموصليُّ فذكرَ هذا الحديثَ في (موضوعاته) "(البدر المنير 3/ 47).

وقال ابنُ القطانِ: "والحديثُ غاية في الضعفِ"(بيان الوهم 5/ 665).

وقد نقل النوويُّ اتفاقَ العلماءِ على ضَعْفِهِ (شرح مسلم 3/ 176)، (المجموع 1/ 484).

وقال ابنُ الملقنِ: "هو حديثٌ ضعيفٌ، بشهادةِ غيرِ واحدٍ من الحفاظِ له بذلك"(البدر المنير (3/ 42).

وضَعَّفَهُ الألبانيُّ في (ضعيف أبي داود 21).

ومع ما ذكرناه من عللِ هذا الحديث؛ فقد أخرجَ هذا الحديثَ الحاكمُ في (المستدرك 617)، ثم قال:"أُبيُّ بنُ عِمارةَ صحابيُّ معروفٌ، وهذا إسنادٌ مِصريٌّ لم يُنْسَبْ واحدٌ منهم إلى جرَحٍ، وإلى هذا ذهبَ مالكُ بنُ أنسٍ، ولم يخرجاه"! .

ونقل مغلطاي عنه، أنه قال:"صحيحٌ"(شرح ابن ماجه لمغلطاي 2/ 272).

ص: 561

وتَعَقَّبَ الذهبيُّ الحَاكمَ -في قوله: "هذا إسنادٌ مِصريٌّ لم يُنْسَبْ واحدٌ منهم إلى جرَحٍ"- فقال: "بل مجهولٌ"(تلخيص المستدرك 1/ 171).

وتَعَقَّبَهُ كذلك ابنُ القيمِ فقالَ: "والعجبُ من الحَاكمِ كيفَ يكونُ هذا مستدركًا على (الصحيحين)؛ ورواتُهُ لا يُعْرَفُونَ بجرحٍ ولا تَعْديلٍ؟! "(تهذيب السنن 1/ 246).

وذكر ابنُ الملقنِ المضعفينَ لهذا الحديثِ ثم قال: "وخالفَ هؤلاءِ كلّهم: الحاكمُ أبو عبدِ اللهِ فأخرجَ الحديثَ في (مستدركه) بسندِ أبي داودَ الثاني ولفظه الأول، لكنه قال: "عبدُ الرحمنِ بنُ رَزِينٍ" بدل "يزيد" ثم قال: أُبيُّ بنُ عِمارةَ صحابيٌّ معروفٌ، وهذا إسنادٌ مِصريٌّ لم يُنْسبْ واحدٌ منهم إلى جَرحٍ، قلتُ: لكن نُسِبوا إلى الجهالةِ كما مرَّ لكَ"(البدر المنير 3/ 46 - 47).

وظاهر صنيع مغلطاي في (شرح ابن ماجه 2/ 272)، أنه مالَ لتصحيحِ الحديثِ تبعًا للحاكمِ!.

* * *

ص: 562

2506 -

حديثُ أَنَسٍ:

◼ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيُصَلِّ فِيهِمَا، وَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا ثُمَّ لَا يَخْلَعْهُمَا إِنْ شَاءَ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ» .

[الحكم]:

شَاذٌّ بهذا اللفظِ، وحَكَمَ بشذوذِهِ: الحاكمُ، والذهبيُّ، وأشارَ إلى شذوذِهِ ابنُ صاعد، والبيهقيُّ، وضَعَّفَهُ ابنُ حزمٍ، والنوويُّ.

[التخريج]:

[ك 656/ قط 780، 781، ((واللفظ له)) / مخلص 311/ هق 1341، 1343/ تحقيق 241].

[التحقيق]:

هذا الحديثُ له طريقان عن حماد بن سلمة:

الطريقُ الأولُ:

رواه الدارقطنيُّ (780)، والمخلصُ (311)، عن يحيى بن صاعد، نا الربيع بن سليمان،

حدثنا أسد بن موسى، حدثنا حماد بن سلمة، عن عبيد الله بن أبي بكر، وثابت، عن أنس

به.

وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، إلا أن أسدَ بنَ موسى وإن وَثَّقَهُ غيرُ واحدٍ، فقد قال فيه ابنُ يونسَ:"حَدَّثَ بأحاديث منكرة، وأَحسبُ الآفة من غيرِهِ"، وقال ابنُ حزمٍ:"منكرُ الحديثِ، ضعيفٌ"، وقال عبدُ الحَقِّ في (الأحكام الوسطى):"لا يُحتجُّ به عندهم"(تهذيب التهذيب 1/ 260)؛ ولذا قال ابنُ حَجَرٍ: "صدوقٌ يغربُ"(التقريب 399).

ص: 563

وقد أغربَ به عن حمادٍ، فلم يروه أحدٌ من أصحابِ حمادٍ غيره.

وظاهرُ لفظه مخالفٌ للصحيحِ الثابتِ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في التوقيتِ، كما تَقَدَّمَ في البابِ السابقِ من حديثِ عليٍّ، وعوفِ بنِ مالكٍ، وأبي بكرةَ، وصفوانَ بنِ عَسَّالٍ، وغيرِهِم.

بل صَحَّ التوقيتُ موقوفًا عن أنسٍ أيضًا:

أخرجه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 84)، قال: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا هدبة، قال: ثنا سلام بن مسكين، عن عبد العزيز، عن أنس، مثله، كذا قال، ولم يسقْ مَتْنَهُ وإنما أحاله على أَثَرِ ابنِ عباسٍ قبله، ولفظُهُ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ المَسْحِ عَلَى الخُفَّينِ؟ قَالَ: «لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَومٌ وَلَيْلَةٌ» .

وهذا إسنادٌ صحيحٌ؛ رجالُهُ ثقاتٌ، فعبدُ العزيزِ هو ابنُ صُهيبٍ:"ثقةٌ" من رجالِ الشيخينِ.

فهذا يُؤكِّدُ وَهْمَ أسد بن موسى في حديثِهِ هذا، إلا أن يُقالَ: إن قولَهُ: (ثُمَّ لَا يَخْلَعْهُمَا إِنْ شَاءَ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ) أي: في المُدَّةِ المقررةِ شرعًا للمسحِ، فلا شذوذَ حينئذٍ.

قال ابنُ الجوزيِّ: "هو محمولٌ على مُدَّةِ الثلاثِ"(التحقيق 241)، (نصب الراية 1/ 179).

ولكن أشارَ إلى شذوذِهِ ابنُ صاعد فقال: "وما علمتُ أحدًا جاءَ به إلا أسد بن موسى"

(سنن الدارقطني 780).

وقال ابنُ حزمٍ: "وأَسَدٌ منكرُ الحديثِ، ولم يروِ هذا الخبرَ أحدٌ من ثقاتِ أصحابِ حماد بن سلمةَ"(المحلى 2/ 90).

ص: 564

فَتَعَقَّبَهُ ابنُ دقيقِ العيدِ فقال: "وهذا الذي ذكره ابنُ حزمٍ في أسدٍ لم يقلْهُ أحدٌ منَ المتقدمينَ فيه فيما عَلِمْنَاهُ، مع اجتهادِهِ في الروايةِ وتَصْنِيفِهِ للعلمِ، ويقالُ: إنه أولُ من صَنَّفَ المسندَ، وقد وقفَ المتقدمونَ على أمرِهِ، وفيهم المشددونَ في الروايةِ، ولم يقولوا ما قال، ولم نرَ فيما بين أيدينا من كتبِ الضعفاءِ والمتروكينَ له ذِكرًا، وأبو أحمدَ ابنُ عَدِيٍّ شَرَطَ أن يذكرَ في كتابِهِ كُلَّ مَن تَكلَّم فيه مُتَكَلِّمٌ، وقد ذكرَ فيه جماعةً مِنَ الأكابرِ والحفاظِ لذلك، ولم يذكرْ أحدًا فيمن خرج في كتابه هذا من حيث عدم الطعن مع الاشتهار. وأما التوثيقُ فقد ذكر أبو الحسنِ بنُ القطانِ، عن أبي العربِ أنه قال: "قال أبو الحسنِ -يعني: الكوفيَّ-: أسدُ بنُ موسى ثقةٌ"، وذكر أيضًا توثيقَهُ عنِ البزارِ، وكذلكَ شَرْطُ أبي أحمد ابنِ عَدِيٍّ يقتضي أنه ثقةٌ، أو صدوقٌ،

، ولعلَّ أبا محمدٍ ابنُ حزمٍ وقفَ على ما قاله أبو سعيدِ بنُ يونسَ في كتابِ "الغُرباء" في أسدِ بنِ موسى حيثُ قال فيه:"حَدَّثَ بأحاديثَ منكرةٍ، وكان رجلًا صالحًا، وكان ثقةً فيما روى، وأَحْسَبُ الآفة من غيرِهِ". فإن كان أَخَذَ كلامَهُ من هنا فليسَ بجيدٍ، إذ فرق بين أن يقول:"روى أحاديثَ منكرةً"، وبين أن يقول: إنه "منكرُ الحديثِ"، فإن هذه العبارة تقتضي كثرة ذلك منه حتَّى تصيرَ وصفًا له، فيستحق بها أن لا يحتج بحديثه عندهم، والعبارةُ الأُولى تقتضي وجود النكرة في أحاديث، ولا تقتضي كثرة ذلك، وقد حَكَمَ أبو سعيدِ بنُ يُونسَ بأنه "ثقةٌ فيما رَوى"، وكيف يكونُ ثقةً فيما روى من لا يُحتجُّ بحديثِهِ كما ذكرَ ابنُ حزمٍ؟ !

وبعد هذا كلِّه، فقد حكينا رواية عبد الغفار بن داود الحراني متابعًا لأسد بن موسى، عن حماد بن سلمة، وقول الحَاكمِ:"إن عبدَ الغفارِ ثقةٌ"، وكذلك يقتضي شرط ابن عدي أنه ثقةٌ أو صدوقٌ، ولم يرَ فيه قدحًا لأحدٍ، وهذا يَرُدُّ قولَ

ص: 565

ابنِ حزمٍ: ولم يروِ هذا الحديث أحدٌ من ثقاتِ أصحابِ حمادِ بنِ سلمةَ" (الإمام 2/ 176 - 179).

وتَعَقَّبَهُ أيضًا ابنُ عبدِ الهادي فقال: "إسنادُ هذا الحديثِ قويٌّ، وأَسدٌ صدوقٌ، وَثَّقَهُ النسائيُّ، وغيرُهُ، ولا التفاتَ إلى كلامِ ابنِ حزمٍ فيه، وقد صَحَّحَ إسنادَهُ الحاكمُ، وذكرَ أنه شاذٌّ بمرة"(تنقيح التحقيق 1/ 334).

وقال مغلطاي -مُتَعَقِّبًا ابنَ حَزمٍ-: "وهو قولٌ لم يقلْهُ غيرُهُ في أَسدٍ، إنما رأيتُ العلماءَ أثنوا عليه، ووَثَّقُوه، ذكرَ ذلك جماعةٌ منهم: البزارُ، والكوفيُّ

(1)

، والنسائيُّ، وأبو العربِ في (كتاب الطبقات)، ولعلَّ ابنَ حزمٍ رأى قولَ ابنِ يُونسَ في (كتاب الغرباء)، وذكره: حَدَّثَ بأحاديثَ منكرةٍ، وكان رجلًا صَالحًا ثقةً فيما روى، وأَحْسَبُ الآفة من غيرِهِ، وهو كما تَرى فرق ما بين الكلامين، وقوله:(لم يروه أحدٌ من ثقاتِ أصحابِ حمادٍ) نظر؛ لما أسلفناه من حديث عبد الغفار" (شرح ابن ماجه 2/ 273).

وقال ابنُ الملقنِ: "ووهِم ابنُ حزمٍ فقال: أسدٌ منكرُ الحديثِ، وزادَ: أنه لم يرو هذا الحديث أحدٌ من ثقاتِ أصحاب حماد بن سلمة. قلت: قد رواه عبدُ الغفارِ بنُ داودَ الحرانيُّ، عن حماد بن سلمة، كما رواه الدارقطنيُّ، والحاكمُ، وقال: على شرطِ مسلمٍ، قال: وعبدُ الغفارِ ثقةٌ"(تحفة المحتاج 1/ 199).

وقال ابنُ حَجَرٍ: "وأعلَّهُ ابنُ حزمٍ بأسدِ بنِ موسى فأخطأَ في ذلك فإنه لم ينفردْ به"(الدراية 1/ 79).

وقد اختُلِفَ على أسدِ بنِ مُوسَى في إسنادِ هذا الحديث، فقد أخرجَ الدارقطنيُّ

(1)

أي: العجلي.

ص: 566

في (السنن 779) -ومن طريقِهِ البيهقيُّ في (السنن الكبرى 1342) -، والمخلصُ في (المخلصيات 310)، عن يحيى بن صاعد، نا الربيع بن سليمان، حدثنا أسد بن موسى، نا حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد، عن زبيد بن الصلت، قال: سمعت عمر رضي الله عنه، يقول:«إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيُصَلِّ فِيهِمَا، وَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا ثُمَّ لَا يَخْلَعْهُمَا إِنْ شَاءَ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ» .

فجعلَ الحديثَ موقوفًا من كلامِ عمرَ رضي الله عنه، وهذا يدلُّ على أنَّ أسدَ بنَ مُوسَى لم يضبطْ سندَ الحديثِ، وقد صَحَّ عن عمرَ التوقيتُ كما تَقَدَّمَ، فهذه الروايةُ عنه أيضًا شَاذَّةٌ.

فإن قيل: قد توبع أسد بن موسى، كما في:

الطريقِ الثاني:

رواه الدارقطنيُّ (781) -ومن طريقه: البيهقيُّ (1343)، وابنُ الجوزيِّ في (التحقيق) -، والحاكمُ -ومن طريقِهِ: البيهقيُّ (1341) -، من طريقِ مقدامِ بنِ داودَ بنِ تليد الرعينيِّ، ثنا عبدُ الغفارِ بنُ داودَ الحرانيُّ، حدثنا حمادُ بنُ سلمةَ،

به.

قلنا: هذه متابعةٌ ضعيفةٌ لا تَصِحُّ، المقدامُ بنُ داودَ الرعينيُّ، قال النسائيُّ:"ليسَ بثقةٍ"، وقال ابنُ يونسَ وغيرُهُ:"تَكَلَّمُوا فيه"، وضَعَّفَهُ الدارقطنيُّ (لسان الميزان 7900)، وقال الحاكمُ:" وقد رُوي هذا الحديثُ عن أنسِ بنِ مالكٍ، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، بإسنادٍ صحيحٍ رواتُهُ عن آخرهم ثقات إلا أنه شَاذٌّ بمرة"، ثم أسندَ طريقَ عبدِ الغفارِ المتقدم، وقال:"هذا إسنادٌ صحيحٌ على شرطِ مسلمٍ، عبدُ الغفارِ بنُ داودَ ثقةٌ، غير أنه ليس عند أهل البصرة عن حماد"(المستدرك 656)، وقال الذهبيُّ: "تَفَرَّدَ بِهِ عبدُ الغفارِ وهو ثقةٌ،

ص: 567

والحديثُ شَاذٌّ" (تلخيص المستدرك 1/ 181).

وقد ذَكَرَ الحَاكمُ (الشَّاذَّ) في (معرفة علوم الحديث صـ 119) فقال: "فأما الشَّاذُّ فإنه حديثٌ يتَفَرَّدُ بِهِ ثقةٌ منَ الثقاتِ، وليسَ للحديثِ أَصْلٌ مُتَابِعٌ لذلك الثقةِ".

وكذلك أعلَّه البيهقيُّ فقال: "وقد تابعه في الحديثِ المسندِ عبدُ الغفارِ بنُ داودَ الحرانيُّ، وليسَ عندَ أهلِ البصرةِ عن حمادٍ، وليسَ بمشهورٍ"(السنن الكبرى 1343).

وقال النوويُّ: "أما حديثُ أنسٍ فضعيفٌ، رواه البيهقيُّ وأشارَ إلى تضعيفِهِ"(المجموع 1/ 485).

وثَمَّ عِلَّةٌ أُخرَى في الحديثِ: وهي أنَّ روايةَ حمادِ بنِ سلمةَ إذا جمع بين أكثر من شيخٍ من شيوخِهِ، فيها مقال؛

قال الإمامُ أحمدُ -في حديثِ حمادِ بنِ سلمةَ، عن أيوبَ وقتادةَ، عن أَبي أسماءَ، عن أبي ثَعْلبةَ الخُشَنيِّ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في آنيةِ المشركينَ-:"هذا من قِبَلِ حماد، كان لا يقومُ على مثلِ هذا يجمعُ الرجالَ، ثم يجعله إسنادًا واحدًا، وهم يختلفون".

وقال أبو يعلى الخليليُّ: "ذاكرتُ بعضَ الحُفَّاظِ قُلْتُ: لِم لَمْ يُدخلِ البخاريُّ حمادَ بنَ سلمةَ في (الصحيح)؟ قال: لأنه يجمعُ بين جماعةٍ من أصحابِ أنسٍ يقولُ: ثنا قتادةُ، وثابتٌ، وعبدُ العزيزِ بنُ صُهيبٍ، عن أنسٍ، وربما يخالف في بعضِ ذلك. فقلتُ: أليسَ ابنُ وَهْبٍ اتفقوا عليه، وهو يجمعُ بين أسانيد، فيقول: أنا مالكٌ، وعمرُو بنُ الحارثِ، والأوزاعيُّ، ويجمعُ بين جماعةٍ غيرِهِم؟ فقال: ابنُ وَهْبٍ: أَتْقَنُ لما يرويه وأحفظُ" (شرح علل

ص: 568

الترمذي لابن رجب 2/ 815).

وقد جمعَ حمادٌ هنا: بين عبيد الله بن أبي بكر، وثابت.

ومع هذا، صَحَّحَ الحديثَ الألبانيُّ في (صحيح الجامع 447)، وفي (التعليق على سبل السلام 1/ 175).

* * *

ص: 569

2507 -

حديثُ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها:

◼ عَنْ عُمَرَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي كِتَابٍ لِعَطَاءِ بنِ يَسَارٍ مَعَ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، قَالَ: فَسَالتُ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عَنِ المَسْحِ عَلَى الخُفَّينِ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَكُلَّ سَاعَةٍ يَمْسَحُ الإِنْسَانُ على الخُفَّينِ وَلَا يَنْزِعُهُمَا؟ قَالَ:((نَعَمْ)).

• وَفِي رِوايةٍ: عَنْ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَخْلَعُ الرَّجُلُ خُفَّيهِ كُلَّ سَاعَةٍ؟ قَالَ:«لَا، وَلَكِنْ يَمْسَحُهُمَا مَا بَدَا لَهُ» .

[الحكم]:

ضعيفٌ، وضَعَّفَهُ أحمدُ، وابنُ حزمٍ، والدارقطنيُّ -وتبعه الغسانيُّ-، والهيثميُّ.

[التخريج]:

[حم 26827 ((واللفظ له)) / عل 7094 ((والرواية له)) / كك (3/ 220) / قط 768].

[السند]:

أخرجه أحمدُ -ومن طريقه: أبو أحمدَ الحاكمُ، والدارقطنيُّ- قال: حدثنا أبو بكرٍ الحنفيُّ، قال: حدثنا عمر بن إسحاق بن يسار،

به.

وأخرجه أبو يعلى في (مسنده 7094) قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا أبو بكر الحنفي، حدثنا عمر بن إسحاق بن يسار، قال: قَرَأْتُ لعطاءٍ كتابًا معه، فإذا فيه: حدَّثتني ميمونةُ زوجُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّها قَالتْ:

فَذَكَرَهُ.

ورواه الدارقطنيُّ أيضًا: من طريقِ جعفرِ بنِ مكرم، عن أبي بكرٍ الحنفيِّ،

ص: 570

فذكره.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: عمرُ بنُ إسحاقَ بنِ يَسارٍ، أخو محمد بن إسحاق صاحب السيرة، وأَسنُّ مِنْهُ، وسألَ عبدَ اللهِ بنَ أحمدَ بنِ حنبلٍ أَبَاهُ عنه؟ فقال: هو أخو محمد بن إسحاق، قال عبد الله:"فعاودتُهُ فسَكَتَ"(العلل 4423). وقال عنه الدارقطنيُّ: "ليس بقويٍّ"(رسالة من تكلم فيه الدارقطني في كتاب السنن من الضعفاء والمتروكين والمجهولين ابن زريق 2/ 94/ 259)، وهذا القولُ قاله الدارقطنيُّ عقبَ حديثنا، كما نقله الغسانيُّ في (تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني صـ 60)

(1)

.

وذكره ابنُ حِبانَ في (الثقات 7/ 167). وقال الذهبيُّ: "مَا علمتُ بِهِ بَأْسًا"(تاريخ الإسلام 4/ 158).

وقال الهيثميُّ: "وفيه عمرُ بنُ إسحاقَ بنِ يَسارٍ، قال الدارقطنيُّ: ليس بالقويِّ. وذكره ابنُ حِبانَ في الثقات"(المجمع 1386).

قلنا: والذي نَرَاهُ، أنه لا يُحتجُّ به، لقولِ الدارقطنيِّ فيه، وأما توثيقُ ابنِ حِبانَ فغيرُ مُعْتَبرٍ، لما عُرِفَ عنه من توثيقِ المجاهيلِ، وأما قولُ الذهبيِّ أنه لم يَعْلَمْ فيه بأسًا، ففيه نظر، لعلَّه ذهولٌ منه رحمه الله، فقد ذكره هو نفسُهُ في (الميزان 6054) وذكر كلامَ الدارقطنيِّ فيه.

(1)

وهو وإن لم يصرح بنسبته للدارقطني، لكن هذا معروف من عادته في كتابه، ويؤكده نقل ابن زريق، لاسيما ولم يخرج الدارقطني لعمر بن إسحاق سوى هذا الحديث، فتعين ما ذكرناه. والله أعلم.

ص: 571

وقد أُعلَّ الحديثُ بعللٍ أُخرَى:

فأعلَّه الإمامُ أحمدُ، بكون كتاب؛ قال أبو زرعة:"قلت له -يعني: لأحمدَ-: فحديثُ عطاءِ بنِ يَسارٍ، عن ميمونةَ -أعني: في المسحِ أيضًا؟ - قال: ذاكَ من كتابٍ"(تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1/ 631).

بينما أعلَّه ابنُ حزمٍ بجهالةِ مَن سألَ ميمونةَ زوجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"هذا لا حُجَّةَ فيه؛ لأنَّ عطاءَ بنَ يَسارٍ لم يذكرْ لعمرَ بنِ إسحاقَ أنه هو السائلُ ميمونةَ، ولعلَّ السائلَ غيرُهُ، ولا يَجوزُ القطعُ في الدينِ بالشَّكِّ، ثم لو صَحَّ لم تكن فيه حجة لهم؛ لأنه ليس فيه إلا إباحة المسحِ في كُلِّ ساعة"(المحلى 2/ 91).

قلنا: وهذا كلام فيه نظر، ففي رواية أحمد:(سَالتُ ميمونةَ)، وفي روايةِ أبي يعلى:(حدَّثتني ميمونةُ).

وقال مغلطاي: "رواه الدارقطنيُّ بإسنادٍ صحيحٍ لا علةَ فيه"، فَذَكَرَ سَنَدَهُ إلى عمرَ بنِ إسحاقَ بنِ يَسارٍ، قال:"قَرَأْتُ كتابًا لعطاءٍ مع عطاءِ بنِ يَسَارٍ قال: سَألتُ ميمونةَ"، قال:"وفي هذا رَدٌّ لما قاله أبو زرعة الدمشقيُّ، قلت له: -يعني: لأحمدَ- فحديثُ عطاءِ بنِ يَسَارٍ عن ميمونةَ قال: من كتابٍ؛ لتصريحِهِ بقراءةِ الكتابِ معه، فدلَّ على سماعِهِ له منه، والله أعلم"(شرح ابن ماجه 2/ 275).

* * *

ص: 572