الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
425 - بَابٌ: مُكْثُ الجُنُبِ فِي المَسْجِدِ
2595 -
حَدِيثُ عَائِشَةَ:
◼ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَوُجُوهُ بُيُوتِ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ:((وَجِّهُوا هَذِهِ البُيُوتَ عَنِ المَسْجِدِ)). ثُمَّ دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَصْنَعِ القَوْمُ شَيْئًا؛ رَجَاءَ أَنْ تَنْزِلَ فِيهِمْ رُخْصَةٌ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ بَعْدُ فَقَالَ:((وَجِّهُوا هَذِهِ البُيُوتَ عَنِ المَسْجِدِ؛ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ المَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ)).
[الحكم]:
مُختلَفٌ فيه، والراجحُ أنه ضعيفٌ جدًّا.
وضَعَّفَهُ: أحمدُ، والبخاري، وابنُ المُنْذِرِ، والخَطَّابيُّ، وابنُ حَزْمٍ، والبَيْهَقيُّ، وعبدُ الحقِّ الإشبيليُّ، وابنُ رُشْدٍ، والنَّوَويُّ، والذَّهَبيُّ، وابنُ كثيرٍ، وابنُ رجبٍ، والألبانيُّ.
وصَحَّحَهُ: ابنُ خُزَيمةَ، والشَّوْكانيُّ. وحَسَّنَهُ: ابنُ القَطَّانِ، والزَّيْلَعيُّ، وابنُ المُلَقِّنِ، وابنُ سيِّدِ النَّاسِ.
[الفوائد]:
اختلف أهل العلم في دخول الجنب والحائض المسجد.
فمنعه أبو حنيفة، ومالك، والشافعي.
بينما ذهب أحمد، وإسحاق، وابن المنذر، وأهل الظاهر، إلى جوازِ ذلك،
عملًا بالبراءَةِ الأصليةِ؛ وأما هذا الحديثُ فضعيفٌ جدًّا لا يحتجُّ به.
قال ابنُ المنذرِ: "اختلفَ أهل العلم في دخول الجنب المسجد؛ فكرهتْ طائفةٌ ذلك ورَخَّصَ بعضُهم أن يمرَّ في المسجد، فممن رَخَّصَ للجنب أن يَمرَّ فيه: ابن عباس، وابن مسعود، وابن المسيب، والحسن، وابن جبير، وقال جابر:((كَانَ أَحَدُنَا يَمُرُّ فِي المَسْجِدِ وَهُوَ جُنُبٌ)).
ورخَّصتْ طائفةٌ للجنبِ في دخولِ المسجدِ، وذهبتْ إلى أن تأويلَ قوله تعالى:{ولا جنبا إلا عابري سبيل} ، مسافرين لا يجدون ماءً فيتيمَّموا، رُوي هذا القول عن علي، وابن عباس، ومجاهد، وابن جبير، والحسن بن مسلم بن يناق، وقتادة" (الأوسط 2/ 229 - 230).
وقال في موضع آخر: "وكان أحمد بن حنبل يقول: (يجلس الجنب في المسجد، ويمر فيه إذا توضأ). وكذلك قال إسحاق.
واحتجَّ بعضُ المرخِّصين للجنب في دخول المسجد والمقام فيه بحديث حذيفة، أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه فأهوى إليه، فقال: إني جنب، فقال:((إِنَّ المُسْلِمَ لَيْسَ بِنَجَسٍ))
(1)
.
وإذا كان المسلم ليس بنجس فهو طاهر كحالته قبل أن يجنب، غير أنه مأمور بالاغتسال عبادة تعبد الله بها عباده، وكما أَمَرَ مَن خرج مِن دُبره ريحٌ أن يغسل أعضاء الوضوء، وهو قبل أن يغسل أعضاء الوضوء طاهر الأعضاء، غير أنه متعبد بالطهارة كما تعبد الجنب بالاغتسال، وإذا قال من خالف هذا
(1)
حديث حذيفة عند مسلم بلفظ: ((إِنَّ المُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ))، وكذا في الصحيحين بنفس اللفظ من حديث أبي هريرة، وقد تقدما - قريبًا - في:"باب المُسْلِمِ لَا يَنْجُسُ وَإِنْ أَجْنَبَ".
القول: إن المشرك يدخل المساجد غير المسجد الحرام استدلالا بأن وفد ثقيف لما قدموا المدينة وهم مشركون نزلوا المسجد، ودخل أبو سفيان مسجد المدينة وهو إذ ذاك على دين قومه قبل أن يسلم، فالمسلم الجنب الذي ثبتت له الطهارة بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالإباحة.
وقد قال بعضُ أهلِ العلمِ ليس في قول الله جل ذكره: {ولا جنبا إلا عابري سبيل} دليلٌ على أن الجنب لا يجلس في المسجد؛ لأن المسجد ليس بمذكور في أول الآية، فيكون آخر الآية عائدًا عليه، وإنما ذكرت الصلاة، فالصلاة لا يجوز للجنب أن يقربها إلا أن يكون عابر سبيل مسافرًا لا يجد ماء، فيتيمم صعيدًا طيبًا.
وقد روينا عن علي، وابن عباس، وغير واحد من التابعين أنهم رأوا أن تأويل قوله تعالى:{ولا جنبا إلا عابري سبيل} مسافرين لا يجدون ماء".
ثم قال: "ولعلَّ مِن حُجة مَن كَرِهَ دخول الجنب المسجد حديثًا حدثناه
…
" فذكر هذا الحديث، ثم قال: "أفلت عندهم مجهول، ويبطل إذا كان كذلك أن يقوم بهذا الحديث حجة" (الأوسط 5/ 123 - 126).
قال الخطابيُّ: "وفي الحديث بيان أن الجنب لا يدخل المسجد، وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم:((فَإِنِّي لَا أُحِلُّ المَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ)) يأتي على مقامه في المسجد ومروره فيه.
وقد اختلفَ العلماءُ في ذلك؛ فقال أصحابُ الرأي: لا يدخل الجنب المسجد إلاّ بأحد الطهرين، وهو قول سفيان الثوري. فإن كان مسافرًا ومرَّ على مسجدٍ فيه عين ماء تيمَّم بالصعيد ثم دخل المسجد واستقى. وقال مالك والشافعي: ليس له أن يقعد في المسجد، وله أن يمر فيه عابر سبيل
…
،
وكان أحمد بن حنبل، وجماعة من أهل الظاهر يجيزون للجنب دخول المسجد إلا أن أحمد كان يستحب له أن يتوضأ" (معالم السنن 1/ 77).
وقال الصَّنْعانيُّ: "والحديثُ دليلٌ على أنه لا يجوزُ للحائضِ والجُنُبِ دخولُ المسجدِ، وهو قولُ الجمهورِ. وقال داودُ وغيرُهُ: يجوزُ؛ وكأنَّه بنَى على البَراءةِ الأصليةِ، وأن هذا الحديثَ لا يرفعُها"(سبل السلام 1/ 135)، وانظر (نيل الأوطار 1/ 288).
ومع ما تقدم نقله من خلافٍ في المسألة نقل ابن بطال الاتفاق على المنع، فقال:"وأقوى ما يستدلُّ به على طهارة الحائض مباشرته صلى الله عليه وسلم لأزواجه وهنَّ حيَّضٌ فيما فوق المئزر، إلا أنها -وإن كانتْ طاهرًا- فإنه لا يجوزُ لها دخول المسجد بإجماعٍ، لأمره فى العيدين باعتزال الحُيض المصَلَّى"(شرح صحيح البخاري 1/ 463).
قلنا: وكلامه فيه نظر من وجهين:
الأول: نقله للإجماع، وقد تقدَّم نقلُ الخلافِ فيه عن جماعة من الأئمة.
الثاني: استدلاله بحديث اعتزال الحُيض لمُصلى العيد فيه نظر؛ فإن المراد به اعتزال الصلاة نفسها، كما وَرَدَ في رواية مسلم لنفس الحديث
(1)
، وإلا فالحُيَّضُ يشهدنَ العيد في مصلاه.
وقد قال ابنُ بطال نفسُه: "ليس فى منع الحائض من دخول المسجد خبرٌ يثبتُ"(شرح صحيح البخارى 8/ 241).
(1)
ينظر تخريج الحديث في كتاب الحيض، "باب شُهُودِ الحَائِضِ خُطْبَةَ العِيدِ وَاعْتِزَالِهَا الصَّلَاةَ"، حديث رقم (؟ ؟ ؟ ؟ ).
ولكنه علَّل الاتفاقَ بشيءٍ آخرَ؛ فقال: "وقد اتفقنا على منع الجنب والحائض من دخول المسجد؛ لمنعهما من القراءة"(شرح صحيح البخاري 2/ 117).
قلنا: وهذا أيضًا فيه نظر؛ لأنه لم يثبتْ نصٌّ في منع الحائض ولا الجنب من قراءة القرآن، حتى يقاس عليه! ، والخلاف في القراءة أشهر.
والخلاصة: أن المسألة خلافية، والخلاف فيها سائغ. والله أعلم.
[التخريج]:
[د 231 (واللفظ له) / خز 1405/ حق 1783/ تخ (2/ 67) (مختصرًا) / لا 843/ منذ 2519/ جصاص (3/ 168) / هق 4379/ بغت (1/ 258) / الإيضاح لعبد الغني بن سعيد (اللآلئ 1/ 323 - 324)].
[السند]:
رواه أبو داود -ومن طريقه الجَصَّاصُ والبَيْهَقيُّ والبَغَويُّ- قال: حدثنا مُسَدَّد، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا أَفْلَتُ بنُ خَليفةَ، قال: حدثتني جَسْرَةُ بنتُ دَجَاجةَ، قالت: سمِعتُ عائشةَ، به.
قال أبو داود: "هو فُلَيْتٌ العامري"؛ يعني: أَفْلَتَ.
ورواه ابنُ المُنْذِر عن يحيى بن محمد، قال: ثنا مُسَدَّد، به.
ورواه الباقون من طرقٍ، عن عبد الواحد، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الصحيح، عدا أَفْلَتَ بن خليفةَ وجَسْرةَ؛ فمختلَفٌ فيهما، وإليك البيانَ:
أولًا: أَفْلَتُ بنُ خليفةَ العامري، ويقال له:"فُلَيتٌ"؛ قال أبو حاتم:
"شيخ"(الجرح والتعديل 2/ 346).
وهذه الكلمةُ عند أبي حاتم تعني: أنه لا يُحتجُّ به، انظر (الجرح والتعديل 2/ 37).
ونقلَ الخَطَّابيُّ عن أحمدَ وجماعةٍ من أهلِ الظاهرِ أنهم ضعَّفوا الحديثَ، قال:"وقالوا: أَفلَتُ راوِيه مجهولٌ، لا يصحُّ الاحتجاجُ بحديثه"(المعالم 1/ 78).
قال المُنْذِريُّ: "وفيما حكاه الخَطَّابيُّ رضي الله عنه أنه مجهولٌ نظرٌ"(مختصر سنن أبي داود 1/ 157).
وكذلك نقلَ البَغَويُّ عن أحمدَ أنه ضعَّفَ الحديثَ، وعلَّل البَغَويُّ ذلك بقوله:"لأن راويَه أَفلَتَ بن خليفةَ؛ مجهول"(شرح السنة 2/ 46) و (التفسير 1/ 220).
وقال ابنُ المُنْذِرِ: "أَفْلَتُ مجهولٌ، لا يجوزُ الاحتجاجُ بحديثه"(الأوسط 2/ 232).
وقال في موضعٍ آخَرَ: "أَفْلَتُ عندَهم مجهولٌ"(الأوسط 5/ 125).
وقال ابنُ حَزْم: "أمَّا أَفْلَتُ فغيرُ مشهورٍ ولا معروف بالثقة"(المحلَّى 2/ 186).
وقال البَيْهَقيُّ: "فيه نظرٌ"(السنن الكبرى 12/ 49/ عقب حديث 11633).
وقال الحافظُ: "وأمَّا قولُ ابنِ الرِّفْعة في أواخر شروط الصلاة من (المَطْلَب) بأنه متروكٌ فمردودٌ؛ لأنه لم يقلْه أحدٌ من أئمةِ الحديثِ"(التلخيص الحبير 1/ 376)، وانظر (البدر المنير 2/ 559 - 560).
قلنا: أَفْلَتُ روَى عنه جماعةٌ منَ الثقاتِ، وقال عنه أحمدُ:"ما أرى به بأسًا"(العلل ومعرفة الرجال 4592)، وقال الدَّارَقُطْني:"صالح"(سؤالات البَرْقاني 39)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 6/ 88)، ولذا قال الحافظُ:"صدوقٌ"(التقريب 546).
وبهذا ردَّ ابنُ القَطَّانِ الفاسيُّ وابنُ المُلَقِّنِ وغيرُهُما القولَ بجهالتِهِ.
ثانيًا: جَسْرة بنت دَجاجةَ؛ قال البخاريُّ: "عند جَسْرةَ عجائبُ"(التاريخ الكبير 2/ 67)، وكذا قال ابنُ حِبَّانَ فيما نقله عنه الذَّهَبيُّ في (الميزان 1/ 399)، وقد ترجمَ لها في (الثقات 4/ 121)، وليس فيه هذا القولُ.
وقال العِجْليُّ: "تابعيةٌ ثقةٌ"! (الثقات 2326).
وقال الدَّارَقُطْنيُّ: "يُعتبَرُ بحديثها، إلا أن يُحدِّثَ عنها مَن يُترَك"(سؤالات البَرْقاني 69).
وقال البَزَّارُ: "لا نعلمُ حدَّثَ عنها غيرُ قُدَامةَ"(المسند 4062).
قال ابنُ دقيقٍ -متعقِّبًا البَزَّارَ-: "وقد تبيَّنَ أن أَفْلَتَ حدَّثَ عنها"(الإمام 3/ 95).
قلنا: الصواب أن (قُدَامة) هو نفْسُه (أَفْلَت)، كما سيأتي بيانُه.
وصَحَّحَ لها الحاكمُ في (المستدرك 799)! . وقال البَيْهَقيُّ: "فيها نظرٌ"(السنن الكبرى 12/ 49/ عقب حديث 11633).
وقال عبدُ الحقِّ: "ليستْ بمشهورةٍ"(الأحكام الوسطى 2/ 62).
ولخَّص حالَها الحافظُ، فقال:"مقبولة"(التقريب 8551).
وهذه الكلمةُ عند الحافظِ تعني: أن حديثَها يُقبَلُ إذا تُوبِعتْ، وإلا فلا،
وهذا هو معنى قول الدَّارَقُطْني: "يُعتبَر بحديثها"، ومع ذلك حسَّنَ لها الحافظُ في (الفتح 5/ 125)! ومِن قبله العِراقيُّ في (أماليه 1/ 125).
وتمسَّكَ ابنُ القَطَّانِ في (الوهم والإيهام 5/ 331) -وتبِعه ابنُ المُلَقِّنِ في (البدر المنير 2/ 561) -، وابنُ التُّرْكُماني في (الجوهر 6/ 96)، بتوثيقِ العِجْليِّ لها، وردَّا قولَ البخاريِّ، فقال الأول:"وقول البخاري: إن عندها عجائبَ- لا يَكفي لمَن يُسقِط ما رَوتْ" اهـ.
قال الحافظُ: "كأنه يُعَرِّض بابنِ حَزْمٍ؛ لأنه زعمَ أن حديثَها باطلٌ"(تهذيب التهذيب 12/ 406).
وتعقَّبَ ابنُ التُّرْكُماني البَيْهَقيَّ في اعتماده على كلمةِ البخاريِّ، بأن الذَّهَبيَّ قال:"قوله: عندها عجائبُ، ليس بصريحٍ في الجَرحِ"(الميزان 1/ 399).
قلنا: ولكن الذَّهَبيَّ -نفسَه- ذكرها في (المغني في الضعفاء 1127) بِناءً على كلمة البخاري!
الترجيح: لا شكَّ عند التأمُّلِ أن الراجحَ في حالِ جَسْرةَ هو الضعفُ، وبيان ذلك من ثلاثة وجوه:
الأول: أن البخاريَّ والدَّارَقُطْنيَّ أَقعَدُ في هذا البابِ وأعلمُ به من ابنِ حِبَّانَ والعِجْليِّ؛ فلا يُقدَّمُ قولُهما على قولِ البخاريِّ والدَّارَقُطْنيِّ.
الثاني: أن جَسْرةَ بنتَ دَجاجةَ قليلةُ الروايةِ جدًّا، وغالب أحاديثِها مخالفاتٌ ومناكيرُ، وإليك البيانَ:
1 -
حديثها عن أبي ذَرٍّ في قيامِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليلًا.
رواه أحمدُ وغيرُه، وفيه مناكيرُ وأعاجيبُ كما بيَّنه الألبانيُّ في (الضعيفة
6037)، وصدقَ البخاريُّ رحمه الله.
2 -
حديثها عن عائشةَ في عذابِ القبرِ، وفيه قصةُ اليهوديةِ.
قد خالفتْ في بعضِ متْنِه كما بيَّنه الألبانيُّ في (الإرواء 1/ 312).
3 -
حديثها عن عائشةَ أيضًا في قصةِ الطعامِ والإناءِ.
في متنه مخالفةٌ أيضًا، انظر (الإرواء 5/ 360).
4 -
حديثها هذا؛ فقد خولِفتْ فيه أيضًا كما سيأتي.
هذه هي أشهرُ أحاديثِها وأكثرُها، وكلُّها مخالفاتٌ ومناكيرُ؛ فهذا يدلُّ دلالة واضحةً على نَكارةِ حديثِها وعدمِ قَبولِه منها إلا إذا تُوبِعتْ، كما هو مقتضى كلامِ الدَّارَقُطْنيِّ، وصنيعِ الحافظِ في (التقريب).
الثالث: ذكرَ المِزِّيُّ في الرواة عن جَسرةَ أربعةَ رواةٍ، وهم:"أَفْلَت بن خليفةَ العامري، وعُمر بن عُمَير بن مَحْدُوج، وقُدَامة بن عبد الله العامري، ومَحْدوج الذُّهْلي".
هكذا ذكرهم المِزِّي في ترجمة جَسرةَ:
* فأمَّا الأولُ، وهو أَفْلَت بن خليفةَ العامرى؛ فقد سبقَ بيانُ حاله.
* وأما مَحْدُوج الذُّهْلي؛ فمجهولٌ، وسيأتي.
* وأما عُمر بن عُمَير؛ فمجهولٌ أيضًا، ومع جهالته فهو لا يَروي عن جَسْرةَ في الحقيقة، كما أن مَحْدُوجًا ليس بجده، وإنما هو شيخُه، فعُمَر هذا هو أبو الخطاب الهَجَريُّ المذكورُ في حديث أم سلَمةَ الآتي، وهو يَروي عن مَحْدُوج عن جَسْرةَ كما ذكره المِزِّي نفْسُه في (التهذيب 7345)، فعَدُّه من الرواةِ عن جَسْرةَ وهَمٌ من المِزِّي رحمه الله، تبِع فيه ابنَ أبي حاتم حيث قال:
"عُمر بن عُمَير بن مَحْدُوج روَى عن جَسْرةَ عن أم سلَمةَ، روَى عنه منصورُ بن أبي الأَسْود، سمِعتُ أبي يقول ذلك، ويقول: "هو مجهولٌ" (الجرح والتعديل 6/ 127).
هكذا جاءتْ العبارةُ في كتابه، وتبِعه المِزِّيُّ، وهو مَحْضُ وهَمٍ، والصواب:"عُمر بن عُمَير، عن مَحْدُوج، عن جَسْرة"، هكذا ذكره البخاريُّ في (التاريخ الكبير 6/ 183)، وكذلك رواه منصور كما سيأتي ذِكرُه في حديث أم سلَمةَ.
* وأما قُدَامة بن عبد الله العامري؛ فالصواب -والله أعلم- أنه هو فُلَيْتٌ العامري، كما نصَّ عليه الدَّارَقُطْني في (المؤتلف والمختلف 4/ 1857)، ونقله الطَّبَريُّ عن أبي هشام الرِّفاعي. (مُوضِح أوهام الجمع 1/ 488)، وانظر:(الضعيفة 13/ 81).
وخلاصة هذا الوجه: أن جَسْرةَ لم يَروِ عنها سوى اثنين (أَفْلَت، ومَحْدُوج)؛ أحدهما: مختلَفٌ فيه، والثاني: مجهول؛ فثبَتَ بذلك قولُ عبدِ الحقِّ أنها ليستْ بمشهورة.
ولذا قال الألبانيُّ: ((كلُّ مَن روَى عن جَسْرةَ غيرُ معروفٍ بالعدالةِ، حاشا (أَفْلَت)، فيكف تُجعل روايتُه عنها توثيقًا لها؟ ! نعم، قد صرَّح بتوثيقها العِجْليُّ وابنُ حِبَّانَ؛ حيث ذكرها في (الثقات)، وتساهلُه في التوثيقِ وكذا العِجْليُّ معروفٌ لدى مَن يتتبَّع كلامَهما في الرواةِ المختلَفِ فيهم، ولذلك ترى الحافظَ لم يعتمِد على توثيقهما، بالرغم من نقله ذلك عنهما في (التهذيب)؛ فقال في (التقريب): مقبولة)) (الثمر المستطاب 2/ 749).
قلنا: ولو حمَلْنا قولَ البَزَّارِ: "لا نَعلمُ حدَّثَ عنها غيرُ قُدَامةَ" على أنه أرادَ مَن حدَّثَ عنها من المعروفين، وأن (أَفْلَت) عنده هو قُدَامةُ كما قال
الدَّارَقُطْني وغيرُه؛ لاستقام كلامُ البَزَّارِ وسَلِمَ مِن تعقُّب ابن دقيق العيد وغيرِه عليه، والله أعلم.
وعليه؛ فإسنادُ هذا الحديثِ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه أربعُ عللٍ:
العلةُ الأُولى: ضعْفُ جَسْرةَ، وقد سبقَ بيانُه.
العلةُ الثانيةُ: التفرُّد؛ فقد تفرَّدتْ جَسْرةُ بهذا الحديثِ عن عائشةَ، وهي ممن لا يُحتمَل تفرُّدُها مع اعتبار الخلاف، فكيف والراجحُ مِن أمْرِها الضعْفُ؟
أمَّا ما ذكره بعضُ المصحِّحين من شواهدَ، فهي شواهدُ واهيةٌ، لا تصلُحُ للاعتبار، كما سيأتي بيانُه.
العلةُ الثالثةُ: المخالفةُ؛ فقد خولِفتْ جَسْرةُ في متنِ حديثِ عائشةَ، حيثُ ذَكرَتْ في بعض رواياته أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:((سُدُّوا هَذِهِ الأَبْوَابَ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ)) (التاريخ الكبير 1/ 408).
وخالفها في ذلك عُروةُ بنُ الزُّبَير، وعَبَّادُ بنُ عبد الله، فرَوَياه عن عائشةَ رضي الله عنها، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، بلفظ:((سُدُّوا هَذِهِ الأَبْوَابَ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ))، ذكره البخاريُّ، وقال:"وهذا أصحُّ"(التاريخ الكبير 2/ 67، 68)، وانظر:(التاريخ الكبير 1/ 408).
فهذا منَ البخاريِّ رحمه الله إعلالٌ واضحٌ لحديثِ جَسْرةَ هذا؛ ولذا قال البَيْهَقيُّ عن حديثِها هذا: "ليس بالقوي؛ قال البخاريُّ: (عند جَسْرةَ عجائبُ)، وقد خالفها غيرُها عن عائشةَ في سدِّ الأبواب"(المعرفة 3/ 404 - 405).
وجاء في (الصحيحين) من حديثِ أبي سعيدٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنه قال:((لَا يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ، إِلَّا بَابُ أَبِي بَكْرٍ))، وهذا هو المحفوظ.
وقد رُويَتْ أحاديثُ أخرى -لا تخلو من مقال- في سدِّ الأبواب دون باب عليٍّ رضي الله عنه، فمِن العلماء مَن ردَّها؛ لضعْفِها ومخالفتِها لما ثبَت في (الصحيح)، كابنِ كَثير في (التفسير 1/ 502)، وغيرِه، بل حَكَمَ عليها شيخُ الإسلامِ بالوضعِ والبطلانِ، فقال -ضِمْنَ كلامِه عن حديثِ ابنِ عباسٍ عند أحمدَ-:"قولُه: ((وسدَّ الأبوابَ كلَّها إلا بابَ عليٍّ))، فإن هذا مما وضعَتْه الشيعةُ على طريقِ المقابلةِ؛ فإن الذي في (الصحيح) عن أبي سعيد عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرضه الذي مات فيه: ((إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ. لَا يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا سُدَّتْ، إِلَّا خَوْخَةُ أَبِي بَكْرٍ)) "(منهاج السنة النبوية 5/ 35).
وكذلك حَكَمَ عليها ابنُ الجَوْزي وغيرُه بالوضعِ كما سيأتي.
ولكن ذهبَ ابنُ حَجَرٍ إلى تقويةِ هذه الأحاديث، وجمَع بينها وبين حديث أبي بكر بنوع من التكلُّف. (الفتح 7/ 15). ولم يُصِبِ الحافظُ في ذلك، والله أعلم.
وعلى أيةِ حالٍ؛ فالمخالفةُ من جَسْرةَ قائمةٌ؛ فليس في واحد من هذه الأحاديث المشارِ إليها تعليلُ الأمر بسد الأبواب بقوله صلى الله عليه وسلم: ((فَإِنِّي لَا أُحِلُّ
…
)) إلخ.
قال الألبانيُّ: "فهذا مما يُوهِن مِن شأن هذا الحديثِ عندي، وإن كنتُ لم أجدْ مَن صرَّح بذلك قبلي"(ضعيف سنن أبي داود 1/ 88).
العلةُ الرابعةُ: اضطرابها في المتنِ والسندِ؛ فمرةً ذكرتْ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((وَجِّهُوا هَذِهِ البُيُوتَ عَنِ المَسْجِدِ))، ولم تَستثنِ أحدًا، وفي رواية استثنَتِ
النبيَّ صلى الله عليه وسلم وآلَه صلى الله عليه وسلم، وفي حديثِ أمِّ سلَمةَ الآتي استثنتْ عليًّا وفاطمةَ رضي الله عنهما، وفي رواية استثنَتْ عليًّا رضي الله عنه. هذا عن اضطرابها في المتن.
أما عن السند؛ فقد اختُلِف على جَسْرةَ في سندِ هذا الحديث:
فقيل: عنها عن عائشة -كما سبق-.
وقيل: عنها عن أم سلَمةَ -كما سيأتي-، ورجَّح أبو زُرْعةَ الرازيُّ قولَ مَن قال: عن عائشةَ. انظر: (علل ابن أبي حاتم 269).
والغريبُ أن ابنَ القَطَّان ومَن تبِعَه ممن حسَّن -أو صحَّح- حديثَ عائشةَ رضي الله عنها استشهَد له بحديثِ أمِّ سلَمةَ رضي الله عنها الآتي، مع أنه هو نفْسُه حديثُ جَسْرةَ، إما أنها اضطربَتْ فيه، وإما أن بعض الرواة أخطأ عليها، فكيف يُجعَل هذا شاهدًا لذاك؟ ! !
وقد ضعَّف هذا الحديثَ غيرُ واحدٍ منَ الأئمةِ، منهم:
1 -
البخاريُّ؛ قال: "لا يصحُّ هذا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم"(التاريخ الكبير 6/ 184).
2 -
الإمامُ أحمدُ؛ نقله عنه الخَطَّابيُّ والبَغَويُّ، كما سبقَ.
3 -
ابنُ المُنْذِرِ؛ حيثُ قال: "أَفْلَتُ عندهم مجهولٌ، ويَبْطُل إذا كان كذلك أن يقُوم بهذا الحديث حُجَّةٌ"(الأوسط 5/ 125)، وانظر الكلامَ عن أَفْلتَ.
4 -
الخَطَّابيُّ؛ ونقله عن أحمدَ وجماعةٍ من أهلِ الظاهرِ، وقد سبقَ كلامُه.
5 -
ابنُ حَزْمٍ. انظر: (المحلَّى 2/ 186).
6 -
البَيْهَقيُّ؛ قال: "ليس بالقويِّ"(المعرفة 3/ 404).
7 -
عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ؛ قال: "لا يثبُتُ مِن قِبَل إسنادِه"(الأحكام الوسطى 1/ 207).
8 -
ابنُ رُشْدٍ؛ قال: "وهو حديثٌ غيرُ ثابتٍ عند أهلِ الحديثِ"(بداية المجتهد 1/ 55).
9 -
النَّوَويُّ؛ فقد ذكرَ تضعيفَ الأئمة له، ثم قال:"إنْ صحَّ حُمِل على المُكْثِ؛ جمعًا بين الأدلة"(المجموع 2/ 162)، فهذا إشعار منه بضعْفِه عنده، وقد نَصَّ على ضعفه في (الخلاصة 539)، وذكر في (المجموع 2/ 160) مذهبَ القائلين بجواز مُكْثِ الجُنُب في المسجد، ثم وجَّهَه بقوله:"الأصلُ عدمُ التحريم، وليس لمن حرَّم دليلٌ صحيحٌ صريح".
10 -
الذَّهَبيُّ. انظر: (المهذب في اختصار السنن الكبير 3734).
11 -
ابنُ كَثيرٍ؛ حيثُ نقلَ في (التفسير 2/ 312) كلامَ الخَطَّابيِّ وأقرَّه، وانظر:(إرشاد الفقيه 1/ 63، 64).
12 -
ابنُ رجبٍ؛ قال: "في إسنادِهِ ضعْفٌ". (الفتح لابن رجب 1/ 321 - 322).
وقال أيضًا: "وفي إسنادِهِ مقالٌ"(الفتح 3/ 255).
13 -
الألبانيُّ؛ ضَعَّفَهُ في غيرِ ما موضع. انظر: (الثمر المستطاب 2/ 745 - 750)، و (ضعيف أبي داود 1/ 86 - 91)، و (الإرواء 1/ 162).
وفي مقابل هؤلاء:
صحَّحه ابنُ خُزَيمةَ؛ حيثُ أخرجه في (صحيحه).
وحَسَّنَهُ: ابنُ القَطَّان، في (بيان الوهم والإيهام 5/ 332)، والزَّيْلَعيُّ، كما في (نصب الراية 1/ 194)، وابنُ المُلَقِّنِ، كما في (البدر المنير 2/ 561).
وقال ابنُ سيِّدِ الناسِ: "ولعمري إن التحسين لأقل مرابته؛ لثقة رواته ووجود
الشواهد له من خارج" (النفح الشذي 3/ 201).
وقال الشَّوْكاني: "حديث صحيح
…
ورُويَ هذا الحديثُ من طرق، وله شواهدُ؛ فالحُجَّةُ قائمة بذلك"!! (السيل الجرار 1/ 69).
قلنا: الراجحُ ضعْفُه، فأمَّا الحديثُ فقد بيَّنَّا ما فيه، وأما الشواهدُ فهي واهيةٌ كما ستراه قريبًا بإذن الله.
رِوَايَة: ((إِلَّا لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَآلِ مُحَمَّدٍ))
• وَفِي رِوَايَةٍ: زَادَ فِي آخِرِهِ: ((إِلَّا لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَآلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا كما سبقَ، وهذه الزيادةُ منكَرةٌ جدًّا، استنكرها الذَّهَبيُّ، والألبانيُّ.
[التخريج]:
[حق 1783 (واللفظ له) / تخ (2/ 67) / لا 843/ هق 4380/ 4380 الإيضاح لعبد الغني بن سعيد (اللآلئ 1/ 323 - 324) دون لفظ: (وَآلِ مُحَمَّدٍ)].
[السند]:
رواه ابن راهُويَه، عن أبي هشام المَخْزُومي.
ورواه البخاريُّ -ومن طريقه البَيْهَقيُّ- عن موسى بن إسماعيلَ.
كلاهما -أبو هشام، وموسى- قالا: حدثنا عبد الواحد [بن زياد]، نا أَفْلَتُ بن خَليفةَ أبو حسَّان [الذُّهْلي]، قال: حدثتني جَسْرةُ بنتُ دَجاجةَ،
قالت: سمِعتُ أمَّ المؤمنين رضي الله عنها
…
وذكر الحديث.
والسياقُ والزياداتُ لأبي هشامٍ، وقال موسى في روايته: "سمِعتُ عائشةَ رضي الله عنها
…
" به.
ورواه الدُّولابيُّ عن محمد بن إسماعيلَ الصائِغِ، قال: حدثنا موسى بن إسماعيلَ، به.
ورواه عبد الغني بن سعيد في (إيضاح الإشكال)، قال: حدثنا إسماعيلُ بنُ يعقوبَ الجِرَاب، حدثنا زياد بن الخليل أبو سهْل البَزَّارُ، حدثنا كثير بن يحيى أبو مالك، حدثنا عبد الواحد بن زياد، به.
فمداره عندهم على عبد الواحد بن زياد، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه أربعُ عِللٍ سبقَ بيانُها، وأضف إليها نكارةَ هذه الزيادة.
قال البَيْهَقي: "زادَ فيه موسى بنُ إسماعيلَ عن عبدِ الواحدِ: ((إِلَّا لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَآلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم) ".
قلنا: موسى بنُ إسماعيلَ المِنْقَريُّ هو: أبو سَلَمة التَّبُوذَكي؛ من رجال الشيخين، "ثقة ثبْتٌ" كما في (التقريب 6943).
وقد تابعه: المُغِيرةُ بن سلَمةَ القرشيُّ أبو هشام المَخْزُوميُّ شيخُ ابنِ راهُويَه، وهو "ثقة ثبْتٌ" كما في (التقريب 6838). من رجال مسلم.
فهذه الزيادةُ محفوظةٌ عن جَسْرةَ، والحَمْل فيها عليها، وقد سبقَ بيانُ حالِها وما في حديثها من المخالفاتِ والمناكيرِ، وقد استنكرَ الذَّهَبيُّ هذه
الزيادةَ، فقال:"وقولُه: ((إِلَّا لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَآلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم) منكَرٌ منَ القولِ، وما علِمتُ أحدًا ذهب إليه"(اختصار السنن 3734).
وقال الألبانيُّ: "وهي -أي: الزيادة- مما تَزيدُ الحديثَ وَهْنًا على وَهْن"(ضعيف أبي داود 1/ 89).
قلنا: وهذه الزيادةُ من الطريقِ نفْسِه الذي صَحَّحَهُ ابنُ خُزَيمةَ، وحَسَّنَهُ ابنُ القَطَّانِ وغيرُهُ.
فهل يصحِّحون هذه الزيادةَ أيضًا، ويقولون بها؟ !
وقد ذكرَ الذَّهَبيُّ أن أحدًا لم يقُل بها! !
بل ذكرَ ابنُ القيِّمِ في (حاشيته على السنن) -كما سيأتي- حديثَ أمِّ سلَمةَ الآتي، وفيه هذه الزيادةُ وغيرُها، وحَكَمَ على هذه الزياداتِ جميعِها بالوضعِ والبطلانِ، وهي حَرِيةٌ بذلك، والله أعلم.
2596 -
حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ:
◼ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى صَرْحَةِ هَذَا المَسْجِدِ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ:((أَلَا إِنَّ هَذَا المَسْجِدَ لَا يَحِلُّ لِجُنُبٍ وَلَا حَائِضٍ (وَلَا لِعُرْيَانٍ)، إِلَّا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَزْوَاجِهِ، وَعَلِيٍّ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَرَضِيَ عَنْهَا، [وَالحَسَنِ، وَالحُسَيْنِ]. أَلَا هَلْ بَيَّنْتُ لَكُمُ الأَسْمَاءَ أَنْ تَضِلُّوا؟ )).
• وَفِي رِوَايَةٍ 2: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، حُرِّمَ هَذَا المَسْجِدُ عَلَى كُلِّ جُنُبٍ مِنَ الرِّجَالِ، أَوْ حَائِضٍ مِنَ النِّسَاءِ، إِلَّا النَّبِيَّ، وَأَزْوَاجَهُ، وَعَلِيًّا، وَفَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ، [وَالحَسَنَ، وَالحُسَيْنَ]. أَلَا بَيَّنْتُ الأَسْمَاءَ أَنْ تَضِلُّوا)).
• وَفِي رِوَايَة 3: ((خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى إِذَا كَانَ بِصَحْنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ -أَوْ قَالَ: بِصَرْحَةِ المَسْجِدِ-،
…
الحديثَ.
[الحكم]:
باطلٌ بهذا التمام؛ قال ابنُ القيِّمِ: "هذا الاستثناءُ باطلٌ موضوع". وقال الألبانيُّ: "موضوعٌ بهذا التمامِ".
[اللغة]:
قولها: ((صَرْحَةُ المَسْجِدِ)): أي ساحتُه؛ قال ابنُ دريد: "صرحةُ الدَّار يُرِيدُونَ ساحتها. والتنزيل يدلُّ على أَن الصرحَ الساحة؛ لقَوْله جلَّ ثَنَاؤُهُ: {صرح ممرد من قَوَارِير} "(جمهرة اللغة 1/ 514).
وقال الأزهري: "وَقَالَ الفرّاء: (الصَّحْنُ والصَّرْحَةُ): ساحة الدَّار وأَوْسَعُها"(تهذيب اللغة 4/ 145).
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [جه 621/ طب (23/ 373/ 883) / مش (خيرة 1026) (واللفظ له)، (مط 182) / فز 129 (والرواية له) / علحا 269/ أصبهان (1/ 344) (والزيادة له ولغيره) / بشن 1390/ هق 13531/ كر (14/ 166)، (42/ 140، 141) / كما (27/ 271 - 272)].
تخريج السياق الثاني: [شب (1/ 38) (واللفظ له) / هق 13532 (والزيادة له)].
تخريج السياق الثالث: [حقف 78].
[التحقيق]:
هذا الحديث مداره على جَسْرةَ أيضًا، ورُويَ عنها من ثلاثة طرقٍ كلُّها ساقطة، وإليك البيان:
الطريق الأول:
رواه ابنُ ماجَهْ: عن أبي بكر بن أبي شَيْبة ومحمد بن يحيى، قالا: حدثنا أبو نُعَيم، قال: حدثنا ابنُ أبي غَنِيَّةَ، عن أبي الخَطَّاب الهَجَري، عن مَحْدُوج الذُّهْلي، عن جَسْرةَ، قالت: أخبرتني أمُّ سلَمةَ، به".
وأخرجه ابنُ أبي شَيْبةَ في (مسنده)، وأبو زُرْعةَ، والطَّبَرانيُّ، والبَيْهَقيُّ، وابنُ عساكر (14/ 166)، والمِزِّيُّ، عن أبي نُعَيمٍ الفَضْلِ بنِ دُكَيْنٍ، به.
وهذا إسنادٌ ساقطٌ؛ فيه سِتُّ علل، سبقَ بيانُ ثلاثٍ منها عند الكلامِ على حديثِ عائشةَ، وهي:
الأُولى: ضعْفُ جَسْرةَ.
الثانيةُ: مخالفتُها للمحفوظِ عن عائشةَ وغيرِها في سدِّ الأبواب.
الثالثةُ: اضطرابُها فيه، فمرةً عن عائشةَ، وأخرى عن أمِّ سلَمةَ.
الرابعةُ: جهالةُ مَحْدُوج الذُّهْلي؛ قال الحافظ: "مجهولٌ، أخطأَ مَن زعم أن له صحبةً"(التقريب 6498).
الخامسةُ: جهالة أبي الخَطَّاب الهَجَري، واسمه: عُمَر -وقيل: عَمرو- بن عُمَير؛ قال الحافظ: "مجهولٌ"(التقريب 8081).
وبهاتين العلتين أعلَّه ابنُ حَزْم في (المحلَّى 2/ 186) -وأقرَّه ابنُ المُلَقِّنِ في (البدر المنير 2/ 561 - 562) - والبُوصيريُّ في (الزوائد 242).
السادسةُ: اضطرابُ الهَجَريِّ في سندِهِ؛ فقد رواه عنه ابنُ أبي غَنِيَّةَ كما سبقَ عن مَحْدُوج، عن جَسْرةَ، به، كما سبق.
وخالفه منصور بن أبي الأَسْود في (سنده) كما ستراه في:
الطريق الثاني عن جَسْرَة:
رواه الحَرْبيُّ -ومن طريقه ابنُ عساكرَ-، قال: ثنا جعفر، ثنا أحمد بن عَبْدةَ، ثنا الحسن بن صالح بن أبي الأَسْود، عن عمِّه منصور بن أبي الأَسْود، عن عَمرو بن عُمَير الهَجَري، عن عُروةَ بن فَيْرُوزَ، عن جَسْرةَ، عن أم سلَمةَ، به.
وهذا إسنادٌ مظلمٌ كسابقه، فيه من العلل ما ذكرناه في الأول.
وقد جعله منصورُ بنُ أبي الأَسْود من رواية الهَجَري عن عُروةَ بن فَيْرُوزَ بدلًا من مَحْدُوج.
وعُروة هذا لم نجدْ له ترجمةً، ولم يَعْرِفه الهَيْثَميُّ (مجمع الزوائد 15029)،
وقال الألبانيُّ: "لم أجدْ أحدًا ذكره! "(الضعيفة 10/ 722)، فلا تختلِفُ حالُه كثيرًا عن حال مَحْدُوج.
وأما منصور فـ"صدوقٌ، رُمِيَ بالتشيُّع"(التقريب 6896).
والحسن بن صالح ذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 8/ 169).
واعتبرَ الألبانيُّ هذا الاختلافَ على الهَجَري اضطرابًا منه، فقال:"ولعلَّ روايةَ الهَجَري عنه -أي: عن ابنِ فَيْرُوزَ- مما يدلُّ على عدم ضبطه واضطرابِه في إسناده -أي: الهَجَري-: فتارةً يَرويه عن مَحْدُوج، وتارةً عن ابن فَيْرُوزَ، والله أعلم" اهـ. (الضعيفة 10/ 722).
قلنا: ولكن يحتمل أن يكون هذا الاختلافُ مِن قِبَل الحسن بن صالح؛ فقد ذكر البخاريُّ في (التاريخ الكبير 6/ 183) أن يونسَ بنَ أَرْقمَ رواه عن منصور بن أبي الأَسْود، عن عُمرَ بن عُمَير، عن مَحْدُوج، عن جَسْرةَ، به.
ويونسُ هذا قال عنه البخاريُّ: "وكان يتشيَّعُ، معروفُ الحديثِ"(التاريخ الكبير 8/ 410)، وذكره ابنُ أبي حاتمٍ في (الجرح والتعديل 9/ 236)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا. وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 9/ 287). وليَّنه ابنُ خِرَاش. انظر:(التعجيل 1211).
* وأما زيادة "وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ" في الروايةِ الأُولى، فرواها أبو نُعَيم -ومن طريقه ابنُ عساكرَ- من طريق محمد بن يونس، ثنا عبد الله بن داود، ثنا الفَضْل بن دُكَيْن، نا ابن أبي غَنِيَّةَ، عن أبي الخَطَّاب الهَجَري، عن مَحْدُوج الذُّهْلي، عن جَسْرةَ، به.
ورواه البَيْهَقيُّ من طريق محمد بن يونسَ، ثنا الفَضْل بن دُكَيْن، به، بإسقاط "عبد الله بن داود".
ومحمد بن يونسَ هو الكُدَيْمي؛ اتَّهمه غيرُ واحدٍ منَ الأئمةِ بالوضعِ، وكذَّبه أبو داود. انظر (تهذيب التهذيب 9/ 539 - 544).
وقد رواه ابنُ أبي شَيْبةَ وغيرُهُ عن الفَضْلِ بنِ دُكَيْنٍ دون هذه الزيادةِ كما سبقَ؛ فالظاهرُ أنها من وضعِ الكُدَيْميِّ هذا، انظر:(الضعيفة 6285).
ولكن وردتْ هذه الزيادةُ من روايةِ غيرِه، كما ستراه في:
الطريق الثالث عن جسرة:
رواه ابنُ شَبَّةَ، قال: حدثنا موسى بن مَرْوان، قال: حدثنا عطاء بن مسلم، عن (ابن أبي غَنِيَّة)
(1)
، عن إسماعيلَ، عن جَسْرةَ -وكانت من خِيار (النساء)
(2)
-، قالت: كُنْتُ مَعَ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، فَقَالَتْ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِي حَتَّى دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ
…
)) الحديثَ.
ورواه ابنُ حَزْمٍ -معلَّقًا- من طريق عبد الوهاب، (عن)
(3)
عَطاءٍ
(1)
وقع في المطبوع (أبي عُتْبَة)، والظاهرُ أنه تحريفٌ، وقد جاء في (المحلَّى)(ابن أبي غَنِيَّة)، وهو الصواب؛ فابنُ أبي غَنِيَّةَ له روايةٌ لهذا الحديث كما سبق. ووقع عند الطَّبَراني في (المعجم الكبير 23/ 373/883)"ابن أبي عُتْبَةَ".
(2)
زيادة ليست في الأصل، زادها المحقق لأجل السياق، وهذا مسَلَّم إن لم تكن الكلمة السابقةُ عليها محرفةً من اسم مكان أو بلد، مثل (جِيَاف) اسم ماء بالكوفة، و (جِيَار) اسم موضع أيضًا. وعلى التسليم بما ذكره المحقق، فلا يخالف ذلك ما رجَّحْناه من ضعف جَسْرةَ؛ لأن السندَ إلى قائلها لا يصحُّ، على أن ذلك قد يُحمَل على كثرة عبادتها، حيث كانت تُكثر من العمرة، ومعلوم أن كثرة العبادة لا يلزم منه ضبطُ الراوي، والله أعلم.
(3)
وقع في نسخة من (المحلى): "بن"، وهو خطأ كما جزم به محقِّقه الشيخُ أحمد شاكر، ويدلُّ عليه كلامُ ابن حَزْم، ومصدرُ ابن شَبَّةَ المذكور، وكذلك مصدر البَيْهَقي الآتي.
الخَفَّاف، عن ابنِ أبي غَنِيَّةَ، عن إسماعيلَ، به.
ورواه الثَّعْلَبيُّ في (التفسير 1129) من طريق يحيى بن حمزةَ، قال: سمِعتُ عطاء بن أبي مسلم، يذكر عن إسماعيلَ، عن جَسْرةَ، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:
العلةُ الأُولى: عطاء بن مسلم الخَفَّاف؛ قال عنه أحمد: "مضطرِبُ الحديثِ". وقال ابنُ مَعِين: "ليس به بأسٌ، وأحاديثُه منكَرات"(تهذيب التهذيب 7/ 211). وقال الحافظُ: "صدوقٌ، يُخطئُ كثيرًا"(التقريب 4599).
قلنا: وقد أخطأَ عطاءٌ في سندِ هذا الحديثِ، وبيانِ ذلك في:
العلة الثانية: وهي المخالفة؛ فقد خولِف عطاءٌ في روايته عن ابنِ أبي غَنِيَّة:
فرواه الفَضْلُ بنُ دُكَيْنٍ، عن ابنِ أبي غَنِيَّة، عن أبي الخَطَّابِ الهَجَري، عن مَحْدُوج، عن جَسْرةَ، به كما سبق.
والفَضْلُ بنُ دُكَيْنٍ ثقة ثبْتٌ، وقد جعله من روايةِ ابنِ أبي غَنِيَّة، عن أبي الخَطَّابِ، عن مَحْدُوج، وهما مجهولان كما سبق.
فأخطأَ عطاءٌ في قوله: "عنِ ابنِ أبي غَنِيَّةَ، عن إسماعيلَ".
ووقع هنا وهَمٌ لابنِ القيِّمِ وابنِ المُلَقِّنِ؛ حيثُ نقلا عنِ ابنِ حَزْمٍ أنه رواه من طريق عبد الوهاب بن عطاءٍ الخَفَّاف، عن ابنِ أبي (غَنِيَّة)
(1)
، عن إسماعيلَ، عن جَسْرةَ، به.
(1)
وقع في المطبوع من «الحاشية» : (عتبة)، وهو تصحيف، يدلُّ عليه كلامُ ابنِ القيِّم بعد ذلك، حيث ذكر أن إسماعيلَ المذكور في الإسناد هو إسماعيلُ بن رجاء بن ربيعة الزُّبَيْدي؛ لأنه هو المذكور في شيوخ ابن أبي غَنِيَّة، فتأمَّل.
ثم قال ابنُ القيِّم: "قال ابنُ حَزْمٍ: ((عبد الوهاب بن عطاء منكَر الحديث، وإسماعيلُ مجهولٌ))، وليس الأمر كما قال أبو محمد
…
"، وأخذ ينقُل كلامَ العلماءِ في عبد الوهاب بن عطاء، بِناءً على نقله الذي جاء فيه: "عبد الوهاب بن عطاء" (حاشية ابن القيِّم 1/ 268)، وكذلك صنعَ ابنُ المُلَقِّن في (البدر 2/ 562).
وهذا كله وهَمٌ؛ بسبب التحريف الواقع في بعض نسخ (المحلَّى)، وقد سبقَ بيانُ ذلك قريبًا، ونصُّ كلامِ ابن حَزْم واضحٌ؛ إذ يقول:"وأما عطاء الخَفَّافُ فهو عطاء بن مسلم؛ منكَر الحديث، وإسماعيلُ مجهولٌ"(المحلى 2/ 186).
فهو يتكلم عن عطاء، وكلامه فيه صحيح، وابن القيِّم وابن المُلَقِّن تعقَّبا عليه بالكلام عن عبد الوهاب بن عطاء، وهو تعقُّبٌ غير وارد. انظر:(ضعيف سنن أبي داود 1/ 90).
وقد رواه بعضُ المجهولين عن عطاءٍ؛ فأسقطَ من سندِهِ ابنَ أبي غَنِيَّة:
قال البَيْهَقيُّ -بعد أن ذكرَ روايةَ مَحْدُوجٍ-: "قد رُويَ هذا من وجهٍ آخَرَ عن جَسْرةَ، وفيه ضعْفٌ، أخبرَناه
…
". فساقه بسنده (13402) من طريق يحيى بن حمزةَ التَّمَّار، قال: سمِعتُ عطاءَ بن مسلم، يذكر عن إسماعيلَ بنِ أُمَيَّةَ، عن جَسْرةَ، عن أمِّ سلمةَ رضي الله عنها، مرفوعًا: ((أَلَا إِنَّ مَسْجِدِي حَرَامٌ عَلَى كُلِّ حَائِضٍ مِنَ النِّسَاءِ
…
)). الحديثَ، وفيه زيادة:"وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ".
ويحيى بن حمزةَ التَّمَّارُ هذا لم نجدْ له ترجمةً، وقد وَهِمَ فيه على عطاء؛ حيث أسقطَ منه ابنَ أبي غَنِيَّة.
وقد خالفه موسى بنُ مَرْوانَ الرَّقِّيُّ؛ فرواه عن عطاء، عن ابنِ أبي غَنِيَّةَ، عن
إسماعيلَ - مهملًا- كما سبق.
وذهبَ ابنُ القيِّمِ وابنُ المُلَقِّنِ إلى أن إسماعيلَ المذكورَ في الإسناد هو (إسماعيل بن رجاء بن ربيعة
(1)
الزُّبَيْدي)؛ لأنه هو المذكور في شيوخ ابن أبي غَنِيَّة، ولكن هذا المجهول سمَّاه (إسماعيلَ بنَ أُمَيَّة).
وعلى أية حال؛ فَذِكرُ إسماعيلَ في سندِهِ وهَمٌ من عطاءٍ الخَفَّاف.
وفي الإسنادِ عللٌ أخرى سبقَ بيانُها والكلامُ عليها.
وقد ضعَّف هذا الحديثَ جماعةٌ من الأئمة، منهم:
* البخاريُّ؛ فقد سبقَ قولُه: "لا يصحُّ هذا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم"(التاريخ الكبير 6/ 184).
* أبو زُرْعةَ الرازيُّ؛ سبقَ ترجيحُه لحديث عائشةَ على هذا الحديث. (العلل 269).
* ابنُ حَزْمٍ في (المحلى 2/ 186).
* البَيْهَقيُّ؛ حيثُ نقلَ كلامَ البخاريِّ وأقرَّه. (السنن الكبرى 7/ 65).
* ابنُ القيِّم؛ قال -بعد أن ناقش ابنَ حَزْم فيما سبق ذِكرُه-: "وبعدُ، فهذا الاستثناءُ باطلٌ، موضوعٌ من زيادةِ بعضِ غُلاةِ الشيعةِ، ولم يخرِّجْه ابنُ ماجَهْ في الحديث" اهـ. (الحاشية 1/ 269).
قلنا: قد وَرَدَ الاستثناءُ من غيرِ ما طريقٍ عن جَسْرةَ كما سبقَ؛ فالحَمْلُ في الحديثِ كلِّه عليها، عدا ذِكرَ الحسن والحسين، فإنما ورد من طريقين: في
(1)
وقع في المطبوع لابن المُلَقِّن -إسماعيل بن رجاء بن سعد الكُوفي- (البدر المنير 2/ 563).
أحدهما كذَّابٌ، وفي الآخرِ مجهولٌ، والله أعلم.
* ابنُ كثيرٍ في (التفسير 2/ 312)، و (البداية والنهاية 11/ 58).
* ابنُ رجبٍ الحَنْبَليُّ في (الفتح 1/ 322).
* البُوصيريُّ؛ قال: "هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ مَحْدُوج لم يُوَثَّق، وأبو الخَطَّاب مجهول"(الزوائد 242)، ثم ذكرَ حديثَ عائشةَ، وقال:"فهو شاهدٌ لحديثِ أمِّ سلَمةَ"، وكذلك صنعَ في (الإتحاف 1026)، جعل حديثَ عائشةَ شاهدًا لحديث أم سلَمةَ، مع أن مدارهما على جَسْرةَ! فهما في الحقيقةِ حديثٌ واحدٌ!
* السُّيوطيُّ؛ رمزَ له بالضعفِ في (الجامع الصغير 2116).
* الألبانيُّ في (ضعيف أبي داودَ 1/ 89)، و (الضعيفة 4973، 5486، 6285).
وانظر في نكارة المتن كلامَ العَلَائي الآتي تحتَ حديث أبي سعيد الخُدْريِّ رضي الله عنه.
رِوَايَة: إِلَّا أَنَا وَعَلِيٌّ:
• وَفِي رِوَايَةٍ، بِلَفْظِ:((لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُجْنِبَ فِي هَذَا المَسْجِدِ إِلَّا أَنَا وَعَلِيٌّ)).
[الحكم]:
منكَرُ المتنِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[طب (23/ 372/ 881)].
[السند]:
قال الطَّبَرانيُّ: "حدثنا القاسم بن محمد الدَّلَّال بالكوفة، ثنا مُخَوَّل بن إبراهيم، ثنا عبد الجبار بن العباس، عن عَمَّار الدُّهْني، عن عَمْرةَ بنتِ أَفْعَى، عن أم سلَمةَ، به".
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ واهٍ؛ مسلسَلٌ بالعِلل:
العلة الأولى: القاسم بن محمد الدَّلَّال؛ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْني (سؤالات الحاكم 160)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 9/ 19)، وانظر:(تراجم شيوخ الطَّبَراني 756).
العلة الثانية: مُخَوَّل بن إبراهيمَ، قال فيه أبو حاتم:"صدوق"(الجرح والتعديل 8/ 399)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 9/ 203).
وقال الذَّهَبي: "رافضيٌّ بَغيضٌ"(الميزان 8398). وذكره العُقَيليُّ في (الضعفاء 1865)، وقال:"كان يغلو في الرفض"، ثم روَى بإسنادٍ صحيحٍ عن أبي نُعَيمٍ أنه قال: "كان إلى جَنْبي مُخَوَّل، فوقف علينا بعضُ المُسَوِّدة،
فرأى مُخَوَّلُ أناملَه وكان حائلَ اللون وعليه سوادٌ كَرِيهُ المنظر، فتنحَّيتُ عنه، فقال لي مُخَوَّل: لِمَ تنحَّيتَ عنه؟ هذا عندي أفضلُ وأخيرُ من أبي بكر وعمر"اهـ.! ! .
هكذا قال هذا البغيضُ، وأبو بكر وعُمرُ رضي الله عنهما أفضلُ مِن مِلء الأرض من مثله هو وصاحبه.
فإن قيل: لنا صِدْقُه وعليه بدعتُه.
قلنا: نعم، ولكن هذا المتنُ مع نكارتِهِ -كما سيأتي عن العَلَائي- مما يقوِّي بدعتَه، والمبتدِع إذا روَى ما يقوِّي بدعتَه فلا يُقبَل منه -كما نصَّ عليه ابنُ حَجَر في (النزهة 104) - حتى يتابَع عليه من طريقٍ معتبَر، وذلك غير موجود في هذا الحديث، كما ستراه، والله أعلم.
العلة الثالثة، والرابعة: عبد الجبار بن العباس، وعَمَّارٌ الدُّهْني؛ صدوقان لكنهما شيعيان. انظر:(التقريب 3741، 4833)، ونُسِب الأولُ منهما إلى الإفراطِ والغلوِّ في التشيُّعِ، حتى أسرفَ أبو نُعَيم في أمره فقال:"لم يكن بالكوفةِ أكذبُ منه" اهـ. انظر: (البدر المنير 7/ 465).
العلة الخامسة: عَمْرةُ بنتُ أَفْعَى؛ في عِداد المجهولين، ترجمَ لها ابنُ نُقْطةَ في (التكملة 88)، ولم يذكر عنها راويًا غيرَ عَمَّارٍ الدُّهْني، وذكر ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 5/ 288):"عَمْرَة بنت الشافع، تَروِي عن أم سلَمةَ، روَى عنها عَمَّارٌ الدُّهْني" اهـ. وهي صاحبتنا هذه، ويبدو أن كلمة "أفعى" تحرَّفتْ من النُّسَّاخ إلى "الشافع"، ويحتمل أن أفعى وصفٌ لأمها، والله أعلم.
وعليه؛ فذِكرُ ابنِ حِبَّانَ لها في (ثقاته) من تساهله المعروف رحمه الله.
وانظر في نكارة المتن كلامَ العَلَائي الآتي تحتَ حديث أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه.
2597 -
حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ:
◼ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ: ((يَا عَلِيُّ، لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ [مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ أَنْ] يُجْنِبَ فِي هَذَا المَسْجِدِ غَيْرِي وَغَيْرَكَ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ جدًّا، والمتنُ منكَرٌ. واستغربه البخاريُّ.
وضَعَّفَهُ: البَيْهَقيُّ، والنَّوَويُّ، والعَلَائيُّ، وابنُ كثيرٍ، وابنُ المُلَقِّنِ، والألبانيُّ.
وحَكَمَ عليه ابنُ الجَوْزي بالوضعِ.
[التخريج]:
[ت 4032 (واللفظ له) / عل 1042/ قضاة (3/ 149) / بحر (1/ 227) / هق 13533/ كر (42/ 140) / قيد 104/ فضائل الجامع للأسعردي (ص 40) / مناقب 21/ مَرْوان 9/ ابن مردويه (ضو 2/ 137/عقب حديث 692) / بز (تخريج أحاديث الكشاف 1/ 326)].
[التحقيق]:
هذا الحديثُ مداره على عَطِيةَ العَوْفيِّ، وجاء عنه من أربع طرق:
الطريق الأول:
رواه التِّرْمِذيُّ عن عليِّ بنِ المُنْذِر، ورواه أبو يَعْلَى عن أبي هشام الرِّفاعي،
ورواه محمد بن إبراهيم في (الفوائد)، قال: حدثنا أحمد، حدثنا واصل.
ثلاثتُهم عن محمد بن فُضَيل، عن سالم بن أبي حَفْصةَ، عن عَطِيَّة، عن أبي سعيد، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه أربع علل:
العلة الأولى والثانية: عطية، وهو ابنُ سعدٍ العَوْفي؛ كان ضعيفًا مدلِّسًا، قال الذَّهَبي:"ضعَّفوه"(الكاشف 3820). وقال الحافظ: "صدوقٌ، يُخطئُ كثيرًا، وكان شيعيًّا، مدلِّسًا"(التقريب 4616). وقال أيضًا: "ضعيفُ الحفظِ، مشهورٌ بالتدليسِ القبيحِ"(طبقات المدلسين 122).
قلنا: وقد عنعن؛ فهذه علة أخرى عدا ضعْفَه وسوءَ حفظه.
العلة الثالثة: سالم بن أبي حَفْصةَ؛ مختلَفٌ فيه:
فوثَّقه ابنُ مَعِين والعِجْليُّ. وقال أحمد: "كان شيعيًّا، ما أظنُّ به بأسًا في الحديث"، وكذلك قال ابنُ عَدِي. (تهذيب التهذيب 3/ 433).
وقال النَّسائيُّ والدُّولابيُّ: "ليس بثقة"(تهذيب الكمال 10/ 135)، وهذا جرْحٌ شديدٌ، لكن عبارة النَّسائي في (الضعفاء 231):"ليس بالقوي". وقال أبو حاتم: "هو من عُتَّقِ الشيعة، صدوق، يُكتَب حديثُه ولا يُحتجُّ به"(الجرح والتعديل 4/ 180). وقال ابنُ حِبَّانَ: "يقلب الأخبار، ويَهِم في الروايات"(المجروحين 431). وضَعَّفَهُ الفَلَّاسُ. وقال العُقَيليُّ: "تُرِك؛ لغُلُوِّه". وعلَّقَ عليه ابنُ حَجَر، فقال:"وبحَقٍّ تُرِك". وقال أبو أحمدَ الحاكمُ: "ليس بالقوي عندهم". (تهذيب التهذيب 3/ 434).
وقال البَزَّارُ: "كان شيعيًّا، ولا نعلمُ أحدًا ترك حديثَه، ولا يتابَع على هذا الحديث عن عَطِيةَ عن أبي سعيد"(تخريج أحاديث الكشاف 1/ 326).
وقال النَّوَوي: "ضعيف جدًّا، شيعيٌّ"(المجموع 2/ 162)، وكذا قال ابنُ المُلَقِّنِ في (البدر المنير 7/ 463). وقال ابنُ كثير:"متروك"(التفسير 2/ 312).
ولخَّص حالَه الذَّهَبيُّ، فقال:"شيعيٌّ، لا يُحتجُّ بحديثه"(الكاشف 1768).
ولخَّص حالَه الحافظُ، فقال:"صدوقٌ في الحديثِ، إلا أنه شيعيٌّ غالٍ"(التقريب 2171)، كذا قال الحافظ هنا! مع أنه نصَّ على ضعْفه في (التلخيص 3/ 285).
وعلى أية حال، فهو شيعيٌّ غالٍ؛ فلا يُقبَل منه هذا الحديثُ، وهذه هي:
العلة الرابعة: فهذا الحديثُ من روايةِ الشيعةِ بعضِهم عن بعضٍ، فعَطِية، وسالم، كلاهما من الشيعة كما سبق بيانُه، ومحمدُ بن فُضَيلٍ هو ابن غَزْوانَ، وهو أيضًا مثلُهما، قال الحافظ:"صدوق عارفٌ، رُمِي بالتشيُّع"(التقريب 6227).
فهو مما رواه مبتدعٌ وَفقًا لبدعته، والمبتدِعُ إذا روَى ما يقوِّي بدعتَه لا تُقبل روايتُه كما نصَّ عليه الحافظُ. انظر:(فتح المغيث 2/ 69).
ولأجْل هذه العللِ استغربه الإمامُ البخاريُّ؛ قال التِّرْمِذيُّ: "وقد سمِع مني محمدُ بن إسماعيلَ -أي: البخاري- هذا الحديثَ، واستغربه " اهـ. (جامع الترمذي 4032).
ومع ذلك حسَّنَه التِّرْمِذيُّ، فقال -عَقِب الحديث-:"هذا حديثٌ حسَنٌ غريبٌ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه"! .
كذا قال! ، وتعقَّبه غيرُ واحد من أهل العلم، منهم:
* الحافظ العَلَائي؛ فقال في كلامٍ طويلٍ بديعٍ: "وهذا الحديثُ ليس من الحِسَان -قطعًا-، ولكنه حديثٌ ضعيفٌ، إلا أنه لا ينتهي إلى درجةِ الموضوعِ
…
فلو كان موضوعًا لم يَسْمَعْه البخاريُّ، وإنما كتبه عن تلميذِهِ التِّرْمِذيِّ؛ لاستغرابه له، وسالم بنُ أبي حفصةَ وعَطيةُ العَوْفي كلٌّ منهما
شيعيٌّ ضعيفٌ
…
وتحسينُ التِّرْمِذيِّ لهذا الحديثِ عجَبٌ مع تفرُّد هذين به! ومما يدلُّ على ضعْفِهِ ونكارتِهِ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يُختصَّ عن الأُمَّة بشيءٍ من الرُّخَصِ فيما يقتضي تعظيمَ حرماتِ الله تعالى، والقيامَ بإجلاله أصلًا، بل خصائصُه المرخَّصة إنما فيما يتعلق بالأمورِ الدنيويةِ؛ كالزيادةِ على أربعٍ في النكاحِ، ونحو ذلك
…
وقد أنكرَ صلى الله عليه وسلم على بعضِ الصحابةِ في كَوْنِه يُنَزَّه عن أمرٍ يُرَخَّص فيه هو، وقالوا:((يُحِلُّ اللهُ لِنَبِيِّهِ مَا شَاءَ))، فقال صلى الله عليه وسلم:((وَاللهِ، إِنِّي لَأَخْشَاهُمْ للهِ، وَأَعْلَمُهُمْ))، فنفَى صلى الله عليه وسلم عن نفْسِه أن يرخَّص عنِ الأُمَّة بشيءٍ مما يُخِلُّ بالإجلالِ والتعظيمِ، واللهُ سبحانه أعلم" اهـ. (النقد الصحيح ص 55 - 57).
* ابن المُلَقِّنِ؛ قال: "وفي حُسْنه نظرٌ؛ ففيه سالمُ بن أبي حَفصةَ وعَطِيةُ العَوْفي؛ وهما ضعيفان جدًّا، شيعيَّانِ متهَمان" اهـ. (غاية السُّول ص 181).
واعتذرَ بعضُهم عن التِّرْمِذي بأنه حسَّنه بالشواهدِ:
فقال النَّوَوي: "لعلَّه اعتضد بما اقتضى حُسْنَه"(روضة الطالبين 7/ 8).
وقال ابنُ حَجَر: "يقوَّى بشواهدِهِ"، وذكر منها حديثَ خارِجةَ بنِ سعد عن أبيه عند البَزَّار، وحديثَ أمِّ سلَمةَ عند ابنِ ماجَهْ والطَّبَرانيِّ. انظر:(التلخيص 3/ 285).
والجواب: أن هذه الشواهدَ واهيةٌ، لا تصلُحُ للاعتبارِ؛ فأمَّا حديثُ أمِّ سلَمةَ فقد سبقَ بيانُ حاله -وكذا حديثُ عائشةَ-، ثم إنه مخالفٌ لهذا الحديثِ؛ فإن فيه استثناءَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأزواجِه وأهلِ بيتِه، وهذا ليس فيه إلا استثناءُ عليٍّ رضي الله عنه.
وأمَّا حديثُ خارجةَ بن سعد فسيأتي تخريجُه، وبيانُ وَهائِه قريبًا.
الطريق الثاني:
رواه ابنُ مردويه من طريق إسحاقَ بنِ الفيض، قال: أنبأنا سلَمة بن حفْص، قال: حدثنا أبو حفْص الكِنْدي، عن كَثير النَّوَّاء، عن عطيةَ، عن أبي سعيدٍ، به.
وهذا إسنادٌ تالفٌ؛ مسلسلٌ بالضعفاءِ:
سلَمة بن حفْص هو السعديُّ؛ رماه ابنُ حِبَّانَ بالوضع. (المجروحين 421).
وأبو حفصٍ الكِنْديُّ لعلَّه أغلَبُ بن تميم؛ وهو منكَر الحديث. (اللسان 1310).
وكَثير بن إسماعيلَ النَّوَّاءُ "ضعيف"، كما في (التقريب 5605)، وكان غاليًا في التشيُّع مُفْرِطًا فيه، كما قال ابنُ عَدِي. (الكامل 6/ 67).
وعطيةُ العَوْفيُّ سبقَ الكلامُ عليه.
وقد رُويَ عن كَثيرٍ النَّوَّاء من وجهٍ آخَرَ:
فرواه ابنُ عساكر من طريق أبي الحسين النحْوي، أنا محمد بن القاسم المَخْلَدي، نا عَبَّاد بن يعقوبَ، أنا أبو عبد الرحمن، عن كثير النوَّاء، به.
وهذا إسنادٌ ساقطٌ أيضًا؛ أبو الحسينِ النحويُّ اسمه محمد بن عبد الله بن القاسم؛ كان يقال له: "جِرَابُ الكذبِ"(اللسان 7002).
وكثيرٌ النوَّاءُ وعطيةُ سبق أنهما شيعيَّان ضعيفان، وثانيهما مدلِّسٌ وقد عنعن.
الطريق الثالث:
رواه الكَلَاباذي من طريق أَسِيد بن زيد الجَمَّال، عن محمد بن [عطيةَ
العَوْفي]
(1)
، عن عطيةَ، عن أبي سعيد، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: أَسِيد بن زيد الجَمَّال؛ كذَّبه ابنُ مَعِين. وقال النَّسائيُّ: "متروك". وقال ابنُ حِبَّانَ: "يروي عنِ الثقاتِ المناكيرَ، ويسرقُ الحديثَ". وقال ابنُ عَدِي: "يتبيَّن على رواياتِهِ الضعْفُ، وعامَّةُ ما يرويه لا يتابَع عليه". وقال الدَّارَقُطْني: "ضعيفُ الحديثِ". وقال ابنُ ماكُولا: "ضعَّفوه". انظر (تهذيب الكمال 3/ 240) وقال الحافظ: "ضعيفٌ، أفرطَ ابنُ مَعِين فكذَّبه"(التقريب 512).
ومحمد بن عطية العَوْفي، قال البخاري:"عندَه عجائبُ"(التاريخ الكبير 1/ 198).
وقال ابنُ حِبَّانَ: "يَروي عن أبيه، روَى عنه أَسِيدُ بن زيد الجَمَّالُ، منكَرُ الحديثِ جدًّا، مشتَبهُ الأمر، لا يوجد الاتضاحُ في إطلاق الجرْح عليه؛ لأنه لا يَروي إلا عن أبيه، وأبوه ليس بشيء في الحديث، ولا يَروي عنه إلا أَسِيدُ بن زيد، وأَسِيد يسرقُ الحديثَ؛ فلا يتهيَّأُ إطلاقُ القدح على مَن يكون بين ضعيفين إلا بعد السَّبْر والاعتبار بما يَروي عن غير الضعيفين، ولا سبيل إلى ذلك فيه؛ فهو ساقط الاحتجاجِ حتى تتبيَّنَ عدالتُه بروايته عن ثقة إذا كان دونه ثقةٌ واستقامت الرواية فلم يخالف الثقات"(المجروحين 959).
وعطيةُ سبقَ الكلامُ عليه قريبًا.
الطريق الرابع:
رواه محمد بن خلَف -المعروفُ بـ وَكِيعٍ القاضي- في (أخبار القضاة)، قال: أخبرني يحيى بن إسماعيلَ البَجَلي في كتابه، أن الحسنَ بنَ إسماعيلَ
(1)
في المطبوع: (محمد بن عبد الله العوني)، وهو تحريف، والصواب ما أثبتْناه.
البَجَليَّ حدَّثهم، قال: حدثنا مُطَّلِب بن زيد
(1)
، قال: حدثنا عُبَيد القاضي، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عطيةَ، عن أبي سعيد الخُدْري، به.
وقال أيضًا: أخبرني أحمد بن الحسين بن سعيد بن عثمانَ الخَزَّازُ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا المُطَّلِب بن زياد، عن عُبَيد القاضي -وهو عُبَيد بن عبد الله بن عيسى-، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ وهو ضعيفٌ، قال الحافظ:"صدوقٌ سيِّئُ الحفظِ جدًّا"(التقريب 6081).
وفيه عُبيدٌ القاضي؛ قال محمد بن خلَف القاضي عنه: "لا أعلمُ له روايةً غيرَ هذا"(أخبار القضاة 3/ 149).
وعطية سبق الكلامُ عليه.
والحديث قد ضَعَّفَهُ جماعةٌ من أهل العلم:
قال البَيْهَقيُّ: "وعطية هو ابنُ سعدٍ العَوْفي؛ غيرُ محتَجٍّ به".
وذكره ابنُ الجَوْزي في (الموضوعات 2/ 137/ عَقِبَ حديث 692)، وقال:"لا صحةَ له".
وقال النَّوَويُّ: "مداره على سالم بن أبي حفصةَ وعَطيةَ، وهما ضعيفان جدًّا، شيعيَّان، متهمَان في رواية هذا الحديث، وقد أجمعَ العلماءُ على
(1)
كذا في المطبوع، ولعل الصواب:"المُطَّلِب بن زِياد" كما نبَّه عليه الدَّارَقُطْني في موضعٍ آخَرَ، فقال:"قَوله: مُطَّلِب بن زَيد خطأٌ، هو مُطَّلِب بن زِياد"(تعليقات الدَّارَقُطْني على المجروحين لابن حِبَّانَ صـ 214).
تضعيفِ سالمٍ وغُلُوِّه في التشيُّع، ويكفي في ردِّه بعضُ ما ذكرنا، لا سيما وقد استغربه البخاريُّ إمامُ الفنِّ" (المجموع 2/ 162).
وقال ابنُ كثير: "حديثٌ ضعيفٌ لا يثبُتُ"(التفسير 2/ 312).
وكذا ضَعَّفَهُ الحافظُ العَلَائي؛ وتقدم نصُّ كلامه.
وابنُ المُلَقِّن في (البدر المنير 7/ 463).
والألبانيُّ في (ضعيف أبي داود 1/ 92).
2598 -
حَدِيثُ سَعْدٍ:
◼ عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ رضي الله عنه: ((لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُجْنِبُ فِي هَذَا المَسْجِدِ غَيْرِي وَغَيْرَكَ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ جدًّا، والمتنُ منكَرٌ. وضَعَّفَهُ الألبانيُّ.
[التخريج]:
[بز 1197].
[السند]:
قال البَزَّار: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: نا إسماعيل بن أبي أُوَيْس، قال: حدثني أبي، عن الحسن بن زيد، عن خارِجَةَ بن سعد، عن أبيه سعد، به.
قال البَزَّار: "وهذا الكلامُ لا نعلمه يُروَى عن سعدٍ إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد" اهـ.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ مسلسَلٌ بالعِلل:
العلة الأولى: إسماعيل بن أبي أُوَيْس؛ مختلَفٌ فيه، والراجحُ أنه ضعيفٌ، وقد سبقَ تحريرُ الكلامِ فيه.
العلة الثانية: أبو أُوَيْس والدُ إسماعيلَ، واسمه عبد الله بن عبد الله بن أُوَيْس؛ مختلَفٌ فيه أيضًا، والراجح أنه لَيِّن؛ قال عنه أحمدُ:"صالح"، ولكن الجمهور على تليينه، منهم: ابنُ المَدِيني، وابن مَعِين، والنَّسائي، وأبو حاتم، وأبو زُرْعة، والفَلَّاس، ويعقوبُ بن شَيْبةَ، وابن عَدِي، وغيرُهم.
وقال ابنُ عبد البر: "لا يَحْكي عنه أحدٌ جرحة في دينه وأمانته، وإنما عابوه بسوءِ حفظه، وأنه يخالفُ في بعضِ حديثِهِ". (تهذيب التهذيب 5/ 281 - 282). ومع ذلك قال الحافظ: "صدوقٌ يَهِم". (التقريب 3412).
العلة الثالثة: الحسن بن زيد -وهو حفيد الحسن بن عليٍّ رضي الله عنه، اختُلِف فيه أيضًا، فوثَّقه ابنُ سعدٍ، والعِجْليُّ، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات)، وضَعَّفَهُ ابنُ مَعِين. (تهذيب التهذيب 2/ 279). وقال الحافظ:"صدوق يَهِم، وكان فاضلًا"(التقريب 1242). وقال الألبانيُّ: "فيه ضعْفٌ من قِبَل حفظه"(الضعيفة 10/ 723).
وقد تحرَّف عليه الاسمُ في (ضعيف السنن) إلى "الحسن بن زياد"، فترجمه على أنه اللُّؤْلُؤي الكذاب. انظر:(ضعيف أبي داود 1/ 92)، و (الثمر 2/ 751).
العلة الرابعة: خارجة بن سعد؛ قال البَزَّار: "لا نعلمُ روَى عن خارِجَةَ بنِ سعد إلا الحسنُ بن زيد هذا" اهـ.
وعلى هذا؛ فهو مجهولُ العينِ والحالِ. وقال الهَيْثَميُّ: "لم أعرفه"(المجمع 14679).
وذهب الألبانيُّ -فيما ظَهر له- إلى أن خارجة هذا هو ابن عبد الله بن سعد بن أبي وَقَّاص، المترجَمُ له في (التاريخ الكبير 3/ 205)، وفي (الجرح والتعديل 3/ 375)، وفي (الثقات 7701)، وأن أباه هو عبد الله بن سعد المترجَمُ له في (التاريخ الكبير 5/ 107)، وفي (الجرح والتعديل 5/ 63)، وفي (الثقات 5/ 8)، ثم قال:"وعلى ذلك؛ فالحديث -على جهالة خارجَةَ وأبيه عبد الله-؛ فهو مرسَل" اهـ. (الضعيفة 10/ 723).
ولكن هذا الذي استظهره الشيخُ يردُّه ما جاء في السند صريحًا أن أباه هو
سعد نفسه، وهو ظاهر من صنيع البَزَّار، حيث أدخلَ الحديثَ في مسند سعد بن أبي وَقَّاص رضي الله عنه، واعتمده ابنُ حَجَر كما سيأتي.
وكذلك نصَّ البَزَّار على أن خارِجةَ بن سعد لم يَروِ عنه غيرُ الحسن بن زيد، وفي مقابل ذلك لم يذكر البخاري، وابنُ أبي حاتم، وابن حِبَّانَ في ترجمة خارجةَ بنِ عبد الله راويًا عنه سوى يونسَ بنِ حُمْرانَ.
وعلى كُلٍّ؛ فسواءٌ كان المذكورُ هو خارجةَ بن سعد بن أبي وَقَّاص أو خارجةَ بن عبد الله بن سعد، فهو مجهول، غير أن ما ذهب إليه الألبانيُّ يَزيدُ في الحديث علةً خامسة، وهي الإرسال.
وقصَّر الهَيْثَميُّ، فقال:"رواه البَزَّار، وخارجة لم أعرفه، وبقية رجالِه ثقاتٌ"! اهـ. (المجمع 14679).
أمَّا الحافظُ ابنُ حَجَرٍ فله مع هذا الحديث شأنٌ آخَرُ، فقال -في جوابه عن حديث أبي سعيد الخُدْري السابق حيث ذكره ابن الجَوْزي في (الموضوعات) -:"وورد لحديث أبي سعيد شاهدٌ نحوه من حديث سعد بن أبي وَقَّاص، أخرجه البَزَّار من رواية خارجةَ بن سعد عن أبيه، ورواته ثقاتٌ، والله أعلم"(أجوبة الحافظ على أحاديث المصابيح/ مع الهداية 5/ 431).
هكذا قال الحافظ: "ورواتُه ثقات"! ، والحافظ هو القائل عن إسماعيلَ بن أبي أُوَيْس:"لا يُحتجُّ بشيء من حديثه غير ما في الصحيح؛ مِن أجْلِ ما قدح فيه النَّسائي وغيرُه، إلا إنْ شاركه فيه غيرُه؛ فيُعتبَر به" اهـ (هدي الساري 1/ 391). وهو القائل في ترجمة كلٍّ من أبي أُوَيْس والحسنِ بن زيد: "صدوق يَهِم" اهـ. فجَلَّ مَن لا يَسهُو.
وأمَّا توثيقُ الحافظ لخارجةَ بن سعد فلم نجدْ ما اعتمدَ عليه في ذلك، وقد خلَتْ كتبُ التراجم من ترجمة له، حتى إن شيخه الهَيْثَميُّ قال:"لم أعرفه"، ولعلَّه اختلطَ على الحافظِ بأحد إخوته أولاد سعد بن أبي وَقَّاص؛ إذ كلُّهم ثقات، والله أعلم.
والحديثُ ضَعَّفَهُ الألبانيُّ، فقال:"ضعيفٌ ومنقطعٌ"(الضعيفة 10/ 722).
وانظر في نكارةِ المتنِ كلامَ العَلَائيِّ المذكورَ سابقًا تحت حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
2599 -
حَدِيثُ المُطَّلِبِ ابنِ حَنْطَبٍ مُرْسَلًا:
◼ عَنِ المُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَنْطَبٍ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ فِي المَسْجِدِ وَلَا يَجْلِسَ فِيهِ وَهُوَ جُنُبٌ، إِلَّا عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَدْخُلُهُ جُنُبًا، وَيَمُرُّ فِيهِ؛ لِأَنَّ بَيْتَهُ كَانَ فِي المَسْجِدِ)).
[الحكم]:
ضعيف.
[التخريج]:
[قاضي 138 (واللفظ له) / محلى (2/ 185، 186) (معلقًا)].
[السند]:
قال إسماعيلُ القاضي في (أحكام القرآن): حدثنا إبراهيم بن حمزةَ، عن سفيانَ بنِ حمزةَ، عن كثير بن زيد، عن المُطَّلِب، به.
وعلَّقه ابنُ حَزْم: من طريقٍ آخَرَ، عن سفيانَ بن حمزةَ، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
العلةُ الأُولى: الإرسال؛ فالمُطَّلِب بن عبد الله تابعيٌّ من الرابعة (طبقة تلي الوُسْطى من التابعين). وقال عنه الحافظ: "صدوق، كثير التدليس والإرسال"(التقريب 6710).
العلة الثانية: كثير بن زيد، وهو الأسلمي؛ مختلَفٌ فيه:
* أقوال المضعِّفين:
قال يحيى بن مَعِين -في رواية الصابوني، وأبي بكر بن أبي خَيْثَمةَ عنه-:
"ليس بذاك". قال ابنُ أبي خَيْثَمة: وكان قال أولًا: "ليس بشيء" اهـ.
وقال يعقوب بنُ شَيْبة: "ليس بذاك الساقطِ، وإلى الضعفِ ما هو". وقال أبو زُرْعة: "صدوقٌ فيه لِينٌ". وقال أبو حاتم: "صالح، ليس بالقوي، يُكتَب حديثُه". وقال النَّسائي: "ضعيف". وقال أبو جعفر الطَّبَري: "وكثير بن زيد عندَهم ممن لا يُحتجُّ بنقله"، انظر:(تهذيب التهذيب 8/ 414).
وقال ابنُ المَدِيني: "صالح وليس بالقوي"(سؤالات ابن أبي شَيْبةَ لابن المَدِيني 97).
وقال ابنُ حِبَّانَ: "كان كثيرَ الخطإِ على قلة روايته، لا يُعجبني الاحتجاجُ به إذا انفرد"(المجروحين 891).
* أقوال الموثِّقين:
وقال أحمد بن حَنْبَل: "ما أرى به بأسًا". وقال ابنُ مَعِين -في رواية الدَّوْرَقي عنه-: "ليس به بأس"، وفي رواية الغَلَّابي وابنِ صالح عنه قال:"صالح"، وفي رواية ابن أبي مريمَ عنه قال:"ثقة"(الكامل 6/ 67). ووثَّقه ابنُ عمار المَوْصِليُّ. وقال ابنُ عَدِي: "أرجو أنه لا بأس به". وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات)، مع أنه قد سبقَ أنه ذكره في (المجروحين)! انظر:(تهذيب التهذيب 8/ 414).
ولخَّص حالَه الحافظُ، فقال:"صدوقٌ يُخطئُ"(التقريب 5611)، ولذا قال عن حديثه هذا:"مرسَلٌ قوي"! اهـ. (النكت 1/ 470).
قلنا: وأَوْلى الأقوال فيه قولُ أبي زُرْعةَ: "صدوقٌ فيه لِينٌ"؛ ولذا اقتصرَ عليه الذَّهَبيُّ في (الكاشف 4631). وعليه؛ فهذا المرسَلُ ليس قويًّا، بل هو -مع إرساله- ليِّنُ الإسناد.
[تنبيه]:
ذكر ابنُ حَزْم هذا الحديثَ من طريق محمد بن الحسن بن زَبَالةَ، عن سفيانَ بنِ حمزةَ، عن كثير بن زيد، به، ثم قال:"ومحمد بن الحسن مذكورٌ بالكذب، وكثير بن زيد مِثْلُه؛ فسقَطَ كلُّ ما في هذا الخبر جملةً". اهـ. وأشار إلى بطلانه (المحلى 2/ 186).
قلنا: أما محمد بن الحسن، فقد تابعه إبراهيم بن حمزةَ الزُّبَيريُّ كما سبق، وإبراهيم هذا "صدوق" كما في (التقريب 168)، وكذلك شيخه سفيانُ.
وأما كثير بن زيد فلم يُذكَر بكذب قط، وقد سبقتْ أقوالُ الأئمة فيه ما بين مُوَثِّق ومضعِّف، ومتوسِّط، وملَيِّن؛ أما الكذب فلا. والظاهر أن ابنَ حَزْمٍ خلَط بين كثير بن زيد الأَسْلَمي، وكثيرِ بن عبد الله بن عَمرو بن عَوْف بن زيدٍ المُزَنيِّ، فهذا الأخير هو الذي رُمي بالكذب، وهذا الذي وقع فيه ابنُ حَزْم قد بيَّنه الخطيبُ البغدادي. انظر:(تهذيب التهذيب 8/ 415).
2600 -
حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ:
◼ عَنْ أَبِي رَافِعٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ:((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ أَمَرَ مُوسَى وَهَارُونَ أَنْ يَتَبَوَّءَا لِقَوْمِهِمَا بُيُوتًا، وَأَمَرَهُمَا أَنْ لَا يَبِيتَ فِي مَسْجِدِهِمَا جُنُبٌ، وَلَا يَقْرَبُوا فِيهِ النِّسَاءَ، إِلَّا هَارُونَ وَذُرِّيَّتَهُ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْرُكَ النِّسَاءَ فِي مَسْجِدِي هَذَا، وَلَا يَبِيتَ فِيهِ جُنُبٌ إِلَّا عَلِيٌّ وَذُرِّيَّتُهُ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا، والمتنُ منكرٌ جدًّا.
[التخريج]:
[كر (42/ 141 - 142)].
[السند]:
قال ابنُ عساكر: أخبرنا أبو القاسم عليُّ بن إبراهيم، أنا الأمير معتز الدولة أبو المكارم حَيْدَرةُ بن الحسين بن مُفْلح، أنا أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن محمد بن إسحاقَ بن إبراهيم الأَطْرابُلُسي بدمشقَ، أنا (خال [أبي]: أبو الحسن)
(1)
خَيْثَمة بن سُلَيمان بن حَيْدَرةَ القُرَشيُّ، نا محمد بن
(1)
أبو الحسن كنية خَيْثَمةَ بنِ سُلَيمان، وهو خال عبد الله والد الحسين، فالحسين يروي عن خال أبيه، وكثيرًا ما يقول:"حدثني خال أبي"، وقد سقطت هنا كلمة (أبي) من الأصل، فصارت العبارة هكذا:"أنا خال أبو الحسن خَيْثَمة"، فاستشكلها المحقِّق، وأثبتها في المطبوع هكذا:(أنا خال أبي الحسين خَيْثَمة)، وأشار في الحاشية إلى تصرُّفه هذا، ثم قال:"والصواب ما أثبتُّ"(! )؛ راجع ترجمة الحسين بن عبد الله خال خَيْثَمةَ بن سُلَيمانَ في (سير أعلام النبلاء 17/ 339). انتهى كلامه، وهو منه عجيب؛ فالذَّهَبي يقول في (السِّيَر) في ترجمة الحسين هذا:"حدَّث عن: خال أبيه خَيْثَمةَ بن سُلَيمان"، وكذلك قال ابن عساكرَ في (التاريخ 14/ 89)، فمن أين فهِمَ أن الحسين خالُ خَيْثَمة؟ ! ! وكيف يوفق بين فهمه هذا وبين ما أثبته في المتن؟ !
الحسين (الحُنَيْني)، نا مُخَوَّل بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن محمد بن عُبَيد الله بن أبي رافع، عن أبيه وعمِّه، عن أبيهما، (عن) أبي رافع، به.
قال ابنُ عساكر: "كذا في الأصل! والصواب: عن أبيهما أبي رافع".
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا ساقطٌ؛ فيه ثلاثُ عللٍ:
العلةُ الأُولى: محمد بن عُبَيد الله بن أبي رافع؛ ضعيفٌ جدًّا؛ قال عنه البخاريُّ: "منكَر الحديث". وقال ابنُ مَعِين: "ليس بشيء"، وسَوَّاه في روايةٍ بالعَرْزَمي، والعَرْزَميُّ متروك. وقال أبو حاتم:"ضعيف الحديث، منكَر الحديث جدًّا، ذاهبٌ". وقال ابنُ عَدِي: "هو في عِداد شيعة الكوفة، ويَروي من الفضائل أشياءَ لا يتابَع عليها". وقال الدَّارَقُطْني: "متروك، له معضلات". (تهذيب التهذيب 9/ 321). وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 7/ 400)، ثم أعاده في (المجروحين 925)، وقال:"منكَرُ الحديثِ جدًّا، يَروي عن أبيه ما ليس يُشبِه حديثَ أبيه، فلما (غلبَت) المناكيرُ على روايته استحق الترك" اهـ.
وتساهلَ الحافظ في (التقريب 6106)، فقال:"ضعيف"! اهـ.
العلة الثانية: مُخَوَّل بن إبراهيمَ؛ تقدَّم قريبًا أنه رافضيٌّ بغيضٌ، كان يغلو في الرفض.
العلة الثالثة: عبد الرحمن بن الأسود، هو اليَشْكُري، حدَّثَ عن محمد بن عُبَيد الله بن أبي رافع، روَى عنه مُخَوَّلُ بن إبراهيمَ الكُوفيُّ. ذكره الخطيب في (المتفق والمفترق 3/ 1488)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.
* * *