الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع في الفرق بينه وبين النسخ والاستثناء
(1)
ش: لما اشتركت هذه الأشياء الثلاثة في الإخراج احتاج المؤلف إلى الفرق بينها، ذكر المؤلف في هذا الفصل ثلاث مسائل:
الأولى: في الفرق بين التخصيص، والنسخ.
المسألة الثانية: في الفرق بين التخصيص، والاستثناء.
المسألة الثالثة: في الفرق بين التخصيص، والاستثناء، والنسخ.
أما الفرق بين التخصيص والنسخ (2)، وهو المسألة الأولى، فقد فرق المؤلف (3) بينهما بثلاثة أوجه:
أحدها: [أن التخصيص لا يكون إلا فيما يتناوله اللفظ، بخلاف النسخ فإنه يكون في الأمرين، أي يكون فيما يتناوله اللفظ، ويكون فيما يتناوله الفعل، أو الإقرار، أو القرائن (4).
(1) انظر هذا الفصل في: شرح التنقيح للقرافي ص 230 - 232، شرح التنقيح للمسطاسي ص 122، 123، التوضيح شرح التنقيح لأحمد حلولو ص 196، 197.
(2)
انظر: الفرق بين التخصيص والنسخ في: شرح التنقيح للقرافي ص 220، شرح التنقيح للمسطاسي ص 122، المحصول ج 1 ق 3 ص 9 - 11.
(3)
"المؤلف" ساقطة من ز.
(4)
في ز: "والإقرار والقرائن".
الوجه الثاني: أن التخصيص لا يكون إلا قبل العمل، بخلاف النسخ فإنه يجوز قبل العمل وبعده (1)].
ش: وإنما كان التخصيص لا يكون إلا قبل العمل، ولا يكون بعد العمل بالعام؛ لأن التخصيص بيان المراد (2)، بخلاف النسخ، فإنه إبطال المراد، فإذا حصل العمل علم أنه مراد، فالواقع بعد ذلك: إبطال ونسخ لذلك المراد، ويكون النسخ أيضًا قبل (3) العمل إذا علم أن مدلول اللفظ مراد.
مثال (4) النسخ قبل العمل، كأمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه (5)، كما في قوله تعالى:{يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} (6).
ومثال النسخ بعد العمل: كنسخ استقبال بيت المقدس باستقبال الكعبة، كما في قوله تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (7).
الوجه الثالث أنه: (يجوز (8) نسخ شريعة بأخرى (9) ولا يجوز تخصيصها بها).
(1) في أوش: "أن التخصيص لا يكون إلا فيما يتناوله اللفظ، بخلاف النسخ، ولا يكون إلا قبل العمل، بخلاف النسخ، فإنه يجوز قبل العمل وبعده".
(2)
في ز: "بيان المراد من غير المراد".
(3)
المثبت من ط، وفي الأصل وز:"فضل".
(4)
المثبت من ز وط، وفي الأصل:"مثل".
(5)
في ز: "كأمر الله تعالى بذبح ابنه إبراهيم عليه السلام، كما في
…
" إلخ، وهو يخل بالمعنى.
(6)
آية رقم 102 من سورة الصافات.
(7)
آية رقم 144 من سورة البقرة.
(8)
في أوخ وش: "ويجوز".
(9)
في ط: "بعد أخرى".
ش: يعني: أنه يجوز نسخ شريعة بشريعة أخرى (1) في بعض الفروع خاصة، ولا يجوز في العقائد الدينية، ولا في الكليات الخمس، وهي: حفظ النفوس، والأديان، والأنساب، والعقول، والأموال، مع جوازه في الجميع عقلاً، غير أنه لم يقع.
فإذا قيل: شريعتنا ناسخة لجميع الشرائع، فمعناه: في بعض الفروع خاصة كنكاح الأختين، فإنه جائز قبلنا، ثم نسخ ذلك في شريعتنا، كما قاله ابن العربي في أحكام القرآن (2) في قوله تعالى (3):{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} (4).
قوله: (ولا يجوز تخصيصها) أي: لا يجوز تخصيص شريعة بشريعة أخرى مطلقًا، أي: لا تخصص (5) المتقدمة بالمتأخرة، ولا تخصص (6) المتأخرة بالمتقدمة، وإنما لا تخصص المتقدمة بالمتأخرة؛ لأن التخصيص بيان، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وإنما لا تخصص المتأخرة بالمتقدمة؛ فإن عادة الله تبارك وتعالى ألا يخاطب قومًا إلا بما يتعلق بهم خاصة، فلو كان في الشريعة المتقدمة ما يكون بيانًا وتخصيصًا للمتأخرة لكانوا مخاطبين بما لا (7) يتعلق بهم، وهذا كله عادة ربانية لا وجوب عقلي.
(1)"أخرى" ساقطة من ز.
(2)
انظر: أحكام القرآن لابن العربي 1/ 380.
(3)
"تعالى" لم ترد في ط.
(4)
آية رقم 23 من سورة النساء.
(5)
في ط: "تخصيص".
(6)
في ط: "ولا تخصيص".
(7)
"لا" ساقطة من ط.
قوله: (والاستثناء مع المستثنى منه كاللفظة (1) الواحدة الدالة على شيء واحد (2)، ولا يثبت بالقرينة الحالية، ولا يجوز تأخيره، بخلاف التخصيص).
ش: هذه هي المسألة الثانية: في الفرق (3) بين التخصيص والاستثناء (4)، فرق المؤلف (5) بينهما بثلاثة أوجه أيضًا:
أحدها: أن الاستثناء لا يستقل بنفسه عن المستثنى منه؛ لأن الاستثناء والمستثنى منه كاللفظة الواحدة الدالة على معنى واحد وهو الباقي بعد الاستثناء؛ ولأجل هذا قال القاضي أَبو بكر: الخمسة لها عبارتان:
إحداهما (6): خمسة.
والأخرى: عشرة إلا خمسة (7).
قال المؤلف في الشرح: تعليل (8) الاستثناء بعدم الاستقلال بنفسه، يلزم مثله في التخصيص بالشرط، والصفة، والغاية، لكن لم يذكروه إلا في
(1) في أ: "كاللفظ الواحد".
(2)
المثبت من أوخ وش وط وز، وفي الأصل:"واحدة".
(3)
في ط: "بالفرق".
(4)
انظر: الفرق بين التخصيص والاستثناء في: شرح التنقيح للقرافي ص 230، 231، شرح التنقيح للمسطاسي ص 123، المحصول ج 1 ق 3 ص 11، 12، فواتح الرحموت 1/ 300.
(5)
"المؤلف" ساقطة من ط.
(6)
في ز: "أحدهما".
(7)
انظر قول القاضي أبي بكر في: شرح التنقيح للقرافي ص 231.
(8)
في ط: "وتعليل".
الاستثناء (1).
الوجه الثاني: أن الاستثناء لا يثبت بالقرائن الحالية، أي: لا يثبت إلا باللفظ، ولا يثبت بالقرينة، فإذا قال رجل لفلان: له عندي عشرة، ودلت القرينة على أنه أراد إلا (2) خمسة: لزم أن يكون لفظ العشرة قد استعمل في الخمسة مجازًا، وتلك القرينة هي: دليل المجاز وذلك ممنوع؛ لأن المجاز لا يجوز دخوله في ألفاظ العدد، بخلاف التخصيص فإنه يجوز بالقرينة؛ لأن التخصيص مجاز، والمجاز يجوز دخوله في العمومات إجماعًا (3)؛ لاحتمالها (4)، بخلاف ألفاظ العدد؛ لأنها لا تحتمل؛ لأنها نصوصات.
الوجه الثالث: أن الاستثناء لا يجوز تأخيره عن المستثنى منه، فلا (5) يجوز أن تقول: له عندي عشرة، ثم تقول: بعد يوم إلا اثنين، وإنما لا يجوز ذلك؛ لأن الاستثناء لا يستقل بنفسه، ولا يجوز (6) أن يفرد بالنطق، وكذلك المخصص المتصل: كالشرط، والاستثناء (7)، والصفة، والغاية؛ لأن كل
(1) انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 231.
(2)
في ز: "أراد الخمسة".
(3)
قول المؤلف رحمه الله: "المجاز يجوز دخوله في العمومات إجماعًا" هذا الكلام فيه نظر؛ لأنه لا دليل على هذا الإجماع، كيف وأن هناك من العلماء من أنكر المجاز، والله أعلم.
(4)
المثبت من ط وز: "لاحتمالهما".
(5)
في ز: "ولا".
(6)
المثبت من ز، وفي الأصل وط:"لا يجوز".
(7)
"الاستثناء" ساقطة من ز، وط.
واحد منها لا يستقل بنفسه في الدلالة؛ إذ لا بد من ضمه (1) إلى ما قبله، وأما المخصص المنفصل فلا يمكن جعله مع عامه (2) لفظًا واحدًا لاستقلال كل واحد منهما بنفسه.
قوله: (بخلاف التخصيص) راجع إلى (3) الأوجه الثلاثة، كأنه يقول: والاستثناء مع المستثنى منه كالكلمة الواحدة بخلاف التخصيص، يعني: المخصص المنفصل، ولا يثبت الاستثناء بالقرينة الحالية بخلاف التخصيص، فإنه يثبت (4) بالقرائن (5) الحالية، والاستثناء لا يجوز تأخيره بخلاف التخصيص (6) بالمنفصل.
قوله: (و (7) قال الإِمام: والتخصيص (8) كالجنس للثلاثة (9) لاشتراكهما (10) في الإِخراج، فالتخصيص والاستثناء إِخراج الأشخاص، والنسخ إِخراج الأزمان).
ش: هذه هي المسألة الثالثة، وهي: الفرق بين التخصيص والاستثناء
(1) في ط: "حمله على".
(2)
في ط: "عدمه".
(3)
"إلى" ساقطة من ز.
(4)
في ط وز: "قد يثبت".
(5)
في ز: "بالقرينة".
(6)
"التخصيص" ساقطة من ط.
(7)
"الواو" ساقطة من "خ" و"ز".
(8)
"وقال الإمام: والتخصيص" ساقط من أ.
(9)
في ز: "الثلاثة".
(10)
في أ: "لاشتراكهما".
وبين النسخ.
إنما نسب (1) المؤلف هذه المسألة إلى الإمام، مع أن المسائل المتقدمة كلها للإمام؛ لضعف كلام الإمام في هذه المسألة عند المؤلف.
قوله: (والتخصيص كالجنس للثلاثة)، أراد بالثلاثة: التخصيص، والاستثناء، والنسخ.
اعترض المؤلف هذه العبارة على الإمام فقال: جعل الإمام التخصيص جنسًا لنفسه، والشيء لا يكون جنسًا لنفسه؛ لأن ذلك محال، فقول الإمام: التخصيص جنس (2) للثلاثة يقتضي: أن يكون التخصيص جنسًا لنفسه وهو محال.
الصواب: أن تقول: الإخراج جنس للثلاثة (3): التخصيص، والنسخ، والاستثناء (4).
قوله: (لاشتراكها في الإِخراج) أي (5): لأن الثلاثة مشتركة في مطلق الإخراج.
قوله: (فالتخصيص والاستثناء إِخراج الأشخاص، والنسخ: إِخراج
(1) المثبت من ز وط، وفي الأصل:"بسبب".
(2)
في ز: "كالجنس".
(3)
في ط: "لثلاثة".
(4)
يقول القرافي في شرح التنقيح (ص 231): وأما التخصيص بالمخصص المنفصل فلا يمكن جعله مع العام المخصوص لفظًا واحدًا لاستقلال كل واحد منهما بنفسه.
والصواب: أن نقول: الإخراج جنس للثلاثة: التخصيص، والنسخ، والاستثناء، فإن الشيء لا يكون جنسًا لنفسه، فإذا قلنا: التخصيص جنس للثلاثة لزم أن يكون التخصيص جنسًا لنفسه، وهو محال.
(5)
في ز: "أن لأن".
الأزمان).
مثال التخصيص في الأشخاص: قوله عليه السلام: "نهيت عن قتل النساء والصبيان" تخصيصًا لقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (1).
ومثال الاستثناء في الأشخاص: اقتلوا المشركين إلا أهل الذمة.
ومثال النسخ في الأزمان: وقوف الواحد للعشرة في الزمان الأول (2)، ثم نسخ في الزمان الثاني بوقوف الواحد للاثنين (3).
قوله: (فالتخصيص والاستثناء إِخراج الأشخاص، والنسخ إِخراج الأزمان).
هذا في الغالب، وقد يكون التخصيص والاستثناء في الأزمان، وقد يكون النسخ في غير الأزمان.
مثال التخصيص في الأزمان: قولك: ما رأيت فلانًا طول الدهر، ومرادك بالدهر عمرك.
ومثال الاستثناء في الأزمان: ما رأيت (4) فلانًا في جميع الأيام إلا يوم
(1) آية رقم 5 من سورة التوبة.
(2)
كما في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} آية 65 سورة الأنفال.
(3)
الناسخ قوله تعالى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} آية 66 سورة الأنفال.
(4)
في ط: "قولك: ما رأيت".
الجمعة.
ومثال النسخ في غير الأزمان: أمر الله تعالى لإبراهيم عليه السلام بذبح ابنه؛ لأن ذلك فعل واحد لا يتعدد زمانه، فلا يقبل الإخراج؛ لأن الإخراج من الشيء فرع تعدده بين المخرج والمخرج عنه؛ لأنه لم يخرج منه بعض الأزمنة، وبقي بعضها، بل بطل المأمور به بالكلية، بخلاف وقوف الواحد للعشرة ثبت في بعض الأزمنة، وخرج المستقبل بعدها بالنسخ.
***