المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث في لازمه - رفع النقاب عن تنقيح الشهاب - جـ ٣

[الحسين الشوشاوي]

الفصل: ‌الفصل الثالث في لازمه

‌الفصل الثالث في لازمه

(1)

هذا الفصل (2) تعرض فيه المؤلف - رحمه الله تعالى - (3) لأثر النهي، وأثر الشيء هو: لازمه، فذكر في هذا الفصل مطلبين:

أحدهما: هل يقتضي النهي الفساد في المنهي عنه أم لا؟

والمطلب الثاني: هل يقتضي النهي الأمر بضد المنهي عنه أم لا؟

قوله: (و (4) هو عندنا يقتضي الفساد خلافًا لأكثر الشافعية، والقاضي (5) أبي بكر منا، وفرق أَبو الحسين البصري (6) والإمام بين العبادات: فيقتضي، وبين المعاملات: فلا يقتضي).

ش: هذا هو المطلب الأول وهو قولنا: هل يقتضي النهي فساد المنهي أم لا؟

(1) في ز: "لوازمه".

(2)

انظر هذا الفصل في: شرح التنقيح للقرافي ص 174 - 177، شرح التنقيح للمسطاسي ص 77، التوضيح شرح التنقيح لأحمد حلولو ص 147.

(3)

"تعالى" لم ترد في ط.

(4)

في ش "هو عندنا".

(5)

في أ: "وللقاضي".

(6)

"البصري" ساقطة من أوخ.

ص: 35

ذكر المؤلف فيه ها هنا ثلاثة (1) أقوال:

أحدها: أنه يقتضي الفساد مطلقًا (2)، أي (3): لا فرق بين العبادات والمعاملات، وإلى هذا [القول (4) أشار (5) بقوله: وهو عندنا يقتضي الفساد.

و (6) القول الثاني: أنه لا يقتضي الفساد مطلقًا، أي: لا فرق بين العبادات والمعاملات، وإلى هذا القول] (7) أشار بقوله (8): خلافًا لأكثر الشافعية (9)، والقاضي أبي بكر منا (10).

(1) في ط: "ذكر فيه المؤلف ثلاثة".

(2)

هذا القول قال به المالكية وبعض الشافعية والحنابلة وبعض الحنفية.

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 173، شرح التنقيح للمسطاسي ص 77، إحكام الفصول في أحكام الأصول 1/ 129، البرهان 1/ 283، المستصفى 2/ 25، شرح العضد 2/ 95، 96، الإحكام للآمدي 2/ 188، نهاية السول 2/ 295، 296، شرح الجلال على جمع الجوامع 1/ 393، الإبهاج في شرح المنهاج 2/ 67، 68، العدة لأبي يعلى 1/ 433، التمهيد لأبي الخطاب 1/ 369، المسودة ص 82، أصول السرخسي 1/ 82، تيسير التحرير 1/ 376، فواتح الرحموت 1/ 396.

(3)

"أي" ساقطة من ز.

(4)

"القول" ساقطة من ط.

(5)

في ط: "أشار المؤلف".

(6)

"الواو" ساقطة من ط.

(7)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(8)

في ز وط: "أشار المؤلف بقوله".

(9)

واختاره بعض الحنفية حيث قال البزدوي: "وعند أصحابنا لا يدل على ذلك، وإليه ذهب المحققون من أصحاب الشافعي كالغزالي وأبي بكر القفال".

انظر: كشف الأسرار 1/ 258.

(10)

انظر قول أبي بكر في: شرح التنقيح للقرافي ص 173، شرح التنقيح للمسطاسي ص 77. =

ص: 36

القول الثالث: أنه يقتضي الفساد في العبادات ولا يقتضي الفساد في المعاملات (1)، وإلى هذا القول (2) أشار المؤلف بقوله:"وفرق أَبو الحسين البصري (3) والإمام (4) بين العبادات: فيقتضي، وبين المعاملات: فلا يقتضي".

قوله: (وهو عندنا يقتضي الفساد) يعني: وعندنا (5) نحن المالكية.

وهل يقتضي الفساد من جهة اللغة (6) أو من جهة الشرع؟ قولان.

و (7) قوله: (خلافًا لأكثر الشافعية) يعني: كالقفال (8)، والغزالي (9)، وغيرهما القائلين: بأنه لا يقتضي الفساد.

وهل يقتضي مع ذلك الصحة، أو لا يقتضي الصحة؟ قولان.

أما حجة [القائلين](10) بأن النهي يقتضي الفساد مطلقًا.

= ونسبه الباجي أيضًا لأبي عبد الله الأزدي وأبي جعفر السمناني.

انظر: إحكام الفصول في أحكام الأصول للباجي ص 129.

(1)

في ط: "في العبادات لا في المعاملات".

(2)

"القول" ساقطة من ط.

(3)

انظر: مذهب أبي الحسين في: المعتمد 1/ 179 - 186، الإبهاج 2/ 68، نهاية السول 2/ 295.

(4)

انظر مذهب الإمام فخر الدين في: المحصول ج 1 ق 2 ص 486، الإبهاج 2/ 68، نهاية السول 2/ 296.

(5)

"وعندنا" ساقطة من ز وط.

(6)

في ز: "اللفظ".

(7)

"الواو" ساقطة من ط.

(8)

انظر: الإحكام للآمدي 2/ 188.

(9)

انظر: المستصفى 2/ 25.

(10)

المثبت بين المعقوفتين من "ز" ولم يرد في الأصل.

ص: 37

فأما في العبادات: فلأنه أمر بالإتيان بالمأمور به ولم يأت به؛ بل أتى بالمنهي عنه، ومن لم يأت بما أمر به فهو باق في عهدة التكليف.

وهذا معنى قولنا: النهي يدل على الفساد في العبادات (1).

وأما في المعاملات: فلأن النهي إنما ورد لدفع (2) المفسدة [الكائنة في المنهي عنه، فلو قلنا بثبوت الملك والإذن في التصرف: لكان ذلك تقريرًا (3) لتلك المفسدة](4)، والمفسدة لا يجوز تقريرها (5).

وأما حجة القائلين بعدم اقتضائه الفساد مطلقًا:

فأما في العبادات: فلأنه لا تنافي بين قول الشارع: [صلِّ وتوضأ، وصلِّ

(1) ذكر هذا الدليل بمعناه القرافي في شرح التنقيح ص 174.

وذكر المسطاسي وجهًا آخر وهو: أن المندوب لا يجزي عن الواجب، فلو صلى من التطوع ألف ركعة ما ناب له عن صلاة الصبح، وإذا لم يُجزِ المندوب عن الواجب فالمحرم أولى ألا يجزي عنه.

انظر: شرح التنقيح للمسطاسي ص 77.

(2)

في ط: "لدرء".

(3)

في ط: "تقديرًا".

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز.

(5)

ذكر هذا الدليل القرافي في شرح التنقيح ص 174، والمسطاسي في شرح التنقيح ص 77.

وذكر الباجي دليلاً آخر وهو: اتفاق الأمة على الاستدلال بالنهي الوارد في القرآن على فساد المنهي عنه، ومن ذلك استدلالهم على فساد عقد الربا بقوله تعالى:{وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة 278] ، واستدلالهم على فساد بيع الغرر بالنهي عنه.

انظر: إحكام الفصول 1/ 130، 131.

ص: 38

بثوب طاهر، وحج بمال حلال، وبين قوله] (1): نهيتك عن الصلاة في الدار المغصوبة، وعن (2) الوضوء بالماء المغصوب، والصلاة بالثوب المغصوب، والحج بالمال (3) المغصوب، وأداء الزكاة [بالمكيال المغصوب](4)، وإذا (5) أتيت بهذه العبادات جعلتها (6) سببًا لبراءة ذمتك.

قال (7) المؤلف في الشرح: يعني: أن الشارع إذا قال: لا تفعل كذا فإذا فعلته كان سببًا لبراءة ذمتك، فإن كلامه صحيح غير متناقض؛ لأن معتمد البراءة حصول المصلحة لا عدم المفسدة.

مثال (8) ذلك: إذا أعطى الإنسان لصاحب الدين دينه وضربه، أو شتمه فإن ذمته تبرأ من الدين، ولا يقدح في ذلك ما قارنه من مفسدة الضرب (9) والشتم (10).

وهذا معنى قولنا: لا يدل النهي على الفساد في العبادات.

(1) ما بين المعقوفتين ساقط من ز وط.

(2)

في ط: "من".

(3)

في ط: "بمال".

(4)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

(5)

في ز: "هذه".

(6)

في ط: "جعلت".

(7)

في ط وز: "قاله".

(8)

في ط وز: "ومثال"

(9)

في ط: "أو الشتم".

(10)

نقل المؤلف بالمعنى من شرح التنقيح للقرافي ص 174.

ص: 39

وأما في المعاملات: فلأن (1) السبب الشرعي ليس من شرط (2) إفادته للحكم: أن يكون مشروعًا، ولا مساويًا لمسببه في الحكم؛ [أعني: أن السبب الشرعي ليس من شرطه: أن يكون مشروعًا في نفسه ولا أن يكون مساويًا لسببه في الحكم] (3).

فقولنا: لا يشترط في إفادة السبب للحكم (4) أن يكون مشروعًا، فإن أسباب العقوبات غير مشروعة بل هي محرمة، ومع ذلك هي موجبة لأحكامها، فإن الزنا - مثلاً - محرم وهو مع ذلك موجب للجلد أو الرجم، والقتل محرم وهو مع ذلك موجب للقصاص، والقذف محرم وهو مع ذلك موجب للجلد، والسرقة محرمة، وهي مع ذلك موجبة للقطع والغُرْم، وكذلك الحرابة محرمة (5) وهي مع ذلك موجبة (6) للقتل، أو الصلب، أو القطع أو غير ذلك.

كالطلاق (7) في زمان الحيض حرام، وهو موجب لزوال العصمة.

وكذلك النكاح قد يكون واجبًا، أو مندوبًا (8) أو مكروهًا، أو مباحًا، على حسب عوارضه، ويكون مع ذلك موجبًا لوجوب النفقة والكسوة.

(1) في ز: "فإن".

(2)

في ز: "شروط".

(3)

ما بين المعقوفتين ساقط من "ز".

(4)

في ز: "إفادته للحكم".

(5)

في ز وط: "هي محرمة".

(6)

في ز: "موجب".

(7)

في ز وط: "وكذلك الطلاق".

(8)

"أو مندوبًا" ساقطة من ز.

ص: 40

وكذلك الإعتاق قد (1) يكون واجبًا، وقد يكون مندوبًا، وهو مع ذلك موجب (2) للولاء (3).

فقد ظهر بما قررناه (4): أن السبب ليس من شرط إفادته الحكم (5): أن يكون مشروعًا، بل يكون السبب حرامًا - مثلاً - ويترتب عليه الواجب.

وقلنا (6): لا يُشترط قي السبب أن يكون مساويًا لمسببه في الحكم؛ وذلك أن السبب قد يكون حكمه مخالفًا لحكم مسببه؛ فإن السبب قد يكون حرامًا ويكون (7) مسببه (8) واجبًا - كما تقدم -.

وقد يكون السبب واجبًا، أو مباحًا، أو مندوبًا، ويترتب عليه الواجب كما تقدم أيضًا في النكاح (9) والعتق.

قال المؤلف في الشرح: فقواعد الشريعة تشهد أنه ليس من شرط السبب: أن يكون مشروعًا ولا مساويًا لمسببه في الحكم، وبهذا يظهر بُطلان التشنيع على المالكية حيث جعلوا ترك السنة في الصلاة سببًا لوجوب السجود.

فقيل لهم: كيف يكون ترك المندوب سبب الوجوب؟ وكيف يكون الفرع

(1) في ط: "وقد".

(2)

في ط: "ومع ذلك هو موجب".

(3)

في ز: "لولاء".

(4)

في ط: "قدرناه".

(5)

في ز وط: "للحكم".

(6)

في ز وط: "وقولنا".

(7)

في ز: "وقد يكون".

(8)

"مسببه" ساقطة من ز.

(9)

في ط: "الواجب أيضًا كما تقدم في النكاح أيضًا".

ص: 41

أقوى من أصله؟ (1).

و (2) جوابه: ما (3) تقدم. انتهى نصه (4).

وأما (5) حجة القائلين بأن النهي يقتضي الفساد في العبادات دون العادات: فلأن (6) الإنسان أمر بالإتيان بالعبادة (7) المأمور بها فأتى بالمنهي عنه ولم يأت بالمأمور به، [ومن لم يأت بالمأمور به](8) فهو باقٍ في عهدة التكليف، وهذا معنى قولنا: يقتضي الفساد في العبادات (9).

وأما المعاملات: فإنها أسباب، والسبب ليس من شرطه أن يكون مأمورًا به (10) - كما تقدم -.

(1) في ز: "الأصل".

(2)

"الواو" ساقطة من ز.

(3)

في ز: "كما".

(4)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 175.

(5)

"أما" ساقطة من ز.

(6)

في ز: "فإن".

(7)

في ز: "بالعبادات".

(8)

المثبت بين المعقوفتين من ز، ولم يرد في الأصل وط.

(9)

انظر هذا الدليل وما ورد عليه من اعتراضات وجوابها في: المحصول ج 1 ق 2 ص 486 - 492.

(10)

يقول الرازي في المحصول (ج 1 ق 2 ص 492 - 493): "وأما المعاملات: فالمراد من قولنا: هذا البيع فاسد: أنه لا يفيد الملك فنقول: لو دل النهي على عدم الملك إما بلفظه أو بمعناه.

ولا يدل عليه بلفظه؛ لأن لفظ النهي لا يدل إلا على الزجر، ولا يدل عليه بمعناه - أيضًا -؛ لأنه لا استبعاد أن يقول الشارع: نهيتك عن هذا البيع، ولكن إن أتيت به حصل الملك، كالطلاق في زمان الحيض، والبيع وقت النداء، وإذا ثبت أن النهي عنه لا يدل على الفساد لا بلفظه ولا بمعناه وجب ألا يدل عليه أصلاً".

ص: 42

قوله: (لنا: أن النهي إِنما يكون لدرء المفاسد (1) الكائنة في المنهي عنه، والمتضمن (2) للمفسدة (3) فاسد).

ش: هذا دليل عقلي يدل على اقتضاء النهي الفساد مطلقًا لا في العبادات ولا في العادات (4).

وبيانه أن تقول (5) بالقياس الجلي: المنهي عنه متضمن للمفسدة، وكل ما تضمن مفسدة فهو فاسد، ينتج (6) لك: المنهي عنه فاسد، حذف المؤلف المقدمة الصغرى لظهورها.

قوله: (ومعنى الفساد (7) في العبادات: وقوعها على نوع من الخلل يوجب (8) بقاء الذمة مشغولة بها، وفي المعاملات: عدم ترتب آثارها عليها إِلا أن يتصل بها ما يقرر آثارها من التصرفات، على تفصيل يأتي (9) على أصولنا في البيع وغيره).

ش: لما ذكر المؤلف أن النهي يقتضي الفساد في العبادات والمعاملات أراد

(1) في ش: "المفسدة".

(2)

في أ: "والمتضمنة".

(3)

في خ: "للمفاسد".

(4)

في ط: "العادة".

(5)

في ز: "نقول".

(6)

في ز: "فينتج".

(7)

في ط: "المفاسد".

(8)

في ز: "بوجوب".

(9)

"من التصرفات على تفصيل يأتي" ساقط من أوخ وش.

ص: 43

ها هنا أن يبين معنى ذلك الفساد (1)؛ إذ المراد بالفساد في العبادات مخالف للمراد بالفساد في المعاملات؛ لأن الفساد في العبادات معناه: وقوع الإخلال ببعض أركانها، أو ببعض (2) شروطها، فإن ذلك يوجب شَغل الذمة بتلك العبادات.

قوله: (وفي المعاملات: عدم ترتب آثارها عليها) أي: ومعنى الفساد في المعاملات، أي في عقود المعاملات: كعقد البيع، وعقد الإجارة، وعقد القراض، وعقد النكاح، وغير ذلك من عقود المعاملات.

والمراد بالترتب (3) هو: التمكن، والمراد بآثارها (4) هو: الفوائد المطلوبة من العقود.

والضمير في قوله: (آثارها)(5)، وفي قوله:(عليها) يعود على المعاملات، وتقدير الكلام: ومعنى الفساد في عقود المعاملات هو: خلل يوجب عدم تمكن الفوائد على المعاملات، أي: على عقود المعاملات الفاسدات (6).

وتلك الفوائد المطلوبة من عقود المعاملات تختلف باختلاف العقود.

ففائدة عقد البيع مثلاً: التمكن من الأكل، والبيع، والهبة، والصدقة،

(1) في ز: "الفاسد".

(2)

في ز: "أَبو بعض".

(3)

في ز: "بالترتيب".

(4)

في ز وط: "بالآثار".

(5)

في ط: "في قوله يعود على آثارها".

(6)

"الفاسدات" ساقطة من ز.

ص: 44

والوقف، وغير ذلك.

وفائدة الإجارة: التمكن من المنافع.

وفائدة القراض: التمكن من استحقاق الربح وعدم الضمان.

وفائدة النكاح: التمكن من أنواع الاستمتاع، وغير ذلك.

قوله: (إِلا أن يتصل بها ما يقرر آثارها من التصرفات (1) على تفصيل يأتي على أصولنا في البيع، وغيره) يعني أن النهي يدل على فساد المنهي عنه، فيجب فسخه إلا أن (2) يتصل بتلك العقود المنهي عنها: التصرفات (3) التي تقرر آثارها؛ أي التصرفات (4) التي تثبت (5) فوائدها؛ أي فوائد العقود.

والمراد بتلك (6) التصرفات التي تثبت العقود الفاسدة (7) أربعة أشياء وهي:

حوالة الأسواق، وتلف العين، ونقصانها، وتعلق حق الغير بها (8).

فإن العقد الفاسد إذا اتصل به (9) أحد هذه العوارض الأربعة

(1) في ز: "التصريف".

(2)

"أن" ساقطة من ط.

(3)

في ز: "من التصريفات".

(4)

في ز: "التصريفات".

(5)

في ز: "ثبتت".

(6)

"بتلك" ساقطة من ط.

(7)

في ط: "المفاسدة".

(8)

ذكر هذه الأربعة القرافي في شرح التنقيح ص 175.

(9)

في ط: "بها".

ص: 45

يمضي (1) بالقيمة، ولكن إمضاؤه إذا اتصل به ذلك يحتاج إلى تفصيل بينه المؤلف في كتاب البيوع وغيره، من كتاب (2) الذخيرة.

قوله: (على أصولنا) أي: هذا على مذهبنا وقواعدنا نحن المالكية، خلافًا لغيرنا؛ وذلك أن فقهاء الأمصار اختلفوا في النهي، هل يدل على فساد المنهي عنه أو لا؟ (3):

ذهبت الشافعية: إلى أنه يدل على الفساد مطلقًا فلا يجوز الانتفاع به، فيجب فسخه ولو بِيع ألف بَيْع، فطردوا أصلهم (4).

(1) في ط: "يمضا".

(2)

"من كتاب" ساقطة من ط.

(3)

كرر المؤلف هذا الخلاف في هذه المسألة حيث إنه سبق أن ذكره في الباب الأول، الفصل الرابع عشر في أوصاف العبادات عندما تكلم عن الصحة والفساد.

انظر: (2/ 55 - 56) من هذا الكتاب.

(4)

مذهب الشافعية فيه تفصيل: حيث إن النهي في المعاملات ينقسم إلى أربعة أقسام هي:

القسم الأول: أن يكون النهى راجعًا إلى نفس العقد، كالنهي عن بيع الحصاة، وهذا يدل على الفساد.

القسم الثاني: أن يرجع إلى أمر داخل فيه، كبيع الملاقيح وهي ما في بطون الأمهات من الأجنة، وهذا فاسد أيضًا؛ لأن النهي راجع إلى نفس المبيع الذي هو ركن من أركان العقد.

القسم الثالث: أن يرجع إلى أمر خارج عنه لازم له فيفسد أيضًا.

مثاله: النهي عن الربا، فإن النهي فيه راجع إلى أمر خارج عن العقد، وهذا فاسد أيضًا.

الرابع: أن يرجع إلى أمر مقارن للعقد غير لازم له.

مثاله: النهي عن البيع وقت نداء يوم الجمعة، فإنه راجع إلى أمر خارج عن العقد =

ص: 46

وذهبت الحنفية: إلى أنه يدل على الصحة مطلقًا فلا يفسخ.

وقالوا: إذا اشترى أمة شراء فاسدًا جاز له وطؤها، وكذلك جميع العقود الفاسدة، فطردوا أيضًا (1) أصلهم (2).

وذهبت المالكية إلى التفصيل في ذلك فقالوا: يدل على الفساد، إلا إذا اتصل به أحد الأربعة المذكورة فيمضي بالقيمة؛ لأن البيع الفاسد عندهم يفيد شبهة الملك فيما يقبل الملك، فلم يطرد المالكية مذهبهم (3)، بل قالوا بالتفصيل مراعاة للخلاف؛ لأن مراعاة الخلاف أصل من أصول المالكية.

قوله: (وقال أَبو حنيفة ومحمد بن الحسن (4): لا يدل على الفساد

= وهو: تفويت صلاة الجمعة لخصوص البيع، والتفويت أمر مقارن غير لازم، وهذا القسم لا يدل على الفساد.

وهذا التفصيل ذكره الإسنوي في نهاية السول 2/ 304، 305، وابن السبكي في الإبهاج 2/ 68، 69، والإمام فخر الدين في المعالم ص 152، 153.

وانظر: نقد شيخ الإسلام ابن تيمية لهذا التقسيم في الفتاوى 29/ 281، 420 من مجموع الفتاوى.

(1)

"أيضًا" ساقطة من ز.

(2)

انظر مذهب الحنفية في: ميزان الأصول للسمرقندي ص 230، 231، المغني للخبازي ص 72 - 74، كشف الأسرار 1/ 258، 263.

(3)

انظر مذهب المالكية في: شرح التنقيح للقرافي ص 174، 175.

(4)

هو أَبو عبد الله محمد بن الحسن الشيباني الحنفي، قدم أبوه من الشام إلى العراق فولد له محمد سنة 132 هـ، ونشأ بالكوفة وطلب الحديث، وحضر مجلس أبي حنيفة سنتين، ثم تفقه على أبي يوسف، ثم قدم بغداد فاختلف إليه الناس وسمعوا منه الحديث والرأي، وولاه الرشيد القضاء، وكان إمامًا فقيهًا محدثًا مجتهدًا ذكيًا، انتهت إليه رئاسة مذهبه في زمانه بعد موت أبي يوسف، خرج مع الرشيد في سفره =

ص: 47

مطلقًا (1)، ويدل على الصحة، لاستحالة النهي عن المستحيل).

ش: ذكر المؤلف ها هنا: أن النهي لا يدل على الفساد وهو تكرار لقوله أولاً: "خلافًا لأكثر الشافعية (2) والقاضي أبي بكر منا".

يحتمل أن يكون كرره ليركب عليه (3) دليله، وهو قوله:"لاستحالة النهي عن المستحيل (4) ".

وبيان هذا الاستدلال: أن أبا حنيفة رحمه الله (5) - يقول (6): الدليل على صحة العقد الفاسد (7) بعد وقوعه: أن الشيء لا ينهى عنه إلا إذا صح وقوعه، فلا ينهى الأعمى عن النظر، ولا ينهى الزَّمِن (8) عن القيام، فلا تقل للأعمى: لا تنظر؛ إذ لا يصح منه النظر المنهي عنه، ولا تقل للزمن: لا تقم؛ إذ لا يصح منه القيام المنهي عنه، فلو كانت الصحة معدومة من المنهي عنه لامتنع

= إلى خراسان فمات بالري ودفن بها سنة تسع وثمانين ومائة (189 هـ).

انظر: تاريخ بغداد 2/ 172 - 182، البداية والنهاية 1/ 202، النجوم الزاهرة 2/ 130، وفيات الأعيان 4/ 184 - 185، مرآة الجنان 1/ 422 - 424، طبقات الفقهاء ص 114.

(1)

انظر: المصادر السابقة لمذهب الحنفية، وانظر أيضًا: الإحكام للآمدي 2/ 192.

(2)

في ط: "خلافًا للشافعية".

(3)

في ط: "يحتمل أن يكرره ليركب عليك دليله".

(4)

في ط: "المستحل".

(5)

في ز: "رضي الله عنه.

(6)

في ز: "قال".

(7)

في ط: "العقود الفاسدة".

(8)

في اللسان: الزَّمن ذو الزَّمانة، والزمانة آفة في الحيوانات، ورجل زَمِنٌ أي مبتلى بَيَّن الزمانة، والزمانة: العاهة.

انظر: اللسان مادة (زمن)(13/ 199).

ص: 48

ورود النهي عنه، وقد ورد النهي فدل ذلك على أن النهي يدل على صحة المنهي عنه بعد وقوعه.

قوله: (لاستحالة النهي عن المستحيل).

أي: لامتناع ورود النهي عن الشيء الممتنع، فيتعين (1): أن يكون النهي دالاً على الثبوت والصحة، والمراد بالصحة هو: الإذن في التصرف والتمكن منه؛ إذ لو كانت الصحة معدومة لامتنع النهي عنها؛ لأن العدم غير مقدور للمكلف، والنهي عما ليس بمقدور لا يصح.

والجواب عن هذا الاستدلال: أن محل النزاع مع الحنفية هو (2): الصحة الشرعية، وهي: جواز الإقدام على الفعل شرعًا، والإذن الشرعي في التصرف، وأما الصحة العادية فليست بمحل النزاع فإن (3) حديث الأعمى، والزَّمِن الذي استدلت به الحنفية إنما يوجب ذلك اشتراط (4) الصحة العادية، و (5) لَيست محل النزاع، فإنها مجمع عليها؛ لأنه وقع الإجماع على أنه ليس في الشريعة منهي عنه، ولا مأمور به، ولا مشروع على الإطلاق إلا وفيه الصحة العادية (6).

قال المؤلف في القواعد السنية - في الفرق السبعين بين قاعدة اقتضاء النهي

(1) في ط: "فيمتنع".

(2)

في ز وط: "هي".

(3)

في ط: "قال".

(4)

في ط: "اشتراطه".

(5)

"الواو" ساقطة من ط.

(6)

انظر هذا الجواب وتحرير محل النزاع مع الحنفية في: شرح التنقيح للقرافي ص 176.

ص: 49

الفساد (1) في نفس الماهية، وبين قاعدة اقتضاء النهي الفساد (2) في أمر خارج عن الماهية -: بالغ أبو حنيفة في إثبات هذا الفرق، حتى أثبت عقود الربا وإفادتها (3) الملك في أصل المال الربوي، ورد الزائد على الأصل؛ وذلك أنه إذا باع (4) درهمًا بدرهمين، فإن العقد قد أوجب درهمًا واحدًا من الدرهمين، ويرد الدرهم الزائد، وكذلك جميع الربويات.

وبالغ أيضًا أحمد بن حنبل في إلغاء هذا الفرق، حتى أبطل الصلاة في الدار المغصوبة، والصلاة بالثوب المغصوب، والوضوء بالماء المغصوب، والحج بالمال المغصوب، والذبح بالسكين المغصوب (5)، وما في معنى ذلك، فسوى بين جميع موارد النهي (6).

وأما مالك (7) على المشهور من مذهبه والشافعي: فقد توسطا بين المذهبين فأوجبا الفساد في بعض الفروع دون البعض؛ وذلك أنهما قالا بالفساد في العقود الربويات، وقالا بالصحة في الصلاة (8) في الدار المغصوبة، وما ذكر معها من (9) الصلاة بالثوب الحرام، أو الوضوء بالماء الحرام، أو الحج بالمال

(1) في ز: "الفاسد".

(2)

في ز: "الفاسد".

(3)

في ز: "وأفادها"، وفي ط:"وأفاد بها".

(4)

في ز: "أفاد".

(5)

"المغصوب" ساقطة من ط.

(6)

انظر مذهب الإمام أحمد في: العدة لأبي يعلى 2/ 441 - 446، المسودة ص 83، التمهيد لأبي الخطاب 1/ 369 - 375.

(7)

في ط: "وأما مأمور" وهو تصحيف.

(8)

في ز: "بصحة الصلاة".

(9)

في ز: "في".

ص: 50

الحرام، أو الذبح بالسكين الحرام، أو الصلاة (1) بالخف المغصوب إذا مسح عليه، وما في معنى ذلك.

وهذه الفروع كلها صحيحة عند المالكية (2)، والشافعية (3)، والحنفية (4)، خلافًا للحنابلة (5)، وابن حبيب (6) من المالكية.

وحجة الجمهور القائلين بالصحة في هذه الفروع: أن متعلق الأمر قد وجد فيها بكماله، فالصلاة من حيث هي صلاة حاصلة، غير أن المصلي قد جنى على حق صاحب الدار مثلاً، فالنهي إنما هو في المجاور للماهية لا في نفس الماهية.

وبهذه القاعدة: يظهر لك الفرق بين غاصب الخف إذا مسح عليه فتصح صلاته، وبين المحرم إذا مسح على الخف فلا تصح صلاته؛ لأن حقيقة المأمور

(1) في ز وط: "والصلاة".

(2)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 174، 175.

(3)

في ط: "الشاعية" وهو تصحيف.

وانظر مذهب الشافعية في: البرهان 1/ 284، الإبهاج 2/ 68.

(4)

انظر: ميزان الأصول ص 230، 231، كشف الأسرار 1/ 258، 263.

(5)

انظر: العدة 2/ 441 - 446، التمهيد 1/ 369 - 375.

(6)

هو عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون، ولد سنة سبعين ومائة تقريبًا، تفقه بالأندلس، ثم رحل ولقي أصحاب مالك، سمع ابن الماجشون وابن المبارك، وكان حافظًا للفقه مفتيًا نحويًا شاعرًا حافظًا للأخبار والأنساب والأشعار، توفي رحمه الله سنة 238 هـ، من مصنفاته:"غريب الحديث"، "طبقات الفقهاء والتابعين"، "مكارم الأخلاق"، "الورع".

انظر: تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي 1/ 312، جذوة المقتبس ص 263، 264، طبقات النحويين ص 260، ميزان الاعتدال 2/ 148، الديباج ص 154 - 156، تذكرة الحفاظ 2/ 537.

ص: 51

به حاصلة بكمالها في حق غاصب الخف، بخلاف المحرم فلم تحصل حقيقة المأمور به بكمالها في حقه، فإنه مأمور بطهارته (1) بالغسل ولم يأت به.

وحجة الحنابلة القائلين بالفساد في الجميع: الاحتياط للمفسدة، فإن النهي يعتمد المفاسد، فمهما ورد النهي بطل العقد من كل جهة؛ فإن المعدوم شرعًا كالمعدوم حسًا؛ إذ المغصوب (2) معدوم (3) شرعًا، وإن كان موجودًا حسًا.

انظر: الفرق السبعين من القواعد السنية (4).

فإن قلت: ما الفرق بين الصلاة في الدار المغصوبة (5) والصوم في أيام الأعياد (6)، [فإن الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة بخلاف الصوم في أيام الأعياد](7)؟

قلنا: الفرق بينهما: ورود النهي في الصوم في أيام الأعياد، ولم يرد النهي عن الصلاة في الدار المغصوبة.

انظر الفرق الثالث والمائة من (8) القواعد (9).

(1) في ز وط: "في طهارته".

(2)

في ز: "المقصود".

(3)

"معدوم" ساقطة من ز.

(4)

نقل المؤلف بالمعنى.

انظر: الفروق للقرافي 2/ 82 - 86.

(5)

في ز وط: "المغصوبة لأنها صحيحة على المشهور كما تقدم وبين الصوم

" إلخ.

(6)

في ز وط: "الأعياد لأنه لا يصح باتفاق".

(7)

ما بين المعقوفتين ساقط من ز وط.

(8)

في ز: "في".

(9)

نقل المؤلف بالمعنى.

انظر: الفروق للقرافي 2/ 182، 183.

ص: 52

قوله: (ويقتضي (1) الأمر بضد من أضداد المنهي عنه (2)).

ش: يعني أن المحرم لا يمكن تركه إلا بالتلبس بضد من أضداده.

قال المؤلف في الشرح: النهي عن الشيء أمر بأحد الأضداد، والأمر بالشيء نهي عن جميع الأضداد (3)، فإذا قلت: اجلس في البيت فإنه نهي عن الجلوس (4) في السوق، والحمام، وجميع (5) البقاع المضادة للبيت، وإذا قلت: لا تجلس في البيت: فإنه أمر بالجلوس في أحد المواضع المضادة للبيت (6).

[قوله: (ويقتضي الأمر بضد من أضداد (7) المنهي عنه) ما الفرق بين هذه المسألة وبين قوله: أولاً؟ ومتعلقه فعل ضد المنهي عنه (8)؟

فالفرق بينهما: أن البحث في إحدى المسألتين (9) في

(1) في ط: "ويقضي".

(2)

في أوط: "المنهي عنه لزومًا".

(3)

سبق تفصيل المؤلف الخلاف في هذه المسألة وهي المطلب السادس من الفصل الأول من فصول الأمر، وقد أشرت إلى بعض المراجع فى هذه المسألة فانظرها في (2/ 485 - 486) من هذا الكتاب.

(4)

في ز: "المجلس".

(5)

المثبت من ز وط، وفي الأصل:"جماع".

(6)

انظر: شرح التنقيح للقرافي ص 177، وانظر ص 136.

(7)

في ط: "من الأضداد".

(8)

في ط: "المنهي عنه مع أن قولهم: النهي عن الشيء أمر بضده ومعنى قولهم: متعلق النهي هو فعل ضد المنهي عنه فالفرق

" إلخ.

(9)

في ز: "المسألة".

ص: 53

المتعلِّق (1) بكسر اللام، والبحث في الأخرى في المتعلَّق بفتح اللام، فقولنا (2): النهي عن الشيء أمر بضده بحث في المتعلِّق بكسر اللام، وقولنا: يقتضي الأمر بضد من أضداد المنهي عنه (3) في المتعلَّق بفتح اللام] (4).

(1) في ز: "المعلق".

(2)

في ز: "فقوله".

(3)

"عنه" ساقطة من ط.

(4)

المثبت بين المعقوفتين من ز وط، ولم يرد في الأصل.

ص: 54