الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وأصحبت فِي معنى العزاء والهنا إِلَيْهِ فِي غَرَض الرسَالَة، كتابا نَصه بعد سطر)
افتتاحه:
الْمقَام الَّذِي رسخت مِنْهُ فِي مقَام الصَّبْر وَالشُّكْر قدم، فَلَا يغره وجود، وَلَا يذعره عدم، وصدقت مِنْهُ فِي طلب الْمجد عَزمَة لم يختلجها وَهن وَلَا نَدم، حَتَّى تصرفت بِحكم معاليه، أَيَّام دهره ولياليه، هَذِه ولدان، وَهَذِه خدم. مقَام مَحل أخينا، الَّذِي إِن جَاشَتْ النوائب وسعهَا صَدره، أَو عظمت الْمَوَاهِب، ترفع عَنْهَا قدره، أَو أظلمت الكروب، جلاها بدره، أَو تألبت الخطوب، هزمها صبره، أَو أظلت سحائب النعم، استدرها حَمده وشكره، أَو عرضت عُقُود [الْحَمد] فِي سوق الْمجد أغلاها فخره، أَو راقت جلل الصَّنَائِع، طرزها ذكره، أَو طبعت سيوف الباس، أغمدها صفحه وسلها قهره. السُّلْطَان الكذا أبي عنان ابْن السُّلْطَان الكذا أبي الْحسن ابْن السُّلْطَان الكذا أبي سعيد ابْن السُّلْطَان الكذا أبي يُوسُف يَعْقُوب بن عبد الْحق. أبقاه الله ضَاحِك السعد، كلما بَكت عين،، مَجْمُوع الشمل كلما أزف بَين، وارى الزند، إِذا اقْتضى للعز دين، محمى الذمار بانفساح الْأَعْمَار، كلما أغار على الْأَحْيَاء حِين، وَلَا زَالَ يُفِيد مِنْهُ شكر الله [نعما] ، مَا فِي وعدها لي وَلَا فِي قَوْلهَا مين، ويلبس مِنْهُ حللا، تقواه فِي عواتقها زين، مساهمة فِي كل خطب غم، أَو فضل من الله سُبْحَانَهُ عَم،
ومقاسمه فِي كل مَا ألم، ومهنيه بِالْملكِ الَّذِي خلص وَتمّ، الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر، سَلام كريم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
أما بعد حمد الله الَّذِي جعل الصَّبْر فِي النوائب حصنا منيعا، وَالشُّكْر يَسْتَدْعِي الْمَزِيد من النعم سَرِيعا، فَمَتَى أعضلت للصبر دَعْوَة، كَانَ لَهَا الْأجر سميعا، وَمَتى رفعت من الشُّكْر رقْعَة، كَانَ [الْمَزِيد] عَلَيْهَا توقيعا. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الَّذِي بوأنا من السَّعَادَة جنابا مريعا، وَبَين لنا حُدُود أوامره [ونواهيه] فطوبى لمن كَانَ مُطيعًا، وَعلمنَا مَكَارِم الْأَخْلَاق، صبرا فِي النوائب، وشكرا على الْمَوَاهِب [تَفْضِيلًا] وتنويعا، وَكَانَ لنا فِي الدُّنْيَا هاديا، ونجده فِي الْآخِرَة شَفِيعًا. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه، الَّذين كَانُوا على العداة [قيظا] وعَلى العفاة [ربيعا] ، فحلوا من الِاقْتِدَاء بهم، فِيمَا سَاءَ وسر، وَأحلى وَأمر، مقَاما رفيعا [وخفض] عَلَيْهِم مضاضة فَقده، مثابرتهم على ضم شَمل الْمُسلمين من بعده، اقْتِدَاء بقوله سُبْحَانَهُ، " واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا ". وَالدُّعَاء لمقامكم الأسمى بالنصر الَّذِي تشكر مِنْهُ الْجِيَاد، وَالْبيض الْحداد صنيعا، وتشرح مِنْهُ ألسن الأقلام تهذيبا وتفريعا. وَالصَّبْر الَّذِي يَقُود زرافات الْأجر قطيعا فقطيعا، وَالشُّكْر الَّذِي يفجر من الْمَزِيد ينبوعا. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم كتب الله لكم من حظوة الْخَيْر أوفرها عددا، وأقطعكم من خطط السعد أبعدها أمدا وأتبعكم من كتايب الْعِزّ أطولها يدا، وألهمكم من
الصَّبْر لما تقدمونه فِي الْيَوْم فتجدونه غَدا. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَعِنْدنَا من الِاعْتِدَاد بِاللَّه فِيكُم أَسبَاب وَثِيقَة، وأنساب صدق فِي بحبوحة الخلوص عريقة، وَمن الثَّنَاء عَلَيْكُم، حدائق روض لَا تحاكيها حديقة، وَمن المساهمة لكم فِي شَتَّى الْأَحْوَال، مَقَاصِد لَا تَلْتَبِس مِنْهَا طَريقَة، وَمن السرُور بِمَا سناه الله لكم نعم بشكر الله عز وجل خَلِيقَة. وَإِلَى هَذَا أيدكم الله بنصره، وَحكم لمقامكم بشد أزره وإعلاء أمره، فإننا ورد علينا الْخَبَر الَّذِي قبض وَبسط، وجار وقسط، وبخس ووفى، وأمرض وشفا، وأضحى وظلل، وتجهم وتهلل، وَأمر وَأحلى، وأوحش وأسلى، وأساء ثمَّ أحسن، وَبشر بعد مَا أَحْزَن، خبر وَفَاة والدكم، مَحل والدنا، السُّلْطَان الْكَبِير الْقدر، الرفيع الْخطر، الَّذِي لَو لم يكن من مناقبه، إِلَّا أَن كَانَ لكم أَبَا، وَفِي أَن أنعم الله على الْملَّة الحنيفية سَببا، لكفاه شرفا لَا تَجِد الْأَشْرَاف بعده مذهبا، قدس الله طَاهِر تربه، وكريم لحده، كَمَا أَحْيَا بكم معالم مجده، فياله من سهم رمى أغراض الْقُلُوب فأثبتها، وطرق مجتمعات الآمال فشتتها، ونعى إِلَى الْمجد إِنْسَان عينه وَعين أنسانه، وَإِلَى الْملك هيولي أَرْكَانه، وَإِلَى الدّين تَرْجَمَة ديوانه، وَإِلَى الْفضل عميد إيوانه. حَادث نبه الْعُيُون من سنة غرورها، وَذكر النُّفُوس بمهم أمورها، وأشرق المحاجر بِمَاء دموعها، وأضرم الجوانح بِنور ولوعها، وَبَين أَن شراب الآمال سراب، وكل الَّذِي فَوق التُّرَاب تُرَاب. فَمن تَأمل الدُّنْيَا وطباعها، وَالْأَيَّام وأفراعها، والحوادث وقراعها، بدا لَهُ الْحق من المين، وَاسْتغْنى عَن الْأَثر بِالْعينِ، فشأنها أَلا تفتر عَن سهم تسدده إِلَى غَرَض، وَصِحَّة يعقبها مرض، وجوهر
ترميه بِعرْض. وداء الْمَوْت قديم، وفريه لَا يبْقى عَلَيْهِ أَدِيم، وكاسه يشْربهَا مُوسر وعديم، دبت إِلَى كسْرَى الْفرس عقاربه، وَلم تَمنعهُ أساورته وَلَا مرازفه، وَقصر قَيْصر عَن مشاربه، وابتز سيف ابْن ذِي يزن من غمدانه، وَلم ترعه مضاربه، وَأرى تبعا فَلم يكن فِي اتِّبَاعه من يحاربه وَكم فِي الْإِسْلَام من مُلُوك أولى فَخر مَا بَين بني الْعَبَّاس وَآل صَخْر، فَأَيْنَ مَرْوَان ودواره وَأَبُو الْأَمْلَاك وبهاره، والوليد وأبناؤه، وَسليمَان وآلاؤه، وَعمر وثناؤه، وَيزِيد وظباؤه، وَهِشَام وآباؤه، والجعدي وآراؤه، وَأَيْنَ السفاح وحسامه، والمنصور واعتزامه، وَالْمهْدِي وإعظامه، وَالْهَادِي وإقدامه، والرشيد وأيامه، والأمين وندامه، والمأمون وَكَلَامه، والمعتصم وأسراجه وألجامه، وَغَيرهم مِمَّن طلع بالغرب شمسا، وَأصْبح فِي مرضاة الله وَأمسى عمر رمسا، وَفَارق إلفا وجنسا. لم تدافع عَنْهُم الْجنُود المجندة، وَلَا الصفاح المهندة، وَلَا الدروع المحكمة، وَلَا الثِّيَاب المعلمة، وَلَا الْجِيَاد الجرد المسومة، وَلَا الرماح المثقفة المقومة. كل نَدم على مَا قدم، وجد إِلَى مَا أعد، جعلنَا الله مِمَّن يسر لنَفسِهِ زادا، وَقدم بَين يَدَيْهِ رِبَاطًا شافعا لَدَيْهِ وجهادا، ووثر لنَفسِهِ بمناصحة الله وَالْمُسْلِمين فِي أَعلَى عليين مهادا، وطوق للْمُسلمين فضل وعدلا وأمدادا. غير أَن هَذِه الفاجىء الَّذِي فجع، وَمنع الْقُلُوب أَن تقر والعيون أَن تنجع، غمرته الْبُشْرَى، وغلبته المسرة الْكُبْرَى، وعوضته من بقائكم الْآيَة المحكمة الْأُخْرَى، فاضمحل من بعد الرسوخ، وَصَارَ دَلِيله فِي حكم الْمَنْسُوخ، بِمَا كَانَ من استخلاصكم الْملك الَّذِي أَنْتُم أَهله، واختياركم الْمجد الَّذِي أشرق بكم مَحَله، وَكَيف لسهم أَخطَأ ذاتكم الشَّرِيفَة أَن يُقَال فِيهِ
أصمى أَو أجهز، أَو لأمل بعد بقائكم تعذر أَو أعذر، إِنَّمَا الآمال ببقائكم المملا محوطة، وسعادة دين الْإِسْلَام بحياتكم الْمُتَّصِلَة مَشْرُوطَة، وَفِيكُمْ [لدين الله] الْخلف من ذَاهِب، مَا بَين عَابِر فِي سلفكم وناصر وواهب، فَلَقَد أَضَاءَت المراقي والمراقب، واطردت المفاخر والمناقب، وَحسنت بِفضل الله العواقب، وَظهر أَن لله تَعَالَى فِيكُم سر يُدْرِكهُ الملاحظ المراقب، إِذْ هيأكم لملك الْإِسْلَام تهيئة لم يتعقبها قطع، وأيدكم بالعزم الَّذِي لم يضق لكم بمصابرته ذرع، فكأنكم كُنْتُم على بَصِيرَة من أَمركُم ووعد، وَفِي خفارة عصمَة واقية وَسعد، حَتَّى حزتم عقيلة الْملك، وَقد رفعت عَلَيْهَا تيجان الصفاح الْبيض، يغشى الْعُيُون مِنْهَا لألاء الوميض، وَأوقدت حولهَا مشاعل الأسل، وأديرت أكواس الحتوف أحلى فِي لَهَوَات الشم الأنوف من الْعَسَل. وَضربت عَلَيْهَا للقتام قباب، وسدل عَلَيْهَا للعزة القعساء حجاب، فوفيتم مهرهَا، وتوليتم أمرهَا، فَسلمت الْخطاب، واستقامت للسعد الأقطاب، واستتب الْعَهْد لما فهم الْخطاب، وَقَامَ بِالْأَمر من اخْتَارَهُ الله لحمله، وَلم يخرج الْملك عَن مَحَله، وَلَا انْتقل عَن أَهله، فَأَي ترح يبْقى بعد هَذَا الْفَرح، وَأي كسل ينشأ بعد هَذَا المرح. إِن أفل الْبَدْر فقد تبلج الْفجْر، وَإِن غاض النّيل، فقد فاض الْبَحْر، وَإِن مَال فلك الْملك فقد عَاد إِلَى مَدَاره، وَإِن أذْنب الدَّهْر، فقد أحسن مَا شَاءَ فِي اعتذاره. إِنَّمَا كَانَ هَذَا الْخطب وَهنا أعقبه ضوء النَّهَار، وسطعت بعده اشعة البهار، وصمصامة أغمدت، وسل من بعْدهَا ذُو الفقار. وَلَا خَفَاء عِنْد ذِي قلب صَاف وفكر شفاف،
أَن هَذَا السعد الَّذِي ألبس الله ملككم أطواقه، وَمد عَلَيْكُم رواقه، إِنَّمَا هُوَ ثَمَرَة نِيَّة لله أخلصتموها [ونذور بإعانة هَذِه الجزيرة الغريبة خصصتموها] ، وعقيدة جِهَاد فِيمَا بَيْنكُم وَبَين الله أحكمتموها، وَأَسْبَاب نصر على طَاعَته وَطَاعَة رَسُوله أبرمتموها، فتهلل عارضها الصيب، وَرفعت إِلَى حَيْثُ يرفع الْعَمَل الصَّالح والكلم الطّيب، فَهِيَ لجياد حسناتكم وحسنات سلفكم ميدان، وجيد على الْأَيَّام بحليكم مزدان، ووسيلة بَيْنكُم وَبَين رب الْعباد. وَإِن كَانَ لملوك الشرق فَخر بِإِقَامَة الْحَج، فلكم بهَا فَخر إِقَامَة الْجِهَاد، وبحسب استزادتكم من النّظر الْجَمِيل لما تستزيدون من جميل نظره، وتستقبلون عوايد النَّصْر فِي حَاضر الزَّمَان ومنتظره، وأمل الْإِسْلَام قد تعلق بكم، بِالْملكِ الْجواد الْكَفّ. الْحمى الْأنف، الْحَلِيم العف، الْوَاحِد المعدول بِالْألف، إِلَى نهد الصَّفّ إِلَى الصَّفّ، وَمَا قد سلفكم من غرس جِهَاد، فلكم بِفضل الله جناه، وَمَا خلدوه فِي مسطورها من لفظ، فلكم إِن شَاءَ الله مَعْنَاهُ، وَقد سبقت من فضائلكم المتواترة، ماحق الثَّنَاء أَن يكون عَلَيْهِ وَقفا مُؤَبَّدًا، وَالدُّعَاء أَن يُوجب إِلَيْهِ مدَدا فمددا. فَإِنَّكُم بادرتم بَاب هَذَا الْقطر قبل سَده، ودعمتم حبلها العاصم قبل دكه وهده، وساجلتم بحره ببحر من جودكم، لَا يتعاقب الجزر مَعَ مده، وتداركتم أمره بالعزم الَّذِي لَا يَتَقَلَّص بممتده، وَلم تشغلكم الشواغل مَعَ تغاور بروقها، وَلَا الْحَرْب مَعَ نفاق سوقها، وتشميرها عَن سوقها، حَتَّى قُمْتُم لملة الْإِسْلَام فِي هَذِه الجزيرة بحقوقها، وَرمى الله الطاغية لما قصد مِنْهَا بَيت القصيد، وحتم باسطا ذِرَاعَيْهِ بالوصيد، بكتيبة من كتائب سعدكم ضمنت للمناصل أَن لَا تتعقب، ولغربان الأساطيل أَن لَا تنعب، وللجياد أَن تجم إِلَى مَا بعد، وللكتائب أَن
تريح إِلَى أَن ينجز بعد فراغكم الْوَعْد، فَمن لَهَا الْآن بكم، وَقد ألْقى الْملك إِلَى مقامكم الْعلي عَصا سيره، وَجرى بيمنه سانح طيره، وخلص إِلَيْهِ خلوصا لم يعول فِيهِ على غَيره [زادكم الله من مواهب فَضله العميم وخيره] . وأننا لما قَررنَا هَذَا الْخَبَر عَن حَقه، ورصدنا طالعه فِي أفقه، قابلنا الْوَاقِع بِالتَّسْلِيمِ، والمنحة الرادفة بالشكر الْعَظِيم، وأنسنا فِي غمام الْهُدْنَة ري هَذَا الإقليم، وَقُلْنَا اسْتَقر الْحق، ووضحت الطّرق، وَهدى الرايد وَصدق الْبَرْق، وتقررت الْقَاعِدَة وارتفع الْفرق، واستبشر بإبلال الغرب أَخُوهُ الشرق، وتأتت آمال أولى الْجِهَاد [إِلَى اقتحام] إِلَى شط الْمجَاز وَأولى الْحَج إِلَى مراقبة ركب الْحجاز، وآن للدنيا أَن تلبس الحلا العجيبة بعد الابتزاز. فَالْحَمْد لله الَّذِي زين بكم أفق الْملك، وَكَيف بسعدكم نظم ذَلِك السلك، وهنأ الله بإيالتكم الْعباد والبلاد [وَالْحج وَالْجهَاد] والمطهمة الْجِيَاد، وَصدق الظنون فِي مقامكم الَّذِي حَاز فِي المكارم الآماد. وبادرنا أيدكم الله من بركم إِلَى غرضين، وشرعنا علم الله، وَمن لدينا أَن نباشر بنفسنا هذَيْن القصدين، إِلَّا أننا عاقنا عَن ذَلِك مَا عقده الْعَدو الَّذِي بلينا بجواره، ومصابرة تياره فِي هَذَا الشَّهْر من الميعاد الَّذِي استدعى إِلَيْهِ الْخَلَائق من كل فج عميق، واستقدم إِلَى يَوْمه الْمَشْهُود وُجُوه كل فريق، حَتَّى غص بهم عرض كل طَرِيق، وَلَا يومن أَن يتَّفق رَأْيهمْ على كيد يحذر داؤه، ويخشى اعتداده، وَإِلَّا فَهَذَا الْغَرَض قد كُنَّا لَا نرى فِيهِ بإجراء الِاسْتِنَابَة، وَلَا نحظى غَيرنَا بزيارة تِلْكَ المثابة. فَليصل الْفضل جلالكم، وَيقبل الْعذر كمالكم، وَإِذا كَانَ الِاسْتِخْلَاف مِمَّا تحمله الْعِبَادَة، وَلَا يُنكره عِنْد الضرار الْعرف وَالْعَادَة، فأحرى الْأُخوة، والودادة، وَالْفضل والمجادة. فتجهزنا جهدنا، واصطفينا لباب
اللّبَاب فِيمَا عندنَا، فعينا للنيابة عَنَّا فِي تَقْرِير الْحبّ، والمساهمة الصافية الشّرْب فلَانا وَفُلَانًا.
وَصدر عني فِي هَذَا الْغَرَض أَيْضا
الْمقَام الَّذِي مساهمة جَلَاله وَاجِب مفترض، ومقاسمته فِيمَا سَاءَ وسر لَا يقدم عَلَيْهِ غَرَض، ومذاهب تَسْلِيمه لله وتعويضه، لَيْسَ فِيهَا مَأْخَذ معترض، وَصِحَّة يقينه المستفادة عَن اعْتِدَال أَرْكَان دينه لَا يشوبها مرض، وَلَا يحل بجوهرها عرض. مقَام مَحل أخينا الَّذِي نساهمه فِيمَا سَاءَ وسر، ونقاسمه فِيمَا أحلى وَأمر. السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله تتحامى الْغَيْر حماه المنيع، وتشمل الْعِصْمَة شَمله الْجَمِيع، وتعتذر لَهُ صروف الْأَيَّام مهما أساءت الصَّنِيع، وتستقبل دينهَا الْكَبِير لَدَيْهِ وحادثها الشنيع، مُعظم مقَامه، وملتزم إجلاله وإعظامه، الْأَمِير [عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن فرج بن نصر] سَلام كريم [طيب بر عميم يخص مقامكم العالي] وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
أما بعد حمد الله الَّذِي لَا يعْتَرض حكمه تَنْزِيها لعزه الْمَحْض وتعظيما، وَلَا يسئل عَمَّا يفعل انقيادا لأَمره الحتم وتسليما، مُقَدّر حصص الْأَعْمَار والآجال، محصورة المدى محدودة المجال، لَا تَسْتَطِيع تَأْخِيرا وَلَا تَقْدِيمًا، ومصرف صروف الْأَيَّام بحكمة مستبقة إِلَى سَابِقَة مَشِيئَته وَعلمه، إِنَّه كَانَ عليما حكيما. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، الَّذِي نتأسى فِي الْحَوَادِث بهديه اقْتِدَاء وتعليما، ونهون لمصاب فَقده كل خطب ألم بِنَا من، بعده، وَإِن كَانَ عَظِيما، ونجعل حبه وَسِيلَة جليلة، يَوْم لَا يسل حميم حميما، وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه،
الَّذين سلكوا من اتِّبَاعه سَبِيلا قويما، وجلوا بِنور هداه لَيْلًا بهيما، فأحرزوا بالتماس مرضاته من الله فضلا عَظِيما، ووجدوا مصداق وعده، وَنُدْخِلكُمْ مدخلًا كَرِيمًا. فإننا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم من مواهب الصابرين المحتسبين حظا جسيما، وجعلكم مِمَّن عمر بِرِضَاهُ، وَالتَّسْلِيم لما قَضَاهُ، قلبا سليما. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَعِنْدنَا من المساهمة لمقامكم الأسمى، والأرتماض والمشاركة، فِي حالتي الانبساط والانقباض، والمقاسمة فِيمَا يرد عَلَيْهِ من شَتَّى الْأَغْرَاض، أَو فِي مَا بِهِ من عاطى فِي الله كل وداد، أَو تعاطى جميل اعْتِقَاد، أَو أجال قداح إخلاص، أَو اختال بامتياز فِي الْحبّ واختصاص، نرى الْعَمَل بذلك وجوبا، ونعتقده فرضا مَكْتُوبًا، وَفِي الْأَعْمَال الزاكية محسوبا. وَإِلَى هَذَا حمى الله ملككم من طرق الْمَكْرُوه وهجومه، وأنار سما مجدكم بكواكب السعد ونجومه، وأجزل حظكم من الرِّضَا بمكتوب قدره ومحتومه. فإننا اتَّصل بِنَا مَا أشرق الأنفاس بصعدايها، وأشجى النُّفُوس بدايها، وغمر الشؤون بِمَائِهَا، وَعمر الْقُلُوب بغمايها، من استيثار الله عز وجل بِتِلْكَ الْجِهَة السُّلْطَانِيَّة [ذَات البركات] الطاهرة والمكارم الهامرة، الَّتِي ثبتَتْ فِي أوراق الْآفَاق آي مفاخرها المتلوة، وَأوجب لَهَا الْملك حُقُوق الْأُبُوَّة، أَعلَى الله درجتها فِي عليين، وأسعدها بجوار كرايم الْمُخْتَار من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ. فياله من فاجع لم ينفع فِيهِ إِلَّا الاسترجاع، وخطب تساوى عِنْد الجبان والشجاع، وطارق لم يغن فِيهِ الدفاع، وهاجم لم تأنف لَهُ الْقَبَائِل والأتباع، والشعائر والأشياع، أهاب الْملك بِأَعْلَى ذخائره المحسوبة، وأسنى حَسَنَاته الْمَكْتُوبَة، وَأعظم عدده المصونة المحجوبة، على حِين سحت سحب الآمال
وجادت، وانتظمت عُقُود الشمل أَو كَادَت. فَإنَّا إِلَى الله تَسْلِيمًا لحكمه، وانقيادا لما سبق على من خلق فِي علمه، هِيَ عَادَة الْأَيَّام تعثر فِي مرحها، وتشرب كأس فرحها. كن الْحَوَادِث إِذا تخطت مقامكم الَّذِي هُوَ المقلة الباهرة والعمدة الناصرة، وَالْعدة الفاخرة، والقطب الَّذِي تَدور عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. فَهِيَ قد أقصرت وَإِن أفصدت، وأصحت وَإِن أرعدت، وأخلفت مَا أوعدت، وَإِن تعدت أَو عدت. وَتلك الْجِهَة الْكَرِيمَة وَإِن أعجل الْقدر الحتم جنابها، وحث إِلَى خير علم مَا عِنْد الله ركابهَا، قبل أَن يُشَاهد مَا يرتقب لمقامكم من إنجاز الْوَعْد، وتضاعف مواهب السعد، فسترد على مجدها المجود بسحاب الرَّحْمَة، الْمَقْصُود بركائب الْفضل من الله وَالنعْمَة وينثال فِيهِ من حسناتكم الجهادية، وبركات الدعْوَة الَّتِي تدف عَلَيْكُم من هَذِه الْأمة المحمدية [مدد لَا تَعب] زَائِدَة ووافده، وَنور تسطع بِتِلْكَ التربة الزكية شواهده، حَتَّى يتَّصل لَهَا بكم فِي الدَّاريْنِ أَسبَاب السرُور، وتقر عينا تفد على ضريحها المبرور من الْبركَة الهامية والنور. فَمن ترك بَينه وَبَين الله مثلكُمْ، فقد تخلف الْعَمَل الَّذِي لَا يَنْقَطِع مدده، وَالْفَخْر الَّذِي لَا يبلغ أمده. ثَبت عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، أَنه قَالَ إِذا مَاتَ الْإِنْسَان انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث، فَذكر ولدا صَالحا يَدْعُو لَهُ، وَصدقَة جَارِيَة، وَعَملا ينْتَفع بِهِ، وَقد اجْتمع لَهَا الثَّلَاثَة وَالْحَمْد لله فِي نظم متسق، وتألف لَهَا مِنْهُ كل مفترق لما أعده الله لمقدمها من أَسبَاب الْكَرَامَة، وعلو الدرجَة فِي دَار المقامة. وَاعْلَمُوا أيدكم الله، أَن هَذَا الْخطب الَّذِي طرق ذَلِك الجناب الأرفع، والجلال الَّذِي تجلى الْمجد وَالطَّهَارَة تلفع، لَو كَانَ مِمَّا يقبل فِيهِ الفدا، أَو يعْمل بِسَبَبِهِ الندا، لكَانَتْ النُّفُوس من خلصان مقَامه الرفيع وأوليائه
بعض فدائه، والمبادرة تسبق أول ندائه، وَلَا كنه أَمر تذعن لَهُ المراكب المختالة والرماح المنثالة، والجنود المجندة، والصفاح المهندة، وَحكم لَا يعْتَرض فَضله، وَلَا يدْفع نصله، وَلَا يتَأَوَّل مُسْنده. ومقامكم الْأَعْلَى، يتلَقَّى أَمر الله بِالتَّسْلِيمِ وَالرِّضَا، ويرضى بِحكمِهِ جل جلاله فِيمَا قضى، وَيعلم أَن الدُّنْيَا لَيست بدار الْقَرار، وَأَن مَا عِنْد الله خير للأبرار، وَالصَّبْر أَعلَى الذَّخَائِر، وأسنى المفاخر. وَقَالَ الله تَعَالَى، لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة لمن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْم الآخر، فقد سهل مضض فَقده كل خطب من بعده، وسلى كل وَاجِد عَن وجده، وَعَن مثابتكم توخذ السّير الفاضلة وتلتمس، وَمن آثَاركُم وآثار سلفكم تَقْتَضِي المراشد وتقتبس، وأننا لما اتَّصل بِنَا هَذَا الْخَبَر، وجهنا إِلَيْكُم من يَنُوب عَنَّا فِي سنة العزا، من المساهمة بأوفى الأجزا [وَلَوْلَا حكم الضروة لم نقنع بِرُخْصَة هَذَا الإجراء] لاكن الْأُمُور مثلكُمْ من يَتَأَمَّلهَا، والأعذار فَضلكُمْ يقبلهَا، وَالَّذِي عينا لذَلِك هُوَ [قريبنا الريس الْأَجَل الْأَعَز الأود الأخلص الأصفى، أَبُو جَعْفَر ابْن الرئيس الْجَلِيل الْمَاجِد الرفيع الْمُجَاهِد الْأَشْهر الأخطر الأحفل الْأَكْمَل الموقر المرحوم أبي الْحسن بن نصر، وصل الله عزته، ووالى سعادته ورفعته] ومجدكم ينعم بالإصغاء إِلَيْهِ فِيمَا أحلنا فِيهِ من ذَلِك عَلَيْهِ. وَالله سُبْحَانَهُ يقي مجدكم من طرق الحوادت، ويحرس حماه من هجوم الخطوب الكوارث، ويجعله الْوَارِث، ويحفظ من شرب الْغَيْر تِلْكَ الْمَوَارِد، ويضاعف نعمه عنْدكُمْ. وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.