الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. وَصلى الله على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد وعَلى آله وصحبة وَسلم تَسْلِيمًا
وَصدر عني فِي مُخَاطبَة صَاحب مَكَّة شرفها الله:
وَتوجه الرَّسُول بهَا عَن السُّلْطَان رضي الله عنه صُحْبَة الرسَالَة لقبر الرَّسُول [صلى الله عليه وسلم، مُعَرفا بجملة الْفتُوح الَّتِي فتح الله بهَا على الْمُسلمين بالأندلس لهَذَا الْعَهْد، وَذَلِكَ فِي شهر ربيع الأول من عَام أحد وَسبعين وَسَبْعمائة.
الْمقر الْأَشْرَف، الَّذِي فضل الْمحَال الدِّينِيَّة بحله، وكرم فِي بِئْر زَمْزَم، مهبط إِسْمَاعِيل صلى الله عليه وسلم، نهله وعله، وَخَصه بإمرة الْحرم الشريف الْأمين من بِيَدِهِ الْأَمر كُله، فأسفر عَن صبح النَّصْر فَضله، واشتمل على خَواص الشّرف الوضاح حَسبه وفضله، وَطَابَتْ فروعه لما استمد من ريحانتي الْجنَّة أَصله، مقرّ السُّلْطَان الْجَلِيل، الْكَبِير الشهير الظَّاهِر الطَّاهِر، الأمجد الأسعد الأوحد الأسمى، الشهير الْبَيْت، الْكَرِيم الْحَيّ وَالْمَيِّت، الموقر الْمُعظم [ابْن الْحُسَيْن] ذِي الحسنيين، وحافد سيد الثقلَيْن، تَاج الْمَعَالِي، وَعز الدُّنْيَا وَالدّين، أبي الْحسن عجلَان، ابْن السُّلْطَان الْكَبِير الشهير الرفيع الخطير الْجَلِيل، المثيل الظَّاهِر الطَّاهِر، الشريف الْأَصِيل، الْمُعظم الأرضى، الْمُقَدّس [الْمُنعم، أَسد الدّين أبي الْفضل رميثة بن مُحَمَّد بن أبي سعيد الْحُسَيْنِي، أبقاه
الله، وأفيدة من النَّاس تثوب إِلَى فاطمي مثواه، على بعد الدَّار، ويتقرب فِيهِ إِلَى الله بالتثام التُّرَاب، واستلام الْجِدَار، وتجيب أَذَان نبيه إِبْرَاهِيم بِالْحَجِّ إِجَابَة البدار، وهناه المزية الَّتِي خصّه بهَا من بَين مُلُوك الأقطار، وأولي الْمَرَاتِب فِي عباده والأخطار، كَمَا رفع قدره على الأقدار، وسجل لَهُ بسقاية الْحَج وَعمارَة الْمَسْجِد الْحَرَام عقد النجار، ينْهَى إِلَيْهِ أكْرم التَّحِيَّات تتأرج عَن شذا الرَّوْضَة المعطار، عقب الأمطار، مُعظم مَا عظم الله من شَعَائِر مثواه، وملتمس الْبركَة من أَبْوَاب مفاتحته، وَلكُل أمرئ مَا نَوَاه، وَمُوجب حَقه الَّذِي يَلِيق بِمن كَانَ البتول، والرضى، الَّذِي واخاه الرَّسُول، أمه وأباه، الشيق إِلَى الْوِفَادَة عَلَيْهِ وَإِن مطله الدَّهْر ولواه، الْأَمِير عبد الله مُحَمَّد، ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج، أبن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر، كَانَ الله لَهُ فِي غربته عَن جرثومة الْإِسْلَام وانفراده، وَتَوَلَّى عونه على الْجِهَاد فِيهِ حق جهاده
أما بعد حمد الله ولي الْحَمد فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، ومطمح النُّفُوس الْعَالِيَة والهمم الفاخرة، مؤيد العزايم المتصارخة [فِي سَبيله] المتناصرة، ومعز الطَّائِفَة المؤمنة، ومذل الطَّائِفَة الْكَافِرَة، ومنفل خَزَائِن القياصرة الغلب والأكاسرة، وتارك أرْضهَا عِبْرَة للآذان الواعية والعيون الباصرة، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، عَبده وَرُسُله، نَبِي الرَّحْمَة [الهامية الهامرة] والبركات [الْبَاطِنَة و] الظَّاهِرَة، الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله بالعزايم الْمَاضِيَة والظبا الباترة، مخمد
الشقاشق الهادرة، ومرغم الضَّلَالَة المكابرة، الْمَنْصُور بِالرُّعْبِ من جُنُوده الناصرة، المحروس بحراسة [الْمَلَائِكَة] الواقية الوافرة، الْمَوْعُود ملك أمته بِمَا زوى لَهُ من أَطْرَاف البسيطة العامرة، حَسْبَمَا ثَبت بالدلائل المتواترة، وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، وعترته وأحزابه، المجاهدة الصابرة، أولى الْقُلُوب المراقبة، والألسنة الذاكرة، والآداب الحريصة على الاهتداء بهداه المثابرة، الَّذين جاهدوا فِي الله حق جهاده، يَخُوضُونَ لِأَن تكون كلمة الله هِيَ الْعليا، فِي بحار الروع الزاخرة، ويقدمون بالجموع القليلة على الآلاف المتكاثرة، حَتَّى قرت [بِظُهُور الْإِسْلَام] الْعُيُون الناظرة، وجلت فِي الْعَدو الفاقرة، فَكَانُوا فِي الذب عَن أمته كالأسود الخادرة وَفِي الْهِدَايَة بسنا مِلَّته، كَالنُّجُومِ الزاهرة، والدعا لشرفكم الْأَصِيل ذِي الْمُنَاسب الطاهرة، والمكارم الزاهية، ببنوة الزهراء البتول، بضعَة الرَّسُول الزاهرة، بالصنع الَّذِي يتبلج عَن الْغرَر المشرقة السافرة، والعز الَّذِي يضفو مِنْهُ الْجنَاح على الْوُفُود الزائرة، والفضلاء الْمُجَاورَة، وَلَا زَالَ ذكركُمْ بالجميل هجير الركائب الْوَارِدَة والصادرة، وَالثنَاء على مكارمكم يخجل أنفاس الرياض العاطرة، عِنْد الغمائم الماطرة. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم عناية تحجب الأسوأ بجننها الساترة، ورعاية تجمع الْأَهْوَاء الْمُخْتَلفَة، وتضم الْقُلُوب المنافرة. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله دَار ملك الْإِسْلَام بِجَزِيرَة الأندلس، وفر الله جموع حاميتها المثاغرة، ورم بيد قدرته مَا هم بهَا من أَفْوَاه العدا الفاغرة، وَلَا زَالَت سحائب الرحمات السانحة إِلَيْهَا الغامرة، تظلل جموع جهادها الظافرة، وتجود
رمم شهدائها الناخرة وَنعم الله تحط ركائب الْمَزِيد فِي نواديها الحامدة الشاكرة، وَالْحَمْد لله كَمَا هُوَ أَهله فَلَا فضل إِلَّا فَضله، وجانبكم موفى حَقه، من التَّعْظِيم الَّذِي أناف وأربى، وقدركم يعرفهُ من صَامَ وَصلى، فضلا عَمَّن حج مَعَ ذَلِك وأبلى، ومستند ودكم، {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} وَإِلَى هَذَا حرس الله [مجدكم و] مقركم الْأَشْرَف كَمَا سحب على بَيته الْعَتِيق ظلكم الأورف، فَإِن الْجِهَاد وَالْحج أَخَوان يرتضعان ثدي الْمُنَاسبَة [ويكاد أَن يتكافآن فِي المحاسبة] سفرا وَزَادا [وَنِيَّة واستعدادا وإتلافا لمصون المَال وإنفادا، وخروجا إِلَى الله لَا يُؤثر أَهلا وَلَا دلوا] ويفترقان محلا، ويجتمعان جهادا، ويرفعان للملة منارا ساميا وعمادا. ووطننا وَالْحَمْد لله على هَذَا الْعَهْد، هُوَ الْمَخْصُوص بِكَمَال هَذِه المزية، وَالْقِيَام بكفايتها الْبَريَّة والبحرية، السليمة من الضلال الْبَريَّة، وَهَذَا نسب واشجة عروقه، وذمام صَادِقَة بروقه، ومتات لَا يفضله متات وَلَا يفوقه. وَنحن نعرفكم بأحوال هَذَا الْقطر المتمسكة فروعه بِتِلْكَ الجرثومة الراسية، الممدودة أيديه إِلَى مثابتها، المتصدقة بِالدُّعَاءِ المواسية. فاعلموا أَن الْإِسْلَام بِهِ مَعَ الْحَيَّات فِي سفط حرج وَأمر مرج، وَطَائِفَة الْحق قَلِيل عَددهَا، مُنْقَطع إِلَّا من الله مددها، مُسْتَغْرق يَوْمهَا فِي الشدَّة وغدها، والطلائع فِي قنن الْجبَال تنور، والمصحر من بَيته مغرر، والصيحة مَعَ الأحيان مسموعة، والأعدا لرد مَا جازه الْفَتْح الأول مَجْمُوعَة، وَالصَّبْر قد لبست مدارعه، والنصر قد التمست مشارعه، وَالشُّهَدَاء تنوش أشلاءهم القشاعم، وتحتفل لَهَا
مِنْهُم المطاعم، وَالصبيان تدرب على السِّلَاح، وَتعلم المدافعة كَمَا يعلم فِي الْقُرْآن الألواح، وآذان الْخَيل مستشرفة للصياح، ومفارق الطايحين فِي سَبِيل الله تفلي بأيدي الرِّيَاح، والمآذن تجيبها النواقيس مناقضة، وتكافحها مُكَابَرَة مُعَارضَة [وَعدد الْمُسلمين] لَا يبلغ من عدد الْكفَّار [عِنْد الانتثار] معشار المعشار [وَلَا برة فِي جُلُود العشار] إِلَّا أَن الله عز وجل، حل بولايتنا المخنق المشدود، وَفتح إِلَى الْيُسْر المهيع الْمَعْهُود، وأضفى ظلّ الْأَمْن الْمَمْدُود، وألهم، وَله الشُّكْر على الإلهام، وتسديد السِّهَام، وَالْحَمْد لله الَّذِي يَقُود مدارك الأفهام إِلَى اجْتِهَاد قرن بِهِ التَّوْفِيق، وَجِهَاد فتح بِهِ إِلَى التِّجَارَة المنجية الطَّرِيق، سُبْحَانَهُ من رَحِيم يجتبي إِلَيْهِ من يشا، وَيهْدِي إِلَيْهِ من ينيب، وكريم يلهم ليثيب، ولطيف يَأْمر بِالدُّعَاءِ ليجيب، فتحركت لهَذَا حركات ساعدها، وَالْحَمْد لله، السعد، وَتَوَلَّى أمرهَا، ونصرها من لَهُ الْأَمر من قبلهَا وَمن بعد. ففتحنا مَدِينَة برغة الفاصلة كَانَت بَين الْبِلَاد الْمسلمَة، والشجي الْمُعْتَرض فِي نحر الْكَلِمَة. [وتبعتها بَنَات كن يرتضعن أحلاف درتها ويتعلقن فِي الْحَرْب وَالسَّلَام بارزتها] ثمَّ نازلنا حصن أشر، ركاب الغارات الْكَافِرَة، ومستقر الشَّوْكَة الوافرة، فَرفع الله إصره الثقيل، وَكَانَ من عثرته المقيل. ثمَّ قصدنا مَدِينَة أطريرة بنت حَاضِرَة الْكفْر، وعرين الْأسود الغلب وكناس الظبا القفر، ففتحناها عنْوَة أضرمت الْبَلَد نَارا، واستأصلت أَهله قتلا وأسارا، وملأت الْبِلَاد سَببا تعدّدت
آلافه، وَغنما شذت عَن الْعبارَة أَوْصَافه. ونازلنا مَدِينَة جيان وشهرتها فِي الْمَعْمُور، تغنى عَن بسط مَالهَا من الْأُمُور، فَفَتحهَا الله عنْوَة، وَجعل سبيهَا للاسترقاق، ومقاتلتها للبيض الرقَاق. وغزونا بعده مَدِينَة أبدة، فَكَانَت أُسْوَة لَهَا فِي التدمير والعفا الميير. ثمَّ نازلنا مَدِينَة قرطبة، وَهِي أم هَذِه الْبِلَاد الْكَافِرَة، وَدَار النعم الوافرة، وكدنا نستبيح حماها المنيع، ونشتت شملها الْجَمِيع، لَوْلَا عايق أمطار، وَأجل مَخْصُوص بِمِقْدَار. ورحلنا عَنْهَا بعد انتهاك زلزل الطود، ووعدنا بِمَشِيئَة الله الْعود، ونأمل من الله إيفاد الْبُشْرَى بِفَتْحِهَا على بِلَاد الْإِسْلَام، ومتاحفة من بهَا بالإخبار بِهِ والإعلام. ثمَّ فتحنا بعْدهَا ثغورا مقفلة الْأَبْوَاب، ومعاقل مُتَعَلقَة بالسحاب، كحصن روط، وحصن الحوار، وحصن قنبيل، أَمن الْإِسْلَام جوارها، وَعمر بالمجاهدين أقطارها. وَخرج لنا ملك الرّوم فِي مشارطات أردناها، وفرص لعز الْإِسْلَام ابتدرناها عَن حصون أَرْبَعَة، طهرنا بيُوت الله بهَا، من دنس الْأَوْثَان، وعوضنا النواقيس بِكَلِمَة الْإِيمَان. وَالْحَمْد لله على الْمَوَاهِب الامتنان، وَمِنْه نسل الْمَزِيد من الْإِحْسَان. وَأقرب الْمَدَائِن بافتتاحها، الجزيرة الخضراء، وَهِي بَاب الْإِسْلَام، الَّتِي مِنْهَا دخل الْفَتْح، وَعظم عَلَيْهَا بِكَلِمَة الله الْمَنّ والمنح، وقدرها الْكَبِير أعظم من أَن يَسْتَوْفِي وَصفه التَّعْبِير. فانبسطت الآمال، وضفت على الْإِسْلَام ملابس الْيمن والإقبال. وَهَذِه المجملات تحْتَمل شرحا، تسبح فِيهِ الأقلام سبحا، من أَوْصَاف مَغَانِم شذت عَن الْحصْر، ومعاقب لنزول السكينَة، وهبوب النَّصْر، وَمَا ظهر من جد الْمُسلمين فِي افْتِتَاح تِلْكَ المعاقل المنيعة، ومقارعة الجموع الكثيفة، وبركة الحزم فِي كل حَال مَوْجُودَة، والوسائل بأَهْله فِي الْقَدِيم والْحَدِيث لَا مخيبة وَلَا مَرْدُودَة، فَهُوَ الأَصْل والغمد، الَّذِي سهل مِنْهُ هَذَا النصل، حَتَّى بلغ النُّجُوم القاصية، وقاد من استعصى بالناصية. وَقد ظهر لنا أَن وجهنا إِلَى الْمَدِينَة المقدسة، صلوَات الله على من بهَا وَسَلَامه. نعرفه بِهَذِهِ البركات الهامية من سما عنايته. المعدودة خوارقها من آيَته. فَكلهَا
جناه. وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله بهداه، وأصحبنا شخاصا من نواقيس الفرنج مِمَّا تَأتي حمله، وَأمكن نَقله، وَمَا عداهُ فَكَانَت جبالا، لَا تقبل فِي نقلهَا اختبالا، فَتَنَاول درعها التكسير، وشفي بذهاب رسومها الْإِقَامَة وَالتَّكْبِير. ومرادنا أَن تعرض بمجتمع الْوُفُود تذكرة، تستدعي الْإِمْدَاد بِالدُّعَاءِ، وتقتضى بِتِلْكَ الْمعَاهد الشَّرِيفَة النَّصْر على الْأَعْدَاء، ثمَّ نصحب ركاب الزِّيَارَة إِلَى أَبْوَاب النُّبُوَّة ومطالع الإنارة. وَأَنْتُم تَعْمَلُونَ فِي تَوْفِيَة هَذِه الْأَحْوَال ورعايتها، وإبلاغها إِلَى غايتها، مَا يَلِيق بحسبكم الوضاح ومجدكم الصراح، وشرفكم المتبلج تبلج الصَّباح، فَأنْتم خير من ركب المطايا، وأندى الْعَالمين بطُون رَاح، وَلكم بذلك الْحَظ الرغيب، فِي هَذِه الْأَعْمَال الْبرة، وَالله سُبْحَانَهُ لَا يضيع مِثْقَال ذرة، وَهُوَ يتولاكم بِمَا يتَوَلَّى من أعز شعائره وعظمها، ورعى وسائله واحترمها، ويصل أَسبَاب سعدكم، وينفعكم بقصدكم. وَالسَّلَام الْكَرِيم الطّيب الْبر العميم، يخص معاهدكم الْكَرِيمَة على الله عهودها الهامية، بغمائم الرحمات والبركات عهودها، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.