الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتب الشُّكْر على الْهَدَايَا الواردات
راجعت السُّلْطَان الْكَبِير أَبَا عنان رحمه الله عَن هَدِيَّة بعث بهَا إِلَى الأندلس، تشْتَمل على خُيُول ومهندات محلاة، ومهاميز محكمَة، ودنانير من الذَّهَب الْعين، بِقَوْلِي بعد الْفَاتِحَة:
الْمقَام الَّذِي شَأْنه هبات تبث، وعزمات تحث، وهمم يبث الْإِسْلَام إِلَيْهَا همومه فَيذْهب البث، مقَام مَحل أخينا، الَّذِي قضايا مجده منتشرة فِي الْجِهَات، فردية بِحَسب الْوَصْف والذات، عرفية فِي الأزمات، مَشْرُوطَة فِي مَذَاهِب العزمات. يزهى بوجودها الزَّمن الْحَاضِر، وباستقبالها الزَّمن الآت، ويطرز بهَا فَخر الدّين رواق الْآيَات الْبَينَات. السُّلْطَان الْجَلِيل الرفيع، الْأَسْنَى الأمجد الأسعد الأوحد الأسمى الْأَغَر، الْكَبِير الْمُجَاهِد الأمضى أبي عنان ابْن السُّلْطَان الْجَلِيل الكذا أبي الْحسن، أبقاه الله، وحيد الْعلمَاء على تعدد فَضله واشتراكه، فذلكة حِسَاب أولي الأحساب، من خلائف الْإِسْلَام وأملاكه، وَلَا زَالَ بدر هدى صهوة الطّرف من أفلاكه، وبحر ندا، ينْسب جيد الْوُجُود إِلَى عنصره العميم الْجُود دُرَر أسلاكه. فَمَتَى حاول قصدا جنح مِنْهُ النجح إِلَى ملاكه وَمهما كَاد ضدا كَانَت النُّجُوم الشوابك من شباكه، حَتَّى يَرْمِي سعده عَن قَوس الْأُفق، ويظفر بسماكه، مُعظم مقَامه، الَّذِي هُوَ بالتعظيم مَخْصُوص، [وَمُوجب حَمده الَّذِي محكمه فِي كتاب الْبر مَنْصُوص] ، وموقر ملكه الَّذِي
ثَنَاؤُهُ على أساس الْأَصَالَة مرصوص. الْأَمِير عبد الله يُوسُف بن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر. سَلام كريم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
أما بعد حمد الله الَّذِي جعل الشُّكْر مفترضا، وَألف بَين [قُلُوب الْمُؤمنِينَ] بعواطف فَضله المرهوب، فَلم يبْق فِيهَا مَرضا. وخلص جَوَاهِر الِاعْتِقَاد من شبه الانتقاد فَلم يتْرك عوضا، وسدد الْأَعْمَال الودية والأقوال الاعتقادية إِلَى مرامي التَّوْفِيق فأصابت سهامها غَرضا. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الَّذِي سل من الْحق حساما منتضا، وَندب إِلَى التمَاس الْخلال الَّتِي تحمد، والأخلاق الَّتِي ترتضى، وَبَين من المآخذ والمتارك مَا كَانَ مُسلما أَو مفترضا. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، الَّذين اقتضوا من آدابه الْكَرِيمَة أَسْنَى مُقْتَضى. وَبَاعُوا نُفُوسهم النفيسة من الله فِي نصر دينه، ففازوا بدار الْخلد عوضا، والعزم الَّذِي يحرض النُّفُوس على جِهَاد عَدو الدّين حَتَّى يعود حرضا. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم كتب الله لكم من الْعِزّ أفسحه جنابا، وَمن السعد أسبغه أثوابا، وملأ صَحَائِف صفاحكم الْمَاضِيَة فخرا وثوابا، وَجعل الصنع الإلآهي لندا دعوتكم جَوَابا، وأسعد الْإِسْلَام بأيالتكم الَّتِي استأنفت شباب. ووصلت بِأَسْبَاب التَّمْهِيد أسبابا. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وللتشيع فِي سلطانكم الْعلي سَبِيل لَا يلتبس، والاعتقاد فِي رفيع جلالكم نور يقتبس مِنْهُ المقتبس. وَإِلَى هَذَا أيد الله أَمركُم، وَرفع قدركم، فقد تقرر جبلة مطبوعة، وَسنة متبوعة، أَن المهاداة تغرس الْمحبَّة وتثبتها، [وتصرح الأضغان وتوزعها] ، وتسل السخائم وتنزعها،
فَكيف إِذا وَردت على ضمائر أصفى [فِي ذَات الله] من نطف الْغَمَام، واصدق من ذرر الأزهار فِي أصداف الكمام، وَقُلُوب متعاقدة على مرضاة الله وَالْإِسْلَام، فيالها من مودات تزكو حِينَئِذٍ ثمارها، واعتقادات تسطع أنوارها. وإننا ورد علينا كتابكُمْ الْكَرِيم على حَال اشتياق لوارد، وظما إِلَى موارد، حائزا فِي ميدان البلاغة مزية التَّقْدِيم [واصلا سَبَب الْبر الحَدِيث وَالْقَدِيم] إِلَى أَلْفَاظ مصقولة الْأَدِيم، وَمَعَان حلت من الْبَيَان مَحل الكأس من كف النديم، مصحبا بالهدية الجهادية والمقاصد الودادية، والمواعد السّنيَّة، والعزائم المتكفلة بنيل الأمنية. فوقفنا من ذَلِك كُله على أَنْوَاع بر فِي أصنافها مختارة، وضروب فضل تختال من الاحتفا فِي أكمل شارة، وتشير إِلَى مَا وَرَاءَهَا من الْعَزْم الجهادي أكْرم إِشَارَة، من كل طرف ذكى الْجنان، طموح فِي الْعَنَان، مسرج بالهلال، ملتحف بالعنان منقاد، لوحى الطّرف وَإِشَارَة البنان، ممتر فِي كَلَام النَّقْع بذيال السنان، كَأَنَّمَا زاحم النَّجْم بتليله فألجم بثرياه، وقلد بإكليله، وَكَأن الصَّباح غمر وَجهه بمسيله، والنسيم اللدن مسح عطفه بمنديله، ونهر المجرة أبقى البلل فِي تحجيله، فَلَو رَآهُ القس لمثله فِي ظهر إنجيله، متبختر فِيهَا مَشْيه، مختال فِي عصبه ووشيه، يلاعب ظله نشاطا وترفيها، ويطرف عَن مقلة ملئت تيها، وأودع سحر هاروت فهيا وكل صارم صقيل الْحَد، كَامِل الْفَصْل فِي الخد تَمِيمَة [من تمائم الْمجد] مَا شيت من مَاء فِي الْجلد مسكوب، وحزام فِي الغمد منشوب ورومى إِلَى الْهِنْد مَنْسُوب، كلف بالعلا، وازدان بأبهى الحلا، وهام بيض الطلا، حَتَّى بَان نحوله بالهوى ورق جثمانه، وتضاءل بَين الأجفان إنسانه، من اللاءى عودتهما الإيالة الفارسية
خوض الغمار، وجردتها من مخيطها لِلْحَجِّ بَين مقَامهَا والاعتمار، وعلمتها بنثار الجماجم رمي الْجمار، وكل محكمَة الْمِقْدَار محلات ببحث النظار، منظومة الخرز نظم الفقار، أبدعتها أَرْبَاب الْحُرُوف فِي أشكال المحاريب وأبرزتها فِي المرأى الأنيق والشكل الْغَرِيب، تهمز بهَا حُرُوف الْجِيَاد عِنْد سكونها، وتثار عقبان الصُّفُوف من ركُوبهَا. فيالها من هَدِيَّة، أزرى فِيهَا العيان بِالسَّمْعِ، وثنية قَامَت عندنَا مقَام الْجمع، وذكرتنا بازدواجها الْحِكْمَة فِي ازدواج الْجَوَارِح كَالْعَيْنِ والسمع، وعرفتنا بتثنية أشكالها، وانفراد الْكتاب المعرب عَن جلالها، بركَة الْوتر وَالشَّفْع، فأغرينا لِسَان الشُّكْر بخلال مهديها، وأقبلنا وُجُوه الود وفادة موديها، وَقُلْنَا لَا يُنكر العذب من منبعه، وَلَا النُّور من مطلعه، وَلَا الْفضل إِذا صدر من مَوْضِعه. وَهَذِه الْبِلَاد أيدكم الله، أسماع أعدائها مصيخة إِلَى مثل هَذِه الأنباء، وقلوبها من اتِّصَال الْيَد بذلك الْعلَا، محملة بأثقال الأعباء، فَإِذا عرفت اعتناءكم بأمرها، وعملكم على نصرها، واهتمامكم بشأنها، ومواعدكم المتكفلة باتصال أمانها، قصر شَأْن عدوانها، وتضاءل نَار طغيانها، ووازنت الْأَحْوَال بميزاتها. وَنحن إِن ذَهَبْنَا إِلَى تَقْرِير مَا عندنَا من التَّشَيُّع الَّذِي آيَاته محكمَة، ومقدماته مسلمة، فَلَا يعْتَرض مِنْهَا رسم، وَلَا يُنَازع فِيهَا وَالْحَمْد لله خصم. لم يَتَّسِع نطاق النُّطْق لأَدَاء معلومها، وَلَا وفى الْمَكْتُوب بِبَعْض مكتومها، فحسبنا أَن نكل ذَلِك إِلَى من يعلم مَا خَفِي من السرائر، ويبلو مخبآت الضمائر. وعرفتمونا بعزمكم على الْحَرَكَة الشرقية الَّتِي قد حتم زندها فأورى، وأثرتم طرفها فانبرى، وأنكم تمهدون إِلَى الْجِهَاد فِي سَبِيل الله سَبِيلا، وترفعون الشواغب جملَة وتفصيلا، وَلكَون نيتكم الصادقة تقصد هَذَا المرمى، وتخطب هَذَا الْغَرَض الأسمى،
خصكم الله بالأثرة الأثيرة، ونصركم فِي المواطن الْكَثِيرَة، فَإِنَّكُم إِنَّمَا تعاملون من لَا يضيع عمل عَامل، وَلَا يخيب لَدَيْهِ أمل آمل. وَالله تَعَالَى يقدم الْخيرَة بَين يديكم، ويتمم نعْمَته عَلَيْكُم، ويجزل عوارف الْمَوَاهِب لديكم بمنه وفضله. وَاعْلَمُوا، وصل الله لكم سَعَادَة مُتَّصِلَة الْأَسْبَاب، ووقاية سابغة الأذيال ضافية الأثواب، أَنه حضر بَين أَيْدِينَا خديمكم الشَّيْخ الْأَجَل الْأَعَز المرفع أَبُو فلَان، كتب الله سَلَامَته، ووالى كرامته، فألقينا إِلَيْهِ من شكر مقامكم الْكَرِيم، مَا لزم وَوَجَب، وجلونا مِنْهُ بعض مَا تستر بِالْعَجزِ عَن إِدْرَاكه واحتجب، فلمجدكم أبقاه الله الْفضل فِي الإصغاء لما يلقيه، وَالْقَبُول على مَا من ذَلِك يوديه، وَالله سُبْحَانَهُ يصل لكم عوارف آلائه، ويحملكم من مرضاته على مَا يُضَاعف لديكم مواهب نعمايه، ويحقق الظنون فِيكُم من الدفاع عَن دينه، وَجِهَاد أعدائه، وَالْقِيَام بسنن الجلة من خلفائه، وَهُوَ جلّ وَعلا يحفظكم فِي كل الْأَحْوَال، ويسدل عَلَيْكُم عصمته الوارفة الظلال. وَالسَّلَام الْكَرِيم يخص مقامكم الْأَعْلَى، وأخوتكم الفضلى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَكتب فِي كَذَا من التَّارِيخ، عرفنَا الله خَيره.
وَمن ذَلِك مَا كتبت بِهِ للسُّلْطَان أبي عنان الْمَذْكُور رحمه الله، وَقد وَجه إِلَى بَابه سُلْطَان الأندلس أَمِير الْمُسلمين أَبُو الْحجَّاج ابْن نصر رَحْمَة الله عَلَيْهِ، هَدِيَّة تشْتَمل على فره من البغال وَغير ذَلِك. وَهَذَا الْكتاب فقره على حُرُوف المعجم
الْمقَام الَّذِي طيب الأفواه ثَنَاؤُهُ، وطرزت صحف الْحَمد أنباؤه، وزينت
بكواكب المفاخر والمناقب الَّتِي ترك الأول للْآخر مِنْهَا سماؤه، وعَلى أساس الْملك الْأَصِيل وَالْمجد الأثيل بِنَاؤُه، واشتهر اهتمامه بالمكارم واعتناؤه، وتعددت مكارمه العميمة وآلاؤه. مقَام مَحل أخينا الَّذِي بره محتوم الْوُجُوب، وحبه مرسوم فِي أسرار الْقُلُوب، وسعده كَفِيل لِلْإِسْلَامِ بنيل الْمَطْلُوب، ومآثره تشهد بهَا صُفُوف المحاريب ومضارب الحروب. السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا أبقاه الله يمهد قَوَاعِد الْملك الرفيع ويثبتها، ويتقبل الْأَعْمَال الودية بِقبُول حسن، وينبتها، وَلَا زَالَ مَعْصُوما بوقاية الله من كل حَادث، معصوبا مِنْهُ حق الدّين بأقرب وَارِث، معزز أَمنه من السَّمَاء بثالث، مُعظم مقَامه الْجَارِي من التَّعْظِيم لَهُ على منهاج، الصادع بِحجَّة التَّشَيُّع فِيهِ يَوْم تبارى الْحجَّاج، الْمُسْتَند من تأميله إِلَى مُقَدمَات مجد صَادِقَة الإنتاج، المبتهج بِمَا يسنيه الله من أَسبَاب سعادته كل الابتهاج، فلَان.
أما بعد حمد الله الَّذِي أطلع فِي أفق الْإِسْلَام من أنوار إيالتكم المنصورة الْأَعْلَام صباحا، وملأ بهَا الْعُيُون قُرَّة والصدور انشراحا، فجياد الأمل تزهى نشاطا ومراحا، وأعطاف المكارم تبدي اهتزازا، وارتياحا، وَالْإِسْلَام يسْتَأْنف عزا صراحا، ويحمد مغدا فِي ظلّ الْأمان ومراحا. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، رَسُوله الَّذِي طلع فِي سَمَاء الهدا بَدْرًا لياحا ونورا وضاحا، وَكَانَت رسَالَته المؤيدة بِالْحَقِّ لأبواب السَّعَادَة الأبدية مفتاحا. فبذكره تقرع أَبْوَاب الرغبات تيمنا واستنجاحا، وبجاهه نتوسل استنزالا لرحمة الله واستمناحا، وَفِي مرضاته نصل الوداد سدادا لأمته وصلاحا. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه الَّذين كَانُوا غيوثا كلما سئلوا سماحا، وليوثا كلما شهدُوا كفاحا، الباذلين فِي نَصره أَمْوَالًا وأرواحا، المعملين فِي مُظَاهرَة أمره عزائم راضية، ومناصل مَاضِيَة ورماحا، حَتَّى أَدّوا إِلَيْنَا سنته حسانا أحاديثها وصحاحا. وَالدُّعَاء لمقامكم الْأَسْنَى بالنصر الَّذِي يوري
زنده فِي الْعَدو اقتداحا، والعز الَّذِي يضفي على الدّين الحنيف جنَاحا، والصنع الَّذِي يعم البسيطة وهادا وهضابا وبطاحا، وَلَا زَالَ رَأْيه مؤيدا، وَعلمه منصورا، وسيفه سِفَاحًا. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم عزا باذخا، وسعدا ساميا شامخا، وملكا راسيا راسخا. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، وصنع الله باد، ولطفه جلّ وَعلا متماد، والتشيع فِي مقامكم [الْعلي] لَا يحْتَاج مستسلمه إِلَى استشهاد، وَلَا يفْتَقر جاهله إِلَى إِعَادَة وَلَا ترداد. وجنابكم بعد الله، هُوَ الْمُعْتَمد إِذا اضْطر إِلَى إِعَانَة وَجِهَاد أَو التمَاس إرفاد. وَإِلَى هَذَا عرفكم الله عوارف السَّعَادَة جملا وافذاذا، كَمَا جعلكُمْ فِي مهمات الدّين ملاذا، وَمن وَقع الخطوب عياذا. فقد علم وتقرر، وتأكد وتحرر، ووضح وضوح الصَّباح لمن أبْصر،، مَا عندنَا من الود الَّذِي تألق نوره، وَثَبت فِي صحف الخلوص مسطوره، وخلصت من الشوائب بحوره، وتحلت بجواهر الصَّفَا نحوره، فَهُوَ على الْأَيَّام، يخلص خلوص الإبريز، وتصفو حلله مونقة التطريز، وتتحصن مضمراته من معاقل الِاعْتِقَاد الْجَمِيل بِالْمحل الحريز، وتنتصب حُقُوقه الجمة للعيان مَعَ الأحيان على التَّمْيِيز. وَكَيف لَا تحل كرام صنائعكم من متبوأ الشُّكْر بِالْمحل المغبوط، وتتلازم مُوجبَات الثَّنَاء على ملككم الرفيع الْبَنَّا، تلازم المشروطات مَعَ الْمَشْرُوط، وتختال مكارمكم من الإشادة بمواليها، والإذاعة لمقدمها وتاليها، فِي البرود المذهبة والمروط، وَقد شَمل هَذِه الْبِلَاد مِنْكُم الرعى واللحظ، وكرم
مِنْكُم فِي إمدادها وإنجادها الْمَعْنى وَاللَّفْظ، وتوفر لَهَا من اعتنايكم الكفل وَالْحِفْظ وأننا بِحَسب هَذَا الِاعْتِمَاد والاستمساك، والود الْمُسْتَقيم الأفلاك، والولا الَّذِي يصرع نوره دياجي الأحلاك، نود أَن لَا يمر جُزْء من الزَّمَان إِلَّا عَن رِسَالَة تعْمل، أَو مُخَاطبَة تتحمل، أَو مُكَاتبَة تحْشر فِيهَا حُرُوف الهجا كهذه فَلَا تعْمل، أَو وَجه تَعْرِيف يسْتَقْبل، أَو استطلاع لما يسنيه لله من مزِيد عناية ترجى لكم وتؤمل. وَإِن كُنَّا لَا نسوف الْإِمْكَان بِهَذَا الْغَرَض الحري بالتقديم، وَلَا نغفل صلَة الحَدِيث بالقديم، وَلَا نَبْرَح عَن التَّكْمِيل لَهُ والتتميم، قد جعلنَا ذَلِك شَأْنًا، واستشعرناه سرا وإعلانا، وشغلنا بِهِ لِسَانا وجنانا، فودنا على الاستكثار حَرِيص، وَله مَعَ الْعُمُوم تنصيص، وَمن بعد الْعُمُوم تَخْصِيص. وغرضنا لَو نستنفد الْأَوْقَات فِي فروض بر تقضى، واغتنام ملاطفة ترْضى، واستحثاث مراسلة تنفذ وتمضي. وَلأَجل ذَلِك رَأينَا أَن أوفدنا على بَابَكُمْ من يجدد عهدنا بأنباء ذَلِك الْمقَام السعيد الْمطَالع، الرفيع المصاعد والمصانع وَينْهى إِلَيْنَا عَنهُ إِن شَاءَ الله قُرَّة الْعُيُون وسرور المسامع، وشافهنا بِمَا يتَأَكَّد قبله من نعْمَة الله سابغة، ومنة مِنْهُ سَابِقَة، وموهبة بَالِغَة، فيشاركه فِي الشُّكْر على فضل الله المترادف، ويسره البادي والعاكف، ونسئله صلَة مَا عود من اللطائف، ونرى أَن مَا ينشأ بِتِلْكَ السما من غيث، ففضله عَائِد على هَذِه الْآفَاق، وَأَن مَا يرومه من تمهيد الأقطار، وتأمين الرفاق، ذَرِيعَة إِلَى الْجِهَاد فِيهَا، وتخليد الذّكر الباق. هيأ الله من حلل الْعِزّ مَا يسْتَأْنف لِبَاسه، وَمن مصانع الصنع مَا يمهد أساسه ويسنى بِهِ قومه الْكِرَام وناسه، وأبقاه لفخر فَاش، وَحمد يشي حلته واش، وَفضل لَا يخْتَلف
عَلَيْهِ رَاكب وَلَا ماش. فَبَعَثنَا فِي هَذَا الْغَرَض مولى نعمتنا غَالِبا، وصل الله لَهُ، بالوجهة إِلَى بَابَكُمْ، أَسبَاب الوجاهة، وَحفظ عَلَيْهِ لِبَاس الحظوة والنباهة، وألقينا إِلَيْهِ فِي هَذَا الْمَعْنى مَا يجدي إِلَى غَايَته القصوى، وجلالكم الَّذِي مآثره تردى، ومكارمه تردها الهيم فتروى، يعلم أننا جعلنَا بَين يَدي حركتكم السعيدة بَالا، فيوليه قبولا وإقبالا، وينعم بالإصغاء إِلَيْهِ على عَادَته الَّتِي راقت جمالا، وفاقت كمالا، فسح الله لَهُ فِي السَّعَادَة مجالا، وَجعل لَهُ النَّصْر مَآلًا. وَالسَّلَام العاطر رياه الرَّائِق محياه، الْمُعْتَمد بِالرَّحْمَةِ وَالْبركَة أسحاره وعشاياه، يخص مقَامه الَّذِي كرمت خَصَائِصه ومزاياه، وَطَابَتْ شمائله الزكية وسجاياه، وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته.
وَفِي مدرجة طي هَذَا الْكتاب
يَا مَحل أخينا، وصل الله بقاءكم، ووالى فِي سَمَاء السعد ارتقاءكم، حملنَا الود الَّذِي ملك الإدلال مقادته، وكفل الخلوص إبداءه وإعادته، أَن وجهنا إِلَى بَابَكُمْ الْعلي، وصل الله إسعاده، وفسح فِي الْعِزّ آماده، أَن يتفضل بقبوله الَّتِي تستقبلان بهَا إِن شَاءَ الله وُجُوه السَّعَادَة، وجهنا مَعهَا مَا أمكن من الدَّوَابّ البعلية، مِمَّا أَن عَسى يسْعد بِخِدْمَة مثابتكم الْعلية، على سَبِيل السَّمْح وَسنة الْهَدِيَّة. وَلَو وَقع فِي الْهَدَايَا الِاعْتِبَار، ولوحظت الأقدار. لم يُوجد فِي الْوُجُود مَا يتَعَيَّن لذَلِك الْمقَام الْكَرِيم هَدِيَّة، فيسلك فِي مُكَافَأَة فَضله سَبِيلا سوية، وَإِن قصرت الْأَعْمَال فَمَا قصرت النِّيَّة. وَالسَّلَام.
وَمن ذَلِك جَوَاب على هَدِيَّة بعث بهَا سُلْطَان الْمغرب أَمِير الْمُسلمين أَبُو عنان رَحْمَة الله عَلَيْهِ وَلم يصل كتاب مَعَ الْهَدِيَّة
الْمقَام الَّذِي يهب الْجِيَاد عرابا، ويرسلها أسرابا، ويصل للأمداد أَسبَاب، ويقدح الْعَزْم شهابا. مقَام مَحل أخينا الَّذِي نؤمل مِنْهُ ظهيرا مدافعا، ونصيرا لأعلام الْملَّة رَافعا، ونستوكف من غمام عزماته السامية القتام ريا نَافِعًا السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله وهباته جزيلة، ومقاصده فِي الْإِسْلَام جميلَة، ومظاهرته بِكُل أمل كفيلة. مُعظم قدره الْكَبِير، الْمثنى على فَضله الشهير، ومجده الْأَثِير، الْأَمِير عبد الله فلَان. سَلام كريم يَجعله الْبَدْر تاجا فَوق جَبينه، وَيحمل مِنْهُ الْفَخر الصَّادِق لوا بِيَمِينِهِ، يخص مقامكم الْأَعْلَى وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
أما بعد حمد الله فاتح أَبْوَاب السَّعَادَة لمن تمسك بِسَبَب طَاعَته، وموضح أَسبَاب نجح الإدارة ونيل الْإِرَادَة لمن أفرده بمقام رغبته وضراعته، جَاعل التواصل فِي ذَاته علاجا يكفل بصلاح الْأَحْوَال من حِينه وساعنه. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، ضَامِن حسن الْمَآل، وعقبي الظفر بالآمال، لمن تعلق بسنته وجماعته، وَعقد بجاهه المكين أكف طَاعَته، صَاحب الْحَوْض المورود، واللواء الْمَعْقُود، المجير بوسيلته، المنقذ بِشَفَاعَتِهِ. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، وأحبابه وأحزابه، الَّذين أنفوا لدينِهِ الْحق من إهماله وإضاعته
وكلفوا بإظهاره وإعلائه، وإشهاره وإذاعته. وَالدُّعَاء لمقام أخوتكم السُّلْطَانِيَّة، وصل الله ترفيع شَأْنه، وحرس جَوَانِب سُلْطَانه، وَولى الدفاع عَن أوطانه، بالسعد الَّذِي يَخْدمه خطى الْكَتَائِب بسنانه، وَخط الْكتب ببراعة، والصنع الَّذِي يقوم الْوُجُود لأنبائه، المبشرة بِحَق إشاعته، [وَيعْمل فِيهَا] الْبَيَان جهد استطاعته. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم سَعْدا، تسطر فِي نصر الْإِسْلَام جمله، ونصرا يدنو بِهِ [للدّين الحنيف أمله، وَعزا يَبْدُو بِهِ] سروره وجدله. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وحبكم فِي ذَات الله لاحبة سبله، وأخوتكم يمحضها التَّشَيُّع ضافية حلله. وَإِلَى هَذَا وصل الله لكم سوابغ الآلاء، وحرس مَا لأخوتكم الفارسية من الْعلَا، فَمن الْمَعْلُوم عَامَّة وَشرعا، والذائع الَّذِي لَيْسَ لَهُ نكرا وَلَا بدعا، أَن الْهَدِيَّة، وَإِن كَانَ غيثها رذاذا، وحسناتها أفذاذا، يستخلص ضمائر المودات، وتزكى نقود الأذمة المعتقدات، فَكيف إِذا كَانَت جيادا عتاقا، وجردا تستبق الصَّرِيخ استباقا، ومذاكي مَلأ الشموس مِنْهَا أحداقا، وأتلع الْعجب لَهَا أعناقا. وأنفا وَردت علينا هديتكم الَّتِي غنيت بدالة الْحسن عَن خطاب يلْتَمس لَهَا أذنا، وَكتاب يزيدها حسنا من كل جواد يرد من مَاء الشبيبة ري جواد، [ويقضم حب] كل فؤاد، تود الْأَهِلّة أَن تكون لَهَا سروجا، وخضراء السما أَن تصير لسرحها مروجا، وترتاح إِلَى الْجِهَاد فِي سَبِيل الله أعطافها، وتجنح إِلَى الاختضاب بمهج أسود الغاب أطرافها، وتكلف بالاتصال بِسُورَة الْأَنْفَال أعرافها، فيا لَهَا من كَتِيبَة، أغنت عَن الْكتاب،
وطليعة أنس من الإعتاب بعد العتاب، كَأَن خضرها غمسن فِي مَاء الشَّبَاب، وشهبها تحلين فِي بيض الدما بساطع الجلباب، وحمرها استرفقن صنع الأنامل المطرقة بالعناب، فبرز إِلَى مشاهدتها النظار، وسارت بوفادتها الْأَخْبَار، وسر الْمُسلمُونَ لَهَا، وسيء الْكفَّار. وَكَيف لَا تنظم بهَا للبشرى عُقُود، وتحسب أكف الأنامل بيسر منقود، وَقد أخبر الصَّادِق عليه السلام، إِن الْخَيْر فِي نَوَاصِيهَا مَعْقُود. وَلما مثلت لدينا تِلْكَ الْجِيَاد، وَالرَّوْض الَّذِي صدق فِيهِ الارتياد رأى أَن يَهْتَز فِي أدواحه، الأسل المياد، وعينا لَهَا فِي الْحِين المواقع الَّتِي عينهَا الِاجْتِهَاد، ورضيها الْجِهَاد، وارتضاها الارتباط فِي سَبِيل الله والاستعداد. قابلنا الْهَدِيَّة بالثناء وَالِاسْتِحْسَان، وَقُلْنَا لَا يُنكر الوابل على الْغَمَام الهتان، وَالْفضل على مثابة من مثابات الْعدْل وَالْإِحْسَان. وَقد كَانَ ذاع الْخَبَر الَّذِي ترَوْنَ فَوق أعطاف الْإِسْلَام مِنْهُ الحبر، بِمَا صرف الله إِلَيْهِ عزمكم من تَجْدِيد مَا درس، وإحياء مَا ألقح سلفكم واغترس من الأساطيل السابحة، وَالتِّجَارَة الرابحة، والأعمال الْبَاقِيَة الصَّالِحَة، وَإِن الإنشا قد استدعى إِلَيْهِ الْخلق والعزم، تتبلج مِنْهُ الصَّباح الطلق، وشيم مِنْهُ الْبَرْق، وَذهب الْفرق، فَلَا تسلوا عَن موقع هَذِه الأنبا، من صديق يعدها فضلا من الله وَمنا، وعدو يسيء بِهِ ظنا، فَلِكُل مِنْهَا شرب مَعْلُوم. وحظ مقسوم، جعله الله قصدا بحجه محتوم، وغرضه بمناصحة الله وَالْمُسْلِمين مرسوم. وَحضر بَين يدينا مؤدى الْهَدِيَّة السّنيَّة خديمكم فلَان، وَألقى من مقاصدكم الجميلة، وأعراقكم الأصيلة، ومواعيدكم الكفيلة، مَا أغرينا بِهِ لِسَان الشُّكْر بأقسامه، وأقبلنا مرْآة الْبر مشرق قسامه، وحملناه من
تَقْرِير مثله، مَا يَفِي إِن شَاءَ الله بإتمامه، وَإِن تشوفتم إِلَى أَخْبَار النصري، فَلم يزدْ بعد مَا تقدم بِهِ إعلامكم إِلَّا أَن طاغيتهم رأى أَن يعاجل من أخوته من لَهُ بِبِلَاد الْمُسلمين اتِّصَال، وَفِي الاستنصار بهم خِصَال. وليكون مِنْهُ لما سوى ذَلِك مِمَّن يسْتَدرك أمره بعد الْوَقْت إغفال، فطوى المراحل ونازل أَخَاهُ المبشر، صَاحب قنطرة السَّيْف بِمَدِينَة شقورة، وَأقَام عَلَيْهِ ثَمَانِيَة أَيَّام بَين قتال لم يجد مَعَ مَنْعَة الْمَدِينَة معنى ومرام صلح أبي الله أَن يتسنى، واتصل بِهِ غياث من خلف وَرَاء ظَهره فِي أرضه وَهلك بعضه وَالْحَمْد لله بِبَعْضِه، فارتحل عَن منزله الَّذِي نزله، وَرجع أدراجه، وَلم يبلغ أمله. هَذَا مَا عندنَا فِي شَأْنه، وَمَا يتزيد نعرفكم بِهِ لمكانه، وَنحن على مَا يجب لأخوتكم من التَّعْظِيم والإجلال، وَالثنَاء بِمَا لكم من الشيم الْكَرِيمَة والخلال. وَهُوَ سُبْحَانَهُ يبلغ الْجَمِيع من مرضاته غَايَة الآمال. فَهُوَ ولى الْإِجَابَة، وملجأ السُّؤَال. وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
وَأهْدى أَيْضا جمالا مختارة بعث بهَا إِلَى الأندلس، فصدرت عَن ذَلِك مُرَاجعَة من إملاءي بِمَا نَصه
الْمقَام الَّذِي من هباته الْإِبِل الهادرة، وَالْبدن المسارعة، إِلَى دَاعِي [الله الْمُبَادرَة] قمنا فِيهِ المناقب الفاخرة، ومكارمه فِي ضمنهَا الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
مقَام مَحل أخينا الَّذِي إِن وهب احتفل، وَإِن اعْتمد فِي الله كفى وكفل. فجلاله فِي حلل المكارم قد رفل، وشهاب سعده من بعد الشرون مَا أفل. السُّلْطَان الكذا، ابْن السُّلْطَان الكذا. أبقاه الله، ومبراته فروض مُؤَدَّاة، وسيوفه [هندية، وعطاياه] هنيدات، وَلَا زَالَ ينجز مِنْهُ بالنصر على أَعدَاء الله عدات، ويصرخ دينه مِنْهُ، جنود مجندات. مُعظم قدره، وملتزم بره، المطنب فِي حَمده وشكره فلَان. سَلام كريم بر عميم، يخص مقامكم الْأَعْلَى وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
أما بعد حمد الله، مطرز صَحَائِف الْأَعْمَال بالرسائل الْبرة، ومروض رياض الآمال بسحائب النعم الثرة، الَّذِي وضع عدله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قسطا من الجزا، فَلَا يضيع مِثْقَال ذرة، [وَلَا أقل من مِثْقَال ذرة] معود هَذِه الجزيرة من أوليائه الْكِرَام السِّيرَة، من يتعاهدها بالإرفاد والإمداد فِي الْقَدِيم والْحَدِيث، الْمرة بعد الْمرة، ويعاملها برعى الْمصلحَة ودرء الْمضرَّة، فثغورها تبتسم عَن الثغور المفترة، وتحيل عَلَيْهَا ريح الأنبا السارة رَاح المسرة. وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، مُؤَمل الْأَنْفس العائذة، وملجأ الأكف المضطرة، الدي بالتواصل فِي ذَاته نستجلي سَعَادَة الْحَال وَالْمَال رائقة الْغرَّة، ونقتبل وُجُوه الْعِنَايَة الإلهية متألقة الأسرة. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه أولى السجايا الْكَرِيمَة، والفضائل العميمة، والنفوس الْحرَّة، وَالدُّعَاء لمقامكم الأسمى بالسعادة الدائمة المستمرة، والنصر الَّذِي يمْضِي نصله فِي عَدو الله أَيدي الْقُدْرَة، ولازال عز ملككم يوالي سَبِيل الْجِهَاد والرباط وَالْحج وَالْعمْرَة، ويوضح خطيه فِي خطّ الدفاع عَن الدّين أشكال النُّصْرَة، وقتضي لغريم الْإِسْلَام دين مَا وعد الله من الكره. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم من حظوظ السعد أوفرها، وأقطعكم من جَوَانِب الصنع أينعها وأنضرها، وَتَوَلَّى صنائعكم الجميلة، بشكرها. من حَمْرَاء غرناطة
حرسها الله، وَالثنَاء عَلَيْكُم يسْتَغْرق أَوْقَات الزَّمَان آصالها وبكرها، وفضائلكم هى الشَّمْس ضل من أنكرها. وَإِلَى هَذَا وصل الله علاءكم، وَنشر بالنصر على أَعدَاء الله لواءكم، فإننا نَعْرِف جناب أخوتكم السُّلْطَانِيَّة، بعد تَقْرِير الشُّكْر، وتمهيد قَوَاعِد الْبر، بورود الْهَدِيَّة الغريبة، السافرة عَن يمن النقيبة، وَفضل الضريبة، هَدِيَّة الْجمال، اللابسة أَثوَاب الْجمال، والقلاص الَّتِى أَصبَحت بِحمْل أزواد أهل الْجِهَاد ذَات اخْتِصَاص. فَلَقَد طلع مِنْهَا على هَذِه الْبِلَاد الْمُبَارَكَة، ركب لَهُ فِي الْعِنَايَة والأصالة مجَال، رحب من كل نجيب، ماثل فِي المرأى العجيب، وكرما إِلَى الْأَنْسَاب الْعَرَبيَّة ذَات انتما كَأَنَّهَا أهلة حلك، أَو قسى من دارة الْفلك، سفارين بر، وخزائن قَانِع ومعتر، وَكَيف لَا يسنح لَهَا بِالْيمن طير، وَيكون لَهَا فِي مجَال السَّعَادَة سير، وَالله عز وجل يَقُول لكم فِيهَا خير، أذكرت أهل هَذِه الْبِلَاد أَيَّام الْحَج والثج، وصيرت طَرِيق الْجِهَاد كطريق الْحَج. ترهق فتجيبها الصواهل، وَتعرض عَن الما، فتشتاق إِلَيْهَا المناهل. وَوصل مؤديها فلَان، وَهُوَ الْخَبِير بجزثياتها، والحافظ لمعانى آياتها، وَمن أنس بجوارها طبعه، وطرب بحدايها سَمعه، واتسع لمعْرِفَة أحوالها ذرعه. وَكَانَ أمله يقدم بهَا على حضرتنا إبلاغا فِي المبرة، وتضمنا للمسرة إِلَّا أننا رَأينَا أَن نعفيها من السّفر ترفيها، ونرفع عَنْهَا من توعر الطَّرِيق، مَا يتَوَقَّع أَن يُؤثر فِيهَا، ونتركها بفحص مالقه حرسها الله فِي مسرح يخصبها عشبه، ويرويها شربه، إِلَى أَن نشاهدها بالعيان، ونعطى حروفها من الخطابة عَلَيْهَا مَا يَقْتَضِيهِ علم الْبَيَان. وَنحن نقابل مقاصدكم الفاضلة بالثناء وَالِاسْتِحْسَان، ونشكر مَا لأخوتكم الفاضلة من المزايا الْبرة والسجايا الحسان. وَالله تَعَالَى يصل لكم سَعْدا وثيق الْبَيَان، ويعلى بمظاهرتكم
إيانا شعار الْأَيْمَان. وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصل سعدكم، ويحرس الطَّاهِر مجدكم، ويضاعف نعمه عنْدكُمْ بمنه. وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَكتب فِي كَذَا من التَّارِيخ عرفنَا الله خَيره وبركته.
وَمن ذَلِك مَا كتبت بِهِ عَن السُّلْطَان أبي الْحجَّاج رَحْمَة الله عَلَيْهِ جَوَابا عَن هَدِيَّة بعثها السُّلْطَان أَبُو عنان مُشْتَمِلَة على خيل وعدة من المهندات وَالذَّهَب الْعين
الْمقَام الَّذِي من سجاياه الشيم الغلا، وَمن عطاياه الجرد الْعتاق تختال فِي الحلا، وتحاسن عقبان الجو وغزلان الفلا، وَالْأَحْوَال الَّتِي جلا، روض الْجُود من أزهار صفرائها للوجود أبهى مجتلا. مقَام مَحل أخينا الَّذِي قسم زَمَانه بَين رفد مقسوم، ووعد بِالصّدقِ مَوْسُوم، وَفضل فِي صحف الْمجد مرسوم. السُّلْطَان الكذا أبي عنان [ابْن السُّلْطَان أبي الْحسن ابْن السُّلْطَان الكذا أبي يُوسُف يَعْقُوب بن عبد الْحق] أبقاه الله عالي الهمم، متوالي الْجواد وَالْكَرم، مجمع يَمِينه من سيفها المرهوب، وسببها الْمَوْهُوب، بَين الرّيّ والضرم، وتأمن النُّفُوس فِي ظلّ عدله الْمَمْدُود، وفضله الْمَقْصُود أَمن حمام الْمحرم، وَلَا زَالَ ثَنَاؤُهُ فِي الْخَافِقين كنصر خافق الْعلم، وأخبار عزه الْمَأْثُور، ومجده الْمَشْهُور هجير اللِّسَان والقلم. [وأنوار سعده ماحية للظلم] وعزمات سيوفه ترتقب فِي الفضا أمد السّلم قبض السّلم. مُعظم أخوته الرفيعة، الْمثنى على مَاله من كرم الصنيعة، الْمُسْتَند من التَّشَيُّع إِلَيْهِ، [والاعتداد بِهِ] إِلَى المعاقل المنيعة. [الْأَمِير عبد الله
يُوسُف بن إِسْمَاعِيل بن فرج بن نصر] سَلام كريم، طيب عميم، يخص مقامكم الأسمى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
أما بعد حمد الله الَّذِي جعل الشُّكْر على المكارم وَقفا، ونهج مِنْهُ بازايها سَبِيلا لَا يلتبس وَلَا يخفى، وَعقد بَينه وَبَين الْمَزِيد سَببا وحلفا، وَجعل الْمَوَدَّة فِي ذَاته مِمَّا يقرب إِلَيْهِ زلفى، مربح تِجَارَة من قصد وَجهه بِعَمَلِهِ، ومبلغه من الْقبُول أقْصَى أمله، حَتَّى يرى الشَّيْء ضعفا، وَالْوَاحد ألفا، وناصر هَذِه الجزيرة من أوليائه الْكِرَام السِّيرَة، بِمن يوسعها فضلا وعطفا، ويدني ثمار الآمال يتمتع بهَا اجتنا وقطفا. وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد النَّبِي الْعَرَبِيّ الْكَرِيم، الرؤوف الرَّحِيم، الَّذِي قد من الرَّحْمَة على الْأمة سجفا، وملأ قلوبها تعطفا وتقاربا ولطفا، القايل من أَيقَن بالخلف، جاد بِالْعَطِيَّةِ، ووعد من عَامل الله بِرِبْح الْمَقَاصِد السّنيَّة، وَعدا لَا يجد خلفا. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، الَّذين كَانُوا من بعده لِلْإِسْلَامِ كهفا، وعَلى ى أَهله فِي الهواجر ظلا ملتفا، غيوث الندا كلما ساموا سماحا، وليوث العدا كلما شهدُوا زحفا. وَالدُّعَاء لقام أخوتكم الأسمى، بالنصر الَّذِي يكف من عدوان الْكفْر كفا، والعز الَّذِي يغض من الشّرك نَاظرا ويرغم أنفًا، وَالْمجد الَّذِي لَا يُغَادر كِتَابه فِي المفاخر الَّتِي ترك الأول مِنْهَا للأخر حرفا، والعزم الَّذِي يُفِيد جوارح الْإِسْلَام قُوَّة لَا تعرف بعْدهَا ضعفا. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم سَعْدا خافقا علمه. وَعزا يتبارى فِي ميدان الِاسْتِقْلَال بِحَسب وظائف الْأَعْمَال سَيْفه وقلمه، وفخرا تجلى بِهِ عَن أفق
الدّين الحنيف ظلمه، ويشفى بعلاجه الناجع ألمه، وشكرا عَن هَذِه الْبِلَاد جودكم الَّذِي وكفت ديمه، وَأبقى عَلَيْهَا وجودكم الَّذِي راقت شيمه. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله تَعَالَى، والتشيع فِيكُم لَا يعرف النّسخ محكمه، وَلَا يقبل الالتماس معلمه. وَإِلَى هَذَا شكر الله عَن الْإِسْلَام صنائع مقامكم، وعرفكم عوارف الْعِزّ فِي غرر أيامكم. فإننا وصلنا كتابكُمْ الْكَرِيم الْوِفَادَة، الْعَظِيم الإفادة، مصحبا بالهدية الَّتِي صحبها الْكَمَال، وصدقت فِي احتفائها واحتفالها الآمال، واشتملت على نكايتي الْعَدو، وهما الْخَيل وَالْمَال، فَكَأَنَّهُ كَانَ لِوَاء نصر خَفق أَمَام كَتِيبَة، ونسيم زهر عبق عَن رَوْضَة عَجِيبَة. وَيَا لَهَا من هَدِيَّة اتخذ النَّاس يَوْمهَا عيدا، وموسما سعيدا، وعزما رَآهُ الْعَدو قَرِيبا، وَكَانَ يحسبه بَعيدا، نتيجة الهمة الَّتِي تقف الهمم دون مداها، وتستقري الغيوث مساقط نداها، والشيم الَّتِي ترى العواذل فِي الْوُجُود من عَداهَا. فَلَو خير الْمجد لما بعد مداها. وقفنا من مضمنه على لجة جود، للسان فِيهَا سبح طَوِيل، ومحجة فضل للأقلام فِيهَا نصر من كل طرف وسم بالصباح مِنْهُ جبين، ناشي فِي الْحِلْية وَهُوَ فِي خصام الْحَرْب مُبين، من أَشهب للشهب فارح، ولإحراز الغايات مسارع، حاسر فِي شكل دارع، كَأَنَّمَا خلعت عَلَيْهِ البزاة الْبيض صدورها، وقلدته الْكَوَاكِب شذورها، وأشقر عسجدي اللبَاس، شعلة من شعل الباس، كَأَن أُذُنه ورقة الآس، وغرته الحبابة الطافية فِي الكاس. وأحمر وردي الْأَدِيم، حايز فِي حلبة الْحسن مزية التَّقْدِيم، كَأَنَّمَا صنع من العندم، أَو صبغ بالرحيق المغدم، يحْسد الْأسد الْورْد فِي لَونه، ويدعى الرّيح أَنَّهَا مَادَّة كَونه. وكميت مَا فِي خلقه من أمت، كَأَنَّهُ قِطْعَة من الغسق خالطت دهمتها حمرَة الشَّفق. وقرطاسي كَأَنَّهُ درة سمع اسْتِحْسَان الْغرَر فجَاء وَكله غرَّة، كَأَنَّهُ أفق الْفجْر، وسرجه هلاله، وخالص الدّرّ
وصدفه جَلَاله. وأدهم زنجي البزة، مُرْتَد برداء البأو والعزة، كَأَن الْعُيُون النجل نفضت علها سوادها، والغصون الملد عَلمته انثناءها وانقيادها. وكل صَامت نَاطِق متصف بزينة معشوق ولون عاشق مريني المنتمى وَالضَّرْب، عدَّة فِي السّلم وَالْحَرب، قَامَت قِيَامَة الْعَدو لطلوع شمسه من الغرب، أشبه شمس الْعَالم فِي استدارة قرصه، وانتقال شخصه، واعتدال طبعه، وَعُمُوم نَفعه، تعشو غيون الْأَمَانِي إِلَى ضوء ناره، وتدور فرَاش المطامع حول أنواره، وتحوم نحل الآمال على نواره، وكل صقيل الفرند، مَنْسُوب إِلَى الْهِنْد، يخْطب من الْكَلَام بمقتضبه، ويضحك فِي الروع عِنْد غَضَبه، وَمن الْآلَات كل ماثلة فِي المرآى الْجَمِيل [بعض مغمزها إِلَى السمعيل] فَمن للسان الشكران أَن يُوفى حَقًا أَو يَهْتَدِي فِي هَذِه الْبَيْدَاء طرقا. إِنَّمَا نكل الشُّكْر لمن سمحتم بذلك المدد فِي سَبيله، وأملتم فِيهِ موهبة قبُوله. فَمَا هِيَ فِي التَّحْقِيق إِلَّا كتائب لِلْعَدو جهز ثَمَرهَا، ومواعد نصر أنْجز نموها، ومناقب أسلاف جددتموها وأحرزتموها. وَحضر لدينا رَسُولكُم فلَان فَألْقى من القَوْل الَّذِي صدقه الْفِعْل، وَاللَّفْظ الَّذِي شَرحه الْمجد وَالْفضل، وَمَا أوثق أَسبَاب الآمال وَوَصلهَا، وأحرزها وحصلها، وَقرر اعْتِقَاد الود الْجَمِيل وَأَصلهَا. وَقد رَأَيْتُمْ بالاستقرار الصَّرِيح، وَالنَّظَر الصَّحِيح، مَا أثمر اعتناؤكم بِهَذَا الْقطر المتمسك بأسبابكم، الْمُعْتَمد على جنابكم من صلَة نصركم، وإعزاز أَمركُم، واتساق سعدكم، وإسعاف قصدكم، فاشكروا الله الَّذِي
أجْرى الْخَيْر على يديكم، وألهمكم مَا يحفظ نعمه الجزيلة لديكم، ويضفي ستر عصمته عَلَيْكُم. وكتبنا إِلَيْكُم هَذَا الْكتاب، فَلَو أَن حمرَة مثله مُعْتَادَة حَسْبَمَا اقْتَضَاهُ عرف وَعَادَة، لقلنا خجل من تَقْصِيره، فعلته حمرَة الخجل لما ضَاقَ عَن مُرَاده ذرع المروى والمترجل، لاكن على إغضا ذَلِك الْمقَام الْمُعْتَمد، فَهُوَ الَّذِي يعد مِنْهُ فِي الْفضل الأمد. وَالله يصل سعدكم [ويحرس مجدكم] وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
وكتبت أَيْضا
الْمقَام الَّذِي بر ووفى، وكفل وَكفى، وخلص على كدر الزَّمَان وَصفا، وشفا الْأَمر على شفا، وَأوجب مَا أوجبه الْمجد ونفا، وسجل عقد الرعى والوفا الحميد السَّعْي، فاستقل رسمه وَاكْتفى، وسكنت صولة عزه ريح الْكفْر وَقد كَانَ هفا، وَقَامَت على قَصده الْجَمِيل الْأَدِلَّة [الَّتِي تسعد] بهَا الْملَّة مِمَّا بدا عَمَّا خفا. مقَام مَحل أَبينَا الَّذِي إِلَى ظلّ فَضله الِاسْتِنَاد، بِحجَّة نَصره يرْتَفع العناد، وعَلى مجده الِاعْتِمَاد، وتشيعنا إِلَى أبوته يشْهد بِهِ الْحَيّ والجماد، أبقاه العناد، وعَلى مجده الِاعْتِمَاد، وتشيعنا إِلَى أبوته يشْهد بِهِ الْحَيّ والجماد، أبقاه الله يخلف أولياءه فِي أبنائه أحسن الْخلف، ويتحلى من حسن الْعَهْد بأكرم مَا يُؤثر عَمَّن شهر من السّلف، ويتحمل فِي سَبِيل الله ثقيل المون وباهظ الكلف، وحرس بدر علاهُ من السرَار والكلف. مُعظم مقَامه، وملتزم إجلاله وإعظامه، فلَان. سَلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
أما بعد حمد الله الَّذِي لَا تحصى آلاؤه، وَلَا تعد صنايعه، وَلَا تفْتَقر إِلَى الْمثل المحدودة والرسوم المتلوة بدايعه، قيوم السَّمَوَات وَالْأَرْض، فَلَا يناويه ضد، وَلَا ينازعه، الَّذِي يعلم السِّرّ وأخفى، فَمَا من ضمير إِلَّا وَهُوَ مجتليه وَلَا ندا إِلَّا وَهُوَ سامعه، فَمن توكل عَلَيْهِ، وَأسْندَ الْأَمر إِلَيْهِ. أحسبت بِالْخَيرِ العاجل والآجل مطامعه، وَمن توكل على فَضله، علت مراتبه، وأخصبت مرابعه. وَالشُّكْر لنعمه الباطنه وَالظَّاهِرَة، والمزيد مِنْهَا مقترن بالشكر متتابعه. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، نور الْكَوْن الذى بهر ساطعه، وبرهان النُّبُوَّة الَّذِي فصح المعاندين قاطعه، الَّذِي أنارت بمصباح آيَاته الْبَينَات، مراقب الْهدى ومطالعه، وغمام الرَّحْمَة الَّذِي أغاث الْعباد والبلاد هامعه. فَإِن توقع الْخطب فجاهه دافعه، أَو عظم الذَّنب، فَهُوَ فِي الْقِيَامَة شافعه، وأنموذج الْكَمَال الَّذِي اشْتَمَلت على المكارم أخلاقه وطبايعه، وعنوان أَمر الله، يُبَايع الله من يبايعه، ويشايع الْحق الْمُبين من يشايعه. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه الَّذين أُقِيمَت بهم من بعده شعائره وشرايعه، وحفظت رسوم دينه فروعيت مَصَالِحه، وسدت ذرايعه، فضفت بِالْبرِّ وَالتَّقوى مدارعه، وأثمرت استقامة الْأَحْوَال ونجاح الْأَعْمَال مزارعه، وشقى بهم عاصيه وَسعد طايعه، وتأرج عَن رياض الْحق نسيم ثنايهم الْجَمِيل فنم ذايعه، وَالدُّعَاء لمقام أبوتكم بالصنع الإلآهي، الَّذِي يشْهد بالعناية الأزلية رايقه ورايعه، والنصر الَّذِي يتجلى [فِي منصات المنابر فتكاته بالْكفْر وَوَقَائعه. والسعد الَّذِي يتجلى] تجلى الصَّباح الطلق، فَلَا
يخفى عَن أعين الْخلق ناصعه، والعز الَّذِي لَا تناجزه الكتايب الْمُشْتَركَة وَلَا تدافعه، وَلَا زَالَت الأقدار الإلآهية توافقه وتطاوعه. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم من فَضله أَسْنَى مَا أثبت الخلفا الكفلا وَكتبه، وَأوجب لكم من جزا الْأَئِمَّة الأوفيا خير مَا أوجبه، وكافأ ملككم الَّذِي تقلد مَذْهَب أهل الْحق وارتكبه، وجدد عَادَة الْفضل، وَوصل سَببه، بِمَا يكافي بِهِ من أخْلص إِلَيْهِ النِّيَّة فِيمَا وهبه، وعضد الرَّعْي الَّذِي وَرثهُ، بالرعي الَّذِي كَسبه، وَولى وَجهه شطر مَا عِنْد الله وَقصر عَلَيْهِ طلبه. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، وَنعم الله علينا، ببركة أبوتكم منسحبة ظلالها، وآلاؤه متوال نوالها، نتعرف وُجُوه السَّعَادَة يروق جمَالهَا، ونترجى بنيتكم سبل الْمصَالح، الَّذِي يحمد مآلها، ونستزيد من جميل نظركم مَا تطاوع بِهِ للنفوس آمالها، وَعِنْدنَا من الثَّنَاء على معاليكم أَعْلَام عقدت فِي قنن الأقلام، فخفقت وَظَهَرت، وبضايع طيب خلقت بهَا هبوب الرِّيَاح فذاعت فِي الْآفَاق واشتهرت، وَمن الود الْأَصِيل أصُول تقررت، وحجج تخلصت من شوب الشُّبُهَات وتحررت، ومقاصد طافت بِذكر ذَلِك الْمقَام الأبوي واعتمرت، وضماير أثمرت من صاغيته المنقادة لداعي الْكَرم وَالْحريَّة مَا أثمرت. وَإِلَى هَذَا وصل الله لنا بقايكم، فإننا نؤمل إغضاءكم حَتَّى عَن قُصُور الْأَلْسِنَة من الثَّنَاء على أبوتكم المحسبة المحسنة، فَإِن المدارك إِذا بَعدت غاياتها، عذر طلابها، والكمالات إِذا نَالَتْ من آياتها، رحم خطابها. وَمن للعبارة أَن تدْرك شأو فضل تجَاوز الْعَادة بخرق حجابها، وَيرْفَع عَن طور الْأُمُور المألوفة فتخط ى حِسَابهَا. ونعرفكم بوصول كتابكُمْ الْكَرِيم جَوَابا عَمَّا
خاطبنا بِهِ أبوتكم مَعَ رَسُولنَا إِلَيْكُم كَاتب سرنا [ووزير أمرنَا] الكذا الكذا [أَبَا عبد الله بن الْخَطِيب] وصل الله عزته، [ووالى رفعته] ، متضمنا من الْهِدَايَة الَّتِي تنقاد النُّفُوس بزمامها وتجبرها على الرِّضَا بالمقادير وأحكامها، والحظوظ وأقسامها، والآجال وبلوغ أَيَّامهَا، معزيا عَن فقيدنا الْعَزِيز فَقده، مخمدا من الْحزن الَّذِي اشتعل وقده [دَاعيا إِلَى الصَّبْر الَّذِي ضمن كالي الْأجر نَقده] ، واستقل بَين يَدي ذاكم الْخلق الْجَمِيل عقده، مقررا فِي المساهمة بِمَا يَلِيق بمثلكم مِمَّن يحملهُ عَلَيْهَا الدّين الوثيق، والحسب العريق، والوفا الَّذِي صَحَّ مِنْهُ الطَّرِيق، مهنيا بِمَا سناه الله بنيتكم من وراثة الْملك الَّذِي تأميلكم مدَار أمره، وقبتكم فطنة نَصره، وموالاتكم أنفس ذخره. فاجتنينا من ضروب هَذِه الفضال الحسية والمعنوية ضربا مشورا، واجتلينا من طرس ذَلِك الْخطاب، لِوَاء النَّصْر منشورا، وصدعنا بِهِ فِي الحفل اعتزازا بِهِ وظهورا. وقدحنا مِنْهُ فِي ظلام الْخطب نورا، وشرحنا بِهِ للْمُسلمين صدورا، وأطلعنا من أنبائه، شموسا وبدورا، وأضحكنا بمسرته من هَذِه الثغور القاصية ثغورا، ووقف رَسُولنَا بَين تَقْرِير بصور لمجدكم وتمهيد، وَتَفْسِير لسور فَضلكُمْ وتجويد، وتقسيم لضروب محاسنكم وتعديد، حَتَّى ظننا النُّجُوم
تنظم عقودا وشذورا، والرياح تحمل مسكا منثورا، ورقاق الْهِنْد تحدوا قطار مسطورا، [وروضة الْحسن تحي بالنفوس اللطيفة دوحا ممطورا] واستصحب من المَال الَّذِي يُقيم الأود، ويوضح الْمُسْتَند، والهدنة الَّتِي حازت من ميدان الْفضل الأمد [وأوصل من المواعد] تتحمل المون العويصة، واجتناء الآمال الحريصة، مَا نقلته الدَّوَابّ [من] الْأَسْبَاب، ووضحت من الثِّقَة بإنجازه الْغرَر والشيات، وَمَا لَا يُنكر على تِلْكَ الشيم، وَلَا يستغرب فِي مواقع تِلْكَ الديم، فالعمايم شَأْنهَا أَن تهمي هباتها، وَالشَّمْس عَادَتهَا أَن تعم إفادتها. فَقُلْنَا الْحَمد لله الَّذِي شرفنا بِهَذِهِ الْأُبُوَّة، وَذخر لنا زمانها، وَعطف علينا هَذِه السرحة الْكَرِيمَة، نستظل ظلالها، وتتجع أفنانها، وَشرح لنا هَذِه المثابة الَّتِي رفع شَأْنهَا، وَلم نكد نشابه شط هَذَا الْبَحْر الَّذِي عبره، ونستوفي شرح مَا خَبره إِلَّا وتلاحقت مراكب الطعمة، وبواكر مَا يعم الْمُسلمين من النِّعْمَة، فأنتج الْمُتَقَدّم والتالي، مَطْلُوب الْقبُول، وأفصح لِسَان الْحَال ولسان الْمقَال بِالنّسَبِ الْمَوْصُول، وزادت [وَالْحَمْد لله] فنون الْفُرُوع وَالْأُصُول، وَصَحَّ عَن ابْن الْخَطِيب حمل ذَلِك الْمَحْصُول، وَإِنَّا وَإِن عجزنا عَن المجازاة، وتبينت الْحَقَائِق من المجازاة، لنشمر فِي التشييع، وَالْحب [عَن ساعد] لَا يطاول بحول الله وَلَا يظْهر، ويجول فِي الثَّنَاء على جواد هُوَ الأسبق الْأَشْهر، ونعلم فِي مجَال الشُّكْر بسيمة لَا تَلْتَبِس وَلَا تنكر، ونلتزم من الْأُبُوَّة الَّتِي أوجبهَا
سَبِيلا، تحمد للأبناء وتشكر، حَتَّى يعلم الله أننا [أبلينا عذرا] وقضينا نذرا، ورعينا حَقًا، وسلكنا من الْبر طرقا. وَقد كُنَّا على حَيَاة مَوْلَانَا الْوَالِد، نحمل أَحَادِيث مجدكم بِالْإِجَازَةِ الْعَامَّة، ونعمل حكم التَّوَاتُر بِشُرُوطِهِ التَّامَّة، فَالْآن صحت لنا المناولة وَالسَّمَاع، وصدقت فِي الإفادة الأطماع، وَوَقع على الْقَضِيَّة الْإِجْمَاع. وكتبنا إِلَيْكُم هَذَا الْكتاب لنودي فروض الشُّكْر الَّذِي وَجب، ونثني بِالْفَضْلِ الَّذِي اجتلينا مِنْهُ الْعجب. وَمَا عَسى أَن يبلغ الثنا وَإِن اتَّسع نطاقه، وجاشت آفاقه، وَكَانَ إِلَى دَاعِي [الإجادة اشتياقه] فِي تِلْكَ الشيم الَّتِي راهنت العلما فبذتها، وتخطت مراقي الرتب فاطرحتها، إِلَى مَا فَوْقهَا ونبذتها، والهمة الَّتِي سمت نَحْو الحظوظ الْبَاقِيَة وطمحت، واحتقرت فِي الله مَا بِهِ سمحت، وهامت بأنواره الَّتِي التمحت لتهنها السَّعَادَة الْكُبْرَى، والعناية الَّتِي تجمع لَهَا بَين عز الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى. وَهَذِه الجزيرة الأندلسية لكم ولسلفكم محراب مُنَاجَاة، وسوق بضايع غير مزجاة، وميدان جِهَاد، وخلوة ذكر واجتهاد، فَلَا تعدم مِنْكُم ممتعضا لحرمتها، رَاعيا لأذمتها، مصرخا عِنْد الشدائد لأمتها، وَلَو سُئِلت على كَثْرَة من عرفت لأقرت بفضلكم وَاعْتَرَفت، فأنكم شفيتم مِنْهَا دَاء، وسبقتموها بالجيل ابْتِدَاء، وَلم تشغلكم الشواغل عَن تداركها، حَتَّى فرج سعدكم شدائدها، وَكَانَ إمدادكم طبيبها، وإنجادكم عائدها، فَكيف بعد تمهيد ملككم الأمل. وَإِذا كرم الْمَاضِي، فَأولى أَن يكرم الْمُسْتَقْبل. نسل الله أَن يمتعكم وإيانا ببقائكم مَادَّة سعودها، وحياة وجودهَا، وَيبقى بمناصحة
الله فِيهَا ذكركُمْ، ويعلى بجهاد عدوه قدركم. وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصل بركم، ويوزع شكركم، وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَكتب فِي كَذَا.
وكتبت هَذَا أَيْضا فِي هَذَا الْغَرَض جَوَابا لصَاحب الْبِلَاد الْقبلية عَن خيل عتاق بعث بهَا إِلَى الأندلس رَحْمَة الله عَلَيْهِ
من الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر [أيده الله بنصره وأمده بمعونته ويسره] إِلَى مَحل أخينا الَّذِي ودادنا لَهُ فِي ذَات الله وثيق الْبُنيان، وخلوصنا لَهُ كَبِير الْأَثر والعيان، وتشيعنا لجانبه فسيح الميدان، وثناؤنا على مكارمه وَمَكَارِم سلفه، تركض فِي مجاله الرحب جِيَاد ابْن السُّلْطَان أبي يحيى يغمرا سنّ بن زيان] أبقاه الله، وقو اعد ملكه بِهِ راسخة راسية، ومعالم فَضله سامية عالية، وعناية الله لَهُ كالية، وفواضله لَدَيْهِ متواترة مُتَوَالِيَة، حَتَّى ينسى بمآثره الراضية، مَنَاقِب أسلافه الْمَاضِيَة، ويخلد لَهُ فِي سَبِيل الْجِهَاد المفاخر الْبَاقِيَة، والأعمال الصاعدة إِلَى مَحل الْقبُول الراقية. سَلام كريم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
أما بعد حمد الله ولى الْحَمد وَأَهله، والثنا عَلَيْهِ [بِمَا أولاه] من مواهب فَضله، والاستعانة بِهِ سُبْحَانَهُ على الْأَمر كُله، والضراعة إِلَيْهِ فِي صلَة تيسيره وَحمله. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد الْكَرِيم الْمُصْطَفى، خيرة أنبيائه وَخَاتم
رسله، الْمفضل بعلو مَكَانَهُ ورفعة مَحَله، ملْجأ الْخلق يَوْم لَا ظلّ غير وارف ظله، الَّذِي هدَانَا إِلَى سلوك الْحق، وَاتِّبَاع سبله، وأمدنا بالمؤاخاه فِي ذَاته ابْتِغَاء مرضاته وَمن أَجله، وَالرِّضَا عَن آله وصحابته وقرابته وَأَهله، المثابرين على اتِّبَاع سنته فِي قَوْله وَفعله. وَالدُّعَاء لمقام أخوتكم الفضلى بتأييده، وَنَصره فِي سَبِيل الله ومضاء نصله، واستيلائه من ميدان السعد على قصب خصله. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم سَعْدا باسما باسقا، وَعزا متناسبا متناسقا، وصنعا جميلا رائقا، وتوفيقا من لَدنه مُوَافقا. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، وَلَا زَائِد بِفضل الله جل جلاله، ثمَّ بِمَا عندنَا من جميل الِاعْتِقَاد فِي مقامكم الرفيع، الَّذِي تسنت من فضل الله آماله، وَسعد حَاله ومآله، إِلَّا النعم الواكفة، والصنايع المترادفة، وَالْحَمْد لله كثيرا كَمَا هُوَ أَهله، فَلَا فضل إِلَّا فَضله. وَعِنْدنَا لأخوتكم الْكَرِيمَة تشيع وَاضِحَة مذاهبه، ووداد كريم شَاهده وغايبه، وإخلاص أشرقت فِي سما الصَّفَا كواكبه، وَلم لَا وودادكم، قد أحكم السّلف الْمُبَارك [رضي الله عنه] معاقده، وأوضح فِي مرضاة الله موارده، وَأقَام على التعاون فِي سَبِيل الله سُبْحَانَهُ قَوَاعِده، فَهُوَ بتأكد وعَلى مر الْأَيَّام يَتَجَدَّد. وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، وحرس مجدكم، فَلَو استطعنا، لَا تمر سَاعَة إِلَّا عَن مُكَاتبَة، بَيْننَا وَبَيْنكُم تَتَرَدَّد، وذمام كريم يتَأَكَّد، اغتباطا بولائكم، وارتباطا إِلَى مصافاة علائكم، وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصلنا كتابكُمْ صُحْبَة الْخَيل الَّذِي تفضلتم بإهدائها، وسلكتم بهَا سبل الْمُلُوك مَعَ أودائها، فكرم عندنَا موقع ودكم، ووصلنا الثنا على أَصَالَة مجدكم، وَقُلْنَا فضل صدر عَن مَحَله، وبر جَاءَ من أَهله، وإمداد أَتَى
من عنصر الْإِمْدَاد، وإعانة وصلت من مَكَان الْإِعَانَة والإرفاد، والمعاضدة فِي سَبِيل الْجِهَاد، وماجد سلك سَبِيل سلفه الأمجاد، فَوَجَبَ علينا أَن نبعث إِلَيْكُم هَذَا الْكتاب، نشكر بِهِ مَا كَانَ من أفضالكم، ونشير بالثنا على كمالكم وباهر خلالكم، ونستطلع مَا يسر إِن شَاءَ الله من متزيدات أحوالكم، عملا على شاكلة الود الْكَرِيم، والاعتقاد السَّلِيم، والرعى لما سلف بَين قَومنَا وقومكم، من الذمام الْقَدِيم. وَلم يتزيد عندنَا مَا نطالع بِهِ مقامكم الرفيع لما نعلمهُ من تشوفكم لأحوال الْمُسلمين بِهَذَا الْقطر، دَافع الله عَن أَهله، وَحَملهمْ على أنهج طرق السداد وأقوم سبله. إِلَّا أننا عَقدنَا فِي هَذِه الْأَيَّام الفارطة السّلم مَعَ سُلْطَان قشتالة وأحكمناها، وجددنا شُرُوطهَا ورسمناها، وَتمّ المُرَاد من ذَلِك بنيتكم الَّتِي مِنْهَا يلْتَمس، وَمن بركتها يقتبس، وَالنَّاس وَالْحَمْد لله قد شملهم التَّمْهِيد، وتشاور فِي الْأَمر مِنْهُم الْقَرِيب والبعيد. وَالله سُبْحَانَهُ الْمُسْتَعَان فِي جَمِيع الْأَحْوَال، والمرجو لصلة النوال. هَذَا مَا تزيد عندنَا طالعنا بِهِ مقامكم، وبادرنا بِهِ أعلامكم، فعرفونا بِمَا يتزيد ليدكم، ويتجدد من فضل الله عَلَيْكُم، لنسر بوارده، ونتأنس بوافده، [وَالله سُبْحَانَهُ يصل سعدكم ويحرس مجدكم] ، وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم كثيرا أثيرا وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، وَكتب فِي كَذَا من التَّارِيخ عرف الله خَيره.
وكتبت أَيْضا جَوَابا عَن هَدِيَّة بعث بهَا الْمَذْكُور
الْمقَام الَّذِي تَجَدَّدَتْ بسعادته دولة أسلافه، وَاتفقَ بهَا قَوْلهَا بعد اختلافه، وَعَاد العقد إِلَى انتظامه، والشمل إِلَى ائتلافه، مقَام ولينا فِي الله، الَّذِي هيأ الله لَهُ من جميل صنعه أسبابا، وَفتح بِهِ من مُبْهَم السعد أبوابا،
وأطلع مِنْهُ فِي سما قومه شهابا. وصفينا الَّذِي نسهب القَوْل فِي شكر جَلَاله وَوصف خلاله إسهابا. السُّلْطَان الكذا أبي سعيد عُثْمَان ابْن الْأَمِير أبي زيد ابْن الْأَمِير أبي زَكَرِيَّا ابْن السُّلْطَان أبي يحى يغمراسن بن زيان، أبقاه الله للدولة الزيانية، يزن بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة أجيادها، وَيملك بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان قيادها، وَيجْرِي فِي ميدان الندى، والبأس، وَوضع الْعرف بَين الله وَالنَّاس جيادها. سَلام كريم، كَمَا زحفت للصباح شهب المواكب، وتفحت على نهر المجرة أزهار الْكَوَاكِب، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
أما بعد حمد الله جَامع الشمل بعد انصداعه وشتاته، وواصل الْحَبل بعد انْقِطَاعه، وانبتاته، سُبْحَانَهُ لَا مبدل لكلماته، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، الصادع بآياته الْمُؤَيد ببيناته، الَّذِي اصطفاه لحمل الْأَمَانَة الْكُبْرَى، وحياه بِالْقدرِ الرفيع وَالْمحل الْأَسْنَى، وَالله يعلم حَيْثُ يَجْعَل رسالاته. وَالرِّضَا عَن آله وأنصاره وَحزبه وحماته، المتواصلين فِي ذَات الله وذاته، القائمين بنصر دينه وقهر عداته. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم سَعْدا ثَابت الْأَركان، وَعزا سامي الْمَكَان، ومجدا وثيق الْبُنيان، وصنعا كريم الْأَثر والعيان. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، والثقة بِاللَّه سُبْحَانَهُ أَسبَابهَا وَثِيقَة، وأنسابها عتيقة، والتوكل عَلَيْهِ لَا تَلْتَبِس من مذاهبه طَريقَة، وَلَا تختلط مِنْهُ بالمجاز حَقِيقَة. وَعِنْدنَا فِي الِاعْتِدَاد بكم فِي الله عُقُود مبرمة، وآي فِي كتاب
الْإِخْلَاص محكمَة. ولدينا من السرُور بِمَا سناه الله لكم من أَسبَاب الظُّهُور الَّذِي حلله معلمة، وحججه الْبَالِغَة مسلمة، مَا لَا تفي الْعبارَة بِبَعْض حُقُوقه الملتزمة. وَإِلَى هَذَا أيد الله سلطانكم، [وسنى أوطاركم، ومهد أقطاركم] ، فإننا ورد على بابنا فلَان وصل الله كرامته، وسنى سَلَامَته صادرا عَن جهتكم الرفيعة الْجَانِب، السامية الْمَرَاتِب، طلق اللِّسَان بالثنا بِمَا خصكم الله بِهِ من فضل الشَّمَائِل، وكرم الْمذَاهب، مُحدثا عَن بَحر مكارمكم بالعجائب، فَحَضَرَ بَين يدينا. ملقيا مَا شَاهده من ازديان الْمشَاهد بِتِلْكَ الإيالة، واستبشار الْمعَاهد بِعُود ذَلِك الْملك الرفيع الْجَلالَة، الشهير الْأَصَالَة، وَوصل صحبته مَا حملتم جفْنه من الطَّعَام إغاثة لهَذِهِ الْبِلَاد الأندلسية، والأمداد الَّتِي افتتحتم بِهِ ديوَان أَعمالكُم السّنيَّة، وأعربتم عَمَّا لكم فِي سَبِيل الله من إخلاص النِّيَّة. وَأخْبر أَن ذَلِك إِنَّمَا هُوَ رشة من غمام وطليعة من جَيش لهام، ورفد من عدد، وَبَعض من مدد، وَإِن عزائمكم فِي الْإِعَانَة والإمداد على أَولهَا، ومكارمكم تنسى الْمَاضِي بمستقبلها، فأثنينا على قصدكم الَّذِي لله أخلصتموه، وَهَذَا الْعَمَل الْبر [الَّذِي] خصصتموه، وَقُلْنَا لَا يُنكر الْفضل على أَهله، وَهَذَا بر صدر عَن مَحَله، فَلَيْسَتْ إِعَانَة هَذِه الْبِلَاد الجهادية ببدع من مَكَارِم جنابكم الرفيع، وَالْإِشَارَة فِيمَا أسدى على الْأَيَّام من حسن الصَّنِيع. فقد علم الشَّاهِد وَالْغَائِب، وَلَو سكتوا، أثنت عَلَيْك الحقائب، مَا تقدم لسلفكم [فِي هَذِه الْبِلَاد] من الإرفاق والإرفاد، وَالْأَخْذ بالحظ الموفور من المدافعة وَالْجهَاد، وَأَنْتُم أولى من جدد عهود قومه، وَكَانَ غداه فِي الْفَخر أكبر من يَوْمه. وَقد ظهر لله فِي جبر [تِلْكَ] الإيالة
الربانية نتيجة تِلْكَ الْمُقدمَات، وَعرفت بركَة مَا أسلفته من المكرمات، وسنى الله سُبْحَانَهُ بَين يَدي وُصُول مَا بِهِ تفضلتم، وَفِي سَبيله بذلتم، أَن فتح جيشنا حصنا من الْحُصُون الْمُجَاورَة لغربي مالقة، يعرف بحصن قنيط، من الْحُصُون الشهيرة الْمَعْرُوفَة، والبقع الْمَذْكُورَة بِالْخصْبِ الموصوفة، دفع الله مضرته عَن الْإِسْلَام وَأَهله، ويسره بمعهود فَضله. فَجعلنَا فِي ذَلِك الطَّعَام الَّذِي وجهتم، طعمة حماته، ونفقات رِجَاله ورماته، اخْتِيَارا لَهُ فِي أرْضى الْمرَافِق من سَبِيل الْخَيْر وجهاته. وَأما نَحن فَإِن ذَهَبْنَا إِلَى تَقْرِير مَا عندنَا من الثنا على ملككم الْأَصِيل الْبَنَّا، والاعتماد على مقامكم الرفيع الْعِمَاد، والاستناد إِلَى ولائكم الثَّابِت الْإِسْنَاد، لم نبلغ بعض المُرَاد، وَلَا وَفِي اللِّسَان بِمَا فِي الْفُؤَاد. فَمن الله نسل أَن يَجعله فِي ذَاته، ووسيلة إِلَى مرضاته، ومرادنا من فَضلكُمْ العميم، وودكم السَّلِيم أَن تحسبوا هَذِه الْجِهَة كجهتكم فِيمَا يعن من الْأَغْرَاض، ليعْمَل [فِي تتميمها][يحْسب الود الصافي الْحِيَاض] . وَالله يصل سعدكم، ويحرس مجدكم. وَالسَّلَام.
وكتبت فِي غَرَض الشُّكْر على الْهَدِيَّة للسُّلْطَان أبي فَارس ابْن السُّلْطَان أبي الْحسن وفى أول عَام سبعين وَسَبْعمائة
الْمقَام الَّذِي جدد الْعَهْد، وَخلف وليه الْعَهْد واستأنف السعد، وتأذن الله فِي كِتَابه أَن ينجز لَهُ الْوَعْد. مقَام مَحل أخينا، الْجَارِي فِي الْفضل جرى الْجواد على أعراقه، المتميز بحميد شيمه وكريم أخلاقه، مطلع ذرى السعد من
آفاقه، وملبس الْإِسْلَام مَا تعود من أطواقه، وناظم عقد الشتيت على أحسن اتساقه. السُّلْطَان الكذا، أبي فَارس عبد الْعَزِيز ابْن مَحل والدنا الَّذِي نعظمه ونجله، ونوجب لَهُ الْحق الَّذِي هُوَ أَهله السُّلْطَان الكذا أَبى الْحسن ابْن السُّلْطَان الكذا أبي سعيد بن السُّلْطَان الكذا أبي يُوسُف بن عبد الْحق] أبقاه الله رفيعا شَأْنه سعيدا زَمَانه، وَاضحا فِي المكرمات رهانه، سَابِقًا إِلَى الغايات أولى الْغرَر من قومه، والشتات، إِذا احتفل ميدانه، مُعظم قدره العالي فِي الأقدار، المسرور لهلاله، السعيد بجلالة الأبدار، واستقامة الْمدَار، الدَّاعِي لَهُ بمساعدة الأقدار وعقبى الدَّار. الْأَمِير عبد الله مُحَمَّد ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد ابْن نصر. سَلام كريم طيب بر عميم، كَمَا أَهْدَت الرياض شذا رياها، وجلت الشَّمْس محياها، يخص مقامكم الْأَعْلَى [ودولتكم الفضلى] وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
أما بعد حمد الله [الْوَلِيّ الحميد] ، المبدى المعيد، معيد القلادة إِلَى الْجيد الْمجِيد، ومعرف عوارف التَّجْدِيد [لمعالم السعد الْجَدِيد] وَالْجد السعيد، ومظهر الْعِنَايَة بِالْإِسْلَامِ، وَاضِحَة الْأَعْلَام للقريب والبعيد، رابط عوايد النَّصْر والتأييد بمبادي التَّوْفِيق وَالتَّشْدِيد، وناظم الْخلال السمية نظم
الغريد لأولى الْمَزِيد، الَّتِي اقتضتها إِرَادَة المريد. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الظل المديد، والملجأ المنيع فِي الْخطب الشَّديد، جالى ظلم الْكفْر والإلحاد بِنور التَّوْحِيد، وهادي من سبقت لَهُ سَابِقَة الْفَوْز إِلَى صِرَاط الْعَزِيز الحميد، الَّذِي نتعاون فِي إعلاء كَلمته بالمناصحة الْبَالِغَة وَالْقَصْد السديد، ونصل الْمَوَدَّة فِي ذَاته، كفيلة من مرضاته ومرضاة ربه بالمزيد، ونجاهد الْعَدو جهادا، يُوسع السيوف اجْتِهَادًا من بعد التَّقْلِيد، ويملأ الأكف بالأنفال، من بعد فض الأقفال، مستوعبة للطارف مِنْهَا والتليد. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه وأوليائه وأحزابه، السَّادة القادة الصَّيْد، فذلكة الْحساب وَبَيت القصيد، العايثة سيوفهم الباترة وغراماتهم المتواترة فِي أعدا مِلَّته، عياث النَّار فِي يبس الحصيد، الَّذين ظاهروه فِي حَيَاته بالعزايم الصادقة على بَأْس الْحَدِيد، وخلفوه فِي أمته، بِحِفْظ مَا أنزل عَلَيْهِ من الْوَعْد الصَّادِق والوعيد، فَكَانُوا فِي سَمَاء مِلَّته نجوما هادية [للسمت الرشيد وأعلاما مائلة] تهدي الساري فِي عراض البيد، وَالدُّعَاء لمقامكم الْأَعْلَى، ومثابتكم الفضلى بالعز المشيد، والنصر الَّذِي يرغم أنف الْجَبَّار العنيد، والصنع الَّذِي لَا يمل حَدِيثه على الترديد، وَلَا زَالَ سيفكم الْمَاضِي يقوم فِي أَبْوَاب المآرب الصعاب مقَام الإقليد، وأنباء فخركم تهديها إِلَى نازح الْبِلَاد ركاب الرِّيَاح، فضلا عَن رَاكب الْبَرِيد. فإننا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم سَعْدا مصاحبا للتأييد، وتوفيقا يُصِيب شاكلة الرمى بِالسَّهْمِ السديد. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَنعم الله محسبة أمل المستفيد، وآلاؤه مجيبة دَاعِي المستزيد، ومجدكم الخليق بالتمجيد، وودكم الْمَخْصُوص
بتبعية الْعَطف والتوكيد. وَالْحَمْد لله كَمَا هُوَ أَهله [فَلَا فضل إِلَّا فَضله] ، فَهُوَ مُسْتَحقّ التَّحْمِيد. وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، وحرس مجدكم، [وضاعف مواهب عنايته عنْدكُمْ] فإننا ورد علينا كتابكُمْ الْكَرِيم الْفُصُول، المتعاضد الْفُرُوع بالأصول، المستولى من ميادين الْفضل على أبعد آمادها، المجرى شيم الْمجد على معتادها، الرافل من أَثوَاب البلاغة والبراعة فِي حلل، المتكفل لِلْإِسْلَامِ بأردى غلل، وتجديد أمل، أَطَالَ وَأصَاب، وزين بالخط الْخطاب، وَدنت معاطفه لما استكملت الأوطاب، لجة بَيَان تقذف بالدر، وأفق لزهر الْمعَانِي الغر، ومصحبا بأشتات الهديات حسا وَمعنى، أما الْحس فالصواهل الضامرة والآلات الفاخرة، والمهندات الباقرة، والذخائر الباهرة، وَالْعرُوض المخزونة المصونة، واليلب المنيعة الحصينة، واللطف المجتناة، والطرف الَّتِي تباهي بعيونها الهبات، وَالطّيب ينتشق لَهُ المهبات، وَأما الْمَعْنَوِيّ، وَهُوَ أعلقها بِالنَّفسِ، وأعودهما بالمزيد من الْأنس، وَإِن كَانَ الْكل نفيسا، وبرهان مجده لَا يحْتَمل تلبيسا. فالتعريف بِمَا أَنْتُم عَلَيْهِ من استقامة التَّدْبِير، وإسعاف الْمَقَادِير واضطراد التَّمْهِيد، واستشعار العنابة من الله والمزيد، واستئناف الصنع الْجَدِيد، واستقبال الزَّمن السعيد، وَمَا كيفه الْقدر والحظ المبتدر، واليمن الَّذِي راقت مِنْهُ الْغرَر، وَمن تنوع الْأَحْوَال بمراكش وجهاتها، وعزمكم على انتهاز الفرصة واهتبالها، وَعدم مطاولتها وإهمالها، وأنكم أنهدتم وزيركم مرتادا لركاب النَّصْر، مصحبا أَدَاة الْحصْر، مغتنما هبوب الرّيح وسعادة الْعَصْر، فابتدر الْخط بَين يَدي تِلْكَ العزائم الْمَاضِيَة [والسعود المتقاضية] والشيم الراضية، وَالله
عز وَجل يَجْعَل التَّوْفِيق مواكب ركابكم، [والسعد ملازم مصراع بَابَكُمْ] وَيتم علينا وَعَلَيْكُم النعم، ويجزل من مواهبه الْقسم، ويطلعنا من أنبائكم على مَا يبهج النُّفُوس، ويشرح الصُّدُور، ويمهد الْجِهَات، وَيصْلح الْأُمُور، ويطيب الْأَلْسِنَة، ويضحك الثغور. وثناونا على نوعى هَذِه الْهَدِيَّة، ثَنَاء الرَّوْض على الْغَمَام الواكف، والعارض المترادف، فقد جدد الله عهد الزَّمن السالف، والظل الوارف. فَالله يشْكر مجدكم الَّذِي احتفى واحتفل، واختال فِي حلل الْفضل ورفل، وأطلع نير الْعِنَايَة بِهَذِهِ الْبِلَاد بعد مَا أفل، وَكفى بدولتكم السعيدة وكفل، فَلَا تسلوا عَمَّا لِلْإِسْلَامِ فِيكُم من أمل مذخور، ورجاء موفور، وَنِيَّة لخشيتها الصَّالِحَة ظُهُور، ولنورها سفور. [فقد شاع مَا تحليتم بِهِ من الشيم الباهرة، والمكارم الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة، وأنكم وَارِث السّلف الَّذِي شكر الله سَعْيه، وَأوجب الله ذكره ورعية] عفة منسدلة الْأَطْنَاب، واستظهارا بِكُل حسن المناب، واتصافا بِطَهَارَة الجناب، ومشاورة [لِذَوي الْأَلْبَاب، وغبطة بمودة الأهداف والأحباب، وتقربا إِلَى الله باكتتاب مَا أنزل من سور الْكتاب، ومحافظة على الْأَركان، ومباشرة] للرسوم مَعَ الأحيان، واستكفاء لِذَوي الْأَدْيَان. وَإِذا علم الله مِنْكُم الاتصاف بِهَذِهِ الصِّفَات المرضية، والشيم الطاهرة الزكية، والأعمال الصادرة عَن خلوص النِّيَّة، تكفل الله لكم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بالأمنية، وَأنْبت دولتكم النَّبَات الْحسن وأجزل لكم المنن، وأضفى عَلَيْكُم من وقايته الجنن. زادكم الله من فَضله، وحملكم على مَا فِيهِ السعد المجدد، وَالْفَخْر المخلد، بعيد الْأَمر كُله، [وَلَا قطع عَنَّا وعنكم عَادَة لطفه، الَّذِي نأوى إِلَى ظله] . وماذا عَسى أَن نثني على فَضلكُمْ
الطالع من أفق الْجَلالَة أَو نقرر من ودكم التَّوَارُث لَا عَن كَلَالَة، وقدركم عندنَا أجل، وذكركم بالجميل يملا فَلَا نمل. وَقد حضر بَين يدينا رَسُولكُم الْكَرِيم المناب فِيمَا قَرَّرَهُ من الود الوثيق، وَأدّى من الْبر الجدير بالشكر الخليق، وَأحكم من معاقد الْعَهْد الوثيق، وأوضح فِي الْفضل مِنْهُ الطَّرِيق، الشَّيْخ الْفَقِيه المرفع الحسيب السنى الحظى، المتعدد الأذمة أَبُو يحيى بن أبي مَدين والحاج المكرم المبرور أَبُو مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد، وصل الله لَهُم ولأمثالهم عَادَة إنعامكم، وَأَعَانَهُمْ على خدمَة مقامكم، وقررا مَا يسر سَمَاعه على التّكْرَار والإعادة، وَإِن كَانَ غَنِيا عَن الإشادة، ومليا فَلَا يتشوف إِلَى الزِّيَادَة، فالقلوب تبنى بَعْضهَا بَعْضًا بِمَا تجن، والنفوس تجنح إِلَى أشكالها وتحن، وتلقى من الْجَواب عَن ذَلِك جهد عبارَة، لَا تجلى عَن كنه الْمَفْهُوم، وَلَا توفّي مَعَ الإطالة بالغرض المروم. وَالله عز وجل يَجعله فِي ذَاته ودا وثيقا، وينهج بِهِ إِلَى مَا يرضاه طَرِيقا، ويريه الْمُسلمين تصورا وَتَصْدِيقًا، حَتَّى تَجْتَمِع الْأَيْدِي الْمسلمَة على جِهَاد الْكَافرين، وتلوح آيَات النَّصْر وَاضِحَة للمبصرين. وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصل لكم عوايد النَّصْر والتمكين، ويعرفكم عوارف النَّصْر الْعَزِيز وَالْفَتْح الْمُبين، ويطلع من أنبائكم على كل وَاضح الْغرَّة، مشرق الجبين. وَالسَّلَام الْكَرِيم الْبر العميم يخصكم وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. وَكتب فِي كَذَا من التَّارِيخ، عرفنَا الله بركته بمنه.