الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأُصُول، يذهب الوجل، وَيرْفَع الخجل، ويسوغ من مأربه لديكم الأمل، ويخلص النِّيَّة ويرتب الْعَمَل، حَتَّى يظْهر مالنا عِنْد أبوتكم من تَكْمِيل الْمَقَاصِد، جَريا على مَا بذلتم من جميل العوائد. وَإِذا تحصل ذَلِك كَانَ بحول الله إيابه. وأناخت بعقدة وَعدكُم الوفي ركابه، وَتحصل لمجدكم عزه ومجده وثوابه. وَأَنْتُم مِمَّن يرْعَى أُمُور الْمجد حق الرِّعَايَة، وَيجْرِي فِي مُعَاملَة الله على مَا أسس من فضل الْبِدَايَة، ويحقق الظنون فِيمَا لَدَيْهِ من المدافعة عَن حوزة الْإِسْلَام والحماية. هَذَا مَا عندنَا عجلنا بِهِ الْإِعْلَام، وأعملنا فِيهِ الأقلام، بعد أَن أجهدنا الِاخْتِيَار وتنخلنا الْكَلَام. وجوابكم بِالْخَيرِ كَفِيل، ونظركم لنا وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين جميل، وَالله يحرس مجدكم، ويصل سعدكم، وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
كتب الِاسْتِظْهَار على العداه والاستنجاز للغداه
كتبت عَن السُّلْطَان أبي الْحجَّاج رحمه الله فِي شَأْن جبل الْفَتْح، ومدينة رندة وَمَا شاع من عمل الطاغية على الْحَرَكَة إِلَيْهَا مَا نَصه:
الْمقَام الَّذِي لَهُ الْمجد الشهير المآثر، الْكَبِير المفاخر، والأصالة المتواترة عَن الْمُلُوك الأكابر، والحسب الَّذِي تشهد بِهِ صُدُور الْمَلَاحِم، وَظُهُور الْجِيَاد، وبطون الدفاتر. مقَام مَحل أخينا. الَّذِي نكبر مقَامه الرفيع الشان، ونوجب لَهُ الْحق بِمَا اقْتَضَاهُ حَسبه الراسخ الْبُنيان، المتناسق تناسق قلائد الجمان، بالملوك الْأَعْيَان. السُّلْطَان الكذا أبي عنان [ابْن مَحل أَبينَا الَّذِي نعظمه ونجله، ونوجب لَهُ الْحق الَّذِي هُوَ أَهله، السُّلْطَان الكذا صَاحب الْجِهَاد المقبول، والرفد المبذول، أَمِير الْمُسلمين، وناصر الدّين، الْمُجَاهِد فِي سَبِيل رب الْعَالمين أبي الْحسن، ابْن السُّلْطَان
الْمُؤَيد المعان، صَاحب الْجُود الشهير فِي الأقطار، والبطل المتألق الْأَنْوَار، والمآثر الَّتِي هِيَ أشهر من محيا النَّهَار، أَمِير الْمُسلمين، وناصر الدّين، الْمُجَاهِد فِي سَبِيل رب الْعَالمين، أبي سعيد، ابْن السُّلْطَان الْكَبِير الْمُؤَيد المعان، صَاحب الْجُود المبرور، والعزم الْمَأْثُور، وَالدّين الْمَشْهُور، أَمِير الْمُسلمين، وناصر الدّين، وقامع الْكَافرين، أبي يُوسُف بن عبد الْحق] وصل الله لَهُ من توفيقه وتسديده كل متين الْأَسْبَاب سابغ الأثواب، متكفل بالزلفى وَحسن المآب، مُعظم مجده الشهير، وحسبه الْكَبِير، وأصالته الَّتِي يُغني مجملها عَن التَّفْسِير، الْعَارِف بِمَا يجب لبيته الخطير، من الترفيع وَالتَّكْبِير، الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن مَوْلَانَا [أَمِير الْمُسلمين] أبي الْوَلِيد [إِسْمَاعِيل بن فرج] بن نصر. سَلام كريم بر عميم، يخص مقامكم الأرفع، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
أما بعد حمد الله ذِي العظمة والجلال، وَالْإِحْسَان والإفضال، الَّذِي لَا يقْصد إِلَّا وَجهه بالمقاصد الزاكية والأعمال، وَلَا يؤمل إِلَّا فَضله فِي جَمِيع الْأَحْوَال. وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله خَاتم الْأَنْبِيَاء وخيرة الْإِرْسَال، الملجأ المنيع عِنْد اشتداد الأزمات والأهوال. . وَالرِّضَا عَمَّن لَهُ من الْقَرَابَة وَالصَّحَابَة والآل، بدور مِلَّته الَّتِي لَا يفارقها صِفَات الْكَمَال، وأعلامها الَّذين سرت بهم مكارمهم مسرى الْأَمْثَال. وَالدُّعَاء لمقام أخوتكم الْأَصِيل الْجلَال، سلالة الْملك الطَّاهِر الْخلال، وَالْمجد الفسيح المجال، بالتوفيق، الَّذِي يظفر من الله بالآمال، وَيحصل بِهِ من مرضاته على الْفَخر الْبعيد المنال. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم كتب الله لكم من الْأَعْمَال الصَّالِحَة أوفرها وأوفاها، وحملكم من رضوانه على أقوم المسالك
وأهداها. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَا زايد بِفضل الله سُبْحَانَهُ، ثمَّ بِمَا عندنَا من الْمعرفَة بمجدكم الَّذِي أقل الْملك بُنْيَانه وَرفع شَأْنه، إِلَّا مَا يُرْجَى من عوائد الله الجميلة وصنائعه الكفيلة، وسننه الجزيلة، وجانب آخوتكم موفى حَقه من التَّعْظِيم الَّذِي يجب لمجده العالي وحسبه الصميم، وأصالته المعضود حَدِيثهَا بالقديم، المتناسق فخرها تناسق العقد النظيم. وَإِلَى هَذَا أنجح الله فِي مرضاته أَعمالكُم، وعرفكم من عوارف رضوانه، مَا يتكفل بنيل الْحسنى لكم. فموجبه إِلَيْكُم أَن هَذِه الجزيرة الأندلسية، من لدن أذن الله فِي افتتاحها بسيوف هَذِه الْأمة الْكَرِيمَة ورماحها، وأطلع فِي آفاقها القصية لهَذِهِ الْأمة المحمدية، نور صباحها، حَتَّى تبوأها الْإِسْلَام دَارا، وَحمد فِيهَا استقرارا، وملأ هضابها ووهادها أنوارا، وأوسع فِيهَا من دَعَا مَعَ الله إِلَهًا آخر هوانا وصغارا، لم تزل أَيدي من بهَا الْمُسلمين، بإخوانهم من أهل تِلْكَ العدوة حرسها الله معقودة، وأكفهم إِلَى التمَاس إعانتهم ممدودة وآمالهم إِلَى مصارختهم مصروفة، وعَلى إمدادهم مَوْقُوفَة. فَهِيَ تستروح من تلقائهم نسيم الْفرج. عِنْد الشدائد، وتلتمس مِنْهُم جميل العوائد وملوك الْإِسْلَام بِتِلْكَ العدوة، قدس الله أسرارهم، وضاعف أنوارهم، تنافس فِي نصرها هممهم، وتطمح إِلَى إِحْرَاز الْفَخر بإعانتها شيمهم، ويتراهن فِي ميدانها بأسهم وكرمهم، حَتَّى دونوا فِيهَا المفاخر الْبَاقِيَة، والأعمال الراقية، والصنائع الشهيرة، والوقائع الْكَبِيرَة، يتوارث ذَلِك الْآتِي عَن الذَّاهِب، وَيقوم مِنْهَا الْحَاضِر بِحَق الْغَائِب، غَضبا للدّين الحنيف، وحمية للْملك الْأَصِيل والحسب المنيف، وغيرة على الْحَرِيم، وأنفة لِلْخلقِ الْكَرِيم، وامتعاضا لكلمة التَّوْحِيد وشفقة للقطر الْغَرِيب الوحيد، بَين الْبحار الزاخرة، والأمم الْكَافِرَة والمرام الْبعيد. وَلما صير الله ملك العدوة إِلَى سلفكم الأرضي، وجدد الله عَلَيْهِم ملابس
رضوانه وقبوله، وجزاهم بِمَا أسلفوه من مرضاته ومرضاة رَسُوله، أنسوا بعزائمهم الراضية [ذكر الْمُلُوك الْمَاضِيَة] وعمروا بمكارمهم الْعَالِيَة مفاخر الْأُمَم الخالية، وَصَارَ إِلَى نظرهم جملَة من بلادها مثل الْجَبَل ورندة ومربلة وَمَا إِلَى ذَلِك، حرسها الله، ليَكُون محط رحال المدد، ومستقر مَا يجيزونه من الفرسان وَالْعدَد. فقر جنابها، وقويت أَسبَابهَا، وَأَعدُّوا لغزوهم ركابا، ولجهادهم الأرضي بَابا، وعاملوا الله فِيهَا على الصَّفْقَة الرابحة والأعمال الْبَاقِيَة الصَّالِحَة، فَكَانَ من عزم السُّلْطَان الْمُجَاهِد الارضي، جدكم الْأَعْلَى، مَا هُوَ مَعْلُوم، وَفِي صحف الْفَخر مرسوم، من اقتحامه لجج الْبحار الطامية، وثبج الأمواج المترامية، وَجِهَاد الْأُمَم الباغية، وفل الجيوش الطاغية، حَتَّى عز الْإِسْلَام بمضا حسامه، وسعدت الْملَّة المحمدية بسعادة أَيَّامه. ثمَّ سلك وَلَده جدكم السُّلْطَان الْمُعظم أَبُو سعيد رحمه الله سَبيله، وَاتبع دَلِيله، فَجهز إِلَى نصرها جيوشه المنصورة وأساطيله، وسرب إِلَيْهَا مَاله الجم وقبيله، حَتَّى علم أعداؤها أَن لَهَا ناصرا عَزِيز الْأَنْصَار، وملجأ منيع الْجوَار. ثمَّ تلاه والدكم مَحل أَبينَا السُّلْطَان الْمُعظم أَبُو الْحسن، فَجَاهد عَدو الله فِيهَا حق جهاده، وَشهد الْبر وَالْبَحْر بِصدق جلاده، وسمح فِيهَا بِنَفسِهِ النفيسة وأمواله الْعَظِيمَة وَأَوْلَاده، وعامل الله على الصَّفْقَة الرابحة الَّتِي يجدهَا فِي معاده، وَلم يضل التمحيص فِيهَا عزمه الأمضى، وَلَا كف جهاده الأرضي، فاستولى على غايات الْفَخر وآماده، بِمَا هُوَ مَعْلُوم بَين عباد الله وبلاده، وبينما نَحن نَنْتَظِر من مقامكم الَّذِي هُوَ سلالة ذَلِك الْمجد الصراح ولباب ذَلِك الْحسب الوضاح، وَفرع ذَلِك الْفضل المتألق تألق الصَّباح، مَا عود أسلافكم من الإصراخ والإسجاح، والأعمال الْكَرِيمَة الاختتام والافتتاح، وَأَن تسلكوا مسلكهم فِي نصرها وإمدادها وحماية بلادها،
وتثابروا على تخليد الْفَخر وإحراز مرضاة الله الَّتِي هِيَ أَنْفَع الذخر، حَتَّى ينشرح بكم صدر الْإِسْلَام، وتربى أيامكم فِيهَا على غَيرهَا من الْأَيَّام، فمثلكم من يجْرِي على أعراقه الْكَرِيمَة جرى الْجِيَاد الْعتاق، وينافس فِي الْأَعْمَال الَّتِي تتكفل بالثناء الخالد والعز الباق، إِذْ تعرفنا أَن ملك قشتالة، قد طمع فِي تِلْكَ الْبِلَاد الْمَذْكُورَة وكلب عَلَيْهَا، وحشد قومه إِلَيْهَا، وأعلق بهَا أطماعه، وحرك لَهَا أشياعه وَأَتْبَاعه وَإِن آماله بهَا حائمة، وَالْحَرَكَة إِلَيْهَا فِي أرضه قَائِمَة، فَإِن من بهَا من الحماة وَذَوي المرتبات قد اختلت أَحْوَالهم، بِسَبَب مَا تَأَخّر من واجباتهم، وَتعذر فِي هَذِه الْمدَّة الطَّوِيلَة من مرتباتهم، فتبدد الْكثير من عَددهمْ، وَضاع مَا توفر على الْأَيَّام من أسلحتهم، وعددهم، وَاشْتَدَّ الإشفاق على تِلْكَ الْبِلَاد الْمسلمَة أَن يعاجلها هَذَا الْعدَد بانتهاز فرْصَة، ويجرع الْعباد والبلاد بِاللَّه أفظع غُصَّة، ويهتبل الْغرَّة فِي بعض معاقلها المنيعة، ومصانعها الَّتِي اعتمدتها أسلافكم بِحسن الصنيعة، ويطغى نور الله فِي آفاقها، ويستبيح حماها، واستمساكها بذلك الْملك واعتلاقها. فخاطبناكم بِهَذَا الْكتاب، نشرح لكم أحوالها، ونطلب من نظركم لَهَا من يمهد خلالها، وييسر آمالها، وَإِن ظهر لكم أَن تبَادرُوا بِشَيْء من المَال، الَّذِي غناؤه فِيهَا فِي الْوَقْت كَبِير، وَقَلِيل مَا يرد فِي تِلْكَ الْجِهَة كثير، تسبقون بِهِ حَرَكَة الْعَدو إِلَيْهَا، وتقدمونه مدَدا بَين يَديهَا، فَذَلِك مَا لَا يُنكر على حسبكم الرفيع الْأَصَالَة، الشهير الْجَلالَة، فَلم تدخر الْأَمْوَال لأهم من هَذَا الْغَرَض، وَلَا وضعت فِي أولى من هَذَا الْوَاجِب المفترض. وَإِذا تعرف الْعَدو أَن غايتكم بهَا مَوْصُولَة، ومكارمكم فِيهَا مبذولة، كذبت مساعيه، وخاب بحول
الله أمله الَّذِي يرتجيه. وَهَذِه الْبِلَاد الأندلسية عصمها الله ووقاها، وَحفظ بهَا كلمة الْإِسْلَام وأبقاها، هِيَ عدَّة لأسلافكم الْكِرَام إِلَى معادهم، ومتجر حسناتهم وركاب جهادهم، وصحيفة أَعْمَالهم الزكية، ومنصة آثَارهم الملوكية، لم يزل بعزائمهم استعدادها، وَمن مكارمهم استمدادها، وَأَنْتُم صميم ذَلِك الْمجد الَّذِي تعودت إعانته وَنَصره، وَعرفت من عوارفه، مَالا يُطَاق حصره، وَأولى من يُحَقّق ظنونها، ويشرح صدورها، ويقر عيونها. وَقد وجهنا إِلَى جبل الْفَتْح مدَدا من الرُّمَاة، وشرعنا فِي اتباعهم بجملة من الرِّجَال الرامحة الحماة، يُقِيمُونَ لنظر من بِهِ بخلال مَا تنبلج الْأَخْبَار وَيظْهر مَا يبرزه اللَّيْل وَالنَّهَار، وعرضنا عَلَيْكُم هَذَا الْقَصْد، الَّذِي مازال سلفكم رضى الله عَنهُ، عَلَيْهِ يثابرون، وبمزيته على الْمُلُوك يفتخرون، ومرضاة الله سُبْحَانَهُ، بمبادرته يبتدرون، وَأَنْتُم تَعْمَلُونَ فِي ذَلِك إِن شَاءَ الله مَا يَلِيق، بمجدكم الْأَصِيل، وحسبكم الأثيل، حملكم الله على مَا يكون لكم فِيهِ الذّكر الحميد، وَالْقَصْد السديد، والعناية الإلهية الَّتِي لَا تبيد. وَهُوَ سُبْحَانَهُ [يصل سعدكم، ويحرس مجدكم] ، وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَكتب فِي الثَّالِث عشر لمحرم من عَام خمسين وَسَبْعمائة.
وكتبت عَن أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج رحمه الله فِي الْغَرَض الْمَذْكُور
الْمقَام الَّذِي يستظهر الْإِسْلَام بعزماته فِي شدائده الطارقة وأزماته، ويعول على هممه الْعَالِيَة فِي مهماته، ويستنجز فِي النَّصْر على عداته سوابق عداته، ويرتقب غرر الصَّنَائِع الحميدة من مطالع آرابه السعيدة وراياته، مقَام مَحل أخينا الَّذِي سَبَب اعتدادنا بِهِ فِي الله قوى وثيق، وثناؤنا بالمفاخر الْمَوْقُوفَة على ملكه الرفيع طليق، واعتمادنا على مظاهرته وَنَصره لَا يلتبس مِنْهُ طَرِيق، وَلَا يخْتَلف فِيهِ
فريق، وودادنا فِي جنابه الأسمى أصيل عريق. السُّلْطَان الكذا، أبي عنان [ابْن مَحل أَبينَا الَّذِي نعظمه ونجله، ونوجب لَهُ الْحق الَّذِي هُوَ أَهله، السُّلْطَان الْمُؤَيد المعان، صَاحب المكارم الشهيرة والمآثر الَّتِي هِيَ أوضح من شمس الظهيرة، أَمِير الْمُسلمين أبي سعيد ابْن السُّلْطَان الْجَلِيل الأمضى، صَاحب الْجِهَاد المبرور والعزم الْمَأْثُور وَالدّين المنشور، أَمِير الْمُسلمين، وناصر الدّين وقامع الْكَافرين، الْمُجَاهِد فِي سَبِيل رب الْعَالمين، الْمُقَدّس الأرضي أبي يُوسُف ابْن عبد الْحق] . أبقاه الله، وآثاره فِي نصر الدّين بَاقِيَة صَالِحَة، وغرر مفاخره مشرقة وَاضِحَة، وآمال أهل الْإِسْلَام فِي عَزَائِمه الْمَاضِيَة، ومكارمه الراضية صَادِقَة ناجحة، وكتايبه فِي سَبِيل الله غادية رَائِحَة، وَكتبه بإنجاز المواعد، والمثابرة على كبت أعاديه مُرَاجعَة أَو مفاتحة، وَأَقْلَام رماحه وصحائف صفاحه، لآيَات النَّصْر الْعَزِيز شارحة، وأعداء الله لحربه مذعنة، أَو إِلَى سلمه جانحة. مُعظم مقَامه الرفيع عماده، الشهير بأسه، وَكَرمه وجهاده، الْمثنى على ملكه، الَّذِي بِهِ انتصار الْإِسْلَام على مر الْأَيَّام واعتداده. الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن فرج بن نصر. سَلام تتخلل بِطيب نفحاته هبوب النسيم، وتقتبس من سنا لمحاته أنوار الصَّباح الوسيم، وتتضوع من شذا أنفاسه معاهد ذَلِك الْملك الْكَرِيم، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
أما بعد حمد الله الَّذِي شرع من التواصل فِي ذَاته، والتعاون على ابْتِغَاء مرضاته، طَرِيقا وَاضحا وسبيلا، وَجعل التَّوَكُّل عَلَيْهِ بِخَير مَا لَدَيْهِ كَفِيلا، ووعد بنصر من ينصره، وَمن أصدق من الله قيلا، وَذخر لهَذَا الْقطر الْغَرِيب
عِنْد اضْطِرَاب أرجائه، وَانْقِطَاع رجائه، من أنصاره الْكِرَام وأوليائه، كَافِيا وكفيلا، يُوسع آماله العصية، تتميما وتكميلا، ومآربه العصية تيسيرا وتسهيلا، وَيُقِيم على لطف الله بِمن فِيهِ من الْمُسلمين المنقطعين دَلِيلا. وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، رَسُوله المبتعث رَحْمَة للعباد والبلاد وظلا ظليلا، الْمَخْصُوص من الله سُبْحَانَهُ بمزية قَوْله، إِنَّا نَحن نزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن تَنْزِيلا، الَّذِي أيده بنصره وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَجعل فِي أرضه من مَلَائِكَة سمائه المسومين قبيلا، وفضله على الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ تَفْضِيلًا، وَعقد عَلَيْهِ من جاه الشَّفَاعَة الْعَامَّة، تاجا وإكليلا. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، وقرابته وأحزابه، الَّذين أوضحُوا طَرِيق الْحق وَقد صَار رسما محيلا، وَرفعُوا معالم سنته من بعده، فَلَنْ تَجِد لسنة الله تبديلا، وَالدُّعَاء لمقام أخوتكم الْعُظْمَى، أطلع الله عَلَيْهَا من السَّعَادَة وَجها جميلا، ورسم آيَات نصرها فِي أوراق فخرها، لَا تقبل نسخا وَلَا تَأْوِيلا، وشفا الْإِسْلَام بعزائمها مهمى أصبح عليلا، بالسعد الَّذِي يسْتَأْنف بِهِ الدّين الحنيف تأميلا، وَالْملك المنيف عزا جَدِيدا، وفخرا جَلِيلًا، والنصر الَّذِي ترن بِهِ الْجِيَاد صهيلا. فَإنَّا كتبناه إِلَى مقامكم، أرهف الله فِي نصر الْإِسْلَام عَزَائِمه، وَأَعْلَى بتأميل ملكه الْمَنْصُور الْأَعْلَام معالمه، وتدارك بإنجاده وإمداده أَرْكَانه قبل أَن تهنى ودعائمه. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، والثقة بِاللَّه لَا تحجب ظلمات الشدائد أنوارها، والاعتداد بصنع الله سُبْحَانَهُ على يَد مقامكم، أسعد الله سُلْطَانه، يحفظ على النُّفُوس استبشارها، ويمهد للقلوب قَرَارهَا، ويكف ظنونها الموحشة وأفكارها. وَأما مثابتكم الْكَرِيمَة فوزر الْإِسْلَام، كلما أخذت الْحَرْب أَوزَارهَا، وملجأ هَذِه الْأمة مهمى استصرخت أنصارها، وَالرَّدّ الَّذِي يطْلب تارها،
ويقيل عثارها وَعِنْدنَا لأخوتكم الْكَرِيمَة تَعْظِيم نعترف على الْأَيَّام بِوُجُوبِهِ ولزومه، وود لَا يعبر اللِّسَان عَن مضمره، وَلَا يَفِي الْمَكْتُوب بمكنونه، وتشيع ثبتَتْ فُصُول الخلوص والصفا فِي حُدُوده الجامعة ورسومه. وَإِلَى هَذَا وصل الله لكم سَعْدا جَدِيدا، وَعزا مبيدا، وسعيا فِي مرضات الله حميدا فإننا قدمنَا مُخَاطبَة مقامكم المؤمل] فِي شَأْن هَذِه الْبِلَاد، الَّتِي عظمت فهيا غربَة الْإِسْلَام وانقطاعه، وتوجهت إِلَى استئصال رمقها آمال الْكفْر وأطماعه، وتمطى عَلَيْهَا الصَّلِيب، فامتد ذراعه، وَتقدم بَاعه، وَفِي الله كِفَايَته، وَبِاللَّهِ دفاعه. وكتبنا نقص عَلَيْكُم من آثَار سلفكم فِي هَذِه الْبِلَاد أحسن الْقَصَص، ونستدر لَهَا من سحائب تِلْكَ العوائد المستغاثة فِي الشدائد، مَا فِيهِ إِن شَاءَ الله شفا الْغصَص، ونهز إِلَيْهَا أعطاف تِلْكَ الهمم الشَّرِيفَة، ونمد عَلَيْهَا مَا تقلص من أهداب إيالتها المنيفة، ونعرض مَا أعضل من أدواثها على نظر الآسي الطَّبِيب، ونستنصر على عدوها الْبَاغِي بالولي الحبيب، ونأتي فِي التمَاس إغاثتها الْبيُوت من أَبْوَابهَا، ونطلب الصرخة والإعانة من أَرْبَابهَا، ونندب إِلَى صَفْقَة الْفَخر من هُوَ أولى بهَا، فَلم تخفق وَالْحَمْد لله مساعي الْقُلُوب الخافقة، وَلَا كسدت بضائع الحمية الإلآهية فِي أسواقها النافقة، وأفاقت الأوجال بمكارمكم الفائقة، وتعلقت الآمال بأذيال مواعيدكم الصادقة، وتجلت بثنايا الْجَبَل عصمه الله، غرر صنائعكم الباسمة الباسقة، وَظَهَرت بِهِ طلائع فضائلكم المتوالية المتناسقة.
وَلما رأى الطاغية، قصمه الله، أَن دولة الْإِسْلَام قد استأنفت شبابها،
وَأَن الله فتح لنصر هَذِه الجزيرة بَابا، وهيأ لبَقَاء كلمة التَّوْحِيد قطرها الوحيد أسبابا، رام معاجلة الحكم قبل إحكامه، وشره إِلَى إطفاء نور الله الَّذِي وعد بإتمامه، واهتبل الْغرَّة الَّتِي حام عَلَيْهَا طمعه، ورضى منقصة الْغدر فِي جَانب مَا يحذرهُ من الِاتِّصَال بكم ويتوقعه. وأوقع فِي بِلَاد السّلم نَار الْحَرْب، وَلم يثن عزمه ضرو والطاعون عَن إِقَامَة [سوق] الطعْن وَالضَّرْب، وَكذب بالساعة الَّتِي تطلع عَلَيْهِ شمسها من الغرب، وَرمى هَذِه الْبِلَاد الساحلية بشؤبوب شَره، وصيرها فريسة بَين غربان بحره وعقبان بره، وسد فرضته بأساطيله، وراع الْإِسْلَام بر عيله، واستقبل بِلَاده الَّتِي لَا قبل لَهَا بقبيله، ودهم الْجِهَة الَّتِي بادرت إِلَى الِاعْتِصَام بحمى ملككم، والانتظام فِي سلككم، والبلاد الَّتِي أمنت تَحت ظلّ دولتكم، وَامْتنع ذمارها بعز صولتكم، على حِين شحت بِسَبَب الفترة موارد أرفادها، وتعذرت مرافق حماتها وأنجادها، وخم الِاضْطِرَار والافتقار بَين هضابها ووهادها، وَنقص هَذَا الْأَمر الَّذِي أصَاب الأَرْض من إعدادها وَصرف إِلَيْهَا أهلكه عباب سيله، [وأجلب عَلَيْهَا] بِرجلِهِ وخيله، وسحب على أرجائها فضول ذيله، وحجب الضيا عَن آفاقها المشرقة بظلام ليله. فكم حمى مصون بهَا قد استباحه، وَربع مريع قد اجتاحه، وحريم محرم قد أَبَاحَهُ، وَمن وكل باقتضائه ظباء ورماحه، وَشَمل جَمِيع أدَار عَلَيْهِ شُمُول الْفِرَاق وحث أقداحه، ومصلى نصب فِيهِ تماثيله المضلة وأشباحه، وعقاب حصن هاض جنَاحه
وأطفا مصباحه، جهلا مِنْهُ أماتة الله واغترارا، وعتوا فِي الأَرْض واستكبارا، وظنا أَن حَبل الْإِسْلَام قد دهى بانبتاته، وشمله قد رمى بشتاته، وَحقّ الدّين قد أغفل رعى متاته، وَأَن ذَلِك الْملك لَا ينجد هَذَا الْقطر فِي الشدائد بعزماته، وَلَا عَلَيْهِ مَا اعتاده من تفريج كربه وَرفع أزماته. وَمَا كَانَ ذَلِك الْمقَام لينسي الْبعيد من بِلَاده بالقريب، وَيسْتَقْبل بالأمل المتعاهد مِنْهَا عَن الْغَرِيب، وصراخه يتَّصل بهَا على بعد المدا، ومنابرها تستجير بهَا من صرف الردا، وبهتان العدا، يَأْبَى الله ذَلِك، وَالْحمية الدِّينِيَّة، والمملكة المرينية، والجنود المجندة، والصفائح المهندة، والجياد الصاهلة، والمعاهد الآهلة، والمراكب الهائلة، والرماح المتمايلة، والأساطيل السابحة، والمتاجر الرابحة، وَالْأَمْوَال الَّتِي لمثل هَذَا الْغَرَض تدخر وتقتنى، والمعالي الَّتِي على مثل هَذِه الدعائم يجب أَن تبتنى، والهمم الَّتِي لَا ترْضى بنعيم أهل الدُّنْيَا، مَا لم تكن كلمة الله هِيَ الْعليا. وَلم يعلم أَن الْإِسْلَام لَو طرقته داهية الْكفْر بِبَعْض أقطاره النازحة وآفاقه، أَو كلب عَلَيْهَا الصَّلِيب بأقصى شامه أَو عرافه، لهزه إِلَى استصراخ الْبِلَاد المغربية الْقَصْد الأول، وَكَانَ لَهُ على نَصره من بهَا الْمُسلمين الْمعول، لما عرفُوا بِهِ من الحمية، والنفوس الأبية، والهمم الَّتِي لَا ترْضى بالدنية، فَكيف بِهَذَا الْقطر، الَّذِي جنَاح ملككم عَلَيْهِ مَمْدُود، وتاج فخركم بِالْجِهَادِ بِهِ مَعْقُود، وغزوكم على أعدائه مَقْصُور، وبابكم بآماله مَقْصُود، لم يستروح نسيم الْفرج على توالي الْحجَج إِلَّا من مهبات نصركم العاطرة، وَلَا سَام بارقة السقيا إِلَّا من خلل سحائبكم الماطرة، وَلَا اختال إِلَّا فِي حلل صنائعكم الفاخرة، وَلَا تقلد إِلَّا دُرَر مكارمكم النافقة، فِي متاجر الدُّنْيَا
وَالْآخِرَة. وَالْملك وَالْحَمْد لله لم يبرح عَن مَحَله، وَلَا انْتقل عَن أَهله، وَلَا تقلص مديد ظله. إِنَّمَا هِيَ نصبة سعيدة لم تخْتَلف أَحْكَامهَا على إِعَادَة تعديلها، وَنسبَة كَرِيمَة لم تَتَغَيَّر مَعَ تبديلها، وأسود لم تزل عَن غيلها، وجياد تجْرِي على أعراق قبيلها. وَلما رَأينَا أَن هَذَا الطاغية أهلكه الله قد جمح فِي ميدان المطامع هولا، وَأظْهر مَا من الْغدر نَوَاه، وحلت المطامع عُرْوَة عقده، وخاصمناه إِلَى حكم الوفا فَلم يرجع فِي اللدد عَن قَصده، وَطلب منا أَن نُقِيم على مَا يخص الْبِلَاد الَّتِي لنظرنا من عُمُوم عَهده، ويتفرغ هُوَ إِلَى مَا سوى ذَلِك بأقصى جهده، وكلنَا أمورنا إِلَى الله وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير، ولجأنا إِلَى التَّوَكُّل عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ، نعم الْمولى وَنعم النصير، ووثقنا بمصارخة ملككم الَّذِي لَهُ الصيت الْبعيد، وَالذكر الشهير، وأمرنا بِإِطْلَاق الغارات على جَمِيع مَا يلينا من بِلَاده، وَجَعَلنَا يَد الْإِسْلَام وَاحِدَة، على دفاعه وجلاده، حَتَّى تقضى الْفُرُوض المتعينة، وَيحيى من حَيّ عَن بَيِّنَة، وَنَرْجُو الله أَن يخيب صَفْقَة هَذَا الناكث الغادر، وَيرد عَلَيْهِ أَسْوَأ الدواير. وخاطبنا مقامكم، الَّذِي هُوَ بعد الله الْعدة الْعُظْمَى، والملجأ الأحمى، نشرح لَهُ أَحْوَال هَذِه الْبِلَاد المتمسكة بأسبابكم المنسوبة إِلَى جنابكم، لتحاولوا علاج دائها، ودفاع أعدائها، ونطلب من ملككم، الَّذِي حَاز فِي الْمَعَالِي الأمد، أَن يعجل إِلَيْهَا الحامية والمدد، وَالْمَال الَّذِي يعدل فِي جبرها الْعدَد، وَالْقُوَّة الَّتِي تضعف عدوها، والرفد الَّذِي تبلغ بِهِ مرجوها، ويمتعض لحرمتها، ويرعى مَا سلف من أذمتها، ويتداركها بالعزائم الَّتِي تمهد راجفها، وتومن خائفها، والمكارم الَّتِي تجبر قلوبها، والصوارم الَّتِي ترد منصوبها، فَمَا أملت إِلَّا حمى ذَلِك الْملك، وَلَا اعتمدت إِلَّا خلاله، وَلَا عرفت فِي الْقَدِيم والْحَدِيث، إِلَّا جيوشه وأمواله، حَتَّى تعود لأحسن أحوالها، وتستأنف الْحَيَاة رمم آمالها، وتسفر عَن وَجه جمَالهَا، وترفل
فِي حلل اقتبالها، فَهِيَ حَسَنَة سلفكم الأرضي، وركاب جهادكم الأمضى، والميدان الَّذِي لَا تزَال الهمم الملكية تسابق إِلَى غَايَته، وَالْأَيْدِي الْعَالِيَة تمتد إِلَى تلقى رايته، والوسيلة مِنْهُم إِلَى الله الَّتِي يستزيدون بنصرها من مواهب نَصره وعنايته. وَأَنْتُم سلالة ذَلِك الْمجد وَبدر أفقه الباهر السعد، وَأولى من يُعَامل الله فِيهَا، بنصر الْحق وإنجاز الْوَعْد، فحققوا أمل الْإِسْلَام فِي علاكم، واستبقوا فِي ميدان النَّصْر مَا تدل عَلَيْهِ حلاكم، كتب الله فِي إعانتنا المآثر الَّتِي تتلى [وجدد لكم بِهِ المفاخر الَّتِي لَا تبلى] ، وسلك بكم من مرضاته الطَّرِيقَة المثلى، وَجعل سعيكم الأرضى، وملككم الْأَعْلَى. وأننا أوفدنا على بَابَكُمْ لتقرير هَذِه الْأَحْوَال، واستصراخ ملككم السَّامِي الْجلَال، من يشْرَح لكم جزئيات الْأُمُور، ويحرك عزمكم لإنجاد هَذِه الثغور، ويمثل لكم الْحَال فِي صورتهَا، وَيبين لديكم قدر ضرورتها، وهم الشَّيْخَانِ الفقيهان، الأستاذان القاضيان، قَاضِي جماعتنا وخطيب حضرتنا [أَبُو فلَان، وَأَبُو فلَان، والقائد أَبُو فلَان] ولمقامكم الْفضل فِي الإصغاء لما يلقونه إِلَيْكُم، ويقصونه عَلَيْكُم، يكون ذَلِك من جملَة مَا نعتده من مكارمكم الحافلة، وشيمكم الطاهرة الفاضلة، وَالله عز وجل يصل سعدكم، ويحرس مجدكم. وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته [وَفِي الْيَوْم الْعَاشِر لشهر ربيع الآخر من عَام خمسين وَسَبْعمائة] .
وكتبت أَيْضا فِي هَذَا الْغَرَض
الْمقَام الَّذِي يجب لمرضاته التسرع، ويحق البدار إِلَى وصل الْيَد بِهِ والتسرع [ويدعوا إِلَى الاستمساك بوده التدين والتشرع] ويخلص إِلَى الله فِي حمله على مَا فِيهِ رِضَاهُ التضرع. مقَام مَحل أخينا الَّذِي نعطي أخوته حَقّهَا، ونسلك من مودته طرقها، ونشيم من عَزَائِمه فِي الْجِهَاد برقها، ونشكر غيثها وودقها، السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله موفى الْمَقَاصِد، مهنأ الْمَوَارِد، معمور التوادي بالصالحات والمعاهد، قَائِما من حُقُوق نعم الله عَلَيْهِ مقَام الشاكر الحامد، وَلَا زَالَت عَزَائِمه قَاطِعَة بالمعاند، متلعة مِنْهُ للطارف والتالد، ومكارمه شَامِلَة للأقارب والأباعد، وأقواله وأعماله خَالِصَة فِي طَاعَة الله الْملك الْوَاحِد، مُعظم مِقْدَاره، وملتزم إجلاله وإكباره، ومواخيه فِي الله على إعلاء دينه الْحق وإظهاره الْعَارِف بكرم تجاره وَفضل آثاره. فلَان، سَلام كريم طيب برعميم يخص مقامكم الأسمى وأخوتكم الْعُظْمَى، وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته.
أما بعد حمد الله الَّذِي تجنى من أفنان التَّوَكُّل عَلَيْهِ ثمار الآمال، ونقتنص من مطَالب اللجا إِلَيْهِ نتائج نجاح الْأَعْمَال، جَاعل الْمَوَدَّة فِي ذَاته وَسِيلَة نافعة يَوْم الْعرض وَالسُّؤَال، وظلا على عباده يتكفل بصلاح الْأَحْوَال، مجازي من أخْلص فِي وَسِيلَة قَصده بالصنع الباهر الْجلَال، والمنح الوافرة [عَن الْيَمين وَالشمَال] . أقامنا بِهَذَا الصقع الْأَقْصَى ندافع عداهُ بالبيض الْقصار والسمر الطوَال، وندعوا إِلَى مَا فِيهِ رِضَاهُ أهل الائتمار لطاعته والامتثال، ليُصبح الْأَمْن
مدير الظلال، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، الشَّفِيع عِنْد تعاظم الْأَهْوَال، والملجأ المنيع عِنْد إعواز الاحتيال، ذِي المعجزات الَّتِي اسْتَقَلت عقودها كل الِاسْتِقْلَال، خَاتم الْأَنْبِيَاء وَسيد الْإِرْسَال، الَّذِي نلتمس ببركته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة من الله مُؤَمل الأفضال، ونحارب ونسالم عملا بِمُقْتَضى سنته فِي الْحَال والمآل، ونتمسك بأخوة من يُرْجَى دفاعه عَن دينه حَتَّى نبلغ قصيات الامال. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، أكْرم الصَّحَابَة وأسنى الْآل، الَّذِي كَانُوا فِي قلادة مِلَّته مثل اللآل، وَفِي الاهتداء لأمته مثل النُّجُوم فِي الليال. وَالدُّعَاء لمقام أخوتكم الفارسية بتوالي الْيمن والإقبال [وَلَا زَالَت] مقاصدها خَالِصَة فِي رضى الله ذِي الْجلَال، وعزائمها يحفها التَّوْفِيق عَن الْيَمين وَعَن الشمَال. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم كتب الله لكم من السَّعَادَة أوفرها نَصِيبا. وسلك بكم من السداد والإسعاد مأخذا قَرِيبا، وجلى لكم من وَجه الْعِنَايَة وَجها عجيبا، [وبوأكم من منَازِل الْقبُول جنابا رحيبا] . من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَنحن نمحص لكم الود فِي شَاهد الْأَمر وغائبه، ونثني عَلَيْكُم [ثَنَاء] يبين قصد مذاهبه. وَإِلَى هَذَا وصل الله سعادتكم، وحرس مجادتكم [ووالى النعم عنْدكُمْ] . فإننا تعرفنا فِي هَذِه الْأَيَّام من خدامكم الوافدين علينا بهديتكم، مَا عنْدكُمْ من استدعاء الأساطيل المنصورة من مَحل إنشائها، والاستكثار من اعدد حركاتها واقتنايها، وَإِن فرض العزائم شَرط فِي أَدَائِهَا، وأولياء الْملَّة قد تدامرت على أعدائها، وحكماؤها قد شمرت لإِزَالَة دائها، فسألنا الله إتاحة الْخيرَة، وتكييف الصنايع المتيسرة، وبادرنا إِلَى سبر مَا عنْدكُمْ من التشوف إِلَى مَا لنا من الأساطيل الجهادية والمقاصد
الودادية، فَإِن توفر لكم فِي الِاسْتِعَانَة بهَا أرب، أَو بَان فِي الِاحْتِيَاج إِلَيْهَا مَذْهَب، نشرع فِي إصلاحها وتيسيرها، وَتنظر فِي إبرام أمورها، لتَكون مرهفة الْحَد، آخذة أهبتها قبل الْقَصْد، ونعلمكم مَعَ ذَلِك أَن رَسُولنَا إِلَيْكُم فِي الْأَيَّام الْمَاضِيَة، وَالْأَشْهر المتقاصية فلَانا، لما وصل من لدنكم، أوصل فِي الطَّعَام الْمُعْتَاد من سلفكم، قدسهم الله، إِلَى هَذِه الجزيرة وَعدا. وأنهى إِلَيْنَا اجْتِهَادًا فِي أمره وجدا، وأنكم من جددتم من حَسَنَات بَيتكُمْ عهدا، فأورينا فِي الشُّكْر زندا، وأوضحنا فِي الثَّنَاء قصدا، وَقد كَانَت عَادَة والدكم، أزلفه الله إِلَيْهِ، وجدد ملابس الرَّحْمَة والرضوان عَلَيْهِ، أَن يصدر عَنهُ مَكْتُوب بِمِقْدَار ذَلِك الْإِمْدَاد، وَتَعْيِين موَاضعه من سَاحل الْبِلَاد، وَنحن نؤمل أَن تسلكوا ذَلِك الْعَمَل فِي سَبِيل الْجِهَاد، وتخلدوا من الْأَعْمَال الصَّالِحَة، مَا يجده من يؤمل حسن الْمعَاد، أذكرناكم بذلك على سَبِيل الوداد، وكرم الِاعْتِقَاد، ووجهنا من يُقرر لديكم مَا عندنَا من جميل الْوَلَاء فِي أخوتكم الرفيعة الْعَلَاء، وَيتَكَلَّم بَين يديكم فِي هَذِه الْأَشْيَاء، وَيجْرِي من تبين الخلوص على [السَّبِيل السوَاء] وَهُوَ الْقَائِد الْأَجَل المكرم أَبُو فلَان، [وصل الله كرامته، وَكتب سَلَامَته] . [ومكارمكم توسع بقدومه الصُّدُور انشراحا، وتبلغ، من إسداء مَا توجه بسبيله اقتراحا. وَالله يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، ويضاعف نعمه عنْدكُمْ، وَالسَّلَام الْكَرِيم يخص مقامكم الْأَعْلَى وأخوتكم الفضلى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، وَكتب فِي كَذَا] .
وَمن الِاسْتِظْهَار أَيْضا على العداة والاستنجاز للعداة مَا كتبت بِهِ
وَقد هلك الْوَزير المستولى على ملك الْمغرب، واستقل السُّلْطَان أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز على ملك أَبِيه. نبهت فِي ذَلِك على جبل الْفَتْح عِنْدَمَا تشذبت حاميته وَانْقطع من الغرب مدده
الْمقَام الَّذِي يصْرخ وينجد، ويتهمم فِي الْفضل وينجد، ويسعف ويسعد، ويبرق فِي سَبِيل الله ويرعد، فَيَأْخُذ الْكفْر من عزماته الْمَاضِيَة الْمُقِيم المقعد، حَتَّى ينجز من نصر الله الْموعد، مقَام مَحل أخينا الَّذِي حسن الظَّن بمجده جميل، وحد الْكفْر بسعده قَلِيل، وللإسلام فِيهِ رجا وتأميل، لَيْسَ للقلوب عَنهُ مميل، السُّلْطَان الكذا أبقاه الله وعزمه الْمَاضِي لصولة الْكفْر قامعا، وتدبيره الناجح لشمل الْإِسْلَام جَامعا، وَملكه الْمُوفق لنداء الله مُطيعًا سَامِعًا، ومعظم مِقْدَاره، وملتزم إجلاله وإكباره، المعتد فِي الله بكرم شيمته وَطيب نجاره، المستظهر على عَدو الله بإسراعه إِلَى تدمير أشياعه الْكَافِرَة وَبِدَارِهِ، فلَان. سَلام كريم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
أما بعد حمد الله مُجيب دَعْوَة السَّائِل، ومتقبل الْوَسَائِل، [ومنيل النائل] ، ومتيح النعم الجلائل، مربح من عَامله فِي هَذَا الْوُجُود الزائف الزائل، والبره القلائل بالمتاع الدَّائِم الطائل، وَالنَّعِيم غير الْحَائِل، ومقيم أود الْإِسْلَام المائل، بأولي المكارم من أوليائه والفضائل، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد وَرَسُوله المنقذ من الغوائل، المنجي من الروع الهائل، والصادع بدعوة الْحق الصايل
بَين العشائر والفصائل، الَّذِي ختم بِهِ وبرسالته ديوَان الرُّسُل والرسائل، وَجعله فِي الْأَوَاخِر شرف الْأَوَائِل. وَالصَّلَاة عَلَيْهِ زَكَاة قَول الْقَائِل. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه وعترته وَحزبه، تيجان الْأَحْيَاء والقبائل، المتميزين يكرم السجايا وَطيب الشمايل، والدعا لمقام أخوتكم فِي الْبكر والأصايل، بالسعد الصَّادِق المخايل، والصنع الَّذِي تتبرج مواهبه تَبْرَح العقايل، والنصر الَّذِي تهز لَهُ الصعاد الملد عطف المترانح المتخايل. فَإنَّا كتبناه كتب الله لكم عزا يَانِع الخمايل، ونصرا يتكفل للكتايب الْمُدَوَّنَة فِي الْجِهَاد ومرضات رب الْعباد، بسرد المسايل، وإقناع السايل. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَا زايد بِفضل الله سُبْحَانَهُ إِلَّا استبصار فِي التَّوَكُّل على من بِيَدِهِ ملك الْأُمُور، وتسبب مَشْرُوع تتَعَلَّق بِهِ بِإِذن الله أَحْكَام الْقدر الْمَقْدُور، وَرَجا فِيمَا وعد بِهِ من الظُّهُور، يتصاعد على توالي الْأَيَّام، وترادف الشُّهُور. وَالْحَمْد لله كثيرا كَمَا هُوَ أَهله، فَلَا فضل إِلَّا فَضله، ومكانكم الْمَعْرُوف مَحَله، الْكَفِيل بالإرواء نهله وعله. إِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، وحرس مجدكم، [ووالى النعم عنْدكُمْ] فإننا فِي هَذِه الْأَيَّام، أهمنا من أَمر الْإِسْلَام، مَا زبن الشَّرَاب، ونغص الطَّعَام، وَذَادَ الْمَنَام، لما تحققنا من عمل الْكفْر على مكايدته، وسعى الضلال، وَالله الواقي فِي استئصال بغيته، وَعقد النوادى للاستشارة فِي شَأْنه، وشروح الْحِيَل فِي هد أَرْكَانه، وَمن يومل من الْمُسلمين لرفع الردا وكشف الْبلوى، وَبث الشكوى، وَأَهله حاطهم الله وتولاهم، وتمم عوابد لطفه الَّذِي أولاهم، فَهُوَ مَوْلَاهُم، فِي غَفلَة ساهون، وَعَن المغبة فِيهِ ذاهلون، قد شغلتهم دنياهم عَن دينهم، وعاجلهم عَن آجلهم، وَطول الأمل عَن نَافِع الْعَمَل، إِلَّا من نور الله قلبه، بِنور الْإِيمَان، وتململ بمناصحة الله وَالْإِسْلَام
تململ السَّلِيم، وَاسْتدلَّ بِالشَّاهِدِ على الغايب، وَصرف الْفِكر إِلَى معاطب الْأُمَم السوالب. فَلَمَّا رَأينَا أَن الدولة المرينية الَّتِي هِيَ على مر الْأَيَّام شجى العدا، ومتوعد كل من يكيد الْهدى، وقبة الْإِسْلَام الَّتِي إِلَيْهَا يتَمَيَّز، وكهفه الَّذِي إِلَيْهِ يلجأ، قد أذن الله فِي صَلَاح أمورها، وَلم شعثها، وَإِقَامَة صفاها، بِأَن خرج عَنْهَا هَنَات الْعَدو، وأراحها من مس الضّر، ورد قوسها إِلَى يَد باريها، وصير حَقّهَا إِلَى وارثها، وَأقَام لرعى مصالحها، من يحسن الظَّن بِحَسبِهِ وَدينه، ويرجى الْخَيْر من ثَمَرَات نصحه، وَمن لم يعلم إِلَّا الْخَيْر من سَعْيه، والسداد من سيرته، وَمن لَا يستريب الْمُسلمُونَ فِي صِحَة عقده، واستقامة قَصده. أردنَا أَن نخرج لكم عَن الْعهْدَة فِي هَذَا الدّين الحنيف، الَّذِي رسمت دَعوته وُجُوه أحبابكم شملهم الله بالعافية، وتشبثت بِهِ أنفاس من صَار إِلَى الله من السّلف، تغمدهم الله بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَة. وَفِي هَذَا الْقطر الَّذِي بِلَاده مَا بَين مكفول يجب رعيه طبعا وَشرعا، وجار يلْزم حَقه دينا وَدُنْيا، وحمية وفضلا. وعَلى الْحَالَتَيْنِ فَعَلَيْكُم بعد الله الْمعول، وَفِيكُمْ المؤمل، فارعونا أسماعكم الْمُبَارَكَة، نقص عَلَيْكُم مَا فِيهِ رَضِي الله، والمنجاة من نكيره، وَالْفَخْر وَالْأَجْر وَحفظ النعم، وَالْخلف فِي الذُّرِّيَّة بِهَذَا وعدت الْكتب الْمنزلَة، وَالرسل الْمُرْسلَة. وَهُوَ أَن هَذَا الْقطر، الَّذِي تعدّدت فِيهِ الْمُحَارب والمنابر، والراكع والساجد، والذاكر وَالْعَابِد، والعالم واللفيف، والأرملة والضعيف، قد انْقَطع عَنهُ إرفاد الْإِسْلَام، وَفتحت الْأَيْدِي بِهِ مُنْذُ أَعْوَام، وَسلم إِلَى عَبدة الْأَصْنَام، وقوبلت ضرايره بالأعذار، والمواعيد المستغرقة للأعمار، وَإِن عرضت شواغل وَفتن وشواغب وإحن، فقد كَانَت بِحَيْثُ لَا يقطع السَّبَب بجملته بولا يذهب الْمَعْرُوف بكليته] ، وَلَا بُد من شكوى إِلَى ذِي
مُرُوءَة، يواسيك أَو يسليك أَو يتفجع. وَلَو كَانَت الأشغاب تقطع الْمَعْرُوف وَتصرف عَن الْوَاجِب، لم يفتح السُّلْطَان الْمُقَدّس والدكم جبل الْفَتْح، وَهُوَ منَازِل أَخَاهُ بسجلماسة، وَلَا أمده وَلَده السُّلْطَان أَبُو عنان وَهُوَ بمراكش، وبالأمس بعثنَا إِلَى الْجَبَل وشمانة فِي جملَة مَا أهمنا مبلغ جهد، وسدادا من عوز، وَقد فضلت عَن ضرارنا أَمْوَال فرضت لسبيل الله على عباده، وَطَعَام سمحنا بِهِ على الاحتياح إِلَيْهِ فِي سَبِيل جهاده، فَلم يُسهم المتغلب مِنْهَا بِجَانِب الله بحبه، وَلَا أقطعه مِنْهَا ذرة، مستخفا بِهِ جلّ وَتَعَالَى، متهاونا بنكيره الَّذِي هُوَ أَحَق أَن يخْشَى. فَضَاعَت الثغور، واختلت الْأُمُور، وتشذبت الحامية، وتبدد الْعدَد، وخلت المخازن، وَهَلَكت بهَا الجرذان، وعظمت فِيهَا حسرة الْإِسْلَام أَضْعَاف مَا عظمت حيرته، أَيَّام كَانَت تكفلها همم الْمُلُوك الْكِرَام، والخلفا الْعِظَام، والوزراء والنصحا والأشياخ الأمجاد، قدس الله أَرْوَاحهم، وضاعف أنوارهم، وَلَا كالحسرة فِي الجيل، بَاب الأندلس، وركاب الْجِهَاد، وحسنة بني مرين، ومأثرة آل يَعْقُوب، وكرامة الله السُّلْطَان الْمُقَدّس، وَالِد الْمُلُوك، وكبير الْخُلَفَاء الْمُجَاهدين، والدكم، الَّذِي نرد على قَبره مِنْهُ مَعَ السَّاعَات والأنفاس، وُفُود الرَّحْمَة، وهدايا الزلفة، وَرَيْحَان الْجنَّة. فلولا أَنكُمْ على علم من أَحْوَاله، لشرحنا الْمُجْمل، وشكلنا المهمل. إِنَّمَا هُوَ الْيَوْم شبح ماثل، وطلل بايد، لَوْلَا أَن الله شغل الْعَدو عَنهُ بفتنة قومه، لم يصرف وجههه إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا حوم طيره إِلَّا عَلَيْهِ، ولكان بصدد أَن يَتَّخِذهُ الصَّلِيب دَارا، وَأَن يقر بِهِ عينا، والعدوة، فضلا عَن الأندلس، قد أوسعها شرا، وأرهق مَا يجاورها عسرا. نسل الله بِنور وَجهه، أَن لَا يسود الْوُجُوه بالفجع فِيهِ، وَلَا يسمع عويل الْمُسلمين لثكله،
وَمَا دونه قصد، وَإِن أنعش بِالتَّعْلِيلِ عليله، وَرفع بالجهد خلقه، لحم على وَضم إِلَّا أَن يصل الله وقايته، ويوالي دفاعه وعصمته. لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْوَلِيّ النصير، وَمَا زلنا نشكو إِلَى غير المصمت، ونمد الْيَد إِلَى الْمُدبر عَن الله المعرض، ونخطب لَهُ زَكَاة الْأَمْوَال المباني الضخمة، والخزاين الثرة، والأهراء الطامية، والحظ التافه من المفترض برسمه، وَقُلُوب الْمُسلمين بالنزول عَنهُ من أَجله. فتمضي الْأَيَّام لَا تزيد الضرار فِيهَا إِلَّا ضيقا، وَلَا الْأَحْوَال إِلَّا شدَّة، وَلَا الثغر إِلَّا ضعة، وَلَا نعلم أَن نظرا وَقع لَهُ، وَلَا فكرا أعمل فِيهِ، إِلَّا مَا كَانَ من تسخير رَعيته الضعيفة، وبلالة محياه السخيفة فِي بِنَا قصر بمنت ميور من جباله، شاده مرمرا وجلله كلسا، فللطير فِيهِ ذراه وكور. جلب إِلَيْهِ الزليخ، وَاخْتلفت فِيهِ الأوضاع فِي رَأس [نيق لأمل نزوه] وَسُوء فكره، فَلَمَّا تمّ أقطع الهجران، فَهُوَ الْيَوْم متمتع البوم وحظ الخراب، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، حَتَّى جَاءَ أَمر الله، خَالِي الصَّحِيفَة من الْبر، صفر الْيَد من الْعَمَل الصَّالح، نَعُوذ بِاللَّه من نكيره، ونسله الإلهام والسداد [والتوفيق والرشاد] وَلَقَد بذلنا جهدنا قولا وفعلا، وموعظة وَنصحا، واستدعينا لتِلْك الْجِهَة صدقَات الْمُسلمين، مَحْمُولَة على أكتاف الْعباد الضعفا الَّذين كَانَت صدقَات فاتحه رضوَان الله عَلَيْهِ ترفدهم، ونوافله تتعهدهم، مِمَّا حرك ذَلِك الْجوَار حلوبا، وَلَا استدعى مَطْلُوبا، وَلَا رفدا مجلوبا، فَإلَى مَتى تمْضِي ركاب الصَّبْر، وَقد بلغ الْغَايَة، واستنفد البلالة، بعد أَن أعَاد الله الْعَهْد، وجبر المَال، وَأصْلح السَّعْي، وأجرى ينابيع الْخَيْر،
وَانْشَقَّ ريَاح الْإِقَالَة. وَجُمْلَة مَا نُرِيد أَن نقرره، فَهُوَ الْبَاب الْجَامِع، وَالْقَصْد الشَّامِل، والداعي والباعث، أَن صَاحب قشتالة، لما عَاد إِلَى ملكه، وَرجع إِلَى قطره، جرت بَيْننَا وَبَينه المراسلة، الَّتِي أسفرت بِعَدَمِ رِضَاهُ عَن كدحنا لنصره، ومظاهرتنا إِيَّاه على أمره، وَإِن كُنَّا قد بلغنَا جهدا، وأنفذنا وسعا، وأجلت عَن شُرُوط ثَقيلَة لم نقبلها، وأغراض صعبة لم نكملها، وَنحن نحقق أَنه إِمَّا أَن تهيج حفيظته، وتثور إحنته، فَيكْشف وَجه الْمُطَالبَة، مستكثرا بالأمة الَّتِي داس بهَا أهل قشتالة، فراجع أمره غلابا، وَحقه ابتزازا واستلابا، أَو يصرفهَا ويهادن الْمُسلمين، بخلال مَا لَا يدع جِهَة من جِهَات دينه الْقَرِيبَة، إِلَّا عقد مَعهَا صلحا، وَأخذ عَلَيْهَا بإعانتها إِيَّاه عهدا. ثمَّ تفرغ إِلَى شفا غليله وبلوغ جهده، وَلَا شكّ أَنَّهَا تجيبه، صرفا لِبَأْسِهِ عَن نحورها، ومقارضة لما وَقع بأطريرة من ضيق صدورها، وَمن سف جمهورها. وكل من لَهُ دين فَهُوَ يحرص على التَّقَرُّب إِلَى من دانه بِهِ، وكلفه وظائف تَكْلِيفه، رجا لوعده، وخوفا من وعيده. وَبِاللَّهِ ندفع مَا لَا نطيق، من جموع تداعت من الْجَزُور، ووراء البحور، وَالْبر الْمُتَّصِل الَّذِي لَا تقطعه الرفاق، وَلَا تحصى ذرعه الحذاق. وَقد أَصْبَحْنَا بدار غربه، وَمحل روعه، ومفترس ضوه، ومظنة فتنه، وَالْإِسْلَام عدد قَلِيل، ومنتجعه فِي هَذِه الْبقْعَة حَدِيث، وَعَهده بالإرفاد. والإمداد من الْمُسلمين بعيد [رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا] . رَبنَا وَلَا تحمل علينا إصرا كَمَا حَملته على الَّذين من قبلنَا، رَبنَا وَلَا تحملنا مَا لَا طَاقَة لنا بِهِ، واعف عَنَّا، واغفر لنا، وارحمنا أَنْت مَوْلَانَا، فَانْصُرْنَا على الْقَوْم الْكَافرين.
وَإِذا تداعت أُمَم الْكفْر، نعرة لدينها المكذوب، وحمية لصليبها الْمَنْصُوب، فَمن يَسْتَدْعِي لنصر الله، وحماية أَمَانَة نبيه إِلَّا أهل ذَلِك الوطن، حَيْثُ المآذن بِذكر الله تملأ الأفاق، وَكلمَة الْإِسْلَام قد عَمت الرِّبَا والوهاد. إِنَّمَا الْإِسْلَام غريق قد تشبث بأهدابكم، يناشدكم الله فِي بَقِيَّة الرمق، وَقبل الرمى تراش السِّهَام، وَهَذَا أَوَان الْبَنَّا والإغنا، وَاخْتِيَار الحماة، وإعداد الأقوات، قبل أَن يضيق المجال، وتمنع الْمَوَانِع. وَقد وجهنا هَذَا الْوَفْد الْمُبَارك للحضور بَين يديكم، مقررا للضَّرُورَة، مَنْهِيّا للرغبة، مذكرا بِمَا يقرب عِنْد الله، وموكدا لذمام الْإِسْلَام، جالبا على من وَرَاءَهُمْ بحول الله من الْمُسلمين، الْبُشْرَى الَّتِي تشرح الصُّدُور، وتسنى الآمال، وتستدعي الدعا والثنا. فالمؤمن كثير بأَخيه، وَيَد الله مَعَ الْجَمَاعَة، والمسلمون يَد على من سواهُم، وَالْمُؤمن لِلْمُؤمنِ كالبنيان المرصوص يشد بعضه بَعْضًا، والتعاون على الْبر وَالتَّقوى مَشْرُوع، وَفِي الذّكر الْحَكِيم مَذْكُور، وَحقّ الْجَار مَشْهُور، وَمَا كَانَ يوحي بِهِ جِبْرِيل فِي الصَّحِيح مَكْتُوب، وكما رَاع الْمُسلمين اجْتِمَاع كلمة الْكفْر، فنرجو أَن يروع الْكفْر من الْعِزّ بِاللَّه، وَشد الحيازيم فِي سَبِيل الله، ونفير النعرة [فِي سَبِيل الله] ، والشروع فِي حماية الثعور وعمرانها، وإزاحة عللها، وجلب الأقوات إِلَيْهَا، وإنشاء الأساطيل وجبر مَا تلف من عدَّة الْبَحْر، أُمُور تدل على مَا وَرَاءَهَا، وتخبر بِمَشِيئَة الله عَمَّا بعْدهَا. وَمَا تَفعلُوا من خير يُعلمهُ الله، وتزودوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى.
وَمن خطب على رضى الله عَنهُ. أما بعد فَإِن الْجِهَاد بَاب من أَبْوَاب الْجنَّة، فَمن تَركه رهبة، ألبسهُ الله سِيمَا الْخَسْف، ووسمه بالصغار، وَمَا بعد الدُّنْيَا إِلَّا الْآخِرَة، وَمَا بعد الْآخِرَة إِلَّا إِحْدَى دَاري الْبَقَاء. أَفِي الله شكّ. وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون. والاعتنا بِالْجَبَلِ عنوان هَذَا الْكتاب، ومقدمة هَذَا
الْبَاب، والغفلة عَنهُ مُنْذُ أَعْوَام، قد صيرته لَا يقنع باليسير، وَقد أبرمته المواعد وَغير رسومه الِانْتِظَار، [وَنَفَقَته على قدره] . وَمن الْمَنْقُول ارحموا السَّائِل وَلَو جَاءَ على فرس. والإسراف فِي الْخَيْر أرجح فِي هَذَا الْمحل من عَكسه. وَكَانَ بعض الأجواد يَقُول وَقد أقتر، اللَّهُمَّ هَب لي الْكثير، فَإِن حَالي لَا يقوم على الْقَلِيل. وَعَسَى أَن يكون النّظر لَهُ بِنِسْبَة الْغَفْلَة عَنهُ، والامتعاض لَهُ مكافيا للإزراء بِهِ، وخلو الْبَحْر يغتنم لإمداده وإرفاده قبل أَن يثوب نظر الْكفْر إِلَى قطع المدد وسد الْبَحْر. وَمن ضيع الحزم نَدم، وَلَا عذر لمن علم. وَالله عز وجل، يطلع من قبلكُمْ مَا فَهِيَ شفا الصُّدُور، وجبر الْقُلُوب، وَشعب الصدوع. وَمَا نقص مَال من صَدَقَة، وَطَعَام الْوَاحِد كَافِي الِاثْنَيْنِ، وَالدّين دينكُمْ، والبلاد بِلَادكُمْ، وَمحل رباطكم وجهادكم، وسوق حسناتكم. وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره. وَقد قلدنا الْعهْدَة الحفيظ عَلَيْهَا المصروف الْعِنَايَة بِفضل الله إِلَيْهَا. وَالله الْمُسْتَعَان، وَعَلِيهِ التكلان. وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم. وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
وَصدر عني فِيمَا يقرب من هَذَا الْغَرَض وَفِيه إِشَارَة إِلَى ترك الْحَرَكَة إِلَى مراكش، وَالْعَمَل على إنجاز وعد التغلب على دولة الْمُلُوك بالمغرب، وَقد تَأذن الله عز وجل بعكس مَا قصد مِنْهُ، ودافع بقدرته عَن هَذَا الوطن دون إعانته
الْمقَام الَّذِي يُؤثر حَظّ الله إِذا اخْتلفت الحظوظ وتعددت الْمَقَاصِد، ويشرع إِلَى الْأَدْنَى مِنْهُ إِذا تفاضلت المشارع، وتمايزت الْمَوَارِد، ويستأنف عَادَة حلمه وفضله الشارد، ويسع وارف ظله الصَّادِر والوارد، والغايب وَالشَّاهِد، وَيُعِيد
من نصر الله لِلْإِسْلَامِ العوايد [ويسد الذرايع ويدر الْفَوَائِد] ، مقَام مَحل أخينا الَّذِي سَبَب اعتدادنا بِهِ فِي الله قوي وثيق، وثناؤنا بالمفاخر الْمَوْقُوفَة على ملكه الرفيع طليق، واعتمادنا على مظاهرته وَنَصره لَا يلتبس مِنْهُ طَرِيق، وَلَا يخْتَلف فِيهِ فريق، وودادنا فِي جنابه الأسمى أصيل عريق. السُّلْطَان الكذا أبي عنان، أبقاه الله، وآثاره فِي نصر الدّين بَاقِيَة صَالِحَة، وغرس مفاخره مشرقة وَاضِحَة، وآمال أهل الْإِسْلَام فِي عَزَائِمه الْمَاضِيَة، ومكارمه الراضية، صَادِقَة ناجحة، وكتائبه فِي سَبِيل الله غادية رايحة، وَكتبه بإنجاز المواعد والمثابرة على [كبت أعاديه مُرَاجعَة أَو مفاتحه، وَأَقْلَام رماحه وصحايف صفاحه لآيَات إِلَى] الَّذِي حسنت فِي الدّين، سيره، وتعاضد فِي الْفضل خَبره وَخَبره، ودلت شَوَاهِد مداركه للحقوق، وتغمده العقوق على أَن الله لَا يهمله وَلَا يذره. فسلك مجده متسقة درره، وَوجه ملكه [شادخة غرره، السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا أبقاه لله رفيعا علاوة هامية لَدَيْهِ منن الله وآلاؤه] شارقة بكواكب السعد سماؤه، محروسة بعز النَّصْر أرجاؤه، مكملا من فضل الله فِي نصر الْإِسْلَام وكبت عَبدة الْأَصْنَام أمله ورجاؤه، مُعظم قدره الَّذِي يحِق لَهُ التَّعْظِيم، وموقر سُلْطَانه الَّذِي لَهُ الْحسب الْأَصِيل وَالْمجد الصميم، الدَّاعِي إِلَى الله باتصال سعادته، حَتَّى ينتصف من عَدو الْإِسْلَام الْغَرِيم، ويتاح على يَد سُلْطَانه الْفَتْح الجسيم. فلَان. سَلام كريم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
أما بعد حمد الله الَّذِي لَا يضيع أجر من أحسن عملا، وَلَا يخيب لمن أخْلص إِلَيْهِ الرَّغْبَة أملا، وموفى من تَركه لَهُ حَقه أجره الْمَكْتُوب متمما مكملا، وجاعل
الْجنَّة لمن اتَّقَاهُ حق تُقَاته نزلا، ملك الْمُلُوك الَّذِي جلّ وَعلا، وجبار [الْقُلُوب] الْجَبَابِرَة، الَّذِي لَا يَجدونَ عَن قدره محيصا، وَلَا من دونه موئلا. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الَّذِي أنزل عَلَيْهِ الْكتاب مفصلا، وأوضح طَرِيق الرشد، وَكَانَ مقفلا، [وَفتح بَاب السَّعَادَة ولولاه لَكَانَ مغفلا] . وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، وعترته وأحزابه الَّذين ساهموه فِيمَا أَمر وحلا، وخلفوه من بعده بالسير الَّتِي راقت مجثلا، وَرفعُوا عماد دينه، فاستقام لَا يعرف ميلًا، وَكَانُوا فِي الْعَفو والحلم مثلا. وَالدُّعَاء لمقامكم الأسمى بالنصر الَّذِي يلفى نَصه صَرِيحًا لَا متأولا، والصنع الَّذِي يبهر حَالا ومستقبلا، والعز الَّذِي يرسو جبلا، والسعد الَّذِي لَا يبلغ أمدا وَلَا أَََجَلًا. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، أصحب الله ركابكم حَلِيف التَّوْفِيق حلا ومرتحلا، وعرفكم عوارف الْيمن الَّذِي يثير جذلا، ويدعوا وَافد الْفَتْح الْمُبين، وَيَردهُ متعجلا. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَا زايد بِفضل الله سُبْحَانَهُ، ثمَّ بِمَا عندنَا من التَّشَيُّع لمقامكم، حرس الله سُلْطَانه، ومهد أوطانه، إِلَّا الْخَيْر الَّذِي نسل الله بعده تَحْسِين العقبى، وتوالي عَادَة الرحمى. وَالْحَمْد لله على الَّتِي هِيَ أزكى، وسدل جنَاح الْخَيْر الأضفى، وصلَة للطائف الَّتِي هِيَ أكفل وأكفى، وَأبر وأوفى. ومقامكم عندنَا هُوَ الْعدة الَّتِي بهَا نصول ونرهب، والعمدة الَّتِي نطيل فِي ذكرهَا ونسهب، وَقد أوفدنا عَلَيْكُم كل مَا زَاد لدينا، أَو فتح الله بِهِ علينا. وَنحن مهما شدّ المخنق، بكم نستنصر، أَو ترَاخى فَفِي ودكم نستبصر، أَو فتح الله بأبوابكم نهنى ونبشر، وقررنا عنْدكُمْ أَن الْعَدو فِي هَذِه الْأَيَّام توقف عَن بِلَاد الْمُسلمين، فَلم يصل مِنْهُ إِلَيْنَا سريه، وَلَا بطشت
لَهُ يَد جرية، وَلَا افترعت من تلقايه ثنية، وَلَا نَدْرِي المكيدة تدبر أَو آرا تنقص بحول الله وتقهر، أَو لشاغل فِي الْبَاطِن لَا يظْهر. وَبعد ذَلِك ورد على بابنا من بعض كبارهم وزعماء أقطارهم مخاطبات يندبون فِيهَا إِلَى جنوحنا للسلم فِي سَبِيل النصح لأياد سلفت منا لَهُم قدروها، ووسائل ذكروها، فَلم يخف عَنَّا أَنه أَمر دبر بلَيْل، وخبيئة تَحت ذيل، فَظهر لنا أَن نسبر الْغَوْر ونستفسر الْأَمر، فوجهنا إِلَيْهِ على عادتنا مَعَ سلفه، [من يهنيه على مَا صَار إِلَيْهِ] وَيعْتَبر مَا لَدَيْهِ وَينظر إِلَى بَاطِن أمره، ويبحث عَن زيد قومه وعمره، فتأتى ذَلِك، وجر مُفَاوَضَة فِي الصُّلْح، أعدنا لأَجلهَا الرسَالَة، واستشعرنا البسالة، ووازنا الْأَحْوَال واعتبرنا، واعتززنا فِي الشُّرُوط مَا قَدرنَا، وَنحن نرتقب مَا يخلق الله من مهادنة تحصل بهَا الأقوات المهيأة للانتساف ويسكن [مَا سَاءَ الْبِلَاد الْمسلمَة] من هَذِه الأرجاف، ويفرغ الْوَقْت لمطاردة الآمال الْعِجَاف، أَو حَرْب يبلغ الاستبصار فِيهَا غَايَته، حَتَّى يظْهر الله فِي نصر الفئة القليلة آيَته. وَلم نجْعَل بِسَبَب الاعتزاز فِيمَا أردناه، وشموخ الْأنف فِيمَا أصدرناه، إِلَّا مَا أشعنا من عزمكم على نصْرَة الْإِسْلَام، وارتقاب خفوق الْأَعْلَام، والخفوف إِلَى دَعْوَة الرَّسُول عليه السلام، وَأَن الأَرْض حمية الله قد اهتزت، والنعرة قد غلبت النُّفُوس واستفزت، واستظهرنا بكتبكم الَّتِي تَضَمَّنت ضرب المواعد، وشمرت عَن السواعد، وَأَن الْخَيل قد أطلقت إِلَى الْجِهَاد فِي سَبِيل الله الأعنة، والثنايا سدتها بروق الأسنة،
وَفرض الْجِهَاد قد قَامَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ، وَالْأَمْوَال قد سمح بهَا الْمُسلمُونَ. وَهَذِه الْأُمُور هِيَ الَّتِي تمشت بقريبها أَو بعيدها أَحْوَال الْإِسْلَام، والآمال الْمعدة لتوجيه الْأَيَّام. ثمَّ اتَّصل بِنَا الْخَبَر الكارث بِمَا كَانَ من خور العزائم المؤمنة بعد كورها، وتسويف مواعيد النُّصْرَة بعد استشعار فورها، وَأَن الْحَرَكَة معملة إِلَى مراكش الْجِهَة الَّتِي فِي يديكم زمامها، وإليكم وَإِن ترامى الطول ترجع أَحْكَامهَا، والقطر الَّذِي لَا يفوتكم مَعَ الْغَفْلَة وَلَا يعجزكم مَعَ الصولة، وَلَا يطلبكم إِن تَرَكْتُمُوهُ، وَلَا يمنعكم إِن طرقتموه وعركتموه. فَسقط فِي الْأَيْدِي الممدودة. وأخلفت المواعد المحدودة، وخسئت الْأَبْصَار المرتقبة، وَرجعت المكاتل الآشبة، وَسَاءَتْ الظنون، وذرقت الْعُيُون، وأكذب الْفُضَلَاء الْخَبَر، وأنفو أَن يعْتَبر، وَقَالُوا هَذَا لَا يُمكن، حَيْثُ الدّين الحنيف، وَالْملك المنيف، والعلما الَّذين أَخذ الله ميثاقهم، وَحمل النَّصِيحَة أَعْنَاقهم. هَذَا هُوَ المفترض الَّذِي لَا يبعد، والقائم الَّذِي يقْعد، يأباه الله وَالْإِسْلَام، تأباه الْعلمَاء الْأَعْلَام، تأباه المآذن والمنابر، تأباه الهمم الأكابر. فبادرنا نستطلع طلع هَذَا النبإ الَّذِي إِن كَانَ بَاطِلا فَهُوَ الظَّن وَالله الْمَنّ، وَإِن كَانَ خِلَافه لرأي رجح، [وتنفق الْملك وتبجج] فَنحْن نوفد كل من يقدم إِلَى الله بِهَذَا الْقطر فِي شَفَاعَة، ويمد إِلَيْهِ كف ضراعة، وَمن يوسم بصلاح وَعبادَة ويقصد فِي الدّين ببث إِفَادَة، يتطارحون عَلَيْكُم فِي نقض مَا أبرم، وَنسخ مَا أحكم، فَإِنَّكُم تجنون بِهِ على من استنصركم عكس مَا قصد، وتحلون عَلَيْهِ مَا عقد. وهب الْعذر يقبل فِي عدم الْإِعَانَة، وضرورة الاستهانة والاستكانة، أَي عذر يقبل فِي الأطراح، والإعراض الصراح، كَأَن الدّين غير وَاحِد، كَأَن هَذَا الْقطر لكلمة
الْإِسْلَام جَاحد، كَأَن ذمام الْإِسْلَام غير جَامع، كَأَن الله غير رَاء وَلَا سامع، فَنحْن نسلكم الله الَّذِي تسْأَلُون بِهِ والأرحام، ونأنف لكم من هَذَا الإحجام، ونتطارح عَلَيْكُم فِي أَن تتركوا الله حظكم فِي أهل تِلْكَ الْجِهَة، حَتَّى يحكم الله بَيْننَا وَبَين الْعَدو الَّذِي يتكالب علينا بإدباركم بَعْدَمَا تضاءل لاستنفاركم ولإنصافكم [وَلَا نكلفكم] غير اقتراب داركم، وَمَا سامكم الْمُسلمُونَ بِهِ شططا، وَلَا حملوكم إِلَّا قصدا وسطا، وَمَا ذهبتم إِلَيْهِ لَا يفوت وَلَا يبعد، وَقد تجاورت الْبيُوت، إِنَّمَا الْفَائِت مَا وراءكم من حَدِيث تأنف من سَمَاعه أوداؤكم، وَدين يشمت بِهِ أعداؤكم. فاسعفوا بالشفاعة لمن بِتِلْكَ الْجِهَة المراكشية قصدنا، وحاشى إحسانكم أَن يرضى فِيهِ ردنا، وَأَنْتُم بعد بِالْخِيَارِ فِيمَا يجريه الله على أَيْدِيكُم من قدره، أَو يلهمكم إِلَيْهِ من نَصره، وجوابكم مرتقب بِمَا يَلِيق بكم، ويجمل بحسبكم، وَالله يصل سعدكم، ويحرس مجدكم بمنه. وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَفِي كَذَا.