المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الرابعفي الإسلام هل يزيد وينقص - زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه

[عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: في قول أهل السنة والجماعة إن الإيمان يزيد وينقص

- ‌الفصل الأول: أدلتهم من الكتاب والسنة على زيادة الإيمان ونقصانه ونقل بعض أقوالهم في ذلك

- ‌المبحث الأول: أدلة زيادة الإيمان ونقصانه من الكتاب

- ‌المبحث الثانيأدلة زيادة الإيمان ونقصانه من السنة

- ‌المبحث الثالث: أقوال السلف في زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌الفصل الثانيأوجه زيادة الإيمان ونقصانه

-

- ‌الفصل الثالثأسباب زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الأولأسباب زيادة الإيمان

- ‌المبحث الثانيأسباب نقص الإيمان

- ‌الفصل الرابعفي الإسلام هل يزيد وينقص

-

- ‌الباب الثاني: في الأقوال المخالفة لقول أهل السنة والجماعة في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌الفصل الأول: قول من قال الإيمان يزيد وتوقف في النقصان

- ‌الفصل الثانيقول من قال الإيمان يزيد ولا ينقص، والرد عليه

-

- ‌الفصل الثالث: قول من قال الإيمان لا يزيد ولا ينقص

- ‌المبحث الأولذكر القائلين بهذا القول

- ‌المبحث الثاني: في ذكر أدلتهم وشبههم وبيان بطلانها

- ‌المبحث الثالث:في بيان موقفهم من النصوص الدالة على زيادة الإيمان ونقصانه، والرد عليهم

-

- ‌الفصل الرابع: في سبب الخلاف في هذه المسألة ونشأته هل هو حقيقي أو لفظي

- ‌المبحث الأول: في ذكر سبب نشوء الخلاف في هذه المسألة

- ‌المبحث الثاني: في ذكر هل الخلاف في هذه المسألة عائد إلى الخلاف في تعريف الإيمان أو لا

- ‌المبحث الثالث: في الكلام عن الخلاف في هذه المسألة هل هو لفظي أو حقيقي

-

- ‌الباب الثالث: حكم الاستثناء في الإيمان

-

- ‌الفصل الأول: بيان مذهب أهل السنة والجماعة في مسألة الاستثناء في الإيمان

- ‌المبحث الأول: بيان قول أهل السنة في الاستثناء ومأخذهم فيه وأدلتهم عليه

- ‌المبحث الثاني: نقل أقوال السلف في الاستثناء مع التوفيق بينها

- ‌المبحث الثالث: ما ورد عنهم من تبديع السؤال بـ" أنت مؤمن

- ‌المبحث الرابع: حكم الاستثناء في الإسلام

- ‌الفصل الثاني: فيمن قال بوجوب الاستثناء

- ‌الفصل الثالث: فيمن قال بعدم جواز الاستثناء

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الفصل الرابعفي الإسلام هل يزيد وينقص

‌الفصل الرابع

في الإسلام هل يزيد وينقص

؟

قبل الشروع في المراد، لا بد أولاً من تعريف الإسلام، ثم على ضوء التعريف يتم بيان هذه المسألة.

فالإسلام لغة: الانقياد والإذعان. وأما في الشرع: فلإطلاقه حالتان:

الحالة الأولى: أن يطلق على الإفراد غير مقترن بذكر الإيمان، فهو حينئذ يراد به الدين كله أصوله وفروعه من اعتقاداته وأقواله وأفعاله، كقوله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام} 1 وقوله: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً} 2 وقوله: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} 3 وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} 4 ونحو ذلك من الآيات.

الحالة الثانية: أن يطلق مقترنا بالإيمان، فهو حينئذ يراد به الأعمال والأقوال الظاهرة، كقوله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ

1 سورة آل عمران، الآية:19.

2 سورة المائدة، الآية:3.

3 سورة آل عمران، الآية:85.

4 سورة البقرة، الآية:208.

ص: 267

الأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} 1 الآية، وكقوله صلى الله عليه وسلم لما قال له سعد رضي الله عنه: مالك عن فلان فوالله إني لأراه مؤمناً فقال صلى الله عليه وسلم"أو مسلماً"2 يعني أنك لم تطلع على إيمانه وإنما اطلعت على إسلامه من الأعمال الظاهرة، وغير ذلك من الآيات والأحاديث3.

ووجه هذا الجمع والتفريق بين الإسلام والإيمان حال الاجتماع والافتراق يتضح بتقرير أصل عظيم وهو"أن من الأسماء ما يكون شاملاً لمسميمات متعددة عند إفراده وإطلاقه، فإذا قرن ذلك الاسم بغيره صار دالا على بعض تلك المسميات والاسم المقرون به دال على باقيها"4.

فبناء على هذا الأصل يقال: إذا أفرد كل من الإسلام والإيمان بالذكر فلا فرق بينهما حينئذ، وإن قرن بين الاسمين كان بينهما فرق. وعليه فهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، فاجتماعهما في الذكر يقتضي افترقهما في المعنى وافترقهما في الذكر يعنى اجتماعهما فى المعنى.

"والتحقيق في الفرق بينهما أن الإيمان هو تصديق القلب وإقراره ومعرفته، والإسلام هو استسلام العبد لله وخضوعه وانقياده له فيكون حينئذ المراد بالإيمان جنس تصديق القلب، وبالإسلام جنس العمل، ومن هنا قال المحققون من العلماء كل مؤمن مسلم فإن من حقق الإيمان ورسخ في قلبه قام بأعمال الإسلام فلا يتحقق القلب بالإيمان إلا وتنبعث الجوارح في أعمال الإسلام، وليس كل مسلم مؤمناً، فإنه قد يكون

1 سورة الحجرات، الآية:14.

2 تقدم تخريجه (ص 92) .

3 انظر معارج القبول لحافظ حكمي (2/ 24، 25) .

4 جامع العلوم والحكم لابن رجب (ص 26) .

ص: 268

الإيمان ضعيفاً فلا يتحقق القلب به تحققاً تاماً مع عمل جوارحه أعمال الإسلام، فيكون مسلمًا، وليس بمؤمن الإيمان التام"1.

فالإسلام على ضوء هذا التعريف المتقدم يزيد كما يزيد الإيمان وينقص كما ينقص، أما على الإطلاق الأول فظاهر، لأنه أصبح مرادفاً للإيمان فله حكمه تمامًا من حيث قبول الزيادة والنقصان، وأما على الإطلاق الثاني حال اجتماعه مع الإيمان حيث يكون المراد بالإسلام الأعمال الظاهرة، فالزيادة والنقصان في هذا لا إشكال فيهما ألبتة، لأن الأعمال تزيد وتنقص وتقل وتكثر وتتفاضل، وهذا الأمر ظاهر لكل أحد عياناً بياناً.

ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" 2 فالألف واللام في قوله:"المسلم"للكمال، نحو زيدٌ الرجل أي الكامل في الرجولية، وإثبات اسم الشيء على معنى إثبات الكمال له مستفيض في كلام العرب3.

قال النووي رحمه الله في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم:"

قالوا: معناه المسلم الكامل، وليس المراد نفي أصل الإسلام عن من لم يكن بهذه الصفة، بل هذا كما يقال: العلم ما نفع أو العالم زيد أي الكامل أو المحبوب، وكما يقال الناس العرب والمال الإبل، فكله على التفضيل لا للحصر، ويدل على ما ذكرناه من معنى الحديث قوله أي المسلمين خير قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده" 4.

1 جامع العلوم والحكم (ص 26، 27) باختصار.

2 رواه البخاري (1/ 53 فتح) ومسلم (1/ 65) .

3 انظر فتح الباري لابن حجر (1/53) .

4 شرح صحيح مسلم (2/10) .

ص: 269

وقد بوب النووي لهذا الحديث في صحيح مسلم بـ"باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل". ودلالة الحديث للباب ظاهرة.

وأورد في الباب نفسه حديث عبد الله بن عمرو أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ قال:"تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف"1.

فإطعام الطعام، وبذل السلام الواردان في هذا االحديث، وكف الأذى الوارد في الحديث الذي قبله كلها من أعمال الإسلام ومن خصاله الواجبة والإسلام يزيد بزيادتها وينقص بنقصها، فهذا ونحوه مما يدل على أن الإسلام يزيد وينقص.

وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:"بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان" 2 يدل على تفاضل الإسلام، فإن من وفى بهذه الأعمال وأتى بها على الوجه أكمل كمل إيمانه، ومن نقص منها شيئاً نقص إيمانه، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في مناقشته لمحمد بن نصر المروزي فيما ادعاه من ترادف الإسلام والإيمان في كل حال:

"وأما ما ذكره من أن الإسلام ينقص كما ينقص الإيمان فهذا أيضاً حق كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة فإن من نقص من الصلاة والزكاة أو الصوم أو الحج شيئاً فقد نقص من إسلامه بحسب ذلك"3.

وبالمقابل من كمل هذه الأمور وأتى بها على وجهها زاد إسلامه

1 أخرجه البخاري (1/ 55 فتح) ومسلم (1/ 65) .

2 أخرجه البخاري (1/ 49 فتح) ومسلم (1/ 45) .

3 الفتاوى (7/ 414) .

ص: 270

وكمل.

والكلام المتقدم مبني على أعدل الأقوال وأصوبها في تعريف الإسلام وإلا فالناس في مسمى الإسلام صاروا إلى ثلاثة أقوال.

1-

طائفة جعلت الإسلام هو الكلمة.

2-

وطائفة أجابوا بما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام فجعلوا الإسلام الأعمال الظاهرة، والإيمان الاعتقادات الباطنة.

3-

وطائفة جعلوا الإسلام مرادفاً للإيمان1.

والقول بزيادة الإسلام ونقصانه بناء على التعريفين الثاني والثالث للإسلام ظاهر، وإن كانت دعوى الترادف بين الإسلام والإيمان غير صحيحة. لكن على قول من قال إن الإسلام هو الكلمة، وهذا منقول عن الزهري رحمه الله حيث قال:"فنرى أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل"وقال بقوله هذا من العلماء حماد بن زيد، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، وأحمد بن حنبل رحمهم الله2 فعلى هذا القول الإسلام لا يقبل الزيادة والنقصان، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله"فالإسلام الذي لا يستثنى فيه الشهادتان باللسان فقط فإنها لا تزيد ولا تنقص فلا استثناء فيها"3.

لكن ينبغي التنبه إلى أن الزهري رحمه الله وكذلك من قال بقوله- لم يرد بذلك أن الإسلام الواجب هو الكلمة وحدها فإنه أجل

1 انظر الفتاوى (7/259) وشرح العقيدة الطحاوية (2/488) .

2 انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (4/ 812) .

3 الفتاوى (7/ 259) .

ص: 271

من أن يرى ذلك، وإنما قال ما قال؛ لأن كل من أتى بالشهادتين صار مسلماً متميزاً عن اليهود والنصارى تجزي عليه أحكام الإسلام التي تجري على المسلمين.

ولهذا فإن من أخذ قول الزهري هذا ليحتج به على أن الإسلام لا يقبل الزيادة والنقصان فهو غالط في قوله مخطىء في قصده. قال شيخ الإسلام:"ومن قال إن الإسلام هو الكلمة فقط وأراد بذلك أنه لا يزيد ولا ينقص فقوله خطأ" بل هو أشبه بأقوال المرجئة القائلين بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص.

وخلاصة القول في هذه المسألة أن الإسلام يقبل الزيادة والنقصان، ويتفاضل الناس فيه كتفاضلهم في الإيمان سواء والله أعلم.

انظر الفتاوى (7/ 415) .

الفتاوى (7/ 414) .

ص: 272