المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: قول من قال الإيمان يزيد وتوقف في النقصان - زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه

[عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: في قول أهل السنة والجماعة إن الإيمان يزيد وينقص

- ‌الفصل الأول: أدلتهم من الكتاب والسنة على زيادة الإيمان ونقصانه ونقل بعض أقوالهم في ذلك

- ‌المبحث الأول: أدلة زيادة الإيمان ونقصانه من الكتاب

- ‌المبحث الثانيأدلة زيادة الإيمان ونقصانه من السنة

- ‌المبحث الثالث: أقوال السلف في زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌الفصل الثانيأوجه زيادة الإيمان ونقصانه

-

- ‌الفصل الثالثأسباب زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الأولأسباب زيادة الإيمان

- ‌المبحث الثانيأسباب نقص الإيمان

- ‌الفصل الرابعفي الإسلام هل يزيد وينقص

-

- ‌الباب الثاني: في الأقوال المخالفة لقول أهل السنة والجماعة في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌الفصل الأول: قول من قال الإيمان يزيد وتوقف في النقصان

- ‌الفصل الثانيقول من قال الإيمان يزيد ولا ينقص، والرد عليه

-

- ‌الفصل الثالث: قول من قال الإيمان لا يزيد ولا ينقص

- ‌المبحث الأولذكر القائلين بهذا القول

- ‌المبحث الثاني: في ذكر أدلتهم وشبههم وبيان بطلانها

- ‌المبحث الثالث:في بيان موقفهم من النصوص الدالة على زيادة الإيمان ونقصانه، والرد عليهم

-

- ‌الفصل الرابع: في سبب الخلاف في هذه المسألة ونشأته هل هو حقيقي أو لفظي

- ‌المبحث الأول: في ذكر سبب نشوء الخلاف في هذه المسألة

- ‌المبحث الثاني: في ذكر هل الخلاف في هذه المسألة عائد إلى الخلاف في تعريف الإيمان أو لا

- ‌المبحث الثالث: في الكلام عن الخلاف في هذه المسألة هل هو لفظي أو حقيقي

-

- ‌الباب الثالث: حكم الاستثناء في الإيمان

-

- ‌الفصل الأول: بيان مذهب أهل السنة والجماعة في مسألة الاستثناء في الإيمان

- ‌المبحث الأول: بيان قول أهل السنة في الاستثناء ومأخذهم فيه وأدلتهم عليه

- ‌المبحث الثاني: نقل أقوال السلف في الاستثناء مع التوفيق بينها

- ‌المبحث الثالث: ما ورد عنهم من تبديع السؤال بـ" أنت مؤمن

- ‌المبحث الرابع: حكم الاستثناء في الإسلام

- ‌الفصل الثاني: فيمن قال بوجوب الاستثناء

- ‌الفصل الثالث: فيمن قال بعدم جواز الاستثناء

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الفصل الأول: قول من قال الإيمان يزيد وتوقف في النقصان

‌الباب الثاني: في الأقوال المخالفة لقول أهل السنة والجماعة في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه

*

‌الفصل الأول: قول من قال الإيمان يزيد وتوقف في النقصان

الفصل الأول

قول من قال الإيمان يزيد وتوقف في النقصان

لقد جاء عن الإمام مالك رحمه الله تعالى في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه روايتان، قال في إحداهما: إن الإيمان يزيد أما النقصان فتوقف فيه وطلب من السائل أن يكف عن السؤال عنه، لأنه لم يجد عليه دليلاً من كتاب الله.

أما الرواية الأخرى: فقد جاءت عنه من طرق متعددة صحيحة، قال فيها: إن الإيمان يزيد وينقص، كقول أهل السنة والجماعة سواء.

ولهذا خصصت هذا الفصل لدراسة الرواية الواردة عنه رحمه الله في أن الإيمان يزيد مع التوقف في النقصان، وذكر ما قاله أهل العلم من تعليلات لقوله هذا، وبيان الصواب منها، مع ذكر الروايات الأخرى الثابتة عنه في أن الإيمان يزيد وينقص.

ولنبدأ أولاً بالرواية الأولى التي فيها قوله أن الإيمان يزيد وتوقف في النقصان، فهذه الرواية جاءت عنه من ثلاث طرق:

الأولى- من طريق عبد الله بن وهب

قال: سئل مالك بن أنس عن الإيمان؟ فقال: قول وعمل، قلت أيزيد وينقص؟ قال: قد ذكر الله سبحانه في غير آي من القران أن الإيمان يزيد، فقلت له: أينقص؟ قال: دع الكلام في نقصانه وكف عنه. فقلت

ص: 277

بعضه أفضل من بعض؟ قال: نعم1.

الثانية- من طريق ابن القاسم2:

قال ابن عبد البر:"وقد يزيد، روى ابن القاسم عن مالك أن الإيمان ووقف في نقصانه"3.

ونقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية4.

وقال القاضي عياض:"قال ابن القاسم: كان مالك يقول: الإيمان يزيد، وتوقف عن النقصان، وقال: ذكر الله زيادته في غير موضع فدع الكلام في نقصانه وكف عنه"5.

1 ذكر هذه الرواية ابن عبد البر في الانتقاء (ص 33) قال:- قال"الدولابي" وأخبرنا يونس بن عبد الأعلى قال: نا ابن وهب

فذكره. وهذا إسناد صحيح.

فالدولابي: هو الإمام الحافظ البارع أبو بشر محمد بن حماد بن سعيد بن مسلم الأنصاري الدولابي، ت310 هـ السير (14/309)، قال ابن كثير: أحد الأئمة من حفاظ الحديث، البداية والنهاية (11/145) .

ويونس بن عبد الأعلى: هو أبو موسى الصدفى المصري، ثقة من صغار العاشرة مات سنة أربع وستين ومائتين، وهو من رجال مسلم، التقريب (2/385) .

وابن وهب: هو عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري، ثقه حافظ عابد، من التاسعة، مات سنة سبع وتسعين ومائتين، أخرج له الشيخان وأصحاب السنن التقريب (1/460) والتهذيب (6/65) .

2 هو عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقي أبو عبد الله البصري، الفقيه صاحب مالك، ثقة من كبار العاشرة، مات سنة 291 هـ. التقريب (1/ 495) .

3 التمهيد (9/252) .

4 الفتاوى (7/331) .

5 ترتيب المدارك (2/43) .

ص: 278

ونقله عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء1.

الثالثة- من طريق إسماعيل بن أبي أويس2:

قال: سئل مالك عن الإيمان يزيد وينقص؟ فقال: يزيد (وينقص) 3 وذلك في كتاب الله، فقيل له: وينقص يا أبا عبد الله؟ قال: ولا أزيد أن أبلغ هذا4.

فهذا ما وقفت عليه مما نقل عنه رحمه الله في أن الإيمان يزيد مع التوقف في النقصان، ولم أقف فيما أطلعت عليه من روايات عن الإمام أنه جزم بعدم نقص الإيمان، وإنما الذي ورد عنه في بعض الروايات التوقف في القول بنقص الإيمان، وفرقٌ بين الجزم بنفي الشيء، وبين التوقف فيه. وبهذا يتبين خطأ قول الزبيدي عندما أورد قول مالك هذا (أي: توقفه في النقصان) ثم أورد بعده ما روي عن أبي حنيفة من طريق غسان وجماعة من أصحابه أنه قال:"الإيمان يزيد ولا ينقص". ثم قال الزبيدي:"وهو بعينه قول مالك"5.

قلت: فهذا خطأ بين إذ إن مالكاً رحمه الله إنما جاء عنه التوقف

1 السير (8/102) .

2 هو إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أبي أويس الإمام الحافظ أبو عبد الله الأصبحي المدني،: كان عالم أهل المدينة ومحدثهم في زمانه على نقص في حفظه وإتقانه ت 226 هـ السير (10/391) .

3 هكذا في المخطوط، والذي يبدو لي أنها زائدة، كما يظهر ذلك من السياق.

4 ذكر هذه الرواية ابن عبد الهادي في ارشاد السالك (ص 51) فقال: قال ابن الأخضر قال محمد بن سعد حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال سئل مالك

فذكره.

5 اتحاف السادة المتقين (2/256) .

ص: 279

بالنقصان لا الجزم بعدمه، والفرق بين الأمرين ظاهر.

فهو رحمه الله كان متوقفاً في القول بنقص الإيمان لعدم بلوغ النص إليه، ثم لما بلغه ذلك جزم بنقص الإيمان، كما هو ثابت عنه من طرق متعددة.

أما توقفه في النقصان في هذه الرواية فقد ذكر له أهل بعض التعليلات:

ا- فقيل إنه توقف في بعض الروايات عن القول بالنقصان، لأن التصديق بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لا ينقص؟ إذ لا يجوز نقصان التصديق، لأنه إذا نقص صار شكاً وخرج عن اسم الإيمان، قاله ابن بطال1.

وقال بعض أهل العلم: إنما توقف مالك عن القول بنقصان الإيمان خشية أن يتأول عليه موافقة الخوارج الذين يكفرون أهل المعاصي من المؤمنين بالذنوب2.

3-

وقيل: إنه توقف في ذلك لأنه وجد ذكر الزيادة في القرآن ولم يجد ذكر النقص.

قال شيخ الإسلام:"وكان بعض الفقهاء من أتباع التابعين لم يوافقوا في إطلاق النقصان عليه. لأنهم وجدوا ذكر الزيادة في القران، ولم يجدوا ذكر النقص، وهذا إحدى الروايتين عن مالك"3.

1 نقله النووي في شرحه لصحيح مسلم (1/146) .

2 شرح صحيح مسلم للنووي (1/146) وانظر الجامع لابن أبي زيد القيرواني (ص 122) .

3 الفتاوى (7/ 506) .

ص: 280

فهذا جملة ما وقفت عليه من تعليلات لهذه الرواية، والذي أراه صواباً من هذه التعليلات الثالث منها، وهو أنه توقف عن القول بالنقص لعدم وقوفه على النص، لأمور:

أولاً: أن هذا هو اللائق به رحمه الله والأنسب لمقامه، فما وجده في الكتاب والسنة قال به، وما لم يجده لم يقل به، وهذا هو شأن العلماء المحققين من أهل السنة والجماعة لا يصدرون في أقوالهم وأعمالهم إلا عن كتاب أو سنة، وكثيراً ما كان يتمثل رحمه الله بقول الشاعر:

وخير أمور الدين ما كان سنة

وشر الأمور المحدثات البدائع1

ثانياً: أن هذا هو منصوصه رحمه الله، فقد نص في جميع الروايات المتقدمة أنه إنما قال بالزيادة لوجودها في القرآن، ولما لم يجد للنقص ذكراً توقف عنه. ففي رواية ابن وهب قال:"قد ذكر الله سبحانه في غير آي من القران أن الإيمان يزيد".

وفي رواية ابن القاسم قال:"قد ذكر الله زيادته في غير موضع، فدع الكلام في نقصانه وكف عنه".

وفي رواية ابن أبي أويس قال:"وذلك في كتاب الله".

فظاهر من هذه الروايات أنه إنما قال بالزيادة لورود النص فيها، أما النقص فتوقف عن القول به لعدم وقوفه على نص فيه.

ثالثاً: يؤكد ذلك أنه ورد عنه روايات متعددة صحيحة يأتي ذكرها

1 الانتقاء لابن عبد البر (ص 37) .

ص: 281

قريباً فيها القول بزيادة الإيمان ونقصانه، فلعل هذا بعد أن تبين له النص في النقص كحديث:"ما رأيت من ناقصات

عقل ودين" أو وقف على بعض الآثار الكثيرة عن الصحابة والتابعين، والتي فيها التصريح بالزيادة والنقصان، أو غير

ذلك، فصار يقول به لوقوفه على النص فيه.

رابعاً: أن هذا ما رآه شيخ الإسلام ابن تيمية ذو الفهم الثاقب، والإطلاع الواسع والعناية الفائقة بأقوال السلف، فهو من أعلم الناس بأقوالهم وأفهمهم لها، وإن النفس لتطمئن كثيراً وغالباً لما يختاره ويراه لدقة فهمه وشدة تحريه، وقد تقدم من قوله رحمه الله تعليل رواية مالك هذه بأنه توقف لأنه لم يجد التنصيص على النقصان في القران.

أما التعليل الأول والثاني فأرى أنهما غير سديدين.

أما الأول: وهو أنه توقف في النقص لأن التصديق لا ينقص فغير صحيح بل باطل، لأن التصديق يعتريه النقص كما تعتريه الزيادة، وقد سبق أن ذكرت في أوجه زيادة الإيمان ونقصانه أن الإيمان يزيد وينقص من جهة التصديق، ودللت على ذلك، ونقلت عن أهل العلم كالنووي وابن تيمية وابن حجر وغيرهم ما يؤيده، فأغنى عن إعادته هنا.

فقول أن نقصان التصديق شك ليس من قول أهل السنة والجماعة في شيء، فغير لائق أن يتأول قول مالك رحمه الله على هذا القول الباطل، ويترك السبب الذي جاء عنه هو في تعليل تركه للقول بنقصان الإيمان.

أما الثاني: وهو أنه توقف حتى لا يفهم منه موافقة الخوارج الذين يكفرون أهل المعاصي من المؤمنين بالذنوب، فبعيد جداً.

ص: 282

لأن القول بنقص الإيمان لا يفهم منه البتة كفر من نقص إيمانه إلا على مذهب الخوارج وغيرهم من القائلين بأن الإيمان كل واحد لا يتجزأ إذا ذهب بعضه ذهب كله، وهو قول باطل بلا ريب ترده نصوص الكتاب والسنة.

أما أهل السنة والجماعة فالإيمان عندهم له أجزاء وأبعاض وشعب والناس متفاوتون في القيام بها، فهو يزيد بزيادتها وينقص بنقصها، فإماطة الأذى عن الطريق إيمان كما في حديث الشعب، وترك إماطته نقص في كمال الإيمان المستحب ولا يقال إن فعله هذا كفر لتركه شيئاً من أمور الإيمان، ولا يفهم هذا منه.

ثم لو فهم هذا ممن انحرفت فطرهم وسادت فيهم البدع والخرافات، فلا يليق أن ينسب إليه رحمه الله أنه ترك ما جاء الدليل مصرحاً به حتى لا يفهم كلامه على غير مراده، فلو كان ذلك كذلك وطرد هذا الأمر على بقية أمور الإعتقاد لضاع الدين.

فهل يترك القول بأن الله سميع بصير عليم خبير وأنه مستو على عرشه وأن له يداً وقدماً وغير ذلك من أوصاف كماله سبحانه وتعالى حتى لا يقال مجسمة؟!

أو يترك العناية بالأحاديث وتتبع الآثار والتنقيب عنها وفهمها حتى لا يقال حشوية؟!

أو يترك الاستثناء في الإيمان بأن يقول أنا مؤمن أو أنا مؤمن حقاً حتى لا يقال شكاكاً؟! وغير ذلك مما يطول ذكره.

وهل لا نروي قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يؤمن أحدكم كذا" في أحاديث كثيرة حتى لا يفهم من ذلك أنا نرى ما يراه الخوارج وغيرهم من خروج

ص: 283

مرتكب الكبيرة من الإيمان؟!

ولقد فهم المبتدعة من كلام الله في كتابه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم في الثابت عنه ما يوافق مذاهبهم، وليس العيب في النص تنزه كلام الله ورسوله عن ذلك، بل العيب في فهمهم على حد قول الشاعر:

وكم من عائب قولاً صحيحاً

وآفته من الفهم السقيمٍ

ولم يمنع فهمهم من نص شرعي موافقة مذهبهم أن يتلى النص ويبلغ ويتداول.

وعليه فإني أرى أنه ليس من اللائق أبداً أن يؤول قول الإمام على ذلك وأن يفهم من قوله هذا الفهم الفاسد، ولو كان رحمه الله يخشى ما فهمه هؤلاء لقال بما جاء به النص:"الإيمان يزيد وينقص"ثم بيّن للسائل أنه لا يلزم من القول بنقصه أنه يكفر، إذ لا تلازم بينهما، أو نحو هذا مما يبين السبيل ويزيل الإشكال إن وجد. والله أعلم.

وعلى كل فالإمام رحمه الله نص على أنه ترك القول بالنقص لعدم ورود النص، فلا حاجة بنا بعد إلى مثل هذه التعليلات.

وأيضاً فالإمام ثبت عنه القول بزيادة الإيمان ونقصانه وترك قوله الأول، بل إن قوله الأخير هو المعروف عنه عند أهل العلم كما قال أحمد بن القاسم تذاكرنا من قال الإيمان يزيد وينقص فعد الإمام أحمد غير واحد ثم قال: ومالك بن أنس يقول: يزيد وينقص، فقلت له إن مالكاً يحكون عنه أنه قال: يزيد ولا ينقص1.

1 قلت: لم يرد عن مالك رحمه الله أنه قال إن الإيمان يزيد ولا ينقص وإنما الذي ورد عنه هو التوقف في النقصان لا نفيه، فلعل هذا الحاكي فهم من النصوص الواردة عنه في أن الإيمان يزيد مع التوقف في النقصان أنه يقول بعدم النقصان، وهذا ليس بلازم كما هو معلوم.

ص: 284

فقال: بلى قد روي عنه يزيد وينقص كان ابن نافع يحكيه عن مالك، فقلت له: ابن نافع يحكيه عن مالك؟ قال: نعم1.

والروايات الواردة عنه رحمه الله في أن الإيمان يزيد وينقص كثيرة، وفيما يلي أسوق ما وقفت عليه منها:

أولاً- رواية عبد الرزاق:

قال عبد الرزاق:"سمعت معمراً وسفيان الثوري ومالك بن أنس، وابن جريج وسفيان بن عيينة يقولون: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص"2.

وقال:"لقيت اثنين وستين شيخاً منهم معمر.... ومالك بن أنس

كلهم يقولون:"الإيمان قول وعمل يزيد وينقص"3.

ثانياً- رواية إسحاق بن محمد الفروى4:

قال:"كنت عند مالك بن أنس فسمعت حماد بن أبي حنيفة يقول لمالك يا أبا عبد الله إن لنا رأياً نعرضه عليك فإن رأيته غير ذلك كففنا

1 رواه الخلال في السنة (2/693 ح 1043) وتصرفت في نقله.

2 تقدم تخريجه (ص 128) .

3 تقدم تخريجه (ص 106) .

4 هو إسحاق بن محمد بن إسماعيل بن عبد الله بن أبي فروة الفروى، المدني الأموي مولاهم صدوق، كف فساء حفظه، مات سنة 226 هـ التقريب (1/60) .

ص: 285

عنه، قال: رما هو؟ قال يا أبا عبد الله لا نكفر أحداً بذنب، الناس كلهم مسلمون عندنا.

قال: ما أحسن هذا، ما بهذا بأس. فقام إليه داود بن أبي زنبر وإبراهيم بن حبيب وأصحاب له فقاموا إليه فقالوا: يا أبا عبد الله إن هذا يقول بالإرجاء، قال ديني مثل دين جبريل وميكائيل والملائكة المقربين، قال: لا والله: الإيمان يزيد وينقص {لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ} 1 وقال إبراهيم {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} 2 فطمأنينة قلبه زيادة في إيمانه"3.

ثالثاً- رواية ابن نافع:

قال: كان مالك بن أنس يقول:"الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص"4.

رابعاً- رواية معن بن عيسى5:

1 سورة الفتح، الآية:4.

2 سورة البقرة، الآية:260.

3 أخرجه اللالكائي في شرح الاعتقاد (5/ 960 ح 1743) قال أخبرنا محمد بن الحسن بن محمد الوراق قال نا أحمد بن خلف قال: نا أبو إسماعيل يعني الترمذي قال سمعت إسحاق بن محمد يقول.. فذكره. وذكره بنحو القاضي عياض في ترتيب المدارك (2/ 48) .

4 رواه عبد الله في السنة (1/ 317 ح 636) ، والخلال في السنة (ح 1082) ، وأبو نعيم في الحلية (6/327) ، والآجري في الشريعة (ص 118) واللالكائي في شرح الاعتقاد (5/ 959 ح 1742) والنجاد في الرد على من يقول القرآن مخلوق (ص71) . وابن عبد البر في الانتقاء (ص 36) من طرق عن أبي الحسن سريج بن النعمان، قال حدثنا عبد الله بن نافع.. فذكره. وهذا إسناد صحيح.

5 هو أبو يحيى معن بن عيسى بن يحيى الأشجعي مولاهم المدني القزاز، ثقة ثبت، قال أبو حاتم: هو أثبت أصحاب مالك من كبار العاشرة ت سنة 198 هـ روى عنه الجماعة، التقريب (2/267) .

ص: 286

أشار إليها ابن عبد البر في التمهيد1 ونقلها عنه شيخ الإسلام2، ولم أقف عليها مسندة.

خامساً- رواية أبي عثمان سعيد بن داود بن أبي زنبر الزنبري3:

قال كان مالك يقول:"الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص"4.

سادساً- رواية سويد بن سعيد بن سهل الهروي:

قال:"سمعت مالك بن أنس وحماد بن زيد.. وجميع من حملت عنهم العلم يقولون: الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص

"5.

فالقول بأن الإيمان يزيد وينقص ثابت عنه رحمه الله من طرق متعددة، ولذا قال ابن عبد البر في التمهيد بعد أن أشار إلى رواية ابن القاسم عنه في أن الإيمان يزيد مع التوقف في النقصان، قال:"وروى عنه عبد الرزاق، ومعن بن عيسى، وابن نافع، وابن وهب أنه يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وعلى هذا مذهب الجماعة من أهل الحديث والحمد لله"6.

(9/252) وتصحف فيه معن إلى معمر وهو خطأ.

2 الفتاوى (7/331) .

3 سعيد بن داود بن أبي زنبر، صدوق له مناكير عن مالك، ويقال اختلط عليه بعض حديثه، وكذبه عبد الله بن نافع في دعواه أنه سمع من لفظ مالك، من العاشرة مات في حدود سنة 220 هـ التقريب (1/294) .

4 رواه الخلال في السنة (ح 1014) قال أخبرني عبد الملك قال سمعت الزنبري أبا عثمان صاحب مالك قال: فذكره. وقد تصحف"الزنبري" إلى"الزبيري" في المتن والهامش في المطبوعة من كتاب السنة للخلال.

5 رواه البيهقي في السنن (10/206) .

6 التمهيد (9/ 252)، قلت: والذي وقفت عليه من رواية ابن وهب عن مالك القول بأن الإيمان يزيد وتوقف في النقصان كما تقدم وقد رواه ابن عبد البر، فلعله وهم هنا، أو أن لابن وهب رواية أخرى غير المتقدمة وإليها يشير ابن عبد البر هنا، والله أعلم.

ص: 287

وقال القاضي عياض:"قال غير واحد: سمعت مالكاً يقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وبعضه أفضل من بعض"1.

وخلاصة الكلام في هذا الفصل أن مالكاً رحمه الله كان يقول إن الإيمان يزيد ولا يقول ينقص متوقفاً في ذلك لا منكراً له، ثم بان له بعد ذلك وظهر من خلال تأمله للنصوص وإعادة النظر فيها أنه ينقص، مستدلاً على ذلك بنصوص القرآن المصرحة بالزيادة نفسها، إذ إن ما دل على الزيادة تصريحاً يدل على النقصان لزوما.

قال ابن رشد:"وقد روي عن مالك رحمه الله أنه كان يطلق القول بزيادة الإيمان وكف عن إطلاق نقصانه، إذ لم ينص الله تعالى إلا على زيادته، فروي عنه أنه قال عند موته لابن نافع وقد سأله عن ذلك: قد أبرمتموني إني تدبرت هذا الأمر فما من شيء يزيد إلا وينقص، وهو الصحيح والله سبحانه وتعالى أعلم"2.

قلت: وقول ابن رشد هذا فيه تحرير جيد لموقف مالك من هذه المسألة، ألا أن قوله عنه أنه قال ذلك عند موته فيه نظر عندي، إذ إن الروايات المتقدمة عنه رحمه الله في أن الإيمان يزيد وينقص من طريق غير واحد من أصحابه لا تفيد ذلك وليس فيها تصريح به، سيما رواية ابن نافع المعينة هنا وقد تقدمت معنا ولفظها:"كان مالك يقول

1 ترتيب المدارك (2/ 43) .

2 المقدمات (1/ 37) .

ص: 288

الإيمان يزيد وينقص"فليس فيها ما يفيد أن ذلك إنما كان عند موته رحمه الله، ثم إن تعدد الروايات عنه في ذلك من طريق عبد الرزاق ومعمر وابن نافع وغيرهم من أصحابه تفيد أن قوله إن الإيمان يزيد وينقص لم يكن قال به عند موته فقط بل قبل ذلك، فلست أدري على ماذا أستند ابن رشد في قوله هذا؟ والذي أراه أنه لا مستند له، فجميع الذين رووه من طريق نافع ممن تقدم ذكرهم في التخريج لم يذكر أحد منهم ما أشار إليه ابن رشد، ثم إن الروايات الأخرى عنه في أن الإيمان يزيد وينقص تدل على عدم صحة هذا كما هو ظاهر مما تقدم، والله أعلم.

وعلى كل فهذا القول أعني قول مالك رحمه الله:"الإيمان يزيد وينقص، هو الأخير من أقواله وهو المشهور عنه عند أصحابه وغيرهم لا الأول، أما قول الزبيدي:

"وتوقف مالك عن القول بنقصانه، هذا هو المشهور من مذهبه"1.

فغير صحيح، إلا إن كان يعني بالشهرة شهرته عند أهل البدع فنعم، فهم يتتبعون ما وافق أهواءهم من النصوص وأقوال أهل العلم ويأخذون به ويعدونه صحيحاً مشهوراً ويدعون ما سواه.

فالمشهور عن مالك هو القول بأن الإيمان يزيد وينقص، ولهذا لما عدد الإمام أحمد من قال الإيمان يزيد وينقص من أهل العلم عد منهم مالكاً رحمه الله مع علمه أنه روي عنه القول بأن الإيمان يزيد مع التوقف في النقصان.

1 إتحاف السادة المتقين (2/256) .

ص: 289

ولما عدد عبد الرزاق رحمه الله القائلين بأن الإيمان يزيد وينقص عد منهم مالكاً رحمه الله، وهكذا صنع أبو عبيد وغيرهم من أهل العلم، وما ذاك إلا لأنه المشهور عن مالك رحمه الله.

ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن أشار إلى توقف مالك في النقصان:"والرواية الأخرى عنه، وهو المشهور عند أصحابه كقول سائرهم أنه يزيد وينقص".

رواية غريبة:

وقد ذكر القاضي عياض في ترتيب المدارك رواية غريبة عن مالك في ذلك فقال:"قال زهير بن عباد: قلت لمالك ما قولك في صنفين عندنا بالشام اختلفوا في الإيمان فقالوا: يزيد وينقص؟ قال بئس ما قالوا

"إلى آخر سياق هذه الرواية وهو طويل.

قلت: وهذا غريب جدا، بل لا يثبت عن مالك رحمه الله لاسيما أن القاضي عياض ذكره مرسلاً هكذا. ولم يذكر من خرجه ولم يذكر له سندا، فعلى هذا لا يكون صحيحاً، ولا تصح نسبته إليه، كيف وهو مخالف للصحيح الثابت عنه رحمه الله، اللهم إلا أن يكون في الرواية تحريف أو سقط، والله أعلم.

الفتاوى (7/506) .

هو زهير بن عباد بن مليح بن زهير الرؤاسي الكوفي ابن عم وكيع بن الجراح ت 238 هـ.

انظر تهذيب التهذيب لابن حجر (3/297) .

ترتيب المدارك (2/42) .

ص: 290