الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعلى العبد أن يعترف بحكمة اللَّه، كما عليه أن يعترف بفضله ويشكره بلسانه وجنانه وأركانه.
وكما أنه هو المنفرد بهذه الأمور وكلها جارية تحت أقداره، فإن اللَّه جعل لرفعه وعطائه وإكرامه أسباباً، ولضد ذلك أسباباً من قام بها ترتبت عليه مسبباتها، وكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فيُيَسَّرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فيُيَسَّرون لعمل أهل الشقاوة، وهذا يُوجب للعبد القيام بتوحيد اللَّه، والاعتماد على ربِّه في حصول ما يُحِبُّ، ويجتهد في فعل الأسباب النافعة فإنها محلّ حكمة اللَّه (1).
92 - المُقَدِّمُ
،
93 - المُؤَخِّرُ
كان من آخر ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم بين التشهد والتسليم: «اللَّهم اغفر لي ما قدّمت، وما أخَّرت، وما أسررتُ، وما أعلنتُ، وما أسرفت، وما أنت أعلمُ به مني. أنتَ المقدِّمُ، وأنت المؤخِّرُ. لا إله إلا أنت» (2).
(1) الحق الواضح المبين، ص89 - 90.
(2)
أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم 771، وأخرجه بنحوه البخاري في كتاب الدعوات، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت» ، برقم 6398، وليس فيه:«بين التشهد والتسليم» .
المقدِّمُ والمؤخِّر هما كما تقدم من الأسماء المزدوجة المتقابلة التي لا يطلق واحد بمفرده على اللَّه إلا مقروناً بالآخر؛ فإن الكمال من اجتماعهما، فهو تعالى المُقَدِّم لمن شاء والمُؤخِّرُ لمن شاء بحكمته.
وهذا التقديم يكون كونياً كتقديم بعض المخلوقات على بعض، وتأخير بعضها على بعض، وكتقديم الأسباب على مسبباتها، والشروط على مشروطاتها.
وأنواع التقديم والتأخير في الخلق والتقدير بحر لا ساحل له، ويكون شرعياً كما فضّل الأنبياء على الخلق، وفضّل بعضهم على بعض، وفضّل بعض عباده على بعض، وقدّمهم في العلم، والإيمان، والعمل، والأخلاق، وسائر الأوصاف، وأخّر من أخّر
منهم بشيء من ذلك، وكل هذا تبع لحكمته.
وهذان الوصفان وما أشبههما من الصفات الذاتية لكونهما قائمين باللَّه واللَّه متصف بهما، ومن صفات الأفعال؛ لأن التقديم والتأخير متعلق بالمخلوقات ذواتها، وأفعالها، ومعانيها، وأوصافها، وهي ناشئة عن إرادة اللَّه وقدرته.
فهذا هو التقسيم الصحيح لصفات الباري، وإنّ صفات الذات متعلقة بالذات، وصفات أفعاله متصفة بها الذات، ومتعلقة بما ينشأ عنها من الأقوال والأفعال (1).
قال اللَّه عز وجل: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} (2)، وقال اللَّه تعالى:{قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (3).
(1) الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين، ص100.
(2)
سورة الأنعام، الآية:17.
(3)
سورة الفتح، الآية:11.
وصفة الضر والنفع هما كما تقدم من الأسماء المزدوجة المتقابلة، فاللَّه تعالى النافع لمن شاء من عباده بالمنافع الدينية والدنيوية، الضار لمن فعل الأسباب التي توجب ذلك، وكل هذا تبع لحكمته وسننه الكونية وللأسباب التي جعلها موصلة إلى مسبباتها، فإن اللَّه تعالى جعل مقاصد للخلق وأموراً محبوبة في الدين والدنيا، وجعل لها أسباباً وطرقاً، وأمر بسلوكها ويسّرها لعباده غاية التيسير، فمن سلكها أوصلته إلى المقصود النافع، ومن تركها أو ترك بعضها، أو فوَّت كماله أو أتاها على وجه ناقص ففاته الكمال المطلوب، فلا يلومنّ إلا نفسه، وليس له حجة على اللَّه؛ فإن اللَّه أعطاه السمع، والبصر، والفؤاد، والقوة، والقدرة، وهداه النجدين، وبين له الأسباب، والمسببات، ولم يمنعه طريقاً يوصل إلى خير ديني ولا دنيوي، فتخلّفه عن هذه الأمور يوجب أن يكون هو الملوم عليها المذموم على تركها.
واعلم أن صفات الأفعال كلها متعلقة وصادرة عن