المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث السادس عشر: من فتاوى اللجنة الدائمة - شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة

[سعيد بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأول: أسماء الله تعالى توقيفية

- ‌المبحث الثاني: أركان الإيمان بالأسماء الحُسنى

- ‌المبحث الثالث: أقسام ما يوصف به الله تعالى

- ‌المبحث الرابع: دلالة الأسماء الحُسنى ثلاثة أنواع:

- ‌المبحث الخامس: حقيقة الإلحاد في أسماء الله تعالى

- ‌المبحث السادس: إحصاء الأسماء الحُسنى أصلٌ للعلم

- ‌المبحث السابع: أسماء الله كلها حُسنى

- ‌المبحث الثامن: أسماء الله تعالى منها ما يطلق عليه مفرداً ومقترناً بغيره

- ‌المبحث التاسع: من أسماء الله الحُسنى ما يكون دالاً على عدة صفات

- ‌المبحث العاشر: الأسماء الحُسنى التي ترجع إليها جميع الأسماء والصفات

- ‌المبحث الحادي عشر: أسماء الله وصفاته مختصة به، واتفاق الأسماء لا يوجب تماثل المسميات

- ‌المبحث الثاني عشر: أمور ينبغي أن تُعْلَم

- ‌المبحث الثالث عشر: مراتب إحصاء أسماء الله الحُسنى التي من أحصاها دخل الجنة

- ‌المبحث الرابع عشر: الأسماء الحسنى لا تُحدُّ بعدد

- ‌المبحث الخامس عشر: شرح أسماء الله الحُسنى

- ‌1 - الأوَّلُ

- ‌ 2 - الآخِرُ

- ‌ 3 - الظَّاهِرُ

- ‌ 4 - الباطِنُ

- ‌5 - العَلِيُّ

- ‌ 6 - الأعْلَى

- ‌ 7 - الْمُتَعَالِ

- ‌8 - العَظِيمُ

- ‌9 - المَجِيدُ

- ‌10 - الْكَبِيرُ

- ‌11 - السَّمِيعُ

- ‌12 - البصيرُ

- ‌13 - العَلِيمُ

- ‌ 14 - الخَبِيرُ

- ‌15 - الحَمِيدُ

- ‌16 - العَزيزُ

- ‌17 - القَدِيرُ

- ‌18 - القَادِرُ

- ‌19 - المُقتَدِرُ

- ‌20 - القوِيُّ

- ‌21 - المَتِينُ

- ‌22 - الغَنِيُّ

- ‌23 - الحَكِيمُ

- ‌24 - الْحَلِيمُ

- ‌25 - العَفُوُّ

- ‌ 26 - الغَفُورُ

- ‌ 27 - الغَفَّارُ

- ‌28 - التَّوَّابُ

- ‌29 - الرَّقيبُ

- ‌30 - الشَّهيدُ

- ‌31 - الحَفِيظُ

- ‌32 - اللَّطِيفُ

- ‌33 - القَرِيبُ

- ‌34 - المُجِيبُ

- ‌35 - الوَدُودُ

- ‌36 - الشَّاكِرُ

- ‌ 37 - الشَّكُورُ

- ‌38 - السَّيِّدُ

- ‌ 39 - الصَّمَدُ

- ‌40 - القَاهِرُ

- ‌ 41 - القَهَّارُ

- ‌42 - الجَبَّارُ

- ‌43 - الحَسِيبُ

- ‌44 - الْهَادِي

- ‌45 - الحَكَمُ

- ‌46 - القُدُّوسُ

- ‌ 47 - السَّلامُ

- ‌48 - البَرُّ

- ‌ 49 - الوَهَّابُ

- ‌50 - الرَّحْمَنُ

- ‌ 51 - الرَّحِيمُ

- ‌ 52 - الكَرِيمُ

- ‌ 53 - الأكْرَمُ

- ‌ 54 - الرَّءُوفُ

- ‌55 - الْفَتَّاحُ

- ‌56 - الرَّزَّاقُ

- ‌ 57 - الرَّازِقُ

- ‌58 - الْحَيُّ

- ‌ 59 - الْقَيُّومُ

- ‌60 - نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ

- ‌61 - الرَّبُّ

- ‌62 - الله

- ‌63 - المَلِكُ

- ‌ 64 - المَلِيكُ

- ‌ 65 - مَالِكُ المُلْكِ

- ‌66 - الوَاحِدُ

- ‌ 67 - الأحَدُ

- ‌68 - المُتَكَبِّرُ

- ‌69 - الْخَالِقُ

- ‌70 - البَارِئُ

- ‌ 71 - المُصَوِّرُ

- ‌ 72 - الْخَلَاّقُ

- ‌73 - المُؤمنُ

- ‌74 - المُهيمِنُ

- ‌75 - المُحيطُ

- ‌76 - المُقِيتُ

- ‌77 - الوَكيلُ

- ‌78 - ذو الجَلالِ والإكْرَامِ

- ‌79 - جَامِعُ النَّاسِ لِيَومٍ لا رَيْبَ فِيهِ

- ‌80 - بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ

- ‌81 - الكَافي

- ‌82 - الواسِعُ

- ‌83 - الحَقُّ

- ‌84 - الجَميلُ

- ‌85 - الرَّفيقُ

- ‌86 - الحَييُّ

- ‌ 87 - السِّتِّيرُ

- ‌88 - الإلهُ

- ‌89 - القابضُ

- ‌ 90 - الباسِطُ

- ‌ 91 - المُعطي

- ‌92 - المُقَدِّمُ

- ‌ 93 - المُؤَخِّرُ

- ‌94 - المُبينُ

- ‌95 - المنَّانُ

- ‌96 - الوليُّ

- ‌97 - المَوْلَى

- ‌98 - النَّصِيرُ

- ‌99 - الشَّافِي

- ‌النوع الأول: شفاء القلوب والأرواح

- ‌النوع الثاني شفاء الله للأجساد والأبدان:

- ‌المبحث السادس عشر: من فتاوى اللجنة الدائمة

الفصل: ‌المبحث السادس عشر: من فتاوى اللجنة الدائمة

‌المبحث السادس عشر: من فتاوى اللجنة الدائمة

للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في الأسماء الحسنى

فتوى رقم 11865 وتاريخ 30/ 3/1409هـ

الحمد للَّه والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه، وبعد:

فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الأسئلة المقدمة من د. مروان إبراهيم العيش إلى سماحة الرئيس العام والمحالة إليها برقم 169 في 8/ 1/1409هـ، وأجابت عن كل منها عقبه فيما يلي:

س1: صفات الذات التي وردت في الكتاب والسنة، هل تعني الواحدة منها معنى واحداً في كل النصوص التي وردت بها، أم أن لكل سياق معناه الخاص به. يرجى تزويدنا بما تعنيه صفات الذات الآتية في السياق الخاص بها:

أ - اليد: ما المراد بها في كل نص من النصوص الآتية: {قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} (1)، {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ

(1) سورة المؤمنون، الآية:88.

ص: 245

اللَّهِ} (1) الآية، وفي حديثٍ:«يد اللَّه مع الجماعة» (2)، وفي حديث آخر:«يد اللَّه على الجماعة» (3)، وفي آية كريمة:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (4)، وما المراد بجمع اليدين في قوله:{بِأَيْدٍ} (5).

ب - العين: ما المراد بها في كل نص من النصوص الآتية: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} (6)، {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} (7)، {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (8)، وما الدليل على أن للَّه تعالى عينين؟

جالوجه: ما المراد بالوجه في كل نص من النصوص

(1) سورة آل عمران، الآية:73.

(2)

سنن الترمذي، كتاب الفتن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في لزوم الجماعة، برقم 2166، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، برقم 2166.

(3)

سنن النسائي، كتاب تحريم الدم، قتل من فارق الجماعة، برقم 4020، والحاكم، 1/ 115، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم 8065.

(4)

سورة الفتح، الآية:10.

(5)

سورة الذاريات، الآية:47.

(6)

سورة هود، الآية:37.

(7)

سورة الطور، الآية:48.

(8)

سورة طه، الآية:39.

ص: 246

الآتية: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} (1)، {وَمَا تُنفِقُونَ إِلَاّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} (2)، {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} (3)، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} (4)، من المفيد أن تتضمن الإجابة عن هذه الأسئلة مراجع نرجع إليها لمزيد من العلم المفيد؟

ج1: أ - كلمة (يد) في النصوص المذكورة في فقرة «أ» يراد بها معنى واحد هو إثبات صفة اليد للَّه تعالى حقيقة على ما يليق بجلاله دون تشبيه ولا تمثيل لها بيد المخلوقين، ودون تحريف لها ولا تعطيل، فكما أن له تعالى ذاتاً حقيقة لا تشبه ذوات العباد، فصفاته لا تشبه صفاتهم، وقد وردت نصوص أخرى كثيرة تؤيد هذه النصوص في إثبات صفة اليد للَّه مفردة ومثناة ومجموعة، فيجب الإيمان بها على الحقيقة مع التفويض في كيفيتها عملاً بالنصوص كتاباً وسنة، واتّباعاً لما عليه

(1) سورة البقرة، الآية:115.

(2)

سورة البقرة، الآية:272.

(3)

سورة الإنسان، الآية:9.

(4)

سورة الرحمن، الآية:27.

ص: 247

أئمة سلف الأمة.

وأما كلمة - بأيد - في قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} ، فهي مصدر (فعله) آد يئد أيداً، ومعناه القوة، ويضعّف فيقال: أيّده تأييداً، ومعناه قوّاه، وليس جمعاً ليد، فليست من آيات الصفات المتنازع فيها بين مثبتة الصفات ومؤوّليها لأن وصف اللَّه سبحانه بالقوة ليست محل نزاع.

وأما معنى الجمل في هذه النصوص فمختلف باختلاف سياقها وما اشتملت عليه من قرائن فقوله: {قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} يدل على كمال قدرة اللَّه من جهة جعل ملكوت كل شيء بيده، ومن جهة سياق الكلام سابقه ولاحقه، وقوله:{قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ} يدل على أن الفضل والإنعام إلى اللَّه وحده. وقوله: «يد اللَّهِ على الجماعة» يراد به الحث على التآلف والاجتماع والوعد الصادق برعاية اللَّه لهم، وتأييدهم ونصرهم على غيرهم إذا اجتمعوا على الحق. وقوله:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} يراد به توثيق البيعة وإحكامها بتنزيل بيعتهم للرسول منزلة بيعتهم للَّه تعالى، وذلك لا يمنع من إثبات اليد للَّه حقيقة على ما يليق به، كما

ص: 248

لا يمنع من إثبات الأيدي حقيقة للمبايعين لرسوله صلى الله عليه وسلم على ما يليق بهم (1).

ج2 ب - كلمة (بأعيننا وبعيني) في النصوص المذكورة في فقرة - ب - يراد بها إثبات صفة العين للَّه حقيقة على ما يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تمثيل لها بعين المخلوقين، ولا تحريف لها عن مسماها في لغة العرب، فسياق الكلام لا تأثير له في صرف تلك الكلمات عن مسماها، وإنما تأثيره في المراد بالجمل التي وردت فيها هذه الكلمات، فالمقصود بهذه الجمل كلها هو:

أولاً: أمر نوح عليه السلام أن يصنع السفينة وهو في رعاية اللَّه وحفظه.

وثانياً: أمر نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أن يصبر على أذى قومه حتى يقضي اللَّه بينه وبينهم بحكمه العدل، وهو مع ذلك بمرأى من اللَّه وحفظه ورعايته.

(1) كتاب التوحيد لابن خزيمة، وكتاب التدمرية لابن تيمية، مختصر الصواعق المرسلة للموصلي، 2/ 153، وشرح النونية 2/ 307.

ص: 249

وثالثاً: إخبار موسى عليه الصلاة والسلام بأن اللَّه تعالى قد منّ عليه مرة أخرى إذ أمر أمّه بما أمرها به ليربيه تربية كريمة في حفظه تعالى ورعايته، ثم يدلّ على أن للَّه تعالى عينين كلمة - بأعيننا - في النصوص المذكورة في السؤال، فإن لفظ عينين إذا أضيف إلى ضمير الجمع جمع كما يجمع مثنى قلب إذا أضيف إلى ضمير مثنى أو جمع، كما في قوله تعالى:{إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (1)، ويدل على ذلك أيضاً ما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن اللَّه وعن الدجال «من أن الدجال أعور» (2)، وأن اللَّه ليس بأعور، فقد استدل به أهل السنة على إثبات العينين للَّه سبحانه (3).

جكلمة (وجه اللَّه) في الجملة الأولى يراد بها قبلة

(1) سورة التحريم، الآية:4.

(2)

فعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما بُعِثَ نبيٌّ إلا أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور

»، أخرجه البخاري في كتاب الفتن، باب ذكر الدجال، برقم 7131، ومسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفة ما معه، برقم 2933.

(3)

كتاب التوحيد لابن خزيمة، وكتاب التدمرية لابن تيمية، ومختصر الصواعق المرسلة للموصلي، 1/ 34 - 37.

ص: 250

اللَّه كما ذكر مجاهد والشافعي رحمهما اللَّه تعالى، فإن دلالة الكلام في كل موضع بحسب سياقه، وما يحفّ به من قرائن، وقد دلّ السياق والقرائن على أن المراد بالوجه في هذه الجملة - القبلة -؛ لقوله تعالى:{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} (1)، فذكر تعالى الجهات والأماكن التي يستقبلها الناس، فتكون هذه الآية كآية:{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} (2)، وإذن فليس الآية من آيات الصفات المتنازع فيها بين المثبتة والنفاة، وأما كلمة (وجه) في الجمل الباقية في السؤال فالمراد بها إثبات صفة الوجه للَّه تعالى حقيقة على ما يليق بجلاله سبحانه؛ لأن الأصل الحقيقة، ولم يوجد ما يصرف عنها، ولا يلزم تمثيله بوجه المخلوقين؛ لأن لكل وجهاً يخصه ويليق به (3).

س2: تسمية الخلق بأسماء الخالق، ما الأدلة على تحريمها؟ وإن كانت مباحة فهل هناك قيود معينة؟ إنني

(1) سورة البقرة، الآية:115.

(2)

سورة البقرة، الآية:148.

(3)

كتاب مختصر الصواعق المرسلة للموصلي،2/ 299 - 307.

ص: 251

أقصد الأسماء لا الصفات. إذ من المعلوم أنه يجوز وصف الخلق بصفات الخالق، وقد ورد ذلك كثيراً في كتاب اللَّه تعالى، وسؤالي عن التسمية لا الوصف. فهل لكم أن تبينوا القواعد الفاصلة في الموضوع؟

أولاً: الفرق بين الاسم والصفة أن الاسم ما دلّ على الذات، وما قام بها من صفات، وأما الصفة فهي ما قام بالذات مما يميزها عن غيرها من معان ذاتية كالعلم والقدرة، أو فعليه كالخلق والرزق والإحياء والإماتة.

ثانياً: قد يسمى المخلوق بما سمى اللَّه به نفسه، كما يوصف بما وصف سبحانه به نفسه، لكن على أن يكون لكل من الخصائص ما يليق به، ويُمَيزُ به عن الآخر، فلا يلزم تمثيل الخلق بخالقهم، ولا تمثيله بهم، وإن حصلت الشركة في التعبير والمعنى الكلي للفظ؛ لأن المعنى الكلي ذهني فقط لا وجود له في الخارج.

ومن ذلك أن اللَّه سمّى نفسه حياً، فقال:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (1)،وسمّى بعض عباده حياً، فقال:{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} (2)، وليس الحي كالحي،

(1) سورة البقرة، الآية:255.

(2)

سورة الأنعام، الآية:95.

ص: 252

بل لكل منهما في الخارج ما يخصه وسمّى أحد ابني إبراهيم حليماً، وابنه الآخر عليماً عليهم الصلاة والسلام، كما سمّى نفسه عليماً حليماً، ولم يلزم ذلك من التمثيل؛ لأن لكل مسمّى بذلك ما يخصه ويميز به في خارج الأذهان، وإن اشتركوا في مطلق التسمية والتعبير، وسمّى نفسه سميعاً وبصيراً، فقال:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (1)، وسمّى بعض خلقه سميعاً بصيراً، فقال:{فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (2)، ولم يلزم التمثيل؛ لأن لكل مسمى ما يخصه ويتميز به عن الآخر كما تقدم إلى أمثال ذلك.

ومن ذلك أن اللَّه وصف نفسه بالعلم فقال: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَاّ بِمَا شَاء} ، ووصف بعض عباده بالعلم فقال:{وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً} (3)، ووصف نفسه بالقوة فقال: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ

(1) سورة النساء، الآية:58.

(2)

سورة الإنسان، الآية:2.

(3)

سورة الإسراء، الآية:85.

ص: 253

الْمَتِينُ} (1)، ووصف بعض عباده بالقوة فقال:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} (2) الآية، وليست القوة كالقوة، وإن اشتركا في العبارة والمعنى الكلي، لكن لكل من الموصوفين ما يخصه ويليق به، إلى أمثال ذلك من الصفات (3).

س3: هل يصح ما يأتي دليلاً على تحريم تسمية الخلق بأسماء الخالق؟

أ - حيث إن تسمية المخلوق بالاسم العلم (اللَّه) ممنوعة، كانت تسمية المخلوق بأسماء الخالق الأخرى أيضاً ممنوعة؛ إذ لا وجود للتفرقة بين أسماء اللَّه تعالى؟

ب - من المعلوم في اللغة أن الجار والمجرور إذا سبق المعرفة أفاد القصر، فملاحظ ذلك في قوله تعالى:{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ، فتفيد الآية قصر الأسماء الحسنى على اللَّه، وعدم جواز تسمية الخلق بها، فهل

(1) سورة الذاريات، الآية:58.

(2)

سورة الروم، الآية:54.

(3)

كتاب التوحيد لابن خزيمة وكتاب التدمرية لابن تيمية، ومختصر الصواعق المرسلة للموصلي، 2/ 37.

ص: 254

يصح هذا دليلاً؟

ج3: ما كان من أسماء اللَّه تعالى علم شخص كلفظ (اللَّه) امتنع تسمية غير اللَّه به؛ لأن مسماه معين لا يقبل الشركة، وكذا ما كان من أسمائه في معناه في عدم قبول الشركة كالخالق والبارئ، فإن الخالق من يوجد الشيء على غير مثال سابق، والبارئ من يوجد الشيء بريئاً من العيب، وذلك لا يكون إلا من اللَّه وحده، فلا يسمى به إلا اللَّه تعالى، أما ما كان له معنى كلي تتفاوت فيه أفراده من الأسماء والصفات، كالملك، والعزيز، والجبار، والمتكبر، فيجوز تسمية غيره بها، فقد سمى اللَّه نفسه بهذه الأسماء، وسمّى بعض عباده بها، مثال:{قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} (1)، وقال:{كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} (2)، إلى أمثال ذلك، ولا يلزم التماثل؛ لاختصاص كل مسمى بسمات تميزه عن غيره، وبهذا يعرف الفرق بين تسمية اللَّه بلفظ الجلالة، وتسميته بأسماء لها معانٍ كلية تشترك أفرادها فيها، فلا تقاس على لفظ الجلالة.

(1) سورة يوسف، الآية:51.

(2)

سورة غافر، الآية:35.

ص: 255

أما الآية: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (1)، فالمراد منها قصر كمال الحسن في أسمائه تعالى؛ لأن كلمة الحسنى اسم تفضيل، وهي صفة للأسماء، لا قصر مطلق أسمائه عليه تعالى. كما في قوله تعالى:{وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (2)، فالمراد قصر كمال الغِنى والحمد عليه تعالى، لا قصر اسم الغَني والحميد عليه، فإن غير اللَّه يسمى غنياً وحميداً.

س4: إذا ثبت أن أسماء اللَّه تعالى لا يجوز تسمية الخلق بها، فهل من أسماء اللَّه تعالى ما لا يجوز تسمية الخلق بها؟ وهل يدخل ضمن هذا المنع الرحمن، والقيوم، وهل هناك أسماء أخرى لا يجوز وصف الخلق بها؟

ج4: تقدم في جواب السؤال الثاني والثالث بيان الضابط مع أمثلة لما يجوز تسمية المخلوق به من أسماء اللَّه تعالى وما لا يجوز، وبناء على ذلك لا يجوز تسمية المخلوق بالقيوم؛ لأن القيوم هو المستغني بنفسه عن غيره، المفتقر إليه كل ما سواه، وذلك مختص باللَّه لا يشركه فيه غيره، قال ابن القيم رحمه الله في النونية:

(1) سورة الأعراف، الآية:180.

(2)

سورة فاطر، الآية:15.

ص: 256

هذا ومن أوصافه القيوم

والقيوم في أوصافه أمران

إحداهما القيوم قام بنفسه

والكون قام به هما الأمران

فالأول استغناؤه عن غيره

والفقر من كل إليه الثاني

وكذا لا يسمى المخلوق - بالرحمن - لأنه بكثرة استعماله اسماً للَّه تعالى صار علماً بالغلبة عليه، مختصاً به، كلفظ الجلالة، فلا يجوز تسمية غيره به (1).

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

نائب رئيس اللجنة

الرئيس

عبد اللَّه بن غديان

عبد الرزاق عفيفي

عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

(1) تفسير آية ((الله لا إله إلا هو الحي القيوم)) لابن كثير،1/ 278، وغيره، مختصر الصواعق المرسلة للموصلي، 2/ 110، وكتاب النونية لابن القيم مع شرحها للشيخ أحمد بن عيسى، 2/ 236.

ص: 257

فتوى رقم 3862 وتاريخ 12/ 8/1401هـ

الحمد للَّه والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه، وبعد:

فقد اطّلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على السؤال المقدم من معالي وزير المعارف السعودية إلى سماحة الرئيس العام، والمحال إليها برقم 818 في 3/ 5/1401هـ، ونصه:«أحيل لسماحتكم استفسار إدارة الامتحانات في الوزارة رقم 2121، وتاريخ 7/ 4/1401هـ مع جدول لأسماء اللَّه الحسنى بشأن الاستفسار حول اسم «الفضيل» هل هو من أسماء اللَّه الحسنى؟ وماذا يعمل مع من اسمه عبد الفضيل، هل يعدل الاسم أم يبقى على حالته؟ وحيث إن الاستفسار قد بدأ يتكرر من كثير من الجهات حول الأسماء الحسنى نتيجة لوجود عدد من المتعاقدين يحملون من الأسماء ما لا يقره الشرع، مثل: عبد النبي، وعبد الإمام، وعبد الزهراء، وغيرها من الأسماء. آمل موافاتنا ببيان تحدد فيه الأسماء التي تجوز إضافة «العبد» إليها، والتسمي بها، خاصة وإن كثيراً من الكتب

ص: 258

تشير إلى أن أسماء اللَّه تعالى لا تنحصر في التسعة والتسعين اسماً، بل إن الروايات تختلف حتى في تعداد هذه الأسماء التسعة والتسعين، ويتجه بعض العلماء إلى أن أسماء اللَّه فوق الحصر، مستشهدين بالحديث: «اللَّهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك

» الحديث.

وأجابت بما يلي:

أولاً: قال اللَّه تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (1)، فأخبر سبحانه عن نفسه بأنه اختص بالأسماء الحسنى المتضمنة لكمال صفاته، ولعظمته وجلاله، وأمر عباده أن يدعوه بها تسمية له بما سمى به نفسه، وأن يدعوه بها تضرعاً وخفية في السراء والضراء، ونهاهم عن الإلحاد فيها بجحدها أو إنكار معانيها، أو بتسميته بما لم يسمِّ به نفسه، أو بتسمية غيره بها، وتوعّد من خالف في ذلك بسوء العذاب.

وقد سمّى اللَّه نفسه بأسماء في محكم كتابه، وفيما

(1) سورة الأعراف، الآية:180.

ص: 259

أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم من السنة الثابتة، وليس من بينها اسم الفضيل، وليس لأحد أن يسميه بذلك؛ لأن أسماءه تعالى توقيفية؛ فإنه سبحانه هو أعلم بما يليق بجلاله، وغيره قاصر عن ذلك، فمن سماه بغير ما سمّى به نفسه، أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد ألحد في أسمائه، وانحرف عن سواء السبيل، وليس لأحد من خلقه أن يُعبِّد أحداً لغيره من عباده، فلا تجوز التسمية بعبد الفضيل، أو عبد النبي، أو عبد الرسول، أو عبد علي، أو عبد الحسين، أو عبد الزهراء، أو غلام أحمد، أو غلام مصطفى، أو نحو ذلك من الأسماء التي فيها تعبيد مخلوق لمخلوق؛ لما في ذلك من الغلو في الصالحين والوجهاء، والتطاول على حق اللَّه؛ ولأنه ذريعة إلى الشرك والطغيان، وقد حكى ابن حزم إجماع العلماء على تحريم التعبيد لغير اللَّه، وعلى هذا يجب أن يغير ما ذكر في السؤال من الأسماء وما شابهها.

ثانياً: ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن اللَّه تسعاًَ وتسعين اسما مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة» رواه البخاري ومسلم (1).

(1) البخاري، برقم 2736، ومسلم، برقم 2677.

ص: 260

وروى هذا الحديث الترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، وغيرهم، وزادوا فيه تعيين الأسماء التسعة والتسعين، مع اختلاف في تعيينها، وللعلماء في ذلك مباحث:

أ - منها - أن المراد بإحصائها معرفتها وفهم معانيها، والإيمان بها، والثقة بمقتضاها، والاستسلام لما دلت عليه، وليس المراد مجرد حفظ ألفاظها وسردها عدّاً.

ب - ومنها أن المعوّل عليه عند العلماء أن تعيين التسعة والتسعين اسماً مدرج في الحديث استخلصه بعض العلماء من القرآن فقط، أو من القرآن والأحاديث الصحيحة، وجعلوها بعد الحديث كتفسير له وتفصيل للعدد المجمل فيه، وعملاً بترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في إحصائها رجاء الفوز بدخول الجنة.

جومنها أنه ليس المقصود من الحديث حصر أسماء اللَّه في تسعة وتسعين اسماً - لأن صيغته ليست من صيغ الحصر - وإنما المقصود الإخبار عن خاصة من خواص تسعة وتسعين اسماً من أسماء اللَّه تعالى، وبيان عظم جزاء إحصائها، ويُؤيِّده ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أصاب أحداً قط

ص: 261

هم ولا حزن فقال: اللَّهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب اللَّه حزنه وهمه، وأبدله مكانه فرحاً» فقيل: يا رسول اللَّه، أفلا نتعلمها؟ فقال:«بل ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها» (1).

فبين صلى الله عليه وسلم أنه استأثر بعلم بعض أسمائه فلم يطلع عليها أحداً من خلقه، فكانت من الغيبيات التي لا يجوز لأحد أن يخوض فيها بخرص ولا تخمين؛ لأن أسماءه تعالى توقيفية كما سيأتي إن شاء اللَّه.

د - ومنها أن أسماء اللَّه توقيفية فلا يُسَمَّى سبحانه إلا بما سمى به نفسه، أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يُسمَّى باسم عن طريق القياس أو الاشتقاق من فعل ونحوه، خلافاً

(1) أخرجه أحمد، 1/ 391، وأبو يعلى، 9/ 198 - 199، برقم 5297، والحاكم،1/ 509 - 510، وابن السني في عمل اليوم والليلة، برقم 339، 340، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم 199.

ص: 262

للمعتزلة والكرامية، فلا يجوز تسميته بَنَّاءً، ولا ماكراً، ولا مستهزئاً أخذاً من قوله تعالى:{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} (1)، وقوله:{وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ} (2)، وقوله:{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (3)، ولا يجوز تسميته زارعاً، ولا ماهداً، ولا فَالِقاً، ولا منشئاً، ولا قابلاً، ولا شديداً، ونحو ذلك أخذا من قوله تعالى:{أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُون} (4)، وقوله:{فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} (5)، وقوله:{أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ} (6)، وقوله تعالى:{فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} (7)، وقوله:{وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} (8)؛ لأنها لم تستعمل في هذه النصوص إلا مضافة، وفي أخبار على غير طريق التسمي، لا مطلقة فلا يجوز استعمالها إلا على الصفة التي

(1) سورة الذرايات، الآية:47.

(2)

سورة آل عمران، الآية 54.

(3)

سورة البقرة، الآية:15.

(4)

سورة الواقعة، الآية:64.

(5)

سورة الذاريات، الآية:48.

(6)

سورة الواقعة، الآية:72.

(7)

سورة الأنعام، الآية:95.

(8)

سورة غافر، الآية:3.

ص: 263

وردت عليها في النصوص الشرعية.

فيجب ألا يُعَبَّد في التسمية إلا لاسم من الأسماء التي سمى اللَّه بها نفسه صريحاً في القرآن، أو سماه بها رسوله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه من الأحاديث، كأسمائه التي في آخر سورة الحشر، والمذكورة في أول سورة الحديد، والمنشورة في سور أخرى من القرآن. وصلى اللَّه على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

عضو

نائب رئيس اللجنة

الرئيس

عبد الله بن قعود

عبد الله بن غديان

عبد الرزاق عفيفي

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

وصلى اللَّه وسلم وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا محمد بن عبد اللَّه، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم.

ص: 264