الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الِاعْتِكَافِ جُمْلَةً: كَالْإِغْمَاءِ، وَالْجُنُونِ، أَوْ الصَّوْمِ فَقَطْ كَالْمَرَضِ الْخَفِيفِ وَالْحَيْضِ وَالْعِيدِ أَوْ فِطْرِ نِسْيَانٍ، فَإِنْ قُلْت: الْحَيْضُ مَانِعٌ مِنْ الصَّوْمِ وَالْمَسْجِدُ فَكَيْفَ جَعَلَهُ مِمَّا يَمْنَعُ الصَّوْمَ فَقَطْ، قُلْت: مُرَادُهُ بِالْحَيْضِ هُنَا الْحَيْضُ الَّذِي طَهُرَتْ مِنْهُ نَهَارًا، وَهُوَ مِمَّا يَمْنَعُ الصَّوْمَ فَقَطْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ لِمُعْتَكِفِهَا فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْحَيْضِ إذْ هُوَ مَانِعٌ مِنْ الصَّوْمِ وَالْمَسْجِدِ، وَانْظُرْ تَفْصِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِنَا الْكَبِيرِ (ص) وَخَرَجَ وَعَلَيْهِ حُرْمَتُهُ (ش) أَيْ: وَخَرَجَ مَنْ حَصَلَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ هَذِهِ الْأَعْذَارِ إلَّا الْمُفْطِرَ نِسْيَانًا إلَى زَوَالِهَا لَكِنْ وُجُوبًا فِي الْعُذْرِ الْمَانِعِ مِنْ الِاعْتِكَافِ وَجَوَازًا فِي الْعُذْرِ الْمَانِعِ مِنْ الصَّوْمِ وَعَلَيْهِ حُرْمَةُ الِاعْتِكَافِ فَلَا يَفْعَلُ مَا لَا يَفْعَلُهُ الْمُعْتَكِفُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً كَمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ:، وَإِنْ لِحَائِضٍ نَاسِيَةٍ فَتَكَلَّمَ الْمُؤَلِّفُ عَلَى زَوَالِهَا بِقَوْلِهِ وَبَنَى بِزَوَالِ إغْمَاءٍ إلَخْ، وَعَلَى طُرُوِّهَا بِقَوْلِهِ: وَخَرَجَ إلَخْ وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَخَرَجَ إلَى آخِرِهِ لِلِاسْتِئْنَافِ لِبَيَانِ الْحُكْمِ وَكَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ وَإِذَا حَصَلَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ هَذِهِ الْأَعْذَارِ مَا الْحُكْمُ؟ فَقَالَ: وَخَرَجَ إلَخْ.
(ص)، وَإِنْ أَخَّرَهُ بَطَلَ (ش) أَيْ: وَإِنْ أَخَّرَ الْبِنَاءَ بِعَدَمِ رُجُوعِهِ إلَى الْمَسْجِدِ عِنْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ فَوْرًا وَلَوْ لِعُذْرٍ مِنْ نِسْيَانٍ، أَوْ إكْرَاهٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَاسْتَأْنَفَهُ مَا لَمْ يَكُنْ التَّأْخِيرُ لِكَوْنِ الْوَقْتِ وَقْتَ خَوْفٍ كَمَا قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ، وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ:(إلَّا لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ) إلَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَوْ زَالَ عُذْرُهُ لَيْلَةَ الْعِيدِ، أَوْ يَوْمَهُ وَأَخَّرَ رُجُوعَهُ إلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى مَضَى يَوْمُ الْعِيدِ وَتَالِيَاهُ فِي عِيدِ الْأَضْحَى فَإِنَّ اعْتِكَافَهُ لَا يَبْطُلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ، أَوْ صَحَّ الْمَرِيضُ وَأَخَّرَ كُلٌّ الرُّجُوعَ إلَى الْمَسْجِدِ فَإِنَّ اعْتِكَافَهُ يَبْطُلُ لِصِحَّةِ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِغَيْرِهِمَا، بِخِلَافِ يَوْمِ الْعِيدِ فَإِنَّ صَوْمَهُ لَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ.
(ص)، وَإِنْ اشْتَرَطَ سُقُوطَ الْقَضَاءِ لَمْ يُفِدْهُ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْمُعْتَكِفَ إذَا اشْتَرَطَ مَا يُنَافِي فِي اعْتِكَافِهِ بِأَنْ قَالَ: إنْ حَصَلَ لَهُ مَانِعٌ يُوجِبُ الْقَضَاءَ لَا أَقْضِي فَإِنَّ شَرْطَهُ لَا يُفِيدُهُ وَيَصِحُّ اعْتِكَافُهُ عَلَى مُقْتَضَى الِاعْتِكَافِ الْمَشْرُوعِ ابْنُ عَرَفَةَ وَشَرْطُ مُنَافِيهِ لَغْوٌ اهـ.
، وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ الثَّلَاثِ وَهِيَ: الصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالصَّوْمُ، وَمَا يَلْحَقُ بِهَا شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الدِّعَامَةِ الرَّابِعَةِ وَهِيَ الْحَجُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَالْكَسْرُ أَكْثَرُ سَمَاعًا، وَكَذَا اللُّغَتَانِ فِي الْحَجَّةِ وَقِيلَ: الْحَجُّ بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ وَبِالْكَسْرِ الِاسْمُ وَقِيلَ: الِاسْمُ بِهِمَا الْجَوْهَرِيُّ الْحَجُّ الْقَصْدُ وَرَجُلٌ مَحْجُوجٌ أَيْ: مَقْصُودٌ وَهَذَا الْأَصْلُ ثَمَّ تُعُورِفَ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي الْقَصْدِ إلَى مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ لِلنُّسُكِ تَقُولُ: حَجَجْت الْبَيْتَ أَحُجُّهُ حَجَاجًا فَأَنَا حَاجٌّ وَرُبَّمَا أَظْهَرُوا التَّضْعِيفَ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ قَالَ الرَّاجِزُ
بِكُلِّ شَيْخٍ عَامِرٍ أَوْ حَاجِجٍ
، وَإِنَّمَا أُضِيفَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ لِلَّهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَلَمْ تُضَفْ بَقِيَّةُ الْعِبَادَاتِ لَهُ؛ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَكْثُرُ الرِّيَاءُ فِيهِمَا جِدًّا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِقْرَاءُ حَتَّى إنَّ كَثِيرًا مِنْ الْحُجَّاجِ لَا يَكَادُ يَسْمَعُ حَدِيثًا فِي شَيْءٍ إلَّا ذَكَرَ لَهُ مَا اتَّفَقَ لَهُ فِي حَجِّهِ، فَلَمَّا كَانَا مَظِنَّةَ الرِّيَاءِ قِيلَ فِيهِمَا: لِلَّهِ اعْتِنَاءً بِالْإِخْلَاصِ وَالْحَجُّ فِي الشَّرْعِ مَا أَشَارَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: الَّذِي طَهُرَتْ مِنْهُ نَهَارًا) أَيْ: وَلَمْ يَسْتَرْسِلْ جَمِيعَ النَّهَارِ فَإِذَا اغْتَسَلَتْ يَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَنَّهَا غَيْرُ صَائِمَةٍ فَصَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْعَ الصَّوْمِ فَقَطْ لَا الْمُكْثَ فِي الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ لِمُعْتَكَفِهَا) هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ وَخَرَجَ وَعَلَيْهِ حُرْمَتُهُ قَاصِرٌ عَلَى الْعُذْرِ الْمَانِعِ مِنْ الِاعْتِكَافِ وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِهِ: جَوَازٌ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقَ الْحَيْضِ) أَيْ: الشَّامِلِ لِلْمُسْتَرْسِلِ جَمِيعَ النَّهَارِ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ وَعَلَيْهِ حُرْمَتُهُ) الْوُجُوبُ فِي الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ مُتَعَلِّقٌ بِوَلِيِّهِ (قَوْلُهُ: وَجَوَازُ إلَخْ) رَدَّهُ عج بِأَنَّهُ يَجِبُ الْبَقَاءُ وَيَمْنَعُ الْخُرُوجَ كَمَا فِي الرَّجْرَاجِيِّ وَالْمَوَّاقِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ عَلَى عَدَمِ بُطْلَانِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَ الرَّجْرَاجِيِّ يَجِبُ بَقَاؤُهُ لَيْلَتَهُ أَيْ: إذَا كَانَ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ أَيَّامٌ بَعْدَ الْعِيدِ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ فِيمَا مَرَّ وَمَكَّنَهُ لَيْلَةَ الْعِيدِ اهـ.
(أَقُولُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا لَيْلَةَ الْعِيدِ يُفْرَضُ فِي مَانِعِ الِاعْتِكَافِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ اعْتِكَافَهُ يَبْطُلُ لِصِحَّةِ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: وَخَرَجَ وَعَلَيْهِ حُرْمَتُهُ فِي الْعُذْرِ الْمَانِعِ مِنْ الِاعْتِكَافِ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ اشْتَرَطَ إلَخْ) أَيْ: قَبْلَ دُخُولِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَوْلُهُ: لَمْ يُفِدْهُ شَرْطُهُ وَاعْتِكَافُهُ صَحِيحٌ، وَمِثْلُ اشْتِرَاطِ سُقُوطِ الْقَضَاءِ اشْتِرَاطُ غَيْرِهِ كَعَدَمِ صَوْمٍ، أَوْ اعْتِكَافِ النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ أَوْ مُبَاشَرَةِ النِّسَاءِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ يَبْطُلُ وَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ: يَبْطُلَانِ مَعًا وَقِيلَ: بِالْفَرْقِ إنْ اشْتَرَطَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ بَطَلَا مَعًا، وَإِنْ اشْتَرَطَ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّ الِاعْتِكَافُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَاب أَحْكَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَأَفْعَالِهِمَا]
(بَابُ الْحَجِّ)(قَوْلُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ) ؛ لِأَنَّ مَصْدَرَ حَجَّ قِيَاسُهُ الْفَتْحُ إلَّا إنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَجِّ هُوَ الْهَيْئَةُ الْمَخْصُوصَةُ الْمَوْصُوفَةُ بِأَنَّهَا دِعَامَةٌ وَلَعَلَّهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ كَانَ الْكَسْرُ أَكْثَرَ سَمَاعًا (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: الْحَجُّ بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ) أَيْ: فَيُرَادُ مِنْ الْحَجِّ بِالْفَتْحِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ أَيْ: الَّذِي هُوَ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ بِالْحَرَكَاتِ الْمَخْصُوصَةِ وَقَوْلُهُ: وَبِالْكَسْرِ الِاسْمُ أَيْ: فَالْكَسْرُ اسْمٌ لِلْأَفْعَالِ الْمَخْصُوصَةِ أَيْ: الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ الْمَخْصُوصَةِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ (قَوْلُهُ: الْقَصْدُ) وَقِيلَ: بِقَيْدِ التَّكْرَارِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُقَدَّمَاتِ وَسَنَدٌ وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ الْخَلِيلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الصِّحَاحِ لِتَكْرَارِ النَّاسِ إلَيْهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ، أَوْ لِعَوْدِهِمْ إلَى الْبَيْتِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ وَلِلتَّوْدِيعِ، أَوْ لِعَوْدِهِمْ إلَيْهِ فِي الْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ تُعُورِفَ) أَيْ: فِي عُرْفِ اللُّغَةِ (قَوْلُهُ: حِجَاجًا) الَّذِي فِي صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ أَحُجُّهُ حَجًّا بِغَيْرِ زِيَادَةٍ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ مَا بَعْدَ حَجًّا وَقَوْلُهُ: عَامِرٌ أَيْ: مُعْتَمِرٌ
إلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: وَيُمْكِنُ رَسْمُهُ بِأَنَّهُ عِبَادَةٌ يَلْزَمُهَا الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ لَيْلَةَ عَاشِرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَحَدُّهُ بِزِيَارَةٍ وَطَوَافِ ذِي طُهْرٍ أَخَصُّ بِالْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ سَبْعًا بَعْدَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَسَعْيٍ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ، وَمِنْهَا إلَيْهِ سَبْعًا بَعْدَ طَوَافٍ كَذَلِكَ لَا بِقَيْدِ وَقْتِهِ بِإِحْرَامٍ فِي الْجَمِيعِ، فَقَوْلُهُ: عِبَادَةٌ جِنْسٌ يَدْخُلُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَغَيْرُهَا وَقَوْلُهُ يَلْزَمُهَا إلَخْ خَاصَّةً لَهَا؛ لِأَنَّهَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ، وَلَا يُفَارِقُهَا فَتَمْتَازُ عَنْ كُلِّ عِبَادَةٍ شَرْعِيَّةٍ بِذَلِكَ وَشَمِلَ الرَّسْمَ الصَّحِيحَ مِنْ الْحَجِّ وَالْفَاسِدَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ لُزُومَ الْوُقُوفِ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ مَاهِيَّةِ الْحَجِّ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْهَا، وَاَلَّذِي هُوَ جُزْؤُهَا فِعْلُ الْوُقُوفِ لَا لُزُومُهُ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ صِحَّةُ جَعْلِ مَا ذَكَرَ رَسْمًا لَكِنَّ قَوْلَهُ بَعْدُ: وَحَدُّهُ بِزِيَارَةٍ وَطَوَافِ إلَخْ يُنَافِي ذَلِكَ. وَلَوْ حَدَّهُ بِقَوْلِهِ: عِبَادَةٌ ذَاتُ وُقُوفٍ بِعَرَفَةَ لَيْلَةَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَطَوَافٌ إلَخْ لَأَتَى بِالْمَقْصُودِ وَلَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ، فَإِنْ قُلْتَ: مَا سِرُّ كَوْنِهِ عَرَّفَ الْحَجَّ بِتَعْرِيفَيْنِ وَذَكَرَ فِي الثَّانِي جَمِيعَ لَوَازِمِهِ شَرْعًا وَعَرَّفَ الصَّلَاةَ تَعْرِيفًا وَاحِدًا؟ قُلْتُ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عُسْرِ الْحَجِّ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ يُسْرَهُ بِحَدَّيْنِ بِرَسْمٍ تَامٍّ وَبِحَدٍّ عَلَى مَا فِيهِ وَأَنَّ الْفَقِيهَ الْعَارِفَ بِقَوَاعِد الشَّرِيعَةِ لَا يَصْعُبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَفِي ذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ التَّنْكِيتِ عَلَى مَنْ عَسِرَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: ذِي طُهْرٍ أَيْ: شَخْصٍ ذِي طُهْرٍ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ الطُّهْرِ أَخَصُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ، أَوْ مِمَّا ذَكَرَ وَمِنْ الْخَبَثِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَالطُّهْرُ الْأَخَصُّ هُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِهِ وُجُودُ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْكُبْرَى ثُبُوتُ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَلِذَا قِيلَ ذِي طُهْرٍ أَخَصُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ذِي طُهْرٍ فَقَطْ لَصُدِّقَ بِالطَّهَارَةِ الْكُبْرَى، وَقَدْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَصْغَرَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَصِحَّ الطَّوَافُ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: عَنْ يَسَارِهِ بَيَانٌ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ الشَّرْعِيِّ وَنَصَبَ سَبْعًا عَلَى الْمَصْدَرِ، وَقَوْلُهُ: بَعْدَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ أَخْرَجَ بِهِ طَوَافَ الْقُدُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَرْكَانِ، وَقَوْلُهُ: وَسَعْيٍ مَعْطُوفٌ عَلَى طَوَافٍ، وَقَوْلُهُ:، وَمِنْهَا أَيْ: مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا. وَقَوْلُهُ: بَعْدَ طَوَافٍ كَذَلِكَ أَيْ: مِثْلُ الطَّوَافِ الْمَذْكُورِ بِصِفَتِهِ، وَهُوَ طَوَافُ ذِي طُهْرٍ أَخَصُّ إلَخْ، وَقَوْلُهُ: لَا بِقَيْدِ وَقْتِهِ أَخْرَجَ بِهِ خُصُوصَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ الْمَذْكُورِ وَإِنَّ السَّعْيَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حُصُولُ طَوَافٍ قَبْلَهُ صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ؛ لَا خُصُوصَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ طَوَافًا وَاجِبًا، وَقَوْلُهُ: بِإِحْرَامٍ فِي الْجَمِيعِ صِفَةً لِعِبَادَةٍ أَيْ: عِبَادَةٍ مَصْحُوبَةٍ بِإِحْرَامٍ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحَجَّ عِبَادَاتٌ مُجْتَمَعَةٌ، وَإِنَّ الْإِحْرَامَ مَصْحُوبٌ بِكُلٍّ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَزِدْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَكَانَ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ أَحْرَمَ بَعْدَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الطَّوَافُ جُزْءًا مِنْ الْحَجِّ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ إحْرَامَ الْأَرْكَانِ لَمَّا كَانَ مُنْدَرِجًا فِي إحْرَامِ الْحَجِّ فَصَارَ بِذَلِكَ الْإِحْرَامُ لِلْجَمِيعِ.
وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَمَعْنَاهَا لُغَةً الزِّيَارَةُ يُقَالُ اعْتَمَرَ فُلَانٌ فُلَانًا إذَا زَارَهُ وَيُقَالُ: الِاعْتِمَارُ الْقَصْدُ وَقِيلَ إنَّمَا قِيلَ لِلْمُحْرِمِ بِالْعُمْرَةِ مُعْتَمِرٌ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَعْمَلَ فِي مَوْضِعٍ عَامِرٍ وَشَرْعًا عِبَادَةٌ يَلْزَمُهَا طَوَافٌ وَسَعْيٌ فَقَطْ مَعَ إحْرَامٍ.
وَلَمَّا كَانَتْ أَحْكَامُهُمَا أَيْ: الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَا تَنْحَصِرُ أَشَارَ إلَى مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْهَا فَقَالَ (بَابٌ يَذْكُرُ فِيهِ بَعْضَ أَحْكَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَأَفْعَالِهِمَا)
(ص) فُرِضَ الْحَجُّ وَسُنَّتْ الْعُمْرَةِ مَرَّةً (ش) يَعْنِي أَنَّ الْحَجَّ فَرْضُ عَيْنٍ كِتَابًا وَسُنَّةً وَإِجْمَاعًا
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: يُنَافِي ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي تَسْلِيطَ الْمَلْزُومِيَّةِ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ، والملزومية خَارِجَةٌ فَلَا يَكُونُ حَدًّا قَالَ بَعْضٌ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ جَرَى هُنَا عَلَى طَرِيقَةِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ الْحَدَّ وَالرَّسْمَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: لَأَتَى بِالْمَقْصُودِ إلَخْ) فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ذَاتُ بِمَعْنَى صَاحِبَةٍ وَالصَّاحِبِيَّةُ وَصْفٌ خَارِجٌ فَلَا يَكُونُ حَدًّا فَلَمْ يَأْتِ بِالْمَقْصُودِ (قَوْلُهُ: إنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عُسْرِ الْحَجِّ) أَيْ: لَمَّا ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ عُسْرِ الْحَجِّ فَقَدْ قَالَ هُوَ عُسْرٌ وَلِذَا تَرَكَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ابْنُ عَرَفَةَ يَرُدُّ بِعَدَمِ عُسْرِ حُكْمِ الْفَقِيهِ بِثُبُوتِهِ وَنَفْيِهِ وَصِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ، وَلَازِمُهُ إدْرَاكُ فَصْلِهِ، أَوْ خَاصَّتِهِ كَذَلِكَ أَيْ: دُونَ عُسْرِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا فِيهِ) أَيْ: مِنْ الْبَحْثِ السَّابِقِ مِنْ أَنَّ كَلَامَهُ لَا يُفِيدُ أَنَّهُ حَدٌّ، بَلْ رَسْمٌ (قَوْلُهُ: فَفِي ذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ التَّنْكِيتِ عَلَى مَنْ عَسِرَ عَلَيْهِ) وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحَجَّ عِبَادَاتٌ) لَا يَخْفَى أَنَّ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِحْرَامِ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ الْمَذْكُورَةِ لِكَوْنِهَا مُتَفَرِّقَةً، أَمَّا كَوْنُهَا عِبَادَاتٍ لَا عِبَادَةً وَاحِدَةً فَلَمْ يَظْهَرْ إلَّا أَنْ يُقَالَ: يُفْهَمُ مِنْ تَفَرُّقِهَا أَنَّهَا عِبَادَاتٌ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْعِبَادَةِ انْضِمَامُ أَجْزَائِهَا.
(قَوْلُهُ: لَكَانَ مَنْ طَافَ) أَيْ: لَلَزِمَ (قَوْلُهُ: وَيَحْتَمِلُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ: الْمَعْنَى عَلَى الشَّرْطِيَّةِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِحْرَامُ مَصْحُوبًا بِالْجَمِيعِ، وَأَمَّا عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَالْمَعْنَى عَلَى الْإِخْبَارِ أَيْ: وَذَلِكَ الْإِحْرَامُ مُتَعَلِّقٌ بِجُمْلَةِ الْأَجْزَاءِ
(قَوْلُهُ: بَعْضُ أَحْكَامِ الْحَجِّ) أَيْ: الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَيْ: بِإِحْرَامِهِمَا وَقَوْلُهُ: وَأَفْعَالِهِمَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَيْ: أَحْكَامِ أَفْعَالِهِمَا أَيْ: أَحْكَامِ أَفْعَالٍ تَتَعَلَّقُ بِهِمَا كَالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَفْعَالِ الَّتِي تُفْعَلُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ مِنْ قَتْلِ صَيْدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: فُرِضَ الْحَجُّ) ثُمَّ إنَّهُ يَقَعُ فِي غَالِبِ النُّسَخِ بِنَاءُ " فُرِضَ وَسُنَّتْ " لِلْمَفْعُولِ وَإِقَامَةُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مُقَامَ الْفَاعِلِ، وَنَصْبُ مَرَّةً عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ مُبَيِّنٍ لِلْعَدَدِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ الْعُمْرَةُ، وَيُقَدَّرُ مِثْلُهُ لِلْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَصْدَرَانِ مُقَدَّرَانِ بِأَنْ وَالْفِعْلِ، وَالْمَعْنَى فُرِضَ أَنْ يَحُجَّ مَرَّةً وَسُنَّ أَنْ يَعْتَمِرَ مَرَّةً وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ فُرِضَ وَسُنَّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ الْفَرْضَ وَالسُّنَّةَ وَقَعَا مِنْ الشَّارِعِ مَرَّةً؛ لِأَنَّ الْمَفْعُولَ الْمُطْلَقَ قَيْدٌ فِي عَامِلِهِ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ
مَرَّةً فِي الْعُمْرِ فَمَنْ جَحَدَهُ كَفَرَ وَاسْتُتِيبَ، وَمَنْ تَرَكَهُ مُسْتَطِيعًا فَاَللَّهُ حَسِيبُهُ أَيْ: لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَهِيَ سُنَّةٌ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً عَلَى الْمَشْهُورِ وَهِيَ آكَدُ مِنْ الْوِتْرِ وَقِيلَ: فَرْضٌ كَالْحَجِّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقِيلَ: فَرْضٌ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَعَبَّرَ الْمُؤَلِّفُ هُنَا بِفَرْضٍ وَعَبَّرَ فِي بَابِ الزَّكَاةِ بِقَوْلِهِ: تَجِبُ لِيَكُونَ الْفَرْضُ غَيْرَ مُرَادِفٍ لِلْوَاجِبِ فِي الْحَجِّ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ كَطَوَافِ الْقُدُومِ، وَأَمَّا فِي بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ فَمُرَادِفٌ وَهَلْ فُرِضَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ؟ وَنَزَلَ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] تَأْكِيدًا، أَوْ بَعْدَهَا سَنَةَ خَمْسٍ، أَوْ سِتٍّ وَصَحَّحَهُ الشَّافِعِيُّ، أَوْ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْإِكْمَالِ أَقْوَالٌ «وَحَجَّ عليه الصلاة والسلام حَجَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ» «وَسُئِلَ أَنَسٌ كَمْ اعْتَمَرَ عليه الصلاة والسلام قَالَ أَرْبَعًا: عُمْرَتُهُ الَّتِي صَدَّهُ عَنْهَا الْمُشْرِكُونَ عَنْ الْبَيْتِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، وَعُمْرَتُهُ أَيْضًا مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حِينَ صَالَحُوهُ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، وَعُمْرَتُهُ حِينَ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ مِنْ الْجِعْرَانَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، وَعُمْرَتُهُ مَعَ حَجَّتِهِ» ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمْرَةَ الْجِعْرَانَةِ كَانَتْ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ شَوَّالٍ.
(ص) وَفِي فَوْرِيَّتِهِ وَتَرَاخِيهِ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ خِلَافٌ (ش) أَيْ: وَفِي
ــ
[حاشية العدوي]
ذَلِكَ وَيَجُوزُ نَصْبُ مَرَّةً عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ نَائِبِ الْفَاعِلِ أَيْ: فُرِضَ الْمَرَّةُ مِنْ الْحَجِّ وَسُنَّتْ الْمَرَّةُ مِنْ الْعُمْرَةِ ثُمَّ حُوِّلَ وَنُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَرْضُ الْحَجِّ مَصْدَرٌ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَعَطْفُ سُنَّةُ الْعُمْرَةِ عَلَيْهِ، وَرُفِعَ مَرَّةٌ عَلَى الْخَبَرِ وَعَلَيْهِ فَالْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ: مَفْرُوضِ الْحَجِّ وَمَسْنُونِ الْعُمْرَةِ مَرَّةً وَفِيهِ إخْرَاجُ " مَرَّةً " عَمَّا هُوَ مُخْتَارُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّهَا وَجَمِيعُ أَخَوَاتهَا مِنْ طَوْرٍ، أَوْ فَوْرٍ أَوْ ذَاتَ مَرَّةٍ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ فَلْيَكُنْ هُنَا كَذَلِكَ إذْ التَّقْدِيرُ فُرِضَ الْحَجُّ حَجًّا مَرَّةً وَسُنَّ الْعُمْرَةُ اعْتِمَارًا مَرَّةً لَا يُقَالُ الْمُرَادُ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الْحَقِيقَةُ الْمَخْصُوصَةُ فَهُمَا جَامِدَانِ فَلَا يَعْمَلَانِ لِأَنَّا نَقُولُ عَمَلُهُمَا نَظَرًا لِأَصْلِهِمَا مِنْ الْمَصْدَرِيَّةِ اهـ.
(قَوْلُهُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ) أَيْ: وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لَكِنَّ اسْتِحْبَابَ الْعُمْرَةِ إنَّمَا هُوَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وَيُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي السَّنَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَجَازَ تَكْرَارُهَا ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَوَّلُ السَّنَةِ الْمُحَرَّمُ فَيَجُوزُ لِمَنْ اعْتَمَرَ فِي أَوَاخِرِ ذِي الْحِجَّةِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي الْمُحَرَّمِ الْحَاصِلِ أَنَّ الْحَجَّ أَوَّلُ مَرَّةٍ فُرِضَ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْمَرَّةِ الْأُولَى فَيَنْبَغِي لَهُ قَصْدُ إقَامَةِ الْمَوْسِمِ لِيَقَعَ فَرْضَ كِفَايَةٍ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إقَامَتَهُ وَقَعَ مَنْدُوبًا، وَالظَّاهِرُ جَرَيَانُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْعُمْرَةِ فَسُنَّةٌ عَيْنٌ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ، وَكِفَايَةٌ إذَا قَصَدَ بِهَا الْقِيَامَ عَنْ النَّاسِ وَإِلَّا فَمَنْدُوبٌ كُلَّ عَامٍ اُنْظُرْ شَرْحَ عب.
(فَائِدَةٌ) فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْحَجِّ قِيلَ الْعُمْرَةُ، أَوْ الْعَكْسُ قَوْلَانِ اهـ (قَوْلُهُ:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] قِيلَ نَزَلَ سَنَةَ تِسْعٍ وَقِيلَ نَزَلَ سَنَةَ عَشْرٍ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ الشَّافِعِيُّ) أَيْ: صَحَّحَ كَوْنَهُ سَنَةَ سِتٍّ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ) أَيْ: صَحَّحَ كَوْنَهُ سَنَةَ تِسْعٍ (قَوْلُهُ: حَجَّةً وَاحِدَةً) أَيْ: عَامَ عَشَرَةٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَلَمْ يَحُجَّ مِنْ الْمَدِينَةِ بَعْدَ أَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ فَرْضُ الْحَجِّ غَيْرَهَا وَحَجَّ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِ الْحَجُّ حَجَّتَيْنِ عَلَى مَا رُوِيَ، وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي الْمَغَازِي أَنَّهُ حَجَّ بِمَكَّةَ حَجَّةً وَاحِدَةً قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ فَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّارِحُ وَقَالَ: الْمَرْوِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَهُوَ بِمَكَّةَ الْحَجَّ فَقَطْ (قَوْلُهُ: حَجَّةُ الْوَدَاعِ) أَيْ: وَدَاعِ النَّاسِ بِالْوَصَايَا قُرْبَ مَوْتِهِ فَقَدْ وَصَّاهُمْ قَبْلَ مَوْتِهِ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ أَلَا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ أَلَا لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ مِنْكُمْ الْغَائِبَ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ. اهـ وَأَرَادَ بِالْيَوْمِ يَوْمَ النَّحْرِ وَالشَّهْرِ شَهْرَ الْحِجَّةِ وَالْبَلَدِ مَكَّةَ.
(فَائِدَةٌ) اُخْتُلِفَ هَلْ شُرِعَ الْحَجُّ لِغَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: بَعْضُهُمْ كَانَ وَاجِبًا مِنْ زَمَنِ آدَمَ عليه الصلاة والسلام.
(فَائِدَةٌ أُخْرَى) حَاصِلُ مَا قَالُوا أَنَّ الْحَجَّ الْمَبْرُورَ يُسْقِطُ الصَّغَائِرَ اتِّفَاقًا وَكَذَا الْكَبَائِرَ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَأَمَّا التَّبَعَاتُ فَقَالَ الْقَرَافِيُّ لَا يُسْقِطُهَا الْحَجُّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ وَغَيْرِهِ إسْقَاطُهُ إيَّاهَا لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ سُقُوطِ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ دَيْنٍ وَغَيْرِهِ أَيْ: كَوَدِيعَةٍ، وَمُرَادُهُ بِالتَّبَعَاتِ الَّتِي قَالَ ابْنُ حَجَرٍ بِسُقُوطِهَا أَيْ: التَّبِعَاتِ الْبَاطِنَةِ كَالْغِيبَةِ وَالْقَذْفِ وَالْقَتْلِ كَمَا قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا وَلِذَا قَالَ الْحَطَّابُ فِي شَرْحِ الْمَنَاسِكِ عَقِبَ قَوْلِ الْقَرَافِيِّ مَا نَصُّهُ: وَمَا قَالَهُ مِنْ عَدَمِ سُقُوطِ الصَّلَوَاتِ الْمُتَرَتِّبَةِ فِي الذِّمَّةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ دُيُونٍ وَغَيْرِهَا أَيْ: كَالْوَدَائِعِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَنْ حَجَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ نَعَمْ يُرْجَى أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ لِمَنْ عَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ فِي الدُّنْيَا وَيَرْضَى عَنْهُ الْخُصُومُ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ.
وَالْمَبْرُورُ هُوَ الْمُتَقَبَّلُ وَعَلَامَتُهُ أَنْ يَزْدَادَ بَعْدَهُ خَيْرًا فَإِنْ قُلْت: لِمَ تَأَخَّرَ حَجُّهُ صلى الله عليه وسلم إلَى عَامِ عَشَرَةٍ مِنْ الْهِجْرَةِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مِنْ أَجْلِ تَنْزِيهِ أَمَاكِنِ النُّسُكِ وَالطَّوَافِ عَنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالطَّوَافِ عُرْيَانِينَ وَإِبْعَادِ الْكُفَّارِ عَنْ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ بَعَثَ الصِّدِّيقَ حَجَّ بِالنَّاسِ وَحَجُّهُ كَانَ نَدْبًا وَبَعَثَ خَلْفَهُ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ يُنَادِي بِالنَّاسِ لَا يَبْقَى مُشْرِكٌ. . . إلَى آخِرِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصِّدِّيقَ هُوَ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ: عُمْرَتُهُ الَّتِي صَدَّهُ عَنْهَا الْمُشْرِكُونَ) فَنَحَرَ الْهَدْيَ وَحَلَقَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا صَدَّهُ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ اعْتَمَرَ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ، وَالْأَحْسَنُ أَنَّ الْمُرَادَ اعْتَمَرَ حَقِيقَةً أَيْ: حَصَلَ ثَوَابُ الْعُمْرَةِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ أُقْهِرَ عَلَى عَدَمِ إكْمَالِهَا (قَوْلُهُ: حِينَ صَالَحُوهُ إلَخْ) وَيُقَالُ لَهَا عُمْرَةُ الْقَضَاءِ وَالْقَضِيَّةُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَاضَى قُرَيْشًا فِي الْأُولَى عَلَى أَنْ يَأْتِيَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَيَدْخُلُ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ وَيُقِيمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
(قَوْلُهُ: وَفِي فَوْرِيَّتِهِ) هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ
وُجُوبِ الْإِتْيَانِ بِالْحَجِّ فِي أَوَّلِ عَامِ الْقُدْرَةِ وَيَعْصِي بِتَأْخِيرِهِ عَنْهُ، وَلَوْ ظَنَّ السَّلَامَةَ، وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ وَشَهَرَهُ الْقَرَافِيُّ وَابْنُ بَزِيزَةَ، أَوْ لَا يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ، بَلْ وُجُوبُهُ عَلَى التَّرَاخِي لِخَوْفِ الْفَوَاتِ، وَشَهَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ وَرَأَى الْبَاجِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ والتِّلِمْسَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمَغَارِبَةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ خِلَافٌ فِي التَّشْهِيرِ، أَمَّا عِنْدَ خَوْفِ الْفَوَاتِ فَيَتَّفِقُ عَلَى الْفَوْرِيَّةِ وَيَخْتَلِفُ الْفَوَاتُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ مِنْ ضَعْفٍ وَقُوَّةٍ وَكَثْرَةِ أَمْرَاضٍ وَقِلَّتِهَا وَأَمْنِ طَرِيقِهَا وَخَوْفِهَا وَوِجْدَانِ مَالٍ وَعَدَمِهِ، وَانْظُرْ هَلْ يَدْخُلُ هَذَا الْخِلَافُ فِي الْعُمْرَةِ كَالْحَجِّ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ كَمَا قَالَهُ ح، وَلَا خِلَافَ فِي الْفَوْرِيَّةِ إذَا فَسَدَ حَجُّهُ، سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّ الْحَجَّ عَلَى الْفَوْرِ، أَوْ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ: وَوَجَبَ إتْمَامُ الْمُفْسَدِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْأَوَّلُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (ص) وَصِحَّتُهُمَا بِالْإِسْلَامِ (ش) الْمَشْهُورُ أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُحْرِمُ بِهِمَا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى حُرًّا، أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا (ص) فَيُحْرِمُ وَلِيٌّ عَنْ رَضِيعٍ وَجُرِّدَ قُرْبَ الْحَرَمِ (ش) أَيْ: فَبِسَبَبِ أَنَّ شَرْطَ الصِّحَّةِ الْإِسْلَامُ لَا زَائِدَ عَلَيْهِ يُنْدَبُ إحْرَامُ الْوَلِيِّ مِنْ أَبٍ أَوْ كَافِلٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا قَرِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ الرَّضِيعِ أَيْ: إدْخَالُهُ فِي الْإِحْرَامِ بِأَنْ يَنْوِيَ عَنْهُ وَيُجَرِّدَ الذَّكَرَ مِنْ الْمَخِيطِ وَوَجْهُ الْأُنْثَى وَكَفَّاهَا كَالْكَبِيرَةِ، وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْإِحْرَامِ وَالتَّجْرِيدِ قُرْبَ الْحَرَمِ إذْ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا إلَّا بِالتَّجْرِيدِ وَالنِّيَّةِ، وَلَا يُقَدِّمُ الْإِحْرَامَ عِنْدَ الْمِيقَاتِ، وَيُؤَخِّرُ التَّجْرِيدَ إلَى قُرْبِ الْحَرَمِ كَمَا فَهِمَهُ بَعْضٌ، وَلَا مَفْهُومَ لِرَضِيعٍ، وَكَذَا غَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يُمَيِّزُ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِالْمُمَيِّزِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الرَّضِيعَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ لِمَالِكٍ لَا يَحُجُّ عَنْ الرَّضِيعِ.
(ص) وَمُطْبَقٍ لَا مُغْمًى عَلَيْهِ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى رَضِيعٍ أَيْ: فَيُحْرِمُ الْوَلِيُّ عَنْ الْمُطْبِقِ وَيَجْرِي عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الصَّبِيِّ مِنْ تَأْخِيرِ إحْرَامِهِ وَتَجْرِيدِهِ إلَى قُرْبِ الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ، وَالْمُطْبِقُ مَنْ لَا يَفْهَمُ الْخِطَابَ، وَلَا يُحْسِنُ رَدَّ الْجَوَابِ، وَلَوْ مَيَّزَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ فَإِنْ أَفَاقَ أَحْيَانَا اُنْتُظِرَ وَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى الْمَغْمِيِّ عَلَيْهِ إحْرَامُ غَيْرِهِ، فَإِنْ خِيفَ عَلَى الْمَجْنُونِ خَاصَّةً الْفَوَاتُ فَكَالْمُطْبِقِ قَالَ: فِيهَا وَالْمَجْنُونُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ كَالصَّبِيِّ لَا مُغْمًى عَلَيْهِ فَلَا يُحْرِمُ عَنْهُ أَحَدٌ، وَلَوْ خِيفَ الْفَوَاتُ، وَلَا يَصِحُّ إنْ فَعَلَ بِفَرْضٍ، أَوْ نَفْلٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ أَنَّ الْإِغْمَاءَ مَرَضٌ يُرْجَى زَوَالُهُ بِالْقُرْبِ غَالِبًا بِخِلَافِ الْجُنُونِ فَإِنَّهُ شَبِيهٌ بِالصِّبَا لِدَوَامِهِ وَصَحَّ الْإِحْرَامُ عَنْ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ غَيْرَهُ فِي أَصْلِ الدِّينِ، فَإِنْ أَفَاقَ فَأَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ بِهِ عَنْهُ أَصْحَابُهُ أَوْ بِغَيْرِهِ فَالْإِحْرَامُ مَا أَحْرَمَ بِهِ هُوَ، وَلَيْسَ مَا أَحْرَمُوا بِهِ عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِتَعَدِّي الْمِيقَاتِ، وَإِنْ لَمْ يُفِقْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَقَدْ وَقَفَ بِهِ أَصْحَابُهُ لَمْ يُجْزِهِ.
(ص) وَالْمُمَيِّزُ بِإِذْنِهِ وَإِلَّا فَلَهُ تَحْلِيلُهُ، وَلَا قَضَاءَ بِخِلَافِ الْعَبْدِ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى " وَلِيٌّ " مِنْ قَوْلِهِ: فَيُحْرِمُ عَنْ رَضِيعٍ وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمُمَيِّزَ، وَهُوَ مَنْ يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيُحْسِنُ رَدَّ الْجَوَابِ وَمَقَاصِدَ الْكَلَامِ، وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِنٍّ مَخْصُوصٍ، بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْإِفْهَامِ هُوَ الَّذِي يُحْرِمُ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَيُبَاشِرُ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ خَالَفَ وَأَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَلِلْوَلِيِّ تَحْلِيلُهُ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً، وَيَكُونُ بِالنِّيَّةِ وَالْحِلَاقِ، وَلَا يَكْفِي رَفْضُ النِّيَّةِ وَحْدَهَا وَإِذَا حَلَّلَهُ وَلِيُّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِمَا حَلَّلَهُ مِنْهُ وَمِثْلُهُ السَّفِيهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْبَالِغِ إذَا أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَحَلَّلَهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عَنْ ذَلِكَ إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ، أَوْ عَتَقَ وَيُقَدِّمُهُ عَلَى
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ وَيَعْصِي بِتَأْخِيرِهِ) أَيْ: مَعَ كَوْنِهِ أَدَاءً (قَوْلُهُ: لَا زَائِدَ عَلَيْهِ) أَيْ: مِنْ تَمْيِيزٍ، أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِمَا) كَوَصِيٍّ (قَوْلُهُ: أَيْ: إدْخَالُهُ فِي الْإِحْرَامِ)، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِإِحْرَامِ الْوَلِيِّ عَنْهُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يُجَرِّدَهُ وَيَنْوِيَ إدْخَالَهُ فِي الْإِحْرَامِ أَيْ: فَيَكُونُ إحْرَامُهُ عَنْهُ فِي حَالِ تَجْرِيدِهِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ إنَّمَا يَنْعَقِدُ بِنِيَّةٍ مَعَ قَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ تَعَلُّقًا بِهِ وَكَأَنَّهُمْ جَعَلُوا تَجْرِيدَهُ كَالتَّوَجُّهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ مُحْرِمًا وَلَا أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ وَيَكُونُ كُلٌّ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْحَرَمِ هُنَا مَكَّةُ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمِيقَاتَ حَلَالًا رِفْقًا بِهِ وَخَوْفًا مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ يَحْصُلُ بِتَجْرِيدِهِ قُرْبَ الْحَرَمِ مَا ذَكَرَ مِنْ الضَّرَرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ الْإِحْرَامَ عَنْهُ وَالتَّجْرِيدَ إلَى دُخُولِ الْحَرَمِ كَمَا أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَحْصُلُ بِتَجْرِيدِهِ الضَّرَرُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَنْهُ بِغَيْرِ تَجْرِيدٍ وَيَفْدِي كَمَا فِي شَرْحِ شب.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ لِمَالِكٍ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنَّمَا خَصَّهُ لِلْخِلَافِ فِيهِ (قَوْلُهُ: لَا مَغْمِيٍّ عَلَيْهِ) ثُمَّ إنْ لَمْ يُفِقْ إلَّا بَعْدَ زَمَنِ الْحَجِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَفَاقَ فِي زَمَنٍ يُدْرِكُ الْوُقُوفَ فِيهِ أَحْرَمَ وَأَدْرَكَهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِي عَدَمِ رُجُوعِهِ إلَى الْمِيقَاتِ (قَوْلُهُ: أَيْ: فَيُحْرِمُ الْوَلِيُّ عَنْ الْمُطْبِقِ) وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ إذْ ذَاكَ لَمْ يَكُنْ الْحَجُّ فَرْضًا عَلَيْهِ فَلَوْ أَفَاقَ الْمُطْبِقُ بَعْدَ إدْخَالِهِ فِي الْإِحْرَامِ فَالظَّاهِرُ لُزُومُهُ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ رَفْضُهُ وَتَجْدِيدُ إحْرَامٍ بِالْفَرْضِ لِعَدَمِ رَفْضِهِ بِالنِّيَّةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَا يَأْتِي مِنْ عَدَمِ رَفْضِهِ بِالنِّيَّةِ فِيمَنْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ.
(قَوْلُهُ يُرْجَى زَوَالُهُ بِالْقُرْبِ) أَيْ: الشَّأْنُ ذَلِكَ فَلَا يُنْتَقَضُ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْإِغْمَاءُ طَوِيلًا (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَفَاقَ) أَيْ: الْمَغْمِيُّ عَلَيْهِ لَا الْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ الْعِبْرَةُ بِإِحْرَامِ الْوَلِيِّ عَنْهُ فَلَا يَرْفُضُهُ الْمَجْنُونُ إنْ أَفَاقَ (قَوْلُهُ: بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ بِهِ) أَيْ: إنْ كَانُوا تَعَدَّوْا وَأَحْرَمُوا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُحْرِمُوا عَنْ الْمَغْمِيِّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هَذَا بَعْدَ الْوُقُوعِ (قَوْلُهُ: لَمْ يُجْزِهِ) أَيْ: الْمَغْمِيَّ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَحَجُّهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقَعُ فَرْضًا كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ) أَطْلَقَ الْعِبَارَةَ، وَفِي عب نَقْلًا عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ هَذَا فِي الْمُنَاهِزِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَقُرْبَ الْحَرَمِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزِ.
(تَنْبِيهٌ) : إذَا أُذِنَ لِلْمُمَيِّزِ الْحُرِّ، أَوْ الرَّقِيقِ بَالِغًا أَوْ لَا وَأَرَادَ مَنْعَهُ قَبْلَ إحْرَامِهِ فَفِي الشَّامِلِ لَيْسَ لِسَيِّدٍ مَنْعُ عَبْدٍ أُذِنَ لَهُ
الْفَرْضِ، فَإِنْ قُدِّمَ حَجُّ الْفَرْضِ صَحَّ وَمِثْلُ الْعَبْدِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ لِمَا حَلَّلَهُ مِنْهُ الْمَرْأَةُ إذَا حَلَّلَهَا زَوْجُهَا مِمَّا أَحْرَمَتْ بِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ لَحِقِّهِمَا وَالْحَجْرُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ لِحَقِّ غَيْرِهِمَا.
(ص) وَأَمَرَهُ مَقْدُورَهُ وَإِلَّا نَابَ عَنْهُ إنْ قَبِلَهَا كَطَوَافٍ لَا كَتَلْبِيَةٍ وَرُكُوعٍ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْوَلِيَّ يَأْمُرُ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ بِأَنْ يَأْتِيَ بِجَمِيعِ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَأَقْوَالِهِ مِنْ طَوَافٍ وَسَعْيٍ وَرُكُوعٍ وَتَلْبِيَةٍ وَتَجَرُّدٍ وَرَمْيٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ أَوْ عَلَى بَعْضِهِ فَإِنَّ الْوَلِيَّ يَنُوبُ فِيمَا عَجَزَ عَنْهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الَّذِي عَجَزَ عَنْهُ الصَّبِيُّ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ، وَلَا يَكُونُ إلَّا فِعْلًا فَيَطُوفُ عَنْهُ وَيَسْعَى وَيَرْمِي الْجِمَارَ، وَأَمَّا مِثْلُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ أَوْ الْإِحْرَامِ أَوْ التَّلْبِيَةِ أَوْ التَّجَرُّدِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ (ص) وَأَحْضَرَهُمْ الْمَوَاقِفَ (ش) أَيْ وَأَحْضَرَ الْوَلِيُّ الرَّضِيعَ وَالْمُطْبِقَ وَالصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ وَالْمَغْمِيَّ عَلَيْهِ إذَا طَرَأَ إغْمَاؤُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ الْمَوَاقِفَ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى، وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ عَرَفَةَ وَإِلَّا فَهُوَ وَاجِبٌ، وَأَمَّا الْوَلِيُّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْوُقُوفُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ مِنًى مِنْ الْمَوَاقِفِ؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ فِيهَا الْوُقُوفَ أَثَرَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى قَوْلُهُ الْمَوَاقِفَ فِيهِ تَغْلِيبٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْقِفَ لَا يَتَعَدَّدُ، وَلَوْ قَالَ الْمَشَاهِدَ كَانَ أَحْسَنَ أَيْ: الْمَشَاهِدَ الَّتِي يُطْلَبُ فِيهَا الْحُضُورُ كَعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى.
(ص) وَزِيَادَةُ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ إنْ خِيفَ ضَيْعَةٌ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا أَخَذَ الصَّبِيَّ الَّذِي فِي حِجْرِهِ مَعَهُ إلَى الْحِجَازِ فَإِنَّ نَفَقَةَ الصَّبِيِّ تَكُونُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ كَانَتْ نَفَقَةُ السَّفَرِ مِثْلَ الْحَضَرِ فَلَا كَلَامَ أَيْ: لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، وَإِنْ زَادَتْ نَفَقَةُ السَّفَرِ عَلَى الْحَضَرِ فَالزَّائِدُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ إنْ كَانَ يَخْشَى الْوَلِيُّ عَلَى الصَّبِيِّ الضَّيَاعَ لَوْ تَرَكَهُ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ مِنْ مَصَالِحِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيَاعَ إذَا سَافَرَ وَلِيُّهُ وَتَرَكَهُ فَزِيَادَةُ نَفَقَةِ الصَّبِيِّ حِينَئِذٍ عَلَى الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ) أَيْ:، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ إذَا تَرَكَهُ وَسَافَرَ بِهِ فَزِيَادَةُ النَّفَقَةِ عَلَى وَلِيِّهِ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْحَجِّ بِهَذَا، بَلْ حَيْثُ سَافَرَ الْوَلِيُّ بِصَبِيٍّ، أَوْ مَجْنُونٍ فَيُفَصَّلُ فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فِي مَالِهِ لِيُشْعِرَ بِأَنَّ هُنَاكَ مَالًا وَإِلَّا فَعَلَى وَلِيِّهِ، وَلَا تَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ خِلَافًا لِمَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ لَفْظِهِ (ص) كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةٍ بِلَا ضَرُورَةٍ (ش) التَّشْبِيهُ بِمَا بَعْدَ إلَّا وَالْمَعْنَى: أَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ الَّذِي صَادَهُ الصَّبِيُّ مُحْرِمًا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ لَازِمٌ لِوَلِيِّهِ، سَوَاءٌ خَافَ الْوَلِيُّ عَلَى الصَّغِيرِ الضَّيْعَةَ، أَوْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَكَذَا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ غُرْمُ الْفِدْيَةِ اللَّازِمَةِ لِلصَّبِيِّ لِلُبْسٍ، أَوْ طِيبٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ خَافَ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ أَمْ لَا عَلَى الْأَشْهَرِ عِنْدَ مَالِكٍ مِنْ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ وَصَدَّرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْفِدْيَةِ لَزِمَتْ الصَّبِيَّ لِضَرُورَةٍ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ أَدْخَلَهُ فِي عُهْدَتِهِ بِإِحْجَاجِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهَا وَحِينَئِذٍ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَقَوْلُنَا: الَّذِي صَادَهُ الصَّبِيُّ مُحْرِمًا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا صَادَهُ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يُفَصَّلُ فِيهِ تَفْصِيلَ زِيَادَةِ النَّفَقَةِ كَمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ إذْ لَا تَأْثِيرَ لِلْإِحْرَامِ فِيهِ.
(ص)
ــ
[حاشية العدوي]
وَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ عَلَى الْأَظْهَرِ وَلِأَبِي الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ لَهُ مَنْعُهُ قَبْلَ إحْرَامِهِ لَا بَعْدَهُ.
(أَقُولُ) : هُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الِاعْتِكَافِ، وَانْظُرْ مُحَشِّي تت (قَوْلُهُ الْمَرْأَةُ إذَا حَلَّلَهَا زَوْجُهَا) أَيْ: مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ إلَخْ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ: الْمُمَيِّزُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا نَابَ عَنْهُ فِي خُصُوصِ الْمُمَيِّزِ وَفِي عب وشب وَإِلَّا يَكُنْ مَقْدُورُهُ بِأَنْ عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ، أَوْ لَمْ يَكُنْ مُمَيِّزًا، أَوْ كَانَ مُطْبِقًا ثُمَّ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرًا فَإِنَّ حَقِيقَةَ النِّيَابَةِ أَنْ يَأْتِيَ النَّائِبُ بِالْفِعْلِ دُونَ الْمَنُوبِ عَنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إنْ أَمْكَنَ فِعْلُهُ بِهِ فَعَلَهُ بِهِ كَطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَوُقُوفٍ بِعَرَفَةَ وَغَيْرِهَا فَهُوَ مُشَارِكٌ لَهُ لَا نَائِبٌ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فِعْلُهُ بِهِ فَعَلَهُ الْوَلِيُّ إنْ قَبِلَ النِّيَابَةَ كَرَمْيٍ وَذَبْحٍ كَمَا قَالَهُ عج.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ) اعْتَرَضَ ذَلِكَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى تت بِأَنَّ الصَّوَابَ أَنْ يَقُولَ: الْعَيْنِيَّةِ أَيْ: الَّتِي نُظِرَ فِيهَا لِعَيْنِ الْفَاعِلِ وَخُصُوصِهِ وَإِلَّا فَالْكُلُّ أَعْمَالٌ بَدَنِيَّةٌ يَعْنِي: مُقَابِلَةَ الْقَلْبِيِّ (قَوْلُهُ: إذَا طَرَأَ إغْمَاؤُهُ) وَأَمَّا قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُحْرِمُ عَنْهُ الْوَلِيُّ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ الْمَغْمِيُّ عَلَيْهِ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْوَلِيُّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْوُقُوفُ) أَيْ: بِعَرَفَةَ أَيْ: بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَنْ ذُكِرَ فَإِنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ بِهِ وَاجِبٌ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِالنَّفْسِ
(قَوْلُهُ وَزِيَادَةُ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ) أَيْ: الَّتِي يَحْتَاجُ لَهَا الْمَحْجُورُ صَبِيًّا أَوْ غَيْرَهُ فِي السَّفَرِ، وَلَوْ لِحَمْلِهِ لَا خُصُوصَ مَا يَأْكُلُهُ، أَوْ يَلْبَسُهُ (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) أَيْ: الْمَحْجُورُ جَمَعَ الضَّمِيرَ فِي أَحْضَرَهُمْ وَأَفْرَدَ هُنَا وَالْمُرَادُ فِي الْمَحَلَّيْنِ الْمَحْجُورُ الشَّامِلُ تَفَنُّنًا.
(قَوْلُهُ: إنْ خِيفَ ضَيْعَةٌ) اُنْظُرْ هَلْ بِنَاؤُهُ لِلْمَفْعُولِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ مُجَرَّدَ خَوْفِ خَائِفٍ مَا كَانَ الْوَلِيُّ أَوْ غَيْرُهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَخَفْ الْوَلِيُّ الضَّيْعَةَ وَخَافَ غَيْرَهُ مِنْ النَّاسِ مِنْ أَرْبَابِ الْمَعْرِفَةِ فَالْعِبْرَةُ بِخَوْفِ الْغَيْرِ وَلَا عِبْرَةَ بِخَوْفِهِ، أَوْ بِالْعَكْسِ فَالْعِبْرَةُ بِخَوْفِ الْوَلِيِّ وَلَا عِبْرَةَ بِخَوْفِ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ، أَوْ الْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ خَوْفَ الْوَلِيِّ وَحْدَهُ لَا يَكْفِي وَلَا بُدَّ مِنْ مُوَافَقَةِ الْغَيْرِ لَهُ عَلَى الْخَوْفِ مِنْ النَّاسِ مِنْ أَرْبَابِ الْمَعْرِفَةِ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا اُنْظُرْ اللَّقَانِيِّ (قَوْلُهُ: ضَيْعَةٌ) الْمُرَادُ الْهَلَاكُ، أَوْ مَا يَخْتَلُّ حَالُهُ بِهِ وَمِنْ ذَلِكَ مُعَاشَرَةُ أَهْلِ الْفَسَادِ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا كَافِلَ لَهُ سِوَى مَنْ سَافَرَ بِهِ وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: إنْ خِيفَ ضَيْعَةٌ.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْأَشْهَرِ عِنْدَ مَالِكٍ مِنْ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ) الْأَوَّلُ: التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ خَافَ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ فَالْفِدْيَةُ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ عَلَى الصَّبِيِّ وَإِلَّا فَعَلَى الْوَلِيِّ، وَقِيلَ ذَلِكَ عَلَى الْوَلِيِّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ خَافَ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ فِي تَرْكِهِ فَقَدْ أَدْخَلَهُ فِي الْإِحْرَامِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَقِيلَ عَلَى الصَّبِيِّ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا صَادَهُ فِي الْحَرَمِ) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ مُحْرِمًا أَمْ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ
وَشَرْطُ وُجُوبِهِ كَوُقُوعِهِ فَرْضًا حُرِّيَّةٌ وَتَكْلِيفٌ (ش) قَدْ عَلِمْت مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَصِحَّتُهُمَا بِالْإِسْلَامِ أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ هُنَا أَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالتَّكْلِيفَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ فَلَا يَجِبُ عَلَى عَبْدٍ، وَلَا عَلَى مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ مِنْ مُكَاتَبٍ وَمُبَعَّضٍ، وَلَوْ قَلَّ جُزْؤُهُ وَنَحْوِهِمَا، وَلَا عَلَى صَبِيٍّ، وَلَوْ مُرَاهِقًا، وَمَجْنُونٍ وَضَعِيفِ عَقْلٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَعْتُوهِ فِي كَلَامِ بَعْضٍ، وَلَا يَقَعُ مِنْهُمْ فَرْضًا، وَلَوْ نَوَوْهُ نَعَمْ يَصِحُّ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَقَوْلُهُ:(وَقْتَ إحْرَامِهِ) وَمَا بَعْدَهُ رَاجِعٌ لِمَا بَعْدَ الْكَافِرِ وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالتَّكْلِيفَ إنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي وُقُوعِهِ فَرْضًا وَقْتَ الْإِحْرَامِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ حُرًّا، أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ وَقْتَهُ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ الْفَرْضُ، وَلَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ، أَوْ كُلِّفَ الصَّبِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَصَحَّ نَفْلًا، وَلَا يَنْقَلِبُ فَرْضًا، وَلَا يُرْتَفَضُ إحْرَامُهُ وَلَا يُجْزِيهِمْ إرْدَافُ إحْرَامٍ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ:(بِلَا نِيَّة نَفْلٍ) قَالَ بَعْضٌ حَالٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ مِمَّاذَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ الْمُضَافِ أَيْ إحْرَامٍ أَيْ: شَرْطُ وُقُوعِ الْحَجِّ فَرْضًا حُرِّيَّةٌ وَتَكْلِيفٌ وَقْتَ إحْرَامِهِ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الْإِحْرَامِ خَالِيًا مِنْ نِيَّةِ نَفْلٍ بِأَنْ نَوَى الْفَرْضَ، أَوْ الْحَجَّ، أَوْ أَطْلَقَ، وَيَنْصَرِفُ لِلْفَرْضِ قَالَهُ سَنَدٌ فَلَوْ نَوَى النَّفَلَ لَمْ يَقَعْ عَنْ الْفَرْضِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَيُكْرَهُ تَقَدُّمُ النَّفْلِ، وَكَذَا النَّذْرُ عَلَى الْفَرْضِ قَالَ بَعْضٌ: وَلَوْ قَرَنَ نِيَّةَ النَّفْلِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا قَالَ آخَرُ، وَهُوَ فِي عُهْدَةِ هَذِهِ وَلَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِ.
(ص) وَوَجَبَ بِاسْتِطَاعَةٍ (ش) تَقَدَّمَ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالتَّكْلِيفَ كُلٌّ مِنْهُمَا شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِطَاعَةُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهِ، ثُمَّ أَبْدَلَ مِنْ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ، قَوْلُهُ (بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ) بَدَلُ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ رَاجِلًا، أَوْ رَاكِبًا بِشِرَاءٍ أَوْ كِرَاءٍ، وَقَوْلُهُ:(بِلَا مَشَقَّةٍ عَظُمَتْ) هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: فِي مَنْسَكِهِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَادِحَةٍ بِالْفَاءِ وَالدَّالِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ: ثَقِيلَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ فَدَحَهُ الدَّيْنُ إذَا أَثْقَلَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِمُطْلَقِ الْمَشَقَّةِ فَإِنَّ السَّفَرَ لَا يَخْلُو عَنْهَا، وَلِذَلِكَ رُخِّصَ لِلْمُسَافِرِ الْقَصْرُ وَالْفِطْرُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ: وَاسْتِطَاعَةٌ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى " حُرِّيَّةٌ " لِاقْتِضَائِهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي وُقُوعِهِ فَرْضًا الِاسْتِطَاعَةُ كَمَا أَنَّهَا شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ، وَهُوَ فَاسِدٌ إذْ لَوْ تَكَلَّفَهُ غَيْرُ الْمُسْتَطِيعِ وَقَعَ فَرْضًا، وَقَوْلُهُ بِإِمْكَانٍ إلَخْ أَيْ: إمْكَانًا عَادِيًا فَمَنْ أَمْكَنَهُ الْوُصُولُ بِطَيَرَانٍ وَنَحْوِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَوْ فَعَلَهُ أَجْزَأَهُ وَحَيْثُ فَسَّرَ الِاسْتِطَاعَةَ بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ دَخَلَ فِيهِ إمْكَانُ السَّيْرِ وَأَمْنُ الطَّرِيقِ فَقَوْلُهُ (وَأَمِنَ عَلَى نَفْسٍ وَمَالٍ) مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ مِنْ لُصُوصٍ جَمْعُ لِصٍّ، مُثَلَّثُ اللَّامِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ السَّارِقُ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الْمُحَارِبُ، أَمَّا السَّارِقُ الَّذِي يَنْدَفِعُ بِالْحِرَاسَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَجُّ قَالَهُ بَعْضٌ (ص) إلَّا لِأَخْذِ ظَالِمٍ مَا قَلَّ لَا يَنْكُثُ (ش) مُسْتَثْنًى مِنْ مَفْهُومِ مَالٍ أَيْ:، فَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ عَلَى الْمَالِ سَقَطَ إلَّا لِأَخْذِ ظَالِمٍ لِصٍّ، أَوْ عَشَّارٍ مَا قَلَّ أَيْ: لَا يُجْحِفُ وَيَقِفُ عِنْدَ قَوْلِهِ:، وَلَا يَعُودُ إلَى الْأَخْذِ ثَانِيًا فَلَا يَسْقُطُ الْحَجُّ عَلَى الْأَظْهَرِ مِنْ قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ فَقَوْلُهُ (عَلَى الْأَظْهَرِ) رَاجِعٌ إلَى مَا أَفْهَمَهُ الِاسْتِثْنَاءُ، وَهُوَ عَدَمُ سُقُوطِ الْحَجِّ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ لَا إلَى قَيْدِ عَدَمِ النَّكْثِ لِمَا عَلِمْت مِنْ السُّقُوطِ مَعَ النَّكْثِ بِلَا خِلَافٍ، وَقَوْلُهُ: لَا يَنْكُثُ أَيْ: عَلِمَ
ــ
[حاشية العدوي]
فِي عِبَارَةِ شب
. (قَوْلُهُ وَشَرْطُ وُجُوبِهِ حُرِّيَّةٌ وَتَكْلِيفٌ) وَاسْتِطَاعَةٌ كَمَا سَيَقُولُ وَوَجَبَ بِاسْتِطَاعَةٍ فَالِاسْتِطَاعَةُ إنَّمَا هِيَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ لَا فِي الْوُقُوعِ فَرْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَهُ غَيْرُ الْمُسْتَطِيعِ لَوَقَعَ فَرْضًا (قَوْلُهُ: حَالٌ مِنْ الْمُضَافِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَالشَّرْطُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ، أَوْ مِثْلِ جُزْئِهِ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ مُحَشِّي تت اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ شُرُوطَ الْوُجُوبِ ثَلَاثَةٌ فَقَطْ: الْحُرِّيَّةُ، وَالتَّكْلِيفُ، وَالِاسْتِطَاعَةُ وَهَكَذَا عَدَّهَا فِي الْجَوَاهِرِ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَزَادَ الْإِسْلَامَ وَنُوزِعَ فِيهِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَيُدْخِلُ فِي كَلَامِهِ السَّفِيهَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَمْ أَرَ مَنْ اشْتَرَطَ فِي الْوُجُوبِ الرُّشْدَ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: اتَّفَقَ الْأَرْبَعَةُ عَلَى أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ كَغَيْرِهِ مِنْ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ الْمَالُ، بَلْ يَصْحَبُهُ الْوَلِيُّ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يَنْصِبَ فِيمَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ السَّفِيهِ مَنْ يُنْفِقُ اُنْظُرْ مُحَشِّي تت (قَوْلُهُ: أَوْ أَطْلَقَ إلَخْ) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ بِأَوْ وَالْمُنَاسِبُ الْوَاوُ أَيْ: وَأَطْلَقَ أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ أَطْلَقَ (قَوْلُهُ: لَمْ يَقَعْ عَنْ الْفَرْضِ) أَيْ: وَالْفَرْضُ بَاقٍ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: بِشِرَاءٍ، أَوْ كِرَاءٍ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الرَّاحِلَةِ فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ: بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ بَدَلَ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ، بَلْ بَدَلَ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: أَيْ: ثَقِيلَةٍ عَظِيمَةٍ) أَيْ: خَرَجَتْ عَنْ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّخْصِ (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ) أَيْ: كَأَنْ يَحْمِلَهُ جَانٌّ (قَوْلُهُ: وَحَيْثُ فَسَّرَ الِاسْتِطَاعَةَ بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ: بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ لِلتَّصْوِيرِ فَيُنَافِي قَوْلَهُ أَوَّلًا " بَدَلَ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ "، وَقَوْلُهُ دَخَلَ فِيهِ أَيْ: فِي قَوْلِهِ: بِاسْتِطَاعَةٍ وَقَوْلُهُ: مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ أَيْ: عَلَى قَوْلِهِ: بِاسْتِطَاعَةٍ (قَوْلُهُ: أَوْ عَشَّارٍ) أَيْ: مَكَّاسٍ يَأْخُذُ الْعُشْرَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ يَأْخُذُ الْعُشْرَ (قَوْلُهُ وَيَقِفُ عِنْدَ قَوْلِهِ:) أَيْ: يَقِفُ عِنْدَ قَوْلِهِ: آخُذُ هَذَا الْمِقْدَارَ لَا غَيْرَهُ أَيْ: وَعُلِمَ مِنْهُ ذَلِكَ عَادَةً كَمَا يُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: ظَالِمٍ مِنْ أَخْذِ الدَّالِّ عَلَى الطَّرِيقِ أُجْرَةً مِنْ الْمُسَافِرِينَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَلَيْسَ فِيهِ تَفْصِيلُ الظَّالِمِ وَيَكُونُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ الْمُسَافِرِينَ دُونَ أَمْتِعَتِهِمْ إذْ مَنْ مَعَهُ دَوَابُّ وَلَوْ كَثُرَتْ؛ كَالْمُجَرَّدِ مِنْهَا فِي انْتِفَاعِهِمَا بِهِ، وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ عَدَدِ رُءُوسِ التَّابِعِينَ لَا الْمَتْبُوعِينَ فَقَطْ وَإِذَا جَرَى عُرْفٌ بِشَيْءٍ عَمِلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالشَّرْطِ اُنْظُرْ عب.
(قَوْلُهُ: لِمَا عَلِمْت إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ وَوَجْهُ مَا قَالَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ رَاجِعًا لِقَيْدِ عَدَمِ النَّكْثِ لَكَانَ الْمَعْنَى أَيْ: أَنَّ أَخْذَ الظَّالِمِ الْقَلِيلَ الَّذِي لَا يَنْكُثُ عَلَى الْأَظْهَرِ لَا يُسْقِطُ الْحَجَّ يَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ هُنَاكَ خِلَافَ الْأَظْهَرِ يَقُولُ بِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ يَنْكُثُ لَا يَسْقُطُ الْحَجُّ مَعَ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَنْكُثُ يَسْقُطُ الْحَجُّ اتِّفَاقًا
مِنْهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ أَنَّهُ لَا يَنْكُثُ، وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَنْكُثُ، أَوْ جَهِلَ، أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ سَقَطَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ فِي الشَّكِّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَوْلُهُ: مَا قَلَّ أَيْ: بِالنِّسْبَةِ لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ بِكَوْنِهِ لَا يُجْحِفُ بِهِ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ نَحْوُ مَا لِلَّخْمِيِّ اُنْظُرْ ح.
(ص)، وَلَوْ بِلَا زَادٍ وَرَاحِلَةٍ (ش) أَيْ: أَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ، وَلَوْ كَانَ الْمُكَلَّفُ لَا زَادَ مَعَهُ إذَا كَانَ لَهُ حِرْفَةٌ تَقُومُ بِهِ لَا تُزْرِي بِحَالِهِ وَيَعْلَمُ أَوْ يَظُنُّ عَدَمَ كَسَادِهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(لِذِي صَنْعَةٍ تَقُومُ بِهِ) ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ الْحَجُّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَا رَاحِلَةَ لَهُ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَقَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ) وَظَاهِرُهُ كَاللَّخْمِيِّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا لَهُ وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالْبَاجِيُّ اعْتِبَارَهُ (ص) كَأَعْمَى بِقَائِدٍ (ش) أَيْ: وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْأَعْمَى الْقَادِرِ عَلَى الْمَشْيِ إذَا وَجَدَ قَائِدًا؛ لِأَنَّهُ بِهِ كَالْبَصِيرِ حَيْثُ كَانَ لَهُ مَالٌ يُوَصِّلُهُ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى كَأَقْطَعَ وَأَشَلَّ وَأَعْرَجَ فِي يَدٍ، أَوْ رِجْلٍ، أَوْ فِيهِمَا وَأَصَمَّ وَأَعْمَى بِقَائِدٍ، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يُوَصِّلُهُ اللَّخْمِيُّ أَوْ كَانَ يَتَكَفَّفُ (ص) وَإِلَّا اُعْتُبِرَ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ مِنْهُمَا (ش) تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ، وَلَوْ كَانَ الْمُكَلَّفُ لَا زَادَ مَعَهُ، وَلَا رَاحِلَةَ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ وَلَهُ صَنْعَةٌ تَقُومُ بِهِ فِي سَفَرِهِ؛ لِأَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى الْمَشْيِ تَقُومُ مَقَامَ الرَّاحِلَةِ وَصَنْعَتُهُ تَقُومُ مَقَامَ الزَّادِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَشْيِ، وَلَا زَادَ مَعَهُ أَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ حِينَئِذٍ، فَقَوْلُهُ: اُعْتُبِرَ أَيْ: فِي جَانِبِ السُّقُوطِ، وَالضَّمِيرُ الْمُثَنَّى يَرْجِعُ لِلزَّادِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَلِلرَّاحِلَةِ، وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا.
(ص)، وَإِنْ بِثَمَنِ وَلَدِ زِنًا أَوْ مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ (ش) هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ فَهِيَ مُبَالَغَةٌ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ يَعْنِي: أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا لَمْ يَجِدْ مَعَهُ مَا يَحُجُّ بِهِ إلَّا ثَمَنَ وَلَدِ الزِّنَا مِنْ أَمَتِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِذَلِكَ، وَيَجُوزُ عِتْقُهُ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَبُّ خِلَافَهُ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ إذَا لَمْ يَجِدْ مَعَهُ إلَّا مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ عِنْدَ التَّفْلِيسِ مِنْ رَبْعٍ وَمَاشِيَةٍ وَثِيَابٍ، وَلَوْ لِجُمُعَةٍ إنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهَا وَخَادِمِهِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ، وَلَوْ مُحْتَاجًا إلَيْهَا وَمُصْحَفٍ وَآلَةِ الصَّانِعِ عَلَى أَحَدِ التَّرَدُّدَيْنِ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ إلَّا مِقْدَارُ مَا يَحُجُّ بِهِ فَقَطْ وَلَا يُرَاعَى مَا يَئُولُ أَمْرُهُ وَأَمْرُ أَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ إلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرُهُ إلَى اللَّهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(أَوْ بِافْتِقَارِهِ) أَيْ: يَصِيرُ بَعْدَ الْحَجِّ فَقِيرًا لَا يَمْلِكُ شَيْئًا (أَوْ تَرَكَ وَلَدَهُ) أَيْ: وَنَحْوَهُ (لِلصَّدَقَةِ)، وَقَوْلُهُ:(إنْ لَمْ يَخْشَ هَلَاكًا) قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى الْفَوْرِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي فَلَا إشْكَالَ فِي تَبْدِئَةِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ، وَحُكْمُ نَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ حُكْمُ نَفَقَةِ الِابْنِ، وَأَمَّا نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ فَتُقَدَّمُ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي وَيُقَدَّمُ الْحَجُّ عَلَيْهَا عَلَى مُقَابِلِهِ وَلَوْ خَشِيَ التَّطْلِيقَ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ مِنْ فِرَاقِهَا فِيهَا، أَوْ فِي غَيْرِهَا.
(ص) لَا بِدَيْنٍ أَوْ عَطِيَّةٍ، أَوْ سُؤَالٍ مُطْلَقًا (ش) لَمَّا ذَكَرَ أَسْبَابَ الِاسْتِطَاعَةِ ذَكَرَ مُقَابِلَهَا هُنَا وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَجُّ بِالِاسْتِطَاعَةِ بِدَيْنٍ أَوْ بِقَبُولِ عَطِيَّةٍ، أَوْ سُؤَالٍ، أَمَّا الدَّيْنُ فَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَقْضِيهِ بِهِ، أَوْ كَانَ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَيْهِ لِبُعْدِهِ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِهِ، وَفِي كَلَامِ تت نَظَرٌ، وَأَمَّا الْعَطِيَّةُ فَلِأَنَّ فِيهَا مِنَّةً
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَنْكُثُ) قَالَ فِي ك: وَمِثْلُ النُّكُوثِ إذَا تَعَدَّدَ الظَّالِمُ (قَوْلُهُ: أَوْ جُهِلَ حَالُهُ أَوْ شَكَّ) لَا شَكَّ أَنَّ جَهْلَ الْحَالِ فِي الْمَقَامِ يَرْجِعُ لِلشَّكِّ
. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِلَا زَادٍ إلَخْ) أَشَارَ بِلَوْ لِرَدِّ قَوْلِ سَحْنُونَ، وَمَنْ وَافَقَهُ بِاشْتِرَاطِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ (قَوْلُهُ: وَقَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ) تَحْقِيقًا، أَوْ ظَنًّا (قَوْلُهُ: كَأَعْمَى بِقَائِدٍ) أَيْ: ذَكَرٍ وَيُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا زَادَ مَعَهُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَشْيِ وَلَا صَنْعَةَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي سِيَاقِ نِيَابَةِ النَّائِبِ وَالْمُنَاسِبُ اعْتِبَارُ الْعَجْزِ فِي النَّائِبِينَ أَوْ الْمَنُوبَيْنِ وَقَوْلُهُ: أَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَيْ: الْمَشْيِ، أَوْ الزَّادِ (قَوْلُهُ أَيْ: فِي جَانِبِ السُّقُوطِ) أَيْ: مِنْ حَيْثُ عَجْزُهُ أَيْ: الْعَجْزُ عَنْهُ فَإِنَّ اعْتِبَارَهُ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ إلَّا فِي جَانِبِ السُّقُوطِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ الْمُشْتَقِّ يُؤْذِنُ بِعِلِّيَّةِ مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ
. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَبُّ خِلَافَهُ) أَيْ: الْمُسْتَحَبُّ عَدَمُ عِتْقِهِ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ. (قَوْلُهُ: إلَّا مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: أَوْ بِثَمَنِ وَلَدِ زِنًا فَيَكُونُ، قَوْلُهُ: أَوْ مَا يُبَاعُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْوَاوِ كَعَكْسِهِ لَا بِأَوْ مَعَ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ عَطَفَهُ بِأَوْ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنْ يُقَيَّدَ قَوْلُهُ: أَوْ مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ بِمَا عَدَا وَلَدَ الزِّنَا لِتَقَدُّمِهِ فَهُوَ حِينَئِذٍ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ ك وَلَكِنْ جَوَّزَهُ الدَّمَامِينِيُّ بِأَوْ مُخَالِفًا لِمَا فِي التَّصْرِيحِ مُحْتَجًّا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: صلى الله عليه وسلم «إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا» وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ} [الأنعام: 93] .
(قَوْلُهُ: أَوْ بِافْتِقَارِهِ) إنْ قِيلَ قَيَّدُوا هُنَا بِأَنْ لَا يَخْشَى هَلَاكًا عَلَيْهِمْ وَقَالُوا فِي التَّفْلِيسِ يُؤْخَذُ مَالُهُ وَلَا يُتْرَكُ لَهُ إلَّا مَا يَعِيشُونَ بِهِ الْأَيَّامَ، وَإِنْ خَشِيَ عَلَيْهِمْ الضَّيْعَةَ وَالْهَلَاكَ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَالَ فِي التَّفْلِيسِ مَالٌ لِغُرَمَاءَ، وَالْغُرَمَاءُ لَا يَلْزَمُهُمْ فِي نَفَقَةِ أَوْلَادِهِ إلَّا الْمُوَاسَاةُ كَبَقِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي الْحَجِّ الْمَالُ مَالُهُ وَهُوَ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ مِنْ مَالِهِ (قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ) أَيْ: كَأَبَوَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ، وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ، أَوْ تَرَكَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لَكَانَ أَشْمَلَ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَخْشَ هَلَاكًا) أَيْ: أَوْ شَدِيدَ أَذًى.
(تَنْبِيهٌ) : لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْفِيرُ وَالْجَمْعُ حَتَّى يَصِيرَ مُسْتَطِيعًا
(قَوْلُهُ: أَوْ عَطِيَّةٍ) أَيْ: بِغَيْرِ سُؤَالٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ: أَوْ سُؤَالٌ إلَخْ أَيْ: أَعْطَى لِأَجْلٍ لِحَجٍّ فَإِنْ لَمْ يَحُجَّ لَمْ يُعْطَ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ كَانَتْ عَادَةً بِالْأَخْذِ مِمَّنْ أَعْطَاهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَقْبَلْهَا، وَأَمَّا إنْ أَعْطَى وَقَبِلَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، سَوَاءٌ أَعْطَى لِأَجْلِ الْحَجِّ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ أَوَّلًا (قَوْلُهُ: وَفِي كَلَامِ تت نَظَرٌ) أَيْ:؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ فَقَدْ قَالَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَهُ؛ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ لَهُ جِهَةٌ، أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ فِي الْأُولَى وَعَلَى الْمَشْهُورِ فِي الثَّانِيَةِ
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ عَدَمُ اللُّزُومِ بِالْعَطِيَّةِ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ الِابْنِ لِأَبِيهِ، وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي سُورَةِ آلَ عِمْرَانَ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ فِيهِ سُقُوطَ حُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ إذْ قَدْ يُقَالُ قَدْ جَزَّأَهُ، وَقَدْ وَفَّاهُ وَقَطَعَ سَنَدٌ بِلُزُومِ ذَلِكَ لِلْوَالِدِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ قَالَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْ كَسْبِهِ لَا مِنَّةَ لَهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَالَ بَعْضٌ وَفِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ مَيْلٌ إلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا السُّؤَالُ فَلَا يَلْزَمُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ عَادَتُهُ السُّؤَالَ بِبَلَدِهِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ كَانَتْ الْعَادَةُ الْإِعْطَاءَ، أَوْ لَا، وَهُوَ مَعْنَى الْإِطْلَاقِ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ خِلَافُ مَا ارْتَضَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَرَجَّحَ مَا لِابْنِ عَرَفَةَ (هـ) فِي شَرْحِهِ فَقَالَ: وَدَخَلَ فِي الْإِطْلَاقِ مَنْ عَادَتُهُ السُّؤَالُ فِي الْحَضَرِ وَيُعْطِي فِي السَّفَرِ إذَا سَافَرَ مَا يَكْفِيهِ إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ ظَنَّهُ وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْوُجُوبُ حَيْثُ قَدَرَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ.
وَقَدْ اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَيْهِ فَقَالَ وَقُدْرَةُ سَائِلٍ بِالْحَضَرِ عَلَى سُؤَالِ كِفَايَتِهِ بِالسَّفَرِ اسْتِطَاعَةٌ (ص) وَاعْتُبِرَ مَا يَرُدُّ بِهِ إنْ خَشِيَ ضَيَاعًا (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِطَاعَةِ مَا يَصِلُ بِهِ فَقَطْ وَلَا يُعْتَبَرُ مَا يَرْجِعُ بِهِ إلَّا إذَا خَشِيَ إنْ بَقِيَ ضَاعَ فَيُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ رُجُوعُهُ إلَى حَيْثُ يَنْتَفِي ذَلِكَ عَنْهُ، فَقَوْلُهُ: اُعْتُبِرَ مَا يَرُدُّ بِهِ أَيْ: إلَى أَقْرَبِ مَكَان يُمْكِنُهُ التَّمَعُّشُ فِيهِ بِمَا لَا يُزْرِي بِهِ مِنْ الْحِرَفِ.
(ص) وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَطَبُهُ (ش) يَعْنِي: أَنَّ السَّفَرَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مُسْتَطِيعِهِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْن الْبَحْرِ وَالْبَرِّ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ عَطَبُهُ فِي نَفْسٍ، أَوْ مَالٍ وَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَذَا الشَّأْنِ فَمَا قَالُوا فِيهِ يَغْلِبُ الْعَطَبُ امْتَنَعَ رُكُوبَهُ، فَإِنْ قُلْت: لَا فَائِدَةَ لِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَطَبُهُ مَعَ قَوْلِهِ: سَابِقًا وَأَمِنَ عَلَى نَفْسٍ وَمَالٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ قُلْت فَائِدَتُهُ إفَادَةُ بَيَانِ أَنَّ مَا تَسَاوَى السَّلَامَةُ فِيهِ مَعَ الْعَطَبِ لَيْسَ خَارِجًا عَنْ قَوْلِهِ: وَأَمِنَ عَلَى نَفْسٍ وَمَالٍ، بَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، أَوْ نَقُولُ فَائِدَتُهُ بَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْنِ فِي الْبَحْرِ أَنْ لَا يَغْلِبَ عَطَبُهُ لَا إنْ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ عَطَبٌ (ص)، أَوْ يُضَيِّعَ رُكْنَ صَلَاةٍ لِكَمَيْدٍ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى يَغْلِبَ يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا خَافَ أَنْ يُضَيِّعَ رُكْنَ صَلَاةٍ بِأَنْ يَخْشَى إذَا قَامَ أَدْرَكَهُ الْمَيْدُ أَيْ: الدَّوْخَةُ فَلَا يَرْكَبُهُ، وَكَذَا إذَا خَافَ تَضْيِيعَ شَرْطٍ كَصَلَاتِهِ بِالنَّجَاسَةِ لِعَدَمِ الْمَاءِ، وَيَضِيعُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ ثُلَاثِيًّا مُخَفَّفًا وَبِضَمِّهِ وَتَشْدِيدِ ثَالِثِهِ فَيُرْفَعُ رُكْنُ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْفَاعِلِيَّةِ، وَيُنْصَبُ عَلَى الثَّانِي بِالْمَفْعُولِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: لِكَمَيْدٍ، أَوْ ضِيقِ مَكَان لَا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ فِيهِ إلَّا عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ.
(ص) وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ إلَّا فِي بَعِيدِ مَشْيٍ وَرُكُوبِ بَحْرٍ إلَّا أَنْ تُخَصَّ بِمَكَانٍ (ش) يَعْنِي: أَنَّ حُكْمَ الْمَرْأَةِ فِي تَعَلُّقَاتِ الْحَجِّ حُكْمُ الرَّجُلِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ الْحَجِّ وَسُنِّيَّةِ الْعُمْرَةِ مَرَّةً وَالْفَوْرِيَّةِ وَالتَّرَاخِي وَشُرُوطِ الصِّحَّةِ وَالْوُجُوبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِدُخُولِهَا فِي النَّاسِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ أُمُورٌ مِنْهَا أَنْ تَكُونَ بِمَوْضِعٍ بَعِيدٍ عَنْ مَكَّةَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْمَشْيُ مِنْهُ بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَاحْتُرِزَ بِالْبَعِيدِ عَنْ الْقَرِيبِ مِثْلُ مَكَّةَ، وَمَا حَوْلَهَا وَلِلَّخْمِيِّ مِثْلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَالَ بَعْضٌ، وَالظَّاهِرُ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَنِسَاءُ الْبَادِيَةِ لَسْنَ كَنِسَاءِ الْحَاضِرَةِ، وَأَيْضًا
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَقَطَعَ سَنَدٌ إلَخْ) ظَاهِرُ شب تَرْجِيحُهُ (قَوْلُهُ: عَادَتُهُ السُّؤَالَ أَمْ لَا إلَخْ) هَذَا مَعْنَى الْإِطْلَاقِ إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَادَةُ إعْطَاءً لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ وَحُرْمَتُهُ كَانَتْ عَادَتُهُ السُّؤَالُ، أَوْ لَا لِإِلْقَاءِ نَفْسِهِ فِي التَّهْلُكَةِ وَيُكْرَهُ لِمَنْ الْعَادَةُ إعْطَاؤُهُ إنْ لَمْ تَكُنْ عَادَتُهُ السُّؤَالَ اتِّفَاقًا وَكَذَا لِمَنْ عَادَتُهُ ذَلِكَ عَلَى مَا عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ فِي مَنْسَكِهِ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَفِي الشَّامِلِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ (قَوْلُهُ: وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَخْ) أَقَرَّهُ مُحَشِّي تت وَقَوَّاهُ فَخِلَافُهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَاعْتُبِرَ مَا يَرِدُ بِهِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا اعْتَبَرَ إمْكَانَ الْوُصُولِ فَقَطْ وَسَكَتَ عَنْ حَالَةِ الرَّدِّ فَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا هُنَا
(قَوْلُهُ: وَالْبَحْرُ) أَيْ: فِي وُجُوبِ رُكُوبِهِ لِمَنْ تَعَيَّنَ طَرِيقُهُ وَجَوَازُهُ لِمَنْ لَهُ عَنْهُ مَنْدُوحَةٌ (قَوْلُهُ: لَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِهِ: إلَخْ) أَيْ:؛ لِأَنَّ عَدَمَ غَلَبَةِ الْعَطَبِ مِنْ أَفْرَادِ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ (قَوْلُهُ: قُلْت فَائِدَتُهُ إلَخْ) حَاصِلُ الْجَوَابِ تَسْلِيمُ أَنَّ عَدَمَ غَلَبَةِ الْعَطَبِ مِنْ أَفْرَادِ الْأَمْنِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ خَفِيَ فَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ صَرِيحًا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَفْرَادِ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ بَرًّا أَوْ بَحْرًا وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: إنَّ مَا تَسَاوَى فِيهِ) أَيْ: السَّفَرُ الَّذِي تَسَاوَى فِيهِ إلَخْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَرًّا، أَوْ بَحْرًا وَقَوْلُهُ: أَوْ نَقُولَ إلَخْ حَاصِلُ الْجَوَابِ الثَّانِي أَنَّ عَدَمَ الْغَلَبَةِ الصَّادِقَ بِاسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَفْرَادِ الْأَمْنِ فِي خُصُوصِ الْبَحْرِ لَا فِي الْبَرِّ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْبُعْدِ، بَلْ قَدْ يَتَرَاءَى الْعَكْسُ وَذَكَرَ فِي ك أَنَّ الَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ سُقُوطُ وُجُوبِ الْحَجِّ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ اسْتَوَى السَّلَامَةُ وَالْعَطَبُ، وَذَكَرَ أَنَّ عج اسْتَظْهَرَهُ فِي شَرْحِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَهَذَانِ الْجَوَابَانِ لعج (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا خَافَ تَضْيِيعَ شَرْطٍ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ وُجُوبَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ مُقَيَّدٌ بِالذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ وَهُوَ إذْ ذَاكَ لَيْسَ بِقَادِرٍ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنْ يُقَالَ نُزِّلَ قُدُومُهُ عَلَى السَّفَرِ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَةَ اخْتِيَارِهِ فِي الصَّلَاةِ بِالنَّجَاسَةِ، وَلَوْ كَانَ عَاجِزًا وَقْتَهَا عَنْ إزَالَتِهَا.
(تَنْبِيهٌ) : يَقْضِي الْعَالِمُ بِالْمَيْدِ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ فِي غَيْبَةِ عَقْلِهِ كَالسَّكْرَانِ بِجَامِعِ إدْخَالِ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَقْضِي غَيْرُهُ لِعُذْرِهِ وَيُؤْمَرُ بِالرُّجُوعِ فِي الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَهُ
(قَوْلُهُ وَالْمَرْأَةُ)، وَلَوْ مُتَجَالَّةً (قَوْلُهُ: إلَّا فِي بَعِيدِ مَشْيٍ) أَيْ: فَيُكْرَهُ لَهَا ذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَرُكُوبُ بَحْرٍ أَيْ: فَيُكْرَهُ لَهَا ذَلِكَ (قَوْلُهُ: مِثْلُ مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا) مِمَّا لَا يَكُونُ مَسَافَةَ قَصْرٍ (قَوْلُهُ: مِثْلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ) أَيْ: مِثْلُ مَكَّةَ مِنْ الْمَدِينَةِ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ إلَخْ) هَذِهِ طَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ
فَنِسَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا يَخْتَلِفْنَ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَمِنْهَا رُكُوبُ الْبَحْرِ حَيْثُ يُبَاحُ لِلرَّجُلِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ كَالرَّجُلِ لِمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالنَّوْمِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي السِّتْرِ وَلِهَذَا قَيَّدَ ذَلِكَ عِيَاضٌ بِالسُّفُنِ الصِّغَارِ لِوُجُودِ هَذِهِ الْعِلَّةِ، وَأَمَّا الْكِبَارُ الَّتِي تُخَصُّ فِيهَا بِمَوْضِعٍ لِجَمِيعِ حَاجَتِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهَا كَالرَّجُلِ.
(ص) وَزِيَادَةِ مَحْرَمٍ، أَوْ زَوْجٍ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى بَعِيدٍ مَشَى وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَزِيدُ فِي تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِهَا عَلَى الرَّجُلِ أَنْ تَجِدَ مَحْرَمًا مِنْ مَحَارِمِهَا يُسَافِرُ مَعَهَا أَوْ زَوْجًا لِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» وَأَطْلَقَ فِي الْمَحْرَمِ لِيَعُمَّ الْقَرَابَةَ وَالصِّهْرَ وَالرَّضَاعَ، وَإِنْ كَانَ مَالِكٌ نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ سَفَرِهَا مَعَ ابْنِ زَوْجِهَا فَلِشَيْءٍ آخَرَ، وَرُوِيَ: نِصْفَ يَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةً وَلَيْلَةً وَبَرِيدًا وَرُوِيَ: «لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» فَحَمَلُوا رِوَايَاتِ التَّحْدِيدِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ رَدًّا إلَى رِوَايَةِ الْإِطْلَاقِ، وَالْمُرَادُ مَا يُسَمَّى سَفَرًا لِحُرْمَةِ الِاخْتِلَاءِ بِالْأَجْنَبِيِّ، وَرِوَايَاتُ التَّحْدِيدِ إنَّمَا هِيَ وَارِدَةٌ عَلَى اخْتِلَافِ السَّائِلِينَ وَمَوَاطِنَ بِأَنْ «سُئِلَ عليه الصلاة والسلام هَلْ تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَقَالَ لَا تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ» ، وَكَذَا بَاقِي الرِّوَايَاتِ فَلَا مَفْهُومَ لَهَا وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُ الْمَحْرَمِ، بَلْ يُكْتَفَى بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَحُكْمُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ حُكْمُ الْمَرْأَةِ، وَقَدْ وَرَدَ الزَّوْجُ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَقَوْلُ التَّوْضِيحِ قَاسَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْمَحْرَمِ فِيهِ نَظَرٌ فَلَوْ امْتَنَعَ الْمَحْرَمُ، أَوْ الزَّوْجُ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهَا إلَّا بِأُجْرَةٍ لَزِمَهَا (ص) كَرُفْقَةٍ أَمِنَتْ بِفَرْضٍ (ش) الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي الْوُجُوبِ الْمَفْهُومِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ وَكَأَنَّهُ قَالَ إلَّا أَنْ تُخْتَصَّ بِمَكَانٍ أَيْ: فَيَجِبُ عَلَيْهَا كَرُفْقَةٍ أَمِنَتْ إلَخْ وَالْمَعْنَى: أَنَّ الرُّفْقَةَ الْمَأْمُونَةَ يُكْتَفَى بِهَا، وَتَقُومُ مَقَامَ الْمَحْرَمِ أَوْ الزَّوْجِ فِي الْفَرْضِ لَا فِي النَّفْلِ أَيْ: عِنْدَ عَدَمِ الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ، أَوْ امْتِنَاعِهِمَا أَوْ عَجْزِهِمَا، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ هِيَ مَأْمُونَةً عَلَى نَفْسِهَا، فَقَوْلُهُ: بِفَرْضٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ: فَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ مَعَهَا فِي فَرْضٍ لَا بِأَمِنَتْ؛ لِأَنَّ الْأَمْنَ ثَابِتٌ مُطْلَقًا وَالْفَرْضُ يَشْمَلُ كُلَّ فَرْضٍ كَمَا إذَا أَسْلَمَتْ بِبَلَدِ الْحَرْبِ، أَوْ أُسِرَتْ وَأَمْكَنَهَا الْهَرَبُ، وَحَجُّ النَّذْرِ وَالْقَضَاءُ وَالْحِنْثُ وَالرُّجُوعُ إلَى الْمَنْزِلِ لِإِتْمَامِ الْعِدَّةِ إذَا خَرَجَتْ صَرُورَةً فَمَاتَ، أَوْ طَلَّقَهَا أَوْ خَرَجَتْ لِلرِّبَاطِ، أَوْ زِيَارَةٍ كَمَا يَأْتِي ذَلِكَ كُلُّهُ فِي مَحَلِّهِ (ص) ، وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِنِسَاءٍ، أَوْ رِجَالٍ أَوْ بِالْمَجْمُوعِ تَرَدُّدٌ (ش) يَعْنِي: هَلْ يُكْتَفَى فِي خُرُوجِهَا انْفِرَادُ النِّسَاءِ أَوْ انْفِرَادُ الرِّجَالِ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْمَجْمُوعِ؟ تَرَدَّدَ الشُّيُوخُ فِي فَهْمِ قَوْلِ الْإِمَامِ تَخْرُجُ مَعَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ هَلْ الْوَاوُ عَلَى حَالِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْمَجْمُوعِ، أَوْ هِيَ لِلْجَمْعِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الْحُكْمُ عَلَى النَّوْعَيْنِ؟ وَظَهَرَ لَك مِنْ هَذَا أَنَّ فِي قَوْلِهِ: أَوْ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: الَّتِي تَخُصُّ فِيهَا بِمَوْضِعٍ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مِثْلَ اخْتِصَاصِهَا بِمَكَانِ اتِّسَاعِهَا بِحَيْثُ لَا تُخَالِطُ الرِّجَالَ عِنْدَ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ
. (قَوْلُهُ: تَزِيدُ إلَخْ) أَيْ: فَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: زِيَادَةَ مَحْرَمٍ، أَوْ زَوْجٍ، زِيَادَتُهُمَا عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي بَيَانِ مَعْنَى الِاسْتِطَاعَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْرَمُ زَائِدًا أَيْ: مُتَعَدِّدًا (قَوْلُهُ: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ) نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ الْمُتَجَالَّةَ وَالشَّابَّةَ وَقَدْ قَالُوا لِكُلِّ سَاقِطَةٍ لَاقِطَةٌ،، وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ هِيَ وَإِيَّاهُ مُتَرَافِقَيْنِ، فَلَوْ كَانَ فِي أَوَّلِ الرُّفْقَةِ وَهِيَ فِي آخِرِهَا، أَوْ بِالْعَكْسِ بِحَيْثُ إذَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ أَمْكَنَهَا الْوُصُولُ بِسُرْعَةٍ كَفَى ذَكَرَهُ فِي ك (قَوْلُهُ فَلِشَيْءٍ آخَرَ) وَهُوَ خَوْفُ ضَيْعَتِهَا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْعَدَاوَةِ (قَوْلُهُ: وَيَوْمَيْنِ) الْأَوْلَى وَيَوْمَانِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ قِرَاءَةُ رُوِيَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ فَحَمَلُوا إلَخْ) أَيْ: لِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ إذَا وَرَدَ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدَانِ فَأَكْثَرُ يَرْجِعُ لِرِوَايَةِ الْإِطْلَاقِ وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَإِنَّمَا هُوَ إذَا وَرَدَ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ وَاحِدٌ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ) أَيْ: مُرَادُ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ: لَا تُسَافِرُ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَالرَّاجِحُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعَامَّ لَا يَتَخَصَّصُ بِذِكْرِ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّقْيِيدُ وَارِدًا عَلَى أَسْئِلَةٍ كَفَى فِي الْجَوَابِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مَا يُسَمَّى سَفَرًا) أَيْ: لُغَةً لَا سَفَرًا شَرْعِيًّا وَلَا عُرْفِيًّا (قَوْلُهُ: وَرِوَايَاتُ التَّحْدِيدِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا كَانَ الْعَمَلُ عَلَى رِوَايَةِ الْإِطْلَاقِ فَمَا السِّرُّ فِي رِوَايَاتِ التَّقْيِيدِ وَمَا الْمُوجِبُ لِذِكْرِهَا (قَوْلُهُ: وَمَوَاطِنُ) أَيْ: وَمَوَاضِعُ هِيَ الْمَوَاضِعُ الْمَسْئُولُ عَنْ سَفَرِهَا كَمَسِيرَةِ يَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ كَالْعَطْفِ التَّفْسِيرِيِّ إذْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: اخْتِلَافُ السَّائِلِينَ مِنْ حَيْثُ الْمَوَاطِنُ.
(قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُ الْمُحْرِمِ) أَيْ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُحْرِمِ الْبُلُوغُ بَلْ يَكْفِي التَّمْيِيزُ وَوُجُودُ الْكِفَايَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الزَّوْجِ (قَوْلُهُ: لَزِمَهَا) أَيْ: إنْ قَدَرَتْ عَلَيْهَا وَحَرُمَ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ الْخُرُوجُ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ فَإِنْ امْتَنَعَا بِكُلِّ وَجْهٍ، أَوْ طَلَبَا مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ خَرَجَتْ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ ذَكَرَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا إذَا طَلَبَا مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ، وَلَوْ كَثُرَ مَطْلُوبُهُمَا وَلَا يَتَقَيَّدُ مَطْلُوبُهُمَا بِالْقِلَّةِ كَالظَّالِمِ.
(مَسْأَلَةٌ) يَجُوزُ لِلرَّجُلِ إذَا وَجَدَ امْرَأَةً فِي مَفَازَةٍ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا وَيَجْتَهِدُ بِدَلِيلِ قِصَّةِ الْإِفْكِ (قَوْلُهُ: كَرُفْقَةٍ إلَخْ) إنْ قُلْت: هُوَ مُخَالِفٌ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ قُلْنَا خَصَّهُ الْقِيَاسُ عَلَى وُجُوبِ هِجْرَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَلَوْ مَعَ غَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ (قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي الْوُجُوبِ) هَذَا بَعِيدٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالْمَحْرَمِ وَالزَّوْجِ مِنْ حَيْثُ قِيَامُهَا مَقَامَهُمَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيُفِيدُهُ قَوْلُهُ: وَالْمَعْنَى إلَخْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَمْنَ ثَابِتٌ مُطْلَقًا) أَيْ: لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ عَلَى تَقْدِيرِ جَوَازِ سَفَرِهَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَأَمْكَنَهَا الْهَرَبُ) فَإِنَّهَا تَخْرُجُ مِنْهَا مَعَ رُفْقَةٍ مَأْمُونَةٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدْهَا وَكَانَ يَحْصُلُ بِكُلٍّ مِنْ بَقَائِهَا وَخُرُوجِهَا ضَرَرٌ فَإِنْ خَفَّ أَحَدُهُمَا ارْتَكَبَتْهُ، وَإِنْ تَسَاوَيَا خُيِّرَتْ كَذَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُمْ (قَوْلُهُ: الَّتِي يَقْصِدُ بِهَا الْحُكْمَ عَلَى النَّوْعَيْنِ) أَيْ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ
بِالْمَجْمُوعِ نَظَرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ لَا يَكْفِي الْمَجْمُوعُ أَيْ: فَلَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ فَالْمُخْلِصُ أَنْ يَقُولَ: وَفِي تَعْيِينِ الْمَجْمُوعِ أَوْ يَكْتَفِي بِنِسَاءٍ، أَوْ رِجَالٍ تَرَدُّدٌ، ثُمَّ الْمُنَاسِبُ لِاصْطِلَاحِهِ أَنْ يُعَبِّرَ بِ تَأْوِيلَانِ.
(ص) وَصَحَّ بِالْحَرَامِ وَعَصَى (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْحَجَّ، سَوَاءٌ كَانَ فَرْضًا، أَوْ نَفْلًا يَصِحُّ بِالْمَالِ الْحَرَامِ بِمَعْنَى سُقُوطِ الطَّلَبِ عَنْهُ لِوُجُودِ الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ، وَدَلِيلُ الْعُمُومِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ وَسَقَطَ بِالْحَرَامِ لِئَلَّا يَخْتَصَّ بِالْفَرْضِ، وَلَكِنْ يَكُونُ عَاصِيًا فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ شَاءَ سَامَحَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ.
(ص) وَفُضِّلَ حَجٌّ عَلَى غَزْوٍ إلَّا لِخَوْفٍ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْحَجَّ التَّطَوُّعَ أَفْضَلُ مِنْ الْغَزْوِ التَّطَوُّعِ وَمِنْ الصَّدَقَةِ فِي غَيْرِ الْمَجَاعَةِ وَأَمَّا حَجُّ الْفَرْضِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْغَزْوِ، وَلَكِنْ تَفْضِيلُ نَدْبٍ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي، وَتَفْضِيلُ وُجُوبٍ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ، وَالصَّدَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْحَجُّ أَفْضَلُ مِنْ الْغَزْوِ إذَا لَمْ يَكُنْ خَوْفٌ وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّ الْغَزْوَ يُقَدَّمُ وُجُوبًا عَلَى حَجِّ التَّطَوُّعِ، وَأَمَّا حَجُّ الْفَرْضِ قَالَ بَعْضٌ، فَإِنْ بَنَيْنَا عَلَى تَرَاخِي الْحَجِّ فَيُقَدَّمُ الْجِهَادُ وَعَلَى الْفَوْرِيَّةِ يُنْظَرُ إلَى كَثْرَةِ الْخَوْفِ وَقِلَّتِهِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا انْتَهَى، ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ تَفْضِيلِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْعِتْقِ إذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ تُسَاوِي الْعِتْقَ.
(ص) وَرُكُوبٌ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ حَجَّ رَاكِبًا عَلَى الْإِبِلِ، أَوْ غَيْرِهَا أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ مَاشِيًا؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ عليه الصلاة والسلام عَلَى الْمَعْرُوفِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ مُضَاعَفَةِ النَّفَقَةِ؛ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الشُّكْرِ، وَكَذَا الْعُمْرَةُ وَالْمَنَاسِكُ كُلُّهَا حَتَّى فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْن عَبَّاسٍ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّ «لِلْحَاجِّ الرَّاكِبِ بِكُلِّ خُطْوَةٍ تَخْطُوهَا رَاحِلَتُهُ سَبْعِينَ حَسَنَةً وَلِلْمَاشِي بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا سَبْعَمِائَةِ حَسَنَةٍ» انْتَهَى؛ لِأَنَّ الْمَزِيَّةَ لَا تَقْتَضِي الْأَفْضَلِيَّةَ (ص) وَمُقَتَّبٌ (ش) أَيْ: إنْ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: فَالْمُخْلِصُ إلَخْ) وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الِاكْتِفَاءَ بِالْمَجْمُوعِ مُقَابِلًا لِلِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ أَفَادَ بِمَفْهُومِهِ عَدَمَ الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ فَهُوَ بِمَثَابَةِ مَا لَوْ قَالَ وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِنِسَاءٍ، أَوْ رِجَالٍ أَوْ الِاكْتِفَاءِ بِالْمَجْمُوعِ لَا أَحَدُهُمَا
(قَوْلُهُ: وَصَحَّ بِالْحَرَامِ وَعَصَى إلَخْ) ، وَانْظُرْ هَلْ يَكُونُ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، أَوْ فِي سَفَرِهِ (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى سُقُوطِ الطَّلَبِ) إنْ قِيلَ الصِّحَّةُ لَا تَسْتَلْزِمُ السُّقُوطَ لِصِحَّتِهِ مِنْ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ فَكَلَامُهُ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ يَسْقُطُ عَنْهُ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الصِّحَّةَ تَسْتَلْزِمُ السُّقُوطَ حَيْثُ وُجِدَتْ الشُّرُوطُ ك (قَوْلُهُ: وَدَلِيلُ الْعُمُومِ إلَخْ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ بِمَعْنَى سُقُوطِ الطَّلَبِ فَإِنَّ بَيْنَهُمَا تَنَافِيًا فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ:، وَأَمَّا حَجُّ الْفَرْضِ فَأَفْضَلُ مِنْ الْغَزْوِ) أَيْ: مِنْ الْغَزْوِ وَالتَّطَوُّعِ هَذَا هُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ مَا يَأْتِي إلَّا أَنَّ الِاسْتِدْرَاكَ يُبْعِدُهُ إلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِفَضْلِ نَدْبٍ أَيْ: مِنْ حَيْثُ التَّقْدِيمُ لَا مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ ثُمَّ بَعْدَ هَذَا وَجَدْت الْحَطَّابَ أَفَادَهُ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ خَوْفٌ) فَإِذَا كَانَ خَوْفٌ يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ إنْ قَلَّ فَإِنْ كَثُرَ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا شَكَّ) أَيْ: بِأَنْ كَانَ خَوْفٌ بِحَيْثُ صَارَ فَرْضَ كِفَايَةٍ إنْ قَلَّ الْخَوْفُ فَإِنْ كَثُرَ صَارَ فَرْض عَيْنٍ.
(قَوْلُهُ: يُنْظَرُ إلَى كَثْرَةِ الْخَوْفِ) أَيْ: بِحَيْثُ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ وَقَوْلُهُ: وَقِلَّتُهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجِهَادَ تَارَةً يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ وَتَارَةً يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَتَارَةً مُسْتَحَبًّا.
هَذَا مَا أَفَادَهُ عج قَالَ فَتَلْخِيصُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا تَعَيَّنَ الْغَزْوُ لِفَجْءِ الْعَدُوِّ، أَوْ بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ، أَوْ كَثْرَةِ الْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِمَّا ذُكِرَ قُدِّمَ تَطَوُّعُ الْحَجِّ عَلَى تَطَوُّعِ الْغَزْوِ وَقُدِّمَ فَرْضُ الْغَزْوِ عَلَى فَرْضِ الْحَجِّ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي حَيْثُ لَمْ يَخَفْ الْفَوَاتَ فَإِنْ خِيفَ الْفَوَاتُ قُدِّمَ الْحَجُّ عَلَى الْغَزْوِ كَمَا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ كَذَلِكَ انْتَهَى فَعُلِمَ أَنَّ الْأَقْسَامَ أَرْبَعَةٌ حَجٌّ وَغَزْوٌ فَرْضَانِ وَمُتَطَوِّعٌ بِهِمَا وَحَجُّ فَرْضٍ وَغَزْوُ تَطَوُّعٍ وَعَكْسُهُ ثُمَّ نَقُولُ وَالْغَزْوُ الْفَرْضُ إمَّا فَرْضُ عَيْنٍ، أَوْ كِفَايَةٍ، وَقَدْ عَلِمْت أَحْكَامَهَا، وَانْظُرْ ذَلِكَ مَعَ مَا يَأْتِي فِي الْجِهَادِ.
(قَوْلُهُ: وَرُكُوبٌ) أَيْ: أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الرُّكُوبَ، أَوْ يَكُونَ مُكْرِيًا الْمَرْكُوبَ مَتَى أَرَادَ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْمَشْيَ فِي الْحَجِّ فَضِيلَةٌ كَمَا فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي ح عِنْدِ قَوْلِ الْمَتْنِ وَقَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ وَهَذَا يُتَأَمَّلُ فِيهِ فَإِنَّ الْمُتَبَادَرَ الرُّكُوبُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ فِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم فَالصَّوَابُ إبْقَاءُ الْمُصَنِّفِ عَلَى حَالِهِ وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ مُقَابِلٌ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَعْرُوفِ) وَمُقَابِلُهُ حَجَّ مَاشِيًا وَقَوْلُهُ: وَلِمَا فِيهِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ:؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُقَابِلَ مَا ذَكَرَ وَقَوْلُهُ: فَعَلَهُ أَيْ: تَعَلَّقَتْ قُدْرَتُهُ بِهِ فَالرُّكُوبُ بِمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ وَالْفِعْلِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ الَّذِي هُوَ التَّعَلُّقُ (قَوْلُهُ: حَتَّى فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ أَعْظَمُ الْمَنَاسِكِ الَّتِي يُطْلَبُ فِيهَا الرُّكُوبُ فَلَا يُنَاسِبُ الْإِتْيَانَ بِحَتَّى الْغَائِيَّةِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَتَى بِذَلِكَ لِقَصْدِ الرَّدِّ عَلَى الشَّيْخِ سَالِمٍ فَإِنَّهُ قَالَ: وَكَذَا سَائِرُ الْمَنَاسِكِ إلَّا الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ وَرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ انْتَهَى.
وَإِنَّمَا قُلْنَا الَّتِي يُطْلَبُ فِيهَا الرُّكُوبُ لِأَنَّ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ يُطْلَبُ فِيهِمَا الْمَشْيُ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ (قَوْلُهُ: الرَّاكِبُ إلَخْ) بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَيُقَالُ أَيْنَ السَّبْعُونَ مِنْ السَّبْعِمِائَةِ وَهَلْ هُنَاكَ إلَّا الْحَسَنَاتِ وَلِذَلِكَ ذَهَبَ اللَّخْمِيُّ وَسَنَدٌ إلَى أَنَّ الْمَشْيَ أَفْضَلُ، وَأَمَّا رُكُوبُهُ صلى الله عليه وسلم فَأَمَّا لِلتَّشْرِيعِ وَالْجَوَابُ الصَّوَابُ كَمَا فِي عج أَنَّ خَبَرَ حَجِّهِ رَاكِبًا مُتَوَاتِرٌ، وَذَلِكَ آحَادٌ، وَالْمُتَوَاتِرُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْآحَادِ (قَوْلُهُ خُطْوَةٍ) الْخُطْوَةُ - بِالضَّمِّ وَقَدْ تُفْتَحُ - مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ، وَالْخَطْوَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَضِيَّتُهُ قِرَاءَتُهُ بِالضَّمِّ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَإِنْ كَانَ الْفَتْحُ يَصِحُّ وَرَأَيْته مَضْبُوطًا بِهِ فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ مِنْ الْجَامِعِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمَزِيَّةَ لَا تَقْتَضِي الْأَفْضَلِيَّةَ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الرُّكُوبَ بِالْفِعْلِ.
(قَوْلُهُ: مُقَتَّبٌ) بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ عَلَى وَزْنِ مُكَرَّمٍ يُقْرَأُ بِكُلٍّ، وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ لِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ الثَّانِي فَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ الْأَوَّلُ ذِكْرُهُ ق
رُكُوبَ الْمُقَتَّبِ مُفَضَّلٌ عَلَى رُكُوبِ الْمَحْمَلِ وَالْمِحَفَّةِ، وَالْمُقَتَّبُ هُوَ الَّذِي جُعِلَ لَهُ قَتَبٌ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَالْفَوْقِيَّةِ رَحْلٌ صَغِيرٌ عَلَى قَدْرِ السَّنَامِ.
(ص) وَتَطَوُّعُ وَلِيِّهِ عَنْهُ بِغَيْرِهِ (ش) أَيْ: وَفُضِّلَ تَطَوُّعُ وَلِيٍّ مِنْ قَرِيبٍ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ عِنْدَ الْمَيِّتِ، وَكَذَا عَنْ الْحَيِّ بِغَيْرِ الْحَجِّ كَصَدَقَةٍ وَدُعَاءٍ وَهَدْيٍ وَعِتْقٍ فَمُرَادُهُ بِالْغَيْرِ غَيْرُ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ مَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ كَمَا ذَكَرَ لَا كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَقِرَاءَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيُكْرَهُ تَطَوُّعُهُ عَنْهُ بِالْحَجِّ كَمَا يَأْتِي وَلِمَا أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِصِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْحَجِّ مِنْ قَوْلِهِ: وَتَطَوُّعُ وَلِيِّهِ عَنْهُ بِغَيْرِهِ أَخَذَ يَذْكُرُ أَنْوَاعَ الْكِرَاءِ فِي الْحَجِّ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: ضَمَانُ مَضْمُونٍ بِذِمَّةِ الْأَجِيرِ، وَضَمَانُ مُعَيَّنٍ بِذَاتِهِ، وَبَلَاغٌ وَجَعَالَةٌ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَتَارَةً يَكُونُ مَضْمُونًا فِي السَّنَةِ وَتَارَةً مُعَيَّنًا بِهَا وَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ كُلُّ ذَلِكَ فَأَشَارَ إلَى الْمَضْمُونِ بِقِسْمَيْهِ، بَلْ بِأَقْسَامِهِ بِقَوْلِهِ:(ص) وَإِجَارَةُ ضَمَانٍ عَلَى بَلَاغٍ (ش) أَيْ: فُضِّلَ إجَارَةُ ضَمَانٍ عَلَى بَلَاغٍ وَمَعْنَى الْأَفْضَلِيَّةِ أَنَّ الضَّمَانَ أَحْوَطُ لِلْمُسْتَأْجِرِ لِوُجُوبِ الْمُحَاسَبَةِ لِلْأَجِيرِ فِيمَا إذَا لَمْ يَتِمَّ لِصَدٍّ، أَوْ غَيْرِهِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهَا أَكْثَرُ ثَوَابًا إذْ لَا ثَوَابَ فِي كُلٍّ لِكَرَاهَةِ كُلٍّ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ إجَارَةُ الضَّمَانِ مَضْمُونَةً بِذِمَّتِهِ مِثْلَ مَنْ يَأْخُذُ كَذَا فِي حَجَّةٍ وَيَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لَهُ، أَوْ مُتَعَلِّقَةٍ بِعَيْنِهِ أَسْتَأْجِرُك عَلَى أَنْ تَحُجَّ عَنِّي وَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ عَيَّنَ السَّنَةَ فِيهِمَا، أَوْ أَطْلَقَهَا كَمَا يَأْتِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ عَلَى بَلَاغٍ أَيْ: بِقِسْمَيْهَا أَيْ: كَانَتْ بَلَاغَ جُعْلٍ بِأَنْ يُجَاعِلَهُ عَلَى إتْمَامِهِ، أَوْ بَلَاغَ ثَمَنٍ وَهِيَ إعْطَاءُ مَا يُنْفِقُهُ بَدْءًا وَعَوْدًا بِالْعُرْفِ أَيْ: عَلَى بَلَاغِ مَالِي أَوْ بَلَاغِ عَمَلِي أَيْ: عَلَى بَلَاغٍ فِي مَالٍ أَوْ بَلَاغٍ فِي عَمَلٍ (ص) فَالْمَضْمُونَةُ كَغَيْرِهِ (ش) أَيْ: الْمَضْمُونَةُ فِي الْحَجِّ كَغَيْرِهِ يَحْتَمِلُ فِي الْكَرَاهَةِ، فَضَمِيرُ غَيْرِهِ يَرْجِعُ لِلْمَضْمُونَةِ، وَذَكَرَهُ بِاعْتِبَارِ النَّوْعِ أَيْ: فَالْكِرَاءُ الْمَضْمُونُ كَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ مِنْ بَلَاغٍ، أَوْ جُعْلٍ فِي الِاسْتِوَاءِ فِي الْكَرَاهَةِ وَيَحْتَمِلُ فِي اللُّزُومِ، وَفِي كَوْنِ الْفَضْلِ لَهُ وَالنُّقْصَانُ عَلَيْهِ؛ وَالصِّفَةِ، وَهُوَ الْعَقْدُ عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ يَمْلِكُهُ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ، وَلَوْ قَالَ فَمَضْمُونَتُهُ كَغَيْرِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَظْهَرَ.
(ص) وَتَعَيَّنَتْ فِي الْإِطْلَاقِ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْوَصِيَّ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَاجِرَ عَنْ الْمَيِّتِ إجَارَةَ ضَمَانٍ إذَا أَطْلَقَ فِي
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: عَلَى رُكُوبِ الْمَحْمَلِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى كَرَاهَةِ الْمَحَامِلِ وَالْهَوَادِجِ إلَّا لِضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الْمُتَكَبِّرِينَ الْمُتَرَفِّهِينَ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا أَقْرَبُ لِلشُّكْرِ وَعِظَمِ النَّفَقَةِ إلَّا أَنَّهُ عَارَضَ ذَلِكَ مَا وَرَدَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَدْ حَجَّ عَلَى مُقَتَّبٍ وَفَوْقَ الْمُقَتَّبِ قَطِيفَةٌ وَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا لَا رِيَاءَ فِيهِ وَلَا سُمْعَةَ» وَالْقَطِيفَةُ كِسَاءٌ مِنْ شَعْرٍ يُسَاوِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَالْمَحْمَلُ مَا يُحْمَلُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ كَحَمْلِ الْخَشَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ الْمَحَامِلَ الْحَجَّاجُ وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ الْمِحَفَّةَ الظَّاهِرُ بِيبَرْسَ، شَيْخُنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ شَيْخِهِ مُحَمَّدٍ الزَّرْقَانِيِّ.
(قَوْلُهُ كَصَدَقَةٍ وَدُعَاءٍ) فِي ك وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ أَوْلَى لِوُصُولِهَا إلَى الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ أَفْضَلُ لِقَبُولِهَا النِّيَابَةَ أَيْ: فَوُقُوعُهَا مِنْ النَّائِبِ كَوُقُوعِهَا مِنْ الْمَنُوبِ عَنْهُ فِي حُصُولِ الثَّوَابِ لَهُ بِخِلَافِ مَا لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ كَالْحَجِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لِلْأَصْلِ أَجْرُ الْحَجِّ، بَلْ أَجْرُ النَّفَقَةِ وَالدُّعَاءِ فَإِنْ قِيلَ الْحَجُّ مِنْ غَيْرِ الصَّحِيحِ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا سَيَأْتِي قُلْت لَيْسَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ: فِيمَا يَأْتِي وَإِلَّا كُرِهَ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ، وَإِنْ سَلَّمَ فَهُوَ لَا يَقْبَلُهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُوجِبُ حُصُولَ ثَوَابِهِ لِلْأَصْلِ لِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي وَلَا يَسْقُطُ فَرْضٌ مِنْ حَجٍّ عَنْهُ وَلَهُ أَجْرُ النَّفَقَةِ وَالدُّعَاءِ، وَقَدْ ذُكِرَ تت أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ قَبُولِهِ النِّيَابَةَ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ: الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَالْقِرَاءَةِ فَإِنَّ فِيهَا كُلَّهَا الْخِلَافُ قَالَ عج، وَأَمَّا ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ فَيَصِلُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ حَنْبَلٍ لَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ الذَّاكِرُ وَلَكِنْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ عَدَمُ الْوُصُولِ ثُمَّ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ حَيْثُ لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الدُّعَاءِ كَأَنْ يَقُولَ اجْعَلْ ثَوَابَ قِرَاءَتِي لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ إجْمَاعًا كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ، وَانْظُرْ هَلْ يَجْرِي فِي ثَوَابِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا جَرَى فِي ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، أَوْ يَكُونُ كَثَوَابِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ ضَمَانُ مَضْمُونٍ بِذِمَّةِ الْأَجِيرِ) أَيْ: إجَارَةٌ مَضْمُونَةٌ أَيْ: مُتَعَلِّقَةٌ بِذِمَّةِ الْأَجِيرِ كَأَنْ يَقُولَ اسْتَأْجِرْ مَنْ يَحُجَّ عَنِّي بِكَذَا وَقَوْلُهُ: وَضَمَانٌ مُعَيَّنٌ بِذَاتِهِ كَأَنْ يَقُولَ أَسْتَأْجِرُك عَلَى أَنْ تَحُجَّ أَنْتَ عَنِّي بِكَذَا.
(قَوْلُهُ: إلَى الْمَضْمُونِ بِقِسْمَيْهِ) أَيْ: مَضْمُونٌ بِذِمَّةِ الْأَجِيرِ، وَمَضْمُونٌ بِعَيْنِهِ (قَوْلُهُ:، بَلْ بِأَقْسَامِهِ) وَهُمَا الْقِسْمَانِ مَضْرُوبَانِ فِي مَضْمُونٍ فِي السَّنَةِ وَمَضْمُونًا مُعَيَّنًا فِيهَا (قَوْلُهُ: أَحْوَطُ لِلْمُسْتَأْجِرِ) ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْبَلَاغِ وَهُوَ الْبَلَاغُ الْمَالِيُّ لَا الْعَمَلِيُّ وَتَفْسِيرُ الْبَلَاغِ هُنَا يُخَالِفُ مَا سَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لَهُ) أَيْ:؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَخْ وَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُجَاعِلَهُ عَلَى إتْمَامِهِ) أَيْ: فَإِنْ أَتَمَّ الْعَمَلَ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: فِي مَالٍ) أَيْ: مَعَ مَالٍ (قَوْلُهُ كَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ مُسْتَوٍ مَعَ الْمُشَبَّهِ فِي جَهَالَةِ الْحُكْمِ فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِ أَحَدِهِمَا مُشَبَّهًا وَالْآخَرِ مُشَبَّهًا بِهِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: مِنْ بَلَاغٍ، أَوْ جَعْلٍ) أَرَادَ بِالْبَلَاغِ هُنَا الْبَلَاغُ الْمَالِيُّ.
(قَوْلُهُ وَالصِّفَةُ) أَيْ: الْحَقِيقَةُ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ فَمَضْمُونَتُهُ كَغَيْرِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَظْهَرَ، أَمَّا الْأَخْصَرِيَّةُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْأَظْهَرِيَّةُ فَلِأَنَّهُ نَصٌّ فِي الِاحْتِمَالِ الثَّانِي أَيْ: وَالْمَضْمُونُ فِي غَيْرِ الْحَجِّ حَالُهُ مَعْلُومٌ خِلَافُ الْمَضْمُونِ فِي الْحَجِّ فَحَالُهُ خَفِيٌّ فِي ذَاتِهِ فَصَحَّ التَّشْبِيهُ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ذَلِكَ) أَيْ: مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الشُّرُوعِ أَوْ تَعْجِيلِ الْيَسِيرِ مِنْ الْأُجْرَةِ
(قَوْلُهُ: وَتَعَيَّنَتْ فِي الْإِطْلَاقِ) قَالَ بَعْضٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَضْمُونَةَ مَضْمُونَةٌ بِذِمَّةِ الْأَجِيرِ وَمُتَعَلِّقَةٌ بِعَيْنِهِ فَإِنْ عَيَّنَ الْوَصِيُّ أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ وَإِلَّا فَالْأَحْوَطُ الْمَضْمُونُ فِي الذِّمَّةِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ قُضَاةِ قُرْطُبَةَ أَنَّهُ كَانَ
وَصِيَّتِهِ بِأَنْ قَالَ حُجُّوا عَنِّي وَلَمْ يُعَيِّنْ ضَمَانًا، وَلَا بَلَاغًا وَلَا يَسْتَأْجِرُ بَلَاغًا؛ لِأَنَّهُ تَغْرِيرٌ بِالْمَالِ.
(ص) كَمِيقَاتِ الْمَيِّتِ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْمَيِّتَ إنْ عَيَّنَ لِلْأَجِيرِ مَوْضِعَ إحْرَامِهِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ ذَلِكَ، بَلْ أَطْلَقَ لَهُ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَجِيرِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مِيقَاتِ الْمَيِّتِ أَيْ: الَّذِي كَانَ يُحْرِمُ مِنْهُ كَالْجُحْفَةِ لِلْمِصْرِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ وَالشَّامِيِّ وَيَلَمْلَمَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي بَيَانُهُ.
(ص) وَلَهُ بِالْحِسَابِ إنْ مَاتَ (ش) يَعْنِي: أَنَّ أَجِيرَ الضَّمَانِ إذَا مَاتَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ كَانَ الْعَقْدُ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِهِ أَوْ بِذِمَّتِهِ وَأَبَى وَارِثُهُ مِنْ الْإِتْمَامِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِحِسَابِ مَا سَارَ مِنْ الْمَسَافَةِ، وَمَا بَقِيَ عَلَى قَدْرِ صُعُوبَتِهَا وَسُهُولَتِهَا وَأَمْنِهَا وَخَوْفِهَا لَا بِحِسَابِ الْمَسَافَةِ فَقَدْ يَكُونُ رُبُعُهَا يُسَاوِي نِصْفَ الْكِرَاءِ لِصُعُوبَتِهِ وَعَكْسِهِ فَيُقَالُ: بِكَمْ يَحُجُّ مِثْلُهُ فِي زَمَنِ الْإِجَارَةِ مِنْ مَوْضِعِ الِاسْتِئْجَارِ، فَإِنْ قِيلَ بِعَشَرَةٍ قِيلَ: وَبِكَمْ يَحُجُّ مِثْلُهُ مِنْ مَكَانِ الْمَوْتِ فَإِنْ قِيلَ: بِثَمَانِيَةٍ رَدَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْأُجْرَةِ إنْ كَانَ قَبَضَهَا بَقِيَتْ، أَوْ تَلِفَتْ بِسَبَبِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ وَأَخَذَ وَارِثُهُ خُمُسَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَلَوْ بِمَكَّةَ) إلَى رَدِّ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ إنْ مَاتَ بَعْدَ دُخُولِهَا، قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ وَضَعُفَ انْتَهَى، وَأَمَّا فِي الْبَلَاغِ فَلَهُ بِقَدْرِ مَا أَنْفَقَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْجَعَالَةِ وَالصَّدِّ بِمَرَضٍ، أَوْ عَدُوٍّ أَوْ خَطَأِ عَدَدٍ كَالْمَوْتِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (أَوْ صَدٍّ) إلَّا أَنَّ لَهُ هُنَا الْبَقَاءَ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ:(وَلَهُ الْبَقَاءُ لِقَابِلٍ) فِي الْعَامِ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ، وَلَا كَلَامَ لِمُسْتَأْجِرِهِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَإِنَّمَا الْخِيَارُ لَهُ هُوَ إنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ الصَّبْرُ وَإِنْ كَانَ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ لَمْ تَنْفَسِخْ قَالَهُ ابْنُ رَاشِدٍ، وَإِنْ كَانَ الْعَامُ مُعَيَّنًا كَانَ الْقَوْلُ لِمَنْ طَلَبَ الْفَسْخَ مِنْهُمَا فَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْبَقَاءِ فَقَوْلَانِ.
(ص) وَاسْتُؤْجِرَ مِنْ الِانْتِهَاءِ (ش) أَيْ وَاسْتُؤْجِرَ بَدَلَ أَجِيرِ الضَّمَانِ حَيْثُ مَاتَ، أَوْ مَرِضَ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ، أَوْ صُدَّ وَاخْتَارَ الْفَسْخَ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ مَحَلِّ الِانْتِهَاءِ لِعَمَلِ الْأَوَّلِ مَنْ يُكْمِلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ س فِي شَرْحِهِ وَاعْتَرَضَ، بَلْ يَبْتَدِئُ الْأَجِيرُ الْحَجَّ مِنْ حَيْثُ اُسْتُؤْجِرَ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ح وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَقَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ إلَخْ وَلَا يُكْمِلُ عَلَى مَا سَبَقَ، اُنْظُرْ شَرْحَنَا الْكَبِيرَ.
(ص)، وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطٌ كَهَدْيِ تَمَتُّعٍ عَلَيْهِ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْأَجِيرَ إذَا لَزِمَهُ هَدْيٌ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي سَبَبِهِ لِتَمَتُّعٍ، أَوْ قِرَانٍ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ فَسَادٍ، أَوْ تَعَدِّي
ــ
[حاشية العدوي]
لَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَّا عَلَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ وَإِنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِالِاسْتِئْجَارِ فِي عَيْنِ الْأَجِيرِ وَقَالَ بِهِ ابْنُ زَرْبٍ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ تَغْرِيرٌ بِالْمَالِ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْبَلَاغِ الْمَالِيِّ لَا الْعَمَلِيِّ
. (قَوْلُهُ: كَمِيقَاتِ الْمَيِّتِ) أَصْلُهُ مُوقَاتُ (قَوْلُهُ يَعْنِي: أَنَّ الْمَيِّتَ إنْ عَيَّنَ لِلْأَجِيرِ) أَيْ: عَيَّنَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَجِيرِ فَالْمُعَيَّنُ لَهُ الْوَصِيُّ لَا الْأَجِيرُ وَقَوْلُهُ: بَلْ أَطْلَقَ لَهُ أَيْ: أَطْلَقَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَجِيرِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْمُطْلَقَ لَهُ الْوَصِيُّ، وَلَوْ مَاتَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَفَضَ سُكْنَى بَلَدِهِ وَإِلَّا اُعْتُبِرَ مِيقَاتُ الْبَلَدِ الَّذِي نَوَى فِيهِ الْإِقَامَةَ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَلَوْ مَاتَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ وَإِلَّا فَمِنْ مِيقَاتِ الْبَلَدِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَالَهُ عج وَمَفْهُومُ الْمَيِّتِ أَنَّ مِيقَاتَ الْمُسْتَأْجِرِ الْحَيِّ لَا يَجِبُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ فَقَطْ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَيَّ سُكُوتُهُ يَقْتَضِي الرِّضَا فِي الْجُمْلَةِ بِفِعْلِ الْأَجِيرِ.
(فَائِدَةٌ) الْمِيقَاتُ الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ لِلْفِعْلِ وَالْمَوْضِعُ يُقَالُ هَذَا مِيقَاتُ أَهْلِ الشَّامِ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي يُحْرِمُونَ مِنْهُ
(قَوْلُهُ: وَلَهُ بِالْحِسَابِ) لَهُ جَارٌّ وَمَجْرُورٌ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: وَاسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ وَهِيَ ثَابِتَةٌ لَهُ بِمُلَابَسَةِ حِسَابِ ذَلِكَ ك (قَوْلُهُ: رَدَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْأُجْرَةِ إلَخْ) أَيْ: الْوَاقِعَةِ بَيْنَهُمَا قَلِيلَةً، أَوْ كَثِيرَةً وَهَذِهِ الْقِيمَةُ إنَّمَا هِيَ مِيزَانٌ لِلْأَخْذِ مِنْ الْأُجْرَةِ الْمُعَيَّنَةِ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي الْبَلَاغِ إلَخْ) أَيْ: إذَا مَاتَ الْأَجِيرُ وَقَوْلُهُ فَلَهُ بِقَدْرِ مَا أَنْفَقَ لَوْ حَذَفَ " قَدْرُ " لَكَانَ أَحْسَنَ أَيْ: لَهُ مَا أَنْفَقَ تَأَمَّلْ وَعِبَارَةُ ك فَلَهُ النَّفَقَةُ إلَى مَكَانِ الصَّدِّ، وَفِي رُجُوعِهِ مِنْهُ ثُمَّ نَقُولُ هَذِهِ يُمْكِنُ دُخُولُهَا فِي الْمُصَنِّفِ أَيْ: لِأَجِيرِ الضَّمَانِ وَالْبَلَاغِ لَكِنَّ الْحِسَابَ فِي أَجِيرِ الضَّمَانِ حَقِيقَةٌ، وَفِي أَجِيرِ الْبَلَاغِ مَجَازٌ لِأَنَّهُ لَا يُحَاسَبُ فِيمَا مَضَى بِحَسَبِ الصُّعُوبَةِ وَالسُّهُولَةِ وَإِنَّمَا لَهُ بِقَدْرِ مَا أَنْفَقَ فَاسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ انْتَهَى (قَوْلُهُ: أَوْ خَطَأِ عَدَدٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِمَرَضٍ فَيَكُونُ مِنْ أَفْرَادِ الصَّدِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ جَعْلَهُ مِنْ أَفْرَادِهِ تَسَمُّحٌ فَلِذَا تَرَى بَعْضَ الشُّرَّاحِ قَالَ وَمِثْلُهُ خَطَأُ الْعَدَدِ (قَوْلُهُ: كَالْمَوْتِ) أَيْ: فِي أَنَّ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِالْحِسَابِ (قَوْلُهُ: أَوْ صُدَّ) أَيْ: قَبْلَ الْإِحْرَامِ، أَوْ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ لَهُ هُنَا الْبَقَاءُ لِقَابِلٍ) أَيْ: فِي الصَّدِّ لَا فِي الْمَوْتِ وَيَحْتَمِلُ أَيْ: فِي بَابِ الْحَجِّ خَاصَّةً لِلضَّرُورَةِ اهـ.
وَهَذَا فِي أَجِيرِ الضَّمَانِ فِي السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَإِنَّهُ قِيلَ بِجَوَازِ الْبَقَاءِ لِقَابِلٍ فِيهَا مَعَ وُجُودِ عِلَّةِ الْمَنْعِ، وَأَمَّا أَجِيرُ الْبَلَاغِ فَلَيْسَ لَهُ الْبَقَاءُ، وَانْظُرْ ك (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ الصَّبْرُ) فَإِنْ لَمْ يَشُقَّ تَعَيَّنَ الْبَقَاءُ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى الْفَسْخِ.
(تَنْبِيهٌ) : كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إذَا خَشِيَ فَوَاتَ الْحَجِّ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْبَقَاءُ، سَوَاءٌ كَانَ الْعَامُ مُعَيَّنًا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: فَقَوْلَانِ) الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ أَيْ: فَسْخُ الدَّرَاهِمِ الَّتِي صَارَتْ فِي ذِمَّةِ الْأَجِيرِ فِي مَنَافِعِ السَّنَةِ الَّتِي تَقَعُ بَدَلًا وَالْجَوَازُ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْمَلَا عَلَى ذَلِكَ وَلِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ أَخَفُّ مِنْ الْإِجَارَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ وَلِأَنَّهُ قَبَضَ الْأُجْرَةَ عَلَى الْحَجِّ، وَقَدْ صَارَ الْأَمْرُ إلَيْهِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَمُفَادُ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ وَاسْتُؤْجِرَ بَدَلُ أَجِيرِ الضَّمَانِ إلَخْ) هَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ وَاحِدًا مِنْ أَنَّهُ مُسْتَأْجَرٌ مِنْ الِانْتِهَاءِ فِي إجَارَةِ الْبَلَاغِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ اُسْتُؤْجِرَ) أَيْ: مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ فِيهِ الْأَجِيرُ الثَّانِي، وَعِبَارَةُ الْحَطَّابِ اُسْتُؤْجِرَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَصَلَ الْأَجِيرُ الْأَوَّلُ وَيُوَافِقُهُ لَفْظُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ مِنْ الِانْتِهَاءِ أَيْ: انْتِهَاءُ سَيْرِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّهُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ انْتِهَاءَ سَيْرِ الْأَوَّلِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمِيقَاتِ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ الَّذِي بَعْدَ مَعَ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ فَيُقَالُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَاسْتُؤْجِرَ مِنْ الِانْتِهَاءِ أَيْ: انْتِهَاءُ السَّفَرِ إذَا كَانَ عِنْدَ الْمِيقَاتِ أَوْ قَبْلَ الْمِيقَاتِ فَاحْرِصْ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ وَلَا تَغَيُّرَ فِيهِ وَلَا تَبَدُّلَ
(قَوْلُهُ: إذَا لَزِمَهُ هَدْيٌ) أَيْ: إذَا قَدَّرَ
مِيقَاتٍ، أَوْ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً فَلَا يَجُوزُ لَهُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ، يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَعْنَى، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ اشْتِرَاطُ كَهَدْيِ تَمَتُّعٍ وَنَحْوِهِ عَلَى الْأَجِيرِ إذَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يَحُجَّ مُتَمَتِّعًا، أَوْ قَارِنًا، بَلْ الْهَدْيُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ لَا يُضَمُّ إلَى الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولُ الصِّفَةِ وَالْجِنْسِ وَالْأَجَلِ فَهُوَ كَبَيْعٍ مَجْهُولٍ ضُمَّ إلَى الْإِجَارَةِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ، أَمَّا لَوْ انْضَبَطَ صِفَةً وَأَجَلًا لَجَازَ ضَمُّهُ عَلَى حَدِّ اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، فَالضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِ عَلَى الْأَوَّلِ يَعُودُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَعَلَى الثَّانِي يَعُودُ عَلَى الْأَجِيرِ وَكَلَامِ الْمُؤَلِّفِ فِي إجَارَةِ الضَّمَانِ، وَأَمَّا الْبَلَاغُ فَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى دَمِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَفِي هَدْيٍ وَفِدْيَةٍ لَمْ يَتَعَمَّدْ مُوجِبَهُمَا.
(ص) وَصَحَّ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْعَامَ وَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ (ش) الْمَشْهُورُ أَنَّ الْإِجَارَةُ عَلَى الْحَجِّ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْمُؤَجِّرُ الْعَامَ الَّذِي يَحُجُّ عَنْهُ فِيهِ أَجِيرُهُ وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ الْعَامُ الْأَوَّلُ، فَإِنْ لَمْ يَحُجَّ فِيهِ فَفِيمَا بَعْدَهُ وَيَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ حَيْثُ تَعَمَّدَ ذَلِكَ (ص) وَعَلَى عَامٍ مُطْلَقٍ (ش) أَيْ: وَصَحَّحَ أَيْضًا عَلَى عَامٍ مُطْلَقٍ يُوَكَّلُ إيقَاعُ الْحَجِّ فِيهِ إلَى الْأَجِيرِ وَتُسَمَّى مُقَاطَعَةً وَإِجَارَةَ ضَمَانٍ وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ بِتَكْرَارٍ مَعَ قَوْلِهِ: وَصَحَّ أَنْ يُعَيِّنَ الْعَامَ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّ السَّنَةَ تَكُونُ مُعَيَّنَةً وَمُطْلَقَةً وَمُقَاطَعَةً إلَى مَشِيئَةِ الْأَجِيرِ فَالْمُطْلَقَةُ هِيَ قَوْلُهُ: وَصَحَّ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْعَامَ، وَالْمُقَاطَعَةُ هَذِهِ وَعَطَفَهُ الشَّارِحُ فِرَارًا مِنْ التَّكْرَارِ عَلَى مُتَعَلِّقِ قَوْلِهِ: وَفُضِّلَ فَقَالَ أَيْ: وَفُضِّلَ تَعَيُّنُ الْعَامِ عَلَى عَامٍ مُطْلَقٍ وَفَعَلَ فِيمَا بَعْدَهُ كَذَلِكَ فَقَالَ أَيْ: وَفُضِّلَ الضَّمَانُ عَلَى الْبَلَاغِ وَعَلَى الْجَعَالَةِ لِلْجَهَالَةِ وَهِيَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى أَنَّهُ إنْ وَفَّى بِالْحَجِّ كَانَ لَهُ جَمِيعُ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَتَبِعَ الشَّارِحُ (هـ) فِي شَرْحِهِ وَنَصُّهُ أَيْ: وَفُضِّلَ عَامٌ مُعَيَّنٌ عَلَى عَامٍ مُطْلَقٍ، وَفُضِّلَتْ الْإِجَارَةُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا عَلَى الْجَعَالَةِ بِمَعْنَى أَنَّهَا أَحْسَنُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَأَحْوَطُ لَا بِمَعْنَى أَنَّ ثَوَابَهَا أَكْثَرُ إذْ لَا ثَوَابَ لَهُ فِيهَا كَمَا عَلِمْت.
(ص) وَحَجَّ عَلَى مَا فَهِمَ وَجَنَى إنْ وَفَّى دَيْنَهُ وَمَشَى (ش) يَعْنِي: أَنَّ أَجِيرَ الضَّمَانِ، أَوْ الْبَلَاغِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ عَلَى مَا فَهِمَ مِنْ حَالِ الْمُوصِي مِنْ رُكُوبِ مَحْمَلٍ وَمُقَتَّبٍ وَجِمَالٍ وَغَيْرِهَا وَإِذَا وَفَّى الْأَجِيرُ بِمَا أَخَذَهُ دَيْنَهُ فَقَدْ جَنَى عَلَى الْمَالِ، وَالْحُكْمُ أَنَّهُ يَمْشِي، فَقَوْلُهُ: وَمَشَى إعْطَاءً لِلْحُكْمِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعْطِفَ عَلَى وَفَّى أَيْ: وَجَنَى إنْ وَفَّى دَيْنَهُ وَجَنَى إنْ مَشَى، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى جَنَى بِالنُّونِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لَهُ، وَنُسْخَةٌ جَبَى بِالْبَاءِ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَمَشَى مَعْطُوفٌ عَلَى وَفَّى أَيْ: إنْ وَفَّى دَيْنَهُ وَمَشَى فَقَدْ جَنَى فَهُوَ بَيَانٌ لِمَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ لَا بَيَانٌ لِلْحُكْمِ خِلَافًا لِلشَّارِحِ؛ لِأَنَّ مَشْيَهُ لَا يُسْقِطُ الطَّلَبَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ غَرَضِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَلِّفَ
ــ
[حاشية العدوي]
لُزُومَ هَدْيٍ لَا أَنَّ الْمُرَادَ إذَا لَزِمَهُ هَدْيٌ بِالْفِعْلِ، بَلْ الْمُرَادُ مَا قُلْنَا (قَوْلُهُ وَالْأَجَلُ) أَيْ: وَهُوَ أَيَّامُ مِنًى فِي مِنًى عَلَى مَا يَأْتِي أَوْ فِي مَكَّةَ.
(قَوْلُهُ: عَلَى حَدِّ اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ) أَيْ: فَالْمُسْتَأْجِرُ دَفَعَ الدَّرَاهِمَ لِلْأَجِيرِ بَعْضَهَا فِي مُقَابَلَةِ الْهَدْيِ وَهَذَا بَيْعٌ أَيْ: فَالْأَجِيرُ بَاعَ الْهَدْيَ لِلْمُسْتَأْجِرِ
(قَوْلُهُ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْإِجَارَةُ عَلَى الْحَجِّ إلَخْ) أَيْ: خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ الْعَطَّارِ لَا تَصِحُّ لِلْجَهْلِ (قَوْلُهُ: عَلَى مُتَعَلِّقٍ قَوْلُهُ: وَفَضْلُ إلَخْ) أَيْ: الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: عَلَى غَزْوٍ وَهَذَا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَإِلَّا فَفِي الْحَقِيقَةِ الْمَعْطُوفُ هُوَ قَوْلُهُ: تَعَيَّنَ إلَخْ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ هُوَ، قَوْلُهُ: حَجَّ (قَوْلُهُ عَلَى الْبَلَاغِ) هِيَ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: عَلَى الْبَلَاغِ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْجَعَالَةِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ إجَارَةُ بَلَاغٍ فَيُغْنِي عَنْهَا قَوْلُهُ: وَإِجَارَةُ ضَمَانٍ عَلَى بَلَاغٍ قَطْعًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى بَلَاغٍ أَيْ: بِقِسْمَيْهَا أَيْ: بَلَاغُ ثَمَنٍ، أَوْ بَلَاغُ حَجٍّ لَكِنْ نَصَّ عَلَيْهَا لِئَلَّا يَغْفُلَ عَنْهَا وَعَنْ تَصْوِيرِهَا فِي بَابِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ دُخُولَهَا فِي الْبَلَاغِ خَفِيٌّ.
(قَوْلُهُ: لِلْجَهَالَةِ) أَيْ: الَّتِي فِي الْجَعَالَةِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يُوَفِّي أَمْ لَا لِكَوْنِ الْعَمَلِ لَيْسَ بِلَازِمٍ (قَوْلُهُ وَفُضِّلَ عَامٌ مُعَيَّنٌ عَلَى عَامٍ مُطْلَقٍ) أَيْ: أَنَّهُ أَحْوَطُ مِنْ الْمُطْلَقِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِ الْأَجِيرِ وَنَفَاذِ الْمَالِ مِنْ يَدِهِ وَعَدَمُ وُجُودِ تَرِكَةٍ لَهُ (قَوْلُهُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا) أَيْ: إجَارَةُ الضَّمَانِ بِأَنْوَاعِهَا الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْجَعَالَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الْجَعْلِ بِشَرْطٍ لِلْمَجْعُولِ لَهُ وَيَجُوزُ تَطَوُّعًا اهـ (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَنَّهَا أَحْسَنُ لِلْمُسْتَأْجِرِ إلَخْ) فِيهِ شَيْءٌ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُدَّعَى الْعَكْسُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْجَعَالَةِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْأَحْوَطِيَّةَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَكُونُ فِي طُمَأْنِينَةٍ فِي التَّوْفِيَةِ بِخِلَافِ الْجُعْلِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّوْفِيَةَ وَيَحْتَمِلُ عَدَمَهَا
. (قَوْلُهُ وَحُجَّ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ: وُجُوبًا عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَقَوْلُهُ: عَلَى مَا فُهِمَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ: فَهِمَ النَّاسُ وَفَهِمَ الْأَجِيرُ لَا عِبْرَةَ بِهِ قَالَهُ اللَّقَانِيِّ (قَوْلُهُ: مِنْ رُكُوبِ مَحْمَلٍ إلَخْ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرِينَةٌ بِشَيْءٍ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَرْكَبَ إلَّا مَا كَانَ يَرْكَبُ الْمُسْتَأْجِرُ (قَوْلُهُ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ يَمْشِي) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: أَيْ: وَجَنَى إنْ وَفَّى دَيْنَهُ) أَيْ: أَثِمَ وَأَثِمَ إنْ مَشَى ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَأْثَمُ إثْمَيْنِ: إثْمًا بِمُجَرَّدِ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَإِثْمًا آخَرَ إنْ مَشَى، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ وَجْهَ الْعَطْفِ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إثْمٌ وَاحِدٌ هَذَا إذَا تَعَذَّرَ أَخْذُ الْمَالِ مِنْ أَرْبَابِ الدُّيُونِ وَإِلَّا فَلَا فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: فَاسِدَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ عَلَى قِرَاءَةِ جَنَى يَكُونُ بَيَانًا لِلْحُكْمِ ثُمَّ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ يَكُونُ قَوْلُهُ وَمَشَى مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ:، وَفِي دَيْنِهِ أَيْ: إنْ وَفَّى دَيْنَهُ وَمَشَى فَيَلْزَمُهُ الْجِنَايَةُ لِأَجْلِ أَنْ يَحُجَّ رَاكِبًا.
(قَوْلُهُ أَيْ: إنْ وَفَّى دَيْنَهُ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: جَنَى بِالنُّونِ بَيَانًا لِلْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّارِحِ) أَيْ: فَكَلَامُ الشَّارِحِ الْمُفِيدُ أَنَّهُ إذَا مَشَى أَتَى بِالْمَطْلُوبِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْعِبَارَةِ الْأُولَى وَفِيهِ نَظَرٌ، وَبُعْدٌ إذَا كَانَ الْعَامُ مُعَيَّنًا وَفَاتَ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَهُ وَلَوْ حَجَّ بَعْدَ ذَلِكَ رَاكِبًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُفْهَمُ مِنْ الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ رُكُوبِ مُقَتَّبٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَكْفِي مَشْيُهُ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ كَذَلِكَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَهُ وَأَعْطَى لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَكَذَا يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِيمَا إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْوَفَاءِ وَقَبْلَ
قَالَ: وَحَجَّ عَلَى مَا فَهِمَ فَيَحُجُّ فِي عَامٍ آخَرَ، أَوْ يَدْفَعُ الْمَالَ.
(ص) وَالْبَلَاغُ إعْطَاءُ مَا يُنْفِقُهُ (ش) يَعْنِي: أَنَّ إجَارَةَ الْبَلَاغِ هِيَ أَنْ يُعْطِيَ الْمُسْتَأْجِرُ - بِكَسْرِ الْجِيمِ - قَدْرًا مِنْ الْمَالِ لِلْأَجِيرِ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا، وَإِذَا رَجَعَ رَدَّ مَا فَضَلَ مِنْ النَّفَقَةِ وَيَرُدُّ الثِّيَابَ أَيْضًا الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنْ الْأُجْرَةِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ:(بَدْءًا وَعَوْدًا) وَهُمَا مَنْصُوبَانِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَتَكُونُ تِلْكَ النَّفَقَةُ بِالْعُرْفِ فَلَا يُوَسِّعُ كَثِيرًا وَلَا يُقَتِّرُ قَلِيلًا، بَلْ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(بِالْعُرْفِ)، وَهُوَ ضِدُّ النُّكْرِ يُقَالُ قَدْ أَوْلَاهُ عُرْفًا أَيْ: مَعْرُوفًا وَالْعُرْفُ أَيْضًا الِاسْمُ مِنْ الِاعْتِرَافِ وَالْعُرْفُ عُرْفُ النَّاسِ (ص) وَفِي هَدْيٍ وَفِدْيَةٍ لَمْ يَتَعَمَّدْ مُوجِبَهُمَا (ش) مَعْطُوفَانِ عَلَى مُقَدَّرٍ مَعْمُولٍ لِشَرْطٍ مُقَدَّرٍ أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ مَا أَخَذَهُ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَفِي هَدْيٍ وَفِدْيَةٍ لَمْ يَتَعَمَّدْ مُوجِبَهُمَا أَيْ: سَبَبَهُمَا، وَتَقْدِيرُ الشَّرْطِ لَا بُدَّ مِنْهُ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ إجَارَةِ الْبَلَاغِ، بَلْ هُوَ إعْطَاءُ مَا يُنْفِقُهُ بَدْءًا وَعَوْدًا بِالْعُرْفِ، وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ عَطْفًا عَلَى مُقَدَّرٍ مُتَعَلِّقٍ بِقَوْلِهِ: يُنْفِقُهُ أَيْ: إعْطَاءَ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَفِي هَدْيٍ وَفِدْيَةٍ لَمْ يَتَعَمَّدْ مُوجِبَهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ تت؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مُسَمَّى الْبَلَاغِ مَا يَصْرِفُهُ فِي الْهَدْيِ وَالْفِدْيَةِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: لَمْ يَتَعَمَّدْ مُوجِبَهُمَا أَيْ: لَمْ يَفْعَلْهُمَا اخْتِيَارًا بِأَنْ فَعَلَهُمَا نَاسِيًا، أَوْ مُضْطَرًّا أَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ مُوجِبَهُمَا بِأَنَّهُ فَعَلَهُمَا مُخْتَارًا لَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ.
(ص) وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِالسَّرَفِ (ش) يَعْنِي: أَنَّ إجَارَةَ الْبَلَاغِ هِيَ إعْطَاءُ مَا يُنْفِقُهُ الْأَجِيرُ فِي ذَهَابِهِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَفِي إيَابِهِ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ فَلَوْ أَنْفَقَ الْأَجِيرُ غَيْرَ الْعُرْفِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا زَادَ عَلَى الْعُرْفِ وَالْمُرَادُ بِالسَّرَفِ مَا لَا يَلِيقُ بِحَالِهِ لَا مَا لَا يَلِيقُ بِحَالِ الْمُوصِي (ص) وَاسْتَمَرَّ إنْ فَرَغَ (ش) الضَّمِيرُ فِي اسْتَمَرَّ يَرْجِعُ لِأَجِيرِ الْبَلَاغِ وَالْمَعْنَى: أَنَّ أَجِيرَ الْبَلَاغِ إذَا فَرَغَتْ نَفَقَتُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَامُ مُعَيَّنًا أَمْ لَا فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ إلَى تَمَامِ الْحَجِّ وَيَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى مَنْ اسْتَأْجَرَهُ لَا عَلَى الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِتَرْكِهِ إجَارَةَ الضَّمَانِ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِالْبَلَاغِ فَفِي بَقِيَّةِ ثُلُثِهِ.
(ص) أَوْ أَحْرَمَ وَمَرِضَ (ش) أَيْ: أَوْ أَحْرَمَ أَجِيرُ الْبَلَاغِ وَمَرِضَ، أَوْ صُدَّ أَوْ فَاتَهُ لِخَطَأٍ عَدَدٌ بَعْدَ إحْرَامِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ وَهَذَا إذَا كَانَ الْعَامُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فِي الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَإِلَّا فَتَنْفَسِخُ فِيهِ الْإِجَارَةُ فِي الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَتَسْقُطُ أُجْرَتُهُ عَنْ مُسْتَأْجِرِهِ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَوْ مَرِضَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ يَرْجِعُ وَلَهُ النَّفَقَةُ فِي إقَامَتِهِ مَرِيضًا وَرُجُوعِهِ لَا فِي ذَهَابِهِ إلَى مَكَّةَ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ.
(ص)، وَإِنْ ضَاعَتْ قَبْلَهُ رَجَعَ (ش) أَيْ: وَإِنْ ضَاعَتْ
ــ
[حاشية العدوي]
الْمَشْيِ حَيْثُ فُهِمَ مِنْ الْمَيِّتِ خِلَافُ الْمَشْيِ، وَانْظُرْ مَا الْحُكْمُ إذَا لَمْ يُفْهَمْ مِنْ الْمَيِّتِ شَيْءٌ وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مَا فَعَلَهُ مُخَالِفًا لِمُرَادِهِ، أَوْ مُوَافِقًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَهَذَا إذَا لَمْ يُجِزْ الْعُرْفُ بِشَيْءٍ وَإِلَّا عُمِلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ
. (قَوْلُهُ: إعْطَاءً) أَيْ: ذَاتَ إعْطَاءٍ إلَخْ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِعْطَاءِ بِالْفِعْلِ وَأَنَّهُ إذَا دَخَلَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ كُلَّ النَّفَقَةِ، أَوْ بَعْضَهَا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بَلَاغًا جَائِزًا وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ فِيهِ سَلَفٌ وَإِجَارَةٌ وَسَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا فَلَا تَصِحُّ تِلْكَ الْإِجَارَةُ.
(تَنْبِيهٌ) : ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُرَاعَى فِيمَا يُنْفِقُهُ الْعُرْفُ ابْتِدَاءً وَقَالَ الْحَطَّابُ قَوْلُهُ بِالْعُرْفِ هَذَا بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَأَمَّا أَوَّلًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ النَّفَقَةَ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَتَكُونُ تِلْكَ النَّفَقَةُ إلَخْ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُرْفِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِمَّا يُصْلِحُهُ كَمَا فِي الشَّارِحِ، وَفِي الْحَطَّابِ أَنَّهُ يُنْفِقُ نَفَقَةَ مِثْلِهِ (قَوْلُهُ: عُرْفًا أَيْ: مَعْرُوفًا) أَيْ: إحْسَانًا وَقَوْلُهُ: وَالْعُرْفُ أَيْضًا الِاسْمُ أَيْ: وَحَيْثُ كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ الِاعْتِرَافِ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا اُعْتُرِفَ بِهِ فَهُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ وَالْعُرْفُ عُرْفُ النَّاسِ (قَوْلُهُ: مَعْمُولٌ لِشَرْطٍ مُقَدَّرٍ) أَيْ: لِمُتَعَلِّقِ جَوَابِ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ (قَوْلُهُ: لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ إجَارَةِ الْبَلَاغِ) هَذَا هُوَ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِهِ: بَعْدُ وَلَا يَصْلُحُ جَعْلُهُ عَطْفًا عَلَى إلَخْ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَقْتَضِي إلَخْ) وَيَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ الرُّجُوعَ بِمَا يَصْرِفُهُ فِي الْهَدْيِ وَالْفِدْيَةِ إنَّمَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ مُوجِبَهُمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَرْجِعُ بِهِ، وَإِنْ تَعَمَّدَ مُوجِبَهُمَا وَالتَّفْصِيلُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الرُّجُوعِ، وَالْمُرَادُ بِتَعَمُّدِ مُوجِبِهِمَا فِعْلُهُ اخْتِيَارًا فَفَعَلَهُ عَمْدًا لِعُذْرٍ كَالْإِكْرَاهِ كَفِعْلِهِ نَاسِيًا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِهِ حَتَّى يَثْبُتَ عَلَيْهِ التَّعَمُّدُ قَالَهُ سَنَدٌ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ) نَقُولُ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّارِعُ نَظَرَ لِمَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ سَالِمٌ إعْطَاءُ مَا يُنْفِقُهُ بَدْءًا وَعَوْدًا غَالِبًا فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ أَقَلَّ مِمَّا يَكْفِيهِ
(قَوْلُهُ: وَتَسْقُطُ أُجْرَتُهُ عَنْ مُسْتَأْجِرِهِ) أَمَّا مَنْ صُدَّ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّحَلُّلُ حَيْثُ كَانَ وَأَمَّا الْمَرِيضُ، وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُمَا التَّحَلُّلُ حَتَّى يَذْهَبَا إلَى مَكَّةَ لِفِعْلِ عَمْرَةٍ فَإِنَّ الْعَامَ الَّذِي اشْتَرَطَهُ عَلَيْهِ ذَهَبَ وَإِنَّمَا تَمَادِيًا لِحَقِّ اللَّهِ فِيمَا يَتَحَلَّلَانِ بِهِ مِنْ الْإِحْرَامِ فَكَأَنَّ ذَلِكَ مُصِيبَةٌ وَقَعَتْ بِهِمَا قَالَ مَعْنَاهُ اللَّخْمِيُّ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ حَبْسَهُ لِحَقٍّ كَالْمَرِيضِ وَحَيْثُ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ فَإِنَّمَا هِيَ قَدْرُ مَا كَانَ يَصْرِفُهُ وَالزَّائِدُ لِدَوَاءٍ فِي مَالِ نَفْسِهِ صَرَّحَ بِهِ سَنَدٌ فِيمَنْ مَرِضَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: وَفُهِمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ مَرِضَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ) وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَامِ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ فَالتَّفْصِيلُ الَّذِي فِي الْمُصَنِّفِ مَعَ الشَّارِحِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا مَرِضَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَلَهُ النَّفَقَةُ فِي إقَامَتِهِ مَرِيضًا) أَيْ: إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الرُّجُوعُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَأَمَّا لَوْ أَقَامَ مَرِيضًا وَيُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهُ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ، بَلْ فِي حَالَةِ الرُّجُوعِ
. (قَوْلُهُ: وَإِنْ ضَاعَتْ قَبْلَهُ رَجَعَ) أَيْ: إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ قَبْلَهُ، وَمَحَلُّ قَوْلِهِ: رَجَعَ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فَيَسْتَمِرُّ إلَى
النَّفَقَةُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ رَجَعَ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ شَرْطٌ وَإِلَّا عُمِلَ بِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فِي الضَّيَاعِ لِتَعَذُّرِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ أَظْهَرَهُ فِي مَكَانِهِ، أَوْ بَعْدَ رُجُوعِهِ، وَلَيْسَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَنْ يُحِجُّوا غَيْرَهُ إذَا كَانَ فِي الثُّلُثِ فَضْلَةٌ أَيْ: حَيْثُ لَمْ يُوصِ بِالْبَلَاغِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، فَإِنْ تَمَادَى بَعْدَ التَّلَفِ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ إلَى مَوْضِعِ التَّلَفِ وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ مَوْضِعِ الضَّيَاعِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ فِيهِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ابْنُ يُونُسَ، وَهُوَ أَحْسَنُ انْتَهَى.
إلَّا أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ عَلَى أَنَّ نَفَقَتَهُ مِنْ الثُّلُثِ فَيَرْجِعُ فِي بَاقِيهِ (ص) وَإِلَّا فَنَفَقَتُهُ عَلَى آجِرِهِ (ش) أَيْ: وَإِلَّا بِأَنْ حَصَلَ الضَّيَاعُ لِنَفَقَةِ أَجِيرِ الْبَلَاغِ بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ أَوْ الْفَرَاغِ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ يَتَمَادَى عَلَى إحْرَامِهِ إذْ الْحَجُّ لَا يُرْتَفَضُ وَنَفَقَتُهُ فِي تَمَادِيهِ، وَرُجُوعُهُ عَلَى الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ فِي تَرْكِ إجَارَةِ الضَّمَانِ، وَلَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِذَا ضَاعَتْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَتَبَيَّنَ لَهُ الضَّيَاعُ بَعْدَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا ضَاعَتْ بَعْدَهُ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْفَرَاغَ لَيْسَ كَالضَّيَاعِ؛ لِأَنَّ الْفَرَاغَ مَدْخُولٌ عَلَيْهِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ:(إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِالْبَلَاغِ فَفِي بَقِيَّةِ ثُلُثِهِ، وَلَوْ قُسِّمَ) إلَى أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ عَلَى الْبَلَاغِ فَإِنَّ النَّفَقَةَ تَكُونُ فِي بَقِيَّةِ الثُّلُثِ إنْ لَمْ يُقَسَّمْ، بَلْ وَلَوْ قُسِّمَ عَلَى الْمَشْهُورِ.
(ص) وَأَجْزَأَ إنْ قَدَّمَ عَلَى عَامِ الشَّرْطِ (ش) يَعْنِي: لَوْ اشْتَرَطَ الْمُسْتَأْجِرُ بِكَسْرِ الْجِيمِ عَلَى الْأَجِيرِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فِي عَامٍ بِعَيْنِهِ فَحَجَّ عَنْهُ فِي عَامٍ قَبْلَ ذَلِكَ الْعَامِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ عَنْ الْمُسْتَأْجَرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَعْجِيلِ دَيْنٍ يُجْبَرُ رَبُّهُ عَلَى اقْتِضَائِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَعْيِينِ الْمَوْسِمِ إلَّا إرَادَةَ التَّوْسِعَةِ عَلَيْهِ أَيْ: فِي زَمَنِ فِعْلِ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ فَتَأْخِيرُهُ حَقٌّ لَهُ فَلَهُ تَرْكُهُ وَيَتَعَجَّلُ إنْ شَاءَ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ الْإِجْزَاءُ، وَلَوْ كَانَ الْعَامُ الَّذِي عَيَّنَهُ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ كَكَوْنِ وَقْفَتُهُ بِالْجُمُعَةِ، فَإِنْ قِيلَ لَا شَكَّ أَنَّ الْفَرْضَ لَا يَسْقُطُ عَمَّنْ حَجَّ عَنْهُ فَمَا مَعْنَى الْإِجْزَاءِ عَنْ الْمَيِّتِ قُلْنَا: مَعْنَاهُ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْأَجِيرِ مِمَّا الْتَزَمَهُ لِيَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ.
(ص) أَوْ تَرَكَ الزِّيَارَةَ وَرَجَعَ بِقِسْطِهَا (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْأَجِيرَ عَلَى الْحَجِّ إذَا تَرَكَ الزِّيَارَةَ أَيْ: زِيَارَةَ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام، أَوْ الْعُمْرَةَ الْمُشْتَرَطَتَيْنِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَجِّ أَيْ: أَوْ الْمُعْتَادَيْنِ فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَرْجِعُ عَلَى الْأَجِيرِ بِقِسْطِهَا مِنْ الْأُجْرَةِ وَيَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ، فَقَوْلُهُ: وَرَجَعَ إلَخْ بَيَانٌ لِلْحُكْمِ أَيْ: وَالْحُكْمُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِقِسْطِهَا أَيْ: الزِّيَارَةِ، وَمِثْلُهَا الْعُمْرَةُ (ص) أَوْ خَالَفَ أَفْرَادَ الْغَيْرَةِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمَيِّتُ وَإِلَّا فَلَا (ش) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: قَدَّمَ أَيْ: إنَّ الْوَارِثَ إذَا شَرَطَ عَلَى الْأَجِيرِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ مُفْرِدًا فَخَالَفَ الْأَجِيرُ وَحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ قَارِنًا، أَوْ مُتَمَتِّعًا فَإِنَّ الْحَجَّ يُجْزِئُ عَنْ الْمَيِّتِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ
ــ
[حاشية العدوي]
أَنْ يَصِلَ إلَى مَكَان مُسْتَعْتَبٍ (قَوْلُهُ: أَيْ: حَيْثُ لَمْ يُوصِ بِالْبَلَاغِ) أَيْ: وَإِنْ ضَاعَتْ قَبْلَهُ رَجَعَ، وَلَيْسَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَيْ: حَيْثُ لَمْ يُوصِ بِالْبَلَاغِ أَيْ: وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا إجَارَةُ بَلَاغٍ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي إجَارَةِ بَلَاغٍ بِدُونِ وَصِيَّةٍ مِنْ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ: أَيْ: حَيْثُ لَمْ يُوصِ بِالْبَلَاغِ) وَإِلَى هَذَا الْقَيْدِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِالْبَلَاغِ (قَوْلُهُ: قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَلَيْسَ إلَخْ أَيْ: وَلَيْسَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَنْ يُحِجُّوا غَيْرَهُ إذَا كَانَ إلَخْ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ (قَوْلُهُ: رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ) وَمُقَابِلُهُ أَنَّهَا عَلَى الْأَجِيرِ وَهُوَ لِابْنِ حَبِيبٍ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَهُوَ أَحْسَنُ أَيْ: مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ الْمَذْكُورِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَكُونَ إلَخْ) هَذَا الْقَيْدُ ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ مُرْتَبِطًا بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ ضَاعَتْ قَبْلَهُ رَجَعَ أَيْ: وَلَهُ النَّفَقَةُ فِي رُجُوعِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ عَلَى أَنَّ نَفَقَتَهُ فِي الثُّلُثِ فَيَرْجِعُ فِي بَاقِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ أَوَّلًا جَمَعَ الثُّلُثَ وَعَلَيْهِ رَاضُوهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَمَعْنَى هَذَا الْقَيْدِ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِالْبَلَاغِ فَهُوَ مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ: سَابِقًا أَيْ: حَيْثُ لَمْ يُوصِ بِالْبَلَاغِ يَقِينًا (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِالْبَلَاغِ) بِمَا تَقَدَّمَ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِالْبَلَاغِ يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ وَإِنْ ضَاعَتْ قَبْلَهُ رَجَعَ وَلِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَنَفَقَتُهُ عَلَى آجِرِهِ (قَوْلُهُ: فَفِي بَقِيَّةِ ثُلُثِهِ) فَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْهُ فَعَلَى الْعَاقِدِ وَصِيٍّ، أَوْ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَقُلْ فِي الْعَقْدِ: هَذَا جَمِيعُ مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ لَيْسَ لَك يَا أَجِيرُ غَيْرُهُ فَهَذِهِ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
(قَوْلُهُ: بَلْ وَلَوْ قُسِّمَ إلَخْ) رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّهُ إذَا قُسِّمَ فَلَيْسَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَنْ يُحِجُّوا غَيْرَهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحَلَّ الرُّجُوعِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَجِيرِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يُوصِ بِالْبَلَاغِ، فَإِذَا أَوْصَى بِالْبَلَاغِ فَفِي بَقِيَّةِ ثُلُثِهِ هَذَا إذَا لَمْ يُقَسَّمْ، بَلْ وَلَوْ قُسِّمَ رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ إذَا أَوْصَى بِالْبَلَاغِ ثُمَّ قُسِّمَ الثُّلُثُ وَضَاعَتْ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ هَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ بَهْرَامَ، وَأَمَّا إذَا حَصَلَ الضَّيَاعُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقُلْنَا يَتَمَادَى، وَقَدْ كَانَ أَوْصَى بِالْبَلَاغِ، وَقَدْ قُسِّمَ الثُّلُثُ فَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ النَّقْلِ مَا يَقُولُ ذَلِكَ الْقَائِلُ، وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُخَرَّجٌ فَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ: فَإِنْ كَانَ قَدْ قُسِّمَ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ أَوْصَى بِشِرَاءِ عَبْدٍ مِنْ ثُلُثِهِ فَاشْتُرِيَ وَلَمْ يَتَعَدَّ لَهُ الْعِتْقُ حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ وَقَدْ اقْتَسَمَتْ الْوَرَثَةُ الْمَالَ فَقَدْ قِيلَ: يُشْتَرَى عَبْدٌ آخَرُ مِنْ بَقِيَّةِ الثُّلُثِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقِيلَ لَا قَالَ بَهْرَامُ، وَانْظُرْ كَيْف خَرَجَ الْخِلَافُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ، وَكَلَامُ الشَّيْخِ يُوهِمُ أَنَّ الْخِلَافَ مَنْصُوصٌ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ إلَّا إرَادَةَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ التَّقْدِيمُ عَلَى عَامِ الشَّرْطِ ابْتِدَاءً وَقَرَّرَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ عَلَى الْكَرَاهَةِ ابْتِدَاءً أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَجْزَأَ، وَمَفْهُومُ تَقَدَّمَ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ إنْ أَخَّرَ عَنْ عَامِ الشَّرْطِ كَمَا يُفِيدُهُ، قَوْلُهُ: وَفَسَخَهُ ثُمَّ يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا إرَادَةَ التَّوَسُّعَةِ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَرَضُهُ الْحَجُّ فِي وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ كَكَوْنِ وَقْفَتِهِ بِالْجُمُعَةِ) كَيْفَ يُعْلَمُ كَوْنُ الْوَقْفَةِ بِالْجُمُعَةِ فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ السِّنِينَ الْمُسْتَقْبَلَةِ.
(قَوْلُهُ: بِقِسْطِهَا مِنْ الْأُجْرَةِ وَصَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ) ، سَوَاءٌ تَرَكَهَا لِعُذْرٍ أَمْ لَا وَفُهِمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ لِيَأْتِيَ بِهَا
وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِطُ لِلْإِفْرَادِ عَلَى الْأَجِيرِ هُوَ الْمَيِّتُ فَخَالَفَ الْأَجِيرُ وَقَرَنَ، أَوْ تَمَتَّعَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْمَيِّتِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ إنْ خَالَفَ إلَى قِرَانٍ فِي الْعَامِ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ خَالَفَ فَتَمَتَّعَ أَعَادَ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْعَامَ، وَإِنَّمَا أَجْزَأَ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ عَنْ الْإِفْرَادِ حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمَيِّتُ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى الْإِفْرَادِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْزِيَا حَيْثُ اشْتَرَطَهُ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِطُهُ لِتَعَلُّقِ غَرَضِهِ بِهِ فَفَعَلَ غَيْرَهُ كَفِعْلِ غَيْرِ مَا وَقَّعَ عَلَيْهِ الْعَقْدَ.
(ص) كَتَمَتُّعٍ بِقِرَانٍ، أَوْ عَكْسِهِ، أَوْ هُمَا بِإِفْرَادٍ (ش) أَيْ: وَكَذَلِكَ لَا يُجْزِئُ الْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا شَرَطَ عَلَى الْأَجِيرِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مُتَمَتِّعًا فَخَالَفَ وَحَجَّ قَارِنًا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْقِرَانَ فَخَالَفَ وَحَجَّ مُتَمَتِّعًا لِإِتْيَانِهِ بِغَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ مُتَمَتِّعًا، أَوْ قَارِنًا فَخَالَفَ الْأَجِيرُ وَحَجَّ مُفْرِدًا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِطُ لِذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ هُوَ الْمَيِّتُ أَوْ الْوَصِيُّ فَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ: وَإِلَّا فَلَا، وَلِهَذَا صَرَّحَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ لِيُشَبِّهَ بِهِ الْمَسَائِلَ الْمَذْكُورَةَ، فَإِنْ قِيلَ لَا شَكَّ أَنَّ الْإِفْرَاد عِنْدَنَا أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ فَلِمَ لَمْ يَجُزْ عَنْهُمَا قُلْت الْأُجْرَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا وَقَعَتْ فِي مُقَابَلَتِهِ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى كَوْنِهِ مَفْضُولًا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ أَمْ لَا وَلِذَا لَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْعُمْرَةِ فَأَتَى بِالْحَجِّ لَمْ يَجُزْهُ (ص)، أَوْ مِيقَاتًا شَرَطَ (ش) مَعْمُولٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ مَعْطُوفٍ عَلَى تَمَتُّعٍ أَيْ: كَمُخَالَفَتِهِ مِيقَاتًا شَرَطَ وَفِيهِ ضَعْفٌ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يَعْمَلُ مَحْذُوفًا أَيْ: إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامَ مِنْ مِيقَاتٍ فَخَالَفَ بِأَنْ أَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتٍ آخَرَ أَوْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ الْمُشْتَرَطَ حَلَالًا، ثُمَّ أَحْرَمَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَأَمَّا إذَا أَحْرَمَ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ كَمَا قَالَهُ سَنَدٌ؛ لِأَنَّهُ يَمُرُّ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يُجْزِهِ فَإِنْ كَانَ الْعَامُ مُعَيَّنًا وَفَاتَ رَدُّ الْمَالِ وَإِلَّا رَجَعَ وَأَحْرَمَ مِنْهُ وَمِثْلُ الشَّرْطِ مَا إذَا تَعَيَّنَ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضٌ.
(ص) وَفُسِخَتْ إنْ عَيَّنَ الْعَامَ (ش) أَيْ: إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْعَامُ مُعَيَّنًا، وَقَوْلُهُ:(أَوْ عَدِمَ) مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ: إذَا حَصَلَتْ الْمُخَالَفَةُ، أَوْ عَدِمَ أَيْ: الْحَجَّ بِأَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ لِمَرَضٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ عَدِمَ الْأَجِيرُ أَيْ: أَوْ عَدِمَ الْأَجِيرُ بِمَوْتٍ، أَوْ كُفْرٍ، أَوْ جُنُونٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنْ قُرِئَ بِأَوْ كَانَتَا مَسْأَلَتَيْنِ، وَبِالْوَاوِ فَمَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَغَرِمَ أَيْ: وَإِذَا فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ غَرِمَ الْمَالَ الَّذِي أَخَذَهُ (ص) كَغَيْرِهِ وَقَرَنَ (ش) الضَّمِيرُ فِي غَيْرِهِ يَرْجِعُ لِلْعَامِ الْمُعَيَّنِ وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ - بِكَسْرِ الْجِيمِ - إذَا اشْتَرَطَ عَلَى الْأَجِيرِ الْإِفْرَادَ فِي عَامٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَخَالَفَ الْأَجِيرُ وَأَحْرَمَ قَارِنًا فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ لِإِتْيَانِهِ بِغَيْرِ مَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَطَ عَلَى الْأَجِيرِ الْقِرَانَ مُطْلَقًا أَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ الْإِفْرَادَ فَخَالَفَ وَتَمَتَّعَ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِمَا شَرَطَ عَلَيْهِ فِي عَامٍ آخَرَ، وَلَا تَنْفَسِخُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَأَعَادَ إنْ تَمَتَّعَ)
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ: إنْ خَالَفَ إلَى قِرَانٍ فِي الْعَامِ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ إلَخْ) الْفَرْقُ أَنَّ عَدَاءَهُ فِي الْقِرَانِ خَفِيٌّ إذْ صُورَةُ الْقِرَانِ صُورَةُ الْإِفْرَادِ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ صُورَةِ التَّمَتُّعِ فَهِيَ مُغَايِرَةٌ لِصُورَةِ الْإِفْرَادِ؛ فَلِذَا كَانَ الْفَسْخُ فِي صُورَةِ الْمُخَالَفَةِ لِقِرَانٍ ثَابِتًا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُخَالِفَ أَيْضًا بِخِلَافِ صُورَةِ التَّمَتُّعِ لَوْ خَالَفَ يَظْهَرُ عَدَاؤُهُ (قَوْلُهُ: لِتَعَلُّقِ غَرَضِهِ بِهِ) فِيهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرَطُ الْمُسْتَأْجَرَ يُقَالُ إنَّهُ إنَّمَا اُشْتُرِطَ لِتَعَلُّقِ غَرَضِهِ بِهِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا تَعَلُّقٌ كَالْعَدَمِ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ الْمُتَرَتِّبَ إنَّمَا هُوَ عَائِدٌ عَلَى الْمَيِّتِ فَتَدَبَّرْ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي ك يُنْظَرُ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ يُخَالِفُ أَفْرَادَ الْغِيرَةِ حَيْثُ أَجْزَأَ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمَيِّتُ وَبَيْنَ مَا إذَا اشْتَرَطَ التَّمَتُّعَ فَقَرَنَ وَعَكْسُهُ، أَوْ اشْتِرَاطًا فَأَفْرَدَ مِنْ غُرْمِهِ مُطْلَقًا، وَانْظُرْ لَوْ نَسِيَ الْأَجِيرُ مَا اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ وَغَابَ الْمُسْتَأْجِرُ وَتَعَذَّرَ سُؤَالُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِالْأَفْضَلِ وَهُوَ الْإِفْرَادُ وَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي الْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ اهـ
(قَوْلُهُ أَوْ هُمَا) ضَمِيرُ الرَّفْعِ اُسْتُعِيرَ لِضَمِيرِ الْجَرِّ وَلَا يَضُرُّ ارْتِكَابُ الْقَلِيلِ وَهُوَ دُخُولُ الْكَافِ عَلَى الضَّمِيرِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ التَّعَالِيلَ الْمَذْكُورَةَ جَارِيَةٌ فِيمَا إذَا خَالَفَ أَفْرَادَ الْغَيْرَةِ وَلَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِطُ الْمَيِّتَ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ ضَعْفٌ إلَخْ) الْعِلَّةُ تَقْتَضِي الْمَنْعَ لَا الضَّعْفَ.
(قَوْلُهُ: وَمِثْلُ الشَّرْطِ مَا إذَا تَعَيَّنَ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ) أَيْ: فَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ شَرْطٌ أَيْ: حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا
(قَوْلُهُ: الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ) وَهِيَ: التَّمَتُّعُ عَنْ الْإِفْرَادِ، وَالْقِرَانُ عَنْ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعُ عَنْ الْقِرَانِ، وَالْقِرَانُ عَنْ التَّمَتُّعِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: إذَا حَصَلَتْ الْمُخَالَفَةُ، أَوْ عَدَمُ) فَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْعَامُ مُعَيَّنٌ (قَوْلُهُ: كَانَتَا مَسْأَلَتَيْنِ) وَالْعَامُ مُعَيَّنٌ (قَوْلُهُ: وَبِالْوَاوِ فَمَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ) حَلَّ عَلَيْهَا عج بِقَوْلِهِ: وَفُسِخَتْ إجَارَةٌ إنْ عَيَّنَ الْعَامَ وَعُدِمَ الْحَجُّ فِيهِ بِأَنْ لَمْ يَحُجَّ الْأَجِيرُ أَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ، أَوْ فَسَدَ بِوَجْهٍ، أَوْ أَتَى بِهِ عَلَى صُورَةٍ لَا تُجْزِئُ مِنْ الصُّوَرِ السَّبْعِ السَّابِقَةِ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْحَجَّ لِغَيْرِ عُذْرٍ، أَوْ أَفْسَدَ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ، سَوَاءٌ كَانَ الْعَامُ مُعَيَّنًا أَمْ لَا، بَلْ يُخَيَّرُ الْوَارِثُ فِي الصَّبْرِ لِقَابِلٍ، وَفِي الْفَسْخِ وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ، وَلَعَلَّ وَجْهَ تَخْيِيرِ الْوَارِثِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ قَصْدُ التَّشْدِيدِ عَلَى الْأَجِيرِ بِمَا اجْتَرَمَهُ اُنْظُرْ عج ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً إلَّا أَنَّهَا تَحْتَهَا مَسَائِلُ فَمُؤَدَّى الْوَاوِ مُؤَدَّى أَوْ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ - بِكَسْرِ الْجِيمِ - إذَا اشْتَرَطَ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ يَعْنِي: أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا اشْتَرَطَ الْإِفْرَادَ إلَخْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ لِإِتْيَانِهِ بِغَيْرِ مَا اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ) وَكَذَا إذَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ فَقَرَنَهُ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ لِإِتْيَانِهِ بِغَيْرِ مَا اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ مَا إذَا اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ الْقِرَانُ، أَوْ التَّمَتُّعُ فَأَفْرَدَ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ أَيْضًا إلَّا أَنَّ عج نَظَرَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ خَالَفَ التَّمَتُّعَ فَأَفْرَدَ عَدَاؤُهُ ظَاهِرٌ فَلَا وَجْهَ لِلْفَسْخِ (قَوْلُهُ: وَأَعَادَ إنْ تَمَتَّعَ) تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ صَرَفَهُ لِنَفْسِهِ) لِقَوْلِ الْقَرَافِيِّ فِي ذَخِيرَتِهِ: إذَا أَحْرَمَ الْأَجِيرُ عَنْ الْمَيِّتِ، ثُمَّ صَرَفَهُ لِنَفْسِهِ لَمْ يُجْزِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا انْتَهَى، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ.
وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَامُ مُعَيَّنًا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ عَدَاءَهُ خَفِيَ كَعَدَاءِ مَنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْإِفْرَادَ، أَوْ التَّمَتُّعَ فَقَرَنَ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ: كَغَيْرِهِ وَقَرَنَ، أَوْ صَرَفَهُ لِنَفْسِهِ وَأَعَادَ أَنَّ " تَمَتَّعَ " مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: أَوْ خَالَفَ إفْرَادًا كَغَيْرِهِ إلَخْ، وَالْكَلَامُ هُنَاكَ فِي الْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ، وَهُنَا فِي الْفَسْخِ وَعَدَمِهِ أَيْ: حَيْثُ قُلْنَا بِالْإِجْزَاءِ فَلَا يُسْأَلُ عَنْهُ وَحَيْثُ قُلْنَا بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فُسِخَ إنْ عُيِّنَ الْعَامُ وَغَرِمَ أَيْ: فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الَّتِي لَا تُجْزِئُ إنْ عُيِّنَ الْعَامُ إلَخْ.
(ص) وَهَلْ تَنْفَسِخُ إنْ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ فِي الْمُعَيَّنِ، أَوْ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ لِلْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُ عَنْ الْمَيِّتِ فَيُجْزِئُهُ؟ تَأْوِيلَانِ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ - بِكَسْرِ الْجِيمِ - إذَا شَرَطَ عَلَى أَجِيرِهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فِي عَامٍ مُعَيَّنٍ فَاعْتَمَرَ الْأَجِيرُ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنْ الْمِيقَاتِ فَهَلْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي الْحَالَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِمَارِهِ عَنْ نَفْسِهِ عَلِمَ أَنَّ خُرُوجَهُ لَيْسَ إلَّا لِنَفْسِهِ، أَوْ تَنْفَسِخُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ لِلْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُ عَنْ الْمَيِّتِ فَلَا تَنْفَسِخُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ؟ تَأْوِيلَانِ فَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَيُجْزِئُهُ لِلتَّعْلِيلِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَقَالَ اللَّقَانِيِّ: التَّأْوِيلَانِ إنَّمَا هُمَا مَنْصُوصَانِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَكِنَّ فِي الْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ فَيَبْقَى لِعَامٍ قَابِلٍ، وَأَمَّا الْفَسْخُ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا، فَأَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ يَقُولُ: يَرْجِعُ لِلْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُ مِنْهُ، وَالْآخَرُ يَقُولُ يُحْرِمُ مِنْ مَحَلِّهِ أَيْ: فِي الْقَابِلِ وَأَمَّا التَّأْوِيلَانِ فِي الْمُعَيَّنِ فَإِنَّمَا هُمَا مُخَرَّجَانِ عَلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَمَنْ قَالَ يُحْرِمُ مِنْ مَحَلِّهِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ يَقُولُ: يَرْجِعُ لِلْمِيقَاتِ فِي الْمُعَيَّنِ، وَمَنْ قَالَ: يَرْجِعُ لِلْمِيقَاتِ يَقُولُ: بِالْفَسْخِ فِي الْمُعَيَّنِ وَمَحَلُّهُمَا فِي الْمُعَيَّنِ إذَا رَجَعَ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَأَمَّا لَوْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ فَأَنْفَقَ فِيهِ عَلَى الْفَسْخِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ مَنْصُوصَانِ فِي الْمُعَيَّنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ الْأَصْلَ وَالْمُخْرَجَ جَمِيعًا اُنْظُرْ ح.
(ص) وَمُنِعَ اسْتِنَابَةُ صَحِيحٍ فِي فَرْضٍ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الشَّخْصَ الصَّحِيحَ الْبَدَنِ الْمُسْتَطِيعَ لِلْحَجِّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِأَحَدٍ وَيَسْتَنِيبَهُ فِي أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، فَقَوْلُهُ: اسْتِنَابَةُ صَحِيحٍ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِنَابَةِ وَالنِّيَابَةِ: أَنَّ النِّيَابَةَ وُقُوعُ الْحَجِّ عَنْ الْمَجْمُوعِ عَنْهُ، وَسُقُوطُ الْفَرْضِ عَنْهُ، وَمَعْنَى الِاسْتِنَابَةِ جَوَازُ الْفِعْلِ مِنْ الْغَيْرِ فَقَطْ يُرِيدُ بِالْغَيْرِ الْمُسْتَنِيبَ، وَالْأَصْلُ فِيمَا مُنِعَ
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ: أَوْ صَرَفَهُ لِنَفْسِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَقَرَنَ أَيْ: وَالْفَرْضُ أَنَّ الْعَامَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ أَيْ: فَيُفْسَخُ إنْ كَانَ الْعَامُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَأَوْلَى إذَا كَانَ مُعَيَّنًا (قَوْلُهُ أَوْ صَرَفَهُ) أَيْ: صَرَفَ الْأَفْعَالَ وَإِلَّا فَالْإِحْرَامُ لَا يُرْتَفَضُ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ: وَأَمَّا لَوْ أَحْرَمَ الْأَجِيرُ عَنْ نَفْسِهِ وَفَعَلَ الْحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي الْإِجْزَاءِ وَغَايَتُهُ أَنَّهُ فَعَلَ أَمْرًا مُحَرَّمًا، وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّ بِالْحَرَامِ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا عَبْدُ اللَّهِ (قَوْلُهُ: كَعَدَاءِ مَنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْإِفْرَادَ أَوْ التَّمَتُّعَ فَقَرَنَ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْعَدَاءَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا إذَا خَالَفَ مِنْ إفْرَادٍ لِقِرَانٍ، وَأَمَّا مَنْ تَمَتَّعَ لِقِرَانٍ فَالْعَدَاءُ ظَاهِرٌ لِاخْتِلَافِ صُورَةِ الْفِعْلِ ظَاهِرًا، وَالْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِظْهَارٌ مِنْ الْحَطَّابِ وَوَجْهُ الْعَدَاءِ فِي الْقِرَانِ أَنَّ الْقِرَانَ يَخْفَى؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ لِلنِّيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا فَقَدْ يَعُودُ لَهُ ثَانِيَةً بِخِلَافِ الْمُتَمَتِّعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ:) وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَقَامَيْنِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُخَالَفَةِ
(قَوْلُهُ: يُحْرِمُ مِنْ مَحَلِّهِ) أَيْ: بَلَدِهِ وَقَوْلُهُ: فِي الْقَابِلِ أَيْ: فِي الْعَامِ الْقَابِلِ، وَالْمُرَادُ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ فِي حَالِ كَوْنِهِ آتِيًا مِنْ مَحَلِّهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ بَلَدِهِ، وَلَوْ قَالَ يَحُجُّ مِنْ بَلَدِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ مَعَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَمَنْ قَالَ يُحْرِمُ مِنْ مَحَلِّهِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ) أَيْ: يُحْرِمُ مِنْ مِيقَاتِهِ حَالَ كَوْنِهِ آتِيًا مِنْ بَلَدِهِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ يَقُولُ: يَرْجِعُ لِلْمِيقَاتِ فِي الْمُعَيَّنِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا قَالَهُ شَارِحُنَا عَنْ ق الْمُنَاسِبُ خِلَافُهُ وَهُوَ مَا حَلَّ بِهِ الطِّخِّيخِيُّ كَمَا أَفَادَهُ نَقْلُهُ وَنَصُّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ النَّقْلَ، إذَا عُلِمَ هَذَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا هُمَا إذَا أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بَعْدَ أَنْ اعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ فَمَنْ اشْتَرَطَ رُجُوعَهُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ إلَى مَوْضِعِ الِاسْتِئْجَارِ فَسَخَ فِي الْمُعَيَّنِ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ رُجُوعَهُ إلَيْهِ أَجْزَأَهُ إحْرَامُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَا تَنْفَسِخُ، أَمَّا إذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ فَيَتَّفِقَانِ عَلَى الْفَسْخِ فِي الْمُعَيَّنِ وَعَلَى عَدَمِهِ فِي غَيْرِهِ انْتَهَى. وَهُوَ وَجِيهٌ فِي ذَاتِهِ أَيْضًا أَيْ: بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ النَّقْلِ يُفِيدُهُ.
(قَوْلُهُ: اُنْظُرْ ح) زَادَ فِي ك وَعَلَى الْإِجْزَاءِ فَإِنْ كَانَ اعْتِمَارُهُ عَنْ نَفْسِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ وَالدَّمُ فِي مَالِهِ لِتَعَمُّدِهِ قَالَ سَنَدٌ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لِمَا أَدْخَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ نَقْصِ التَّمَتُّعِ، وَعَنْ التُّونُسِيِّ لَوْ قِيلَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِقْدَارِ مَا نَقَصَ مَا بَعُدَ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: يَعْنِي: أَنَّ الشَّخْصَ الصَّحِيحَ الْبَدَنِ الْمُسْتَطِيعَ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفَ صِفَةٍ وَهُوَ الِاسْتِطَاعَةُ وَلَك أَنْ تَقُولَ: الْمُرَادُ بِالصَّحِيحِ الْمُسْتَطِيعُ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا مَرْجُوًّا صِحَّتُهُ (قَوْلُهُ: فِي أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ) أَيْ: وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي لِخَوْفِ الْفَوَاتِ، وَمَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا وَقَعَ بِأُجْرَةٍ وَإِلَّا فَهُوَ مَعْرُوفٌ وَفِعْلُهُ حَسَنٌ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ، وَمَحَلُّ كَوْنِهِ حَسَنًا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْمُتَطَوِّعُ مُسْتَطِيعًا وَبَدَأَ بِهِ وَالْإِكْرَاهُ كَمَا أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: كَبَدْءٍ إلَخْ ثُمَّ إنَّ مُحَشِّي تت رَدَّ هَذَا بِقَوْلِهِ: وَلْتَعْلَمْ أَنَّ نَقْلَ الْحَطَّابِ وَالشَّيْخِ سَالِمٍ عَنْ شَرْحِ الْعُمْدَةِ، وَقَبُولُهُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ يَعْنِي: الْمَنْعَ وَالْكَرَاهَةَ حَيْثُ وَقَعَ الْعَقْدُ بِأُجْرَةٍ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ فَحَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَعْرُوفٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي قَبُولِ النِّيَابَةِ وَعَدَمِهِ، سَوَاءٌ وَقَعَ بِأُجْرَةٍ، أَوْ لَا فَتَأَمَّلْ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: وَسُقُوطُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ (قَوْلُهُ وَسُقُوطُ الْفَرْضِ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ هُوَ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ النِّيَابَةِ بِالْفَرْضِ، وَأَيْضًا الْمَذْهَبُ أَنَّ الْفَرْضَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ: فِي الِاسْتِنَابَةِ أَنَّهَا جَوَازُ الْفِعْلِ عَنْ
أَنْ لَا يَكُونَ صَحِيحًا، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَا تَصِحُّ اسْتِنَابَةُ صَحِيحٍ فِي فَرْضٍ.
(ص) وَالْإِكْرَاهُ (ش) أَيْ: وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ فِي فَرْضٍ، أَوْ كَانَ فِي حَجِّ نَفْلٍ، أَوْ فِي عُمْرَةٍ كُرِهَ، وَلَوْ صَحِيحًا فِيهِمَا، ثُمَّ شَبَّهَ فِي الْكَرَاهَةِ، قَوْلُهُ (كَبَدْءِ مُسْتَطِيعٍ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ) أَيْ: يُكْرَهُ لِلْمُسْتَطِيعِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْحَجِّ عَنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَهُ هُوَ أَيْ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (وَإِجَارَةُ نَفْسِهِ) أَيْ: وَكُرِهَ إجَارَةُ نَفْسِهِ فِي عَمَلِ اللَّهِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ كَانَ مُسْتَطِيعًا أَوْ غَيْرَهُ لِقَوْلِ مَالِكٍ: لَأَنْ يُؤَاجِرَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ فِي عَمَلِ اللَّبِنِ وَالْحَطَبِ وَسَوْقِ الْإِبِلِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا لِلَّهِ بِأُجْرَةٍ وَهَذِهِ دَارُ الْهِجْرَةِ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مُنْذُ زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا أَذِنَ فِيهِ، وَالشَّاذُّ جَوَازُهُ.
وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ التَّعَاوُنِ عَلَى الطَّاعَةِ وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ تَلْزَمُهُ إنْ وَقَعَتْ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ وَأَفْهَمَ جَوَازُهُ لِلْعَاجِزِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي وَإِلَّا حَرُمَ (ص) وَنَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ مِنْ الثُّلُثِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَإِنَّ وَصِيَّتَهُ تَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَتْ مَكْرُوهَةً عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ ضَرُورَةً، أَوْ غَيْرَهُ وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ لِلْحَجِّ الْمَكْرُوهِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تَنْفُذُ بِالْمَمْنُوعِ (ص) وَحُجَّ عَنْهُ حِجَجٌ إنَّ وَسَّعَ وَقَالَ: يَحُجُّ بِهِ لَا مِنْهُ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ
ــ
[حاشية العدوي]
الْمُسْتَنِيبِ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا إذْ لَا فِعْلَ مِنْهُ، وَإِنْ أُرِيدَ فِعْلُ اللِّسَانِ وَهُوَ الْعَقْدُ فَبَعِيدٌ مَعَ أَنَّهَا غَيْرُ خَاصَّةٍ بِالْجَوَازِ إذْ تَكُونُ مَمْنُوعَةً كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ اهـ إلَّا أَنْ يُقَالَ مِنْ بِمَعْنَى عَنْ وَالْأَحْسَنُ حَذْفُ الْجَوَازِ، وَيَقُولُ صُدُورُ فِعْلٍ عَنْ آخَرَ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ الطَّلَبُ عَنْهُ كَمَا قُلْنَا وَتَفْسِيرُ النِّيَابَةِ بِصُدُورِ فِعْلٍ عَنْ آخَرَ حَيْثُ يَسْقُطُ الطَّلَبُ عَنْهُ وَاعْتِرَاضُهُ بِقَوْلِهِ: وَأَيْضًا الْفَرْضُ لَا يَصِحُّ هَذَا لَا يَتَوَجَّهُ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ تَفْسِيرُ النِّيَابَةِ فِي ذَاتِهَا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْوَاقِعِ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ: وَسُقُوطُهُ تَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالْفَتْحِ مَفْعُولًا مَعَهُ وَتَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالضَّمِّ عَطْفًا عَلَى وُقُوعِهِ، وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ ذَاتُ وُقُوعٍ إلَخْ وَذَاتُ سُقُوطٍ إلَخْ
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا كُرِهَ) ، وَلَوْ عَلَى الْفَوْرِيَّةِ وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَتْ الِاسْتِنَابَةُ بِأُجْرَةٍ، أَوْ بِغَيْرِهَا وَبَدَأَ بِهَا مُسْتَطِيعٌ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: كَبَدْءِ مُسْتَطِيعٍ إلَخْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ فِي فَرْضٍ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْعَاجِزَ لَا فَرْضِيَّةَ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ وَإِلَّا مَا إذَا كَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ فِي فَرْضٍ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْفَرْضِ مَا كَانَ وَاجِبًا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَإِنْ كَانَ سَاقِطًا لِلضَّعْفِ نَعَمْ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ وَإِلَّا مَا إذَا كَانَ مَرِيضًا مَرْجُوًّا صِحَّتُهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ فِي حَقِّهِ لَا يُكْرَهُ وَتَقَدَّمَ جَوَابُهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ فِي فَرْضٍ، أَوْ نَفْلٍ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْلٍ، أَوْ عُمْرَةٍ كُرِهَ.
وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ غَيْرَ الصَّحِيحِ فِي الْفَرْضِ حَرَامٌ وَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ كَبَدْءِ مُسْتَطِيعٍ) مَفْهُومُ بَدْءِ إنْ تَطَوَّعَ مُسْتَطِيعٌ عَنْ شَخْصٍ بَعْدَ سُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْ ذَلِكَ الْمُتَطَوِّعِ لَا يُكْرَهُ حَيْثُ كَانَ بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَمَفْهُومُ مُسْتَطِيعٍ أَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَطِيعِ حَيْثُ تَكَلَّفَهُ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَقَوْلُهُ: بِهِ مُتَعَلِّقٌ بِبَدْءٍ عَائِدٌ عَلَى الْحَجِّ وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ مَنْ عَنْهُ حَجٌّ صَرُورَةٌ، أَوْ غَيْرُهَا ثُمَّ أَنَّ مُحَشِّي تت قَالَ قَوْلُهُ كَبَدْءِ مُسْتَطِيعٍ غَيْرِ آتٍ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَنْعِ النِّيَابَةِ وَعَدَمِ صِحَّتِهَا لَا عَنْ الصَّحِيحِ وَلَا عَنْ الْمَرِيضِ وَلَا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهَا إذْ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ عَلَى مَا فِيهِ، وَإِلَّا كُرِهَتْ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا هَذَا مُتَفَرِّعٌ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ فَهُوَ إشَارَةٌ لِقَوْلِهَا وَإِنْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ أَنْفَذَ ذَلِكَ وَيَحُجُّ عَنْهُ مَنْ قَدْ حَجَّ أَحَبُّ إلَيَّ وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: وَإِجَارَةُ نَفْسِهِ) فِي ك هَذَا فِيمَا عَدَا مَا نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى جَوَازِهِ كَالْأَذَانِ، أَوْ مَعَ الصَّلَاةِ وَكَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ) أَيْ: الْقَوْلُ الشَّاذُّ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: وَعَلَى الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُ مُرَاعَاةُ الْقَوْلِ الثَّانِي وَأَوْلَى فِي اللُّزُومِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ، بَلْ الْمَكْرُوهُ يَصِحُّ الْحُكْمُ فِيهِ بِاللُّزُومِ، وَلَوْ لَمْ يُرَاعِ الْقَوْلَ بِالْجَوَازِ فَتَدَبَّرْ.
(تَنْبِيهٌ) : مَحَلُّ كَوْنِ إجَارَةِ النَّفْسِ مَكْرُوهَةٌ إذَا كَانَ الْعَقْدُ مِنْ جَانِبِ الْمُسْتَأْجِرِ مَكْرُوهًا فَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا فَلَا تَكُونُ إجَارَةُ نَفْسِهِ مَكْرُوهَةً إذْ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الْعَقْدِ مِنْ جَانِبٍ مَكْرُوهًا وَمِنْ جَانِبٍ حَرَامًا (قَوْلُهُ: وَأَفْهَمَ جَوَازُهُ لِلْعَاجِزِ) هَذَا مَفْهُومُ مُسْتَطِيعٍ فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْوَصِيَّةِ الْمَكْرُوهَةِ، وَقَدْ تَبِعَ الْحَطَّابَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ يَعْنِي: إذَا قُلْنَا إنَّ الِاسْتِنَابَةَ فِي الْحَجِّ مَكْرُوهَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنَّ الْمَيِّتَ إذَا أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْفُذُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تُبِيحُ الْمَمْنُوعَ قَالَ: وَيَصْرِفُ الْقَدْرَ الْمُوصَى بِهِ فِي الْهَدَايَا انْتَهَى فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَانْظُرْ الْمُقَابِلَ فَإِنَّهُ يُعَلَّلُ بِمَا تَرَى فَيُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الِاسْتِنَابَةِ الْمُحَرَّمَةِ لَا الْمَكْرُوهَةِ فَكَلَامُ الْحَطَّابِ وَالشَّارِحِ مُشْكِلٌ، وَلَكِنَّ الْإِشْكَالَ إنَّمَا جَاءَ مِنْ الْمُصَنِّفِ وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ قَدْ قَالَ وَلَا اسْتِنَابَةَ لِلْعَاجِزِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَثَالِثُهَا يَجُوزُ فِي الْوَلَدِ انْتَهَى.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي الْجَوَازُ مُطْلَقًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ فَالْمُؤَلِّفُ حَمَلَ قَوْلَهُ وَلَا اسْتِنَابَةَ لِلْعَاجِزِ عَلَى الْمَشْهُورِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْمُرَادَ الْحُرْمَةُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ عَدَمِ إجَارَةِ النِّيَابَةِ فَأَوْصَى بِذَلِكَ فَالْمَشْهُورُ تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَا تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تُبِيحُ الْمَمْنُوعَ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ يَحُجُّ بِهِ) الْوَاوُ إمَّا لِلْحَالِ، أَوْ لِلْعَطْفِ وَهَذَا إذَا أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ مَا أَوْصَى بِهِ يَحُجُّ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ، وَأَمَّا إذَا أَشْبَهَ أَنْ يَحُجَّ بِهِ وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَرْجِعُ الْبَاقِي مِيرَاثًا، وَلَوْ قَدَرَ أَنْ يَحُجَّ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ لِوُجُودِ مَنْ يُؤَجِّرُهُ بِأَقَلَّ
بِجَمِيعِ ثُلُثِهِ، أَوْ عَيَّنَ مَالًا وَقَالَ يُحَجُّ بِهَذَا عَنِّي فَإِنَّهُ يُحَجُّ بِذَلِكَ حِجَجٌ مُتَعَدِّدَةٌ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ جَمِيعَ الثُّلُثِ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ، أَوْ الثُّلُثُ يَحْتَمِلُ حِجَجًا مُتَعَدِّدَةً، وَأَمَّا لَوْ قَالَ حُجُّوا عَنِّي مِنْ ثُلُثِي فَإِنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ (ص) وَإِلَّا فَمِيرَاثٌ (ش) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَسَعْ الثُّلُثُ أَوْ الْمَالُ الْمُسَمَّى وَاحِدَةً أَوْ قَصُرَ عَنْ ثَانِيَةٍ فَمَا فَوْقَهَا، أَوْ قَالَ مِنْهُ وَوَسِعَ أَزْيَدَ فَإِنَّ الْقَاصِرَ وَالْبَاقِيَ يَرْجِعُ مِيرَاثًا (ص) كَوُجُودِهِ بِأَقَلَّ، أَوْ تَطَوُّعِ غَيْرٍ، وَهَلْ إلَّا أَنْ يَقُولَ: يَحُجُّ عَنِّي بِكَذَا فَحِجَجٌ تَأْوِيلَانِ (ش) تَشْبِيهٌ فِي رُجُوعِ الْبَاقِي مِيرَاثًا أَيْ: إذَا سَمَّى الْمُوصِي قَدْرًا فَوَجَدَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِأَقَلَّ مِنْهُ، سَوَاءٌ عَيَّنَ الشَّخْصَ أَمْ لَا، أَوْ قَالَ حُجُّوا عَنِّي بِثُلُثِ مَالِي حَجَّةً وَاحِدَةً فَأَحَجُّوا بِدُونِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ الْبَاقِي مِيرَاثًا وَكَذَلِكَ يَرْجِعُ الْكُلُّ مِيرَاثًا فِيمَا إذَا تَطَوَّعَ عَنْهُ أَحَدٌ، وَهَلْ رُجُوعُ الْبَاقِي فِي الْأُولَى، وَالْجَمِيعِ فِي الثَّانِيَةِ مِيرَاثًا مُطْلَقًا، سَوَاءٌ قَالَ حُجُّوا عَنِّي حَجَّةً أَوْ يَحُجُّ عَنِّي رَجُلٌ، أَوْ فُلَانٌ، أَوْ يَحُجُّ عَنِّي بِكَذَا، أَوْ حُجُّوا عَنِّي بِكَذَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَوْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَالَ يَحُجُّ عَنِّي بِكَذَا حَجَّةً، وَأَمَّا إنْ قَالَ يَحُجُّ عَنِّي بِكَذَا وَلَمْ يَقُلْ حَجَّةً فَإِنَّهُ يَحُجُّ عَنْهُ بِهِ حَتَّى يَنْفُذَ تَأْوِيلَانِ.
(ص) وَدَفَعَ الْمُسَمَّى، وَإِنْ زَادَ عَلَى أُجْرَتِهِ لِمُعَيِّنٍ لَا يَرِثُ فُهِمَ إعْطَاؤُهُ لَهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُوصِي إذَا سَمَّى قَدْرًا مَعْلُومًا وَقَالَ ادْفَعُوهُ لِفُلَانٍ يَحُجُّ بِهِ عَنِّي وَفُلَانٌ غَيْرُ وَارِثٍ بِالْفِعْلِ لِلْمُوصِي فَإِنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ يُدْفَعُ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَحُجَّ بِهِ عَنْ الْمُوصِي، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ الْمُسَمَّى يَزِيدُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِذَلِكَ الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ إذَا فُهِمَ مِنْ حَالِ الْمُوصِي إعْطَاءُ ذَلِكَ الْقَدْرِ لِلْمُوصَى لَهُ وَكَانَ ثُلُثُ الْمُوصِي يَحْمِلُهُ وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَرْضَ بِأَقَلَّ وَإِلَّا فَالْبَاقِي يَرْجِعُ مِيرَاثًا، وَالضَّمِيرُ فِي أُجْرَتِهِ عَائِدٌ عَلَى مُتَأَخِّرٍ لَفْظًا وَرُتْبَةً، فَلَوْ قَالَ: وَدَفْعُ الْمُسَمَّى لِمُعَيَّنٍ لَا يَرِثُ، وَإِنْ زَادَ عَلَى أُجْرَتِهِ لَسَلِمَ مِنْ هَذَا (ص) ، وَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَ وَارِثٍ وَلَمْ يُسَمِّ زِيدَ إنْ لَمْ يَرْضَ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ ثُلُثُهَا ثُمَّ تَرَبَّصَ، ثُمَّ أَوْجَرَ لِلصَّرُورَةِ فَقَطْ (ش) تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ شَخْصًا
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ أَوْ عَيَّنَ مَالًا) الْأَوْلَى حَذْفُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ سَتَأْتِي فِي قَوْلِهِ: كَوُجُودِهِ بِأَقَلَّ وَهِيَ مَحَلُّ التَّأْوِيلَيْنِ الْآتِيَيْنِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا تَأْوِيلَانِ (قَوْلُهُ: كَوُجُودِهِ بِأَقَلَّ) رَجَعَهُ شَارِحُنَا كَمَا تَرَى لِمَا إذَا سَمَّى الْمُوصِي قَدْرًا فَوَجَدَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِأَقَلَّ، وَلَمَّا إذَا قَالَ حُجُّوا عَنِّي بِثُلُثِي حَجَّةً وَاحِدَةً وَقَصَرَهُ غَيْرُهُ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَطْ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِكَوْنِ التَّأْوِيلَيْنِ قَاصِرَيْنِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَطَوُّعِ غَيْرٍ) هَذَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَصِيَّتُهُ بِثُلُثِهِ وَوَصِيَّتُهُ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهِ (قَوْلُهُ وَهَلْ إلَّا أَنْ يَقُولَ إلَخْ) رَجَعَهُ شَارِحُنَا لِلْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْمُوَافِقُ لِلنَّقْلِ تَرْجِيعُهُ لِلْأُولَى وَهِيَ: وُجُودُهُ بِأَقَلَّ دُونَ الثَّانِيَةِ الَّتِي هِيَ: أَوْ تَطَوَّعَ إلَخْ فَكَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُ قَوْلِهِ: " أَوْ تَطَوَّعْ غَيْرٍ عَنْهُ " لِيَتَّصِلَ التَّأْوِيلَانِ بِمَحَلِّهِمَا.
وَعَلَى كَلَامِ شَارِحِنَا مِنْ تَرْجِيعِهِ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ فَنَقُولُ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَنَقُولُ: فَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا أَنَّهُ إذَا وَجَدَ مَنْ يَتَطَوَّعُ عَنْهُ بِحَجَّةٍ فَإِنَّ جَمِيعَ الْمَالِ يَرْجِعُ مِيرَاثًا وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي مِنْهُمَا إذَا وَجَدَ مَنْ يَتَطَوَّعُ عَنْهُ بِحَجَّةٍ حَيْثُ كَانَ يَسَعُ الْمَالُ حَجَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّ الْمَالَ يَرْجِعُ مِيرَاثًا أَيْضًا فَإِنْ كَانَ يَسَعُ حَجَّتَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ وَوُجِدَ مَنْ يَتَطَوَّعُ عَنْهُ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ الْمَالُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ جَمِيعُ الْمَالِ مِيرَاثًا أَيْضًا، وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَتَطَوَّعُ عَنْهُ بِبَعْضِ مَا يَسَعُ الْمَالَ كَمَا إذَا كَانَ يَسَعُ أَنْ يَحُجَّ بِهِ ثَلَاثَ حَجَّاتٍ وَوَجَدَ مَنْ يَتَطَوَّعُ عَنْهُ بِحَجَّةٍ مِنْهَا فَإِنَّ مَا يُقَابِلُ تِلْكَ الْحَجَّةَ مِنْ الْمَالِ يَرْجِعُ مِيرَاثًا وَيَسْتَأْجِرُ بِبَاقِيهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ مَا بَقِيَ، وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْمُوَافِقِ لِلنَّقْلِ مِنْ تَرْجِيعِ التَّأْوِيلَيْنِ لِمَا إذَا وُجِدَ بِأَقَلَّ دُونَ التَّطَوُّعِ أَنَّهُ فِي التَّطَوُّعِ إذَا وُجِدَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ حَجَّةً تَطَوُّعًا فَإِنَّ الْكُلَّ يَرْجِعُ مِيرَاثًا، سَوَاءٌ قَالَ يَحُجُّ عَنِّي بِأَرْبَعِينَ أَوْ فُلَانًا بِأَرْبَعِينَ، أَوْ حُجُّوا عَنِّي وَاحِدَةً، وَالْفَرْقُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُوَافِقِ لِلنَّقْلِ إنْ جَهِلَ الْمُوصِي بِحَالِ الثُّلُثِ حِينَ مَوْتِهِ هَلْ يَسَعُ حَجَّةً، أَوْ أَكْثَرَ أَوْ لَا يَسَعُ شَيْئًا؟ مِمَّا ذُكِرَ عُذْرٌ لَهُ فِي عَدَمِ تَعْيِينِ الْحَجِّ وَلَا عُذْرَ لَهُ فِي عَدَمِ تَعْيِينِ الْعَدَدِ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِعَدَدٍ سَمَّاهُ مَعَ كَوْنِ الْمُتَبَادَرِ مِنْ لَفْظِهِ عَدَمُ التَّعَدُّدِ فَتَرْكُهُ التَّعْيِينَ الْمُخَالِفَ لِلْمُتَبَادَرِ مِنْ لَفْظِهِ مَعَ إمْكَانِهِ يَقْتَضِي أَنَّ مُرَادَهُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ (قَوْلُهُ: وَهَلْ رُجُوعُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقُلْ حَجَّةً فَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، سَوَاءٌ قَالَ يُحَجُّ عَنِّي بِكَذَا، أَوْ حُجُّوا عَنِّي بِكَذَا، أَوْ يَحُجُّ عَنِّي فُلَانٌ بِكَذَا.
(قَوْلُهُ وَدَفْعُ الْمُسَمَّى إلَخْ) يَشْمَلُ مَا إذَا سَمَّى عَدَدًا، أَوْ جُزْءًا مُعَيَّنًا: كَثُلُثِ مَالِي، أَوْ سُدُسِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ زَادَ عَلَى أُجْرَتِهِ) الْوَاوُ لِلْحَالِ (قَوْلُهُ لَا يَرِثُ إلَخْ) أَيْ: وَأَمَّا إذَا كَانَ يَرِثُ فَيُدْفَعُ لَهُ قَدْرُ الْأُجْرَةِ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا، أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَارِثٌ فَقَالَ الْعَوْفِيُّ لَا يُدْفَعُ لَهُ إلَّا عَلَى الْبَلَاغِ إذَا كَانَ فِيهِ كَثْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ يَرُدُّ الْفَضْلَ وَفِي الضَّمَانِ لَا يَرُدُّ فَتَتَحَقَّقُ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ وَهُوَ يُخَصِّصُ قَوْلَهُ فِيمَا مَرَّ، وَإِجَارَةُ ضَمَانٍ عَلَى بَلَاغٍ وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ إجَارَةَ الضَّمَانِ لَا يَفْضُلُ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ لِلْوَارِثِ وَيَرْضَى بِهَا الْوَارِثُ فَحِينَئِذٍ يَقَعُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: فُهِمَ إعْطَاؤُهُ لَهُ) ، فَلَوْ لَمْ يُفْهَمْ إعْطَاؤُهُ الْجَمِيعَ فَإِنَّمَا لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا فَإِنْ أَبَى فَلَا شَيْءَ لَهُ وَيَرْجِعُ مِيرَاثًا.
(قَوْلُهُ: عَائِدٌ عَلَى مُتَأَخِّرٍ إلَخْ) لَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْمَعْمُولَاتِ كُلَّهَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا أَوْ أَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ رُتْبَةً؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ " بِدَفْعِ "(قَوْلُهُ: ثُلُثُهَا) يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ فَاعِلِ زِيدَ، وَيَحْتَمِلُ النَّصْبَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِزِيدَ وَمَفْعُولُهُ الْأَوَّلُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِي زِيدَ نَائِبُ الْفَاعِلِ وَهُوَ عَائِدٌ عَلَى الْمُعَيَّنِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ:، وَإِنْ عَيَّنَ وَارِثٌ أَيْ: زِيدَ الْمُعَيَّنُ غَيْرُ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ زَادَ تُسْتَعْمَلُ لَازِمًا كَزَادَ الْمَالُ وَمُتَعَدِّيًا كَ {زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: 2](قَوْلُهُ: ثُمَّ تَرَبَّصَ) أَيْ: لَعَلَّهُ يَرْضَى وَهَلْ سُنَّةٌ، أَوْ بِالِاجْتِهَادِ قَوْلَانِ؟ وَزِيَادَةُ الثُّلُثِ وَالتَّرَبُّصِ عَامٌّ فِي الضَّرُورَةِ وَغَيْرِهِ، وَمَحَلُّ التَّرَبُّصِ إنْ
غَيْرَ وَارِثٍ لِيَحُجَّ عَنْهُ وَسَمَّى لَهُ قَدْرًا فَإِنَّهُ يُدْفَعُ لَهُ بِتَمَامِهِ وَتَكَلَّمَ هُنَا عَلَى مَا إذَا عَيَّنَ أَيْضًا شَخْصًا غَيْرَ وَارِثٍ لِيَحُجَّ عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ لَهُ قَدْرًا مَعْلُومًا فَإِنْ رَضِيَ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَإِنَّهُ يُزَادُ عَلَيْهَا مِثْلُ ثُلُثِهَا إنْ كَانَ الثُّلُثُ يَحْمِلُ ذَلِكَ، فَإِنْ رَضِيَ فَلَا كَلَامَ وَإِلَّا تَرَبَّصَ بِهِ قَلِيلًا لَعَلَّهُ أَنْ يَرْضَى ثُمَّ بَعْدَ التَّرَبُّصِ يَرْجِعُ مِيرَاثًا كُلَّهُ إنْ كَانَ الْحَجُّ غَيْرَ صَرُورَةٍ وَإِلَّا أَوْجَرَ غَيْرَهُ، وَالصَّرُورَةُ مَنْ لَمْ يَحُجَّ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ صَرَّا دَرَاهِمَهُمَا وَلِمَنْ يُنْفِقَاهَا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: غَيْرَ وَارِثٍ مِمَّا إذَا عَيَّنَ وَارِثًا فَإِنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ شَيْئًا كَمَا مَرَّ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَلَمْ يُسَمِّ عَمَّا إذَا سَمَّى لَهُ قَدْرًا مَعْلُومًا فَإِنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ شَيْئًا، فَإِنْ رَضِيَ بِهِ فَلَا كَلَامَ، أَوْ رَضِيَ بِدُونِهِ رَجَعَ الْبَاقِي مِيرَاثًا، وَقَوْلُهُ:(غَيْرَ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ، وَإِنْ امْرَأَةٌ) شَرْطٌ فِي كُلِّ أَجِيرٍ حَاجٍّ عَنْ صَرُورَةٍ، وَلَيْسَ خَاصًّا بِالصَّرُورَةِ قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ الصَّرُورَةُ لَا يُسْتَأْجَرُ لَهُ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ بِخِلَافِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحَجُّ وَاجِبًا عَلَيْهِ اُسْتُؤْجِرَ لَهُ مَنْ يُخَاطَبُ بِالْوُجُوبِ لِتَنَزُّلِ حَجِّهِ مَنْزِلَةَ حَجِّ الْمُوصِي، وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ كَالْمَرْأَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
(ص) وَلَمْ يَضْمَنْ وَصِيٌّ دَفَعَ لَهُمَا مُجْتَهِدًا (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا دَفَعَ الْمَالَ إجَارَةً لِلْعَبْدِ، أَوْ الصَّبِيِّ ظَانًّا بُلُوغَ الصَّبِيِّ وَحُرِّيَّةَ الْعَبْدِ فَحَجَّا عَنْ الصَّرُورَةِ، أَوْ لَمْ يَحُجَّا وَتَلِفَ الْمَالُ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُمَا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَهَدَ حَدَّ اجْتِهَادِهِ، وَالْمَقْصُودُ حُصُولُ الثَّوَابِ، وَهُوَ يَحْصُلُ مَعَ الْعَبْدِ وَمَعَ الصَّبِيِّ، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يُتْلِفْ الْمَالَ لِنَزْعٍ مِنْهُمَا، وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الضَّمَانِ لِلْوَصِيِّ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَضْمَنُ إنْ غَرَّ وَيَكُونُ جِنَايَةً فِي رَقَبَتِهِ.
(ص) ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِمَا سَمَّى مِنْ مَكَانِهِ حَجَّ مِنْ الْمُمْكِنِ، وَلَوْ سَمَّاهُ إلَّا أَنْ يُمْنَعَ فَمِيرَاثٌ (ش) صُورَتُهَا أَنَّهُ سَمَّى قَدْرًا مِنْ الْمَالِ وَقَالَ: حُجُّوا عَنِّي بِهِ فَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِهِ مِنْ بَلَدِهِ الَّذِي أَوْصَى فِيهِ فَإِنَّهُ يُسْتَأْجَرُ لَهُ مِنْ مَكَان مُمْكِنٍ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إذَا لَمْ يُسَمِّ مَكَانَهُ الَّذِي يَحُجُّ عَنْهُ مِنْهُ، فَإِنْ سَمَّاهُ بِأَنْ قَالَ: حُجُّوا عَنِّي بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ فَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْهُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُسْتَأْجَرُ لَهُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ مَكَان مُمْكِنٍ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَا يَرْجِعُ مِيرَاثًا إلَّا أَنْ يُمْنَعَ بِنَصٍّ: كَلَا تَحُجُّوا عَنِّي إلَّا مِنْ مَوْضِعِ كَذَا، أَوْ قَرِينَةٍ فَمِيرَاثٌ اتِّفَاقًا (ص) وَلَزِمَهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ (ش) أَيْ: وَلَزِمَ الْأَجِيرَ بِنَفْسِهِ الْحَجُّ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِئْجَارُ غَيْرِهِ، وَلَا يَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ، فَقَوْلُهُ: بِنَفْسِهِ تَوْكِيدٌ لِلْهَاءِ فِي لَزِمَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ لِلِاسْتِعَانَةِ أَيْ: وَلَزِمَهُ الْحَجُّ مُسْتَعِينًا بِنَفْسِهِ؛ لَا زَائِدَةً كَقَوْلِك جَاءَ زَيْدٌ بِنَفْسِهِ (ص) لَا الْإِشْهَادُ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ (ش) أَيْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَنَّهُ أَحْرَمَ عَنْ فُلَانٍ وَيُقْبَلُ، قَوْلُهُ: بِغَيْرِ يَمِينٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعُرْفُ الْإِشْهَادَ فَلَا بُدَّ مِنْهُ، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ
ــ
[حاشية العدوي]
فُهِمَ مِنْهُ الطَّمَعُ فِي الزِّيَادَةِ، فَإِنْ فُهِمَ مِنْهُ الْإِبَايَةُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّرَبُّصِ.
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ خَاصًّا بِالصَّرُورَةِ قَبْلَهُ) فَالصَّرُورَةُ فِي غَيْرِ فَرْضِ الْمُصَنِّفِ لَا يُؤَجَّرُ لَهُ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ كَمَا أَنَّهُ فِي فَرْضِ الْمُصَنِّفِ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي غَيْرِ الصَّرُورَةِ فَفِي فَرْضِ الْمُصَنِّفِ لَا يُؤَجَّرُ لَهُ وَيَرْجِعُ الْمَالُ مِيرَاثًا، وَفِي غَيْرِهِ يُؤَجَّرُ لَهُ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ، وَإِذَا أَوْصَى الصَّرُورَةُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ عَبْدٌ، أَوْ صَبِيٌّ نَفَذَتْ وَصِيَّتُهُ فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ كَانَ غَيْرُ الصَّرُورَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ لَا يُسْتَأْجَرُ لَهُ وَيَرْجِعُ الْمَالُ مِيرَاثًا، وَفِي غَيْرِهَا يُسْتَأْجَرُ لَهُ عَبْدٌ وَصَغِيرٌ وَأَوْلَى غَيْرُهُمَا؟ قُلْتُ: لَمَّا كَانَ الْمُوصَى لَهُ مُعَيَّنًا وَرَدَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ رَدِّ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَصْلِهَا وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُهُ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ) الْوَاوُ لِلْحَالِ وَهُوَ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: مَنْ يُخَاطَبُ بِالْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ أَيْ: فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَرْأَةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا زِيَادَةً عَلَى الرَّجُلِ زِيَادَةُ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الرَّجُلَ يُخَاطَبُ بِالْحَجِّ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَالْمَرْأَةُ إنَّمَا تُخَاطَبُ بِهِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهَا وَهُوَ أَنْ يُصَاحِبَ الْأَمْنَ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ مَحْرَمٌ، أَوْ زَوْجٌ وَلَا يَكُونُ مَعَ ذَلِكَ بَعْدَ مَشْيٍ
. (قَوْلُهُ: يَعْنِي: أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا دَفَعَ الْمَالَ) أَيْ: حَيْثُ كَانَ لَا يُسْتَأْجَرَانِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُوصِي صَرُورَةً وَلَمْ يَأْذَنْ فِي اسْتِئْجَارِهِمَا، أَوْ كَانَ غَيْرَ صَرُورَةٍ وَمُنِعَ مِنْ اسْتِئْجَارِهِمَا (قَوْلُهُ وَيَكُونُ جِنَايَةً فِي رَقَبَتِهِ) وَالصَّبِيُّ إنْ غُرَّ فَفِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ فَهُوَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَكُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ فَهُوَ سَاقِطٌ عَنْ الصَّبِيِّ
(قَوْلُهُ: مِنْ مَكَانِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِيُوجَدُ، أَوْ بِحَجٍّ مَصْدَرُهُ نَائِبُ فَاعِلِ يُوجَدُ لَا يُسَمَّى لِمُنَافَاتِهِ لِقَوْلِهِ، وَلَوْ سَمَّى قَالَ مُحَشِّي تت الْمُرَادُ بِمَكَانِهِ مَحَلُّ مَوْتِهِ (قَوْلُهُ: فَالْمَشْهُورُ إلَخْ) وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ يَرْجِعُ مِيرَاثًا يُرِيدُ، وَلَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ إلَّا مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ (قَوْلُهُ: وَلَزِمَهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ) هَذَا إذَا أَطْلَقَ أَوْلَى إذَا وَقَعَ مِنْهُ نَصٌّ، أَوْ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَالنَّصُّ كَقَوْلِك: اسْتَأْجَرْتُك لِلْحَجِّ بِنَفْسِك وَالْقَرِينَةُ كَكَوْنِهِ مِمَّنْ يَرْغَبُ فِيهِ لِعِلْمِهِ وَصَلَاحِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِئْجَارُ غَيْرِهِ وَلَا يَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ الْفِعْلُ بِعَيْنِ الْأَجِيرِ فِي إجَارَةِ الْحَجِّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَأَمَّا فِي إجَارَةِ غَيْرِ الْحَجِّ فَيَتَعَلَّقُ الْفِعْلُ بِذِمَّتِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْإِجَارَةِ عَلَى الْحَجِّ حُصُولُ الثَّوَابِ، وَشَأْنُهُ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْغَرَضُ بِحُصُولِهِ مِنْ شَخْصٍ دُونَ آخَرَ فَحُمِلَتْ الْإِجَارَةُ فِيهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى قَصْدِ عَيْنِ الْأَجِيرِ، وَأَمَّا الْإِجَارَةُ عَلَى غَيْرِهِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ حُصُولُ الْفِعْلِ، وَشَأْنُهُ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ الْغَرَضُ بِحُصُولِهِ مِنْ شَخْصٍ دُونَ آخَرَ فَحُمِلَتْ الْإِجَارَةُ فِيهِ عَلَى الْمَضْمُونَةِ (قَوْلُهُ: تَوْكِيدٌ إلَخْ) أَيْ: فَتَكُونُ الْبَاءُ زَائِدَةً، وَنَفْسُهُ مَنْصُوبَةٌ بِحَرَكَةٍ مُقَدَّرَةٍ مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا اشْتِغَالُ الْمَحَلِّ بِحَرَكَةِ حَرْفِ الْجَرِّ الزَّائِدِ، وَقَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى إلَخْ إنَّمَا كَانَ هَذَا أَوْلَى لِمَا فِي الْأَوَّلِ مِنْ التَّكَلُّفِ كَمَا تَبَيَّنَ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعُرْفُ الْإِشْهَادَ) أَيْ: فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَوْ حَلَفَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ الْإِشْهَادَ، أَوْ جَرَى بِهِ الْعُرْفُ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ وَلَا يَسْتَحِقُّ
هَذَا حَيْثُ كَانَ دَفَعَ لَهُ الْأُجْرَةَ وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ حَيْثُ كَانَ مُتَّهَمًا وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ سَنَدٍ بِغَيْرِ يَمِينٍ إلَّا أَنْ يَجْرِيَ الْعُرْفُ بِالْإِشْهَادِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوَّلُ كَلَامِ سَنَدٍ.
(ص) وَقَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِيمَنْ يَأْخُذُهُ فِي حَجَّةٍ (ش) أَيْ: قَامَ وَارِثُ الْأَجِيرِ مَقَامَهُ فِي قَوْلِ الْمُوصِي ادْفَعُوا هَذَا الْقَدْرَ لِمَنْ يَأْخُذُهُ فِي حَجَّةٍ أَيْ: مَضْمُونَةٍ فِي ذِمَّةِ الْأَجِيرِ وَاسْتُشْكِلَ قِيَامُ الْوَارِثِ مَقَامَهُ بِأَنَّ الْقَاعِدَةَ إنْ تَلِفَ مَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ الْمَنْفَعَةُ تَنْفَسِخُ بِهِ الْإِجَارَةُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَجِيرَ يُسْتَوْفَى مِنْهُ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ هِيَ الثَّوَابُ وَهُوَ لَا يُسْتَوْفَى مِنْ الْأَجِيرِ، بَلْ يُسْتَوْفَى بِسَبَبِهِ.
(ص)، وَلَا يَسْقُطُ فَرْضُ مَنْ حَجَّ عَنْهُ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْحَجَّ الْفَرْضَ لَا يَسْقُطُ عَنْ صَاحِبِهِ بِحَجِّ الْغَيْرِ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَالَ ق وَيَقَعُ نَفْلًا لِلْأَجِيرِ مَعَ أَنَّهُ بِلَا نِيَّةٍ فَهُوَ وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ: عليه الصلاة والسلام «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» .
(ص) وَلَهُ أَجْرُ النَّفَقَةِ وَالدُّعَاءِ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْمَحْجُوجَ عَنْهُ إنَّمَا لَهُ أَجْرُ النَّفَقَةِ أَيْ: ثَوَابُهَا عَلَى الْأَجِيرِ وَتَسْهِيلُ الطَّرِيقِ إنْ كَانَ أَوْصَى لِلْأَجِيرِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، وَأَمَّا إنْ تَطَوَّعَ غَيْرُهُ عَنْهُ بِالْحَجِّ فَلَهُ أَجْرُ الدُّعَاءِ، وَيُجَابُ عَنْ اسْتِشْكَالِ الْبِسَاطِيِّ بِأَنَّ الْإِثَابَةَ كَيْفَ تُجَامِعُ الْمَكْرُوهَ بِأَنَّ هُنَا جِهَتَيْنِ: جِهَةَ مُعَاقَدَةٍ، وَجِهَةَ نَفَقَةٍ فَالْكَرَاهَةُ مِنْ حَيْثُ الْعَقْدُ، وَالْأَجْرُ مِنْ حَيْثُ النَّفَقَةُ لِانْتِفَاعِ الْأَجِيرِ بِهَا دُونَ أَنْ يَنْتَفِعَ الْمُسْتَأْجِرُ فَهِيَ إمَّا صَدَقَةٌ أَوْ هِبَةٌ، وَلَمَّا شَارَكَتْ الْعُمْرَةُ الْحَجَّ فِي أَرْكَانٍ ثَلَاثَةٍ أَتَى بِالضَّمِيرِ فِيهَا مَثْنًى لِلِاخْتِصَارِ فِيمَا يَأْتِي، ثُمَّ الطَّوَافُ لَهُمَا سَبْعًا، ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ السَّعْيُ وَذَكَرَ هُنَا الرُّكْنَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ:.
(ص) وَرُكْنُهُمَا الْإِحْرَامُ (ش) أَيْ: وَرُكْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرِهِمَا فِي قَوْلِهِ: فَرْضُ الْحَجِّ وَسُنَّةُ الْعُمْرَةِ الْإِحْرَامُ، ثُمَّ ذَكَرَ الرُّكْنَ الرَّابِعَ الْمُخْتَصَّ بِهِ الْحَجُّ بِقَوْلِهِ: وَلِلْحَجِّ حُضُورُ جُزْءِ عَرَفَةَ إلَخْ، وَالْإِحْرَامُ لُغَةً مَصْدَرُ أَحْرَمَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ أَوْ إذَا دَخَلَ فِي حُرْمَةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَوْ الصَّلَاةِ وَشَرْعًا عَرَّفَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي مَنْسَكِهِ بِأَنَّهُ: الدُّخُولُ بِالنِّيَّةِ فِي أَحَدِ النُّسُكَيْنِ مَعَ قَوْلٍ مُتَعَلِّقٍ بِهِ، أَوْ فِعْلٍ كَالتَّوَجُّهِ عَلَى الطَّرِيقِ، وَانْظُرْ تَعْرِيفَهُ لِابْنِ عَرَفَةَ مَعَ شَرْحِهِ فِي
ــ
[حاشية العدوي]
الْأَجْرَ، وَلَوْ كَانَ أَمِينًا وَحَلَفَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْإِشْهَادَ وَلَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ، فَإِنْ كَانَ قَبَضَ الْأَجْرَ فَإِنَّا لَا نَتَعَرَّضُ لَهُ إلَّا إذَا ثَبَتَتْ خِيَانَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ الْأُجْرَةَ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا، وَلَوْ حَلَفَ وَلَا يَنْفَعُهُ إلَّا الْإِشْهَادُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ أَمِينًا فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ، وَلَوْ بِغَيْرِ يَمِينٍ
(قَوْلُهُ: وَقَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ) ثُمَّ إذَا قَامَ إلَخْ فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ الْحَجَّ وَلَا يُكَمِّلُ عَلَى فِعْلِ مُوَرِّثِهِ وَيُحْرِمُ مِنْ الْمَوْضِعِ الْمُشْتَرَطِ الْإِحْرَامِ مِنْهُ، أَوْ مِنْ مِيقَاتِ الْمُسْتَأْجِرِ حَيْثُ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَإِلَّا فَمِنْ مَوْضِعٍ يُدْرِكُ فِيهِ
(قَوْلُهُ: وَلَا يَسْقُطُ فَرْضُ مَنْ حَجَّ عَنْهُ)، بَلْ وَلَا نَفْلُ مَنْ حَجَّ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَيَقَعُ نَفْلًا لِلْأَجِيرِ) قَدْ قُرِّرَ أَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَلَكِنَّ مَا قَالَهُ شَارِحُنَا ذَكَرَهُ الْحَطَّابُ فَقَالَ يَقَعُ الْحَجُّ تَطَوُّعًا عَنْ النَّائِبِ، وَفِي شَرْحِ شب.
وَالظَّاهِرُ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ الْحَجَّ لَا يَسْقُطُ إنَّ لِلْمَيِّتِ ثَوَابَهُ كَحَجِّ النَّفْلِ انْتَهَى فَانْظُرْ هَذَا فَإِنَّهُ رُبَّمَا عَارَضَ مَا قَالَهُ الْحَطَّابُ (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهُ بِلَا نِيَّةٍ) أَيْ: لِلْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَجِيرُ أَيْ: يَنْوِي بِحَجِّهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ حَيْثُ كَانَ صَرُورَةً وَأَنَّهُ يَقَعُ تَطَوُّعًا لِلْأَجِيرِ شَيْخُنَا عَبْدُ اللَّهِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ وَارِدٌ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ الْعَكْسُ فَيَقُولُ فَالْحَدِيثُ وَارِدٌ عَلَيْهِ وَنُسْخَةُ الشَّيْخِ بِخَطِّهِ هَكَذَا
(قَوْلُهُ: عَلَى الْأَجِيرِ) مُتَعَلِّقٌ بِالنَّفَقَةِ، وَتَسْهِيلُ الطَّرِيقِ مَعْطُوفٌ عَلَى النَّفَقَةِ أَيْ: تَسْهِيلُ الطَّرِيقِ عَلَى الْحَاجِّينَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ كَثْرَةُ الْمُسَافِرِينَ فَيَسْهُلُ السِّيَرُ عَلَى النَّاسِ لِوُجُودِ الْأَمْنِ بِالْكَثْرَةِ الْمَذْكُورَةِ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا إنْ تَطَوَّعَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ أَجْرَ الدُّعَاءِ لَا يَخْتَصُّ بِقِسْمِ التَّطَوُّعِ، بَلْ أَجْرُ الدُّعَاءِ أَيْضًا فِي قِسْمِ النَّفَقَةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: فَلَهُ أَجْرُ الدُّعَاءِ) لَا يَخْفَى أَنَّ أَجْرَ الدُّعَاءِ لِلدَّاعِي وَإِنَّمَا لَهُ أَجْرُ الْبَعْثِ عَلَى الدُّعَاءِ لِكَوْنِهِ أَذِنَ لَهُ فِي الْحَجِّ، ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا رَأَيْت شب قَالَ مَا نَصُّهُ وَقَوْلُهُ: وَالدُّعَاءُ أَيْ: وَبَرَكَةُ الدُّعَاءِ لَا ثَوَابُ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّ ثَوَابَهُ لِلدَّاعِي ا. هـ. وَأَرَادَ بِبَرَكَةِ الدُّعَاءِ الْمَدْعُوَّ بِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ فِي دُعَائِهِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِفُلَانٍ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ غَيْرَ ثَوَابِ الدُّعَاءِ، وَالْمَدْعُوُّ بِهِ يُقَالُ لَهُ بَرَكَةٌ، وَفِي عب وَالْمُرَادُ بِأَجْرِ الدُّعَاءِ فِي الْقِسْمَيْنِ ثَوَابُهُ وَلَوْ كَانَ الدُّعَاءُ لِنَفْسِ الْأَجِيرِ بِدُنْيَوِيٍّ فَيَحْصُلُ لِمَنْ حَجَّ عَنْهُ ثَوَابُ خُضُوعِهِ وَتَضَرُّعِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَمُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ مَطْلُوبُ الْأَجِيرِ لَهُ اهـ وَفِيهِ شَيْءٌ، بَلْ ثَوَابُ خُضُوعِهِ لَهُ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: إمَّا صَدَقَةً) أَيْ: عَلَى الْأَجِيرِ أَيْ: صَدَقَةً قَصَدَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ هِبَةً قَصَدَ بِهَا وَجْهَ الْأَجِيرِ وَلَيْسَتْ هِبَةَ ثَوَابٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ فَرْضًا عَنْهُ وَلَا نَفْلًا، بَلْ نَفْلٌ لِلْأَجِيرِ
(قَوْلُهُ إذَا دَخَلَ إلَخْ) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مُشْتَرِكٌ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا بَيْنَ الدُّخُولِ فِي الْحَرَمِ وَالدُّخُولِ فِي حُرْمَةِ الْحَجِّ إلَخْ وَقَوْلُهُ: بِأَنَّهُ الدُّخُولُ بِالنِّيَّةِ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ الْإِحْرَامَ لَيْسَ نَفْسَ النِّيَّةِ فَلِذَا اسْتَشْكَلَ عِزُّ الدِّين مَعْرِفَتَهُ وَأَبْطَلَ كَوْنَهُ التَّلْبِيَةَ بِعَدَمِ رُكْنِيَّتِهَا أَيْ: وَهُوَ رُكْنٌ وَكَوْنُهَا النِّيَّةَ بِأَنَّهَا شَرْطُ الْحَجِّ أَيْ: فَهِيَ خَارِجَةٌ وَالْإِحْرَامُ دَاخِلٌ انْتَهَى.
ثُمَّ لَا يَخْلُو الْحَالُ إمَّا أَنْ يُرِيدَ بِالدُّخُولِ فِي أَحَدِ النُّسُكَيْنِ الشُّرُوعَ فِي أَحَدِ النُّسُكَيْنِ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرُ مُحْرِمٍ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالدُّخُولِ الِاتِّصَافُ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ فَيَرِدُ أَنَّ الِاتِّصَافَ بِالشَّيْءِ غَيْرُ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَيْفَ وَالْإِحْرَامُ جُزْءٌ مِنْ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ (قَوْلُهُ: مَعَ قَوْلٍ) أَيْ: كَالتَّلْبِيَةِ وَقَوْلُهُ: كَالتَّوَجُّهِ أُدْخِلَتْ الْكَافُ لِلتَّقْلِيدِ (قَوْلُهُ: وَانْظُرْ تَعْرِيفَهُ لِابْنِ عَرَفَةَ) عَرَّفَهُ بِقَوْلِهِ: صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا حُرْمَةَ مُقَدَّمَاتِ الْوَطْءِ مُطْلَقًا، وَإِلْقَاءُ التَّفَثِ وَالطِّيبِ، وَلُبْسِ الْمَخِيطِ، وَالصَّيْدُ بِغَيْرِ ضَرُورَةٌ، وَلَا تَبْطُلُ بِمَا يَمْنَعُهُ (فَإِنْ قُلْتَ:) هَلَّا قَالَ مُقَدِّمَةُ الْوَطْءِ وَهُوَ مُضَافٌ إلَى مُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَيَعُمُّ فَيَقُومُ مَقَامَ الْجَمْعِ وَهُوَ أَخْصَرُ؟ (قُلْت) لَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ فِي ذَلِكَ نِزَاعًا فَصَرَّحَ بِمَا يُزِيلُ الْإِشْكَالَ فِي الْحَدِّ وَقَوْلُهُ: مُطْلَقًا أَيْ: فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ لَيْلًا وَنَهَارًا سِرًّا وَجَهْرًا كَانَ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ
شَرْحِنَا الْكَبِيرِ.
(ص) وَوَقْتُهُ لِلْحَجِّ شَوَّالٌ لِآخِرِ الْحِجَّةِ (ش) أَيْ: وَقْتُ الْإِحْرَامِ لِلْحَجِّ الَّذِي إذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ كَانَ مَكْرُوهًا مُفْرِدًا، أَوْ قَارِنًا شَوَّالٌ وَيَمْتَدُّ زَمَنُ الْإِحْلَالِ مِنْهُ لِآخِرِ الْحِجَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ بَعْضٌ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادُهُ، وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ الْوَقْتِ الَّذِي يُبْتَدَأُ فِيهِ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ لَا وَقْتُ التَّحَلُّلِ مِنْهُ، وَلَيْسَ ذُو الْحِجَّةِ بِكَمَالِهِ وَقْتًا لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، بَلْ بَعْضُهُ وَاَلَّذِي لِآخِرِ الْحِجَّةِ إنَّمَا هِيَ أَشْهُرُ الْحَجِّ لَا وَقْتُ ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ فَإِنَّهُ يَنْتَهِي بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ.
وَانْظُرْ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي شَرْحِنَا الْكَبِيرِ، ثُمَّ إنَّ الْأَفْضَلَ لِأَهْلِ مَكَّةَ الْإِحْرَامُ مِنْ أَوَّلِ الْحِجَّةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَقِيلَ: يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِمَالِكٍ أَيْضًا، وَنَحْوُهُ لِلشَّافِعِيِّ.
(ص) وَكُرِهَ قَبْلَهُ (ش) يَعْنِي: أَنْ يُكْرَهَ أَنْ يُحْرِمَ مَثَلًا فِي رَمَضَانَ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ فَعَلَ بِأَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ كَمَا يُكْرَهُ قَبْلَ مَكَانِهِ أَيْ: قَبْلَ مِيقَاتِهِ الْمَكَانِيِّ الْآتِي لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَيَنْعَقِدُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(كَمَكَانِهِ)، فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِحْرَامِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ مَعَ أَنَّهَا وَقْتُ الْحَجِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] وَالصَّلَاةُ لَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ بِهَا، وَلَا تَنْعَقِدُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِحْرَامَ لِلْحَجِّ لَا يَلْزَمُ اتِّصَالُهُ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ فَيَجِبُ اتِّصَالُهُ بِأَفْعَالِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَشَرَعَ فِيهَا فَقَدْ يَفْعَلُهَا قَبْلَ وَقْتِهَا بِخِلَافِ الْحَجِّ.
(ص) وَفِي رَابِغٍ تَرَدُّدٌ (ش) أَيْ: وَفِي كَرَاهَةِ الْإِحْرَامِ مِنْ رَابِغٍ كَمَا عِنْدَ سَيِّدِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ لِقَوْلِهِ فِي مَدْخَلِهِ وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ أَكْثَرُهُمْ مِنْ الْإِحْرَامِ مِنْ رَابِغٍ، وَهُوَ قَبْلَ الْجُحْفَةِ فَيَبْتَدِئُونَ الْحَجَّ بِفِعْلٍ مَكْرُوهٍ إلَخْ وَعَدَمُ كَرَاهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْجُحْفَةِ وَمُتَّصِلٌ بِهَا، وَقَوْلُهُ:(وَصَحَّ) أَيْ: حَيْثُ وَقَعَ الْإِحْرَامُ قَبْلَ مِيقَاتِهِ الزَّمَانِيِّ، أَوْ الْمَكَانِيِّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لَكِنَّ الصِّحَّةَ مَعْلُومَةٌ مِنْ كَوْنِهِ مَكْرُوهًا، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهَا تَبَعًا لِغَيْرِهِ.
(ص) وَلِلْعُمْرَةِ أَبَدًا (ش) أَيْ: وَوَقْتُ الْإِحْرَامِ لِلْعُمْرَةِ مُفْرَدَةً أَبَدًا فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْ السَّنَةِ، وَلَوْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيَعْمَلُ هُوَ عَمَلَ الْعُمْرَةِ، وَالنَّاسُ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لِأَمْرِ عُمَرَ رضي الله عنه لِأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَهَبَّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ لَمَّا قَدِمَا عَلَيْهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَقَدْ فَاتَهُمَا الْحَجُّ لِإِضْلَالِ الْأَوَّلِ رَاحِلَتَهُ وَلِخَطَأِ الثَّانِي فِي الْعِدَّةِ أَنْ يَتَحَلَّلَا مِنْ إحْرَامِهِمَا بِالْحَجِّ وَيَقْضِيَاهُ قَابِلًا وَيَهْدِيَا كَمَا فِي الْمُوَطَّأِ وَكَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ الْعُمْرَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَيَّامَ مِنًى لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ السَّنَةُ كُلُّهَا لِلْعُمْرَةِ إلَّا خَمْسَةً: يَوْمَ عَرَفَةَ وَالنَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَيُوَافِقُهُ أَبُو يُوسُفَ عَلَى غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ.
قَالَ سَنَدٌ: وَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (ص) إلَّا لِمُحْرِمٍ بِحَجٍّ (ش) مُفْرِدًا، أَوْ قَارِنًا فَيُمْنَعُ وَيَفْسُدُ إحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ (فَلِتَحَلُّلِهِ) مِنْ جَمِيعِ أَفْعَالِهِ أَيْ: فَرَاغِهِ مِنْهَا مِنْ طَوَافٍ وَسَعْيٍ وَجَمِيعِ الرَّمْيِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِتَحَلُّلَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ وَمُرَادُهُ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ لِمَنْ أَخَّرَهُ، وَالرَّمْيُ كُلُّهُ لَا رَمْيُ الْعَقَبَةِ الَّذِي هُوَ التَّحَلُّلُ الْأَصْغَرُ، وَالْإِفَاضَةُ الَّذِي هُوَ الْأَكْبَرُ
ــ
[حاشية العدوي]
أَوْ فِي غَيْرِهَا وَقَوْلُهُ: وَإِلْقَاءُ التَّفَثِ عَطْفٌ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ وَالطِّيبُ كَذَلِكَ وَلُبْسُ الْمِخْيَطِ كَذَلِكَ وَمُرَادُهُ بِالصَّيْدِ الِاصْطِيَادُ لَا مِلْكُ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ صَيْدٌ ثُمَّ أَحْرَمَ وَلَمْ يَكُنْ حَامِلَهُ لَا يَسْقُطُ مِلْكُهُ عَنْهُ وَلَمَّا رَأَى أَنَّ الصَّيْدَ الْمُطْلَقَ لَقَبٌ عَلَى صَيْدِ الْبَرِّ فَلِذَا أَطْلَقَ فِيهِ وَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ رَاجِعٌ لِلْأَرْبَعَةِ وَقَوْلُهُ: لَا تَبْطُلُ بِمَا يَمْنَعُهُ صِفَةٌ لِلصِّفَةِ، أَوْ حَالٌ وَزَادَ ذَلِكَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الصِّفَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ إحْرَامَ غَيْرِهَا يَبْطُلُ بِمَمْنُوعِهِ كَإِحْرَامِ الصَّلَاةِ وَإِحْرَامِ الِاعْتِكَافِ وَإِحْرَامِ الصَّوْمِ، وَمُرَادُهُ بِالْبُطْلَانِ قَطْعُهَا أَيْ: لَا يَجِبُ قَطْعُهَا بِحُصُولِ مَمْنُوعِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَمْنُوعُ مِمَّا يُفْسِدُ الْحَجَّ كَالْوَطْءِ انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَكَلُّمٍ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) وَقِيلَ مُنْتَهَاهُ عَشْرُ الْحِجَّةِ وَقِيلَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بِاعْتِبَارِ آخِرِهِ تَعَلُّقُ الدَّمِ أَيْ: دَمُ الْإِفَاضَةِ إذَا أَخَّرَهُ لِآخِرِ الْحِجَّةِ فَعَلَى الْمَشْهُورِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا إذَا أَخَّرَهُ لِلْمُحَرَّمِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ مُسَامَحَةٌ) أَجَابَ اللَّقَانِيِّ بِقَوْلِهِ: لِلْحِجَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِالضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى الْإِحْرَامِ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ التَّعَلُّقِ بِضَمِيرِ الْمَصْدَرِ وَلَعَلَّ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ حَذْفُ عَاطِفٍ وَمَعْطُوفٍ مَعًا أَيْ: وَوَقْتُ الْإِحْرَامِ، وَبَقِيَّةُ أَعْمَالِ الْحَجِّ مِنْ أَرْكَانٍ وَغَيْرِهَا الْمَطْلُوبِ إيقَاعُهَا فِيهِ شَرْعًا شَوَّالٌ لِآخِرِ الْحِجَّةِ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: لِآخِرِ الْحِجَّةِ لَا تَسْمَحُ فِيهِ وَلَا تَجُوزُ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ النَّحْوِ قَوْلُ ابْنِ مَالِكٍ وَالْوَاوُ إذْ لَا لَبْسَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْفَاءُ قَدْ تُحْذَفُ مَعَ مَا عُطِفَتْ
(قَوْلُهُ: فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ) وَمُقَابِلُهُ مَا حَكَى اللَّخْمِيُّ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ (قَوْلُهُ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) أَيْ: زَمَنُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ، أَوْ الْحَجُّ ذُو أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ: فَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ) أَقُولُ: قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالطُّهْرِ قَبْلَ وَقْتِهَا بِشَيْءٍ قَلِيلٍ بِحَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ فَصْلٌ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَيَرِدُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ: إنَّ النِّيَّةَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّلَاةِ وَجُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا، فَلَوْ تَقَدَّمَتْ النِّيَّةُ لَتَقَدَّمَ بَعْضُ الْعِبَادَةِ فَمُقْتَضَاهُ الْبُطْلَانُ مَعَ أَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ إلَخْ) فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: فَيَجِبُ اتِّصَالُهُ بِأَفْعَالِهَا أَيْ: فَلَمْ يَسُغْ الْإِحْرَامُ بِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا
(قَوْلُهُ: وَعَدَمُ كَرَاهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْجُحْفَةِ) وَهُوَ لِلشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ شَيْخِ الْمُصَنِّفِ عَنْ شَيْخِهِ الزَّوَاوِيِّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا كَتَبَ بَعْضُ الشُّيُوخِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْجُحْفَةِ وَمُتَّصِلٌ بِهَا) الْعِلَّةُ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ
(قَوْلُهُ: فِي أَيِّ وَقْتٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ ظَرْفًا لِلْوَقْتِ وَلَا يَصِحُّ فَيُجَابُ بِأَنَّ الظَّرْفِيَّةَ غَيْرُ مُرَادَةٍ، وَالْكَلَامُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّسَامُحِ وَكَأَنَّهُ قَالَ وَقْتَ الْإِحْرَامِ لِلْعُمْرَةِ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ (قَوْلُهُ: أَنْ يَتَحَلَّلَا) أَيْ: بِفِعْلِ عُمْرَةٍ (قَوْلُهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ) فِيهِ أَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْحَجِّ لَا يَتَقَيَّدُ حَالُهُ بِأَيَّامِهَا
فَقَطْ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ لَفْظِ التَّحَلُّلِ سَوَاءٌ أَفْرَدَ، أَوْ ثَنَّى وَإِلَّا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمَنْصُوصِ، ثُمَّ لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ يَحُجُّ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ لَا يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى إلَّا بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْهَا إذْ لَا تَدْخُلُ عُمْرَةٌ عَلَى أُخْرَى كَمَا يَأْتِي (ص) وَكُرِهَ بَعْدَهُمَا وَقَبْلَ غُرُوبِ الرَّابِعِ (ش) الضَّمِيرُ الْمُثَنَّى يَرْجِعُ إلَى تَحَلَّلِي الْحَجِّ وَهُمَا جَمِيعُ الرَّمْيِ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ، فَالْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْهُمَا مَمْنُوعٌ، وَلَا يَنْعَقِدُ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا، وَإِحْرَامُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُمَا وَقَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ مَكْرُوهٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ قَدْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ، أَوْ لَمْ يَتَعَجَّلْ وَتَنْعَقِدُ سَنَدٌ. إلَّا أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ فِعْلِهَا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ الْحَجِّ مُحَمَّدٌ، فَإِنْ جَهِلَ فَأَحْرَمَ فِي آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَقَدْ كَانَ تَعَجَّلَ أَوْ لَمْ يَتَعَجَّلْ، وَقَدْ رَمَى فِي يَوْمِهِ فَإِنَّ إحْرَامَهُ يَلْزَمُهُ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، وَإِحْلَالُهُ قَبْلَ ذَلِكَ بَاطِلٌ يُرِيدُ لَا يَطُوفُ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ انْتَهَى.
فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ ذَلِكَ الْإِحْلَالِ أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ وَلْيَقْضِهَا بَعْدَ تَمَامِهَا وَيُهْدِي قَالَ فِي النُّكَتِ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا: وَيَكُونُ خَارِجَ الْحَرَمِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، وَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ الْحَرَمَ بِسَبَبِهَا عَمَلٌ لَهَا، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ عَمَلِهَا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ.
، وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْمِيقَاتِ الزَّمَانِيِّ وَأَتَى فِيهِ مِنْ الْمَكَانِيِّ بِمَا يُشَارِكُهُ مِنْ كَرَاهَةِ الْإِحْرَامِ قَبْلَهُ لِلِاخْتِصَارِ شَرَعَ فِي الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَقَسَّمَهُ بِاعْتِبَارِ النَّاسِكِينَ فَقَالَ (ص) وَمَكَانُهُ لَهُ لِلْمُقِيمِ مَكَّةُ (ش) هَذَا عَطْفٌ عَلَى وَقْتِهِ أَيْ: مَكَانُ الْإِحْرَامِ الْأَفْضَلُ لَا الْأَوْجَبُ لَهُ لِلْحَجِّ مُفْرِدٌ لِلْمُقِيمِ بِمَكَّةَ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ آفَاقِيٍّ مُقِيمٍ بِهَا لَيْسَ عَلَيْهِ نَفْسٌ مِنْ الْوَقْتِ أَوْ مِنْ مَنْزِلِهِ بِالْحَرَمِ كَأَهْلِ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ مَكَّةَ، وَإِنْ تَرَكَهَا وَأَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ، أَوْ الْحِلِّ فَخِلَافُ الْأَوْلَى، وَلَا إثْمَ وَلِذَا لَمْ يَقُلْ: وَمِيقَاتُهُ، وَإِنَّمَا قَالَ: وَمَكَانُهُ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْإِحْرَامِ مِنْ مَكَّةَ (ص) وَنُدِبَ بِالْمَسْجِدِ (ش) أَيْ: وَنُدِبَ لِلْمُقِيمِ بِالْحَرَمِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ جَوْفِ الْمَسْجِدِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مِنْ بَابِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَيُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِ صَلَاتِهِ وَيُلَبِّي، وَهُوَ جَالِسٌ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُومَ مِنْ مُصَلَّاهُ وَلَا أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى جِهَةِ الْبَيْتِ (ص) كَخُرُوجِ ذِي النَّفَسِ لِمِيقَاتِهِ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مِيقَاتِهِ لِيُحْرِمَ مِنْهُ حَيْثُ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ الْوَقْتِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِذِي النَّفَسِ.
(ص) وَلَهَا وَلِلْقِرَانِ الْحِلُّ (ش) الضَّمِيرُ فِي لَهَا لِلْعُمْرَةِ وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا يُحْرِمُ بِهَا الْمَكِّيُّ وَالْمُقِيمُ بِمَكَّةَ إلَّا مِنْ الْحِلِّ أَيْ: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ إحْرَامٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ لِفِعْلِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام، وَالْمُرَادُ بِالْحِلِّ مَا جَاوَزَ الْحَرَمَ وَمِثْلُ الْعُمْرَةِ الْقِرَانُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْقِرَانِ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَجْمَعْ فِي إحْرَامِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ إلَى عَرَفَةَ إنَّمَا هُوَ لِلْحَجِّ فَقَطْ بِخِلَافِ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إلَى عَرَفَةَ وَهِيَ فِي الْحِلِّ فَقَدْ جَمَعَ فِي إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ (ص) وَالْجِعْرَانَةُ أَوْلَى، ثُمَّ التَّنْعِيمُ (ش) هَذَا رَاجِعٌ لِلْعُمْرَةِ وَأَمَّا الْقِرَانُ فَلَا يُطْلَبُ لَهُ مَكَانٌ مُعَيَّنٌ مِنْ الْحِلِّ عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَى، وَلَا غَيْرُهُ وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمُعْتَمِرَ إذَا خَرَجَ لِلْحِلِّ لِيُحْرِمَ بِهَا مِنْهُ فَإِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ مَوْضِعٌ بَيْنَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ إلَخْ) أَيْ: أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ لَفْظِ التَّحَلُّلِ - أَفْرَدَ، أَوْ ثَنَّى - رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ خَارِجَ إلَخْ) وَانْظُرْ لَوْ دَخَلَ فِي الْحَرَمِ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَعْمَلْ عَمَلًا إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَالظَّاهِرُ عَلَى بَحْثِهِ أَنَّ دُخُولَهُ لَغْوٌ وَيُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ إلَى الْحِلِّ لِيَدْخُلَ مِنْهُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا قَالَهُ الْحَطَّابُ.
(قَوْلُهُ: وَأَتَى فِيهِ) أَيْ: فِي الزَّمَانِيِّ وَقَوْلُهُ: بِمَا أَيْ: بِحُكْمٍ يُشَارِكُ الْمَكَانِيُّ الزَّمَانِيَّ فِيهِ وَقَوْلُهُ: مِنْ الْمَكَانِيِّ مُتَعَلِّقُ يَأْتِي وَمِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ (قَوْلُهُ: وَمَكَانُهُ لَهُ إلَخْ) ظَرْفٌ لَغْوٌ وَلِلْمُقِيمِ حَالٌ (قَوْلُهُ: لِلْحَجِّ) فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ (قَوْلُهُ أَوْ آفَاقِيٍّ) كَانَ مُقِيمًا إقَامَةً تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ، أَوْ لَا (قَوْلُهُ: فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَخْ) أَيْ: مِنْ حَيْثُ الْعُدُولُ (قَوْلُهُ: أَنْ يُحْرِمَ مِنْ جَوْفِ) فِي عب والظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِجَوْفِهِ مَا قَابَلَ الْبَابَ بِدَلِيلِ الْمُقَابِلِ (قَوْلُهُ: وَلَا أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى جِهَةِ الْبَيْتِ) أَيْ: كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ (قَوْلُهُ كَخُرُوجِ ذِي النَّفَسِ إلَخْ) أَيْ: الدَّاخِلِ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ: وَلَهَا وَلِلْقِرَانِ الْحِلُّ) أَيْ: وَلَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحَرَمِ وَلَكِنْ يَنْعَقِدُ إنْ وَقَعَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ) لَا يَخْفَى أَنَّ نُكْتَةَ التَّعْبِيرِ بِمَكَانِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَا تَأْتِي هُنَا إلَخْ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الشَّرْطِيَّةَ لَا تَظْهَرُ فِيهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَرَمِ فِيهِمَا يَصِحُّ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْعُمْرَةِ مِنْ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ طَوَافُهُ وَسَعْيُهُ، وَأَمَّا فِي الْقِرَانِ فَيُطْلَبُ بِالْخُرُوجِ إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لِعَرَفَةَ يَكْفِي فَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ إلَى الْحِلِّ فِي كُلٍّ مِنْ الْعُمْرَةِ وَالْقِرَانِ كَأَنَّهُ أَوْقَعَ الْإِحْرَامَ فِي الْحِلِّ (قَوْلُهُ: وَالْجِعْرَانَةُ إلَخْ) أَكْثَرُ عِبَارَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ، أَوْ التَّنْعِيمُ فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فَالْمُنَاسِبُ لِلْمُصَنِّفِ اتِّبَاعُهُمْ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ تِلْكَ التَّعَالِيلَ تُقَوِّي كَلَامَ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ ثُمَّ التَّنْعِيمُ) سُمِّيَ التَّنْعِيمَ؛ لِأَنَّ عَلَى يَمِينِهِ جَبَلُ نُعَيْمٍ وَعَلَى يَسَارِهِ جَبَلُ نَاعِمٍ وَاسْمُ الْوَادِي نُعْمَانُ (قَوْلُهُ: هَذَا رَاجِعٌ لِلْعُمْرَةِ) أَيْ: فَهُوَ فِيمَنْ اعْتَمَرَ مِنْ الْحَرَمِ وَأُمِرَ بِالْخُرُوجِ لِيَجْمَعَ فِي إحْرَامِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى طَافَ.
وَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ قَارِنًا مِنْ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَخْرُجَ لِلْحِلِّ كَمَا قَالَ سَنَدٌ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا لَكِنَّهُ لَا يَطُوفُ وَيَسْعَى بَعْدَ خُرُوجِهِ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيَ بَعْدَهُ يَنْدَرِجُ فِيهِمَا طَوَافُ الْعُمْرَةِ وَسَعْيُهَا، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ حَتَّى خَرَجَ إلَى عَرَفَةَ فَطَافَ وَسَعَى فَالظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ كَمَا قَالَهُ الْحَطَّابُ (قَوْلُهُ: عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَى وَلَا غَيْرَهُ) وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَبْعُدَ عَنْ طَرَفِهِ
مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، ثُمَّ التَّنْعِيمِ وَهِيَ مَسَاجِدُ عَائِشَةَ تَلِي الْجِعْرَانَةَ فِي الْفَضْلِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْجِعْرَانَةُ أَفْضَلَ مِنْ التَّنْعِيمِ لِبُعْدِهَا عَنْ مَكَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا وَلِاعْتِمَارِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا وَكَانَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ حِينَ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ اعْتَمَرَ مِنْهَا ثَلَثُمِائَةِ نَبِيٍّ.
(ص)، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ أَعَادَ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ بَعْدَهُ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ مِنْ الْحَرَمِ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ، فَإِنْ طَافَ وَسَعَى فَإِنَّهُ يُعِيدُ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ بَعْدَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ الضَّمِيرُ مِنْ قَوْلِهِ: بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ يُعِيدُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا وَقَعَا بِغَيْرِ شَرْطِهِمَا، وَهُوَ الْخُرُوجُ إلَى الْحِلِّ فَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا طَافَ وَسَعَى حَلَقَ رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ أَيْضًا بَعْدَ خُرُوجِهِ إلَى الْحِلِّ وَيَفْتَدِي؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ حَلَقَ فِي عُمْرَتِهِ قَبْلَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَأَهْدَى إنْ حَلَقَ) ، وَقَدْ تَسَامَحَ فِي إطْلَاقِ الْهَدْيِ عَلَى الْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّ الْحِلَاقَ لَا هَدْيَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ فِيمَا يَتَرَفَّهُ بِهِ، أَوْ يُزِيلُ أَذًى وَالْحِلَاقُ يَتَرَفَّهُ بِهِ، وَقَدْ يُزِيلُ أَذًى.
(ص) وَإِلَّا فَلَهُمَا ذُو الْحُلَيْفَةِ وَالْجُحْفَةُ وَيَلَمْلَمُ وَقَرْنٌ وَذَاتُ عِرْقٍ (ش) لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْمِيقَاتَ الْمَكَانِيَّ لِمَنْ بِمَكَّةَ، وَمَا فِي حُكْمِهَا فِي الْحَجِّ مَكَّةُ وَفِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ أَشَارَ بِهَذَا الْكَلَامِ إلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ مِيقَاتُهُ فِيهِمَا مَا ذُكِرَ أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقِيمًا بِمَكَّةَ، وَمَا فِي حُكْمِهَا فَلِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ ذُو الْحُلَيْفَةِ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَمَنْ وَرَاءَهَا وَهِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَالْفَاءِ تَصْغِيرٌ حَلْفَةَ مَاءٍ لِبَنِي جُشَمَ بِالْجِيمِ وَالشَّيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ عَلَى عَشْرِ، أَوْ تِسْعِ مَرَاحِلَ مِنْهَا وَمِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى سَبْعَةِ أَوْ سِتَّةِ، أَوْ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ، وَيُسَمَّى مَسْجِدُهُ بِمَسْجِدِ الشَّجَرَةِ وَقَدْ خَرِبَ وَبِهَا بِئْرٌ يُسَمُّونَهَا الْعَوَامُّ بِئْرَ عَلِيٍّ تَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتَلَ بِهَا الْجِنَّ وَهَذِهِ النِّسْبَةُ إلَيْهِ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ، وَلَا يُرْمَى بِهَا حَجَرٌ، وَلَا غَيْرُهُ كَمَا تَفْعَلُهُ الْجَهَلَةُ، وَالْجُحْفَةُ لِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَأَهْلِ الْمَغْرِبِ، وَمَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ، وَكَذَا الرُّومُ وَالتَّكْرُورُ وَهِيَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْفَاءِ قَرْيَةٌ خَرِبَتْ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ عَلَى نَحْوِ خَمْسِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ وَثَمَانٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّيْلَ أَجْحَفَهَا قَالَ بَعْضٌ وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمَّاهَا بِذَلِكَ فِي زَمَانِهِ، وَإِنَّمَا أَجْحَفَهَا السَّيْلُ سَنَةَ ثَمَانِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ قَالَ آخَرُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إجْحَافٌ قَبْلَ هَذَا.
وَيَلَمْلَمُ لِأَهْلِ الْيَمَنِ وَالْهِنْدِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَاللَّامِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَبَيْنَهُمَا مِيمٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ مِيمٌ، وَيُقَالُ: أَلَمْلَمُ بِهَمْزَةٍ بَدَلُ الْبَاءِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَيُقَالُ يَرَمْرَمُ بِرَاءَيْنِ بَدَلُ اللَّامَيْنِ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ وَقَرْنٌ لِأَهْلِ نَجْدِ الْيَمَنِ وَنَجْدِ الْحِجَازِ وَيُقَالُ: قَرْنُ الْمَنَازِلِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَهِيَ تِلْقَاءَ مَكَّةَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْهَا قَالُوا: وَهِيَ أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ لِمَكَّةَ.
وَذَاتُ عِرْقٍ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَفَارِسَ وَخُرَاسَانَ وَالْمَشْرِقِ، وَمَنْ وَرَاءَهُمْ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ قَرْيَةٌ خَرِبَتْ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ يُقَالُ إنَّ بِنَاءَهَا تَحَوَّلَ إلَى جِهَةِ مَكَّةَ فَيَتَحَرَّى الْقَرْيَةَ الْقَدِيمَةَ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ عَلَامَاتِهَا الْمَقَابِرُ الْقَدِيمَةُ (ص) وَمَسْكَنٌ دُونَهَا (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ مَسْكَنُهُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَوَاقِيتِ فَمِيقَاتُهُ مَنْزِلُهُ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْأَبْعَدِ لِمَكَّةَ مِنْ دَارِهِ أَوْ الْمَسْجِدِ، وَتَأْخِيرُ إحْرَامِهِ مِنْهُ كَتَأْخِيرِ الْمِيقَاتِ فِي لُزُومِهِ الدَّمَ كَمَا يَأْتِي، وَمَسْكَنٌ بِالتَّنْوِينِ وَدُونَهَا صِفَةٌ لَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ؛ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ غَيْرُ مُتَصَرِّفٍ لَا بِالْإِضَافَةِ، وَقَوْلُهُ: دُونَهَا أَيْ: لِجِهَةِ مَكَّةَ بِأَنْ يَكُونَ الْمِيقَاتُ خَلْفَ مَسْكَنِهِ لَا إلَى جِهَةِ الذَّاهِبِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: هِيَ مَسَاجِدُ عَائِشَةَ) إنَّمَا سُمِّيَ التَّنْعِيمُ بِمَسَاجِدِ عَائِشَةَ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ بِأُخْتِهِ عَائِشَةَ» لَهُ كَذَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ
(قَوْلُهُ وَقَرْنُ) بِسُكُونِ الرَّاءِ (قَوْلُهُ: مَاءٌ لِبَنِي جُشَمَ) لَعَلَّ الْمُرَادَ مَوْضِعُ مَاءٍ.
(قَوْلُهُ عَلَى عَشْرٍ، أَوْ تِسْعٍ) يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ، أَوْ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ وَلَعَلَّهُ الظَّاهِرُ، أَوْ لِلشَّكِّ (قَوْلُهُ: عَلَى سَبْعَةٍ، أَوْ سِتَّةٍ إلَخْ) ، أَوْ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ كَمَا أَفَادَهُ بَهْرَامُ فَهِيَ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ (قَوْلُهُ: قَاتَلَ بِهَا الْجِنَّ) أَيْ: قَاتَلَ الْجِنَّ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَمِنْ وَرَاءَهُمْ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَنْدَلُسَ مُحَاذِيَةٌ لِلْمَغْرِبِ لَا وَرَاءَهُمْ إلَّا أَنْ يُقَالَ وَرَاءَ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ بِالْجَنُوبِ (قَوْلُهُ: أَنَّ هَذَا إلَخْ) أَيْ: إجْحَافُ السَّيْلِ الْبَاعِثِ عَلَى التَّسْمِيَةِ، وَأَجْحَفَهَا أَيْ: أَهْلَكَهَا.
(تَنْبِيهٌ) : إنْ أُرِيدَ بِيَلَمْلَمَ الْجَبَلُ فَمُنْصَرِفٌ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْبُقْعَةُ فَغَيْرُ مُنْصَرِفٍ بِخِلَافِ قَرْنٍ فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ إرَادَةِ الْبُقْعَةِ يَجُوزُ صَرْفُهُ لِأَجْلِ سُكُونِ وَسَطِهِ (قَوْلُهُ: تِهَامَةَ) بِكَسْرِ التَّاءِ (قَوْلُهُ: وَيُقَالُ قَرْنُ الْمَنَازِلِ) أَيْ: لَا قَرْنَ الثَّعَالِبِ (قَوْلُهُ: قَالُوا وَهِيَ أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ إلَخْ) يُنَاقِضُهُ، قَوْلُهُ بَعْدُ: قَرْيَةٌ خَرِبَتْ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالْمَشْرِقِ إلَخْ) الْمَشْرِقُ يَشْمَلُ الْكُلَّ (قَوْلُهُ: وَمَسْكَنٌ دُونَهَا) أَيْ: كَقُدَيْدٍ وَعُسْفَانَ وَمَرِّ الظَّهْرَانِ أَيْ: الْمُسَمَّى الْآنَ بِوَادِي فَاطِمَةَ أَيْ: فَمَسْكَنُهُ، أَوْ مَسْجِدُهُ مِيقَاتُهُ إنْ أَحْرَمَ مُفْرِدًا كَأَنْ قَرَنَ، أَوْ اعْتَمَرَ إنْ كَانَ مَسْكَنُهُ بِالْحِلِّ فَإِنْ كَانَ بِالْحَرَمِ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ فَإِنْ سَافَرَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ مِنْ مَسْكَنِهِ دُونَهَا إلَى وَرَاءِ الْمِيقَاتِ ثُمَّ رَجَعَ مُرِيدَ الْإِحْرَامِ فَكَمِصْرِيٍّ يَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ لِمَنْزِلِهِ فَيُحْرِمُ مِنْهُ وَيَفْصِلُ فِي إحْرَامِهِ مِنْهُ حِينَئِذٍ كَمَا سَبَقَ.
(قَوْلُهُ بِالتَّنْوِينِ) أَيْ: وَدُونَهُ إلَّا أَنَّهُ بِالتَّنْوِينِ صِفَةٌ لِمَسْكَنٍ وَبَعْدَهُ يُقَدَّرُ مُضَافٌ أَيْ: وَمَسْكَنُ شَخْصٍ دُونَهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ ظَرْفٌ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ مَبْنِيٌّ إلَخْ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يُنْتِجُ الْبِنَاءَ عَلَى الْفَتْحِ بَلْ يُنْتِجُ النَّصْبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِقَوْلِهِ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ (قَوْلُهُ: لَا إلَى جِهَةِ الذَّاهِبِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: أَيْ: لِجِهَةِ الْخَلَفِ الَّتِي هِيَ جِهَةُ الْأَقْطَارِ لَا جِهَةُ مَكَّةَ وَلَوْ قَالَ لَا إلَى جِهَةِ الْأَقْطَارِ لَكَانَ أَوْضَحَ
إلَى مَكَّةَ (ص) وَحَيْثُ حَاذَى وَاحِدًا أَوْ مَرَّ (ش) مَدْخُولُ الْوَاوِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُبْتَدَإِ، وَهُوَ ذُو مِنْ قَوْلِهِ: ذُو الْحُلَيْفَةِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا ظَرْفٌ مُتَصَرِّفٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] فَإِنَّهَا مَفْعُولٌ، وَقَوْلُهُ: حَاذَى أَيْ: سَامَتَ وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَكَانَ الْإِحْرَامِ ذُو الْحُلَيْفَةِ إلَخْ وَالْمَكَانُ الَّذِي حَاذَى فِيهِ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ أَوْ مَرَّ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْمِيقَاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْزِلُهُ قَرِيبًا مِنْهُ فَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَأْتِيَ الْمِيقَاتَ فَيُحْرِمُ مِنْهُ (ص) وَلَوْ بِبَحْرٍ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ سَافَرَ فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ إذَا حَاذَى الْمِيقَاتَ، وَلَا يُؤَخِّرُ إلَى الْبَرِّ وَظَاهِرُهُ، سَوَاءٌ كَانَ بِبَحْرِ الْقُلْزُمِ، أَوْ بَحْرِ عَيْذَابَ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِلتَّفْصِيلِ سَنَدٌ، وَلَمَّا أَوْجَبَ الْجُمْهُورُ إحْرَامَ مَنْ مَرَّ بِغَيْرِ مِيقَاتِهِ مِنْهُ عُمُومًا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ» .
وَاسْتَثْنَى أَهْلُ الْمَذْهَبِ مَنْ مِيقَاتُهُ الْجُحْفَةَ يَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَلَا يَجِبُ إحْرَامُهُ مِنْهَا لِمُرُورِهِ عَلَى مِيقَاتِهِ بَعْدُ، أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:(ص) إلَّا كَمِصْرِيٍّ يَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا كَانَ مِيقَاتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالشَّامِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ وَالْمِصْرِيِّ فَإِنَّهُ إذَا مَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَحْرَمَ مِنْهُ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَهُ إلَى مِيقَاتِهِ الَّذِي هُوَ الْجُحْفَةُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(فَهُوَ أَوْلَى) ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ الْمِصْرِيَّ وَشِبْهَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَمُرُّ بِمِيقَاتِهِ، أَوْ يُحَاذِيَهُ وَلِهَذَا إذَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَمُرَّ بِهِ، وَلَا أَنْ يُحَاذِيَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحُلَيْفَةِ كَمَا يَجِبُ إحْرَامُ النَّجْدِيِّ وَالْعِرَاقِيِّ وَالْيَمَنِيِّ وَسَائِرِ أَهْلِ الْبُلْدَانِ سِوَى الْمِصْرِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ وَالشَّامِيِّ إذَا مَرَّ بِالْحُلَيْفَةِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْهَا إذْ لَا يَتَعَدَّوْنَهَا إلَى مِيقَاتٍ لَهُمْ (ص)، وَإِنْ لِحَيْضٍ رُجِيَ رَفْعُهُ (ش) مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ: فَهُوَ أَوْلَى أَيْ: وَإِحْرَامُ الْمِصْرِيِّ وَشِبْهِهِ مِنْ الْحُلَيْفَةِ أَوْلَى مِنْ التَّأْخِيرِ، وَإِنْ لِذَاتِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ رُجِيَ رَفْعُهُ عِنْدَ الْوُصُولِ إلَى الْجُحْفَةِ وَلَا تُؤَخِّرُ رَجَاءَ أَنْ تَغْتَسِلَ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَ الْحُلَيْفَةِ أَفْضَلُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهَا تُقِيمُ فِي الْعِبَادَةِ أَيَّامًا قَبْلَ الْجُحْفَةِ فَلَا يَفِي غُسْلُهَا بِفَضْلِ تَقْدِيمِ إحْرَامِهَا مِنْ مِيقَاتِهِ عليه الصلاة والسلام.
(ص) كَإِحْرَامِهِ أَوَّلَهُ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ يُنْدَبُ لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ مِنْ أَيِّ مِيقَاتٍ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِهِ وَلَا يُؤَخِّرَهُ لِآخِرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ لِلطَّاعَةِ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ الْأَفْضَلُ لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ رَجُلًا، أَوْ امْرَأَةً إزَالَةُ شُعْثِهِ كَقَلْمِ ظُفْرٍ وَسِخٍ، وَحَلْقِ شَعْرٍ مَأْذُونٍ فِيهِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَإِزَالَةِ شُعْثِهِ) أَيْ: مَا عَدَا الرَّأْسَ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ بَقَاءُ شُعْثِهِ فِي الْحَجِّ ابْنُ بَشِيرٍ، وَيُلَبِّدُهُ بِصَمْغٍ أَوْ غَاسُولٍ لِيَلْتَصِقَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَحَيْثُ حَاذَى وَاحِدًا أَوَمَرَّ) وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْمَكِّيَّ إذَا خَرَجَ إلَى وَرَاءِ مِيقَاتِهِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا يُرِيدُ نُسُكًا فَمَرَّ بِمِيقَاتٍ، أَوْ حَاذَاهُ فَإِنْ تَعَدَّاهُ فَدَمٌ وَلَيْسَ كَالْمِصْرِيِّ يَمُرُّ بِالْحُلَيْفَةِ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ لِمِيقَاتِهِ فَيَحْرُمُ عَلَى الْمَكِّيِّ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ لِمَكَّةَ لِئَلَّا يَدْخُلَهَا حَلَالًا مَعَ إرَادَتِهِ النُّسُكَ.
(قَوْلُهُ: ظَرْفٌ مُتَصَرِّفٌ) أَيْ: يَقَعُ فَاعِلًا وَمَفْعُولًا وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ حَيْثُ لَا تَخْرُجُ عَنْ الظَّرْفِيَّةِ فَيُقَدَّرُ لَهُ عَامِلٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَأَنْ يُحْرِمَ حَيْثُ حَاذَى إلَخْ (قَوْلُهُ: الَّذِي حَاذَى فِيهِ) أَيْ: سَامَتْ مَنْ بَعْدُ بِمُقَابَلَةٍ، أَوْ مُيَامَنَةٍ، أَوْ مُيَاسَرَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ، أَوْ مَرَّ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: إذَا حَاذَى الْمِيقَاتَ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ بِبَحْرٍ مُبَالَغَةً عَلَى قَوْلِهِ: حَاذَى وَاحِدٌ فَقَطْ كَمَا قَالَهُ الزَّرْقَانِيُّ (قَوْلُهُ: عَيْذَابَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ ثُمَّ ذَالٌ مُعْجَمَةٌ ثُمَّ أَلِفٌ ثُمَّ بَاءٌ كَذَا فِي بَعْضِ التَّقَارِيرِ، وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ رحمه الله عِيدَانُ بِنُونٍ بَعْدَ الْأَلْفِ، وَلَيْسَ فَوْقَ الدَّالِ نُقْطَةٌ وَلَكِنْ فِي الْبَدْرِ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ فَقَالَ عِيدَانُ بِمُهْمَلَةٍ.
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِتَفْصِيلِ سَنَدٍ) مُقْتَضَى كَلَامِ جَمْعٍ مِنْهُمْ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ كَلَامُ سَنَدٍ وَهُوَ تَقْيِيدُهُ بِبَحْرِ الْقُلْزُمِ وَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ مِصْرَ حَيْثُ يُحَاذِي الْجُحْفَةَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ فَإِنْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْهُ إلَى الْبَرِّ لَزِمَهُ الْهَدْيُ، وَأَمَّا بَحْرُ عَيْذَابَ وَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ الْيَمَنِ وَالْهِنْدِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ بِمُحَاذَاتِهِ الْمِيقَاتَ أَيْ: الَّذِي هُوَ الْجُحْفَةُ لِأَنَّ فِيهِ خَوْفًا وَخَطَرًا مِنْ أَنْ تَرُدَّهُ الرِّيحُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ مِثْلُهُ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِهِ الْإِحْرَامَ إلَى الْبَرِّ فِي الْبَحْرِ قَالَهُ الْحَطَّابُ.
(قَوْلُهُ: هُنَّ لَهُمْ) فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ وَقَالَ هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» قَالَ الْقَاضِي كَذَا جَاءَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عِنْدَ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ يَعْنِي: بِالتَّأْنِيثِ فِي لَهُنَّ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الصَّحِيحَيْنِ هُنَّ لَهُمْ يَعْنِي: بِالتَّذْكِيرِ وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْوَجْهُ؛ لِأَنَّ ضَمِيرَهُ أَهْلُ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَالْأَقْطَارِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ: الْمَدِينَةُ، وَالشَّامُ، وَالْيُمْنُ، وَنَجْدٌ أَيْ: هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ لِهَذِهِ الْأَقْطَارِ وَالْمُرَادُ لِأَهْلِهَا فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُقَامَهُ.
(قَوْلُهُ فَهُوَ أَوْلَى) الْأَوْلَى الْوَاوُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا كَمِصْرِيٍّ مَعْنَاهُ لَا يَجِبُ الْإِحْرَامُ عَلَيْهِ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ شَيْءٌ آخَرُ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: رَجَاءَ أَنْ تَغْتَسِلَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْحَائِضَ تَغْتَسِلُ غُسْلَ الْإِحْرَامِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ وَلَا تُؤَخِّرُ رَجَاءَ أَنْ تَرْكَعَ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ إلَخْ إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ الْغُسْلَ الْوَاجِبَ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى
(قَوْلُهُ: مِنْ أَيِّ مِيقَاتٍ) أَيْ: إلَّا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ الْإِحْرَامُ مِنْ مَسْجِدِهَا، أَوْ فِنَائِهِ لَا مِنْ أَوَّلِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ قَالَ عج وَيَدْخُلُ فِي أَوَّلِهِ الْإِحْرَامُ مِنْ رَابِغٍ عَلَى مَا حَكَاهُ الْمَنُوفِيُّ وَيَحْتَمِلُ عَدَمَ دُخُولِهِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ (قَوْلُهُ كَقَلْمِ ظُفْرٍ) أَيْ: وَاكْتِحَالِهِ وَادِّهَانِهِ بِغَيْرِ مُطَيِّبٍ (قَوْلُهُ: وَيُلَبِّدُهُ بِصَمْغٍ) قَدْ وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَبَّدَ رَأْسَهُ بِالْعَسَلِ كَمَا فِي أَبِي دَاوُد قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَوَيْنَاهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِمُهْمَلَتَيْنِ انْتَهَى قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعَسَلُ صَمْغُ الْعُرْفُطِ - بِالضَّمِّ - شَجَرٌ الْعِضَاهُ بِالْكَسْرِ أَعْظَمُ شَجَرٍ
بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَيَقِلُّ دَوَابُّهُ، وَالشُّعْثُ الدَّرَنُ وَالْوَسَخُ وَالْقَشَفُ.
(ص) وَتَرْكُ اللَّفْظِ بِهِ (ش) أَيْ: بِالْإِحْرَامِ أَيْ وَالْأَفْضَلُ تَرْكُ اللَّفْظِ بِإِحْرَامِ مَا يُحْرِمُ بِهِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى النِّيَّةِ كَالْإِحْرَامِ لِلصَّلَاةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَفْظُهُ وَاسِعٌ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَرْكُ اللَّفْظِ بِهِ أَيْضًا.
، وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْمِيقَاتِ وَأَهْلِهِ شَرَعَ فِي تَقْسِيمِ الْمَارِّ بِهِ مِنْ وُجُوبِ الْإِحْرَامِ وَعَدَمِهِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّ الْمَارَّ بِالْمِيقَاتِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لِمَكَّةَ أَوْ لَا وَالْمُرِيدُ لَهَا إمَّا أَنْ يَتَرَدَّدَ أَوْ لَا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا بِالْحَجِّ، أَوْ لَا، وَهُوَ تَرْتِيبٌ بَدِيعٌ لَمْ يُسْبَقْ بِهِ، أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:(ص) وَالْمَارُّ بِهِ إنْ لَمْ يَرِدْ مَكَّةَ، أَوْ كَعَبْدٍ فَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِ، وَلَا دَمَ، وَإِنْ أَحْرَمَ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ غَيْرَ مُرِيدِ مَكَّةَ بِأَنْ كَانَتْ حَاجَتُهُ دُونَهَا، أَوْ فِي جِهَةٍ أُخْرَى أَيْ: وَهُوَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ أَنْ لَوْ أَرَادَهَا أَوْ أَرَادَهَا إلَّا أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يُخَاطَبُ بِالْحَجِّ، أَوْ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ كَعَبْدٍ وَجَارِيَةٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَكَافِرٍ فَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَلَا دَمَ لِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ حَلَالًا، وَإِنْ أَحْرَمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِفَرْضٍ، أَوْ نَفْلٍ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ حَلَالًا بِأَنْ بَدَا لَهُ الدُّخُولُ لِمَكَّةَ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ أَوْ أُذِنَ لِلْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ، أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ، أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ الْمَغْمِيُّ عَلَيْهِ، أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ؛ لِأَنَّهُمْ جَاوَزُوا الْمِيقَاتَ قَبْلَ تَوَجُّهِ الْحَجِّ عَلَيْهِمْ وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ وَتَرَكَهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ الدَّمَ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ النُّسُكَ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: أَوْ كَعَبْدٍ قَالَ ز الْمَعْطُوفُ مَحْذُوفٌ فَحَذَفَ الْعَامِلَ وَأَبْقَى مَعْمُولَهُ أَيْ: أَوْ كَانَ كَعَبْدٍ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى لَمْ يُرِدْ، وَقَوْلُهُ: فَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِ جَوَابُ إنْ، وَقَرَنَهُ بِالْفَاءِ لِكَوْنِهِ جُمْلَةً اسْمِيَّةً انْتَهَى، وَعَلَيْهِ فَيُخْتَلَفُ فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَالْمَارُّ مَا هُوَ، وَقَوْلُهُ: وَلَا دَمَ عَطْفٌ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ أَحْرَمَ مُبَالَغَةً فِي وَلَا دَمَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
(ص) إلَّا الصَّرُورَةَ الْمُسْتَطِيعَ فَتَأْوِيلَانِ (ش) هَذَا رَاجِعٌ لِلْمُبَالَغِ عَلَيْهِ فَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَنْ أَحْرَمَ بَعْدَ الْمِيقَاتِ، وَقَدْ كَانَ حَالَ مُرُورِهِ غَيْرُ مُخَاطَبٍ لِعَدَمِ إرَادَةِ دُخُولِ مَكَّةَ، وَهُوَ صَرُورَةٌ مُسْتَطِيعٌ فَإِنْ انْتَفَى وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ قَطْعًا عَلَى مَا لِعَبْدِ الْحَقِّ وَالتَّأْوِيلُ بِعَدَمِ لُزُومِ الدَّمِ نَظَرٌ إلَى حَالِ مُرُورِهِ، وَالثَّانِي الْقَائِلُ بِاللُّزُومِ نَظَرٌ إلَى أَنَّهُ بِإِحْرَامِهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُرِيدِ حَالَ الْمُرُورِ إذْ تَبَيَّنَ بِهِ أَنَّهُ كَانَ مُرِيدًا دُخُولَ مَكَّةَ، أَوْ النُّسُكَ حَالَ الْمُرُورِ بِالْمِيقَاتِ.
(ص) وَمُرِيدُهَا إنْ تَرَدَّدَ أَوْ عَادَ لَهَا لِأَمْرٍ فَكَذَلِكَ (ش) هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ: سَابِقًا إنْ لَمْ يُرِدْ مَكَّةَ، وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ مَعَ أَنَّهُ مَفْهُومُ شَرْطٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا، وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ تَرَدَّدَ إلَى مَكَّةَ كَالْمُتَسَبَّبِينَ بِالْفَوَاكِهِ وَالطَّعَامِ وَالْحَطَبِ، أَوْ عَادَ لِمَكَّةَ مِنْ قَرِيبٍ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْهَا لَا يُرِيدُ الْعَوْدَ لِأَمْرٍ عَاقَهُ عَنْ السَّفَرِ أَوْ يُرِيدُ الْعَوْدَ وَرَجَعَ مِنْ مَكَان قَرِيبٍ وَلَمْ يَقُمْ فِيهِ كَثِيرًا فَإِنَّهُ لَا إحْرَامَ عَلَيْهِ، وَلَا دَمَ، وَإِنْ أَحْرَمَ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ اسْتِحْبَابِ الْإِحْرَامِ لِلْمُتَرَدِّدِينَ أَوَّلَ مَرَّةٍ.
فَقَوْلُهُ: كَذَلِكَ أَيْ: كَالْمَارِّ الَّذِي لَا يُرِيدُهَا فَإِنَّهُ لَا إحْرَامَ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ وَإِنْ أَحْرَمَ، وَانْظُرْ هَلْ يَدْخُلُ فِي التَّشْبِيهِ وَالْإِشَارَةِ قَوْلُهُ: فِي الَّتِي قَبْلَهَا إلَّا الصَّرُورَةَ الْمُسْتَطِيعَ؟ فَتَأْوِيلَانِ يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلٍ يُسَاعِدُهُ لَكِنَّهُ لَازِمٌ لِتَأْوِيلِ ابْنِ شَبْلُونٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا
ــ
[حاشية العدوي]
وَشَجَرٌ لَهُ شَوْكٌ (قَوْلُهُ وَالْوَسَخُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ: وَالْقَشَفُ) كَذَا فِي ك قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ قَشِفَ الرِّجْلُ قَشَفًا مِنْ بَابِ تَعِبَ لَمْ يَتَعَهَّدْ النَّظَافَةَ انْتَهَى.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا وَاحِدٌ، فَلَوْ أَخَّرَ الْوَسَخَ بَعْدَ الدَّرَنِ وَالْقَشَفِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِأَجْلِ أَنْ يَصِيرَ عَطْفَ تَفْسِيرٍ؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ مِنْ الدَّرَنِ وَالْقَشَفِ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَلَفْظُهُ وَاسِعٌ) فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَفْظُهُ وَاسِعٌ وَقَوْلُهُ: لَكِنَّ الْأَفْضَلَ إلَخْ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَفْظُهُ وَاسِعٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ أَيْ: بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ذِكْرِهِ هُنَا أَيْ: إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَفْظُهُ وَاسِعٌ وَبِمَا يُفْهَمُ مِنْهُ التَّسَاوِي لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ اللَّفْظِ بِهِ وَقَوْلُهُ: أَيْضًا أَيْ: كَمَا قُلْنَا فِي الْحَجِّ إلَّا أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ رِكَّةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَوَّلًا جَعَلَ الصَّلَاةَ مُشَبَّهًا بِهَا وَالْحَجَّ مُشَبَّهًا، وَفِي الْآخَرِ الْعَكْسُ فَتَدَبَّرْ
(قَوْلُهُ: إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ) هِيَ خَمْسَةٌ لَا أَرْبَعَةٌ (قَوْلُهُ: تَرْتِيبٌ إلَخْ) الْأَوْلَى تَقْسِيمُ بَدَلَ تَرْتِيبٍ (قَوْلُهُ: وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ إلَخْ) هَذَا لَا يُنَاسِبُ مِنْ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيَأْتِي يُفَصِّلُ فِي مَفْهُومِ الْمَارِّ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُقَالُ وَمَفْهُومُ إلَخْ وَقَوْلُهُ: وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ سَيَأْتِي مَا يُفِيدُ قُوَّتَهُ فِي كَلَامِهِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ كَعَبْدٍ) فِي الْحَقِيقَةِ الْمَعْطُوفُ هُوَ مَا أَفَادَهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: أَوْ أَرَادَهُ وَكَانَ كَعَبْدٍ (قَوْلُهُ: مَا هُوَ) هَلْ هُوَ الشَّرْطُ أَوْ الْجَزَاءُ، أَوْ هُمَا وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِيمَا إذَا كَانَ اسْمَ الشَّرْطِ هُوَ الْمُبْتَدَأُ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ أَفَادَهُ شَيْخُنَا عَبْدُ اللَّهِ (قَوْلُهُ: إلَّا الصَّرُورَةَ الْمُسْتَطِيعَ إلَخْ) وَهُمَا فِيمَنْ أَحْرَمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِلَّا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَهُمَا كَمَا عَلِمْت فِيمَنْ أَحْرَمَ بَعْدَ تَعْدِيَةِ الْمِيقَاتِ حَلَالًا فَابْنُ شَبْلُونٍ تَأَوَّلَهَا عَلَى أَنَّ الصَّرُورَةَ يَلْزَمُهُ الدَّمُ وَتَأَوَّلَهَا الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَلَى أَنَّ الصَّرُورَةَ وَغَيْرَهُ، سَوَاءٌ، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ إلَّا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَهُوَ مُرِيدٌ الْحَجَّ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ وَقَوْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ هُوَ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ: عَلَيْهِ) الْأَوْلَى حَذْفُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ انْتَفَى وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ) أَيْ: هَذِهِ الصِّفَةِ أَيْ: جِنْسِ الصِّفَةِ الْمُتَحَقِّقِ فِي أَمْرَيْنِ وَهُمَا الصَّرُورِيَّةُ وَالِاسْتِطَاعَةُ (قَوْلُهُ: الْقَائِلُ بِاللُّزُومِ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ جَارٍ فِي غَيْرِ الصَّرُورَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَادَ لِمَكَّةَ مِنْ قَرِيبٍ) أَقَامَ فِيهِ كَثِيرًا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقُمْ فِيهِ كَثِيرًا) ، أَمَّا لَوْ أَقَامَ فِيهِ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ الْإِحْرَامُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ بَعُدَ يُحْرِمُ مُطْلَقًا وَإِنْ قَرُبَ فَإِنْ خَرَجَ لَا يُرِيدُ الْعَوْدَ فَإِنَّهُ لَا إحْرَامَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَقَامَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَثِيرًا، أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَهَذَا لَا يُخَالِفُ إلَخْ) الْمُشَارُ لَهُ مَضْمُونُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُتَرَدِّدَ بِالْفِعْلِ لَا إحْرَامَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لَازِمٌ لِتَأْوِيلِ ابْنِ شَبْلُونٍ إلَخْ) أَيْ: الَّذِي هُوَ
أَوْجَبَ الدَّمَ عَلَى الصَّرُورَةِ الَّذِي لَمْ يُرِدْهَا فَأَحْرَى الَّذِي يُرِيدُهَا، فَقَوْلُهُ: أَوْ عَادَ لَهَا لِأَمْرٍ أَيْ: لِأَمْرٍ عَاقَهُ كَفِتْنَةٍ وَنَحْوِهَا أَيْ: وَعَادَ عَنْ قُرْبٍ، وَأَمَّا إنْ عَادَ؛ لِأَنَّهُ بَدَا لَهُ رَأْيٌ فِي تَرْكِ السَّفَرِ فَاتَهُ لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ إلَّا مُحْرِمًا فَيُقَيَّدُ، قَوْلُهُ: لِأَمْرٍ بِمَا ذَكَرْنَا، وَبِأَنْ يَرْجِعَ عَنْ قُرْبٍ قَالَهُ ح.
وَانْظُرْ حَدَّ الْقُرْبِ مِنْ الْبُعْدِ، وَحَاصِلَ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِنَا الْكَبِيرِ.
(ص) وَالْأَوْجَبُ الْإِحْرَامُ وَأَسَاءَ تَارِكُهُ، وَلَا دَمَ إنْ لَمْ يَقْصِدْ نُسُكًا (ش) يَعْنِي: أَنَّ مُرِيدَ مَكَّةَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُتَرَدِّدِينَ إلَيْهَا، وَلَا مِمَّنْ عَرَضَ لَهُ أَمْرُ إعَادَةٍ إلَيْهَا، بَلْ أَرَادَهَا لِحَاجَةٍ مِنْ تِجَارَةٍ، أَوْ نُسُكٍ أَوْ لِأَنَّهَا بَلَدُهُ فَإِنَّهُ إذَا مَرَّ بِمِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ عليه الصلاة والسلام فَإِنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ مِنْهُ فَقَدْ أَسَاءَ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ نُسُكًا وَقْتَ مُجَاوَزَتِهِ، فَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَصَدَ النُّسُكَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَحْرَمَ مِنْ الطَّرِيقِ، أَوْ مِنْ مَكَّةَ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَهُ بَعْضٌ، وَقِيلَ بِالدَّمِ مُطْلَقًا وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَأَسَاءَ تَارِكُهُ أَيْ: أَثِمَ، وَلَا يُغْنِي عَنْهُ، قَوْلُهُ: وَجَبَ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي التَّأَكُّدِ كَقَوْلِهِ الْوِتْرُ وَاجِبٌ وَالْأَذَانُ وَاجِبٌ أَيْ: مُتَأَكِّدٌ لَا فِيمَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ فَلَمَّا كَانَ، قَوْلُهُ: وَجَبَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِيمَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ بَلْ يُسْتَعْمَلُ أَيْضًا فِي التَّأَكُّدِ صَرَّحَ بِهِ فَقَالَ: وَأَسَاءَ تَارِكُهُ أَيْ: أَثِمَ (ص) وَإِلَّا رَجَعَ، وَإِنْ شَارَفَهَا وَلَا دَمَ، وَلَوْ عَلِمَ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتًا فَالدَّمُ (ش) هَذَا مُخْرَجٌ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ لَمْ يَقْصِدْ نُسُكًا أَيْ: وَأَمَّا إنْ قَصَدَ مُرِيدُ مَكَّةَ أَحَدَ النُّسُكَيْنِ أَيْ: الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ وَلَمْ يَكُنْ مُتَرَدِّدًا وَتَعَدَّى الْمِيقَاتَ جَاهِلًا بِهِ، أَوْ عَالِمًا بِهِ وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ وَيُحْرِمُ مِنْهُ، وَلَوْ دَخَلَ مَكَّةَ مَا لَمْ يُحْرِمْ وَأَوْلَى لَوْ شَارَفَهَا أَيْ: قَارَبَهَا وَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِي رُجُوعِهِ إلَى الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ إلَيْهِ وَأَحْرَمَ مِنْهُ فَكَأَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْهُ ابْتِدَاءً، وَلَوْ عَلِمَ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّى الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ، وَمَحَلُّ رُجُوعِهِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ يَفُوتُهُ الْحَجُّ، أَوْ الرُّفْقَةُ الَّتِي لَا يَجِدُ غَيْرَهَا وَإِلَّا أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ، وَلَا يَرْجِعُ وَعَلَيْهِ الدَّمُ أَيْ: الْهَدْيُ؛ لِأَنَّ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ تُسْتَبَاحُ بِالْأَعْذَارِ بِالْهَدْيِ وَالْفَوَاتُ وَالْفَوْتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَمَا فِي قَوْلِهِ: مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتًا مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِرَجَعَ أَيْ: وَرَجَعَ لِلْمِيقَاتِ إنْ جَاوَزَهُ حَلَالًا مُرِيدًا لِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ، أَوْ لِدُخُولِ مَكَّةَ
ــ
[حاشية العدوي]
أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ الْمُشَارِ لَهُمَا بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا الصَّرُورَةَ الْمُسْتَطِيعَ فَتَأْوِيلَانِ الَّذِي هُوَ الثَّانِي مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: أَيْ: لِأَمْرٍ عَاقَهُ كَفِتْنَةٍ وَنَحْوِهَا أَيْ: وَعَادَ عَنْ قُرْبٍ إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ الْحَطَّابُ فِي الَّذِي خَرَجَ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ.
وَحَاصِلُ مَا أَفَادَهُ الْحَطَّابُ أَنَّهُ إنْ رَجَعَ عَنْ بُعْدٍ يَرْجِعُ بِإِحْرَامٍ مُطْلَقًا أَقَامَ كَثِيرًا أَمْ لَا أَرَادَ الْعَوْدَ أَمْ لَا رَجَعَ لِأَمْرٍ عَاقَهُ عَنْ السَّفَرِ أَمْ لَا فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ، وَأَمَّا إذَا رَجَعَ عَنْ قُرْبٍ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَوْدَ فَيَرْجِعُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ حَيْثُ لَمْ يَقُمْ كَثِيرًا سَوَاءٌ رَجَعَ لِأَمْرٍ عَاقَهُ عَنْ السَّفَرِ أَمْ لَا، وَأَمَّا لَوْ أَقَامَ كَثِيرًا فَيَرْجِعُ بِإِحْرَامٍ مُطْلَقًا أَيْ: سَوَاءٌ رَجَعَ لِأَمْرٍ عَاقَهُ عَنْ السَّفَرِ أَمْ لَا فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ لَا يُرِيدُ الْعَوْدَ فَإِنَّهُ إنْ رَجَعَ لِأَمْرٍ عَاقَهُ عَنْ السَّفَرِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ أَقَامَ كَثِيرًا أَمْ لَا، وَأَمَّا إنْ عَادَ لِأَنَّهُ بَدَا لَهُ رَأْيٌ فِي تَرْكِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِإِحْرَامٍ أَقَامَ كَثِيرًا أَمْ لَا قَالَ الْحَطَّابُ بَعْدَ أَنْ أَفَادَ مَا قُلْنَا وَيَلْحَقُ بِهَذَا فِي جَوَازِ الدُّخُولِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ مَنْ دَخَلَ لِقِتَالٍ بِوَجْهٍ جَائِزٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ وَيَلْحَقُ بِهِ أَيْضًا عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ مَنْ كَانَ خَائِفًا مِنْ سُلْطَانٍ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَظْهَرَ أَوْ خَائِفًا مِنْ جَوْرٍ يَلْحَقُهُ بِوَجْهٍ قَالَ فَهَذَا لَا يُكْرَهُ لَهُ دُخُولُهَا حَلَالًا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ مَعَ عُذْرِ التَّكْرَارِ فَكَيْفَ بِعُذْرِ الْمَخَافَةِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى. (قُلْت:) وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) إذَا أَجَزْنَا لَهُ الدُّخُولَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُرِدْ الدُّخُولَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ، وَأَمَّا إنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي خَرَجَ إلَيْهِ إنْ كَانَ دُونَ الْمِيقَاتِ كَجُدَّةِ وَعُسْفَانَ، وَإِنْ جَاوَزَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ مَعَ إرَادَتِهِ لِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ دُونِهِ لَزِمَهُ الدَّمُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَطَّابِ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا إذَا خَرَجَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ بِشَيْءٍ فَلَمْ يَقَعْ نَصٌّ عَلَيْهِ أَيْ: وَالْفَرْضُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ قُرْبٍ، وَأَمَّا عَنْ بُعْدٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِإِحْرَامٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَرَّرْنَا (قَوْلُهُ: وَانْظُرْ حَدَّ الْقُرْبِ إلَخْ) حَدُّ الْقُرْبِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ الرِّوَايَةِ
(قَوْلُهُ: بَلْ أَرَادَهَا لِحَاجَةٍ إلَخْ) أَيْ: وَلَا عَادَ عَنْ قُرْبٍ، بَلْ عَنْ بُعْدٍ بِأَنْ زَادَ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، سَوَاءٌ خَرَجَ مِنْهَا بِنِيَّةِ الْعَوْدِ، أَوْ عَدَمِهِ عَادَ نَاوِيًا الْإِقَامَةَ وَتَرْكَ السَّفَرِ، أَوْ لَا (قَوْلُهُ: فَظَاهِرُهُ إلَخْ) أَيْ: وَحَيْثُ قُلْنَا لَا دَمَ عِنْدَ عَدَمِ قَصْدِ النُّسُكِ وَقْتَ مُجَاوَزَتِهِ فَنَقُولُ ظَاهِرُهُ وَلَوْ قَصَدَ النُّسُكَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَحْرَمَ مِنْ الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ بِالدَّمِ مُطْلَقًا) تَفْسِيرُ الْإِطْلَاقِ يُؤْخَذُ مِنْ مَعْرِفَةِ بَقِيَّةِ الْأَقْوَالِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ) هُوَ ثَالِثُ الْأَقْوَالِ وَرَابِعُهَا الدَّمُ عَلَى الصَّرُورَةِ وَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ وَخَامِسُهَا إنْ أَحْرَمَ فَالدَّمُ مُطْلَقًا صَرُورَةٌ، أَوْ لَا وَإِلَّا فَلَا مُطْلَقًا وَإِلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَشَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ فَثَالِثُهَا.
الْمَشْهُورُ إنْ أَحْرَمَ وَكَانَ صَرُورَةً فَدَمٌ وَرَابِعُهَا إنْ كَانَ صَرُورَةً وَخَامِسُهَا إنْ أَحْرَمَ، وَالْمَشْهُورُ ثَالِثُهَا وَهُوَ لُزُومُ الدَّمِ إنْ أَحْرَمَ وَكَانَ صَرُورَةً (قَوْلُهُ: هَذَا مَخْرَجٌ) أَيْ: مُحْتَرَزٌ لَا حَقِيقَةُ الْإِخْرَاجِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَالِمًا بِهِ) أَيْ: بِالْمِيقَاتِ أَيْ: بِذَاتِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ دَخَلَ مَكَّةَ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُؤَلِّفِ بِأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ، وَإِنْ دَخَلَ إلَخْ بَدَلَ، وَإِنْ شَارَفَ؛ لِأَنَّ مُبَالَغَةَ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي أَنَّ الدُّخُولَ لَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَأَوْلَى لَوْ شَارَفَهَا) أَيْ: أَوْلَى مِنْ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ: بِفَوْتِهِ الْحَجَّ) أَيْ: وَالْفَرْضُ أَنَّهُ أَدْرَكَ، وَأَمَّا لَوْ خَافَ فَوَاتَهُ وَفَاتَهُ بِالْفِعْلِ وَتَحَلَّلَ مِنْهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: لَا فَاتَ (قَوْلُهُ: بِالْأَعْذَارِ) أَيْ: بِسَبَبِ الْأَعْذَارِ وَقَوْلُهُ بِالْهَدْيِ أَيْ: مَعَ الْهَدْيِ (قَوْلُهُ: أَوْ لِدُخُولِ مَكَّةَ
مُدَّةَ كَوْنِهِ لَمْ يَخَفْ بِرُجُوعِهِ لِلْمِيقَاتِ فَوْتًا وَإِلَّا أَحْرَمَ مِنْ مَكَانِهِ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ.
(ص) كَرَاجِعٍ بَعْدَ إحْرَامِهِ (ش) التَّشْبِيهُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَهُوَ حَلَالٌ، ثُمَّ أَحْرَمَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِرُجُوعِهِ إلَى الْمِيقَاتِ لِتَرَتُّبِهِ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ لَمْ يَجِبْ لِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِانْفِرَادِهِ إنَّمَا وَجَبَ لِإِحْرَامِهِ بَعْدَ الْمِيقَاتِ، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ وَاعْتَرَضَ بَعْضٌ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ بِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلدَّمِ رُجُوعُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ إحْرَامُهُ بَعْدَ الْمِيقَاتِ وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ لِجَوَابِهِ بِأَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا أَيْ: كَمُحْرِمٍ بَعْدَ الْمِيقَاتِ رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَ إحْرَامِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ كَرَاجِعٍ بَعْدَ إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الرَّاجِعِ أَوْلَى.
(ص) ، وَلَوْ أَفْسَدَ لَا فَاتَ (ش) هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي لُزُومِ الدَّمِ وَصُورَتُهَا أَنَّهُ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَهُوَ حَلَالٌ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ بِجِمَاعٍ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى عَمَلِ حَجِّهِ مُتَمَادٍ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ جُبْرَانُهُ بِالدَّمِ قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَسَبَّبَ فِي إفْسَادِ الْعِبَادَةِ لَزِمَهُ التَّمَادِي فِيهَا؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا لَمْ تَنْفَدْ فَوَجَبَ جُبْرَانُ خَلَلِهَا بِالدَّمِ، أَمَّا إذَا تَعَدَّى الْمِيقَاتَ، ثُمَّ أَحْرَمَ، ثُمَّ فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِرُجُوعِهِ إلَى عَمَلِ عُمْرَةٍ فَكَأَنَّهُ تَعَدَّى الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُرِيدٍ الْعُمْرَةَ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِهَا فَقَدْ انْقَلَبَ حَجُّهُ لِعُمْرَةٍ وَلَمْ يَتَسَبَّبْ فِي فَوَاتِهِ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ تَمَامُ الْعِبَادَةِ الَّتِي نَقَصَهَا بِتَرْكِ الْمِيقَاتِ وَانْقَلَبَتْ لِغَيْرِهَا، وَلَا فَائِدَةَ فِي جُبْرَانِ عِبَادَةٍ قَدْ عُدِمَتْ مِنْ أَصْلِهَا إذْ لَا بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا عَلَى الْكَمَالِ.
(تَنْبِيهٌ) : تَكَلَّمَ الْمُؤَلِّفُ عَلَى سُقُوطِ دَمِ التَّعَدِّي فِي الْفَوَاتِ بِشَرْطِهِ وَلُزُومِهِ فِي الْفَسَادِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى دَمِ الْفَوَاتِ وَالْفَسَادِ مَعًا لِمَا يَأْتِي فِي أَثْنَاءِ فَصْلِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ وَفِي فَصْلِ الْحَصْرِ، وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْإِحْرَامَ رُكْنٌ فِي النُّسُكَيْنِ ذَكَرَ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ فَقَالَ.
(ص) ، وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنْ خَالَفَهَا لَفْظُهُ، وَلَا دَمَ (ش) يَعْنِي: إنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالنِّيَّةِ مَعَ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ تَعَلُّقًا بِهِ، وَإِنْ خَالَفَ لَفْظُهُ عَقْدَهُ وَالْعِبْرَةُ بِالنِّيَّةِ لَا بِاللَّفْظِ فَلَوْ نَوَى الْحَجَّ مُفْرِدًا فَغَلِطَ بِالْقِرَانِ أَوْ بِالْمُتْعَةِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ وَالْعِبْرَةُ بِالنِّيَّةِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِهَذِهِ الْمُخَالِفَةِ حَيْثُ تَلَفَّظَ بِمَا فِيهِ دَمٌ، وَلَوْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ أَوْ الْقِرَانَ فَلَفَظَ بِالْحَجِّ فَقَطْ فَالْمُعْتَبَرُ مَا نَوَاهُ وَهُوَ الْعُمْرَةُ، أَوْ الْقِرَانُ وَحِينَئِذٍ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مُقْتَضَاهُ فَالْحَصْرُ مَصَبُّهُ، قَوْلُهُ: مَعَ قَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ تَعَلُّقًا بِهِ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ مِنْ تَعَلُّقِ الْحَصْرِ بِالْأَخِيرِ، وَالضَّمِيرُ فِي يَنْعَقِدُ رَاجِعٌ لِلْإِحْرَامِ لَا لِلْحَجِّ لِئَلَّا يَكُونَ سَاكِتًا عَنْ الْعُمْرَةِ كَمَا أَشَرْنَا لِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ:(وَإِنْ بِجِمَاعٍ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ لَا بِقَوْلِهِ: وَلَا دَمَ أَيْ: وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنْ مَعَ جِمَاعٍ وَيَكُونُ فَاسِدًا يَجِبُ إتْمَامُهُ، فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الصَّوْمِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا النَّزْعَ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ غَيْرَ مُضِرٍّ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُمْكِنُهُ النَّزْعُ وَالْإِحْرَامُ بَعْدَهُ لَمْ يُغْتَفَرْ لَهُ الْإِحْرَامُ مَعَهُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَلَا يُقَالُ فِعْلُ الْوَطْءِ لَهُ فِيهِ اخْتِيَارٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْأَصْلُ بَقَاءُ اللَّيْلِ فَجَوَّزَ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ إنَّهُ يُمْكِنُ الْجِمَاعُ مَعَ
ــ
[حاشية العدوي]
إلَخْ) لَا يُنَاسِبُ هَذَا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ لَا دَمَ إذَا لَمْ يَقْصِدْ نُسُكًا أَيْ: وَالْفَرْضُ أَنَّهُ نَاوٍ دُخُولَ مَكَّةَ غَيْرَ مَا أَفَادَهُ ابْنُ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ مُفَادَ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ قَصْدَ دُخُولِ مَكَّةَ كَقَصْدِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا لِلشَّارِحِ فِي قَوْلِهِ: وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ وَتَرَكَهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ الدَّمَ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ النُّسُكَ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ فَخُلَاصَتُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَصَدَقَ عج التَّابِعُ لَهُ شَارِحُنَا وعب وشب فِي كَوْنِ مُفَادِ ابْنِ عَرَفَةَ مَا ذُكِرَ
(قَوْلُهُ: وَاعْتَرَضَ إلَخْ) وَجْهُ الِاعْتِرَاضِ أَنَّ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِمُشْتَقٍّ يُؤْذِنُ بِالْعِلِّيَّةِ أَيْ: يَجِبُ الدَّمُ لِرُجُوعِهِ (قَوْلُهُ كَمُحْرِمٍ) أَيْ: مِنْ حَيْثُ إحْرَامُهُ، أَوْ عَلَى، تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ: إحْرَامُ مُحْرِمٍ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَفْسَدَ) قَالَ عج لَيْسَتْ هُنَا لَوْ لِلْخِلَافِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ نَعَمْ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا فَاتَ (قَوْلُهُ وَصُورَتُهَا إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ مُرْتَبِطٌ بِمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَأَحْرَمَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ مِنْ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالرَّاجِعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ لِرُجُوعِهِ إلَى عُمْرَةٍ) أَيْ: فَلَا بُدَّ فِي سُقُوطِ الدَّمِ مِنْ كَوْنِهِ يَتَحَلَّلُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ، فَلَوْ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ لِقَابِلٍ فَعَلَيْهِ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يُفْتِهِ (قَوْلُهُ: فَقَدْ انْقَلَبَ حَجُّهُ لِعُمْرَةٍ) فَهُوَ بِمَثَابَةِ مَنْ لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا الْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ فَقَدْ انْقَلَبَ حَجُّهُ إلَخْ فِي قُوَّةِ تَعْلِيلَيْنِ حَاصِلُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمَّا انْقَلَبَ حَجُّهُ لِعُمْرَةٍ صَارَ بِمَثَابَةِ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ نُسُكًا ثُمَّ بَدَا لَهُ الْعُمْرَةُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ.
وَحَاصِلُ الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ فِي الْفَوَاتِ حَتَّى يَكُونَ كَالْإِفْسَادِ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ وَقَوْلُهُ أَوَّلًا: غَيْرُ مُرِيدِ الْعُمْرَةِ، الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا أَيْ: ثُمَّ بَدَا لَهُ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ فَيَكُونُ حَاصِلُهُ أَنَّهُ تَرَقَّى فَذَكَرَ التَّعْلِيلَيْنِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ وَاحِدًا فَقَطْ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ سَاوَتْ عِبَارَتُهُ عِبَارَةَ عب حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ بِتَحَلُّلِهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ فِيهِ انْتَهَى (قَوْلُهُ: بِشَرْطِهِ) أَيْ: بِشَرْطِهِ الَّذِي قُلْنَاهُ وَهُوَ كَوْنُهُ يَتَحَلَّلُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ عَامٌّ (قَوْلُهُ: ذَكَرَ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ) أَيْ: مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ مِنْ تَحَقُّقِ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ وَهَذَا مَا يُفِيدُهُ ابْنُ عَرَفَةَ حَيْثُ قَالَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا حُرْمَةَ مُقَدَّمَاتِ الْوَطْءِ مُطْلَقًا وَإِلْقَاءِ التَّفَثِ وَالطِّيبِ وَلُبْسِ الذُّكُورِ الْمَخِيطَ وَالصَّيْدِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لَا تَبْطُلُ بِمَا يَمْنَعُهُ وَعَدَمُ نَقْضِهِ بِإِحْرَامِ الصَّلَاةِ وَحُرْمَةِ الِاعْتِكَافِ وَاضِحٌ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: فَغَلِطَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ يَضُرُّ، وَفِي عب وَإِنْ خَالَفَهَا لَفْظُهُ عَمْدًا لِقُوَّتِهِ (قَوْلُهُ: فَالْحَصْرُ مَصَبُّهُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: يَعْنِي: أَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالنِّيَّةِ مَعَ قَوْلٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ مَعَ جِمَاعٍ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ النَّزْعُ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَهُ الْحَطَّابُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ) هَذَا السُّؤَالُ لَا يَرِدُ إلَّا لَوْ اتَّحَدَ الْمَوْضُوعُ مَعَ أَنَّهُ مُخْتَلِفٌ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْمُصَنِّفِ أَحْرَمَ فِي حَالَةِ الْجِمَاعِ وَمَسْأَلَةَ الصَّوْمِ حَالَةَ النَّزْعِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ) أَيْ: فَلَا يُمْكِنُهُ النَّزْعُ وَالنِّيَّةُ بَعْدُ لِكَوْنِ الْفَجْرِ طَلَعَ (قَوْلُهُ: وَلَا يُقَالُ فَعَلَ الْوَطْءَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَقُولُ الْبَاحِثُ إنَّهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ النَّزْعُ وَالنِّيَّةُ بَعْدَهُ فَهُوَ مَعْذُورٌ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ فِعْلُهُ الْوَطْءَ اخْتِيَارًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّا نَقُولُ إلَخْ)
قَوْلٍ بِأَنْ يُجَامِعَ وَهُوَ يُلَبِّي، أَوْ فِعْلٍ بِأَنْ يُجَامِعَ عَلَى دَابَّتِهِ وَهِيَ مُتَوَجِّهَةٌ، وَهُوَ يُلَبِّي وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ ابْنِ غَازِيٍّ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَرْجُوحَةِ وَهِيَ انْعِقَادُ الْإِحْرَامِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَحَمَلْنَا كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ عَلَى أَنَّهُ أَحْرَمَ، وَهُوَ يُجَامِعُ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ نَوَى حِينَ الْإِحْرَامِ أَنْ يُجَامِعَ فَإِنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَنْعَقِدُ اُنْظُرْ ح.
(ص) مَعَ قَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ تَعَلَّقَا بِهِ (ش) أَيْ: إنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ حَالَ اقْتِرَانِهَا بِقَوْلٍ: كَالتَّلْبِيَةِ وَالتَّهْلِيلِ، أَوْ فِعْلٍ: كَالتَّوَجُّهِ وَالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، فَالضَّمِيرُ فِي بِهِ رَاجِعٌ لِلْإِحْرَامِ، فَقَوْلُهُ: مَعَ إلَخْ حَالٌ مِنْ النِّيَّةِ أَيْ: لَا بِمُجَرَّدِهَا عِنْدَ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ قَالُوا: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَقَالَ فِي مَنْسَكِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ وَصَاحِبُ الْمُعَلِّمِ وَسَنَدٌ وَصَاحِبُ الْقَبَسِ: إنَّ النِّيَّةَ كَافِيَةٌ فِي انْعِقَادِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى، قَوْلُهُ: مَعَ قَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِالنِّيَّةِ، وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ الْفَصْلَ بَيْنَ الْمَصْدَرِ وَمَعْمُولِهِ بِأَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَوَسَّعُونَ فِي الظُّرُوفِ مَا لَا يَتَوَسَّعُونَ فِي غَيْرِهَا، وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ يَرْجِعُ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَقِيسَةً عَلَيْهِ، أَوْ لِلنُّسُكِ لَا لِلْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَالْقَوْلَ لَا يَتَعَلَّقَانِ بِالْإِحْرَامِ أَيْ:؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِذَلِكَ وَطَابَقَ النَّعْتَ بِقَوْلِهِ: تَعَلَّقَا بِهِ مَعَ أَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ غَيْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْإِحْرَامِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ.
(ص) بَيَّنَ، أَوْ أَبْهَمَ وَصَرَفَهُ لِحَجٍّ وَالْقِيَاسُ لِقِرَانٍ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَصِحُّ، وَيُخَيَّرُ فِي التَّعْيِينِ وَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ لِلْحَجِّ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَصْرِفَهُ لِلْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى النُّسُكَيْنِ، وَأَمَّا إذَا بَيَّنَ مَا أَحْرَمَ بِهِ مِنْ حَجٍّ، أَوْ قِرَانٍ، أَوْ عُمْرَةٍ فَيَفْعَلُ عَلَى مَا بَيَّنَهُ، قَوْلُهُ: بَيَّنَ إلَخْ حَالٌ، وَهُوَ عَلَى إضْمَارِ قَدْ وَالْوَاوُ جَمِيعًا أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ أَوْ أَبْهَمَ أَيْ: حَالَةَ كَوْنِهِ بَيَّنَ، أَوْ أَبْهَمَ أَيْ: حَالَةَ كَوْنِهِ مُبَيِّنًا، أَوْ مُبْهِمًا لَكِنَّ صُورَةَ
ــ
[حاشية العدوي]
حَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُؤَاخَذْ بِهَذَا الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ لِكَوْنِهِ أَوْقَعَهُ فِي اللَّيْلِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ اللَّيْلِ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ إلَخْ) أَيْ: وَهُوَ أَنَّ مَصَبَّ الْحَصْرِ، قَوْلُهُ: مَعَ قَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ، حَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ ابْنَ غَازِيٍّ اعْتَرَضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ سَلَّمَ هَذَا الْفَرْعَ أَعْنِي قَوْلَهُ، وَإِنْ بِجِمَاعٍ مَعَ أَنَّهُ يَقُولُ لَا يَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ شَارِحِنَا بَنَى كَلَامَهُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَرْجُوحَةِ أَيْ: فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ بِجِمَاعٍ مَعَ أَنَّهُ يَقُولُ بَعْدُ مَعَ قَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ إلَخْ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ مَصَبَّ الْحَصْرِ، قَوْلُهُ: مَعَ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَالْمَعْنَى وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ فِي حَالَةِ الْجِمَاعِ بِالنِّيَّةِ مَعَ قَوْلٍ كَالتَّلْبِيَةِ بِأَنْ يَنْوِيَ وَيُلَبِّيَ وَهُوَ يُجَامِعُ، أَوْ مَعَ فِعْلٍ كَأَنْ يَكُونَ فِي مِحَفَّةٍ وَهُوَ سَائِرٌ مُتَوَجِّهٌ إلَى مَكَّةَ فَيَنْوِي الْإِحْرَامَ فِي حَالَةِ الْجِمَاعِ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ، وَإِذَا تَأَمَّلَتْ تَجِدُ هَذَا التَّقْرِيرَ صُورَةَ الْمُصَنِّفِ لَا غَيْرُ فَابْنُ غَازِيٍّ الْتَفَتَ إلَى قَوْلِهِ:، وَإِنْ بِجِمَاعٍ وَلَمْ يَنْظُرْ لِكَوْنِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَعَ قَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ مَصَبَّ الْحَصْرِ (قَوْلُهُ حِينَ الْإِحْرَامِ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ بِجِمَاعٍ أَيْ: وَجَامَعَ بِالْفِعْلِ كَذَا فِي ك، وَالْمَعْنَى نَوَى أَنْ يُجَامِعَ حِينَ الْإِحْرَامِ أَيْ: نَوَى قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهِ أَنَّهُ يُحْدِثُ نِيَّةَ الْإِحْرَامِ حَالَ الْجِمَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ كَمَا فِي طُرَرِ التَّلْقِينِ.
هَذَا قَضِيَّةُ مَا أَوْرَدَ عب مِنْ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ وَيَأْتِي (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَنْعَقِدُ) أَيْ: لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَلَا مِنْ لَوَازِمِ الْإِحْرَامِ بِهِمَا شَيْءٌ انْتَهَى فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَارَنَ الْمَانِعُ الْإِحْرَامَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلِمَ انْعَقَدَ فِي الْأُولَى دُونَ الْأُخْرَى قُلْت: كَانَ نِيَّةُ الدُّخُولِ عَلَى الْمُقَارَنَةِ مَعَ وُجُودِ الْفِعْلِ عِنْدَ اسْتِصْحَابِ نِيَّتِهِ أَشَدَّ مِنْ حُصُولِ الْمُقَارَنَةِ بِالْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ دُخُولٍ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيمَا لَا يَنْعَقِدُ شَيْئَانِ: نِيَّةُ الْإِحْرَامِ فِي الْجِمَاعِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِيهِ، وَنِيَّةُ الْإِحْرَامِ وَقْتَهُ وَأَوْلَى مِنْهُ أَنْ يَنْوِيَ أَنْ لَا يُحْرِمَ إلَّا حِينَ الْجِمَاعِ، وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَهُ حِينَ الْإِحْرَامِ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ نَوَى فَلَا مَوْقِعَ لِفَرْقِ عب.
وَنَصَّ الْحَطَّابُ قَالَ فِي طُرَرِ التَّلْقِينِ وَشَرْطُ صِحَّةِ انْعِقَادِ الْإِحْرَامِ أَنْ لَا يَنْوِيَ عِنْدَ الدُّخُولِ فِيهِ وَطْئًا، أَوْ إنْزَالًا فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ مَعَ إحْرَامِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ انْتَهَى (قَوْلُهُ فَالضَّمِيرُ فِي بِهِ عَائِدٌ عَلَى الْإِحْرَامِ) سَيَأْتِي رَدُّهُ فِي الْعِبَارَةِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ) وَهُوَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَالتَّلْقِينُ كِتَابٌ فِي الْفِقْهِ صَغِيرٌ (قَوْلُهُ: وَصَاحِبُ الْمُعَلِّمِ) بِكَسْرِ اللَّامِ لِلْمَازِرِيِّ عَلَى مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ: وَصَاحِبُ الْقَبَسِ) شَرْحٌ لِلْمُوَطَّأِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَمَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ بِالنِّيَّةِ) فِيهِ تَسَامُحٌ، بَلْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ كَائِنَةً مَعَ إلَخْ كَمَا أَفَادَهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: حَالٌ مِنْ النِّيَّةِ.
(قَوْلُهُ: كَالْبَيْعِ) تَمْثِيلٌ لِلْقَوْلِ الَّذِي لَيْسَ بِمُتَعَلِّقٍ وَمِثَالُ الْفِعْلِ الَّذِي لَيْسَ بِمُتَعَلِّقٍ كَأَنْ يُحْرِمَ وَهُوَ يَكْتُبُ (قَوْلُهُ: أَوْ أَبْهَمَ) أَيْ: كَأَنْ يَقُولَ أَحْرَمْت لِلَّهِ وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا إلَّا بَعْدَ التَّعْيِينِ (قَوْلُهُ: وَصَرَفَهُ لِحَجٍّ) وُجُوبًا إنْ طَافَ قَبْلَ التَّعْيِينِ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ لَا وَيَقَعُ هَذَا طَوَافَ الْقُدُومِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ صَرْفُهُ لِحَجٍّ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْعُمْرَةِ رُكْنٌ فِيهَا فَلَا يَصْلُحُ وُقُوعُهُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَهَذَا وَقَعَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَالْقُدُومُ لَيْسَ بِرُكْنٍ فَخَفَّ شَأْنُهُ وَيُؤَخَّرُ سَعْيُهُ إلَى إفَاضَتِهِ وَانْظُرْ لَوْ طَافَ وَسَعَى قَبْلَ التَّعْيِينِ ثُمَّ صَرَفَهُ لِحَجٍّ وَاَلَّذِي لِلْمُذَاكِرِينَ إعَادَةُ السَّعْيِ احْتِيَاطًا هَكَذَا أَفَادَهُ سَنَدٌ.
قَالَ الْحَطَّابُ وَتَأَمَّلْ، قَوْلَهُ: وَيُؤَخَّرُ سَعْيُهُ إلَى إفَاضَتِهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ السَّعْيُ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ طَوَافٍ يَنْوِي بِهِ الْقُدُومَ وَهَذَا الطَّوَافُ لَمْ يَنْوِ بِهِ الْقُدُومَ وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ أَوَّلَ طَوَافِهِ جَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ طَوَافِ الْقُدُومِ فَفَاتَ مَحَلُّ طَوَافِ الْقُدُومِ أَخَّرَ سَعْيَهُ إلَى ذَلِكَ وَهَذَا تَكَلُّفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَطَّابِ.
وَأَمَّا إنْ لَمْ يَطُفْ فَإِنْ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ صَرَفَهُ لَهُ اسْتِحْبَابًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا صَرَفَهُ لِعُمْرَةٍ وَيُكْرَهُ لَهُ صَرْفُهُ لِحَجٍّ قَالَ الشَّيْخُ سَالِمٌ: وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ تَعْيِينُ مَا يُحْرِمُ بِهِ مِنْ حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ هُمَا شَرْطًا فِي الِانْعِقَادِ، بَلْ مَنْدُوبًا كَمَا قَالَ سَنَدٌ قَالَ بَيْنَ إلَخْ (قَوْلُهُ: مُطْلِقًا) بِكَسْرِ اللَّامِ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ أَحْرَمَ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ)، وَلَوْ نَوَى الْحَجَّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ فَرْضٍ وَلَا نَفْلَ انْعَقَدَ وَانْصَرَفَ لِلْفَرْضِ عِنْدَ الْجَمِيعِ إنْ كَانَ صَرُورَةً قَالَهُ سَنَدٌ (قَوْلُهُ: عَلَى إضْمَارِ قَدْ وَالْوَاوِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْجُمْلَةُ الْمَاضَوِيَّةُ الْمَتْلُوَّةُ بِأَوْ لَا تَرْتَبِطُ بِالْوَاوِ نَحْوَ لَأَضْرِبَنَّهُ ذَهَبَ، أَوْ مَكَثَ (قَوْلُهُ: أَيْ: حَالَةً إلَخْ) احْتَاجَ لَهَا؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْحَالِ أَنْ لَا تَقْتَرِنَ بِالْوَاوِ وَقَوْلُهُ: أَيْ: حَالَةَ كَوْنِهِ مُبَيَّنًا، أَوْ مُبْهَمًا احْتَاجَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْحَالِ الْإِفْرَادُ
التَّبْيِينِ لَا تُتَوَهَّمُ فَهِيَ ضَائِعَةٌ فَالْأَوْلَى أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ هَمْزَةِ التَّسْوِيَةِ وَلَفْظَةِ سَوَاءٍ، وَالْجُمْلَةِ حَالٌ أَيْ: سَوَاءٌ أَبَيَّنَ أَوْ أَبْهَمَ أَيْ: أَنَّ الْإِحْرَامَ يَنْعَقِدُ وَيَسْتَوِي فِي انْعِقَادِهِ التَّبْيِينُ وَالْإِبْهَامُ أَيْ: حَالَةَ كَوْنِ التَّبْيِينِ وَالْإِبْهَامِ مُسْتَوِيَيْنِ فِي انْعِقَادِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِإِفْرَادٍ بَدَلَ لِحَجٍّ؛ لِأَنَّ الْقِرَانَ لَا يُغَايِرُ الْحَجَّ؛ لِأَنَّهُ قِسْمٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ شَامِلٌ لِلْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ وَقِسْمُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ قَسِيمًا لَهُ.
(ص) ، وَإِنْ نَسِيَ فَقِرَانٌ وَنَوَى الْحَجَّ وَبَرِئَ مِنْهُ فَقَطْ (ش) صُورَتُهَا أَنَّهُ أَحْرَمَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ نَسِيَ ذَلِكَ فَلَمْ يَدْرِ أَهُوَ حَجٌّ مُفْرَدٌ أَوْ عُمْرَةٌ أَوْ قِرَانٌ فَإِنَّهُ يَنْوِي الْحَجَّ أَيْ: يُحْدِثُ لَهُ الْآنَ نِيَّةَ الْحَجِّ وَيَعْمَلُ عَلَى الْقِرَانِ لِلِاحْتِيَاطِ فَيَطُوفُ وَيَسْعَى وَيُهْدِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ قَارِنٌ وَيَبْرَأُ مِنْ الْحَجِّ فَقَطْ، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَلَمْ يَبْرَأْ مِنْهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ أَوَّلًا مُفْرِدًا فَيَأْتِي بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَنِيَّةُ الْحَجِّ مَحَلُّهَا إذَا كَانَ الشَّكُّ فِي زَمَنٍ يَصِحُّ فِيهِ الْإِرْدَافُ كَمَا لَوْ وَقَعَ قَبْلَ الطَّوَافِ، أَوْ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ، أَمَّا لَوْ وَقَعَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، أَوْ فِي أَثْنَاءِ السَّعْيِ فَلَا يَنْوِي الْحَجَّ إذْ لَا يَصِحُّ إرْدَافُهُ عَلَى الْعُمْرَةِ إذْ ذَاكَ، بَلْ يَسْتَمِرُّ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَكَانَ مُتَمَتِّعًا إنْ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ إحْرَامُهُ بَعْدَ السَّعْيِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُهْدِيَ احْتِيَاطًا لِخَوْفِ تَأْخِيرِ الْحِلَاقِ قَالَهُ سَنَدٌ.
ثُمَّ إنَّ مُفَادَ النَّقْلِ أَنَّ نِيَّةَ الْحَجِّ لِلْبَرَاءَةِ مِنْهُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا عَمَلُهُ عَمَلَ الْقِرَانِ، بَلْ عَمَلُ الْقِرَانِ لَازِمٌ لَهُ، سَوَاءٌ نَوَى الْحَجَّ أَمْ لَا (ص) كَشَكِّهِ أَفْرَدَ، أَوْ تَمَتَّعَ (ش) أَيْ: كَشَكِّهِ هَلْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، أَوْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ فَإِنَّهُ يَنْوِي الْحَجَّ الْآنَ وَيَعْمَلُ عَمَلَ الْقِرَانِ وَيَبْرَأُ مِنْ الْحَجِّ فَقَطْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ أَوَّلًا بِحَجٍّ فَهُوَ تَشْبِيهٌ لَا تَمْثِيلٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَفِي هَذِهِ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ قِرَانًا وَإِنَّمَا شَكَّ فِي الْحَجِّ الْمُفْرَدِ وَالْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ وَلِذَا كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَشَكِّهِ أَفْرَدَ أَوْ اعْتَمَرَ لَكِنَّهُ تَبِعَ ابْنَ الْحَاجِبِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْمُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ يُحْرِمُ بَعْدَهَا بِحَجٍّ.
(ص) وَلَغَا عُمْرَةٌ عَلَيْهِ كَالثَّانِي فِي حَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَرْتَدِفُ عَلَى الْحَجِّ لِضَعْفِهَا وَقُوَّتِهِ، وَكَذَلِكَ لَا تَرْتَدِفُ الْعُمْرَةُ عَلَى مِثْلِهَا، وَكَذَلِكَ لَا يَرْتَدِفُ الْحَجُّ عَلَى مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الثَّانِي حَاصِلٌ بِالْأَوَّلِ، وَأَمَّا إرْدَافُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِقُوَّتِهِ وَضَعْفِهَا؛ وَلِأَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْهُ مَا لَا يَحْصُلُ مِنْهَا فَالْقِسْمَةُ رُبَاعِيَّةٌ صَحَّ مِنْهَا الْمَسْأَلَةُ الْأَخِيرَةُ، وَمَعْنَى اللَّغْوِ عَدَمُ الِانْعِقَادِ، فَلَغَا فِعْلٌ لَازِمٌ فَلِذَا يَتَعَيَّنُ رَفْعُ عُمْرَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْحُكْمَ ابْتِدَاءً فِيمَا ذَكَرَ أَنَّهُ يَلْغُو، وَهُوَ الْكَرَاهَةُ فِي الْجَمِيعِ قَالَهُ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: فَالْأَوْلَى إلَخْ) أَيْ: وَتَكُونُ، أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ (قَوْلُهُ: وَقِسْمُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ قَسِيمًا لَهُ) أَيْ: وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَهُ قَسِيمًا لِلْحَجِّ حَيْثُ قَالَ لِحَجٍّ وَالْقِيَاسُ لِقِرَانٍ
(قَوْلُهُ: وَنَوَى الْحَجَّ) أَيْ: وُجُوبًا احْتِيَاطًا فَإِنْ كَانَ إحْرَامُهُ الْأَوَّلُ حَجًّا، أَوْ قِرَانًا لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عُمْرَةً ارْتَدَفَ الْحَجُّ عَلَيْهَا انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: أَيْ: يَحْدُثُ لَهُ الْآنَ نِيَّةُ الْحَجِّ أَيْ: لِيَتِمَّ الْقِرَانُ إنْ كَانَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ هُوَ الْعُمْرَةُ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ قَدْ أَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ الطَّوَافِ (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ الَّتِي يَصِحُّ فِيهَا الْإِرْدَافُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إنْ كَانَ إحْرَامُهُ بَعْدَ السَّعْيِ) الْمُنَاسِبُ وَكَذَا إنْ كَانَ شَكُّهُ وَإِنَّمَا فَصَّلَهَا بِكَذَا لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ سَنَدٍ وَلَا يُخْفَى أَنَّهَا مَفْهُومَةٌ بِالْأَوْلَوِيَّةِ (قَوْلُهُ: لِخَوْفِ تَأْخِيرِ الْحِلَاقِ) وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّ مَا أَحْرَمَ بِهِ عُمْرَةً؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ حَجًّا وَإِذَا كَانَ حَجًّا فَلَا تَأْخِيرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّهُ لِكَوْنِهِ أَرْدَفَ حَجًّا عَلَى حَجٍّ فَالْعِبْرَةُ بِالْأَوَّلِ فَلِذَا عَبَّرَ بِالْخَوْفِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى نِيَّةِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ: بَلْ عَمَلُ الْقِرَانِ إلَخْ) أَيْ: وَبَرَاءَتُهُ مِنْ الْحَجِّ إنَّمَا تَكُونُ إذَا نَوَى الْحَجَّ كَمَا فِي ك.
(قَوْلُهُ: هَلْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ) أَيْ: فَيَكُونُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مَجَازُ الْأَوَّلِ أَيْ: فَعَلَ مَا يُصَيِّرُهُ مُتَمَتِّعًا، وَذَلِكَ الْفِعْلُ هُوَ الِاعْتِمَارُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَنْوِي الْحَجَّ) أَيْ: وُجُوبًا عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَجَعَلَ عب ذَلِكَ مَنْدُوبًا وَإِنْ كَانَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَاجِبًا وَجَعَلَ التَّشْبِيهَ فِي أَصْلِ نِيَّةِ الْحَجِّ وَمَحَلُّ كَوْنِهِ يَنْوِي الْحَجَّ حَيْثُ كَانَ يَرْتَدِفُ عَلَى الْعُمْرَةِ فَإِنْ كَانَ لَا يَرْتَدِفُ كَأَنْ يَكُونَ شَكُّهُ بَعْدَ رُكُوعِ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ لَا يَنْوِي الْحَجَّ، وَإِنْ نَوَى لَمْ يُعْمَلْ بِنِيَّتِهِ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَسْعَى ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ، وَانْظُرْ حِينَئِذٍ هَلْ يَبْرَأُ مِنْ الْعُمْرَةِ، أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ الطَّوَافَ عَلَى وَجْهِ الْجَزْمِ بِرُكْنِيَّتِهِ لَهَا، وَلَوْ شَكَّ هَلْ أَفْرَدَ، أَوْ قَرَنَ تَمَادَى عَلَى نِيَّةِ الْقِرَانِ وَحْدَهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَيَبْرَأُ مِنْ الْحَجِّ فَقَطْ لِلْعِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ الْحَجِّ وَمِنْ الْعُمْرَةِ وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ أَمْرٌ ضَعِيفٌ فَاكْتَفَى بِذَلِكَ لِحُصُولِ الْعُمْرَةِ فِي ضِمْنِ الْقِرَانِ، وَانْظُرْ لَوْ شَكَّ هَلْ قَرَنَ، أَوْ تَمَتَّعَ، أَوْ اعْتَمَرَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْضِي عَلَى الْقِرَانِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: وَيَعْمَلُ عَمَلَ الْقِرَانِ) أَيْ: لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ أَوَّلًا بِعُمْرَةٍ وَهُوَ الْآنَ قَدْ نَوَى حَجًّا وَصَارَ قَارِنًا
(قَوْلُهُ: وَلَغَا عُمْرَةٌ عَلَيْهِ) أَيْ: بَطَلَ وَأَمَّا مَعَهُ فَقَارِنٌ (قَوْلُهُ: كَالثَّانِي فِي حَجَّتَيْنِ) اجْتِمَاعًا، أَوْ تَعَاقُبًا أَيْ: مِنْ حَجَّتَيْنِ فَهِيَ أَرْبَعٌ لِأَنَّهُمَا، إمَّا إفْرَادَانِ، أَوْ قِرَانَانِ اجْتِمَاعًا، أَوْ انْفِرَادًا (قَوْلُهُ: أَوْ عُمْرَتَيْنِ) اجْتِمَاعًا، أَوْ انْفِرَادًا لَكِنْ إنْ أَرْدَفَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى أَلْغَى الثَّانِيَةَ، وَإِنْ كَانَتَا مَعًا أَلْغَى إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا فَصُوَرُ الْمُصَنِّفِ سَبْعٌ وَيَبْقَى إرْدَافُ حَجٍّ عَلَى عُمْرَةٍ، أَوْ تَقَارَنَا فَهُوَ صَحِيحٌ، وَإِنْ اعْتَبَرْت كَوْنَ الْحَجَّتَيْنِ وَاجِبَتَيْنِ كَفَرْضٍ وَنَذْرٍ أَيْ: مُعَيَّنٍ وَتَطَوُّعَيْنِ وَفَرْضٍ وَتَطَوُّعٍ اجْتِمَاعًا أَوْ انْفِرَادًا زَادَتْ الصُّوَرُ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا يُلْغَى ثُمَّ إذَا كَانَا فَرْضَيْنِ، أَوْ تَطَوُّعَيْنِ فَظَاهِرٌ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا فَرْضًا وَآخَرُ نَذْرًا فَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الصَّوْمِ الْإِجْزَاءُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُنَا وَمَا قُلْنَاهُ لَا يُنَافِي قَوْلَ الشَّارِحِ فَالْقِسْمَةُ رُبَاعِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ مَا قُسِمَ
ح وَلَمْ يُؤَنِّثْ عَامِلَ لَغَا؛ لِأَنَّ تَأْنِيثَهُ مَجَازِيٌّ فَيَجُوزُ تَأْنِيثُ عَامِلِهِ وَعَدَمُهُ (ص) وَرَفْضُهُ (ش) عَطْفٌ عَلَى " عُمْرَةٌ " أَيْ: لَغَا رَفْضُ الْحَجِّ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ رَفْضَ الْوُضُوءِ وَالْحَجِّ لَا يَضُرُّ عَلَى الْمَشْهُورِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الرَّفْضُ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يُجَدِّدُ النِّيَّةَ لِلْبَاقِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَهَلْ يَجْرِي ذَلِكَ هُنَا أَمْ لَا؟ وَالْأَوْلَى أَنَّهُ يُرْجِعُ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: وَرَفْضُهُ لِلْإِحْرَامِ لَا لِلْحَجِّ لِئَلَّا يَكُونَ سَاكِتًا عَنْ الْعُمْرَةِ.
(ص) وَفِي كَإِحْرَامِ زَيْدٍ تَرَدُّدٌ (ش) يَعْنِي: لَوْ أَحْرَمَ شَخْصٌ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ زَيْدٌ مَثَلًا وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ مَا أَحْرَمَ بِهِ زَيْدٌ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، وَيَصِحُّ إحْرَامُ ذَلِكَ الشَّخْصِ أَوْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، وَلَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ لِعَدَمِ الْجَزْمِ فِي النِّيَّةِ فِي ذَلِكَ تَرَدُّدٌ أَيْ: وَفِي صِحَّةِ إحْرَامِ مَنْ أَحْرَمَ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ وَعَدَمِهَا تَرَدُّدٌ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمَذْهَبِ سَنَدٌ، فَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُ الْإِحْرَامِ لِزَيْدٍ وَقَعَ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا وَيَجْرِي عَلَى مَا مَرَّ انْتَهَى.
قَالَ بَعْضٌ فَلَوْ مَاتَ زَيْدٌ، أَوْ وَجَدَهُ مُحْرِمًا بِالْإِطْلَاقِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقَعُ إحْرَامُهُ أَيْضًا مُطْلَقًا وَيُخَيَّرُ فِي تَعْيِينِهِ.
وَلَمَّا كَانَ أَوْجُهُ الْإِحْرَامِ ثَلَاثَةً: حَجٌّ، وَعُمْرَةٌ وَقِرَانٌ وَالْإِطْلَاقُ، أَوْ الْإِحْرَامُ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ زَيْدٌ يَرْجِعُ إلَيْهَا بَيَّنَ الْأَفْضَلَ مِنْهَا بِقَوْلِهِ:(ص) وَنُدِبَ إفْرَادٌ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْإِفْرَادَ، وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا، ثُمَّ إذَا فَرَغَ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ أَفْضَلُ عَلَى الْمَنْصُوصِ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ كَمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي مَنْسَكِهِ، وَظَاهِرُ جَعْلِهِ الْعُمْرَةَ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ، وَلَوْ لَمْ يَعْتَمِرْ بَعْدَهُ فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَتَرَكَ الْعُمْرَةَ فَقَدْ تَرَكَ سُنَّةً وَلَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي حَقِيقَةِ الْمَحْكُومِ لَهَا بِالْأَفْضَلِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ كَابْنِ عَرَفَةَ وَأَضْرَابِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْإِفْرَادُ أَفْضَلَ مِنْ الْقِرَانِ، وَإِنْ كَانَ يَسْقُطُ بِهِ عَنْهُ الطَّلَبُ بِالنُّسُكَيْنِ وَالْإِفْرَادُ إنَّمَا يَسْقُطُ بِهِ الطَّلَبُ بِالْحَجِّ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْمَفْضُولِ مَا لَا يَكُونُ فِي الْفَاضِلِ (ص)، ثُمَّ قِرَانٌ (ش) أَيْ: ثُمَّ يَلِي الْإِفْرَادَ فِي الْفَضْلِ قِرَانٌ؛ لِأَنَّهُ فِي عَمَلِهِ كَالْمُفْرِدِ، وَالْمُفْرِدُ أَفْضَلُ فَمَا قَارَبَ فِعْلُهُ كَانَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَلَمْ يُؤَنِّثْ عَامِلَ لَغَا) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ وَالْأَوْلَى فَاعِلُ لَغَا أَيْ: لَمْ يُؤَنِّثْ الْفَاعِلَ أَيْ: بِأَنْ يَلْحَقَ فِعْلَهُ عَلَامَةُ التَّأْنِيثِ، وَتَصْحِيحُهُ بِجَعْلِ الْإِضَافَةِ لِلْبَيَانِ وَقَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ تَأْنِيثَهُ أَيْ: تَأْنِيثَ فَاعِلِهِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) فِي الْمَوْضِعَيْنِ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ كَانَ فِي الْأَثْنَاءِ، أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ (قَوْلُهُ: فَهَلْ يَجْرِي ذَلِكَ هُنَا أَمْ لَا؟) حَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: وَرَفْضُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رَفَضٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ، أَوْ فِي الْأَثْنَاءِ وَلَكِنْ إنْ كَانَ فِي الْأَثْنَاءِ هَلْ يُجَدِّدُ؟ إلَخْ (أَقُولُ) الصَّوَابُ: أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةِ تَجْدِيدٍ فِي الْحَجِّ وَمِثْلُهُ الْعُمْرَةُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ مَا فِي الْمَوَّاقِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ مِنْ الْإِنْسَانِ رَفْضٌ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَاقِعًا فِي حَالِ فِعْلٍ مِنْ الْأَفْعَالِ، أَوْ لَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا فِي حَالِ فِعْلٍ مِنْ الْأَفْعَالِ فَلَا يَضُرُّ الرَّفْضُ وَلَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ وَاقِعًا فِي حَالِ فِعْلٍ مِنْ الْأَفْعَالِ كَالطَّوَافِ وَنَحْوِهِ فَيَحْتَاجُ لِنِيَّةِ التَّجْدِيدِ وَنَصُّ الْمَوَّاقِ نَاقِلًا لَهُ مِنْ النُّكَتِ فَرَافِضٌ إحْرَامَهُ لَيْسَ رَفْضُهُ بِمُضَارٍّ لِمَا هُوَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَى مَوَاضِعَ يَأْتِيهَا فَإِذَا رَفَضَ إحْرَامَهُ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُخَاطَبُ بِهَا فَفَعَلَهَا لَمْ يَحْصُلْ لِرَفْضِهِ حُكْمٌ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي حِينِ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ نَوَى الرَّفْضَ وَفَعَلَهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَالطَّوَافِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ رَافِضٌ يُعَدُّ كَالتَّارِكِ لِذَلِكَ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ وَيَصِحُّ) تَصْرِيحٌ بِمَا عَلِمَ الْتِزَامًا؛ لِأَنَّ مِنْ لَوَازِمِ الْجَوَازِ الصِّحَّةُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ) التَّصْرِيحُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةَ كَمَا قَالَهُ اللَّقَانِيِّ (قَوْلُهُ: تَرَدَّدَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمَذْهَبِ) أَيْ: عَنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِيهِ شَيْءٌ فَإِنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ أَشْهَبَ الْجَوَازُ وَعَنْ مَالِكٍ الْمَنْعُ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ تَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي النَّقْلِ عَنْ وَاحِدٍ، أَوْ أَكْثَرَ فَيَنْقُلُ جَمَاعَةٌ عَنْهُ الْجَوَازَ وَآخَرُونَ الْمَنْعَ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ مَا هُنَا وَقَعَ خِلَافٌ، وَفِي الصَّلَاةِ لَمْ يَقَعْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَجَازَ لَهُ دُخُولٌ عَلَى مَا أَحْرَمَ بِهِ الْإِمَامُ بِنَاءً عَلَى التَّعْمِيمِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِبْهَامَ هُنَا أَشَدُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَا أَحْرَمَ بِهِ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً، وَالْحَجُّ يَحْتَمِلُ الْإِفْرَادَ وَالْقِرَانَ وَالتَّمَتُّعَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، مَعْلُومٌ أَنَّهَا فَرْضٌ وَإِنَّمَا الشَّكُّ فِي عَيْنِ الصَّلَاةِ فَخَفَّ الْإِبْهَامُ وَاشْتَدَّ فِي الْحَجِّ (قَوْلُهُ: حَجٌّ وَعُمْرَةٌ) الْمُرَادُ عُمْرَةُ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ يُقَالُ لَهُ مُتَمَتِّعٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ بَعْدَهَا بِالْحَجِّ إلَّا أَنَّهُ يُنَكِّدُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ وَالْإِطْلَاقُ وَالْإِحْرَامُ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ زَيْدٌ يَرْجِعُ إلَخْ؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ لَا يَخْتَصَّانِ بِعُمْرَةِ التَّمَتُّعِ (قَوْلُهُ: وَالْإِطْلَاقُ وَالْإِحْرَامُ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ زَيْدٌ يَرْجِعُ إلَيْهَا) أَقُولُ: وَإِنْ رَجَعَ إلَيْهَا إلَّا أَنَّ مَرْتَبَةَ الْإِطْلَاقِ مَرْتَبَةٌ رَابِعَةٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ.
(قَوْلُهُ: أَفْضَلُ عَلَى الْمَنْصُوصِ إلَخْ) وَخِلَافُ الْمَنْصُوصِ مَا رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَدَّمَ مُرَاهِقًا فَالْإِفْرَادُ أَحَبُّ إلَيَّ وَأَمَّا مَنْ قَدَّمَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ طُولُ زَمَانٍ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ فِيهِ الْإِحْرَامُ وَيَخَافُ عَلَى صَاحِبِهِ قِلَّةَ الصَّبْرِ فَالتَّمَتُّعُ، وَمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ، وَمَا قَالَهُ أَشْهَبُ وَأَبُو حَنِيفَةَ: الْقِرَانُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ؛ لِأَنَّ عِبَادَتَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةٍ وَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ: إنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ وَلَوْ لَمْ يَعْتَمِرْ بَعْدَهُ) لَا يَخْفَى أَنَّ صَدْرَ حِلِّهِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ إلَّا إذَا اعْتَمَرَ بَعْدَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: فِي حَقِيقَةِ الْمَحْكُومِ لَهَا) بِالْإِضَافَةِ الَّتِي لِلْبَيَانِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا كَانَ الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَثْبُتُ بِهِ أَفْضَلِيَّةُ الْإِفْرَادِ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا كَانَ الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا هَدْيَ فِيهِ إذْ الْهَدْيُ لِلنَّقْصِ، وَعِبَادَةٌ لَا نَقْصَ فِيهَا أَفْضَلُ وَلَا يَنْتَقِضُ ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ الْمُرَقَّعَةِ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ فِيهَا الْمُقْتَضِي لِفَضْلِهَا إنَّمَا هُوَ لِتَرْغِيمِ الشَّيْطَانِ وَلِأَنَّ الْمُصَلِّي يَدْخُلُ عَلَيْهِ السَّهْوُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّهُ فَعَلَ قَصْدًا مَا يُوجِبُ الْهَدْيَ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ: الْقَارِنُ وَقَوْلُهُ: وَالْمُفْرِدُ أَفْضَلُ أَيْ: وَعَمَلُ الْمُفْرِدِ أَفْضَلُ
أَفْضَلَ بَعْدَهُ.
وَتَرَكَ الْمُؤَلِّفُ تَعْرِيفَ الْإِفْرَادِ لِعَدَمِ غُمُوضِهِ وَلِغُمُوضِ ذَلِكَ فِي الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ تَعَرَّضَ لِتَعْرِيفِهِمَا بِقَوْلِهِ: (ص) بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا وَقَدَّمَهَا، أَوْ يُرْدِفَهُ بِطَوَافِهَا إنْ صَحَّتْ (ش) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْقِرَانَ لَهُ كَيْفِيَّتَانِ الْأُولَى: أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ بِأَنْ يَقْصِدَ الْقِرَانَ أَوْ النُّسُكَيْنِ، أَوْ بِنِيَّةٍ مُرَتَّبَةٍ وَيُقَدِّمُ الْعُمْرَةَ عَلَى نِيَّةِ الْحَجِّ فِي هَذِهِ وُجُوبًا لِيَرْتَدِفَ الْحَجُّ عَلَيْهَا، وَفِي الْأُولَى يُقَدِّمُهَا فِي التَّسْمِيَةِ اسْتِحْبَابًا، وَلَوْ عَكَسَ صَحَّ، الثَّانِيَةُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مُفْرَدَةً، ثُمَّ يُرْدِفُ الْحَجَّ عَلَيْهَا فَيَرْتَدِفُ وَيَصِيرُ قَارِنًا وَيَلْزَمُهُ الْهَدْيُ لَكِنَّ فِي إرْدَافِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ صُوَرَ جَوَازٍ وَكَرَاهَةٍ مَعَ صِحَّةٍ وَكَرَاهَةٍ لَا مَعَ صِحَّةٍ فَمِنْ الْأَوَّلِ أَنْ يَقَعَ بَعْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ أَعْمَالِهَا شَيْئًا، أَوْ بَعْدَ عَمَلِ شَيْءٍ وَقَبْلَ طَوَافِهَا اتِّفَاقًا أَوْ بِطَوَافِهَا قَبْلَ تَمَامِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ فَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَلَوْ بِطَوَافِهَا لَكَانَ أَبْيَنَ وَلَكَانَ مُشِيرًا إلَى الْخِلَافِ فِي الْإِرْدَافِ فِي الطَّوَافِ.
(ص) وَكَمَّلَهُ، وَلَا يَسْعَى (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا أَرْدَفَ الْحَجَّ فِي أَثْنَاءِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ الصَّحِيحَةِ كَمَّلَ الطَّوَافَ وُجُوبًا عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَكَانَ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ مَنْ أَنْشَأَ الْحَجَّ مِنْ مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمَ أَنْ لَا قُدُومَ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا لَا سَعْيَ عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ، بَلْ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ لِوُجُوبِ إيقَاعِ السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافٍ وَاجِبٍ وَهَذَا الطَّوَافُ تَطَوُّعٌ كَمَا قَدْ عَلِمْته، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ:(ص) وَتَنْدَرِجُ (ش) أَيْ: الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ فَلَا يَبْقَى لَهَا فِعْلٌ ظَاهِرٌ يَخُصُّهَا لِلرَّدِّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي إيجَابِهِ عَلَى الْقَارِنِ طَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ انْتَهَى.
وَلَا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ الْقَارِنَ أَنْ يَسْتَحْضِرَ عِنْدَ إتْيَانِهِ بِالْأَفْعَالِ الَّتِي يَشْتَرِكُ فِيهَا الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ أَنَّهَا لِإِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، بَلْ إذَا نَوَى طَوَافَ الْقُدُومِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ، وَكَذَلِكَ السَّعْيُ وَغَيْرُهُ، بَلْ لَوْ لَمْ يَسْتَشْعِرْ الْعُمْرَةَ أَجْزَأَهُ كَمَا يَأْتِي فِيمَنْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَنَّهُ يَصِيرُ قَارِنًا.
(ص) وَكُرِهَ قَبْلَ الرُّكُوعِ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُرْدِفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ طَوَافِهَا وَقَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَيَصِيرَ قَارِنًا وَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَعِلَّةُ الْكَرَاهَةِ كَوْنُ الْوَقْتِ مُخْتَصًّا لِلْعُمْرَةِ، وَقَوْلُهُ:(لَا بَعْدَهُ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: أَوْ يُرْدِفُهُ أَيْ: فَلَا يَصِحُّ الْإِرْدَافُ، وَالْكَرَاهَةُ ثَابِتَةٌ بِالْأَحْرَى؛ لِأَنَّهُ إذَا كُرِهَ الْإِرْدَافُ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَأَحْرَى بَعْدَهُ، وَفِي أَثْنَاءِ السَّعْيِ وَبَعْدَ السَّعْيِ.
(ص) وَصَحَّ بَعْدَ سَعْيٍ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْإِحْرَامَ يَصِحُّ بَعْدَ سَعْيِ الْعُمْرَةِ، وَلَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ لِاسْتِلْزَامِهِ تَأْخِيرَ حَلْقِ الْعُمْرَةِ أَوْ سُقُوطَهُ كَمَا قَالَ (وَحَرُمَ الْحَلْقُ) لِلْعُمْرَةِ حَتَّى يَفْرُغَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: إنْ صَحَّتْ) وَهُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْإِرْدَافِ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ فَإِنْ فَسَدَتْ لَمْ يَصِحَّ الْإِرْدَافُ وَلَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيهِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى عُمْرَتِهِ اُنْظُرْ عب.
(قَوْلُهُ وُجُوبًا) أَرَادَ بِالْوُجُوبِ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ صِحَّةَ الْعُمْرَةِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى تَقْدِيمِهَا فَإِنْ تَأَخَّرَتْ فَلَا تَصِحُّ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ إرْدَافَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ مَكْرُوهٌ (قَوْلُهُ: وَيَصِيرُ قَارِنًا وَيَلْزَمُهُ الْهَدْيُ لَكِنَّ إلَخْ) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيَادَةٌ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً فِي نُسْخَتِهِ (قَوْلُهُ: أَنْ يَقَعَ بَعْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ) أَرَادَ مَا عَدَا صُورَةِ الْإِحْرَامِ بِهِمَا مُتَرَتِّبَتَيْنِ مَعَ تَقْدِيمِ الْعُمْرَةِ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ صُورَةَ الْإِحْرَامِ بِهِمَا مُتَرَتِّبَتَيْنِ، وَتَقْدِيمُ الْعُمْرَةِ لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا فَاصِلٌ وَصُورَةُ الْإِرْدَافِ مَا عَدَاهَا.
(قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَ عَمَلِ شَيْءٍ إلَخْ) أَرَادَ بِالْعَمَلِ الْمَشْيُ لَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَمَلُ مِنْ أَرْكَانِهَا؛ لِأَنَّ أَرْكَانَهَا طَوَافٌ وَسَعْيٌ وَإِحْرَامٌ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِأَشْهَبَ) فَعِنْدَ أَشْهَبَ مَتَى شَرَعَ فِي الطَّوَافِ فَاتَ الْإِرْدَافُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لَكَانَ أَبْيَنَ) أَيْ: لِشُمُولِهِ الثَّلَاثَ الْمَذْكُورَةَ
(قَوْلُهُ: وُجُوبًا عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ) وَهَذَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّيْخُ سَالِمٌ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَيُوَافِقُهُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْعِبَادَةَ الْغَيْرَ الْوَاجِبَةِ تَجِبُ بِالشُّرُوعِ، وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ قِيلَ مَنْدُوبٌ وَقِيلَ جَائِزٌ وَهَذَا فِي الْعُمْرَةِ الصَّحِيحَةِ وَمُقْتَضَى التَّكْمِيلِ أَنَّهُ يَأْتِي بِرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَكَذَا لَوْ أَرْدَفَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ فَيَرْكَعُ لَهُ وَيَسْعَى بَعْدَ الْإِفَاضَةِ (قَوْلُهُ: وَكَانَ تَطَوُّعًا) ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ لِلْعُمْرَةِ بِإِرْدَافِ الْحَجِّ عَلَيْهَا وَلَا يَطْلُبُ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ بِطَوَافِ الْقُدُومِ (قَوْلُهُ فَلَا يَبْقَى لَهَا فِعْلٌ ظَاهِرٌ) أَيْ: لَا مِنْ طَوَافٍ وَسَعْيٍ وَحِلَاقٍ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ الْقَارِنَ إلَخْ) أَيْ: فَلَوْ اسْتَحْضَرَ الِاسْتِحْضَارَ الْمَذْكُورَ مَا ضَرَّ كَمَا أَفَادَهُ فِي ك وَقَوْلُهُ: أَنْ يَسْتَحْضِرَ أَيْ: فِي مُدْرَكَتِهِ (قَوْلُهُ بَلْ إذَا نَوَى طَوَافَ الْقُدُومِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ) لَا يَخْفَى أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ لَا اشْتِرَاكَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا هُوَ رُكْنٌ وَهُوَ السَّعْيُ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ (قَوْلُهُ: لَوْ لَمْ يَسْتَشْعِرْ) أَيْ: بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَافِظَتِهِ.
(قَوْلُهُ: مُخْتَصًّا لِلْعُمْرَةِ) كَذَا فِي نُسْخَةٍ فَاللَّامُ بِمَعْنَى الْبَاءِ (قَوْلُهُ: لَا بَعْدَهُ) أَيْ: وَأَمَّا فِي أَثْنَاءِ الرُّكُوعِ فَهُوَ بِمَثَابَةِ مَا قَبْلَ الرُّكُوعِ (قَوْلُهُ: رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ، أَوْ يُرْدِفُهُ) أَيْ: رَاجِعٌ بِحَسَبِ الْمَعْنَى أَيْ: لَا رَاجِعَ لِقَوْلِهِ وَكُرِهَ إلَخْ ثُمَّ يَحْتَمِلُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُخَرَّجًا مِنْ مُقَدَّرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَالتَّقْدِيرُ وَكُرِهَ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَصَحَّ لَا بَعْدَهُ.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَصَحَّ أَيْ: الْإِحْرَامُ لَا الْإِرْدَافُ بَعْدَ سَعْيٍ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيمَا لَمْ يَصِحَّ أَوْ مَعْطُوفٌ عَلَى بِطَوَافِهَا وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمَذْكُورِ مِنْ الطَّوَافِ وَالرُّكُوعِ أَيْ: وَلَا يَرْتَدِفُ بَعْدَ مَا ذُكِرَ مِنْ الطَّوَافِ وَالرُّكُوعِ وَكَذَا لَوْ أَرْدَفَ فِي أَثْنَاءِ السَّعْيِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْعَدَمِ وَوَجَبَ ابْتِدَاؤُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ صَرُورَةً وَسَقَطَ إنْ كَانَ تَطَوُّعًا. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ) وَعِبَارَةُ عب وَعَبَّرَ بِصَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إلَخْ وَكَذَا فِي شَرْحِ شب وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الْحُرْمَةُ (قَوْلُهُ: لِاسْتِلْزَامِهِ تَأْخِيرَ حَلْقِ الْعُمْرَةِ، أَوْ سُقُوطِهِ) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ بِأَوْ أَيْ: فَالتَّأْخِيرُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْحَلْقُ الَّذِي يَأْتِي بِهِ بَعْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَقَوْلُهُ: أَوْ سُقُوطُهُ أَيْ: عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لِلْحَجِّ فَقَطْ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَأَهْدَى لِتَأْخِيرِهِ يَعْنِي: الطَّرَفَ الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: لِاسْتِلْزَامِهِ تَأْخِيرَ حَلْقِ الْعُمْرَةِ لَا الثَّانِي الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: أَوْ سُقُوطُهُ
مِنْ حَجِّهِ وَلَمْ يَكُنْ قَارِنًا اتِّفَاقًا، وَلَا مُتَمَتِّعًا إلَّا أَنْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَهْدَى لِوُجُوبِ تَأْخِيرِ الْحَلْقِ الْحَاصِلِ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ فَلَوْ فَعَلَهُ فَيَلْزَمُهُ هَدْيٌ وَفِدْيَةٌ مَعًا؛ وَلِذَا قَالَ (وَأَهْدَى لِتَأْخِيرِهِ) أَيْ: لِوُجُوبِ تَأْخِيرِهِ، وَقَوْلُهُ:(وَلَوْ فَعَلَهُ) مُبَالَغَةٌ فِي أَنَّهُ يُهْدِي إذَا فَعَلَهُ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَعَلَيْهِ حَيْثُ فَعَلَهُ هَدْيٌ، وَلَا يُسْقِطُ فِعْلُهُ هَدْيَ التَّأْخِيرِ وَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ أَيْضًا (ص) ، ثُمَّ تَمَتَّعَ بِأَنْ يَحُجَّ بَعْدَهَا، وَإِنْ بِقِرَانٍ (ش) أَيْ: ثُمَّ يَلِي الْقِرَانَ فِي النَّدْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ تَمَتُّعٌ، وَهُوَ أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ بَعْدَ إيقَاعِ رُكْنٍ أَوْ بَعْضِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُحْرِمَ بَعْدَ الْعُمْرَةِ بِحَجٍّ فَقَطْ، أَوْ بِقِرَانٍ وَيَصِيرُ مُتَمَتِّعًا قَارِنًا وَعَلَيْهِ دَمَانِ: وَاحِدٌ لِلتَّمَتُّعِ، وَآخَرُ لِلْقِرَانِ، وَلَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ فِعْلُ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَهَدْيٌ وَاحِدٌ يُجْزِئُهُ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ وَسُمِّيَ الْمُتَمَتِّعُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ تَمَتَّعَ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ وَقِيلَ؛ لِأَنَّهُ تَمَتَّعَ مِنْ عُمْرَتِهِ بِالنِّسَاءِ وَالطِّيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(ص) وَشَرْطُ دَمِهِمَا عَدَمُ إقَامَةٍ بِمَكَّةَ، أَوْ ذِي طُوًى (ش) أَيْ: شَرْطُ دَمِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ أَنْ لَا يَكُونَ فَاعِلُهُمَا مُقِيمًا بِمَكَّةَ، أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا مِمَّا لَا يُقَصِّرُ الْمُسَافِرُ حَتَّى يُجَاوِزَهُ وَالْمُرَادُ بِالْإِقَامَةِ الِاسْتِيطَانُ، وَهُوَ الْإِقَامَةُ بِنِيَّةِ عَدَمِ الِانْتِقَالِ، وَقَوْلُهُ:(وَقْتَ فِعْلِهِمَا) أَيْ: وَقْتَ الْإِحْرَامِ أَيْ: بِالْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ، وَالْمُرَادُ وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ فِيهِمَا فَمَنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ، أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِهِمَا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُقِيمٍ وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ قَدْ يَكُونُ مُقْدِمًا عَلَى الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَذَلِكَ فِي التَّمَتُّعِ دَائِمًا، وَفِي الْقِرَانِ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْإِحْرَامُ بِهَا مُقَارِنًا لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَذَلِكَ بَعْضُ صُوَرِ الْقِرَانِ، وَقَوْلُهُ:(وَإِنْ بِانْقِطَاعٍ بِهَا) أَيْ: بِمَكَّةَ، أَوْ ذِي طُوًى مُبَالَغَةٌ فِي الْمَفْهُومِ وَالتَّقْدِيرِ، فَإِنْ وُجِدَتْ الْإِقَامَةُ الْمَذْكُورَةُ بِأَحَدِ الْمَكَانَيْنِ سَقَطَ الدَّمُ، وَإِنْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، بَلْ بِسَبَبِ انْقِطَاعٍ بِهَا عَنْ غَيْرِهَا أَوْ رَفْضِ سُكْنَاهُ؛ وَنِيَّةُ عَدَمِ الِانْتِقَالِ مِنْهَا وَالرُّجُوعُ إلَيْهِ، وَأَنَّثَ الْمُؤَلِّفُ الضَّمِيرَ فِي بِهَا مَعَ رُجُوعِهِ إلَى مَا ذَكَرَ بِاعْتِبَارِ الْبُقْعَةِ وَأَفْرَدَهُ مَعَ رُجُوعِهِ إلَى مَكَّةَ، أَوْ ذِي طُوًى؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ، وَيَصِحُّ عَوْدُهُ لِمَكَّةَ خَاصَّةً تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ حُكْمَهَا مَعَ ذِي طُوًى حُكْمُ الْبَلَدِ الْوَاحِدِ (ص) أَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، أَوْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ اسْتَوْطَنَهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِأَهْلِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِمْ لِحَاجَةٍ مِنْ غَزْوٍ، أَوْ تِجَارَةٍ، أَوْ أَمْرٍ عَرَضَ لَهُ، سَوَاءٌ طَالَتْ إقَامَتُهُ بِغَيْرِهَا، أَوْ قَصُرَتْ، ثُمَّ قَدِمَ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ مُتْعَةٌ، فَقَوْلُهُ: خَرَجَ عَطْفٌ عَلَى مَا فِي حَيِّزِ إنْ وَالتَّقْدِيرُ فَلَا دَمَ عَلَى مَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ، أَوْ ذِي طُوًى، وَإِنْ بِانْقِطَاعٍ بِهَا أَوْ خَرَجَ مِنْهَا لِحَاجَةٍ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا
ــ
[حاشية العدوي]
فَلَا يَظْهَرُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ كَمَا قَالَ (قَوْلُهُ: لِوُجُوبِ تَأْخِيرِهِ) بِسَبَبِ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَيَوْمِ عَرَفَةَ زَمَنٌ طَوِيلٌ، بَلْ لَوْ أَتَمَّ سَعْيَهَا فِي يَوْمِ عَرَفَةَ ثُمَّ أَحْرَمَ قَبْلَ حِلَاقِهَا بِالْحَجِّ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى يَصِلَ إلَى مِنًى وَعَلَيْهِ دَمٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ تَمَتَّعَ) ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ بَعْدَ التَّمَتُّعِ مَرْتَبَةٌ أُخْرَى وَهُوَ كَذَلِكَ وَهُوَ الْإِطْلَاقُ فَأَوْجُهُ الْإِحْرَامِ أَرْبَعَةٌ: إفْرَادٌ، وَقِرَانٌ، وَتَمَتُّعٌ وَإِطْلَاقٌ، وَهِيَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمَنَاسِكِ فَلَا حَاجَةَ لِتَكَلُّفِ جَعْلٍ ثُمَّ تَمَتُّعٍ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ، وَظَاهِرُ ابْنِ عَرَفَةَ وَالْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ يَحْصُلُ التَّمَتُّعُ بِإِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ بَعْدَ الْعُمْرَةِ، وَإِنْ فَسَدَتْ وَهُوَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْقِرَانِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ إحْرَامَهُ بِالْحَجِّ فِي التَّمَتُّعِ بَعْدَ مُضِيِّ النُّسُكِ الْفَاسِدِ وَلِذَا صَحَّ، وَأَمَّا فِي الْقِرَانِ فَهُوَ فِي أَثْنَاءِ النُّسُكِ الْفَاسِدِ فَسَرَى لَهُ الْفَسَادُ فَصَارَ كَالْعَدَمِ كَمَا أَشَارَ لَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) أَيْ: خِلَافًا لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَاللَّخْمِيِّ مِنْ أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ (قَوْلُهُ بَعْدَ إيقَاعِ رُكْنٍ، أَوْ بَعْضَهُ) أَيْ: مِنْ الْعُمْرَةِ، وَلَوْ قَبْلَ الْحِلَاقِ كَانَتْ الْعُمْرَةُ صَحِيحَةً، أَوْ فَاسِدَةً بِخِلَافِ الْإِرْدَافِ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ إحْرَامَهُ بِالْحَجِّ فِي التَّمَتُّعِ بَعْدَ مُضِيِّ النُّسُكِ الْفَاسِدِ فَلِذَا صَحَّ، وَأَمَّا فِي الْقِرَانِ فَهُوَ فِي أَثْنَاءِ النُّسُكِ الْفَاسِدِ فَسَرَى لَهُ الْفَسَادُ فَصَارَ كَالْعَدَمِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَمَتُّعٌ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ) أَيْ:؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ سَفَرَيْنِ سَفَرًا لِلْحَجِّ وَسَفَرًا لِلْعُمْرَةِ فَلَمَّا تَمَتَّعَ أَسْقَطَ عَنْهُ أَحَدَ السَّفَرَيْنِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ فَرَغَ مِنْهُ ثُمَّ أَتَى بِالْعُمْرَةِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَمَتَّعَ بِأَحَدِ السَّفَرَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّ عِلَّةَ التَّسْمِيَةِ لَا تَقْتَضِي التَّسْمِيَةَ وَفِي عِبَارَةٍ مَا نَصُّهُ فَإِنْ قِيلَ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحَلَّ مِنْهَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ مِنْ عَامِهِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ أَحَدَ السَّفَرَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مُتَمَتِّعًا بِإِجْمَاعٍ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا يُرَاعِي إسْقَاطَ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَكَذَا عَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لِأَنَّهُ تَمَتَّعَ مِنْ عُمْرَتِهِ بِالنِّسَاءِ وَالطِّيبِ) فِيهِ أَنَّ كُلَّ مُعْتَمِرٍ يَتَمَتَّعُ حِينَ يَحِلُّ مِنْهَا بِالنِّسَاءِ وَالطِّيبِ، وَالْجَوَابُ مَا تَقَدَّمَ.
(قَوْلُهُ: أَوْ ذِي طُوًى) مُثَلَّثُ الطَّاءِ مَوْضِعٌ بَيْنَ الطَّرِيقِ الَّتِي يَهْبِطُ مِنْهَا إلَى مَقْبَرَةِ مَكَّةَ الْمُسَمَّاةِ بِالْمُعَلَّاةِ وَالطَّرِيقِ الْأُخْرَى الَّتِي جِهَةُ الزَّاهِرِ وَتُسَمَّى عِنْدَ أَهْلِ مَكَّةَ بَيْنَ الْحَجُونَيْنِ وَأَمَّا الَّتِي فِي الْقُرْآنِ فَبِضَمِّ الطَّاءِ وَكَسْرِهَا وَقُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ (قَوْلُهُ وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِهِمَا) أَيْ: بِالْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ أَيْ: وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ فِيهِمَا فَإِذَا قَدِمَ آفَاقِيٌّ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَنِيَّتُهُ السُّكْنَى ثُمَّ حَجَّ فِي عَامِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَالْمُقِيمِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ فِعْلِ الْعُمْرَةِ مِنْ الْحَاضِرِينَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُقِيمٍ وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا) الْمُنَاسِبُ حَذْفُ أَحَدِهِمَا وَيُقْتَصَرُ عَلَى قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُقِيمٍ وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِهِمَا أَيْ: بِالْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ أَيْ: وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِأَيِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: وَأَنَّثَ الْمُؤَلِّفُ الضَّمِيرَ فِي بِهَا مَعَ رُجُوعِهِ إلَى مَا ذُكِرَ بِاعْتِبَارِ الْبُقْعَةِ) لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ لِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى مَكَّةَ، أَوْ ذِي طُوًى فَالْمَرْجِعُ مُؤَنَّثٌ
بِعُمْرَةٍ (ص) لَا انْقَطَعَ بِغَيْرِهَا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمَكِّيَّ، أَوْ مَنْ اسْتَوْطَنَهَا إذَا انْقَطَعَ بِغَيْرِ مَكَّةَ وَرَفَضَ سُكْنَاهَا فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ قَدِمَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ فَيَلْزَمُهُ دَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، أَمَّا إنَّ لَمْ يَرْفُضْ سُكْنَاهَا فَهُوَ، قَوْلُهُ: أَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى أَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ وَقَوْلُهُ لَا انْقَطَعَ بِغَيْرِهَا أَيْ: ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهَا قَارِنًا، أَوْ مُتَمَتِّعًا.
(ص) أَوْ قَدِمَ بِهَا يَنْوِي الْإِقَامَةَ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ قَدِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ يَنْوِي الِاسْتِيطَانَ يَلْزَمُهُ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَاضِرِينَ لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُ بِالْفِعْلِ مَعْدُومَةٌ وَقْتَ الْعُمْرَةِ، وَإِنْ وُجِدَتْ مِنْهُ نِيَّتُهَا فَقَدْ يَبْدُو لَهُ رَفْضُهَا، فَقَوْلُهُ: أَوْ قَدِمَ أَيْ: الْمُتَمَتِّعُ وَالضَّمِيرُ فِي بِهَا لِلْعُمْرَةِ أَيْ: فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، أَوْ لِأَشْهُرِ الْحَجِّ لَكِنَّ الْبَاءَ عَلَى الْأَوَّلِ لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ: مُلْتَبِسًا بِعُمْرَةٍ، وَعَلَى الثَّانِي بِمَعْنًى فِي أَيْ: فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إلَّا إذَا قَدِمَ بِعُمْرَةٍ، وَأَمَّا لَوْ قَدِمَ بِعُمْرَةٍ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا (ص) وَنُدِبَ لِذِي أَهْلِينَ، وَهَلْ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ فَيُعْتَبَرُ تَأْوِيلَانِ (ش) أَيْ: وَنُدِبَ هَدْيُ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ لِمَنْ لَهُ أَهْلٌ بِمَكَّةَ وَأَهْلٌ بِبَعْضِ الْآفَاقِ، وَهَلْ مَحَلُّ النَّدْبِ إذَا اسْتَوَتْ إقَامَتُهُ بِهِمَا، أَمَّا إذَا كَانَتْ إقَامَتُهُ بِمَكَّةَ أَكْثَرَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِنْ كَانَتْ إقَامَتُهُ فِي غَيْرِ مَكَّةَ، وَمَا فِي حُكْمِهَا أَكْثَرَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ النَّدْبُ مُطْلَقٌ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ بِإِقَامَتِهِ فِي أَحَدِ الْمَحَلَّيْنِ تَأْوِيلَانِ، وَالْمَذْهَبُ مَا جَزَمَ بِهِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: وَنُدِبَ لِذِي أَهْلِينَ أَيْ مُطْلَقًا.
(ص) وَحَجٌّ مِنْ عَامِهِ (ش) أَيْ: وَشَرْطُ دَمِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ حَجٌّ مِنْ عَامِهِ فَلَوْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ لَمْ يَحُجَّ إلَّا مِنْ قَابِلٍ، أَوْ فَاتَ الْمُتَمَتِّعُ الْحَجَّ، أَوْ الْقَارِنُ وَتَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ كَمَا هُوَ الْأَفْضَلُ فَلَا دَمَ فَلَوْ بَقِيَ الْقَارِنُ عَلَى إحْرَامِهِ لِقَابِلٍ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الدَّمُ (ص) وَلِلْمُتَمَتِّعِ عَدَمُ عَوْدِهِ لِبَلَدِهِ، أَوْ مِثْلِهِ، وَلَوْ بِالْحِجَازِ لَا بِأَقَلَّ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الشَّرْطَيْنِ السَّابِقِينَ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْقَارِنُ وَالْمُتَمَتِّعُ وَيَخْتَصُّ الْمُتَمَتِّعُ بِشُرُوطٍ أُخَرَ مِنْهَا: أَنْ لَا يَعُودَ إلَى بَلَدِهِ، أَوْ مِثْلِهِ فِي الْبُعْدِ بَعْدَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ بِمَكَّةَ، فَإِنْ عَادَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ بِمَكَّةَ وَدَخَلَهَا مُحْرِمًا بِحَجٍّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ دَمُ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَتَّعْ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ بِخِلَافِ لَوْ رَجَعَ لِأَقَلَّ مِنْ أُفُقِهِ أَيْ: بَلَدِهِ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ لِمَا ذُكِرَ كَالْعَدَمِ وَبِخِلَافِ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ عَوْدِهِ لِبَلَدِهِ، أَوْ مِثْلِهِ، ثُمَّ عَادَ فَعَلَيْهِ الدَّمُ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْحَجِّ وَحَيْثُ رَجَعَ إلَى مِثْلِ أُفُقِهِ أَيْ: بَلَدِهِ فِي الْبُعْدِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ مِثْلَ أُفُقِهِ فِي الْحِجَازِ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَوَّازِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ سُقُوطِ الدَّمِ عَمَّنْ أُفُقُهُ فِي الْحِجَازِ إلَّا بِالْعَوْدِ إلَى نَفْسِ أُفُقِهِ لَا إلَى مِثْلِهِ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ عَنْ أَرْضِ الْحِجَازِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَبَاءُ " لَا بِأَقَلَّ " بَاءُ الْمُلَابَسَةِ، وَالْمَعْطُوفُ مَحْذُوفٌ أَيْ: لَا عَدَمُ الْعَوْدِ مُلْتَبِسًا بِأَقَلَّ مِنْ بَلَدِهِ، أَوْ مِثْلِهِ أَيْ: يَكُونُ مَسَافَتُهُ أَقَلَّ مِمَّا ذُكِرَ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: أَطْلَقَ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي هَذَا الشَّرْطِ أَعْنِي قَوْلَهُ: وَعَدَمَ عَوْدِهِ إلَخْ وَقَيَّدَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِمَنْ كَانَ أُفُقَهُ إذَا ذَهَبَ وَعَادَ يُدْرِكُ مِنْ عَامِهِ، وَأَمَّا مَنْ أُفُقُهُ إفْرِيقِيَّةُ فَإِنَّ رُجُوعَهُ مِصْرَ بِمَنْزِلَةِ رُجُوعِهِ لِبَلَدِهِ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ انْتَهَى. وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ الْمُؤَلِّفُ.
(ص) وَفِعْلُ بَعْضِ رُكْنِهَا فِي وَقْتِهِ (ش) هَذَا الشَّرْطُ الرَّابِعُ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُتَمَتِّعُ أَيْضًا وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ دَمِ التَّمَتُّعِ أَنْ يَفْعَلَ أَرْكَانَ الْعُمْرَةِ، أَوْ بَعْضَهَا، وَلَوْ السَّعْيَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَوْ سَعَى لِعُمْرَتِهِ فِي رَمَضَانَ مَثَلًا وَأَخَّرَ بَعْضَ السَّعْيِ إلَى أَنْ دَخَلَ شَوَّالٌ فَكَمَّلَهُ فِيهِ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، وَلَوْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي رَمَضَانَ مَثَلًا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ بَعْضَ أَرْكَانِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَذَلِكَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ دَمِ التَّمَتُّعِ، وَوُقُوعُ الْحَلْقِ فِي شَوَّالٍ لَا يُوجِبُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ لَيْسَ مِنْ أَرْكَانِ الْعُمْرَةِ.
(ص) وَفِي شَرْطِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَإِنْ وُجِدَتْ مِنْهُ نِيَّتُهَا أَيْ: الْإِقَامَةُ فَقَدْ يَبْدُو لَهُ عَدَمُهَا) لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ اشْتَرَطَ الْإِقَامَةَ بِالْفِعْلِ فَعِنْدَ عَدَمِهَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ، وَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَدَا لَهُ عَدَمُهَا، أَوْ لَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَعْنَى، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّا أَعْطَيْنَا نِيَّةَ الْإِقَامَةِ مَنْزِلَةَ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ يَصْحَبُهَا الْإِقَامَةُ إلَّا أَنَّهُ يَبْدُو لَهُ عَدَمُ الْإِقَامَةِ فَصَارَتْ نِيَّتُهَا كَالْعَدَمِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ الْقَارِنُ) أَيْ: أَوْ فَاتَ الْقَارِنَ الْحَجُّ أَيْ: بِأَنْ يَفُوتَهُ بِحَضَرٍ أَوْ مَرَضٍ (قَوْلُهُ: وَلِلْمُتَمَتِّعِ) مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ أَيْ: وَيُشْتَرَطُ لِلْمُتَمَتِّعِ أَيْ: لِوُجُوبِ دَمِهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ عَدَمُ عَوْدِهِ لِبَلَدِهِ، أَوْ مِثْلِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْقِرَانِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ مِثْلَ أُفُقِهِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ، وَلَوْ بِالْحِجَازِ مُبَالَغَةٌ فِي الْمِثْلِ، وَأَمَّا لَوْ عَادَ لِبَلَدِهِ مُطْلَقًا، أَوْ مِثْلِهِ بِغَيْرِ الْحِجَازِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ (قَوْلُهُ: لَا عَدَمُ الْعَوْدِ مُلْتَبِسًا بِأَقَلَّ) أَيْ: إنْ عَدِمَ الْعَوْدَ مُلْتَبِسًا بِأَقَلَّ لَا نَقُولُ يُشْتَرَطُ أَيْ: فِي وُجُوبِ الدَّمِ أَيْ: بِحَيْثُ إذَا عَادَ لِأَقَلَّ لَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إذَا عَادَ لِأَقَلَّ يَلْزَمُهُ الدَّمُ (قَوْلُهُ: أَيْ: لَا عَدَمُ الْعَوْدِ مُلْتَبِسًا إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَا بِأَقَلَّ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ عَدَمُ عَوْدِهِ لِبَلَدِهِ، أَوْ مِثْلِهِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ تَكْرَارٌ بِالنَّظَرِ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: أَوْ مِثْلِهِ أَنَّ رُجُوعَهُ لِأَقَلَّ مِنْ بَلَدِهِ لَا يَكْفِي وَوَجْهُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ أَنَّهُ مَفْهُومُ غَيْرِ شَرْطٍ وَهُوَ لَا يَعْتَبِرُهُ فَلِذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ الْمُؤَلِّفُ) قُلْت: قَدْ يُقَالُ بَلْ اعْتَبَرَهُ إذْ قَدْ اشْتَرَطَ فِي الدَّمِ الْحَجَّ مِنْ عَامِهِ.
(قَوْلُهُ وَفِعْلُ بَعْضِ رُكْنِهَا فِي وَقْتِهِ) يَدْخُلُ الْوَقْتُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ رَمَضَانَ (قَوْلُهُ: يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ دَمِ التَّمَتُّعِ) إشَارَةً إلَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ خَاصٌّ بِالْمُتَمَتِّعِ وَلَا يَتَأَتَّى فِي الْقَارِنِ لِقَوْلِهَا مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ قَارِنًا فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ وَلَا يَكُونُ طَوَافُهُ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ لِعُمْرَتِهِ لَكِنْ لَهُمَا جَمِيعًا وَلَا يَحِلُّ مِنْ وَاحِدَةٍ دُونَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَ فِيهِمَا قَضَاهُمَا
كَوْنِهِمَا عَنْ وَاحِدٍ تَرَدُّدٌ (ش) أَيْ: هَلْ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ دَمِ التَّمَتُّعِ كَوْنُ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ عَنْ وَاحِدٍ بِأَنْ يَكُونَا وَقَعَا عَنْ نَفْسِ الْفَاعِلِ لَهُمَا، أَوْ عَنْ شَخْصٍ غَيْرِهِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْهُ؟ فَلَوْ كَانَا عَنْ اثْنَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَفْعَلَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عَنْ غَيْرِهِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ، أَوْ يَفْعَلُ أَحَدُهُمَا عَنْ زَيْدٍ وَالْآخَرُ عَنْ عُمَرَ، وَبِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْهُمَا لَمْ يَجِبْ الدَّمُ أَوَّلًا يُشْتَرَطُ فَيَجِبُ الدَّمُ فِي فِعْلِهِمَا عَنْ اثْنَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ وَاحِدٍ أَيْ: وَالْفَاعِلُ لَهُمَا وَاحِدٌ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ.
(تَنْبِيهٌ) : لَا شَكَّ أَنَّ شُرُوطَ الْقِرَانِ شُرُوطٌ فِي وُجُوبِ الدَّمِ لَا فِي تَسْمِيَةِ الْفِعْلِ قِرَانًا، وَأَمَّا شُرُوطُ التَّمَتُّعِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهَا شُرُوطٌ فِي وُجُوبِ الدَّمِ وَصَرَّحَ غَيْرُهُمَا كَعَبْدِ الْوَهَّابِ وَعِيَاضٍ أَنَّهَا شُرُوطٌ فِي تَسْمِيَتِهِ تَمَتُّعًا قَالَ الْقَفَّالُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ جَزَمَ الرَّازِيّ.
(ص) وَدَمُ التَّمَتُّعِ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَبْدَأَ وُجُوبِ دَمِ التَّمَتُّعِ إنَّمَا هُوَ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ لَا قَبْلَهُ وَمُنْتَهَاهُ الَّذِي يَتَقَرَّرُ بِهِ وَيَتَخَلَّدُ فِي الذِّمَّةِ هُوَ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَكَلَامُهُ هُنَا فِي بَيَانِ مَبْدَأِ الْوُجُوبِ، وَقَوْلُهُ: أَوَاخِرَ فَصْلِ حَرُمَ بِالْإِحْرَامِ، وَإِنْ مَاتَ مُتَمَتِّعٌ فَالْهَدْيُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إنْ رَمَى الْعَقَبَةَ فِي بَيَانِ تَقَرُّرِهِ وَتَخَلُّدِهِ فِي الذِّمَّةِ فَلَا اعْتِرَاضَ، وَانْظُرْ الْكَلَامَ بِأَوْسَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي شَرْحِنَا الْكَبِيرِ (ص) وَأَجْزَأَ قَبْلَهُ (ش) ظَاهِرُهُ أَنَّ فَاعِلَ أَجْزَأَ دَمُ التَّمَتُّعِ، وَلَا يَكُونُ دَمًا إلَّا إذَا نَحَرَهُ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنْ نَحَرَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مُجْزٍ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ التَّقْلِيدَ وَالْإِشْعَارَ أَيْ: أَجْزَأَ جَعْلُهُ هَدْيًا، وَهُوَ تَقْلِيدُهُ وَإِشْعَارُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَلَوْ عِنْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ، بَلْ وَلَوْ سَاقَهُ فِيهَا تَطَوُّعًا، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ كَمَا سَيَأْتِي لَهُ.
(ص) ثُمَّ الطَّوَافُ لَهُمَا سَبْعًا (ش) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْإِحْرَامِ أَيْ: وَرُكْنُهُمَا الطَّوَافُ وَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ لِقَوْلِهِ لَهُمَا قِيلَ، وَإِنَّمَا أَعَادَ لَهُمَا لِطُولِ الْفَصْلِ فَرُبَّمَا يَغْفُلُ عَنْهُ، وَأَسْقَطَهُ مِنْ السَّعْيِ لِقُرْبِ ذِكْرِهِ فِي الطَّوَافِ، وَثُمَّ هُنَا لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ وَالرُّتْبِيِّ جَمِيعًا، وَالْمُرَادُ أَنَّ رُتْبَةَ الطَّوَافِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ رُتْبَةِ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا الطَّوَافُ فِي أَيِّ وَقْتٍ فَشَيْءٌ آخَرُ سَيَأْتِي، وَقَوْلُهُ: سَبْعًا تَمْيِيزٌ مُوَزَّعٌ أَيْ: الطَّوَافُ لِلْحَجِّ سَبْعًا وَلِلْعُمْرَةِ سَبْعًا، فَقَوْلُهُ: لَهُمَا أَيْ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبْعًا وَإِلَّا فَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةٌ وَنِصْفًا، فَإِنْ نَقَصَ شَوْطًا، أَوْ بَعْضَهُ يَقِينًا أَوْ شَكًّا مِنْ الطَّوَافِ الرُّكْنِيِّ رَجَعَ لَهُ عَلَى تَفْصِيلٍ سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَرَجَعَ إنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ عُمْرَةٍ إلَخْ، وَفِي قَوْلِهِ: وَابْتَدَأَ إنْ قَطْعَ لِجِنَازَةٍ إلَى قَوْلِهِ: أَوْ نَسِيَ بَعْضَهُ إنْ فَرَغَ سَعْيُهُ.
(ص) بِالطُّهْرَيْنِ وَالسِّتْرِ (ش) الْبَاءُ لِلْمَعِيَّةِ أَيْ: ثُمَّ الطَّوَافُ لَهُمَا بِشُرُوطٍ: أَوَّلُهَا كَوْنُهُ أَشْوَاطًا سَبْعًا وَكَوْنُهُ مَعَ الطُّهْرَيْنِ، وَالسِّتْرُ لِلْعَوْرَةِ، وَلَوْ قَالَ: بِالطَّهَارَتَيْنِ لَكَانَ أَحْسَنَ أَيْ: مِنْ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: لَا فِي تَسْمِيَةِ الْفِعْلِ قِرَانًا) ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَتَهُ قِرَانًا ظَاهِرَةٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ قَرَنَ بِهِمَا حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا (قَوْلُهُ: أَنَّهَا شُرُوطٌ فِي وُجُوبِ الدَّمِ) أَيْ:؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ وَشَرْطُ دَمِهِمَا عَدَمُ إقَامَةٍ بِمَكَّةَ، أَوْ ذِي طُوًى إلَخْ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ تَمَتُّعًا فَيَحْصُلُ بِأَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ بَعْدَ إيقَاعِ رُكْنٍ، أَوْ بَعْضِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ: شُرُوطٌ فِي تَسْمِيَتِهِ تَمَتُّعًا) أَيْ: وَالدَّمُ لَازِمٌ لِذَلِكَ التَّمَتُّعِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَحُجُّ مُتَمَتِّعًا فَاتَّفَقَ أَنَّهُ حَجَّ مِنْ عَامِهِ بَعْدَ إيقَاعِ رُكْنٍ، أَوْ بَعْضِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَاخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الدَّمِ فَإِنْ قُلْنَا شُرُوطٌ فِي وُجُوبِ الدَّمِ يَحْنَثُ، وَإِنْ قُلْنَا شُرُوطٌ فِي تَسْمِيَتِهِ مُتَمَتِّعًا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ إنْ رَمَى الْعَقَبَةَ) أَيْ: أَوْ فَاتَ وَقْتُهَا، أَوْ طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ (قَوْلُهُ فَلَا اعْتِرَاضَ إلَخْ) أَيْ: وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُرِضَ بِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَدَمُ التَّمَتُّعِ إلَخْ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي وَإِنْ مَاتَ مُتَمَتِّعٌ فَالْهَدْيُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إنْ رَمَى الْعَقَبَةَ أَيْ: فَإِنْ لَمْ يَرْمِ الْعَقَبَةَ فَلَا يَلْزَمُهُ هَدْيٌ أَصْلًا لَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَلَا مِنْ ثُلُثِهِ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ هُنَا فِي مَبْدَإِ وُجُوبِ الدَّمِ وَثَمَرَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا ذَبَحَ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ لَا يُجْزِئُ وَلَا يَجُوزُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي ك وَإِذَا مَاتَ بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَقَبْلَ الرَّمْيِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَمَا سَيَأْتِي فِي بَيَانِ التَّقَرُّرِ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا رَمَى الْعَقَبَةَ وَمَاتَ فَالْهَدْيُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَسْقُطُ هَذَا.
وَقَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ بِقَوْلِهِ: قُلْت: ظَاهِرُهُ لَوْ مَاتَ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ رَمْيِهِ لَا يَجِبُ وَهُوَ خِلَافُ نَقْلِ النَّوَادِرِ عَنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَنْ سَمَاعِ عِيسَى مَنْ مَاتَ يَوْمَ النَّحْرِ وَلَمْ يَرْمِ فَقَدْ لَزِمَهُ الدَّمُ ا. هـ. (قَوْلُهُ: أَيْ: أَجْزَأَ جَعَلَهُ هَدْيًا إلَخْ) أَيْ: وَقَدْ ارْتَكَبَ خِلَافَ الْأَوْلَى كَمَا فِي ك
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَعَادَ لَهُمَا إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ: لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ) أَيْ: فِي الذِّكْرِ وَالْإِخْبَارِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ التَّرْتِيبَ الذِّكْرِيَّ يَكُونُ فِي الْجُمَلِ فَإِنَّمَا أَرَادَ التَّرْتِيبَ الرُّتْبِيَّ (قَوْلُهُ: أَيْ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَعْنَى هَكَذَا فَلَيْسَ فِيهِ تَوْزِيعٌ فَالتَّوْزِيعُ بِحَسَبِ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ فَإِنْ زَادَ عَلَى السَّبْعِ فِيهِ، أَوْ فِي السَّعْيِ عَمْدًا، وَلَوْ قُلْت كَبَعْضِ شَوْطٍ بَطَلَ وَكَذَا بِزِيَادَةِ مِثْلِهِ عَلَيْهِ سَهْوًا، أَوْ جَهْلًا هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ تت وَالْعَدَدُ شَرْطٌ بِاتِّفَاقٍ كَعَدَدِ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ كَانَ وَاجِبًا، أَوْ غَيْرَهُ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ عج تَبَعًا لِلْقَرَافِيِّ وَأَفْضَلُ أَرْكَانِ الْحَجِّ الطَّوَافُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى صَلَاةٍ وَطَهَارَةٍ قَالَ اللَّقَانِيِّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَفْضَلَ أَرْكَانِ الْحَجِّ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ قَالَ عج: وَأَمَّا السَّعْيُ وَعَرَفَةُ فَانْظُرْ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ السَّعْيُ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ وَمُتَوَقِّفٌ عَلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ أَرْكَانِ الْحَجِّ
(قَوْلُهُ: بِالطُّهْرَيْنِ) فَإِنْ شَكَّ فِي أَثْنَائِهِ ثُمَّ بَانَ الطُّهْرُ لَمْ يُعِدْ (قَوْلُهُ: وَالسِّتْرِ) أَيْ: سِتْرِ الْعَوْرَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ بَعْضٌ: وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ طَوَافِ الْحُرَّةِ إذَا كَانَتْ بَادِيَةَ الْأَطْرَافِ وَتُعِيدُ اسْتِحْبَابًا مَا دَامَتْ بِمَكَّةَ، أَوْ حَيْثُ يُمْكِنُهَا الْإِعَادَةُ وَقَالَ، وَالظَّاهِرُ لَا يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا، وَلَوْ كَانَتْ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّ بِالْفَرَاغِ مِنْهُ خَرَجَ وَقْتُهُ
الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ أَيْ:؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ هُوَ الْفِعْلُ فَالطَّهَارَةُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالْفَاعِلِ، وَتَعْبِيرُهُ بِالطُّهْرِ أَعَمُّ مِنْ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ، وَلَامُهُ لِلْعَهْدِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ طَافَ مُحْدِثًا عَمْدًا، أَوْ جَهْلًا، أَوْ نِسْيَانًا لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ وَيَرْجِعُ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ فِي الطَّوَافِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ مَالِكٍ كَالصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ يُبَاحُ فِيهِ الْكَلَامُ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَلَوْ قَالَ بِالطَّهَارَتَيْنِ كَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّهُ كَثُرَ فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ اسْتِعْمَالُ الطُّهْرَيْنِ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ فَيَصِيرُ الْخَبَثُ مَسْكُوتًا عَنْهُ وَكَثُرَ فِي لِسَانِهِمْ اسْتِعْمَالُ الطَّهَارَتَيْنِ فِي الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَفِي التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الطُّهْرَ هُوَ الْفِعْلُ إلَخْ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَنْشَأُ عَنْهُ الصِّفَةُ.
(ص) وَبَطَلَ بِحَدَثٍ بِنَاءً (ش) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا حَصَلَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ حَدَثٌ عَمْدًا، أَوْ سَهْوًا أَيْ: سَاهِيًا عَنْ كَوْنِهِ فِي الطَّوَافِ، أَوْ غَلَبَةً فَإِنَّهُ يُبْطِلُهُ وَيَمْنَعُ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ الْأَشْوَاطِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَانَ الطَّوَافُ وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا وَيَبْتَدِئُ الْوَاجِبُ بَعْدَ الطُّهْرِ دُونَ التَّطَوُّعِ إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ الْحَدَثَ، فَلَوْ بَنَى كَانَ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ، وَلَوْ قَالَ: فَإِنْ أَحْدَثَ فَلَا بِنَاءَ كَانَ أَحْسَنَ فَإِنَّ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ أَنَّ هُنَا بِنَاءً بَطَلَ مَعَ أَنَّهُ لَا بِنَاءَ هُنَا لَكِنَّ الْمُرَادَ بِالْبِنَاءِ الْبِنَاءُ الْحَاصِلُ مَعَ الْخُرُوجِ عَلَى تَقْدِيرِهِ.
(تَتِمَّةٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ حُكْمَ مَنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيُعِيدُ الطَّوَافَ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ وَسَعَى فَإِنَّهُ يُعِيدُ الطَّوَافَ وَالرَّكْعَتَيْنِ وَالسَّعْيَ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، فَإِنْ تَبَاعَدَ مِنْ مَكَّةَ فَلْيَرْكَعْهُمَا بِمَوْضِعِهِ وَيَبْعَثُ بِهَدْيٍ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَا تُجْزِئُهُ الرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ. اهـ مِنْ ابْنِ يُونُسَ.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ انْتَقَضَ عَمْدًا أَمْ لَا، قَوْلُهُ: فَإِنْ تَبَاعَدَ إلَخْ اُنْظُرْ مَا حَدُّ التَّبَاعُدِ، وَالظَّاهِرُ إنْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ مَعَ الْقُرْبِ تَبَاعَدَ.
(ص) وَجَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ (ش) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الطُّهْرَيْنِ يَعْنِي: أَنَّ الطَّائِفَ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي طَوَافِهِ أَنْ يَجْعَلَ الْبَيْتَ فِي دَوَرَانِهِ عَنْ يَسَارِهِ دَائِرًا مِنْ جِهَةِ بَابِهِ لِيَصِحَّ طَوَافُهُ فَلَوْ جَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ قُبَالَةَ وَجْهِهِ، أَوْ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَطُفْ وَيَرْجِعُ إلَيْهِ، وَلَوْ مِنْ بَلَدِهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ الطَّوَافُ رُكْنًا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ لِطَوَافِهِ عليه الصلاة والسلام هَكَذَا، وَقَوْلِهِ:«خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ، وَإِنَّمَا حُمِلَ فِعْلُهُ عليه الصلاة والسلام هُنَا عَلَى الْوُجُوبِ دُونَ الْوُضُوءِ مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا عِبَادَةٌ فَعَلَهَا وَرَتَّبَهَا فَكَانَ فِعْلُهُ بَيَانًا لِمُجْمَلِ الْقُرْآنِ لِثُبُوتِ الطَّوَافِ كَذَلِكَ إجْمَاعًا فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ جَوَازُ تَنْكِيسِهِ وَوَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْوُضُوءِ لَا نُبَالِي بِأَيِّ عُضْوٍ بَدَأْنَا بِأَيْمَانِنَا أَوْ بِأَيْسَارِنَا.
(ص) وَخُرُوجِ كُلِّ الْبَدَنِ عَنْ الشَّاذَرْوَانِ (ش) هَذَا، وَمَا بَعْدَهُ مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الطُّهْرَيْنِ وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الطَّائِفِ بِالْبَيْتِ أَنْ يَجْعَلَ بَدَنَهُ فِي طَوَافِهِ خَارِجًا عَنْ الشَّاذَرْوَانِ، وَإِنْ، وَهُوَ الْبِنَاءُ الْمُحْدَوْدِبُ فِي أَسَاسِ الْبَيْتِ، وَذَلِكَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ طَوَافِهِ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمُؤْلِفِ أَنَّ الشَّاذَرْوَانَ مِنْ الْبَيْتِ مُعْتَمِدًا عَلَى مَا قَالَهُ سَنَدٌ وَابْنُ شَاسٍ، وَمَنْ تَبِعَهُمَا كَابْنِ الْحَاجِبِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: فَالطَّهَارَةُ) الْأَوْلَى وَالطَّهَارَةُ بِالْوَاوِ (قَوْلُهُ لِلْعَهْدِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ: الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِهِ: شَرْطٌ لِصَلَاةِ طَهَارَةِ حَدَثٍ وَخَبَثٍ (قَوْلُهُ: وَفِي التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الطُّهْرَ هُوَ الْفِعْلُ نَظَرٌ إلَخْ) أَيْ: فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَنْشَأُ عَنْهُ (أَقُولُ) : إنَّ هَذَا الْمُعْتَرِضَ سَلَّمَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: الْأَوْلَى الْإِفْصَاحُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَنْشَأُ عَنْهُ الصِّفَةُ) أَيْ: وَالْمَلْحُوظُ ذَلِكَ النَّاشِئُ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مُنْقَضٍ وَزَائِلٌ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِأَحْسَنَ لِصِحَّةِ الْعِبَارَةِ بِالنَّظَرِ لِذَلِكَ النَّاشِئِ وَتَعْبِيرُهُ بِالطُّهْرِ أَعَمُّ مِنْ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ أَيْ: أَحَدُ الطُّهْرَيْنِ وَالطُّهْرُ الثَّانِي مِنْ الْخَبَثِ
(قَوْلُهُ: فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ) هُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: عَلَى الْمَشْهُورِ فِيمَا يَظْهَرُ فَيَكُونُ مُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ حَبِيبٍ فَقَدْ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ إذَا أَحْدَثَ فِي الطَّوَافِ فَلْيَتَوَضَّأْ وَيَبْنِ، قَالَ الْحَطَّابُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ حَبِيبٍ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ا. هـ.
(قَوْلُهُ وَيُعِيدُ الطَّوَافَ) أَيْ: وُجُوبًا أَيْ: وَذَلِكَ لِلُزُومِ الدَّمِ عَلَى تَرْكِهِ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَعَذُّرَ الرُّجُوعِ إلَخْ) إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا أَيْ: مِمَّا لَا يَتَعَذَّرُ الرُّجُوعُ
(قَوْلُهُ: وَجَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ) حِكْمَتُهُ لِيَكُونَ قَلْبُهُ إلَى جِهَتِهِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ جَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ: وَلَا بُدَّ أَنْ يَمْشِيَ مُسْتَقْبِلًا، فَلَوْ مَشَى الْقَهْقَرَى لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ) أَيْ: كَوْنُهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ بَلَدِهِ هُوَ الْمَشْهُورُ.
وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَعَلَّ قَائِلَ ذَلِكَ لَمْ يَرَهُ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ وَهُوَ بَعِيدٌ ا. هـ.
وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - لِطَوَافِهِ صلى الله عليه وسلم هَكَذَا وَقَوْلُهُ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه التَّيَاسُرُ سُنَّةٌ فَفِي تَرْكِهِ الدَّمُ إنْ خَرَجَ لِبَلَدِهِ (قَوْلُهُ: لِثُبُوتِ الطَّوَافِ كَذَلِكَ) أَيْ: لِثُبُوتِ الطَّوَافِ عَنْ الْيَسَارِ إجْمَاعًا أَيْ: أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الْيَسَارِ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ جِهَةِ الْيَسَارِ كَانَ بَاطِلًا، وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى الْوُجُوبِ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الْيَسَارِ وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْوُجُوبِ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ لَمْ تُجْمِعْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مُرَتَّبًا.
(أَقُولُ) يُرَدُّ أَنْ يُقَالَ لِمَ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يَكُونُ إلَّا مُرَتَّبًا وَالْوُضُوءُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ فَعَلَهَا وَرَتَّبَهَا؟ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّقْلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِمَا عَرَفْت مِنْ مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ
(وَقَوْلُهُ: وَخُرُوجُ كُلِّ الْبَدَنِ عَنْ الشَّاذَرْوَانِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ عَلَى مَا حَكَى النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ هُوَ لَفْظَةٌ بِمُعْجَمَةٍ مَكْسُورِ الذَّالِ
وَالْقَرَافِيِّ وَابْنِ جُزَيٍّ وَابْنِ جَمَاعَةَ التُّونُسِيِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ هَارُونَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ رَاشِدٍ فِي اللُّبَابِ وَابْنِ مُعَلَّى وَالتَّادَلِيِّ وَابْنِ فَرْحُونٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ، وَتَبِعَهُ الْأَبِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَنْكَرَ كَوْنَهُ مِنْ الْبَيْتِ جَمَاعَةٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَمِمَّنْ بَالَغَ فِي إنْكَارِهِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ الْخَطِيبُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ رُشَيْدٍ مُصَغَّرُ رُشْدٍ بِالْمُعْجَمَةِ اُنْظُرْ ح.
(ص) وَسِتَّةُ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ (ش) أَيْ: مُنْتَهِيَةٌ إلَى الْبَيْتِ أَيْ: وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ خُرُوجُ كُلِّ الْبَدَنِ أَيْضًا عَنْ مِقْدَارِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ سُمِّيَ حِجْرًا لِاسْتِدَارَتِهِ وَهُوَ مَحُوطٌ مُدَوَّرٌ عَلَى صُورَةِ نِصْفِ دَائِرَةٍ خَارِجٌ عَنْ جِدَارِ الْكَعْبَةِ فِي جِهَةِ الشَّامِ وَيُقَالُ لَهُ الْجَدْرُ بِفَتْحِ الْجِيمِ فَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ مِنْ وَضْعِ الْخَلِيلِ قَالَ الْأَزْرَقِيُّ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ جَعَلَ إبْرَاهِيمُ الْحِجْرَ إلَى جَنْبِ الْبَيْتِ عَرِيشًا مِنْ أَرَاكٍ تَقْتَحِمُهُ الْغَنَمُ وَكَانَ زَرْبًا لِغَنَمِ إسْمَاعِيلَ، ثُمَّ إنَّ قُرَيْشًا أَدْخَلَتْ فِيهِ أَذْرُعًا مِنْ الْكَعْبَةِ انْتَهَى.
وَأَثْبَتَ التَّاءَ فِي سِتَّةٍ؛ لِأَنَّ ذِرَاعَ الْيَدِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ (ص) وَنَصْبِ الْمُقْبِلِ قَامَتَهُ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قَبَّلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، أَوْ اسْتَلَمَ الْيَمَانِيَ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مَكَانَهُ وُجُوبًا حَتَّى يَعْتَدِلَ قَائِمًا عَلَى قَدَمَيْهِ، ثُمَّ يَطُوفُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ مُطَأْطِئًا رَأْسَهُ، أَوْ يَدُهُ فِي هَوَاءِ الشَّاذَرْوَانِ، أَوْ وَطِئَهُ بِرِجْلِهِ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ.
(ص) دَاخِلَ الْمَسْجِدِ (ش) يَعْنِي: أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الطَّوَافِ أَنْ يَكُونَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ فَلَوْ طَافَ خَارِجَهُ لَمْ يُجْزِهِ وَيُسْتَحَبُّ لِلطَّائِفِ الدُّنُوُّ مِنْ الْبَيْتِ كَالصَّفِّ الْأَوَّلِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَوْلُهُ:" دَاخِلَ " مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ الطَّوَافِ.
(ص) وَوِلَاءً (ش) يَعْنِي: أَنَّ التَّوَالِي بَيْنَ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ شَرْطٌ، فَإِنْ فَرَّقَهُ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّفْرِيقُ يَسِيرًا، أَوْ يَكُونَ لِعُذْرٍ، وَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ.
(ص) وَابْتَدَأَ إنْ قَطَعَ لِجِنَازَةٍ، أَوْ نَفَقَةٍ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الطَّوَافَ، وَلَوْ تَطَوُّعًا إذَا قَطَعَهُ لِجِنَازَةٍ غَيْرِ مُتَعَيِّنَةٍ عَلَيْهِ وَلَوْ قَلَّ الْفَصْلُ، أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِنَفَقَةٍ نَسِيَهَا فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُهُ، وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْقَطْعَ لِلْجِنَازَةِ غَيْرُ مَطْلُوبٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالْحُكْمُ مَنْعُ الْقَطْعِ، وَأَمَّا إنْ قَطَعَ لِنَفَقَةٍ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى طَوَافِهِ، فَإِنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ وَخَشِيَ عَلَى الْمَيِّتِ التَّغَيُّرَ فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْقَطْعِ كَالْفَرَائِضِ، وَفِي كَلَامِ سَنَدٍ وَأَبِي الْحَسَنِ مَا يُفِيدُهُ، وَأَمَّا إنْ تَعَيَّنَتْ وَلَمْ يَخْشَ تَغَيُّرَهَا فَلَا يَقْطَعُهُ لَهَا وَإِذَا قُلْنَا يَقْطَعُ، فَالظَّاهِرُ حِينَئِذٍ يَبْنِي كَالْفَرِيضَةِ كَمَا فِي شَرْحِ هـ (ص) أَوْ نَسِيَ بَعْضَهُ إنْ فَرَغَ سَعْيُهُ (ش) أَيْ: وَكَذَلِكَ لَا يَبْنِي إذَا نَسِيَ بَعْضًا مِنْ طَوَافِهِ، وَلَوْ بَعْضَ شَوْطٍ حَتَّى فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ وَطَالَ الْأَمْرُ أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، وَأَمَّا إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِأَثَرِ سَعْيِهِ وَلَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ فَإِنَّهُ يَبْنِي كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْجَهْلُ كَالنِّسْيَانِ قَالَ سَنَدٌ إنْ قِيلَ كَيْفَ يَبْنِي بَعْدَ فَرَاغِ السَّعْيِ وَهَذَا تَفْرِيقٌ كَثِيرٌ يَمْنَعُ مِثْلُهُ الْبِنَاءَ فِي الصَّلَاةِ قُلْنَا: لَمَّا كَانَ السَّعْيُ مُرْتَبِطًا بِالطَّوَافِ حَتَّى لَا يَصِحَّ دُونَهُ جَرَى مَعَهُ مَجْرَى الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فَمَنْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى، ثُمَّ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ الْبَقَرَةَ عَادَ إلَى سُجُودِ الْأُولَى، وَإِنَّمَا يُرَاعَى الْقُرْبُ مِنْ الْبُعْدِ لِلْحَالَةِ الَّتِي فَرَغَ فِيهَا مِنْ السَّعْيِ، فَإِنْ قَرُبَ مِنْهَا بَنَى، وَإِنْ بَعُدَ ابْتَدَأَ وَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ.
(ص) وَقَطَعَهُ لِلْفَرِيضَةِ وَنُدِبَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: التُّونُسِيِّ) بَدَلٌ مِنْ ابْنِ جَمَاعَةَ
(قَوْلُهُ: وَسِتَّةُ أَذْرُعٍ إلَخْ) تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ اللَّخْمِيَّ، قَالَ الْحَطَّابُ: وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا طَافَ دَاخِلَ الْحِجْرِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ جَمِيعِ الْحِجْرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَامِلٌ لِلسِّتَّةِ أَذْرُعٍ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا ا. هـ. وَجَعَلَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: مُدَوَّرٌ) تَفْسِيرٌ لِمَحُوطٍ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ وَضْعِ الْخَلِيلِ) أَيْ: الْخَلِيلِ إبْرَاهِيمَ أَيْ: مِنْ بِنَائِهِ (قَوْلُهُ: عَرِيشًا مِنْ أَرَاكٍ تَقْتَحِمُهُ الْغَنَمُ) أَيْ: تَدْخُلُهُ الْغَنَمُ (قَوْلُهُ وَنَصْبِ الْمُقْبِلِ) يَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالِاسْمِ أَيْ: وَبِنَصْبِ وَبِالْفِعْلِ، وَالْأَصْلُ فِي الْفِعْلِ الْوُجُوبُ (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ) أَيْ: وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَرْجِعُونَ بِلَا حَجٍّ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْمُعَلَّى فِي مَنْسَكِهِ وَنَازَعَهُ غَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ: يَرْجِعُونَ بِلَا حَجٍّ لَكِنْ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا الْمُنَازَعَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ مِنْ ذَهَابِ الْجَمَاعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إلَى أَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ طَافَ خَارِجَهُ لَمْ يُجْزِهِ) قَالَ بَعْضٌ وَمِثْلُهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَنْ طَافَ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِجَوَازِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْحَنَابِلَةُ (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلطَّائِفِ الدُّنُوُّ مِنْ الْبَيْتِ إلَخْ) هَذَا فِي الرِّجَالِ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَقَالَ الْبَاجِيُّ: السُّنَّةُ لَهُنَّ خَلَفَ الرِّجَالِ كَالصَّلَاةِ
(قَوْلُهُ: وَوِلَاءً) أَيْ: وَيَكُون وِلَاءً فَهُوَ مَنْصُوبٌ وَيَصِحُّ جَرُّهُ عَطْفًا عَلَى الْمَجْرُورِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّفْرِيقُ يَسِيرًا) أَيْ: فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ كَذَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَلِسَنَدٍ أَيْضًا: أَنَّ التَّفْرِيقَ الْيَسِيرَ لَا يَضُرُّ وَلَكِنَّهُ إنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ كُرِهَ وَنُدِبَ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ انْتَهَى.
(أَقُولُ) : وَهُوَ لَا يُخَالِفُ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَلَّ الْفَصْلُ) ؛ لِأَنَّهَا فِعْلٌ آخَرُ غَيْرُ مَا هُوَ فِيهِ وَيَمْتَنِعُ الْقَطْعُ. (قَوْلُهُ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِنَفَقَةٍ نَسِيَهَا) قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَوْ قِيلَ بِجَوَازِ الْخُرُوجِ لِلنَّفَقَةِ لَكَانَ أَظْهَرُ كَمَا أَجَازُوا قَطْعَ الصَّلَاةِ لِمَنْ أُخِذَ لَهُ مَالٌ لَهُ بَالٌ وَهِيَ أَشَدُّ حُرْمَةً وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ لَمَّا لَمْ يُبَحْ فِيهَا إلَّا يَسِيرَ الْكَلَامِ لِإِصْلَاحِهَا فَقَطْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْدُوحَةٌ فِي الْقَطْعِ لِحِفْظِ مَالِهِ وَلَا كَذَلِكَ الطَّوَافُ فَعَدَمُ حُرْمَةِ الْكَلَامِ فِيهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُوَكِّلُ فِي عَوْدِ نَفَقَتِهِ بِدُونِ قَطْعٍ فَلِذَلِكَ بَطَلَ إنْ قَطَعَ لَهَا وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: إنْ فَرَغَ سَعْيُهُ) أَشْعَرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ فَرَغَ سَعْيُهُ أَنَّ ذَلِكَ فِي طَوَافِ قُدُومٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَا سَعْيَ بَعْدَهُ كَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ وَالتَّطَوُّعِ رُوعِيَ الْقُرْبُ وَالْبُعْدُ مِنْ فَرَاغِهِ مِنْ الطَّوَافِ فَإِنْ قَرُبَ بَنَى، وَإِنْ بَعُدَ ابْتَدَأَ.
(قَوْلُهُ وَقَطَعَهُ لِلْفَرِيضَةِ) أَيْ: لِإِقَامَتِهَا عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ الدُّخُولُ مَعَ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ بِأَيِّ مَحَلٍّ عَلَى رَأْيٍ، أَوْ بِمَقَامِ إبْرَاهِيمَ عَلَى آخَرَ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَبَعْضُ الشُّرَّاحِ إنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا أَصْلًا، أَوْ صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا بِبَيْتِهِ، أَوْ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، أَوْ جَمَاعَةً
كَمَالُ الشَّوْطِ (ش) أَيْ: وَقَطَعَ الطَّوَافَ وُجُوبًا فَرْضًا، أَوْ نَفْلًا لِصَلَاةِ الْفَرِيضَةِ أَيْ لِإِقَامَتِهَا وَيَبْنِي، لَكِنْ يُنْدَبُ لَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ كَمَالُ الشَّوْطِ بِأَنْ يَخْرُجَ مِنْ عِنْدِ الْحِجْرِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِهِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَدْخُلُ مِنْ مَوْضِعٍ خَرَجَ قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَاسْتَحَبَّ ابْنُ حَبِيبٍ أَنْ يَبْتَدِئَ ذَلِكَ الشَّوْطَ، قَالَ بَعْضٌ: وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الْوِفَاقِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الطِّرَازِ. اهـ وَيَبْنِي قَبْلَ تَنَفُّلِهِ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ ابْنُ الْحَاجِبِ، فَإِنْ تَنَفَّلَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ طَوَافَهُ ابْتَدَأَهُ، قَالَ بَعْضٌ: وَكَذَلِكَ إنْ جَلَسَ بَعْدَ الصَّلَاةِ طَوِيلًا لِذِكْرٍ، أَوْ حَدِيثٍ لِتَرْكِ الْمُوَالَاةِ.
(ص) وَبَنَى إنْ رَعَفَ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الطَّائِفَ إذَا حَصَلَ لَهُ رُعَافٌ فَإِنَّهُ يَقْطَعُهُ لِيَغْسِلَ الدَّمَ، ثُمَّ يَبْنِي بِشَرْطِ أَنْ لَا يَمْشِي عَلَى نَجَاسَةٍ، وَلَا يَتَعَدَّى مَوْضِعًا كَمَا فِي الصَّلَاةِ، وَلَوْ قَالَ: وَبَنَى كَأَنْ رَعَفَ لَأَفَادَ الْبِنَاءَ فِي الْقَطْعِ لِلْفَرِيضَةِ، وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِلنَّقْلِ وَيَكُونُ التَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ: بَنَى لَا فِي اسْتِحْبَابِ كَمَالِ الشَّوْطِ؛ لِأَنَّ الْبَانِيَ فِي الرُّعَافِ يَخْرُجُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِهِ.
(ص) أَوْ عَلِمَ بِنَجَسٍ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ طَافَ بِنَجَاسَةٍ فِي بَدَنِهِ، أَوْ ثَوْبِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا إلَّا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ طَوَافِهِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ، وَإِنْ عَلِمَ بِهَا فِي أَثْنَاءِ طَوَافِهِ أَوْ سَقَطَتْ عَلَيْهِ فِي طَوَافِهِ فَإِنَّهُ يَنْزِعُهَا أَوْ يَغْسِلُهَا وَيَبْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ طَوَافِهِ إنْ لَمْ يُطِلْ وَإِلَّا بَطَلَ لِعَدَمِ الْمُوَالَاةِ (ص) وَأَعَادَ رَكْعَتَيْهِ بِالْقُرْبِ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بِالنَّجَاسَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ فَإِنَّهُ يُعِيدُهُمَا اسْتِحْبَابًا إنْ كَانَ الْأَمْرُ قَرِيبًا، فَإِنْ طَالَ الْأَمْرُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِخُرُوجِ الْوَقْتِ بِالْفَرَاغِ مِنْهُمَا، وَيُعْتَبَرُ الْقُرْبُ بِالْعُرْفِ.
(ص) وَعَلَى الْأَقَلِّ إنْ شَكَّ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَعْنَى أَيْ: يَبْنِي عَلَى مَا طَافَ قَبْلَ رُعَافِهِ، أَوْ عِلْمِهِ بِالنَّجَاسَةِ وَعَلَى الْأَقَلِّ أَيْ: الْمُحَقِّقُ إنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الْأَشْوَاطِ مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكِحًا وَإِلَّا بَنَى عَلَى الْأَكْثَرِ وَيَعْمَلُ بِإِخْبَارِ غَيْرِهِ، وَلَوْ وَاحِدًا، وَانْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ بِالشَّكِّ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ حَتَّى يَشْمَلَ الْوَهْمَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ، أَوْ الْوَهْمُ هُنَا لَا يُعْتَبَرُ كَمَا فِي الْوُضُوءِ.
(ص) وَجَازَ بِسَقَائِفَ لِزَحْمَةٍ وَإِلَّا أَعَادَ وَلَمْ يَرْجِعْ لَهُ، وَلَا دَمَ (ش) أَيْ: وَجَازَ الطَّوَافُ بِسَقَائِفَ وَمِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ وَقُبَّةِ الشَّرَابِ، وَلَا يَضُرُّ حَيْلُولَةُ الْأُسْطُوَانَاتِ وَزَمْزَمُ وَالْقُبَّةُ لِأَجْلِ وُجُودِ زَحْمَةٍ انْتَهَتْ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الزِّحَامَ يُصَيِّرُ الْجَمِيعُ مُتَّصِلًا بِالْبَيْتِ كَاتِّصَالِ الزِّحَامِ بِالطُّرُقَاتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِنْ طَافَ فِيمَا ذُكِرَ لَا لِزَحْمَةٍ بَلْ لِحَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ، أَوْ نَحْوِهِمَا أَعَادَ الطَّوَافَ، وَلَوْ تَطَوُّعًا عَلَى مَا يَظْهَرُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يَرْجِعْ لِلطَّوَافِ مِنْ بَلَدِهِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَكَانَتْ السَّقَائِفُ فِي الصَّدْرِ
ــ
[حاشية العدوي]
بِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ صَلَاةِ الْإِمَامِ الْمُؤْتَمِّ بِهِ إذَا كَانَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّاهَا جَمَاعَةً فِيهِ وَأُقِيمَتْ لِلرَّاتِبِ فَهَلْ يَقْطَعُهُ وَيَخْرُجُ؛ لِأَنَّ فِي بَقَائِهِ طَعْنًا عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ تَلَبُّسَهُ بِالطَّوَافِ يَدْفَعُ الطَّعْنَ؟ قُلْتُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ شُيُوخِنَا الثَّانِيَ وَمِثْلُ الْفَرِيضَةِ الْمُقَامَةِ فَرِيضَةٌ حَاضِرَةٌ تَذَكَّرَهَا وَخَشِيَ خُرُوجَ وَقْتِهَا، وَلَوْ الضَّرُورِيَّ لَوْ أَتَمَّ الطَّوَافَ الْفَرْضَ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَطَّابُ بَحْثًا، وَأَمَّا طَوَافُ التَّطَوُّعِ فَلَا إشْكَالَ فِي قَطْعِهِ لَا لِتَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ فَلَا يَقْطَعُهُ لَهَا وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الطَّوَافُ مَنْدُوبًا، وَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَفَرَّقَ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِأَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ يَسِيرِ الْفَوَائِتِ مَعَ الْحَاضِرَةِ مَطْلُوبٌ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ لِلْفَرِيضَةِ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ رُكْنًا، أَوْ وَاجِبًا لِغَيْرِهَا كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالضُّحَى، فَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا فَلَهُ قَطْعُهُ لِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إنْ خَافَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اُنْظُرْ عب. (قَوْلُهُ مِنْ عِنْدِ الْحَجَرِ) أَيْ: الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الْوِفَاقِ) أَيْ: بِأَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: يَدْخُلُ مِنْ مَوْضِعٍ خَرَجَ أَيْ: يُؤْذَنُ لَهُ فِي ذَلِكَ لَا أَنَّ الْمُرَادَ يُطْلَبُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَالْإِذْنُ لَا يُنَافِي اسْتِحْبَابَ ابْتِدَاءِ الشَّوْطِ
(قَوْلُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَمْشِيَ عَلَى نَجَاسَةٍ) أَيْ: وَبِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْعُدَ الْمَكَانُ جِدًّا عَلَى مَا يَظْهَرُ كَمَا فِي الْحَطَّابِ وَأَنْ لَا يَطَأَ نَجَسًا (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَعَدَّى مَوْضِعًا) أَيْ: مَوْضِعًا مُمْكِنًا، وَأَمَّا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَعَدَمُ الْكَلَامِ فَغَيْرُ مُعْتَبَرَيْنِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِمَا هُنَا
(قَوْلُهُ: أَوْ عَلِمَ بِنَجَسٍ) - بِفَتْحِ الْجِيمِ - الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَبْنِي، بَلْ يَبْتَدِئُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَنْزِعُهَا) أَيْ: إنْ أَمْكَنَ نَزْعُهَا وَقَوْلُهُ: أَوْ يَغْسِلُهَا أَيْ: إنْ لَمْ يُمْكِنْ نَزْعُهَا (قَوْلُهُ: لِخُرُوجِ الْوَقْتِ بِالْفَرَاغِ مِنْهُمَا) مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ أَصْلًا (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَقَلِّ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَعْنَى أَيْ: بَنَى عَلَى مَا طَافَ قَبْلَ رُعَافِهِ، أَوْ عِلْمِهِ بِالنَّجَاسَةِ وَعَلَى الْأَقَلِّ (قَوْلُهُ: وَيَعْمَلُ بِإِخْبَارِ غَيْرِهِ) أَيْ: الشَّاكُّ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ مُسْتَنْكِحًا كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ طَائِفًا مَعَهُ كَمَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: هَلْ الْمُرَادُ بِالشَّكِّ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ) وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا فِي شَرْحِ عب وشب.
(قَوْلُهُ: لِزَحْمَةٍ) فَإِنْ ذَهَبَتْ أَثْنَاءَهُ كَمَّلَهُ بِمَكَانِهِ الْمُعْتَادِ وَلَا يَجُوزُ تَجَاوُزُهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ أَشْوَاطِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِضَرُورَةٍ، وَقَدْ زَالَتْ فَإِنْ طَافَ فِي السَّقَائِفِ حِينَ زَوَالِهَا فَانْظُرْ هَلْ يُعِيدُ مَا طَافَهُ بِهَا إنْ كَانَ قَرِيبًا وَإِلَّا أَعَادَ الْجَمِيعَ، أَوْ يُعِيدُ الْجَمِيعَ لِفَصْلِهِ بِمَا طَافَهُ بِهَا حِينَ الِازْدِحَامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَلِيلًا لَا يُعِيدُ إلَّا مَا طَافَهُ بِهَا وَلَا يُعِيدُ الْجَمِيعَ (قَوْلُهُ: وَلَا دَمَ) الْمُعْتَمَدُ لُزُومُ الدَّمِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الزِّحَامَ إلَخْ) هَذِهِ الْعِلَّةُ تَقْتَضِي أَنَّ الطَّوَافَ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِأَنْ يَكُونَ بِالْمَسْجِدِ فَقَطْ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِهِ بِالْبَيْتِ وَهُوَ خِلَافُ إطْلَاقِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: كَاتِّصَالِ الزِّحَامِ بِالطُّرُقَاتِ) أَيْ: كَاتِّصَالِ الزِّحَامِ الَّذِي فِي الْمَسْجِدِ بِمَنْ فِي الطُّرُقَاتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِهِمَا) كَمَطَرٍ.
(أَقُولُ) الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ الْحَرُّ، أَوْ الْبَرْدُ الشَّدِيدُ كَالزَّحْمَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَطَوُّعًا) وَبَعْضُهُمْ قَالَ أَعَادَ فِي الْوَاجِبِ لَا فِي غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَرْجِعْ لِلطَّوَافِ مِنْ بَلَدِهِ) مَفْهُومُهُ لَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ بَلَدِهِ يَرْجِعُ لَهُ وَهُوَ يُعَارِضُ مَفْهُومَ قَوْلِهِ: مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا مِمَّا لَا يَتَعَذَّرُ فِيهِ الرُّجُوعُ (قَوْلُهُ: وَكَانَتْ السَّقَائِفُ فِي الصَّدْرِ
الْأَوَّلِ، ثُمَّ بَنَاهُ الْأَرْوَامُ عُقُودًا كَمَا هُوَ الْآنَ.
، وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى شُرُوطِ الطَّوَافِ مُطْلَقًا شَرَعَ فِي بَقِيَّةِ أَقْسَامِهِ وَهِيَ فِي الْحَجِّ ثَلَاثَةٌ: طَوَافُ قُدُومٍ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ هُنَا، وَإِفَاضَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَوَدَاعٍ وَسَيَأْتِي فَالْأَوَّلُ وَاجِبٌ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا قَالَ (ص) وَوَجَبَ كَالسَّعْيِ قَبْلَ عَرَفَةَ (ش) أَيْ: إنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ طَوَافُ الْقُدُومِ قَبْلَ عَرَفَةَ وَهَذَا يُفِيدُ وُجُوبَهُ وَكَذَا يَجِبُ كَوْنُ السَّعْيِ قَبْلَ عَرَفَةَ، فَقَوْلُهُ: كَالسَّعْيِ تَشْبِيهٌ فِي وُجُوبِ الْقَبْلِيَّةِ فَقَطْ، وَلَيْسَ تَشْبِيهًا تَامًّا إذْ طَوَافُ الْقُدُومِ لَيْسَ بِرُكْنٍ، وَالسَّعْيُ رُكْنٌ.
(ص) إنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ وَلَمْ يُرَاهِقْ وَلَمْ يُرْدِفْ بِحَرَمٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ تَقْدِيمِ طَوَافِ الْقُدُومِ وَالسَّعْيِ قَبْلَ عَرَفَةَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْحِلِّ وَأَنْ لَا يُرَاهِقَ وَأَنْ لَا يُرْدِفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ بِحَرَمٍ، فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ، أَوْ أَرْدَفَ فِيهِ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، أَوْ رَاهَقَ أَيْ: ضَاقَ الزَّمَنُ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَخْشَى الْفَوَاتَ إنْ اشْتَغَلَ بِالطَّوَافِ فَلَا طَوَافَ قُدُومٍ عَلَى مَنْ ذُكِرَ وَيَسْقُطُ عَنْهُمْ قَبْلِيَّةُ السَّعْيِ أَيْضًا لِوُجُوبِ إيقَاعِهِ عَقِبَ أَحَدِ طَوَافَيْ الْحَجِّ، وَقَدْ سَقَطَ عَنْهُمْ طَوَافُ الْقُدُومِ، وَإِذَا سَقَطَ عَنْهُمْ قَبْلِيَّةُ السَّعْيِ فَإِنَّهُمْ يَسْعَوْنَ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ الْبَاقِي مِنْ طَوَافَيْهِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ:(وَإِلَّا سَعَى بَعْدَ الْإِفَاضَةِ) أَيْ: وَإِنْ انْخَرَمَ شَرْطٌ مِمَّا تَقَدَّمَ فَلَا طَوَافَ قُدُومٍ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يَسْعَى بَعْدَ الْإِفَاضَةِ، وَلَا دَمَ، قَوْلُهُ: وَإِلَّا سَعَى بَعْدَ الْإِفَاضَةِ فِيهِ حَذْفُ الْوَاوِ مَعَ مَا عَطَفَتْ أَيْ: وَإِلَّا سَعَى بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَتَرَكَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ حِينَئِذٍ، وَقَوْلُهُ: إنْ أَحْرَمَ إلَخْ شُرُوطٌ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ وَلِمَا قَبْلَهَا أَيْ: كَمَا يَجِبُ طَوَافُ الْقُدُومِ وَالسَّعْيُ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَيَصِحُّ فِي يُرَاهِقُ كَسْرُ الْهَاءِ وَفَتْحُهَا أَيْ: يُقَارِبُ الْوَقْتَ بِحَيْثُ يَخْشَى الْفَوَاتَ إنْ اشْتَغَلَ بِالطَّوَافِ أَيْ: وَلَمْ يَضِقْ زَمَانُهُ.
(ص) وَإِلَّا فَدَمٌ إنْ قَدَّمَ وَلَمْ يُعِدْ (ش) تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَّ شَرْطٌ مِمَّا مَرَّ بِأَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْحَرَمِ، أَوْ أَرْدَفَ فِيهِ فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ السَّعْيَ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَذَكَرَ هُنَا أَنَّهُ لَوْ خَالَفَ وَقَدَّمَ السَّعْيَ وَلَمْ يُؤَخِّرْهُ بَلْ أَوْقَعَهُ بَعْدَ طَوَافِ تَطَوُّعٍ، أَوْ فَرْضٍ بِأَنْ نَذَرَهُ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُعِدْهُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ دَمًا لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ تَأْخِيرِهِ، ثُمَّ إنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: وَإِلَّا فَدَمٌ إلَخْ الْمُزَاحِمُ إذَا تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ وَطَافَ وَسَعَى قَبْلَ عَرَفَةَ فَإِنَّ هَذَا لَا إعَادَةَ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِمَّنْ أَحْرَمَ بِالْحَرَمِ، أَوْ أَرْدَفَهُ بِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ لَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ.
وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَرْطِ الرُّكْنِ الثَّالِثِ تَقَدُّمُ طَوَافٍ كَمَا يَأْتِي عَطَفَهُ عَلَيْهِ بِمَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ فَقَالَ (ص) ثُمَّ السَّعْيُ سَبْعًا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْهُ الْبَدْءُ مَرَّةً وَالْعَوْدُ أُخْرَى (ش) أَيْ: ثُمَّ الرُّكْنُ الثَّالِثُ السَّعْيُ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِشُرُوطٍ: كَوْنِهِ سَبْعًا لَا أَنْقَصَ، وَكَوْنِهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَكَوْنِ الْبَدْءِ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ وَمِنْ الْمَرْوَةِ إلَى
ــ
[حاشية العدوي]
الْأَوَّلِ) أَيْ: فَالْمُرَادُ مَا كَانَ مَسْقُوفًا فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا السَّقَائِفُ الْمَوْجُودَةُ الْآنَ فَلَا يَجُوزُ الطَّوَافُ فِيهَا لِزَحْمَةٍ وَلَا لِغَيْرِهَا وَقَالَ فِي ك وَقَوْلُهُ: وَجَازَ بِسَقَائِفَ إلَخْ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ زَمَانِنَا هَذَا فَإِنَّ السَّقَائِفَ كَانَتْ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالسَّقَائِفُ خَارِجَةٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا مَزِيدَةٌ فِيهِ فَالطَّوَافُ فِيهَا خَارِجُ الْمَسْجِدِ وَهُوَ بَاطِلٌ، سَوَاءٌ كَانَ لِزَحْمَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا ا. هـ. مِنْ كَبِيرِهِ.
(أَقُولُ) : إذَا كَانَتْ السَّقَائِفُ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلِأَيِّ شَيْءٍ اُشْتُرِطَ فِي الطَّوَافِ فِيهَا الزَّحْمَةُ فَهَذَا لَا يَظْهَرُ إلَّا إذَا كَانَتْ تِلْكَ السَّقَائِفُ الَّتِي فِي الْأَزْمِنَةِ السَّابِقَةِ بِمَثَابَةِ الرِّحَابِ وَالطُّرُقِ الْمُتَّصِلَةِ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَاجِبٌ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ قِيلَ: سُنَّةٌ وَقِيلَ: رُكْنٌ كَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ. (قَوْلُهُ: وَوَجَبَ) فَاعِلُ وَجَبَ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ عَائِدٌ عَلَى طَوَافِ الْقُدُومِ فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْقُدُومِ ذِكْرٌ فَكَيْفَ يَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَيْهِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ: قَبْلَ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ طَوَافٌ لِلْحَجِّ قَبْلَ عَرَفَةَ إلَّا طَوَافَ الْقُدُومِ، وَأَمَّا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَهُوَ مُؤَخَّرٌ عَنْ عَرَفَةَ كَطَوَافِ الْوَدَاعِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا يُفِيدُ وُجُوبَهُ إلَخْ) أَيْ: فَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ وُجُوبَ طَوَافِ الْقُدُومِ فِي نَفْسِهِ لَا سُنِّيَّتِهِ وَوُجُوبُ قَبْلِيَّتِهِ لِعَرَفَةَ الَّذِي هُوَ وَجْهُ الشَّبَهِ هَكَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَفِيهِ شَيْءٌ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا قِيلَ، وَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمْ يُعْهَدْ تَرْتِيبٌ وَاجِبٌ بَيْنَ وَاجِبٍ وَسُنَّةٍ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ تَشْبِيهًا تَامًّا) فِيهِ أَنَّ غَايَةَ مَا يُفْهَمُ مِنْ التَّشْبِيهِ وُجُوبُ الْقَبْلِيَّةِ فَلَا يُعْقَلُ تَمَامٌ حَتَّى يَنْفِيَ فَتَدَبَّرْ.
(تَنْبِيهٌ) : إنَّمَا يَجِبُ طَوَافُ الْقُدُومِ فِي حَقِّ غَيْرِ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَمَجْنُونٍ وَمَغْمِيٍّ عَلَيْهِ وَنَاسٍ إلَّا أَنْ يَزُولَ مَانِعُ كُلٍّ وَيَتَّسِعُ الزَّمَنُ فَيَجِبُ
(قَوْلُهُ: إنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ) أَيْ: أَحْرَمَ مِنْهُ بِالْفِعْلِ كَانَ الْإِحْرَامُ مِنْهُ وَاجِبًا كَالْآفَاقِيِّ الْقَادِمِ مِنْ بَلَدِهِ، أَوْ مَنْدُوبًا كَالْمُقِيمِ فِي مَكَّةَ إذَا كَانَ مَعَهُ نَفَسٌ مِنْ الْوَقْتِ وَخَرَجَ لِلْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ طَوَافُ الْقُدُومِ أَوْ طُلِبَ مِنْهُ الْإِحْرَامُ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ لَكِنْ اقْتَحَمَ النَّهْيَ وَأَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ) أَيْ: لِكَوْنِهِ مُقِيمًا بِمَكَّةَ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا سَعَى بَعْدَ الْإِفَاضَةِ) مِنْ ذَلِكَ نَاسٍ وَحَائِضٌ وَنُفَسَاءُ وَمَجْنُونٌ وَمَغْمِيٌّ عَلَيْهِ لَمْ يَزُلْ عُذْرُهُمْ حَتَّى حَصَلَ الْوُقُوفُ أَيْ: أَوْ قَبْلَ الْوُقُوفِ لَكِنْ لَا يُمْكِنُهُمْ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: أَيْ: كَمَا يَجِبُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ يَكُونُ قَبْلَ الْكَافِ (قَوْلُهُ: أَيْ: يُقَارِبُ الْوَقْتَ) هَذَا رَاجِعٌ لِقِرَاءَةِ الْكَسْرِ، وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ الْفَتْحِ فَتُفَسَّرُ بِأَنَّهُ لَمْ يُزَاحِمْهُ الْوَقْتُ
(قَوْلُهُ: فَإِنَّ هَذَا لَا إعَادَةَ إلَخْ) وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ لَوَّحَ لِهَذَا بِقَوْلِهِ: إنْ قَدِمَ إذْ هَذَا لَمْ يَقْدُمْ، بَلْ أَوْقَعَهُ فِي مَحَلِّهِ الَّذِي خُوطِبَ بِهِ فِي الْأَصْلِ.
(قَوْلُهُ: الْبَدْءُ مَرَّةً) حَالٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ الْبَدْءُ فِي حَالِ كَوْنِهِ مَرَّةً وَقَوْلُهُ وَالْعَوْدُ أُخْرَى الْعَوْدُ مُبْتَدَأٌ وَأُخْرَى خَبَرٌ كَذَا قِيلَ، وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ أُخْرَى حَالًا وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ: وَالْعَوْدُ إلَيْهِ فِي حَالِ كَوْنِهِ مَرَّةً أُخْرَى كَأَنَّهُ يَحُومُ بِهَذَا عَلَى إفَادَةِ حُكْمَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الِابْتِدَاءَ مِنْ الصَّفَا، وَالثَّانِي أَنَّ الْبَدْءَ شَوْطٌ وَالْعَوْدَ شَوْطٌ آخَرُ وَقَالَ
الصَّفَا وَمِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ سَبْعًا فَلَوْ بَدَأَ مِنْ الْمَرْوَةِ أَلْغَى ذَلِكَ الشَّوْطَ وَإِلَّا صَارَ تَارِكًا لِشَوْطٍ مِنْهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الطَّوَافِ وَلَمْ نَجْعَلْهُ مَعْطُوفًا عَلَى الْإِحْرَامِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَعْطُوفَاتُ إذَا تَعَدَّدَتْ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ لِتَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ ذَلِكَ بِمَعْطُوفٍ غَيْرِ الْفَاءِ وَثُمَّ.
(ص) وَصِحَّتُهُ بِتَقَدُّمِ طَوَافٍ وَنَوَى فَرْضِيَّتَهُ وَإِلَّا فَدَمٌ (ش) أَيْ: وَشَرْطُ صِحَّةِ السَّعْيِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ طَوَافٌ أَيًّا كَانَ وَاجِبًا كَطَوَافِ الْقُدُومِ لِلْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ، أَوْ رُكْنًا كَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالْعُمْرَةِ، أَوْ تَطَوُّعًا كَطَوَافِ الْوَدَاعِ وَطَوَافِ الْمُحْرِمِ مِنْ الْحَرَمِ وَالْمُرْدِفِ فِيهِ، فَلَوْ سَعَى مِنْ غَيْرِ طَوَافٍ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ السَّعْيُ بِلَا خِلَافٍ ابْنُ عَرَفَةَ.
وَالْمَذْهَبُ شَرَطَ كَوْنَهُ بَعْدَ طَوَافٍ، لَكِنْ إنْ وَقَعَ بَعْدَ طَوَافِ فَرْضٍ فَيُسَنُّ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْفَرْضَ، وَإِنْ وَقَعَ بَعْدَ طَوَافِ تَطَوُّعٍ، أَوْ فَرْضٍ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ الْفَرْضَ، وَهُوَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ عَدَمَ لُزُومِ الْإِتْيَانِ بِهِ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إلَّا لِبَعْضِ الْجَهَلَةِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ فَإِنَّهُ لَا يَسْعَى بَعْدَهُ، فَإِنْ سَعَى أَعَادَهُ بَعْدَ طَوَافٍ يَنْوِي فَرْضِيَّتَهُ أَيْ: وَهُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ إنْ لَمْ يَكُنْ وُقُوفٌ بِعَرَفَةَ وَإِلَّا فَاتَ طَوَافُ الْقُدُومِ فَيُعِيدُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ إنْ كَانَ قَدْ فَعَلَهُ وَيَسْعَى بَعْدَهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا فَإِنْ تَبَاعَدَ عَنْهَا فَدَمٌ فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَنَوَى فَرْضِيَّتَهُ أَيْ: عَلَى سَبِيلِ السُّنِّيَّةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِيَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَإِلَّا فَدَمٌ، وَقَوْلُهُ: وَنَوَى فَرْضِيَّتَهُ أَيْ: إنْ كَانَ مِنْ الْأَطْوَافِ الْفَرْضِ، وَلَا يُرِيدُ أَنَّ غَيْرَ الْفَرْضِ يَنْوِي بِهِ الْفَرْضَ، وَفِي قَوْلِهِ: وَإِلَّا فَدَمٌ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ عَدَمُ الْأَمْرِ بِالْإِعَادَةِ وَلَوْ كَانَ قَرِيبًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
، وَلَمَّا قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ شُرُوطَ الطَّوَافِ عَلَى الْعُمُومِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ طَوَافَ عُمْرَةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا شَرَعَ يَذْكُرُ حُكْمَ مَا إذَا فَسَدَ الطَّوَافُ لِفَقْدِ شَرْطٍ مِنْ طَهَارَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا، وَإِنَّ الرُّجُوعَ يَجِبُ لِفَسَادِ أَحَدِ أَطْوَافِهِ ثَلَاثَةً لَا غَيْرُ فَقَالَ مُشِيرًا إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ:(ص) وَرَجَعَ إنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ عُمْرَةٍ حَرَمًا (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْمُعْتَمِرَ إذَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ طَوَافًا غَيْرَ صَحِيحٍ بِأَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، أَوْ تَرَكَ الطَّوَافَ كُلَّهُ، أَوْ بَعْضَهُ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مُحْرِمًا لِبَقَائِهِ عَلَى إحْرَامِهِ فَيَطُوفُ وَيَسْعَى، وَإِنْ كَانَ حَلَقَ رَأْسَهُ
ــ
[حاشية العدوي]
اللَّقَانِيِّ وَنَصْبُ مَرَّةٍ عَلَى الْحَالِ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّهَا وَجَمِيعَ أَخَوَاتِهَا مِنْ طَوْرًا أَوْ فَوْرًا وَتَارَةً مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَسَبْعًا مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَقَعَ خِلَافٌ فِي " مَرَّةً وَتَارَةً وَطَوْرًا " هَلْ هِيَ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، أَوْ الْمَصْدَرِيَّةِ؟ أَيْ: فَعَلَى الظَّرْفِيَّةِ يَكُونُ مَرَّةً خَبَرًا وَالتَّقْدِيرُ الْبَدْءُ فِي حَالِ كَوْنِهِ مِنْهُ كَائِنٌ فِي مَرَّةٍ، وَعَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ فَالْمَعْنَى الْبَدْءُ كَائِنٌ مِنْهُ كَيْنُونَةً مَرَّةً إلَخْ.
(تَتِمَّةٌ) مِنْ شُرُوطِ السَّعْيِ مُوَالَاتُهُ فِي نَفْسِهِ وَيُغْتَفَرُ التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ كَصَلَاتِهِ أَثْنَاءَهُ عَلَى جِنَازَةٍ، أَوْ بَيْعِهِ، أَوْ اشْتِرَائِهِ شَيْئًا، أَوْ جَلَسَ مَعَ أَحَدٍ أَوْ وَقَفَ مَعَهُ يُحَدِّثُهُ وَلَمْ يُطِلْ فَيَبْنِي مَعَهُ وَلَا يَنْبَغِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ كَثُرَ التَّفْرِيقُ لَمْ يَبْنِ وَابْتَدَأَهُ، فَإِنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِيهِ لَمْ يَقْطَعْ بِخِلَافِ الطَّائِفِ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَسْجِدِ وَعَدَمُ قَطْعِهِ فِيهِ طَعْنٌ عَلَى الْإِمَامِ، وَأَمَّا الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ فَفِي الْحَطَّابِ أَنَّ اتِّصَالَهُ بِالطَّوَافِ شَرْطٌ، وَفِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ سُنَّةٌ، وَالصَّفَا أَفْضَلُ مِنْ الْمَرْوَةِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ مِنْهُ أَرْبَعٌ وَمِنْ الْمَرْوَةِ ثَلَاثٌ وَمَا كَانَتْ الْعِبَادَةُ فِيهِ أَكْثَرُ فَهُوَ أَفْضَلُ
(قَوْلُهُ: وَنَوَى) الْوَاوُ لِلِاسْتِئْنَافِ وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ حَالِ الطَّوَافِ الَّذِي قَالَ فِيهِ وَصِحَّتُهُ بِتَقَدُّمِ طَوَافٍ وَهِيَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّ سَائِلًا سَأَلَهُ مَا حَالُ هَذَا الطَّوَافِ فَقَالَ أَكْمَلُ أَحْوَالِهِ إنْ كَانَ وَاجِبًا وَنَوَى فَرْضِيَّتَهُ فَلَا دَمَ وَإِلَّا فَالدَّمُ لَا لِلْعَطْفِ وَلَا لِلْحَالِ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ (قَوْلُهُ: فَرْضِيَّتَهُ) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْوَاجِبَ قَالَ فِي ك وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْفَرْضَ أَيْ: الْوَاجِبَ تَبَعًا لِلْمُدَوَّنَةِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى هَذَا الِاصْطِلَاحِ الْحَادِثِ وَهُوَ تَخْصِيصُ الْوَاجِبِ بِمَا يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ وَالْفَرْضُ بِالرُّكْنِ (قَوْلُهُ، وَإِنْ وَقَعَ بَعْدَ طَوَافِ تَطَوُّعٍ) أَيْ: أَرَادَ إيقَاعَهُ بَعْدَ طَوَافِ تَطَوُّعٍ بِقَرِينَةٍ، قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَسْعَى بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ إلَخْ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ لُزُومَ الْإِتْيَانِ بِهِ فَإِنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ يَنْتِجُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى نَوَى وُجُوبَهُ، أَوْ فَرْضِيَّتَهُ، أَوْ لَمْ يَنْوِ إلَّا أَنَّهُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ، أَوْ فَرْضِيَّتَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَعْدَهُ السَّعْيُ وَلَا دَمَ، وَكَذَا لَوْ نَوَى سُنِّيَّتَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ رُكْنٍ بَلْ وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ، أَوْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ ذَلِكَ لَكِنَّهُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَعْدَهُ السَّعْيُ أَيْضًا وَلَا دَمَ، وَأَمَّا لَوْ نَوَى سُنِّيَّتَهُ بِمَعْنَى أَنَّ لَهُ تَرْكَهُ وَفِعْلَهُ، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَكَانَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ كَانَ مِنْ الطَّوَافِ النَّفْلِ الَّذِي لَا بُدَّ فِي السَّعْيِ الْوَاقِعِ بَعْدَهُ مِنْ دَمٍ حَيْثُ تَبَاعَدَ مِنْ مَكَّةَ، أَوْ رَجَعَ لِبَلَدِهِ وَلَمْ يُعِدْهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ سَعَى أَعَادَهُ بَعْدَ طَوَافٍ إلَخْ) فَحِينَئِذٍ لَوْ كَانَ طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ وَكَانَ مِنْ الْجَهَلَةِ الَّذِينَ لَا يَعْتَقِدُونَ وُجُوبَهُ وَسَعَى بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ طَوَافَ الْقُدُومِ نَاوِيًا وُجُوبَهُ وَيُعِيدُ السَّعْيَ بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: إلَخْ) هَذَا لَا يُنْتِجُ السُّنِّيَّةَ، بَلْ يُنْتَجُ الْوُجُوبَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَدْته ذَكَرَ فِي ك مَا نَصُّهُ وَصَرَّحَ السُّودَانِيُّ بِأَنَّ حُكْمَ نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ وَاجِبٌ بِدَلِيلِ أَنَّ فِي تَرْكِهَا الدَّمَ إذْ لَوْ كَانَ سُنَّةً لَمَا وَجَبَ بِتَرْكِهَا الدَّمُ وَنَصُّهُ: وَنَوَى فَرْضِيَّتَهُ أَيْ: فَرْضِيَّةَ ذَلِكَ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَقَوَّى ذَلِكَ مُحَشِّي تت قَائِلًا: إذْ السُّنَّةُ لَا تَنْجَبِرُ بِالدَّمِ إلَّا بِالتَّسَامُحِ فِي إطْلَاقِ السُّنَّةِ عَلَى الْوَاجِبِ الْمُنْجَبِرِ بِالدَّمِ
(قَوْلُهُ: حَرَمًا) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ رَجَعَ وَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ يُرَادُ مِنْهُ اسْمُ الْفَاعِلِ أَيْ: مُحْرِمًا وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَبِّرَ بِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَرَكَ الطَّوَافَ كُلَّهُ) هَذِهِ يَصْدُقُ بِهَا الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ السَّالِبَةَ تَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ
فَإِنَّهُ يَفْتَدِي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَافْتَدَى لِحَلْقِهِ) وَأَعَادَهُ إنْ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَلَقَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِتَأْخِيرِهِ،، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَصَابَ النِّسَاءَ فَسَدَتْ فَيُتِمُّهَا، ثُمَّ يَقْضِيهَا مِنْ الْمِيقَاتِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ وَيَفْتَدِي وَعَلَيْهِ لِكُلِّ صَيْدٍ أَصَابَهُ الْجَزَاءَ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ لِلُبْسِهِ، أَوْ طِيبِهِ وَيَجْرِي الِاتِّحَادُ وَالتَّعَدُّدُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَاتَّحَدَتْ إنْ ظَنَّ الْإِبَاحَةَ إلَخْ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ، قَوْلُهُ: وَرَجَعَ إلَخْ بِمَا إذَا لَمْ يَتَطَوَّعْ بِطَوَافٍ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَإِلَّا فَيُجْزِئُ، وَلَا يَرْجِعُ كَمَا قِيلَ فِي الْإِفَاضَةِ كَمَا يَأْتِي وَلَكِنْ عَلَيْهِ هُنَا دَمٌ إنْ تَبَاعَدَ عَنْ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ غَيْرِ فَرْضٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَصِحَّتُهُ بِتَقَدُّمِ طَوَافٍ وَنَوَى فَرْضِيَّتَهُ وَإِلَّا فَدَمٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْقُدُومِ.
(ص)، وَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ سَعْيِهِ بِحَجٍّ فَقَارِنٌ (ش) أَيْ: وَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ سَعْيِهِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الطَّوَافِ غَيْرِ الصَّحِيحِ فَهُوَ قَارِنٌ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ الْفَاسِدَ كَالْعَدَمِ فَالْإِحْرَامُ حِينَئِذٍ وَاقِعٌ قَبْلَ الطَّوَافِ وَحَيْثُ وَقَعَ قَبْلَهُ يَكُونُ قَارِنًا وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ بَعْدَ السَّعْيِ وَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: بِحَجٍّ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ لَكَانَ تَحَلُّلُهُ مِنْ الثَّانِيَةِ تَحَلُّلًا مِنْ الْأُولَى وَقَالَهُ سَنَدٌ (ص) كَطَوَافِ الْقُدُومِ (ش) هَذَا تَشْبِيهٌ فِي الرُّجُوعِ لَا فِي صِفَتِهِ وَالْمَعْنَى: أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ إذَا تَبَيَّنَ فَسَادُهُ، وَقَدْ أَوْقَعَ السَّعْيَ بَعْدُ وَلَمْ يُعِدْهُ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ حَلَالًا لَكِنَّ الرُّجُوعَ هُنَا فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ لِطَوَافِ الْقُدُومِ، بَلْ لِلسَّعْيِ فَلِهَذَا قَالَ (إنْ سَعَى بَعْدَهُ وَاقْتَصَرَ) عَلَيْهِ وَلَمْ يُعِدْهُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، فَإِنْ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى السَّعْيِ، بَلْ أَعَادَهُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ أَيْ: أَوْ بَعْدَ طَوَافِ تَطَوُّعٍ لَمْ يَرْجِعْ لِلطَّوَافِ عَلَى مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: وَنَوَى فَرْضِيَّتَهُ.
(ص) وَالْإِفَاضَةُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَهُ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ نَسِيَهُ، أَوْ بَعْضَهُ حَتَّى وَصَلَ إلَى بَلَدِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لَهُ وُجُوبًا حَلَالًا إلَّا أَنْ يَكُونَ طَافَ بَعْدَهُ تَطَوُّعًا فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَلَا يَرْجِعُ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ تَطَوُّعَاتِ الْحَجِّ تُجْزِئُ عَنْ وَاجِبِ جِنْسِهَا، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَلَا دَمَ) لِمَا تَرَكَ مِنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ أَرْكَانَ الْحَجِّ لَا تَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ وَكَذَا بَقِيَّةُ أَفْعَالِهِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَنْسَحِبُ عَلَيْهَا كَمَا يَنْسَحِبُ إحْرَامُ الصَّلَاةِ عَلَى أَفْعَالِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، سَوَاءٌ وَقَعَ مِنْهُ نِسْيَانًا، أَوْ عَمْدًا وَعَلَيْهِ حَمْلُهُ ح وَاسْتَظْهَرَ بَعْضٌ حَمْلَهُ عَلَى النِّسْيَانِ لِقَوْلِ الْجُزُولِيِّ فِي بَابِ جُمَلٍ مِنْ الْفَرَائِضِ:" لَا خِلَافَ فِيمَا إذَا طَافَ لِلْوَدَاعِ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْإِفَاضَةِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ " اهـ.
قَوْلُهُ: وَلَا دَمَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: كَطَوَافِ الْقُدُومِ إنْ سَعَى بَعْدَهُ وَاقْتَصَرَ إلَخْ، وَلِقَوْلِهِ: وَالْإِفَاضَةُ، وَكَذَا، قَوْلُهُ:(حِلًّا إلَّا مِنْ نِسَاءٍ وَصَيْدٍ وَكُرِهَ الطِّيبُ) أَيْ: مَنْ طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ عَلَى
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي إلَخْ) أَيْ: وَأَمَّا لَوْ تَطَوَّعَ بِطَوَافٍ بَعْدَ أَنْ تَبَيَّنَ لَهُ فَسَادُ الطَّوَافِ الرُّكْنِيِّ وَسَعَى بَعْدَ ذَلِكَ الطَّوَافِ التَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ إذَا بَعُدَ يَلْزَمُهُ الدَّمُ وَلَا يُطَالَبُ بِالرُّجُوعِ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْقُدُومِ) قَالَ فِي ك فَقَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَهُ غَيْرَ خَاصٍّ بِالْإِفَاضَةِ أَيْ: أَنَّهُ إذَا كَانَ طَوَافُ الْقُدُومِ غَيْرَ صَحِيحٍ وَلَكِنْ قَدْ سَعَى بَعْدَهُ، ثُمَّ طَافَ تَطَوُّعًا وَسَعَى بَعْدَهُ فَيُجْزِئُ وَعَلَيْهِ دَمٌ إنْ تَبَاعَدَ عَنْ مَكَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ سَعْيِهِ) مَفْهُومُهُ أَحْرَوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَكُون مُتَمَتِّعًا) أَيْ: إنْ حَلَّ مِنْ عَرَفَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ: لَكَانَ تَحَلُّلُهُ مِنْ الثَّانِيَةِ تَحَلُّلًا مِنْ الْأُولَى) أَيْ:؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَمْ تَنْعَقِدْ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ أَنَّ الثَّانِيَةَ انْعَقَدَتْ فَيُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: تَشْبِيهٌ فِي الرُّجُوعِ لَا فِي صِفَتِهِ) أَيْ: الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَرْجِعُ حَرَمًا وَهُنَا يَرْجِعُ حِلًّا (قَوْلُهُ: بَلْ أَعَادَهُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ) أَيْ: قُدِّرَ أَنَّهُ أَوْقَعَهُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ أَوْقَعَهُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَأَوْلَى إذَا تَذَكَّرَ أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ فَاسِدٌ فَإِنْ لَمْ يُعِدْهُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ طَوَافَهَا ثُمَّ يَسْعَى فَيُتِمَّ تَحَلُّلَهُ مِنْ الْحَجِّ، قَالَ بَعْضٌ: وَيَنْوِي بِطَوَافِهِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ قَبْلَ السَّعْيِ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ فَاتَ مَحَلُّهُ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَلَزِمَهُ إعَادَةُ السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَلَمَّا لَمْ يُعِدْهُ بَعْدَ طَوَافِهَا بَطَلَ طَوَافُهَا فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ وَصَارَ كَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيِ فَيُعِيدُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَهُ) ظَاهِرُهُ إجْزَاءُ التَّطَوُّعِ عَنْ الْفَرْضِ، سَوَاءٌ رَجَعَ لِبَلَدِهِ أَمْ لَا، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ قَالَ: فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ طُلِبَ بِالْإِعَادَةِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ ابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَنَّ إجْزَاءَ التَّطَوُّعِ عَنْ غَيْرِهِ خَاصٌّ بِالْحَجِّ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَانْظُرْ هَلْ يَنُوبُ طَوَافُ التَّطَوُّعِ عَنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ؟ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا دَمَ لِمَا تَرَكَ مِنْ النِّيَّةِ) أَيْ: أَنَّ هَذَا التَّطَوُّعَ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ لَمْ يُلَاحِظْ أَنَّهُ فَرْضٌ، بَلْ لَاحَظَ أَنَّهُ تَطَوُّعٌ (قَوْلُهُ إذَا طَافَ لِلْوَدَاعِ) أَيْ: مُلَاحِظًا أَنَّهُ وَدَاعٌ (قَوْلُهُ: وَلَا دَمَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ كَطَوَافِ الْقُدُومِ) هَذَا خِلَافُ مَا أَفَادَهُ أَوَّلًا مِنْ رُجُوعِهِ لِقَوْلِهِ: وَالْإِفَاضَةُ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَعَادَ السَّعْيَ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لَا بَعْدَ طَوَافِ تَطَوُّعٍ (قَوْلُهُ: حِلًّا) فَيَكْمُلُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ بِإِحْرَامِهِ الْأَوَّلِ وَلَا يُجَدِّدُ إحْرَامًا؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَلَا يُلَبِّي فِي طَرِيقِهِ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ قَدْ انْقَضَتْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ قُدُومِهِ يُعِيدُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ إنْ كَانَ طَافَهَا ثُمَّ يَسْعَى بَعْدَهُ وَاَلَّذِي لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ إفَاضَتِهِ يَطُوفُ لِلْإِفَاضَةِ فَقَطْ وَلَا يَحْلِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ حَلَقَ بِمِنًى فَإِنْ قِيلَ الرُّجُوعُ حِلًّا يَلْزَمُهُ عَلَيْهِ دُخُولُ مَكَّةَ حَلَالًا وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا حِلٌّ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ تَحَلَّلَ التَّحَلُّلَ الْأَصْغَرَ وَلَمْ يَتَحَلَّلْ الْأَكْبَرَ؛ لِأَنَّ الْإِفَاضَةَ عَلَيْهِ فَهُوَ حَلَالٌ حُكْمًا وَغَيْرُ حِلٍّ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ وَالصَّيْدُ وَيُكْرَهُ الطِّيبُ (قَوْلُهُ إلَّا مِنْ نِسَاءٍ وَصَيْدٍ) فَإِنَّهُ يَجْتَنِبُهُمَا وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُحِلُّهُمَا إلَّا التَّحَلُّلَ الْأَكْبَرَ الَّذِي هُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ الطِّيبُ) ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ مِنْهُ التَّحَلُّلُ الْأَصْغَرُ وَهُوَ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَتَحَلُّلُهُ لَهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْإِحْرَامِ بِالْكُلِّيَّةِ
غَيْرِ وُضُوءٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ حَلَالًا حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ طَوَافُهُ بَطَلَ سَعْيُهُ، وَكَذَلِكَ إذَا طَافَ لِلْإِفَاضَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وُجُوبًا حِلًّا حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ إلَّا مِنْ النِّسَاءِ وَالصَّيْدِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحَلِّلُهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا التَّحَلُّلُ الْأَكْبَرُ، وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ كَمَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ: وَحَلَّ بِهِ مَا بَقِيَ، وَأَمَّا مَسُّ الطِّيبِ فَيُكْرَهُ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ فِي مَسِّهِ، فَقَوْلُهُ: حِلًّا حَالٌ مِنْ فَاعِلِ رَجَعَ أَيْ: رَجَعَ الْمُقَدَّرُ بَعْدَ الْكَافِ.
(ص) وَاعْتَمَرَ وَالْأَكْثَرُ إنْ وَطِئَ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ قُدُومِهِ، أَوْ إفَاضَتِهِ وَرَجَعَ حَلَالًا وَأَكْمَلَ كُلَّ إحْرَامِهِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ وَيَأْتِي بِعُمْرَةٍ، سَوَاءٌ حَصَلَ مِنْهُ وَطْءٌ أَمْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ زَادَ وَيُهْدِي وَقِيلَ لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ إلَّا إنْ وَطِئَ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لِأَجْلِ الْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِي الطَّوَافِ بِتَقْدِيمِ الْوَطْءِ فَأَمَرَ أَنْ يَأْتِيَ بِطَوَافٍ صَحِيحٍ لَا وَطْءَ قَبْلَهُ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْعُمْرَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطَأْ، وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ شَيْءٌ اُنْظُرْ وَجْهُهُ فِي شَرْحِنَا الْكَبِيرِ.
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْأَرْكَانِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ الْمُخْتَصِّ بِالْحَجِّ فَقَالَ (ص) وَلِلْحَجِّ حُضُورُ جُزْءِ عَرَفَةَ (ش) أَيْ: وَالرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمُخْتَصُّ بِالْحَجِّ خَاصَّةً دُونَ الْعُمْرَةِ وُقُوفٌ بِعَرَفَةَ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ مِنْ الْوُقُوفِ مَعْنَاهُ لُغَةً، بَلْ مُطْلَقُ الطُّمَأْنِينَةِ وَالْكَوْنُ بِهَا، سَوَاءٌ كَانَ وَاقِفًا أَوْ جَالِسًا، أَوْ مُضْطَجِعًا وَكَيْفَمَا تَصَوَّرَ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:" حُضُورُ "، وَإِنَّمَا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ الْوُقُوفَ؛ لِأَنَّهُ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّ أَكْثَرِ النَّاسِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِمَوْضِعٍ مِنْهَا فَضْلٌ عَلَى غَيْرِهِ إذَا وَقَفَ مَعَ النَّاسِ عَبَّرَ بِمَا يَشْمَلُ جَمِيعَهَا فَقَالَ:" جُزْءِ " عَرَفَةَ الدَّالِّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْحُضُورِ فِي أَيٍّ كَانَ مِنْهَا، وَإِضَافَةُ " حُضُورُ " إلَى " جُزْءِ " عَلَى مَعْنَى فِي، وَإِضَافَةُ " جُزْءِ إلَى عَرَفَةَ عَلَى مَعْنَى مِنْ أَيْ: الْكَوْنُ فِي جُزْءٍ مِنْ عَرَفَةَ أَيِّ جُزْءٍ مِنْ عَرَفَةَ أَيِّ جُزْءٍ مِنْهَا، لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَقِفَ مَعَ النَّاسِ وَيُكْرَهُ الْبُعْدُ عَنْهُمْ وَأَنْ يَقِفَ عَلَى جِبَالِ عَرَفَةَ؛ وَالْقُرْبُ مِنْ الْهِضَابِ حَيْثُ يَقِفُ الْإِمَامُ أَفْضَلُ، وَالْهِضَابُ جَمْعُ هَضْبَةٍ بِوَزْنِ تَمْرَةٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ هُوَ الْجَبَلُ الْمُنْبَسِطُ عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ جَبَلٌ خُلِقَ مِنْ صَخْرَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ الْجَبَلُ الطَّوِيلُ الْمُتَمَنِّعُ الْمُنْفَرِدُ قَالَ ابْنُ مُعَلَّى: وَاسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ الْوُقُوفَ حَيْثُ وَقَفَ الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام، وَهُوَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ الْمَفْرُوشَةِ فِي أَسْفَلِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ، وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي بِوَسَطِ أَرْضِ عَرَفَةَ، ثُمَّ إنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ:" وَلِلْحَجِّ " لِلِاسْتِئْنَافِ، وَلِلْحَجِّ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ أَيْ: رَجَعَ الْمُقَدَّرُ بَعْدَ الْكَافِ) أَيْ: رَجَعَ مَنْ فَسَدَ طَوَافُ قُدُومِهِ، وَقَدْ سَعَى بَعْدَهُ، أَوْ فَسَدَ طَوَافُ إفَاضَتِهِ وُجُوبًا أَيْ: وَلَيْسَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ رَجَعَ الْمُصَرِّحُ بِهِ لِمُنَافَاتِهِ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ حَرَمًا.
(تَنْبِيهٌ) : ظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَرَجَعَ إلَى هُنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ بَيْنَ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ عَمْدًا، أَوْ سَهْوًا وَأَنَّهُ لَا قَضَاءَ لِنُسُكِهِ فِي الْعَمْدِ
(قَوْلُهُ زَادَ وَيُهْدِي إلَخْ) ، أَمَّا إذَا أَصَابَ النِّسَاءَ كَمَا هُوَ مَفْرُوضٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَالْهَدْيُ ظَاهِرٌ وَلِذَا نَصَّتْ عَلَى الْهَدْيِ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْ النِّسَاءَ فَظَاهِرُ عَدَمِ الدَّمِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَيْهِ الْهَدْيُ إلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ بِمَكَّةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ سَعْيِهِ قَبْلَ دُخُولِ الْحَرَمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْإِفَاضَةِ لِلْمُحْرِمِ مُوجِبٌ لِلْهَدْيِ وَهَذَا مُرْتَضَى الْحَطَّابِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لِأَجْلِ الْخَلَلِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْعُمْرَةَ تُوجِبُ لِنَفْسِهَا طَوَافًا أَيْضًا فَلَا يَقَعُ الْجَبْرُ لَهَا، وَأُجِيبُ بِأَنَّهَا لَمَّا كَانَ الْإِتْيَانُ بِهَا لِأَجْلِ الْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِي طَوَافِ الْحَجِّ فَكَأَنَّهَا لَمْ تُوجِبْ طَوَافًا لِنَفْسِهَا، وَفِي مُرَاعَاةِ مَنْ هُوَ خَارِجُ الْمَذْهَبِ نَظَرٌ لِأَنَّا لَا نَحْكُمُ عَلَى مَنْ هُوَ خَارِجُهُ.
(قَوْلُهُ: وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ شَيْءٌ) وَجْهُ الشَّيْءِ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ إذَا وَطِئَ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَطَأْ فَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ يَأْتِي بِعُمْرَةٍ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَاعْتَمَرَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِعُمْرَةٍ، سَوَاءٌ وَطِئَ أَمْ لَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ: وَالْأَكْثَرُ أَنَّ وَطِئَ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَقَلَّ قَالَ بِعَدَمِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَلَوْ قَالَ: وَاعْتَمَرَ إنْ وَطِئَ وَالْأَكْثَرُ عَدَمُهَا لَوَافَقَ الْمَذْهَبَ قَالَ الْحَطَّابُ: وَجُلُّ النَّاسِ هُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعَطَاءٌ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ فَالْمُرَادُ بِالْجُلِّ خَارِجُ الْمَذْهَبِ، وَالْحَاصِلُ كَمَا قَالَ مُحَشِّي تت: إنَّ الْخِلَافَ فِي الْعُمْرَةِ مَعَ الْوَطْءِ، مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ إثْبَاتُهَا وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَمَنْ مَعَهُ نَفْيُهَا، أَمَّا إنْ لَمْ يَحْصُلْ وَطْءٌ فَلَا مُوجِبَ لِلْعُمْرَةِ وَلَا قَائِلَ بِهِ فِيمَا نَعْلَمُ
. (قَوْلُهُ: أَيْ: وَالرُّكْنُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَقْدِيرِ مُبْتَدَأٍ، وَالْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَهِيَ وَرُكْنُهُمَا الْإِحْرَامُ، أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ الْوُقُوفَ) أَيْ: وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ مُطْلَقُ الْكَوْنِيَّةِ (قَوْلُهُ: فُضِّلَ عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ: مُقْتَضٍ لِوُجُوبِ الْمُكْثِ فِيهِ (قَوْلُهُ: أَيٍّ) أَيْ: أَيُّ جُزْءٌ مِنْهَا (قَوْلُهُ وَإِضَافَةُ حُضُورِ إلَى جُزْءٍ إلَخْ) وَلَوْلَا جَعْلُهَا بِمَعْنَى " فِي " لَوَرَدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَاقِفَ فِي الْهَوَاءِ فِي عَرَفَةَ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِالْأَرْضِ، أَوْ مَا اتَّصَلَ بِهَا، أَوْ شَاهَدَ عَرَفَةَ وَهُوَ فِي الْحَرَمِ يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْحُضُورَ ضِدُّ الْغَيْبَةِ فَمَعْنَاهُ الْمُشَاهَدَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: عَلَى مَعْنَى مَنْ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهَا بِمَعْنَى اللَّامِ لَا بِمَعْنَى مَنْ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِخْبَارِ عَنْ الْمُضَافِ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ كَيَدِ زَيْدٍ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ الْبُعْدُ عَنْهُمْ) ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ الْمُنْفَرِدَةَ أَكِيلَةُ السَّبْعِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقِفَ عَلَى جِبَالِ عَرَفَةَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَقِفَ مَعَ النَّاسِ أَيْ: يَقِفَ عَلَى جِبَالِ عَرَفَةَ لَا فِي أَرْضِهَا (قَوْلُهُ وَالْقُرْبُ إلَخْ) هَذَا يَكُونُ مُسْتَحَبًّا ثَالِثًا (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْقَامُوسِ هُوَ) أَيْ: الْهَضْبَةُ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مَعْنًى لُغَوِيٌّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ، أَوْ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ، وَانْظُرْ مَا الْوَاقِعُ هُنَا وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ أَنَّهَا كُلُّهَا فِي مَكَّةَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ) ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ غَيْرُ الْهَضَبَاتِ فَيَتَعَارَضُ الْحَالُ حَيْثُ إنَّهُ أَوَّلًا جَعَلَ الْقُرْبَ مِنْ الْهَضَبَاتِ أَفْضَلَ، وَهُنَا جَعَلَ الْمُسْتَحَبَّ الْقُرْبَ مِنْ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ؛ لِأَنَّهُ الْمَكَانُ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ الرَّسُولُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي وَقَفَ عِنْدَهُ أَفْضَلُ
مُتَعَلِّقُ الْخَبَرِ أَيْ: وَحُضُورُ جُزْءِ عَرَفَةَ رُكْنٌ لِلْحَجِّ.
(ص) سَاعَةَ لَيْلَةِ النَّحْرِ (ش) الْمُرَادُ بِالسَّاعَةِ الزَّمَانِيَّةُ أَيْ: لَحْظَةٌ مِنْ الزَّمَانِ لَا السَّاعَةُ الْفَلَكِيَّةُ، ثُمَّ يَصِحُّ فِي سَاعَةٍ التَّنْوِينُ وَالْإِضَافَةُ وَهِيَ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ أَيْ: سَاعَةٌ مَنْسُوبَةٌ لِلَيْلَةِ النَّحْرِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْإِجْزَاءِ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ بَعْدَ دَفْعِ الْإِمَامِ، أَوْ قَبْلَهُ لَكِنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَدْفَعَ بَعْدَ دَفْعِهِ، وَلَوْ نَفَرَ شَخْصٌ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى غَابَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ لَيْلَةَ النَّحْرِ أَنَّ مَنْ وَقَفَ نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ لَمْ يُجْزِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى، أَمَّا وُقُوفُهُ نَهَارًا مَعَ الْإِمَامِ فَوَاجِبٌ، يُجْبَرُ بِالدَّمِ إذَا تَرَكَهُ وَفِي عِبَارَةٍ لِبَعْضِهِمْ: وَالْوُقُوفُ نَهَارًا أَيَّ جُزْءٍ مِنْهُ كَالْوُقُوفِ لَيْلًا، وَهُوَ وَاجِبٌ فَيُجْبَرُ بِالدَّمِ أَيْ: حَيْثُ تَرَكَهُ عَمْدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ وَوَقْتُهُ مِنْ الزَّوَالِ لِلْغُرُوبِ (ص) ، وَلَوْ مَرَّ أَنْ نَوَاهُ (ش) هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي حُضُورُ وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي مَرَّ عَائِدٌ عَلَى الْحَاضِرِ الْمَفْهُومِ مِنْ حُضُورٍ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى ضَمِيرُ نَوَاهُ الْمُسْتَتِرُ عَائِدٌ عَلَى الْحَاضِرِ، وَالْبَارِزُ عَلَى الْحُضُورِ أَيْ: إجْزَاءُ الْمَارِّ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَنْوِيَ الْمَارُّ الْحُضُورَ وَهُنَا شَيْءٌ مُقَدَّرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ: لَا الْجَاهِلُ أَيْ: إنْ نَوَى الْحَاضِرُ الْعَارِفُ لَا الْجَاهِلُ فَقَوْلُهُ: " لَا الْجَاهِلُ: مَعْطُوفٌ عَلَى هَذَا الْمُقَدَّرِ، وَإِنَّمَا طُلِبَتْ النِّيَّةُ مِنْ الْمَارِّ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّنْ وَقَفَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِعْلُهُ لَا يُشْبِهُ فِعْلَ الْحَاجِّ فِي الْوُقُوفِ احْتَاجَ إلَى نِيَّةٍ بِخِلَافِ مَنْ وَقَفَ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِحْرَامِ انْدَرَجَ فِيهَا الْوُقُوفُ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ.
(ص) ، أَوْ بِإِغْمَاءٍ قَبْلَ الزَّوَالِ (ش) مَعْمُولٌ لِمُقَدَّرٍ مَعْطُوفٍ عَلَى مَرَّ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ، وَلِذَلِكَ قَيَّدَهُ بِكَوْنِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَهُوَ صَادِقٌ بِمَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ إلَى الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ أَيْ: وَلَوْ حَصَلَ مَعَ إغْمَاءٍ قَبْلَ الزَّوَالِ، أَمَّا لَوْ حَصَلَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَالْإِجْزَاءُ بِاتِّفَاقٍ قَالَ بَعْضٌ: وَانْظُرْ لَوْ شَرِبَ مُسْكِرًا حَتَّى غَابَ، أَوْ أَطْعَمَهُ لَهُ أَحَدٌ وَفَاتَهُ الْوُقُوفُ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ اخْتِيَارٌ فَهُوَ كَالْمَغْمِيِّ عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ اخْتِيَارٌ فَلَا يُجْزِئُهُ كَالْجَاهِلِ بَلْ أَوْلَى (ص) أَوْ أَخْطَأَ الْجَمُّ بِعَاشِرٍ فَقَطْ (ش) أَيْ: وَكَذَلِكَ يُجْزِئُ إذَا أَخْطَأَ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ الْجَمُّ أَيْ: جَمَاعَةُ أَهْلِ الْمَوْسِمِ بِأَنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ مِنْ الْقِعْدَةِ فَأَكْمَلُوا الْعِدَّةَ وَوَقَفُوا فَوَقَعَ وُقُوفُهُمْ بِعَاشِرٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَتَنْقَلِبُ جَمِيعُ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَيَكُونُ كَمَنْ لَمْ يَخُطَّ، وَقَوْلُهُ: فَقَطْ قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَعْنِي: قَوْلَهُ: الْجَمُّ، وَقَوْلَهُ: بِعَاشِرٍ فَاحْتَرَزَ بِهِ فِي الْأُولَى عَنْ خَطَأِ الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ وَأَوْلَى الْمُنْفَرِدُ فَلَا يُجْزِئُهُ، وَيَلْزَمُهُ إذَا فَاتَهُ الْوُقُوفُ مَا يَلْزَمُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَاحْتَرَزَ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ عَنْ أَنْ يَقَعَ وُقُوفُهُمْ فِي الثَّامِنِ فَلَا يُجْزِئُهُمْ.
(ص) لَا الْجَاهِلُ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ مَرَّ بِعَرَفَةَ جَاهِلًا بِهَا وَلَمْ يَعْرِفْهَا فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ أَيْ: وَلَوْ نَوَى الْوُقُوفَ لِعَدَمِ إشْعَارِهِ بِالْقُرْبَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَغْمِيِّ عَلَيْهِ أَنَّ مَعَ الْجَاهِلِ ضَرْبًا مِنْ التَّفْرِيطِ وَالْإِغْمَاءُ أَمْرٌ غَالِبٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَهْلَ بِعَرَفَةَ إنَّمَا يَضُرُّ الْمَارَّ، وَأَمَّا مَنْ وَقَفَ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ جَهْلُهُ بِهَا وَهَذَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ح وز.
(ص) كَبَطْنِ عَرَفَةَ (ش) تَشْبِيهٌ فِيمَا قَبْلَهُ فِي بُطْلَانِ الْوُقُوفِ وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ وَقَفَ فِي بَطْنِ عُرَنَةَ وَهِيَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى الصَّوَابِ وَهُوَ وَادٍ بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَى حَدِّ عَرَفَةَ وَالْعَلَمَيْنِ
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ: سَاعَةَ لَيْلَةِ النَّحْرِ) الْقُرْطُبِيُّ فِي سُورَةِ الْفَجْرِ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ يَوْمٍ لَيْلَةً قَبْلَهُ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ لَيْلَةً قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ لَهُ لَيْلَتَانِ: لَيْلَةٌ قَبْلَهُ، وَلَيْلَةٌ بَعْدَهُ فَمَنْ أَدْرَكَ الْمَوْقِفَ لَيْلَةً بَعْدَ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ لِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ (قَوْلُهُ: التَّنْوِينُ) فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ لَيْلَةَ النَّحْرِ بِتَمَامِهَا فَلَا يَكْفِي بَعْضُهَا (قَوْلُهُ لَكِنَّ السُّنَّةَ) أَيْ: الطَّرِيقَةَ (قَوْلُهُ: أَجْزَأَهُ) أَيْ: إذَا عَرَّفَهَا وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ لِعَدَمِ الطُّمَأْنِينَةِ (قَوْلُهُ: كَالْوُقُوفِ لَيْلًا) أَيْ: فِي الطَّلَبِ الْمُحَتَّمِ (قَوْلُهُ: لِغَيْرِ عُذْرٍ) أَيْ: لَا لِعُذْرٍ كَمُرَاهِقٍ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَنْ وَقَفَ) أَيْ: فَفِعْلُهُ يُشْبِهُ فِعْلَ الْحَاجِّ بَلْ فِعْلُهُ فِعْلُ الْحَاجِّ أَيْ: غَيْرُهُ وَإِلَّا فَهُوَ حَاجٌّ أَيْ: فَلَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ،.
وَقَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِحْرَامِ تَعْلِيلٌ لِلْمَحْذُوفِ الَّذِي هُوَ قَوْلُنَا فَلَا يَحْتَاجُ وَقَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِحْرَامِ انْدَرَجَ فِيهَا أَيْ: وَلَمْ يَنْدَرِجْ فِيهَا مَا لَا يُشْبِهُ فِعْلُهُ فِعْلَ الْحَاجِّ (قَوْلُهُ: أَيْ: وَلَوْ حَصَلَ) أَيْ: الْحُضُورُ وَمِثْلُ الْإِغْمَاءِ النَّوْمُ كَذَا فِي الْحَطَّابِ وَقَوْلُهُ: وَالنَّوْمُ أَيْ: قَبْلَ اللَّيْلِ، وَانْظُرْ هَلْ يُقَيَّدُ بِمَا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَسْتَغْرِقُ، أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ نَائِمٌ فِي عَرَفَةَ وَيَكْفِي ذَلِكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ: وَانْظُرْ لَوْ شَرِبَ مُسْكِرًا) كَلَامُ تت يُفِيدُ أَنَّ هَذَا النَّظَرَ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَخْطَأَ الْجَمُّ بِعَاشِرٍ) أَيْ: فِي عَاشِرٍ فَالْبَاءُ بِمَعْنَى فِي لَا أَنَّهَا سَبَبِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ فِي الْعَاشِرِ مُسَبَّبٌ عَنْ الْخَطَأِ لَا سَبَبٌ لَهُ أَيْ: وَتَبَيَّنَ ذَلِكَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِالْفِعْلِ لَا إنْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ قَبْلَ الْوُقُوفِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا يُفِيدُهُ نَقْلُ الشَّيْخِ أَحْمَدَ لَا كَمَا قَالَ عج، وَمَنْ تَبِعَهُ أَيْ: وَعَلَى كُلٍّ الدَّمُ.
(قَوْلُهُ: بِأَنَّ عَمَّ إلَخْ) أَيْ: أَوْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَلَمْ يَرَوْا فَأَكْمَلُوا عِدَّةَ ذِي الْقِعْدَةِ ثَلَاثِينَ ثُمَّ وَقَفُوا فِي التَّاسِعِ فِي ظَنِّهِمْ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ الْعَاشِرُ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ فِي عَدِّهِمْ، أَمَّا لَوْ أَخْطَئُوا فِي الْعَدَدِ بِأَنْ عَلِمُوا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ الشَّهْرِ ثُمَّ نَسُوهُ فَوَقَفُوا فِي الْعَاشِرِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُمْ، وَأَمَّا مَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوُقُوفُ فِي وَقْتِهِ كَالصَّوْمِ قَالَهُ سَنَدٌ، وَانْظُرْ هَلْ يَجْرِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الصَّوْمِ مِنْ قَوْلِهِ لَا بِمُنْفَرِدٍ إلَّا كَأَهْلِهِ، وَمَنْ لَا اعْتِنَاءَ لَهُمْ بِأَمْرِهِ (قَوْلُهُ: عَنْ أَنْ يَقَعَ وُقُوفُهُمْ فِي الثَّامِنِ إلَخْ) وَلَمْ يَذْكُرُوا خَطَأَهُمْ فِي التَّاسِعِ لِيُعِيدُوا فِيهِ.
(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ إشْعَارِهِ بِالْقُرْبَةِ) أَيْ: بِمَوْضِعِ الْقُرْبَةِ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ مَوْجُودٌ فِي صُورَةِ الْإِجْزَاءِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ غَيْرَ مَارٍّ
(قَوْلُهُ: بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى الصَّوَابِ) وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ عِيَاضٌ مِنْ ضَمِّهِمَا وَمَا حَكَاهُ بَعْضُهُمْ مِنْ ضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ
اللَّذَيْنِ عَلَى حَدِّ الْحَرَمِ فَلَيْسَتْ عُرَنَةُ مِنْ عَرَفَةَ، وَلَا مِنْ الْحَرَمِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَلَمَّا كَانَ بَطْنُ عُرَنَةَ قَدْ يُفَسَّرُ بِالْوَادِي كَمَا مَرَّ، وَقَدْ يُفَسَّرُ بِالْمَسْجِدِ كَمَا فَسَّرَهُ فِي الْجَلَّابِ، وَلَيْسَ الْحُكْمُ فِيهِمَا، سَوَاءٌ أَشَارَ إلَى مُغَايَرَةِ حُكْمِهِمَا بِقَوْلِهِ:(ص) وَأَجْزَأَ بِمَسْجِدِهَا يُكْرَهُ (ش) أَيْ: وَأَجْزَأَ الْوُقُوفُ بِمَسْجِدِ عُرَنَةَ يُكْرَهُ لِلشَّكِّ هَلْ هُوَ مِنْ عَرَفَةَ أَمْ لَا قَالَ فِي مَنْسَكِهِ: وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ مَسْجِدُ إبْرَاهِيمَ عليه السلام مُحَمَّدٌ، يُقَالُ: إنَّ حَائِطَ مَسْجِدِ عُرَنَةَ الْقِبْلِيَّ عَلَى حَدِّ بَطْنِهَا وَلَوْ سَقَطَ لَسَقَطَ فِي عُرَنَةَ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى، وَإِنَّمَا كُرِهَ الْوُقُوفُ فِي مَسْجِدِ عُرَنَةَ مَعَ أَنَّهُ فِي الْحِلِّ لِاحْتِمَالِ إدْخَالِ جُزْءٍ مِنْ الْحَرَمِ فِيهِ فَإِنَّ حَائِطَهُ الْقِبْلِيَّ، وَهُوَ الَّذِي جِهَةُ مَكَّةَ إذَا سَقَطَ سَقَطَ فِي عُرَنَةُ بِالنُّونِ وَبِالْفَاءِ تَصْحِيفٌ.
(ص) وَصَلَّى، وَلَوْ فَاتَ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْحَاجَّ إذَا كَانَ مُرَاهِقًا مَكِّيًّا أَوْ آفَاقِيًّا إذَا قَرُبَ مِنْ عَرَفَةَ وَعَلَيْهِ عِشَاءُ لَيْلَتِهِ إنْ ذَهَبَ إلَى عَرَفَةَ لَا يُدْرِكُ مِنْهَا رَكْعَةً قَبْلَ الْفَجْرِ، وَإِنْ تَرَكَ الذَّهَابَ إلَى عَرَفَةَ أَدْرَكَ رَكْعَةً قَبْلَ الْفَجْرِ صَلَّى الرَّكْعَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ لِتَقَعَ الْعِشَاءُ أَدَاءً؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْوَقْتِ تَبَعٌ لِمَا فِيهِ، وَلَوْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَصَدَّرَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَالْقَرَافِيُّ وَصَاحِبُ الْمَدْخَلِ وَشَهَرَهُ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ تَقْدِيمَ الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ مُرَاعَاةَ ارْتِكَابِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ؛ وَلِأَنَّ مَا لَا يُقْضَى إلَّا مِنْ بُعْدٍ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى مَا يُقْضَى بِسُرْعَةٍ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ قَوْلُ الْأَقَلِّ وَجُلُّ أَقْوَالِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ تَقْدِيمُ الْوُقُوفِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَلَوْ فَاتَتْ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْحَاضِرَةِ، وَأَمَّا الْفَائِتَةُ فَيُقَدَّمُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا.
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْأَرْكَانِ شَرَعَ فِيمَا يُسَنُّ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَابْتَدَأَ بِسُنَنٍ أَوَّلُهَا، وَهُوَ الْإِحْرَامُ فَقَالَ:(ص) وَالسُّنَّةُ غُسْلٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ السُّنَّةَ لِكُلِّ إحْرَامٍ بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ بِهِمَا أَوْ مُطْلَقٍ وَلَوْ كَإِحْرَامٍ زِيدَ أَرْبَعٌ: أَحَدُهَا غُسْلٌ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَجَعَلَ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ قَوْلَهُ (مُتَّصِلٌ بِالْإِحْرَامِ) كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ فِي اتِّصَالِهِ بِالرَّوَاحِ مِنْ تَتِمَّةِ السُّنَّةِ قَبْلَهُ؛ وَقَيْدًا فِيهَا، فَلَوْ اغْتَسَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَأَحْرَمَ مِنْ عَشِيَّةٍ لَمْ يُجْزِهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَكَذَا لَوْ اغْتَسَلَ غُدْوَةً وَأَخَّرَ الْإِحْرَامَ إلَى الظُّهْرِ وَجَعَلَهُ بَعْضَ سُنَّةٍ ثَانِيَةٍ أَيْ: يُسَنُّ الْغُسْلُ وَيُسَنُّ اتِّصَالُهُ فَلَا يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا بِفِعْلٍ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْإِحْرَامِ قَالَ: وَجَعْلُهُ قَيْدًا فِي الْغُسْلِ يَصِيرُ السُّنِّيَّةُ مُنَصَّبَةً عَلَى الِاتِّصَالِ فَلَا يُفِيدُ كَلَامُهُ حُكْمَ الْغُسْلِ مِنْ أَصْلِهِ اهـ.
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا دَمَ) إلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْغُسْلَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا، أَوْ جَهْلًا فَإِنَّهُ يَغْتَسِلُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ.
(ص) وَنُدِبَ بِالْمَدِينَةِ لِلْحُلَيْفِيِّ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَوْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِحْرَامُ مِنْهَا فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ غُسْلَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ يَمْضِي ذَاهِبًا عَلَى الْفَوْرِ لَابِسًا لِثِيَابِهِ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ فَإِذَا أَحْرَمَ مِنْهَا نَزَعَ ثِيَابَهُ وَتَجَرَّدَ مِنْهَا كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
(ص) وَلِدُخُولِ غَيْرِ حَائِضٍ مَكَّةَ بِطَوًى وَلِلْوُقُوفِ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ يُنْدَبُ الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ مُتَّصِلًا بِدُخُولِهَا أَوْ فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ فَلَوْ اغْتَسَلَ ثُمَّ بَاتَ خَارِجَهَا لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ وَلِمَطْلُوبِيَّةِ اتِّصَالِهِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ أَنَّهَا مِنْ الْحَرَمِ (قَوْلُهُ: لِلشَّكِّ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يُنْتِجُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ مَسْجِدُ إبْرَاهِيمَ) قَالَ الْقَرَافِيُّ اُخْتُلِفَ فِي إبْرَاهِيمَ فَقِيلَ: هُوَ الْخَلِيلُ وَقِيلَ: إبْرَاهِيمُ الْخَيَّاطِ.
(قَوْلُهُ: يُقَالُ أَنَّ حَائِطَ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمُوجِبُ لِلشَّكِّ (قَوْلُهُ: لَسَقَطَ فِي عُرَنَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَبِالنُّونِ وَهَكَذَا النَّقْلُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْجَوَاهِرِ وَالتَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمْ وَقَوْلُهُ الْقِبْلِيُّ الْمُرَادُ الْقِبْلِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِمَكَّةَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْجِدَ كُلَّهُ مِنْ عَرَفَةَ وَيَنْتَهِي آخِرُهُ لِحَدِّ عَرَفَةَ وَأَوَّلُ عُرَنَةَ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ إلَخْ) هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْحَرَمِ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ الضَّعِيفُ
. (قَوْلُهُ وَصَلَّى) الْعِشَاءَ، أَوْ الْمَغْرِبَ إذَا خَشِيَ عَدَمَ إدْرَاكِ رَكْعَةٍ مِنْهَا، أَوْ مِنْ الْأَخِيرَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ لِعَرَفَةَ (قَوْلُهُ: وَصَلَّى) الْعِشَاءَ (وَلَوْ فَاتَ) لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ، سَوَاءٌ قِيلَ بِالتَّرَاخِي، أَوْ قِيلَ بِالْفَوْرِ (قَوْلُهُ: وَجُلُّ أَقْوَالِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ) أَيْ: أَقْوَالُهُ الْمُتَسَاوِيَةُ وَجَمَعَهَا بِاعْتِبَارِ الْقَائِلِينَ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْفَائِتَةُ) إذَا تَذَكَّرَهَا وَوَقْتُهَا وَقْتُ تَذَكُّرِهَا
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ) اُنْظُرْ وَجْهَ الْمُبَالَغَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ (قَوْلُهُ: مِنْ تَتِمَّةِ السَّنَةِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: شَرْطٌ فِي السَّنَةِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ اغْتَسَلَ غُدْوَةً إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي ذَلِكَ بِالْعُرْفِ فَمَا يَعُدُّهُ الْعُرْفُ فَصْلًا كَثِيرًا ضُرٌّ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: وَجَعَلَهُ بَعْضٌ إلَخْ) الصَّوَابُ الْأَوَّلُ دُونَ هَذَا كَمَا قَالَهُ مُحَشِّي تت وَهَذَا الْبَعْضُ هُوَ الْبِسَاطِيُّ قَالَ سَنَدٌ: وَلَوْ اشْتَغَلَ بَعْدَ غُسْلِهِ بِشَدِّ رَحْلِهِ وَإِصْلَاحِ بَعْضِ جِهَازِهِ أَجْزَأَهُ وَيُجْزِئُ عَنْهُ وَعَنْ الْجَنَابَةِ غُسْلٌ وَاحِدٌ كَمَا فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: غُسْلٌ عَدَمُ التَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ لَا دَمَ عَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَلَا دَمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّ بَعْضَ السُّنَنِ لَمَّا كَانَ فِيهِ الدَّمُ كَالتَّلْبِيَةِ نَصَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ.
(قَوْلُهُ وَنُدِبَ بِالْمَدِينَةِ) هَذَا كَالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: مُتَّصِلٌ وَكَأَنَّهُ قَالَ وَسُنَّ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ، أَوْ يُنْدَبُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَلَا يُطْلَبُ فِي حَقِّهِ الِاتِّصَالَ، بَلْ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي بَيْتِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ: فَإِذَا أَحْرَمَ مِنْهَا إلَخْ) أَيْ: إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ إلَخْ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَزْعَ الثِّيَابِ وَالتَّجَرُّدَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ
(قَوْلُهُ: وَلِدُخُولِ إلَخْ) وَلَا يَتَدَلَّكُ فِي هَذَيْنِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ كَذَا فِي عب وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ يَتَدَلَّكُ إلَّا أَنَّ الدَّلْكَ يَكُونُ خَفِيفًا كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ (قَوْلُهُ: بِطَوًى) بِفَتْحِ الطَّاءِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ) فَإِنْ أَخَّرَهُ وَاغْتَسَلَ بَعْدَ دُخُولِهِ لَمْ يُجْزِهِ (قَوْلُهُ: والْمَطْلُوبِيَّةُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ إيقَاعَهُ بِطَوًى يُفِيدُ اتِّصَالَهُ الَّذِي هُوَ مَطْلُوبٌ مَعَ أَنَّهُ
بِدُخُولِهَا يُسْتَحَبُّ إيقَاعُهُ بِطَوًى أَنْ مَرَّ بِهَا وَإِلَّا فَمِنْ مِقْدَارِ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَّا كَانَ الْغُسْلُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلطَّوَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَا يُؤْمَرُ بِهِ إلَّا مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ الطَّوَافُ لَا حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَيُنْدَبُ أَيْضًا الْغُسْلُ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مُتَّصِلًا بِوُقُوفِهِ، وَوَقْتُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ مُقَدَّمًا عَلَى الصَّلَاةِ وَيُطْلَبُ بِهِ كُلُّ وَاقِفٍ، وَلَوْ حَائِضًا وَنُفَسَاءَ سَنَدٌ، وَلَوْ اغْتَسَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ لَمْ يُجْزِهِ، وَمَا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَلِلْوُقُوفِ مُسْتَحَبٌّ هُوَ الرَّاجِحُ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ح وَدَرَجَ عَلَيْهِ ز فِي تَقْرِيرِ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَقِيلَ: كُلٌّ مِنْهُمَا سُنَّةٌ وَدَرَج عَلَيْهِ الشَّارِحُ وتت، وَفِي كَلَامِهِمَا شَيْءٌ، ثُمَّ أَنَّهُ عَلَى كَلَامِهِمَا يَكُونُ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَلِدُخُولِ مَكَّةَ إلَخْ عَطْفًا عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ: وَالسُّنَّةُ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ لِلْإِحْرَامِ وَلِدُخُولِ مَكَّةَ إلَخْ وَعَلَى الرَّاجِحِ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى بِالْمَدِينَةِ، هَذَا وَلَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ مُسْتَحَبٌّ أَنَّ وُقُوعَهُ بِطَوًى مُسْتَحَبٌّ ثَانٍ فَلَوْ قَالَ وَبِطَوًى بِحَرْفِ الْعَطْفِ لَأَفَادَ هَذَا (ص) وَلُبْسُ إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى الْخَبَرِ فِي قَوْلِهِ: وَالسُّنَّةُ غُسْلٌ أَيْ: وَالْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ سُنَّةٌ فَلَا يُنَافِي أَنَّ التَّجَرُّدَ مِنْ الْمَخِيطِ وَاجِبٌ، وَالْإِزَارُ مَا يُشَدُّ بِالْوَسَطِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَرِدَاءٌ، لَا مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ الْإِزَارُ الْمِلْحَفَةُ وَيُؤَنَّثُ وَنَعْلَيْنِ عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ كَنِعَالِ التَّكْرُورِ الَّتِي لَهَا عَقِبٌ يَسْتُرُ بَعْضَ الْقَدَمِ وَقَالَ ز الْمُرَادُ بِالنَّعْلَيْنِ الْحَدْوَةُ وَالْمَدَاسُ، وَأَمَّا الزُّرْمُوجَةُ وَالصَّرَارَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ وَهِيَ التَّاسُومَةُ فَلَا يَجُوزُ لُبْسُهُمَا إلَّا لِضَرُورَةٍ وَحِينَئِذٍ يَفْتَدِي اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا كَانَ عَرْضُ السَّاتِرِ فِيهَا كَالْقَبْقَابِ كَمَا يَأْتِي.
(ص) وَتَقْلِيدُ هَدْيٍ ثُمَّ إشْعَارُهُ (ش) أَيْ: وَمِنْ السُّنَّةِ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ أَنْ يُقَلِّدَ الْهَدْيَ الَّذِي مَعَهُ تَطَوُّعًا، أَوْ لِمَا مَضَى، وَأَمَّا مَا يَجِبُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَلَا يُقَلَّدُ إلَّا بَعْدَهُ كَمَا قَالَ: وَدَمُ التَّمَتُّعِ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ، ثُمَّ إشْعَارُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّجْلِيلَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ كَمَا يَأْتِي، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ الْإِحْرَامِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ حَيْثُ جَعَلَهُ مِنْ سُنَنِهِ، وَقَالَ: إنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: تَقْلِيدٍ، وَإِشْعَارٍ وَرُكُوعٍ، بَلْ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْمُؤَلِّفُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ لِلْمُحْرِمِ تَقْدِيمُ التَّقْلِيدِ عَلَى الْإِشْعَارِ وَتَقْدِيمُهُمَا عَلَى الرُّكُوعِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لَمَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ تَأْخِيرِهِمَا عَنْهُ، قَوْلُهُ: وَتَقْلِيدُ هَدْيٍ أَيْ: مَا شَأْنُهُ التَّقْلِيدُ، وَهُوَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ لَا الْغَنَمُ كَمَا يَأْتِي فَيُحْمَلُ أَوَّلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا يُطَابِقُ آخِرَهُ.
(ص) ثُمَّ رَكْعَتَانِ (ش) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ السُّنَّةَ الْإِحْرَامُ عَقِبَ نَفْلٍ وَلِذَا قَالَ (وَالْفَرْضُ مُجْزٍ) وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي
ــ
[حاشية العدوي]
لَا يَلْزَمُهُ مِنْ إيقَاعِهِ بِطَوًى اتِّصَالُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَغْتَسِلَ بِطَوًى وَيَجْلِسَ فِيهَا وَيُجَابُ بِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مِنْ أَرْبَاضِ مَكَّةَ كَمَا فِي بَهْرَامَ أَمْ الْوَسَطِ أَيْ: الْبُيُوتِ الَّتِي خَلَفَ السُّورِ وَشَأْنُ مَنْ كَانَ فِيهَا الدُّخُولُ ظَهَرَ أَنَّ إيقَاعَهُ بِطَوًى يُفِيدُ اتِّصَالَهُ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمَا يَغْتَسِلَانِ لِدُخُولِ مَكَّةَ (قَوْلُهُ وَرِدَاءً) يَجْعَلُ عَلَى كَتِفَيْهِ وَلَا يَضُرُّ الْمِئْزَرُ الْفِلْقَتَانِ الْمَخِيطُ سَوَاءٌ وَضَعَهُ عَلَى كَتِفِهِ، أَوْ وَسَطِهِ (قَوْلُهُ: الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ) أَيْ: فَإِنْ فَعَلَ غَيْرَهَا كَالْتِحَافِهِ بِرِدَاءٍ، أَوْ كِسَاءٍ أَجْزَأَ إلَّا أَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ (قَوْلُهُ: فَلَا يُنَافِي أَنَّ التَّجَرُّدَ مِنْ الْمَخِيطِ وَاجِبٌ) فِيهِ أَنَّ الْمُنَاسِبَ لِقَوْلِهِ الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ أَنْ يَقُولَ: فَلَا يُنَافِي أَنَّ بَعْضَهَا وَاجِبٌ لَكِنَّك لَا تَرَى بَعْضَهَا وَاجِبًا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَيْ: أَنَّ السُّنَّةَ لَيْسَ مَا ذُكِرَ فَلَا يُنَافِي أَنَّ التَّجَرُّدَ وَاجِبٌ ثُمَّ إنَّهُ نَظَرَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بِأَنَّهَا اصْطِلَاحَاتٌ إذْ يُعَبِّرُونَ عَنْ هَذِهِ الْخِصَالِ بِثَلَاثِ عِبَارَاتٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ وَاجِبَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ وُجُوبُ السُّنَنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ كَذَا فِي التَّوْضِيحِ وَقَوْلُهُ: وَالْمَدَاسُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ عَطْفٌ مُرَادِفٌ (قَوْلُهُ: كَالْقَبْقَابِ) أَيْ:؛ لِأَنَّ سَيْرَهُ عَرِيضٌ فَإِنْ رَقَّ جَازَ لُبْسُهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّقِيقَ مَا كَانَ قَدْرَ سَيْرِ النَّعْلِ، وَالْكَثِيرَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ الْإِحْرَامِ) أَيْ: مُطْلَقًا بَلْ مِنْ سُنَنِ الْإِحْرَامِ لِمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّرْقَانِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَعْنَى خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ حَيْثُ جَعَلَهُ مِنْ سُنَنِهِ بَلْ هُمَا مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ: تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ لِلْمُحْرِمِ إلَخْ) لَيْسَ مُنَافِيًا لِصَدْرِ الْعِبَارَةِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ وَلِذَا قَالَ مُحَشِّي تت لَا خَفَاءَ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ إفَادَةَ حُكْمِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ بِالنِّسْبَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَأْتِي فِي مَحَلِّهِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ كَيْفَ يَفْعَلُ مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ وَكَيْفَ يُطْلَبُ فِي حَقِّهِ تَرْتِيبُ الْأُمُورِ الْكَائِنَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَمَعْنَى كَلَامِهِ كَمَا قَالَ الْحَطَّابُ يُسَنُّ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ وَكَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يُقَلِّدَهُ بَعْدَ غُسْلِهِ وَتَجْرِيدِهِ ثُمَّ بِشَعْرِهِ ا. هـ.
فَالسُّنَّةُ مُنْصَبَّةٌ بِكَوْنِهِ بَعْدَ الْغُسْلِ وَالتَّجْرِيدِ وَبِكَوْنِ التَّقْلِيدِ قَبْلَ الْإِشْعَارِ وَبِكَوْنِهِمَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ س لَكِنْ يَحْتَاجُ لِمَنْ نَصَّ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ الْمَذْكُورَ سُنَّةٌ كَمَا فَعَلَ الْمُؤَلِّفُ وَقَبِلَهُ شُرَّاحُهُ ا. هـ. الْمُرَادُ مِنْهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ التَّرْتِيبَ مُسْتَحَبٌّ وَأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِيهِ
(قَوْلُهُ وَلِذَا قَالَ وَالْفَرْضُ مُجْزٍ) أَيْ: وَلِأَجْلِ كَوْنِ السُّنَّةِ إيقَاعَهُ عَقِبَ نَفْلٍ، قَالَ: وَالْفَرْضُ مُجْزِئٌ فِي تَحْصِيلِ الْمَطْلُوبِ لَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَطْلُوبَ، بَلْ الْمُرَادُ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّ السُّنَّةَ إيقَاعُهُ عَقِبَ مُطْلَقِ صَلَاةٍ وَلَكِنَّ إيقَاعَهُ عَقِبَ نَفْلٍ أَفْضَلُ وَالْفَرْضُ كَافٍ فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِحْرَامَ بَعْدَ صَلَاةِ النَّفْلِ يَحْصُلُ بِهِ سُنَّةٌ وَفَضِيلَةٌ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْفَرْضِ يَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ دُونَ الْفَضِيلَةِ، وَانْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ بِالْفَرْضِ الْعَيْنِيُّ أَوْ وَلَوْ بِالْعُرُوضِ كَجِنَازَةٍ تَعَيَّنَتْ وَنَذْرِ نَفْلٍ، وَانْظُرْ السُّنَنَ الْمُؤَكَّدَةَ كَالْفَرْضِ الْأَصْلِيِّ أَمْ لَا وَقَوْلُهُ رَكْعَتَانِ أَيْ: فَأَكْثَرُ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ رَكْعَتَانِ وَإِلَّا، فَظَاهِرُهُ أَنَّ السُّنَّةَ رَكْعَتَانِ فَقَطْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ اقْتِصَارٌ عَلَى الْأَقَلِّ وَإِلَّا فَلَيْسَ لِلْإِحْرَامِ صَلَاةٌ تَخُصُّهُ كَمَا قَالَ سَنَدٌ وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ مَشَى عَلَى مَا فَهِمَهُ فِي تَوْضِيحِهِ، وَالنَّصُّ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ مُقَدَّمَتَانِ عَلَى التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ
التَّوْضِيحِ أَنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِالْإِحْرَامِ عَقِبَ الْفَرِيضَةِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ إثْرَ نَافِلَةٍ لِيَكُونَ لِلْإِحْرَامِ صَلَاةٌ تَخُصُّهُ، وَقَالَ: ز، ثُمَّ رَكْعَتَانِ هَذِهِ السُّنَّةُ الثَّالِثَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَمْ يُقَلِّدْ وَلَمْ يُشْعِرْ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ قَلَّدَ وَأَشْعَرَ فَهِيَ السُّنَّةُ الرَّابِعَةُ.
(ص) يُحْرِمُ الرَّاكِبُ إذَا اسْتَوَى وَالْمَاشِي إذَا مَشَى (ش) أَيْ: وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ يُحْرِمُ الرَّاكِبُ إذَا اسْتَوَى عَلَى دَابَّتِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَشْيِ رَاحِلَتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْمَاشِي إذَا مَشَى وَلَا يَنْتَظِرُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْبَيْدَاءِ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ يُحْرِمُ إذَا اسْتَوَى بَيَانٌ لِلْوَقْتِ الَّذِي يُحْرِمُ فِيهِ وَمَا تَقَدَّمَ بَيَانٌ لِمَا يَنْعَقِدُ بِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ الرَّاكِبُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ وَأَحْرَمَ الْمَاشِي قَبْلَ مَشْيِهِ كَفَاهُ ذَلِكَ.
(ص) وَتَلْبِيَةٌ (ش) السُّنَّةُ مُقَارَنَتُهَا لِلْإِحْرَامِ أَيْ: وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فِي نَفْسِهَا، وَتَجْدِيدُهَا مُسْتَحَبٌّ وَمَعْنَى التَّلْبِيَةِ الْإِجَابَةُ أَيْ: إجَابَةٌ بَعْدَ إجَابَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] فَهَذِهِ إجَابَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالثَّانِيَةُ إجَابَةٌ قَوْله تَعَالَى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] يُقَالُ: إنَّ إبْرَاهِيمَ عليه السلام لَمَّا أَذَّنَ بِالْحَجِّ أَجَابَهُ النَّاسُ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ فَمَنْ أَجَابَهُ مَرَّةً حَجَّ مَرَّةً وَمَنْ زَادَ زَادَ فَالْمَعْنَى: أَجَبْتُك فِي هَذَا كَمَا أَجَبْتُك فِي ذَلِكَ، وَأَوَّلُ مَنْ لَبَّى الْمَلَائِكَةُ، وَكَذَلِكَ أَوَّلُ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ (ص) وَجُدِّدَتْ لِتَغَيُّرِ حَالٍ وَخَلْفَ صَلَاةً (ش) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ قَالَ بَعْضٌ: وَهُوَ الظَّاهِرُ، أَوْ السُّنَّةُ التَّلْبِيَةُ، وَلَوْ مَرَّةً، وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ لِابْنِ فَرْحُونٍ أَيْ: فَيَكُونُ تَجْدِيدُهَا مُسْتَحَبًّا، بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ: وَيَكْفِي فِيهَا مَرَّةٌ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ، أَوْ التَّجْدِيدُ هُوَ سُنَّةٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ، وَعَلَيْهِ تَكُونُ التَّلْبِيَةُ مِنْ أَصْلِهَا وَاجِبَةً، وَاللَّامُ فِي " لِتَغَيُّرِ " بِمَعْنَى عِنْدَ كَقِيَامٍ وَنُزُولٍ وَمُلَاقَاةِ رِفَاقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَنَكَّرَ الصَّلَاةَ لِيَشْمَلَ النَّافِلَةَ وَتُكْرَهُ الْإِجَابَةُ بِالتَّلْبِيَةِ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا إجَابَةُ الصَّحَابَةِ لِلنَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام فَمِنْ خَصَائِصِهِ.
(ص)، وَهَلْ لِمَكَّةَ أَوْ لِلطَّوَافِ خِلَافٌ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا هَلْ يَسْتَمِرُّ يُلَبِّي حَتَّى يَدْخُلَ بُيُوتَ مَكَّةَ فَيَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ، فَإِذَا طَافَ وَسَعَى عَاوَدَهَا حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَرُوحُ إلَى مُصَلَّاهَا؟ هَذَا مَذْهَبُ الرِّسَالَةِ وَشَهَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ أَوَّلًا، يَزَالُ يُلَبِّي حَتَّى يَبْتَدِئَ بِالطَّوَافِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافٌ وَحَمَلْنَا كَلَامَهُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِحَجٍّ احْتِرَازًا مِمَّنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ بَعْدُ بِقَوْلِهِ: وَمُعْتَمِرُ الْمِيقَاتِ إلَخْ.
(ص)، وَإِنْ تَرَكْت أَوَّلَهُ فَدَمٌ إنْ طَالَ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ تَرَكَ التَّلْبِيَةَ لَمَّا أَحْرَمَ قَلِيلًا نَاسِيًا لَهَا، ثُمَّ تَذَكَّرَ فَإِنَّهُ يُلَبِّي، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ لَزِمَهُ دَمٌ، وَلَوْ رَجَعَ وَلَبَّى لَا يَسْقُطُ عَنْهُ خِلَافًا لِابْنِ عَتَّابٍ وَابْنِ لُبَابَةَ وَمَفْهُومُ أَوَّلِهِ لَوْ أَتَى بِهَا أَوَّلَهُ، وَلَوْ مَرَّةً عَلَى مَا لِأَبِي الْحَسَنِ، ثُمَّ تَرَكَ لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ تَرَكَتْ أَيْ: عَمْدًا، أَوْ نِسْيَانًا وَمِثْلُ الطُّولِ مَا إذَا تَرَكَهَا جُمْلَةً.
(ص) وَتَوَسَّطَ فِي عُلُوِّ صَوْتِهِ وَفِيهَا (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْمُلَبِّي يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَتَوَسَّطَ فِي عُلُوِّ صَوْتِهِ فَلَا يَرْفَعُهُ جِدًّا حَتَّى يَعْقِرَهُ، وَلَا يَخْفِضَهُ حَتَّى لَا يَسْمَعَهُ مَنْ يَلِيهِ، وَكَذَلِكَ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَتَوَسَّط فِي التَّلْبِيَةِ فَلَا يُكْثِرُهَا جِدًّا حَتَّى يَلْحَقَهُ الضَّجَرُ، وَلَا يَتْرُكُهَا جِدًّا حَتَّى يَفُوتَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا وَهُوَ الشَّعِيرَةُ وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا تُسْمِعُ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ يُخَافُ مِنْهُ الْفِتْنَةُ (ص) وَعَاوَدَهَا بَعْدَ سَعْيٍ (ش) أَيْ: وَعَاوَدَ التَّلْبِيَةَ اسْتِحْبَابًا بَعْدَ فَرَاغِ سَعْيٍ أَيْ: وَطَوَافٍ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ قَلَّدَ وَأَشْعَرَ فَهِيَ السُّنَّةُ الرَّابِعَةُ) مُفَادُهُ أَنَّ التَّقْلِيدَ وَالْإِشْعَارَ كِلَاهُمَا سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ عِبَارَةُ بَهْرَامَ حَيْثُ قَالَ: وَهَذِهِ هِيَ السُّنَّةُ الثَّالِثَةُ ثُمَّ مَحَلُّ سُنِّيَّةِ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ إنْ كَانَ وَقْتَ جَوَازٍ وَإِلَّا انْتَظَرَهُ بِالْإِحْرَامِ إلَّا الْخَائِفَ وَالْمُرَاهِقَ فَيَحْرُمُ وَلَا يَرْكَعُهُمَا، وَكَذَا غَيْرُ الْخَائِفِ وَالْمُرَاهِقِ لَا يَرْكَعُهُمَا بِوَقْتِ نَهْيٍ حَالَ إحْرَامِهِ بِهِ
. (قَوْلُهُ يُحْرِمُ الرَّاكِبُ) أَيْ: مُرِيدُ الرُّكُوبِ (قَوْلُهُ: إذَا اسْتَوَى عَلَى دَابَّتِهِ) أَيْ: اسْتَوَى عَلَى دَابَّتِهِ قَائِمَةً لِلسَّيْرِ (قَوْلُهُ: وَالْمَاشِي) أَيْ: مُرِيدُ الْمَشْيِ وَالْمُرَادُ الرَّاجِلُ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) وَقَالَ الْأَئِمَّةُ عَقِبَ سَلَامِهِ (قَوْلُهُ: إلَى الْبَيْدَاءِ) مَوْضِعٌ بَعْدَ الْحُلَيْفَةِ كَمَا فِي مُحَشِّي تت وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرَّاكِبِ وَالْمَاشِي أَنَّ الرَّاكِبَ لَا يَرْكَبُ دَابَّتَهُ إلَّا لِلسَّيْرِ بِخِلَافِ الرَّاجِلِ قَدْ يَقُومُ لِحَوَائِجِهِ فَشُرُوعُهُ فِي الْمَشْيِ كَاسْتِوَائِهِ عَلَى دَابَّتِهِ (قَوْلُهُ: بَيَانٌ لِلْوَقْتِ الَّذِي يُحْرِمُ فِيهِ) أَيْ: يَقَعُ الْإِحْرَامُ فِيهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْفِعْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَمَا تَقَدَّمَ بَيَانٌ لِمَا يَنْعَقِدُ بِهِ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ التَّوَجُّهُ عَلَى الطَّرِيقِ.
(قَوْلُهُ: السُّنَّةُ مُقَارَنَتُهَا) أَيْ: اتِّصَالُهَا أَيْ: حَقِيقَةً فَإِنْ فَصَلَهَا لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِالسُّنَّةِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْفَصْلُ طَوِيلًا لَزِمَهُ الدَّمُ لِتَرْكِ السُّنَّةِ وَانْضِمَامِ الطُّولِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَلَا دَمَ إذْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ سِوَى تَرْكِ السُّنَّةِ وَيَسِيرِ الْفَصْلِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ دَمًا، وَإِذَا لَزِمَهُ الدَّمُ فِي فَصْلِهَا كَثِيرًا فَأَوْلَى فِي تَرْكِهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَالتَّلْبِيَةُ وَاجِبَةٌ كَمَا أَنَّ قِلَّةَ فَصْلِهَا وَاجِبٌ بِدَلِيلِ لُزُومِ الدَّمِ فِي تَرْكِهَا وَيُلَبِّي الْأَعْجَمِيُّ بِلِسَانِهِ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ (قَوْلُهُ: أَجَبْتُك فِي هَذَا) أَيْ: فِي هَذَا الْحَجِّ كَمَا أَجَبْتُك فِي ذَلِكَ الْمُشَارِ لَهُ الْإِجَابَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ (قَوْلُهُ فَمِنْ خَصَائِصِهِ) فِيهِ نَظَرٌ فَلَيْسَ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ
. (قَوْلُهُ: وَهَلْ لِمَكَّةَ) قَالَ بَعْضٌ اُنْظُرْ لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ فَقَطَعَهُ لِلصَّلَاةِ وَصَلَّى هَلْ يُلَبِّي بَعْدَ تِلْكَ الصَّلَاةِ أَمْ لَا؟ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ السَّعْيَ وَهُوَ الظَّاهِرُ
(قَوْلُهُ: عَلَى مَا لِأَبِي الْحَسَنِ) وَمُقَابِلُهُ مَا شَهَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ وُجُوبِ الدَّمِ وَمُفَادُ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ اعْتِمَادُ مَا لِشَارِحِنَا، وَأَمَّا لَوْ تَرَكَهَا أَثْنَاءَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ، وَلَوْ أَتَى عِوَضَهَا بِتَسْبِيحٍ، أَوْ نَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَمٌ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَهَا جُمْلَةً، أَمَّا لَوْ أَتَى عِوَضَهَا بِمَعْنَاهَا كَإِجَابَةٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كَالْعَدَمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَا وَإِنَّمَا أَتَى بِلَفْظٍ أَجْنَبِيٍّ قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِ الزَّرْقَانِيِّ (قَوْلُهُ يَعْنِي أَنَّ الْمُلَبِّي يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَتَوَسَّطَ) الْمُعْتَمَدُ الِاسْتِحْبَابُ كَمَا أَفَادَهُ مُحَشِّي تت (قَوْلُهُ: وَعَاوَدَهَا) اسْتِحْبَابًا الْمُعْتَمَدُ أَنَّ إعَادَتَهَا وَاجِبَةٌ
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ بِالْمَسْجِدِ) إلَى أَنَّهُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ، وَإِنْ كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ مِنًى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكْثُرُ فِيهِمَا فَلَا يَلْزَمُ اشْتِهَارُ الْمُلَبِّي بِذَلِكَ وَأَهْلُ مَكَّةَ فِي التَّلْبِيَةِ كَغَيْرِهِمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَسَاجِدِ فَيُسْمِعُ نَفْسَهُ بِهَا، وَمَنْ يَلِيهِ لِئَلَّا يَشْتَهِرَ بِذَلِكَ (ص) لِرَوَاحِ مُصَلَّى عَرَفَةَ (ش) أَيْ:، وَلَا يَزَالُ يُلَبِّي بَعْدَ السَّعْيِ لِرَوَاحِ مُصَلَّى عَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَيَقْطَعُ، وَلَا يَعُودُ إلَيْهَا عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَثَبَتَ عَلَيْهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: لِوُصُولِهِ أَيْ: لِوُصُولِ مُصَلَّى عَرَفَةَ وَلِلزَّوَالِ أَيْضًا، وَلَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ فَلَوْ وَصَلَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ لَبَّى لِلزَّوَالِ، أَوْ زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ قَبْلَ وُصُولِهِ لَبَّى لِوُصُولِهِ فَيَعْتَبِرُ الْأَقْصَى مِنْهُمَا، وَمُصَلَّى عَرَفَةَ هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ مَسْجِدُ إبْرَاهِيمَ وَمَسْجِدُ عُرَنَةَ بِالنُّونِ وَمَسْجِدُ نَمِرَةَ فَهِيَ أَسْمَاءٌ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ وَهُوَ الَّذِي عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ إلَى عَرَفَةَ.
وَلِمَا بَيْنَ مَبْدَأِ التَّلْبِيَةِ لِمُحْرِمِ الْمِيقَاتِ بِحَجٍّ وَمُنْتَهَاهُ بَيْنَ مَبْدَأِ الْمُحْرِمِ بِهِ مِنْ مَكَّةَ لِمُخَالَفَتِهِ لَهُ دُونَ مُنْتَهَاهُ لِمُوَافَقَتِهِ لَهُ فَقَالَ (وَمُحْرِمُ مَكَّةَ يُلَبِّي بِالْمَسْجِدِ) أَيْ: وَمُحْرِمُ مَكَّةَ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ مُقِيمًا بِهَا، وَلَا يَكُونُ إلَّا بِحَجٍّ مُفْرِدًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَمَكَانُهُ لِلْمُقِيمِ مَكَّةُ يُلَبِّي بِالْمَسْجِدِ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ، ثُمَّ هُوَ فِي انْتِهَائِهِ كَمَا سَبَقَ فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ رَوَاحُ مُصَلَّى عَرَفَةَ قَالَ فِيهَا: وَحُكْمُ مَنْ أَفْسَدَ الْحَجَّ فِي قَطْعِ التَّلْبِيَةِ وَغَيْرِهَا حُكْمُ مَنْ لَمْ يُفْسِدْهُ، وَلَمَّا نَوَّعَ مُحْرِمَ الْحَجِّ الْمُتَمَادِي عَلَيْهِ إلَى قِسْمَيْنِ نَوَّعَ مُحْرِمَ الْعُمْرَةِ إلَى قِسْمَيْنِ أَيْضًا بِحَسَبِ طُولِ الْمَسَافَةِ وَقِصَرِهَا فَقَالَ (ص) وَمُعْتَمِرُ الْمِيقَاتِ وَفَائِتُ الْحَجَّ لِلْحَرَمِ (ش) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ: وَمُعْتَمِرُ الْمِيقَاتِ مُدْرِكٌ الْحَجَّ، أَوْ فَائِتٌ الْحَجَّ يُلَبِّي لِلْحَرَمِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا إلَى رُؤْيَةِ الْبُيُوتِ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ، وَفِي هَذَا مِنْ التَّكَلُّفِ مَا لَا يَخْفَى فَلَوْ قَالَ: وَمُعْتَمِرُ الْمِيقَاتِ، وَإِنْ لِفَوَاتِ الْحَجِّ لِلْحَرَمِ لَسَلِمَ مِنْ هَذَا وَشَمِلَ، قَوْلُهُ: وَمُعْتَمِرُ الْمِيقَاتِ الْمُقِيمِ الَّذِي مَعَهُ نَفْسٌ حَيْثُ فَعَلَ مَا يُنْدَبُ لَهُ (ص) وَمِنْ الْجِعْرَانَةِ وَالتَّنْعِيمِ لِلْبُيُوتِ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَعْنَى أَيْ: وَالْمُعْتَمِرُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَمِنْ الْجِعْرَانَةِ وَالتَّنْعِيمِ فَإِنَّهُ يُلَبِّي إلَى دُخُولِ بُيُوتِ مَكَّةَ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ.
(ص) وَلِلطَّوَافِ الْمَشْيُ وَإِلَّا فَدَمٌ لِقَادِرٍ لَمْ يُعِدْهُ (ش) أَيْ: وَمِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ الْمَشْيُ فَلَوْ رَكِبَ، أَوْ حَمَلَ فِي الطَّوَافِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَشْيِ وَلَمْ يُعِدْهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ دَمًا، وَأَمَّا الْعَاجِزُ لَا دَمَ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ إلَّا أَنْ يُطِيقَ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ بِخِلَافِ الْمُصَلِّي جَالِسًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ فَرْضَهُ بِنَفْسِهِ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ، وَالطَّائِفُ مَحْمُولًا إنَّمَا طَافَ حَامِلُهُ وَلَكِنْ اكْتَفَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَايَةُ مَقْدُورِهِ وَالسَّعْيُ كَالطَّوَافِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَ فَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَلِلطَّوَافِ وَالسَّعْيِ الْمَشْيُ إلَخْ لَوَفَّى بِالْمَسْأَلَتَيْنِ قَالَ مَالِكٌ: وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ سَعَى رَاكِبًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَعَادَ سَعْيَهُ إنْ كَانَ قَرِيبًا، وَإِنْ تَبَاعَدَ وَطَالَ أَجْزَأَهُ وَأَهْدَى نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَنَقَلَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ.
(ص) وَتَقْبِيلُ حَجَرٍ بِفَمٍ أَوَّلَهُ (ش) هَذِهِ هِيَ السُّنَّةُ الثَّانِيَةُ مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ، وَهُوَ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ بِالْفَمِ فِي الشَّوْطِ الْأَوَّلِ وَتَقْبِيلُهُ فِيمَا عَدَاهُ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكْثُرُ فِيهِمَا) أَيْ: لِكَوْنِهِمَا مَوْضِعَهَا.
(تَنْبِيهٌ) : إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ عَرَفَةَ لَبَّى حَتَّى يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَالَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ أَيْ: إذَا أَحْرَمَ مِنْهَا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ مِنْهَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ يُلَبِّي لِلزَّوَالِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ: عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ) أَيْ: رَجَعَ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ إلَخْ وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ قَبْلَ ذَلِكَ: يَقْطَعُ إذَا رَاحَ إلَى الْمَوْقِفِ وَكَانَ يَقُولُ: يَقْطَعُ إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ
(قَوْلُهُ: وَمُعْتَمِرُ الْمِيقَاتِ مُدْرِكُ الْحَجِّ) حَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ مَنْ كَانَ أَحْرَمَ بِحَجٍّ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمِيقَاتِ، أَوْ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ فَاتَهُ الْحَجُّ لِمَرَضٍ، أَوْ عَدُوٍّ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ يُلَبِّي لِلْحَرَمِ، وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ يَخْرُجُ لِلْحِلِّ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ وَيُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ، وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي قَوْلُهُ وَفَائِتُ الْحَجِّ الْمَعْطُوفُ مَحْذُوفٌ، وَفَائِتٌ بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لَهُ أَيْ: وَمُعْتَمِرٌ فَائِتُ الْحَجِّ وَسَمَّاهُ مُعْتَمِرًا؛ لِأَنَّهُ تَحَلَّلَ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ وَفَائِتُ عَلَى هَذَا صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ، وَأَمَّا جَرُّهُ عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمِيقَاتِ فَيَتِمُّ عَلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ بَيَانِيَّةٌ وَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ لِمَرَضٍ، أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ أَوَائِلَ الْحَرَمِ.
(قَوْلُهُ:، وَإِنْ لِفَوَاتِ الْحَجِّ) يَقْتَضِي أَنَّ فَوَاتَ الْحَجِّ عِلَّةٌ لِلْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَشَمِلَ قَوْلُهُ: إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ كَخُرُوجٍ إلَخْ فِي الْمُحَرَّمِ مُطْلَقًا كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ، أَوْ بِعُمْرَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ فَقَطْ (قَوْلُهُ: لِلْبُيُوتِ) الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ يَقْطَعُ إذَا دَخَلَ بُيُوتَ مَكَّةَ، أَوْ الْمَسْجِدَ كُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ (قَوْلُهُ: مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَعْنَى أَيْ: وَالْمُعْتَمِرُ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ مَعْطُوفٍ عَلَى مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ أَيْ: وَالْمُعْتَمِرُ مِنْ الْمِيقَاتِ يُلَبِّي لِلْحَرَمِ، وَالْمُعْتَمِرُ مِنْ الْجِعْرَانَةِ، أَوْ التَّنْعِيمِ يُلَبِّي لِلْحَرَمِ
(قَوْلُهُ: أَيْ: مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ) الرَّاجِحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعِدْهُ) أَيْ: فَإِنْ أَعَادَهُ مَاشِيًا بَعْدَ رُجُوعِهِ لِبَلَدِهِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَيُطْلَبُ بِإِعَادَتِهِ مَاشِيًا، وَلَوْ مَعَ الْبُعْدِ وَلَا يُجْزِئُهُ الدَّمُ وَقَوْلُهُ: وَلِلطَّوَافِ شَامِلٌ لِلْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ فِي تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِالْوَاجِبِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَدَمٌ فَخَاصٌّ بِالْوَاجِبِ (قَوْلُهُ: لَوَفَّى بِالْمَسْأَلَتَيْنِ) ، فَلَوْ رَكِبَ فِي السَّعْيِ وَالطَّوَافِ مَعًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَيْهِ هَدْيًا وَاحِدًا لِلتَّدَاخُلِ وَيُحْتَمَلُ هَدْيَانِ قَالَهُ الْحَطَّابُ
(قَوْلُهُ: وَتَقْبِيلُ حَجَرٍ بِفَمٍ أَوَّلَهُ) مِنْ سُنَّتِهِ الطَّهَارَةُ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْ الطَّوَافِ الْمُشْتَرَطِ فِيهِ الطَّهَارَةُ وَيُسَنُّ اسْتِلَامُ الْيَمَانِيِّ بِيَدِهِ أَوَّلَهُ وَيَضَعُهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ وَيُنْدَبُ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ فِيمَا بَعْدَ الْأَوَّلِ، وَلَمْسُ الْيَمَانِيِّ بِيَدِهِ بَعْدَ الْأَوَّلِ وَالْمَسُّ بِالْعُودِ خَاصٌّ بِالْحَجَرِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِلَامِ الْيَمَانِيِّ بِيَدِهِ كَبَّرَ فَقَطْ
مُسْتَحَبٌّ، وَلَا بَأْسَ بِاسْتِلَامِهِ بِغَيْرِ طَوَافٍ، وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ، وَقَوْلُهُ: بِفَمٍ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ إذْ لَا يَكُونُ التَّقْبِيلُ إلَّا بِهِ، وَيُكْرَهُ تَقْبِيلُ الْمُصْحَفِ وَكَذَا الْخُبْزُ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ امْتِهَانَهُ مَكْرُوهٌ (ص)، وَفِي الصَّوْتِ قَوْلَانِ (ش) أَيْ: وَفِي إبَاحَتِهِ وَكَرَاهَتِهِ قَوْلَانِ (ص) وَلِلزَّحْمَةِ لَمْسٌ بِيَدٍ ثُمَّ عُودٍ وَوُضِعَا عَلَى فِيهِ ثُمَّ كَبَّرَ (ش) أَيْ: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَقْبِيلِ الْحَجَرِ فَإِنَّهُ يَمَسُّهُ بِيَدِهِ إنْ قَدَرَ، ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنْ عَجَزَ فَإِنَّهُ يَمَسُّهُ بِعُودٍ، ثُمَّ يَضَعُهُ عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ فَلَا يَكْفِي الْعُودُ مَعَ إمْكَانِ الْيَدِ وَلَا الْيَدُ مَعَ إمْكَانِ التَّقْبِيلِ بِالْفَمِ، ثُمَّ إنْ عَجَزَ عَنْ اللَّمْسِ بِمَا ذُكِرَ كَبَّرَ فَقَطْ وَمَضَى بِغَيْرِ إشَارَةٍ إلَيْهِ بِيَدِهِ، وَلَا رَفْعٍ لَهَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَاخْتَارَ عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ الْإِشَارَةَ مَعَ التَّقْبِيلِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى عَدَمِهَا، وَمَا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالتَّكْبِيرِ إلَّا بَعْدَ الْعَجْزِ عَمَّا قَبْلَهُ هُوَ مَا نَسَبَهُ فِي تَوْضِيحِهِ لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ مُعْتَرِضًا بِهِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ.
(ص) وَالدُّعَاءُ بِلَا حَدٍّ (ش) أَشَارَ بِهَذَا إلَى السُّنَّةِ الثَّالِثَةِ مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ وَمِثْلُهُ الذِّكْرُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام كُلُّ ذَلِكَ بِلَا حَدٍّ قَالَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ وَهِيَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَذْكَارِ، وَلَا يَقْرَأُ، وَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ الْمَجِيدُ أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَمْ يَرِدْ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَرَأَ فِي الطَّوَافِ فَإِنْ فَعَلَ فَلْيُسِرَّ الْقِرَاءَةَ لِئَلَّا يَشْغَلَ غَيْرَهُ عَنْ الذِّكْرِ اهـ.
(ص) وَرَمَلَ رَجُلٌ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ (ش) هَذِهِ هِيَ السُّنَّةُ الرَّابِعَةُ مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ يَعْنِي: أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الرِّجَالِ مِنْ الْمِيقَاتِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُسَنُّ فِي حَقِّهِ الرَّمَلُ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ مِنْ طَوَافِ الْقُدُومِ، أَوْ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ الرُّكْنِيِّ، وَلَا دَمَ عَلَى تَارِكِهِ، وَلَوْ عَمْدًا عَلَى الْمَشْهُورِ وَالرَّمَلُ أَنْ يَثِبَ فِي مَشْيِهِ وَثْبًا خَفِيفًا يَهُزُّ مَنْكِبَيْهِ، وَلَيْسَ بِالْوَثْبِ الشَّدِيدِ، وَلَا رَمَلَ عَلَى النِّسَاءِ فِي طَوَافِهِنَّ، وَلَا هَرْوَلَةَ فِي سَعْيِهِنَّ، وَلَا فِيمَا بَعْدَ الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَلَوْ لِتَارِكِهِ مِنْ الْأُوَلِ عَامِدًا، أَوْ نَاسِيًا، وَلَا يَكُونُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ إنْ فَعَلَ كَمَنْ قَرَأَ بِالسُّورَةِ فِي آخِرِ رَكَعَاتِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْأُولَيَيْنِ (ص)، وَلَوْ مَرِيضًا وَصَبِيًّا حَمْلًا وَلِلزَّحْمَةِ الطَّاقَةُ (ش) أَيْ: وَيُسَنُّ الرَّمَلُ، وَلَوْ كَانَ الطَّائِفُ مَرِيضًا وَصَبِيًّا حُمِلَ كُلٌّ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَيَرْمُلُ الْحَامِلُ وَيُحَرِّكُ الدَّابَّةَ كَمَا يُحَرِّكُهَا بِبَطْنِ مُحَسِّرٍ وَالْمَطْلُوبُ فِي الرَّمَلِ لِلزَّحْمَةِ الطَّاقَةُ فَلَا يُكَلَّفُ فَوْقَهَا وَيُكْرَهُ الطَّوَافُ مُخْتَلِطًا بِالنِّسَاءِ وَالسُّجُودُ عَلَى الرُّكْنِ، وَاسْتِلَامُ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرِ، وَكَثْرَةُ الْكَلَامِ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَإِنْشَادُ الشِّعْرِ إلَّا مَا خَفَّ كَالْبَيْتَيْنِ إذَا اشْتَمَلَا عَلَى وَعْظٍ وَالشُّرْبُ وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَتَغْطِيَةُ الرَّجُلِ فَمَهُ وَانْتِقَابُ الْمَرْأَةِ، وَالرُّكُوبُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَحَسْرُ الْمَنْكِبَيْنِ، وَالطَّوَافُ عَنْ الْغَيْرِ قَبْلَ الطَّوَافِ عَنْ نَفْسِهِ ابْنُ رَاشِدٍ، وَفِي بَعْضِهَا خِلَافٌ.
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِاسْتِلَامِهِ بِغَيْرِ طَوَافٍ) أَيْ: بِتَقْبِيلِهِ بِغَيْرِ طَوَافٍ (قَوْلُهُ: لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ) أَيْ: فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ امْتِهَانَهُ مَكْرُوهٌ)، وَلَوْ بِوَضْعِ الرِّجْلِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَفِي إبَاحَتِهِ) وَرَجَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُقَالَ، قَوْلُهُ: ثُمَّ كَبَّرَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَتَقْبِيلُ حَجَرٍ أَيْ: وَالسُّنَّةُ تَقْبِيلُ حَجَرٍ أَوَّلَهُ ثُمَّ كَبَّرَ وَهَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: وَلِلزَّحْمَةِ لَمْسٌ بِيَدٍ أَيْ: ثُمَّ كَبَّرَ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ عَوْدٌ أَيْ: ثُمَّ كَبَّرَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْعُودُ كَبَّرَ فَقَطْ فَالتَّكْبِيرُ مَطْلُوبٌ فِي حَالِ الْقُدْرَةِ وَعَدَمِهَا (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ تَصْوِيتٍ (قَوْلُهُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُكَبِّرُ مَعَ تَقْبِيلِهِ بِفِيهِ، أَوْ وَضْعِ يَدِهِ، أَوْ الْعُودِ ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَرَاتِبِ كَمَا يَجْرِي فِي الشَّوْطِ الْأَوَّلِ يَجْرِي فِيمَا عَدَاهُ، وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالِاسْتِلَامِ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، أَوْ صَرِيحُهَا أَنَّ التَّكْبِيرَ بَعْدَ التَّقْبِيلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ، وَظَاهِرُ ابْنِ فَرْحُونٍ أَنَّهُ قَبْلَ التَّقْبِيلِ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي اللَّمْسِ بِيَدٍ ثُمَّ عُودٍ.
(قَوْلُهُ: بِلَا حَدٍّ) أَيْ: فِي الدُّعَاءِ وَالْمَدْعُوِّ بِهِ جَمِيعًا فَلَا يَقْصُرُ دُعَاءَهُ عَلَى دُنْيَاهُ وَلَا عَلَى آخِرَتِهِ وَلَا عَلَى لَفْظٍ خَاصٍّ وَلَا عَلَى نَفْسِهِ، بَلْ يُعَمِّمُ فِي الْجَمِيعِ ك (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الذِّكْرُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ كَالدُّعَاءِ وَهَلْ الدُّعَاءُ وَالصَّلَاةُ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ، أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ سُنَّةٌ، أَوْ الدُّعَاءُ وَالذِّكْرُ وَالصَّلَاةُ كُلُّ ذَلِكَ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ؟ (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَحَبُّ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ جَعَلَ الذِّكْرَ سُنَّةً ثُمَّ ذَكَرَ هُنَا أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ فَهُوَ تَنَافٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ خُصُوصَ الدُّعَاءِ سُنَّةٌ وَأَمَّا الذِّكْرُ وَالصَّلَاةُ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ فَقَوْلُهُ وَمِثْلُهُ أَيْ: فِي مُطْلَقِ الطَّلَبِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ نَقَلَهَا عَنْ حَجّ لِأَنَّهَا عِبَارَتُهُ (قَوْلُهُ: الْبَاقِيَاتُ) أَيْ: الْبَاقِي ثَوَابُهَا (قَوْلُهُ: وَلَا يَقْرَأُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ مِمَّا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وَأُجِيبُ بِجَوَابَيْنِ: أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَقْرَأُ أَيْ: غَيْرَ هَذِهِ، أَوْ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ لَا عَلَى أَنَّهُ قُرْآنٌ
. (قَوْلُهُ: وَرَمَلَ رَجُلٌ) إذَا طَافَ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ عَنْ رَجُلٍ لَا عَنْ امْرَأَةٍ وَاحْتُرِزَ بِرَجُلٍ عَنْ الْمَرْأَةِ فَلَا تَرْمُلُ، وَلَوْ نَابَتْ عَنْ رَجُلٍ؛ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ أَيْ: كَالْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ (قَوْلُهُ: مِنْ طَوَافِ الْقُدُومِ) وَأَمَّا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَالرَّمَلُ فِيهِ مُسْتَحَبٌّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الطَّائِفُونَ فِي الرَّمَلِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ فَيَرْمُلُ الرَّجُلُ الْمُحْرِمُ بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ اتِّفَاقًا وَلَا تَرْمُلُ الْمَرْأَةُ وَالْمُتَطَوِّعُ وَالْمُوَدِّعُ اتِّفَاقًا، وَفِي فِعْلِ مُحْرِمٍ مِنْ مَكَّةَ وَمِنْ الْجِعْرَانَةِ وَمِنْ التَّنْعِيمِ، وَالْمُرَاهِقُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَرِيضُ خِلَافٌ ا. هـ. (قَوْلُهُ: أَنْ يَثِبَ) مِنْ وَثَبَ كَوَعَدَ يَعِدُ أَيْ: يَقْفِزُ (قَوْلُهُ: وَلَا رَمَلَ عَلَى النِّسَاءِ فِي طَوَافِهِنَّ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ.
(قَوْلُهُ: وَالسُّجُودُ عَلَى الرُّكْنِ) أَيْ: عَلَى الْحِجْرِ (قَوْلُهُ يَلِيَانِ الْحَجَرَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ (قَوْلُهُ: وَالرُّكُوبُ لِغَيْرِ عُذْرٍ) هَذَا ضَعِيفٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْيَ وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ (قَوْلُهُ: وَفِي بَعْضِهَا خِلَافٌ) فَقَدْ قِيلَ بِأَنَّهُ يُقِرُّ، أَوْ بِأَنَّهُ يَلْمِسُ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ
عَلَى سُنَنِ الطَّوَافِ شَرَعَ فِي سُنَنِ السَّعْيِ وَهِيَ عَلَى مَا ذَكَرَ هُنَا أَرْبَعٌ، وَلَا دَمَ فِي تَرْكِهِنَّ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ سُنَنِهِ الْمَشْيُ وَحُكْمُهُ فِي الدَّمِ وَعَدَمِهِ حُكْمُ الطَّوَافِ فِيهِ فَقَالَ (ص) وَلِلسَّعْيِ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ وَرَقْيُهُ عَلَيْهِمَا كَمَرْأَةٍ إنْ خَلَا (ش) أَيْ: وَمِنْ سُنَنِ السَّعْيِ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حِينَ فَرَاغِهِ مِنْ الطَّوَافِ وَرَكْعَتَيْهِ، ثُمَّ يَمُرُّ بِزَمْزَمَ فَيَشْرَبُ مِنْهَا وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ وَيُسْتَحَبُّ مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ، وَهُوَ بَابُ الصَّفَا لِقُرْبِهِ وَمِنْ سُنَنِهِ الرُّقِيُّ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِلرَّجُلِ لِاسْتِيعَابِهِ مَا بَيْنَهُمَا وَلِلْمَرْأَةِ أَيْضًا إنَّ خَلَا الْمَوْضِعُ أَيْضًا مِنْ الرِّجَالِ وَإِلَّا وَقَفَتْ أَسْفَلَهُمَا، وَقَوْلُهُ: إنْ خَلَا أَيْ: كُلٌّ مِنْهُمَا وَلِذَا لَمْ يَقُلْ إنْ خَلَيَا وَأَتَى بِالْكَافِ لِيَرْجِعَ الشَّرْطُ لِمَا بَعْدَهَا وَلِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَى الْعَطْفِ الْجَرُّ مَعَ عَدَمِ الْجَارِ، وَلَوْ قَالَ وَقِيَامُهُ عَلَيْهِمَا كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الرُّقِيِّ الْقِيَامُ كَمَا هُوَ الْمُسْتَحَبُّ.
(ص) وَإِسْرَاعٌ بَيْنَ الْأَخْضَرَيْنِ فَوْقَ الرَّمَلِ (ش) السُّنَّةُ الثَّالِثَةُ مِنْ سُنَنِ السَّعْيِ الْإِسْرَاعُ فِي حَقِّ الرِّجَالِ فَقَطْ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ فَوْقَ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ قَالَ سَنَدٌ سَعْيًا شَدِيدًا جَيِّدًا وَهُمَا اللَّذَانِ فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إلَى الْمَرْوَةِ أَوَّلُهُمَا فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ تَحْتَ مَنَارَةِ بَابِ عَلِيٍّ وَالثَّانِي بَعْدَهُ قُبَالَةَ رِبَاطِ الْعَبَّاسِ وَثَمَّ مِيلَانِ آخَرَانِ عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ فِي مُقَابَلَةِ الْمِيلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْخَبَبِ مِنْ عِنْدِ الْمِيلِ فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ، نَحْوُهُ فِي الْمَوَّاقِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَبِهِ يُرَدُّ اعْتِرَاضُ ح مِنْ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ قَبْلَ الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ بِنَحْوٍ مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ إلَخْ وَالْمِيلُ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِلْمِرْوَدِ وَسُمِّيَا مِيلَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا يُشْبِهَانِ الْمِرْوَدَيْنِ.
(ص) وَدُعَاءٌ (ش) يَعْنِي: أَنَّ السُّنَّةَ الرَّابِعَةَ مِنْ سُنَنِ السَّعْيِ الدُّعَاءُ عِنْدَ الرُّقِيِّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَالسُّنَّةُ الرَّابِعَةُ دُعَاءٌ وَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ فِيهِ حَدًّا وَهَذِهِ السُّنَّةُ عَامَّةٌ فِي حَقِّ مَنْ يَرْقَى عَلَيْهِمَا، وَمَنْ لَا يَرْقَى خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ.
(ص) ، وَفِي سُنِّيَّةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَوُجُوبِهِمَا تَرَدُّدٌ (ش) اتَّفَقَ الْمَذْهَبُ عَلَى عَدَمِ رُكْنِيَّتِهِمَا، وَلَا خِلَافَ فِي مَشْرُوعِيَّتهمَا وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ بِالسُّنِّيَّةِ وَالْوُجُوبِ، سَوَاءٌ كَانَ الطَّوَافُ وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا وَالْقَائِلُ بِالْأَوَّلِ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَبِالثَّانِي الْبَاجِيُّ وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْقَوْلُ بِتَبَعِيَّتِهِمَا لِلطَّوَافِ مِنْ وُجُوبٍ وَنَدْبٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ، وَلَوْ اعْتَبَرَهُ لَقَالَ، وَفِي سُنِّيَّةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَوُجُوبِهِمَا، وَالتَّبَعِيَّةُ لِلطَّوَافِ وَكَأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُعَوِّلْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْإِشَارَةُ بِالتَّرَدُّدِ وَالْأَبْهَرِيُّ لَيْسَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَيْ: فَلَيْسَ مِمَّنْ يُشِيرُ لَهُ بِالتَّرَدُّدِ، وَوَجْهُ وُجُوبِهِمَا عَلَى الْقَوْلِ بِهِ مَعَ نَدْبِ الطَّوَافِ أَنَّهُمَا لَمَّا كَانَتَا تَابِعَتَيْنِ لَهُ فَكَأَنَّهُمَا مِنْ تَتِمَّتِهِ وَبِالشُّرُوعِ فِيهِ كَأَنَّهُ شَارِعٌ فِيهِمَا فَلِذَلِكَ وَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهِمَا.
(ص) وَنَدْبًا كَالْإِحْرَامِ بِالْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْقِرَاءَةَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: حُكْمُ الطَّوَافِ فِيهِ) أَيْ: فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الدَّمِ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ: الْحَجَرِ) إذَا كَانَ عَلَى وُضُوءِ إذْ لَا يُقَبِّلُهُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ وَيَجْرِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ أَنَّهُ لِلزَّحْمَةِ لَمْسٌ بِيَدٍ ثُمَّ عُودٍ وَوَضِعَا عَلَى فِيهِ ثُمَّ كَبَّرَ وَجَعَلَ هَذِهِ السُّنَّةَ لِلسَّعْيِ مَعَ تَعَلُّقِهَا بِالْحَجَرِ لِكَوْنِهِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ.
(قَوْلُهُ وَرُقِيُّهُ عَلَيْهِمَا) كُلَّمَا يَصِلُ لِأَحَدِهِمَا لَا عَلَيْهِمَا مَرَّةً فَقَطْ وَلَا عَلَى أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ بَعْضُ سُنَّةٍ، وَالسُّنَّةُ تَحْصُلُ بِالرُّقِيِّ، وَلَوْ عَلَى سُلَّمٍ وَاحِدَةٍ وَلَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَصْعَدَ عَلَى أَعْلَاهُمَا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَالسُّنَّةُ تَحْصُلُ بِمُطْلَقِ الرُّقِيِّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَمُرُّ بِزَمْزَمَ) أَيْ: عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (قَوْلُهُ: فَيَشْرَبُ مِنْهَا إلَخْ) أَيْ: وَيَنْوِي بِشُرْبِهِ مَا أَرَادَ فَإِنَّ «مَاءَ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ بِهِ الْحَدِيثُ فَقَدْ جُرِّبْت بَرَكَتُهُ قَالَهُ سَيِّدِي زَرُّوقٌ وَسَيَأْتِي رَدُّهُ (قَوْلُهُ: إنْ خَلَا الْمَوْضِعُ مِنْ الرِّجَالِ) أَيْ: مِنْ مُزَاحَمَةِ الرِّجَالِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ الْخُلُوُّ عَنْ مُطْلَقِ الرِّجَالِ، بَلْ عَنْ مُزَاحَمَتِهِمْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ) لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى السُّنَّةِ فَقَوْلُهُ كَمَا هُوَ الْمُسْتَحَبُّ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ الِاعْتِرَاضِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي السُّنَنِ لَا فِي الْمُسْتَحَبَّاتِ
. (قَوْلُهُ: وَإِسْرَاعٌ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ مَا ذَكَرَهُ سَنَدٌ وَمَا ذَكَرَهُ الْمَوَّاقُ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِسْرَاعَ الْمَذْكُورَ خَاصٌّ بِالذَّهَابِ إلَى الْمَرْوَةِ وَلَا يَكُونُ فِي الْعَوْدِ مِنْهَا إلَى الصَّفَا وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَحِكْمَةُ الْإِسْرَاعِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ مَحَلُّ الْأَنْصَابِ أَيْ: الْأَصْنَامِ وَهَذِهِ الْحِكْمَةُ تَقْتَضِي سُنِّيَّةَ الْإِسْرَاعِ ذَهَابًا وَإِيَابًا فِي جَمِيعِ الْأَشْوَاطِ وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفِيدُهُ النَّقْلُ
(قَوْلُهُ: وَدُعَاءٌ إلَخْ) لَوْ قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ قَوْلَهُ وَدُعَاءٌ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَرُقِيُّهُ كَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ إنَّمَا هِيَ مَطْلُوبَةٌ عِنْدَ الرَّقِّيِّ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ فِيهِ حَدًّا) أَيْ: لَا فِي الْمَدْعُوِّ بِهِ وَلَا فِي الْمَدْعُوِّ لَهُ، وَلَا فِي صِيغَةٍ مِنْ الصِّيَغِ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ) أَيْ: مِنْ أَنَّهُ عِنْدَ الرَّقِّيِّ عَلَيْهِمَا أَيْ: الَّذِي هُوَ مُفَادُ الْعِبَارَةِ الْأُولَى
(قَوْلُهُ:، وَفِي سُنِّيَّةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ) وَالْمَشْهُورُ وُجُوبُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ، ظَاهِرُهُ أَنَّ التَّرَدُّدَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فِي التَّطَوُّعِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْوَاجِبِ مَا يَشْمَلُ الرُّكْنَ وَأَخَّرَ الْكَلَامَ عَلَى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ إلَى فَرَاغِ سُنَنِ السَّعْيِ مَعَ تَقَدُّمِهِمَا عَلَيْهِ فِعْلًا لِلِاخْتِلَافِ فِي حُكْمِهِمَا فَقَدَّمَ السُّنَّةَ قَطْعًا الْمُتَعَلِّقَةَ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَأَخَّرَ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا.
وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْهُمَا غَيْرُهُمَا.
(تَنْبِيهٌ) : فَإِنْ تَرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى تَبَاعَدَ، أَوْ رَجَعَ لِبَلَدِهِ فَعَلَهُمَا مُطْلَقًا وَأَهْدَى إنْ كَانَتَا مِنْ فَرْضٍ فَقَطْ فَإِنْ لَمْ يَتَبَاعَدْ وَلَا رَجَعَ لِبَلَدِهِ رَكَعَهُمَا فَقَطْ مِنْ فَرْضٍ، أَوْ نَفْلٍ إنْ لَمْ تَنْتَقِضْ طَهَارَتُهُ وَإِلَّا أَعَادَ الطَّوَافَ، وَلَوْ غَيْرَ فَرْضٍ وَصَلَّى رَكْعَتَيْهِ وَأَعَادَ السَّعْيَ إنْ تَعَمَّدَ النَّقْصَ وَإِلَّا أَعَادَ الطَّوَافَ الْفَرْضَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْهِ وَأَعَادَ السَّعْيَ، فَإِنْ كَانَ نَفْلًا صَلَّى رَكْعَتَيْهِ، وَخُيِّرَ فِيهِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ
الْقِرَاءَة تُسْتَحَبّ فِي رَكْعَتِي كُلّ طَوَاف بِسُورَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] بَعْد أُمّ الْقُرْآن فِي الرَّكْعَة الْأُولَى وَسُورَة الْإِخْلَاص مَعَ الْفَاتِحَة فِي الثَّانِيَة وَنُدِبَ فِي كُلِّ طَوَافٍ وَاجِبٍ، أَوْ تَطَوُّعٍ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ (قَوْلُهُ: يَقْدِرُ لِقَوْلِهِ وَاسْتِلَامُ إلَخْ) كَلَامٌ فِيهِ تَسَامُحٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: اسْتَعْمَلَ " اسْتِلَامُ " فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازُهُ بِالنَّظَرِ لِلْحَجَرِ وَهُوَ التَّقْبِيلُ (قَوْلُهُ: وَالنِّعْمَةَ) الْمَشْهُورُ فِي النِّعْمَةِ النَّصْبُ عَلَى الْعَطْفِ عِيَاضٌ يَجُوزُ فِيهَا الرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَإِنْ شِئْت جَعَلْت الْمَحْذُوفَ خَبَرَ " إنَّ " كَذَا قِيلَ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ النَّصْبَ مُتَعَيَّنٌ فِي النِّعْمَةِ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ عَمَلِهَا، وَصَوَابُهُ وَالْأَشْهَرُ فِي الْمِلْكِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَعَنْهُ كَرَاهَةُ الزِّيَادَةِ) مُغَايِرٌ لِلَّذِي قَبْلَهُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُخَالَفَةِ الْأَفْضَلِ الْكَرَاهَةُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خِلَافَ الْأَوْلَى فَإِنْ قُلْت: الزِّيَادَةُ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ كَمَا قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهَا غَيْرُ مَرْفُوعَةٍ وَلِذَا قَالَ غَيْرُهُ وَمُتَابَعَتُهُمْ لَهُ صلى الله عليه وسلم وَالْوُقُوفُ عِنْدَ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَشِدَّةُ وَرَعِهِمْ مَعْلُومَةٌ فَمَا مَعْنَى زِيَادَتِهِمْ عَلَى الْمَرْفُوعِ حَتَّى كَرِهَهَا مَالِكٌ مَرَّةً وَأَبَاحَهَا أُخْرَى قُلْت: قَالَ الْأَبِيُّ: لَعَلَّهُمْ فَهِمُوا عَدَمَ الْقَصْرِ عَلَى أُولَئِكَ الْكَلِمَاتِ وَأَنَّ الثَّوَابَ يُضَاعَفُ بِكَثْرَةِ الْعَمَلِ، وَاقْتِصَارُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بَيَانٌ لِأَقَلِّ مَا يَكْفِي، أَوْ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ لَيْسَتْ نَسْخًا لَهُ وَأَنَّ الشَّيْءَ وَحْدَهُ هُوَ كَذَلِكَ مَعَ غَيْرِهِ، فَالزِّيَادَةُ لَا تُنَافِي الْإِتْيَانَ بِتَلْبِيَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم.
(قَوْلُهُ: وَعَنْهُ إبَاحَتُهَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْإِذْنُ؛ لِأَنَّ هَذَا ذِكْرٌ وَلَا يُعْقَلُ فِيهِ اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ فَيَكُونُ الْقَصْدُ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَرْغُوبًا إلَيْك) أَيْ: فِيك أَيْ: فِي إحْسَانِك وَبَرَكَتِك (قَوْلُهُ: وَالرَّغْبَاءُ) يُقَالُ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَعَ الْمَدِّ وَبِقَصْرِهَا مَعَ الضَّمِّ وَحَكَى أَبُو عَلِيٍّ الْفَتْحَ وَالْقَصْرَ وَقَوْلُهُ: وَأَخَوَاتُهُ كَسَعْدَيْكَ وَدَوَالَيْكَ (قَوْلُهُ: مَعْنَاهَا التَّكْثِيرُ)، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ مُفْرَدٌ فَمَعْنَى لَبَّيْكَ إجَابَةٌ لَك (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ التَّثْنِيَةَ أَوَّلُ مَرَاتِبِ التَّكْرِيرِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ مُثَنَّاةٌ لَفْظًا مَعْنَاهَا التَّكْثِيرُ (قَوْلُهُ وَمَذْهَبُ يُونُسَ إلَخْ) رَدَّهُ عَلَيْهِ تِلْمِيذُهُ سِيبَوَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِثْلَ لَدَيْك وَعَلَيْك لَمْ يُقْلَبْ مَعَ الظَّاهِرِ كَمَا لَمْ يُقْلَبْ مَعَ لَدَى وَعَلَى إذَا دَخَلَا عَلَى الظَّاهِرِ لِأَنَّك تَقُولُ: لَدَى زَيْدٍ وَدَخَلْت عَلَى عُمَرَ وَبِخِلَافِ لَبَّى؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا
لَبَّى فَلَبَّى يَدَيْ مِسْوَرٍ
تُسْتَحَبُّ فِي رَكْعَتَيْ كُلِّ طَوَافٍ بِسُورَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا تُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ بِذَلِكَ فِي رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّتْ الْقِرَاءَةُ بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى التَّوْحِيدَيْنِ: الْعَمَلِيِّ وَالْعِلْمِيِّ فَإِنَّ السُّورَةَ الْأُولَى اعْتِقَادٌ عَمَلِيٌّ فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: لَا أَعْبُدُ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَالْإِخْلَاصُ اعْتِقَادٌ عِلْمِيٌّ، فَقَوْلُهُ: كَالْإِحْرَامِ تَشْبِيهٌ فِي الْقِرَاءَةِ بِالْكَافِرُونَ فِي الْأُولَى وَبِالْإِخْلَاصِ فِي الثَّانِيَةِ لَا فِي مُطْلَقِ الْقِرَاءَةِ وَذَكَرَ الْكَافِرُونَ بِالْوَاوِ عَلَى الْحِكَايَةِ (ص) وَبِالْمَقَامِ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إيقَاعُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فِي الْمَقَامِ، وَظَاهِرُهُ دَاخِلُهُ أَيْ: الْبِنَاءُ الْمُحِيطُ بِهِ وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ خَلْفَ الْبِنَاءِ الَّذِي عَلَى الْمَقَامِ، فَإِنَّ الْمَقَامَ هُوَ الْحَجَرُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْجِيمِ أَيْ: الْحَجَرُ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلنَّاسِ بِالْحَجِّ وَقَالَ فِي التَّنْبِيهِ، وَفِي سَبَبِ وُقُوفِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام عَلَى الْحَجَرِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَقَفَ عَلَيْهِ حِينَ غَسَلَتْ لَهُ زَوْجَةُ ابْنِهِ رَأْسَهُ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ قَامَ عَلَيْهِ لِبِنَاءِ الْبَيْتِ وَكَانَ إسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ (ص) وَدُعَاءٌ بِالْمُلْتَزِمِ (ش) أَيْ: وَنُدِبَ دُعَاءٌ بِلَا حَدٍّ بِالْمُلْتَزَمِ بَعْدَ الطَّوَافِ وَرَكْعَتَيْهِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْبَابِ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَفِي الْمُوَطَّأِ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ فَيَلْتَزِمُهُ وَيَعْتَنِقُهُ وَاضِعًا صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ عَلَيْهِ بَاسِطًا كَفَّيْهِ كَمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ وَيَقُولُ: رَأَيْت الْمُصْطَفَى يَفْعَلُ كَذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ سَمِعْت مَالِكًا يَسْتَحِبُّ ذَلِكَ مَالِكٌ، وَهُوَ الْمُتَعَوَّذُ أَيْضًا ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ الْمُلْتَزِمُ وَالْمُدَّعَى وَالْمُتَعَوَّذُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَيُسَمَّى الْحَطِيمَ؛ لِأَنَّهُ يُدْعَى فِيهِ عَلَى الظَّالِمِ فَيُحْطَمُ.
(ص) وَاسْتِلَامُ الْحَجَرِ وَالْيَمَانِيِّ بَعْدَ الْأَوَّلِ (ش) أَيْ: وَنُدِبَ فِي كُلِّ طَوَافٍ وَاجِبٍ، أَوْ تَطَوُّعٍ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ أَيْ: تَقْبِيلُهُ وَلَمْسُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ الَّذِي يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجَرِ - بِفَتْحِ الْحَاءِ - رُكْنَانِ فِي آخِرِ كُلِّ شَوْطٍ بَعْدَ الشَّوْطِ الْأَوَّلِ وَهِيَ الْأَطْوَافُ السِّتَّةُ وَاسْتِلَامُهُمَا فِي الشَّوْطِ الْأَوَّلِ سُنَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ لِلْمُؤَلِّفِ، لَكِنْ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَيُؤْخَذُ الْحُكْمُ فِي الْيَمَانِيِّ مِنْ هُنَا لِنَفْيِهِ عَنْهُ الِاسْتِحْبَابَ فَيَتَعَيَّنُ السُّنِّيَّةُ إذْ لَا يُتَوَهَّمُ الْوُجُوبُ، وَمِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى الرُّكْنَيْنِ يُفْهَمُ عَدَمُ اسْتِلَامِ الشَّامِيِّينَ، وَالتَّكْبِيرُ عِنْدَهُمَا وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ يُكَبِّرُ إذَا حَاذَاهُمَا أَنْكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ بَعْضٌ، لَكِنْ نَقَلَهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي حَاوِيهِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى يُقَدَّرُ لِقَوْلِهِ وَاسْتِلَامُ الْحَجَرِ عَامِلٌ أَيْ: وَتَقْبِيلُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَاسْتِلَامُ الْيَمَانِيِّ فِيمَا عَدَا الْأَوَّلَ مُسْتَحَبٌّ وَفِي الشَّوْطِ الْأَوَّلِ سُنَّةٌ.
(ص) وَاقْتِصَارٌ عَلَى تَلْبِيَةِ الرَّسُولِ عليه السلام (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى تَلْبِيَةِ الْمُصْطَفَى وَهِيَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك.
قَالَ مَالِكٌ وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا أَفْضَلُ وَعَنْهُ كَرَاهَةُ الزِّيَادَةِ وَعَنْهُ إبَاحَتُهَا فَقَدْ زَادَ عُمَرُ لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ مَرْهُوبًا مِنْك وَمَرْغُوبًا إلَيْك وَابْنُ عُمَرَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْك لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك.
وَلَبَّيْكَ وَأَخَوَاتُهُ مَصَادِرُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ مُثَنَّاةٌ لَفْظًا مَعْنَاهَا التَّكْثِيرُ وَالتَّكْرِيرُ الدَّائِمُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4] أَيْ: ارْجِعْهُ دَائِمًا فَلَا تَرَى فِي السَّمَاءِ مَشْقُوقًا؛ لِأَنَّ التَّثْنِيَةَ أَوَّلُ مَرَاتِبِ التَّكْرَارِ فَدَلَّ بِهَا عَلَيْهِ، وَمَذْهَبُ يُونُسَ أَنَّهُ اسْمٌ مُفْرَدٌ قُلِبَتْ أَلْفُهُ يَاءً كَعَلَيْك وَلَدَيْك، وَالْمُخْتَارُ
ــ
[حاشية العدوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
كَسْرُ إنَّ عَلَى فَتْحِهَا مِنْ أَنَّ الْحَمْدَ؛ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ وَإِخْبَارٌ مُسْتَأْنَفٌ، وَالْفَتْحُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ وَمَعْنَى لَبَّيْكَ الْإِجَابَةُ أَيْ: إجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ، أَوْ اللُّزُومُ وَالْإِقَامَةُ عَلَى الطَّاعَةِ مِنْ لَبَّ بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ.
(ص) وَدُخُولُ مَكَّةَ نَهَارًا (ش) قَالَ سَيِّدِي زَرُّوقٌ يُسْتَحَبُّ لِلْآتِي مَكَّةَ أَرْبَعٌ: نُزُولُهُ بِذِي طَوًى، وَهُوَ الْوَادِي الَّذِي تَحْتَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيُسَمَّى الزَّاهِرُ، وَاغْتِسَالُهُ فِيهِ، وَنُزُولُهُ مَكَّةَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا، وَمَبِيتُهُ بِالْوَادِي الْمَذْكُورِ فَيَأْتِي مَكَّةَ ضُحًى (ص) وَالْبَيْتُ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى مَكَّةَ أَيْ: وَيُسْتَحَبُّ دُخُولُ الْبَيْتِ لَا وَأَنْ يَأْتِيَ الْبَيْتَ كَمَا فَهِمَهُ الْمَوَّاقُ، وَظَاهِرُهُ جَوَازُ دُخُولِهِ وَلَوْ لَيْلًا، وَإِقْرَارُ النَّبِيِّ عليه السلام الْمَفَاتِيحَ بِيَدِ مَنْ هِيَ مَعَهُ حَيْثُ اعْتَذَرَ لِلنَّبِيِّ بِقَوْلِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَفْتَحْهَا لَيْلًا لَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَا فِي الْإِسْلَامِ إلَخْ جَبْرٌ وَتَطْيِيبٌ لِخَاطِرِهِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَةِ دُخُولِهِ لَيْلًا (ص) وَمِنْ كَدَاءٍ لِمَدَنِيٍّ (ش) أَيْ: وَيُسْتَحَبُّ دُخُولُ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ لِمَنْ أَتَى مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَمْ لَا، وَهُوَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: لِمَدَنِيٍّ لَا الْمَدَنِيُّ فَقَطْ وَكَدَاءُ هِيَ الثَّنِيَّةُ أَيْ: الطَّرِيقُ الصُّغْرَى الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ الَّتِي يَهْبِطُ مِنْهَا إلَى الْأَبْطَحِ وَالْمَقْبَرَةُ تَحْتَهَا عَنْ يَسَارِك وَأَنْتَ نَازِلٌ مِنْهَا فَإِذَا نَزَلَتْ أَخَذْت كَمَا أَنْتَ إلَى الْمَسْجِدِ قَالَهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَالْمَقْبَرَةُ عَنْ يَسَارِك لَعَلَّهُ فِي الزَّمَنِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَمَّا الْيَوْمُ فَبَعْضُهَا عَلَى الْيَسَارِ وَبَعْضُهَا عَلَى الْيَمِينِ، وَكَدَاءُ بِالْمَدِّ وَفَتْحِ الْكَافِ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ لِمَنْ أَتَى مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ كَدَاءٍ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي دَعَا فِيهِ إبْرَاهِيمُ رَبَّهُ بِأَنْ يَجْعَلَ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ فَقِيلَ لَهُ {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا} [الحج: 27] الْآيَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: يَأْتُوك وَلَمْ يَقُلْ يَأْتُونِي (ص) وَالْمَسْجِدُ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ (ش) أَيْ: وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ دُخُولُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ بِبَابِ السَّلَامِ، وَيُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ مِنْهُ مِنْ بَابِ بَنِي سَهْمٍ (ص) وَخُرُوجُهُ مِنْ كُدًى (ش) كُدًى بِضَمِّ الْكَافِ وَالْقَصْرِ وَهِيَ الثَّنِيَّةُ الَّتِي بِأَسْفَلَ مَكَّةَ أَيْ: وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ لِلْمَدَنِيِّ مِنْ مَكَّةَ مِنْ كُدًى فَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا النَّبِيُّ عليه السلام إلَى الْمَدِينَةِ وَيُعْرَفُ بِبَابِ بَنِي سَهْمٍ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى، وَخُرُوجُهُ يَعْنِي: الْمَدَنِيَّ أَيْضًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَيْضًا مِنْ كُدًى وَهِيَ الثَّنِيَّةُ الْوُسْطَى الَّتِي بِأَسْفَلَ مَكَّةَ مَضْمُومُ الْكَافِ مَنُونٌ مَقْصُورٌ كَمَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ.
(ص) وَرُكُوعُهُ لِلطَّوَافِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ تَنَفُّلِهِ (ش) أَيْ: وَنُدِبَ لِمَنْ طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ أَنْ يُؤَخِّرَ الرُّكُوعَ لِحِلِّ النَّافِلَةِ بِالْغُرُوبِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ قَبْلَ تَنَفُّلِهِ لِلْمَغْرِبِ فَالِاسْتِحْبَابُ مُنَصَّبٌ عَلَى كَوْنِ الرُّكُوعِ لِلطَّوَافِ قَبْلَ التَّنَفُّلِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَاسْتِحْبَابُهُ مَعْلُومٌ مِنْ كَرَاهَةِ النَّافِلَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ الطَّوَافَ لِلْغُرُوبِ، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْأَحَبَّ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ الْعَصْرِ أَنْ يُقِيمَ بِذِي طَوًى حَتَّى يُمْسِي لِيَصِلَ بَيْنَ طَوَافِهِ وَرُكُوعِهِ وَسَعْيِهِ، فَإِنْ دَخَلَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَخِّرَ الطَّوَافَ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَيْ: وَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ فَيَرْكَعُ وَيَسْعَى إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَدُخُولُ مَكَّةَ نَهَارًا إلَخْ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ يَشْمَلُ مَنْ
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ) فَالْمَعْنَى: أَنَّ الْحَمْدَ لَك عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَمَّا عَلَى الْفَتْحِ فَالْمَعْنَى لَبَّيْكَ لِهَذَا الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: أَيْ إجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ) أَيْ: بَعْدَ إجَابَةٍ هَذَا عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّهَا مُثَنَّاةٌ لَفْظًا وَقَوْلُهُ: أَيْ: إجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ قَالَ عب فَالْإِجَابَةُ الْأُولَى إشَارَةٌ إلَى قَوْله تَعَالَى {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] وَالثَّانِيَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ} [الحج: 27] انْتَهَى. وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعْنَى أَجَبْنَاك إجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ إنْ كَانَ حَجَّ مَرَّةً وَاحِدَةً وَإِنْ كَانَ حَجَّ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ فِي ثَانِيَتِهِمَا فَمَعْنَاهُ أَجَبْنَاك إجَابَةً وَهِيَ الْآنَ بَعْدَ إجَابَةٍ أَيْ: فِي الْحَجَّةِ الْأُولَى بَعْدَ إجَابَةٍ فِي إجَابَةِ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ بَعْدَ إجَابَةٍ أَيْ: حِينَ قِيلَ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172](قَوْلُهُ: اللُّزُومُ) فَمَعْنَى لَبَّيْكَ لَزِمْنَا طَاعَتُك لُزُومًا وَقَوْلُهُ: وَالْإِقَامَةُ فَمَعْنَى لَبَّيْكَ أَقَمْنَا عَلَى طَاعَتِك.
(قَوْلُهُ: وَدُخُولُ مَكَّةَ نَهَارًا) أَيْ: ضُحًى (قَوْلُهُ: مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا) أَيْ: الطَّرِيقِ الْعُلْيَا (قَوْلُهُ: وَالْبَيْتِ) ثُمَّ مُقْتَضَى كَوْنِهِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ مِنْ الْبَيْتِ أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ قَدْ أَتَى بِهَذَا الْمُسْتَحَبِّ قَالَهُ الْجِيزِيُّ (قَوْلُهُ: وَمِنْ كَدَاءٍ لِمَدَنِيٍّ) أَيْ: إنْ لَمْ يُؤَدِّ لِزَحْمَةٍ، أَوْ ضِيقٍ، أَوْ أَذِيَّةِ أَحَدٍ وَإِلَّا تَعَيَّنَ تَرْكُ الدُّخُولِ مِنْهُ كَمَا قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ (قَوْلُهُ: لِمَنْ أَتَى مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ) أَيْ: وَلَا يُنْدَبُ لِآتٍ مِنْ غَيْرِهَا، وَإِنْ مَدَنِيًّا (قَوْلُهُ: كَمَا أَنْتَ) أَيْ: عَلَى مَا أَنْتَ أَيْ: عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي) أَقُولُ: تِلْكَ الْعِلَّةُ تَقْتَضِي الدُّخُولَ لِكُلِّ حَاجٍّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آتِيًا مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِكُلِّ حَاجٍّ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ كَدَاءٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ طَرِيقَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي دَعَا فِيهِ إبْرَاهِيمُ رَبَّهُ وَمُفَادُ عج اعْتِمَادُ مَا قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ.
(فَقَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ يَأْتُوك) أَيْ: يَأْتُوا إلَى مَوْضِعِك وَلَمْ يَقُلْ يَأْتُونِي، فَلَوْ قَالَ يَأْتُونِي لَكَانَ الْمَدَارُ عَلَى الْوُصُولِ لِلْبَيْتِ مِنْ أَيِّ طَرِيقٍ كَانَتْ (قَوْلُهُ وَالْمَسْجِدُ)، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي طَرِيقِ الدَّاخِلِ (قَوْلُهُ: وَيُعْرَفُ بِبَابِ بَنِي سَهْمٍ) اُنْظُرْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ نَسَبَهُ أَوَّلًا لِلْمَسْجِدِ ثُمَّ خَالَفَهُ هُنَا فَنَسَبَهُ إلَى بَابِ الْحَارَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَابَ بَنِي سَهْمٍ اسْمٌ لِبَابِ الْحَارَّةِ فَقَطْ وَهُوَ بَابُ شُبَيْكَةَ وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ عَلَى قَوْلِهِ: بَابُ بَنِي سَهْمٍ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِبَابِ شُبَيْكَةَ (قَوْلُهُ: وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَيْضًا) أَيْ:؛ لِأَنَّهَا طَرِيقُهُ فَكَأَنَّهَا مِنْ جِهَةِ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَيْضًا (قَوْلُهُ: كَمَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَدَاءَ الْأَوَّلُ مَفْتُوحُ الْكَافِ مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِأَنَّهُ عَلَمٌ وَالثَّانِي مَضْمُومُ الْكَافِ مُنَوَّنٌ مَقْصُورُ كَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ بَعْضٌ الْعَكْسَ انْتَهَى.
وَفِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ أَنَّ الْأَوَّلَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مُنَوَّنٌ وَالثَّانِي بِضَمِّ الْكَافِ مُنَوَّنٌ مَقْصُورٌ
(قَوْلُهُ: وَرُكُوعُهُ لِلطَّوَافِ) بَعْدَ الْعَصْرِ حِينَ دُخُولِ مَكَّةَ مُخَالِفٌ الْأَوْلَى مِنْ إقَامَتِهِ لِلْغُرُوبِ بِذِي طَوًى
طَافَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَمَنْ طَافَ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ دَخَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَنْ يُؤَخِّرَ الطَّوَافَ حَتَّى يُصَلِّي الْمَغْرِبَ (ص) وَبِالْمَسْجِدِ (ش) أَيْ: وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوقِعَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَلَفَ الْمَقَامِ (ص) وَرَمَلُ مُحْرِمٍ مِنْ كَالتَّنْعِيمِ (ش) الْكَلَامُ السَّابِقُ فِي سُنِّيَّةِ الرَّمَلِ فِيمَنْ طَافَ لِلْقُدُومِ، وَقَدْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَهَذَا فِيمَنْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْ الْمِيقَاتِ، أَوْ لَمْ يَطُفْ لِلْقُدُومِ، فَقَوْلُهُ: مِنْ كَالتَّنْعِيمِ مُتَعَلِّقٌ بِمُحْرِمٍ لَا بِرَمَلٍ وَالْمَعْنَى: أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَحْرَمَ بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ بِهِمَا مِنْ الْجِعْرَانَةِ، أَوْ مِنْ التَّنْعِيمِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَرْمُلَ فِي طَوَافِهِ لِلْقُدُومِ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ رَاهَقَهُ أَيْ: إضَافَةَ الْوَقْتِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَمْ يَطُفْ لِلْقُدُومِ كَنَاسٍ لَهُ وَمُحْرِمٍ مِنْ مَكَّةَ مَكِّيًّا، أَوْ آفَاقِيًّا أَنْ يَرْمُلَ إذَا طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(أَوْ بِالْإِفَاضَةِ لِمُرَاهِقٍ) أَيْ: وَنَحْوِهِ فَلَوْ أَدْخَلَ الْكَافَ، أَوْ قَالَ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ لِلْقُدُومِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَعُمَّ مَنْ فَقَدَ شَرْطَهُ، أَوْ نَسِيَهُ أَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ، أَمَّا لَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ وَتَرَكَ الرَّمَلَ نِسْيَانًا، أَوْ عَمْدًا فَلَا يَرْمُلُ لِإِفَاضَتِهِ.
(ص) لَا تَطَوُّعَ وَوَدَاعَ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَافَ طَوَافًا تَطَوُّعًا، أَوْ طَافَ لِلْوَدَاعِ لَا يُسْتَحَبُّ الرَّمَلُ فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ الْوَارِدِ فِيهِ أَيْ: يُكْرَهُ الرَّمَلُ فِيهِمَا، وَعَطْفُ الْوَدَاعِ عَلَى التَّطَوُّعِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ.
(ص) وَكَثْرَةُ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ وَنَقَلَهُ (ش) أَيْ: وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ لِكُلٍّ مَنْ بِمَكَّةَ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ وَيَتَوَضَّأُ وَيَغْتَسِلُ بِهِ مَا أَقَامَ بِمَكَّةَ وَيُكْثِرُ مِنْ الدُّعَاءِ عِنْدَ شُرْبِهِ وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك عِلْمًا نَافِعًا، وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَصَحَّحَ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» ، ابْنُ عُيَيْنَةَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَالْحَافِظُ الدِّمْيَاطِيُّ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ فِيهِ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ ذِكْرِ طُرُقِهِ: إنَّهُ يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ قَوَاعِدِ الْحَدِيثِ، وَحَدِيثُ الْبَاذِنْجَانِ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا نَقْلُ مَاءِ زَمْزَمَ مِنْ مَكَّةَ لِغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَزَوَّدَ مِنْهُ إلَى بَلَدِهِ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ «عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُ مَاءَ زَمْزَمَ وَتُخْبِرُ أَنَّهُ كَانَ عليه السلام يَحْمِلُهُ» .
(ص) وَلِلسَّعْيِ شُرُوطُ الصَّلَاةِ (ش) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَنْدُوبِ قَبْلَهُ أَيْ: وَنُدِبَ لِلسَّعْيِ شُرُوطُ الصَّلَاةِ مَا عَدَا الِاسْتِقْبَالَ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ، وَلَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، أَوْ تَذَكَّرَ حَدَثًا، أَوْ أَصَابَهُ حَقْنٌ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِي، فَإِنْ أَتَمَّ سَعْيَهُ كَذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَاسْتُخِفَّ اشْتِغَالُهُ بِالْوُضُوءِ وَلَمْ يَرَهُ مُخِلًّا بِالْمُوَالَاةِ الْوَاجِبَةِ فِي السَّعْيِ لِيَسَارَتِهِ.
(ص) وَخُطْبَةٌ بَعْدَ ظُهْرِ السَّابِعِ بِمَكَّةَ وَاحِدَةٌ (ش) أَيْ: وَنُدِبَ خُطْبَةٌ بَعْدَ ظُهْرِ يَوْمِ السَّابِعِ بِمَكَّةَ وَاحِدَةٌ، وَلَا يَجْلِسُ فِي وَسَطِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ يَفْتَتِحُهَا بِالتَّلْبِيَةِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا وَبَاقِي الْخُطَبِ يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَقِيلَ: اثْنَتَانِ وَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ أَرْجَحُ مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ اُنْظُرْ ح (ص) يُخْبِرُ بِالْمَنَاسِكِ (ش) أَيْ: يُخْبِرُ فِي الْخُطْبَةِ بِالْمَنَاسِكِ الَّتِي تُفْعَلُ مِنْهَا إلَى الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ خُرُوجِهِمْ إلَى مِنًى وَصَلَاتِهِمْ بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَمَبِيتِهِمْ لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَصَلَاتِهِمْ الصُّبْحَ صَبِيحَتَهَا بِمِنًى وَغُدُوِّهِمْ إلَى عَرَفَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَتَحْرِيضِهِمْ عَلَى النُّزُولِ بِنَمِرَةَ.
(ص) وَخُرُوجُهُ لِمِنًى قَدْرَ مَا يُدْرِكُ بِهَا الظُّهْرَ (ش) أَيْ: وَنُدِبَ خُرُوجُهُ يَوْمَ الثَّامِنِ وَيُسَمَّى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ لِمِنًى
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَبِالْمَقَامِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُمَا مُسْتَحَبَّانِ أَيْ: كَوْنُهُ فِي الْمَسْجِدِ وَخَلْفَ الْمَقَامِ إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ خَلْفَ الْمَقَامِ عُرِفَ مِمَّا تَقَدَّمَ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ الْجِعْرَانَةِ، أَوْ التَّنْعِيمِ) ظَاهِرٌ فِي الْعُمْرَةِ، وَأَمَّا الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ فَهُوَ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْجِعْرَانَةَ وَالتَّنْعِيمَ لَيْسَا مِيقَاتَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ، سَوَاءٌ كَانَ مُفْرِدًا، أَوْ قَارِنًا عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ فَمَا يَأْتِي بِهِ مِنْ الطَّوَافِ لَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ طَوَافُ الْقُدُومِ، بَلْ طَوَافُ الْعُمْرَةِ الرُّكْنِيُّ (قَوْلُهُ: أَوْ بِالْإِفَاضَةِ) مَعْطُوفٌ عَلَى مِنْ كَالتَّنْعِيمِ، وَالتَّقْدِيرُ وَرَمَلَ مُحْرِمٌ مُلْتَبِسًا بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ، أَوْ الْمَعْطُوفِ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ، أَوْ طَائِفٌ مُلْتَبِسٌ بِالْإِفَاضَةِ وَيَكُونُ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ مُحْرِمٌ وَقَوْلُهُ: لِمُرَاهِقٍ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: وَذَلِكَ بِالنَّظَرِ لِمُرَاهِقٍ (قَوْلُهُ: فَلَوْ أَدْخَلَ الْكَافَ) أَيْ: بِأَنْ قَالَ لَكَمُرَاهِقٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ قَالَ كَمِنْ الْأَوْلَى حَذْفُ الْكَافِ وَيَأْتِي بَدَلَهَا بِاللَّامِ
(قَوْلُهُ: لَا تَطَوُّعَ وَوَدَاعَ) فِي شَرْحِ عب، وَالظَّاهِرُ كَرَاهَتُهُ فِي هَذَيْنِ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ وَحَدِيثُ الْبَاذِنْجَانِ) بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: «الْبَاذِنْجَانُ لِمَا أُكِلَ لَهُ» (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَزَوَّدَ مِنْهُ) أَيْ: يَأْخُذُهُ زَادَ بِأَنْ يَشْرَبَهُ فِي الطَّرِيقِ وَإِنَّمَا جَعَلَهُ يَتَزَوَّدُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُغَذِّي فَيَقُومُ مَقَامَ الزَّادِ فَهَذِهِ غَيْرُ قَوْلِهِ: قَبْلَ نَقْلِ مَاءِ زَمْزَمَ
(قَوْلُهُ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ) أَيْ: فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ شُرُوطُ الصَّلَاةِ أَيْ: الْمُمْكِنَةِ
(قَوْلُهُ وَاحِدَةً) يَجُوزُ رَفْعُ " وَاحِدَةً " صِفَةً لِخُطْبَةِ وَنَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ نَكِرَةً لِوَصْفِهَا بِالظَّرْفِ قَالَهُ الْبَدْرُ (قَوْلُهُ: أَيْ وَنُدِبَ خُطْبَةٌ) هَذَا ضَعِيفٌ وَالرَّاجِحُ أَنَّهَا سُنَّةٌ (قَوْلُهُ: بَعْدَ ظُهْرِ يَوْمِ السَّابِعِ) فَلَوْ قَعَدَ قَبْلَ ظُهْرِ يَوْمِ السَّابِعِ لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِالْمُسْتَحَبِّ ك (قَوْلُهُ وَلَا يَجْلِسُ فِي وَسَطِهَا) .
اعْلَمْ أَنَّ الْوَحْدَةَ تَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْجُلُوسِ فَمَنْ رَآهَا وَاحِدَةً نَفَى الْجُلُوسَ، وَمَنْ رَآهَا اثْنَتَيْنِ أَثْبَتَهُ لَا مَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ مِنْ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ، وَالْخِلَافُ فِي الْجُلُوسِ كَمَا أَشَارَ لَهُ مُحَشِّي تت (قَوْلُهُ: يَفْتَتِحُهَا إلَخْ) ، وَفِي الشَّارِحِ وتت الِاقْتِصَارُ عَلَى افْتِتَاحِهَا بِالتَّكْبِيرِ وَذَكَرَهُمَا الْحَطَّابُ قَوْلَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ مُحْرِمًا وَإِلَّا فَيَتَعَيَّنُ التَّكْبِيرُ كَمَا شَرَحَ شب (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَرْجَحُ) قَالَ مُحَشِّي تت وَلَمْ أَرَ مَنْ شَهَرَهُ فَمُفَادُهُ أَنَّ الرَّاجِحَ الْأَوَّلَ (قَوْلُهُ: يُخْبِرُ بِالْمَنَاسِكِ) أَيْ: يُذَكِّرُ مَنْ كَانَ عَارِفًا وَيُعَلِّمُ الْجَاهِلَ فَهُوَ شَامِلٌ لِهَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ ثُمَّ إنَّ إخْبَارَهُ بِالْمَنَاسِكِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَحَقُّقُ هَذِهِ الْخُطْبَةِ فَإِنْ لَمْ يُخَيَّرْ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِهَا
. (قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) أَيْ: وَيَوْمَ النُّقْلَةِ لَمَّا كَانُوا يَحْمِلُونَ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ إلَى عَرَفَةَ
وَيُكْرَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهَا قَبْلَ يَوْمِهَا وَإِلَى عَرَفَةَ قَبْلَ يَوْمِهَا، وَلَوْ بِتَقْدِيمِ الْأَثْقَالِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ بَعْدَ زَوَالِ الثَّامِنِ، وَمَنْ بِهِ أَوْ بِدَابَّتِهِ ضَعْفٌ بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُ آخِرَ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ إذَا خَرَجَ بَعْدَ الزَّوَالِ يَخْرُجُ قَبْلَ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يُدْرِكُ بِهَا الظُّهْرَ فِي آخِرِ الْمُخْتَارِ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُهَا إلَى الضَّرُورِيِّ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: قَدْرَ مَا يُدْرِكُ بِهَا الظُّهْرَ وَلَوْ وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَإِنَّهُ الْأَفْضَلُ لِلْمُسَافِرِينَ وَأَمَّا الْمُقِيمُونَ فَتَجِبُ عَلَيْهِمْ انْتَهَى ابْنُ الْحَاجِبِ فَيُصَلِّي الصَّلَوَاتِ لِوَقْتِهَا قَصْرًا وَيَبِيتُ بِهَا، وَلَا دَمَ فِي تَرْكِهِ، وَهُوَ مَعْنًى، قَوْلُهُ:(وَبَيَاتُهُ بِهَا) لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَصَلَاةُ الصُّبْحِ بِهَا.
(ص) وَسَيْرُهُ لِعَرَفَةَ بَعْدَ الطُّلُوعِ وَنُزُولُهُ بِنَمِرَةَ (ش) أَيْ: وَنُدِبَ سَيْرُهُ لِعَرَفَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا يُجَاوِزُ بَطْنَ مُحَسِّرٍ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِيرٍ؛ لِأَنَّ مُحَسِّرًا فِي حُكْمِ مِنًى، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَدَّمَ الضَّعِيفُ، وَمَنْ بِهِ عِلَّةٌ قَبْلَ الطُّلُوعِ، وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ النُّزُولُ بِنَمِرَةَ وَهِيَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ، وَهُوَ مَكَانٌ بِعَرَفَةَ فَيَضْرِبُ الْإِمَامُ خِبَاءً بِهِ، أَوْ قُبَّةً كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
(ص) وَخُطْبَتَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ (ش) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَنْدُوبِ قَبْلَهُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ خُطَبِ الْحَجِّ وَهِيَ الَّتِي تَقَعُ يَوْمَ عَرَفَةَ بِمَسْجِدِهَا تَكُونُ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا قَبْلَهُ يَجْلِسُ فِي وَسَطِهَا يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا صَلَاتَهُمْ بِعَرَفَةَ وَوُقُوفَهُمْ بِهَا وَمَبِيتَهُمْ بِمُزْدَلِفَةَ وَجَمْعَهُمْ بِهَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَوُقُوفَهُمْ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَإِسْرَاعَهُمْ بِوَادِي مُحَسِّرٍ وَرَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَالْحَلْقَ وَالتَّقْصِيرَ وَالنَّحْرَ وَالذَّبْحَ وَطَوَافَ الْإِفَاضَةِ فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَصَلَّى بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ ابْنُ عَرَفَةَ.
لَوْ صَلَّى بِغَيْرِ خُطْبَةٍ أَجْزَأَ أَبُو عِمْرَانَ إجْمَاعًا فَقَوْلُهُ وَخُطْبَتَانِ أَيْ: خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا - وَالْخُطْبَةُ الثَّالِثَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُؤَلِّفُ وَلَعَلَّهُ لِتَرْكِ النَّاسِ الْيَوْمَ لَهَا فِي الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ الظُّهْرِ -: وَاحِدَةٌ يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا حُكْمَ مَبِيتِهِمْ بِمِنًى وَكَيْفِيَّةَ الرَّمْيِ وَمَا يَلْزَمُ بِتَرْكِهِ، أَوْ بَعْضِهِ، وَحُكْمَ التَّعْجِيلِ وَالتَّأْخِيرِ، وَتَعْجِيلَ الْإِفَاضَةِ وَالتَّوْسِعَةَ فِي تَأْخِيرِهِ، وَطَوَافَ الْوَدَاعِ وَنَحْوَ ذَلِكَ،
(ص) ثُمَّ أُذِّنَ (ش) أَيْ: ثُمَّ بَعْدَ الْخُطْبَتَيْنِ أُذِّنَ لَا عِنْدَ جُلُوسِهِ، وَلَا قَبْلَهَا، وَلَا فِيهَا، أَوْ بَعْدَهَا، وَلَا فِي آخِرِهَا بِحَيْثُ يَفْرُغُ مِنْهُ مَعَ فَرَاغِ الْخُطْبَةِ خِلَافًا لِزَاعِمِي ذَلِكَ وَيُقِيمُ وَالْإِمَامُ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ.
(ص) وَجَمْعٌ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ أَثَرَ الزَّوَالِ (ش) أَيْ: ثُمَّ إذَا أُذِّنَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ أَيْ: الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ جَمْعَ تَقْدِيمٍ بِأَذَانٍ ثَانٍ وَإِقَامَةٍ لِلْعَصْرِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي الْجَلَّابِ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَقِيلَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ الْمَوَّازِ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ تَرْكُ جَمْعِ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ وَيُصَلِّي الظُّهْرَ، وَلَوْ وَافَقَ جُمُعَةً انْتَهَى.
قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ جَمَعَ الرَّشِيدُ مَالِكًا وَأَبَا يُوسُفَ فَسَأَلَهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ بِعَرَفَةَ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُصَلِّهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ قَدْ صَلَّاهَا؛ لِأَنَّهُ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ وَصَلَّى بَعْدَهُمَا رَكْعَتَيْنِ وَهَذِهِ جُمُعَةٌ فَقَالَ مَالِكٌ أَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ كَمَا يَجْهَرُ بِالْجُمُعَةِ؟ فَسَكَتَ أَبُو يُوسُفَ وَسَلَّمَ، وَفِي عِبَارَةٍ أُخْرَى، وَفِي تَغْيِيرِ الْمُؤَلِّفِ الْأُسْلُوبَ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ أُذِّنَ وَجَمَعَ إلَخْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ حُكْمَ الْأَذَانِ وَالْجَمْعِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ الْحُكْمُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا السُّنِّيَّةُ لَا الِاسْتِحْبَابُ (ص) وَدُعَاءٌ وَتَضَرُّعٌ لِلْغُرُوبِ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ بِعَرَفَةَ فَإِنَّهُ يَقِفُ لِلدُّعَاءِ بِهَا رَاكِبًا وَالْمَاشِي وَاقِفًا وَلِلتَّسْبِيحِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهَا) إلَى آخِرِ يَوْمِ مِنًى الثَّامِنِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَيُكْرَهُ الْخُرُوجُ لِكُلٍّ قَبْلَ يَوْمِهِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُقِيمُونَ) الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَجَّ (قَوْلُهُ: لَيْلَةَ عَرَفَةَ) أَرَادَ بِهَا لَيْلَةَ التَّاسِعِ
(قَوْلُهُ: عَلَى ثَبِيرٍ) بِوَزْنِ أَمِيرٍ اسْمُ جَبَلٍ (قَوْلُهُ: خِبَاءً) الْخِبَاءُ مَا يُعْمَلُ مِنْ وَبَرٍ، أَوْ صُوفٍ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ شَعْرٍ، وَالْجَمْعُ أَخْبِيَةٌ بِغَيْرِ هَمْزٍ مِثْلُ كِسَاءٍ وَأَكْسِيَةٍ، وَيَكُونُ عَلَى عَمُودَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْتٌ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ: أَوْ قُبَّةً) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْقُبَّةُ مِنْ الْبُنَيَّانِ مَعْرُوفَةٌ وَتُطْلَقُ عَلَى الْبَيْتِ الْمُدَوَّرِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ التُّرْكُمَانِ وَالْأَكْرَادِ وَالْجَمْعُ قِبَابٌ مِثْلُ بُرْمَةٍ وَبِرَامٍ أَفَادَهُ فِي الْمِصْبَاحِ وَلَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا مَا قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ الْقُبَّةَ مِنْ الْخِيَامِ بَيْتٌ صَغِيرٌ (قَوْلُهُ: كَمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) رَاجِعٌ لِلْقُبَّةِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مُسْلِمٍ
(قَوْلُهُ وَخُطْبَتَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ) الرَّاجِحُ السُّنِّيَّةُ (قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ يَكُونُ بَعْدَ الزَّوَالِ) وَمُقَابِلُهُ مَا حَكَاهُ التُّونُسِيُّ مِنْ الْإِجْزَاءِ إنْ وَقَعَتْ الْخُطْبَةُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالصَّلَاةُ بَعْدَهُ وَمَا فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مِنْ أَنَّهُ يَخْطُبُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ بِيَسِيرٍ (قَوْلُهُ: ثُمَّ أُذِّنَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ: وَلَا قَبْلَهَا) هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ: عِنْدَ جُلُوسِهِ فَقَدْ نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْأَذَانَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فِي حَالِ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ كَالْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا فِيهَا، أَوْ بَعْدَهَا) ، أَوْ لِلتَّخْيِيرِ أَشَارَ لَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إنْ شَاءَ أَذَّنَ فِي الْخُطْبَةِ، أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهَا وَقَوْلُهُ: وَلَا فِي آخِرِهَا إشَارَةٌ إلَى مَا حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ حَتَّى يَكُونَ فَرَاغُهُ مِنْ الْأَذَانِ مَعَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الْخُطْبَةِ (قَوْلُهُ وَيُقِيمُ وَالْإِمَامُ جَالِسٌ) أَيْ: وَيُقِيمُ وَالْإِمَامُ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ كَالْأَذَانِ بَعْدَ خُطْبَتِهِ
(قَوْلُهُ: وَجَمَعَ) جَمْعَ تَقْدِيمٍ مِنْ غَيْرِ نَفْلٍ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَمْنَعْهُ (قَوْلُهُ: إثْرَ الزَّوَالِ) أَيْ: بَعْدَهُ وَالْإِتْيَانُ بِثُمَّ يَدُلُّ عَلَى تَأْخِيرِ الْأَذَانِ مَعَ الْجَمْعِ عَلَى الْخُطْبَتَيْنِ وَأَظْهَرُ مِنْهُ أَنْ لَوْ قَالَ إثْرَ الزَّوَالِ فَإِنْ فَاتَهُ الْجَمْعُ مَعَ الْإِمَامِ جَمَعَهُمَا وَحْدَهُ فَإِنَّهُ تَرَكَهُ جُمْلَةً فَعَلَيْهِ دَمٌ كَمَا فِي اللُّمَعِ.
قَالَ الْبَدْرُ يُسْتَغْرَبُ الدَّمُ فِي تَرْكِ سُنَّةٍ فَلَعَلَّهُ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ) أَيْ: وَالْإِقَامَةُ مُتَعَدِّدَةٌ فِي كُلِّ حَالٍ أَيْ: فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلدُّعَاءِ (قَوْلُهُ وَتَضَرُّعٌ) أَرَادَ بِهِ إظْهَارَ شِدَّةِ الرَّغْبَةِ فِي طَلَبِ الْإِجَابَةِ بِأَنْ يَدْعُوَ بِتَلَهُّفٍ وَيُظْهِرُ الْكَرْبَ وَالْحَاجَةَ وَالْفَاقَةَ وَالذُّلَّ وَالِافْتِقَارَ لَا عَلَى وَجْهِ التَّرَفُّهِ، أَوْ الْكَسَلِ، أَوْ الْأَنَفَةِ وَالْعَظَمَةِ
وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَلِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ عليه السلام مُتَضَرِّعًا إلَى الْغُرُوبِ، ثُمَّ دَفَعَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ هَكَذَا فَعَلَ النَّبِيُّ عليه السلام، وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ» (ص) وَوُقُوفُهُ بِوُضُوءٍ وَرُكُوبُهُ بِهِ ثُمَّ قِيَامٌ إلَّا لِتَعَبٍ (ش) أَيْ: وَمِمَّا يُنْدَبُ: وُقُوفُهُ عَلَى وُضُوءٍ لِيَكُونَ عَلَى أَكْمَلِ الْحَالَاتِ، وَرُكُوبُهُ بِهِ لِوُقُوفِهِ عليه السلام كَذَلِكَ وَلِكَوْنِهِ أَعْوَنَ عَلَى مُوَاصَلَةِ الدُّعَاءِ وَأَقْوَى عَلَى الطَّاعَةِ، وَيُحْمَلُ النَّهْيُ عَنْ اتِّخَاذِ ظُهُورِ الدَّوَابِّ كَرَاسِيَّ عَلَى مَا إذَا حَصَلَ لِلدَّابَّةِ مَشَقَّةٌ وَلِذَلِكَ لَوْ حَصَلَ لَهَا ضَرَرٌ، أَوْ عَدِمَتْ اُسْتُحِبَّ الْقِيَامُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَقْدَامِ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ.
(ص) وَصَلَاتُهُ بِمُزْدَلِفَةَ الْعِشَاءَيْنِ (ش) قَالَ فِيهَا، وَمَنْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ عِلَّةٌ، وَلَا بِدَابَّتِهِ، وَهُوَ يَسِيرُ بِسَيْرِ النَّاسِ فَلَا يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ إلَّا بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَإِنْ صَلَّى قَبْلَهَا أَعَادَ إذَا أَتَاهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ «الصَّلَاةُ أَمَامَك» قِيلَ لِمَالِكٍ، فَإِنْ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ قَبْلَ الشَّفَقِ قَالَ هَذَا مِمَّا لَا أَظُنُّهُ يَكُونُ، وَلَوْ كَانَ مَا أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ انْتَهَى وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ حَبِيبٍ لَا يُصَلِّي حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ انْتَهَى.
وَلَا يَشْتَغِلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ، وَلَوْ شَيْئًا خَفِيفًا، ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ صَلَاتَهُ بِمُزْدَلِفَةَ مُسْتَحَبَّةٌ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ لَا يُقَالُ إنَّمَا حُكِمَ بِالنَّدْبِ عَلَى صَلَاتِهِمَا بِالْمُزْدَلِفَةِ غَيْرَ مَجْمُوعَتَيْنِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ جَمْعَهُمَا سُنَّةٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ صَلَاتُهُمَا غَيْرَ مَجْمُوعَتَيْنِ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا، وَلَا يَكُونُ مَنْدُوبًا وَهَذَا إذَا وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ وَسَارَ مَعَ النَّاسِ، أَوْ لَمْ يَسِرْ مَعَهُمْ لِغَيْرِ عَجْزٍ فَإِنْ لَمْ يَقِفْ مَعَهُ بِأَنْ لَمْ يَقِفْ أَصْلًا، أَوْ وَقَفَ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجْمَعُ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَلَا بِغَيْرِهَا وَيُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا بِمَنْزِلَةِ غَيْرِ الْحَاجِّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنْ وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ وَتَأَخَّرَ عَنْ السَّيْرِ مَعَ النَّاسِ لِعَجْزِهِ صَلَّاهُمَا بَعْدَ الشَّفَقِ أَيْ: فِي أَيِّ مَحَلٍّ أَرَادَ وَسَيَأْتِي.
(ص) وَبَيَاتُهُ بِهَا (ش) يَعْنِي: وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ الْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَإِنْ تَرَكَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا النُّزُولُ بِهَا فَهُوَ وَاجِبٌ إنْ تَرَكَهُ لَزِمَهُ الدَّمُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ فَالدَّمُ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي مَنْسَكِهِ: وَالظَّاهِرُ لَا يَكْفِي فِي النُّزُولِ إنَاخَةُ الْبَعِيرِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حَطِّ الرِّحَالِ قَالَ ح وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَحْصُلْ لُبْثٌ، أَمَّا إنْ حَصَلَ، وَلَوْ لَمْ تُحَطُّ الرِّحَالُ أَيْ: بِالْفِعْلِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَافٍ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ فَيَنْزِلُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَعَشَّوْنَ وَيَلْقُطُونَ الْجِمَارَ وَيَنَامُونَ سَاعَةً وَشَقَادِفُهُمْ عَلَى الدَّوَابِّ، نَعَمْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ انْتَهَى.
وَمَنْ تَرَكَ النُّزُولَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ لَزِمَهُ الدَّمُ وَمَنْ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَاءَ بَعْدَ الشَّمْسِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهِمَا كَمَا هُوَ حَاصِلُ كَلَامِ سَنَدٍ، فَقَوْلُهُ: وَبَيَاتُهُ بِهَا أَيْ: الْقَدْرُ الزَّائِدُ عَلَى الْوَاجِبِ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ النُّزُولَ بِقَدْرِ مَا تُحَطُّ الرِّحَالُ وَاجِبٌ، سَوَاءٌ حُطَّتْ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا.
(ص) وَجَمَعَ وَقَصَرَ إلَّا أَهْلَهَا (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ يُسَنُّ لِكُلِّ حَالٍّ بِمُزْدَلِفَةَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ، وَلَوْ مِنْ أَهْلِهَا وَيَقْصُرُ الْعِشَاءَ فَقَطْ لِلسُّنَّةِ إذْ لَيْسَ هُنَاكَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ وَنَحْوِهِ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ قَصْرِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ قَالَ: إلَّا كَمَكِّيٍّ فِي خُرُوجِهِ لِعَرَفَةَ وَرُجُوعِهِ فَمَا هُنَا تَكْرَارٌ مَعَهُ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ إلَّا أَهْلَهَا رَاجِعٌ لِلْقَصْرِ فَقَطْ أَيْ: وَقَصْرٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ مُزْدَلِفَةَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْعِشَاءَ (ص) كَمِنًى وَعَرَفَةَ (ش) أَيْ: كَحَالٍّ فِي مِنًى
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ) أَيْ: الدُّعَاءُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ أَيَّ دُعَاءٍ كَانَ، أَوْ الدُّعَاءُ الْمَنْسُوبُ لِيَوْمِ عَرَفَةَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ شب بِقَوْلِهِ: وَيَبْدَأُ دُعَاءَهُ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَدْعُو بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا مِنْ أَلْفَاظِهِ عليه الصلاة والسلام كَقَوْلِهِ تَعَالَى {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة: 200]{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه: 25]{وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} [طه: 26]{رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]{رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} [المؤمنون: 29]{رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون: 94] إلَخْ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ شب وَالْأَوَّلُ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَوُقُوفُهُ بِوُضُوءٍ) أَيْ: حُضُورُهُ (قَوْلُهُ: بِهِ) أَيْ: فِيهِ أَيْ: الْوُقُوفِ (قَوْلُهُ: قِيَامٌ) أَيْ: لِلرِّجَالِ فَقَطْ وَكُرِهَ لِلنِّسَاءِ (قَوْلُهُ: إلَّا لِتَعَبٍ) مِنْ قِيَامٍ، أَوْ لِدَابَّةٍ، أَوْ مِنْ رُكُوبِهَا، أَوْ مِنْ وُضُوءٍ فَيَكُونُ عَدَمُ ذَلِكَ أَفْضَلُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ (قَوْلُهُ: وَيُحْمَلُ النَّهْيُ) أَيْ: وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا تَتَّخِذُوا ظُهُورَ الدَّوَابِّ كَرَاسِيَّ»
(قَوْلُهُ: بِمُزْدَلِفَةَ) سُمِّيَتْ مُزْدَلِفَةَ مِنْ الِازْدِلَافِ وَهُوَ التَّقَرُّبُ؛ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ إذَا أَفَاضُوا مِنْ عَرَفَاتٍ ازْدَلَفُوا إلَيْهَا أَيْ: تَقَرَّبُوا وَمَضَوْا إلَيْهَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَأَيْضًا جَمْعٌ لِاجْتِمَاعِ آدَمَ وَحَوَّاءَ فِيهَا وَقِيلَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا، مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ.
(قَوْلُهُ قَالَ فِيهَا، وَمَنْ دَفَعَ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَا تُفِيدُ أَنَّ الْمُكْثَ بِعَرَفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مَطْلُوبٌ مَعَ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ فَلْيُحْمَلْ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى وَمَنْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ أَيْ: وَمَكَثَ بَعْضَ الْمُكْثِ
(قَوْلُهُ: وَبَيَاتُهُ بِهَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ هُوَ الْإِقَامَةُ لَيْلًا، سَوَاءٌ نَامَ أَمْ لَا (قَوْلُهُ وَلَوْ جَاءَ) مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ لَزِمَهُ دَمٌ وَلِقَوْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ وَجَمَعَ وَقَصَّرَ) فِعْلَانِ مَاضِيَانِ يُفِيدُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ سُنَّةٌ وَهَذَا كَالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ وَصَلَاتُهُ بِمُزْدَلِفَةَ الْعِشَاءَيْنِ وَإِنْ كَانَ جَعَلَهُ لَهُ كَالتَّفْسِيرِ يُفِيدُ أَنْ يُقْرَأَ كُلٌّ مِنْ اللَّفْظَيْنِ اسْمًا وَيُعْطَفُ عَلَى الْمَنْدُوبِ كَمَا فَعَلَ تت، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُنَّةٌ (قَوْلُهُ: أَيْ: كَحَالٍّ فِي مِنًى) حَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ مَنْ كَانَ حَالًّا بِمِنًى فَيُسَنُّ فِي حَقِّهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَبَيْنَ الظُّهْرَيْنِ مُطْلَقًا كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَمْ لَا، وَالْحَالُّ فِي عَرَفَةَ كَذَلِكَ وَالْحَالُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ هُوَ الْجَمْعُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ
يَجْمَعُ الظُّهْرَيْنِ وَالْعِشَاءَيْنِ مُطْلَقًا وَيَقْصُرُ إلَّا أَهْلَهَا، وَالْحَالُّ فِي عَرَفَةَ كَذَلِكَ يَجْمَعُ مُطْلَقًا وَيَقْصُرُ إلَّا أَهْلَهَا، وَلَمَّا كَانَ الْجَمْعُ بِمُزْدَلِفَةَ خَاصًّا بِمَنْ دَفَعَ بِدَفْعِ الْإِمَامِ مِنْ عَرَفَةَ، وَهُوَ يَسِيرُ بِسَيْرِ النَّاسِ، أَمَّا مَنْ بِهِ أَوْ بِدَابَّتِهِ عِلَّةٌ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(ص)، وَإِنْ عَجَزَ فَبَعْدَ الشَّفَقِ إنْ نَفَرَ مَعَ الْإِمَامِ (ش) أَيْ: وَإِنْ عَجَزَ عَنْ لَحَاقِ النَّاسِ بِالسَّيْرِ بَعْدَ وُقُوفِهِ مَعَهُمْ فَيَجْمَعُ بَعْدَ الشَّفَقِ فِي أَيِّ مَحَلٍّ إنْ وَقَفَ وَنَفَرَ مَعَ الْإِمَامِ، فَقَوْلُهُ: إنْ نَفَرَ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ إنْ وَقَفَ، وَكَذَا فِي الْمَنَاسِكِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَمَنْ لَمْ يَقِفْ مَعَهُ صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(ص) وَإِلَّا فَكُلٌّ لِوَقْتِهِ (ش) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَقِفْ مَعَ الْإِمَامِ بِعَرَفَةَ، بَلْ وَقَفَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجْمَعُ، بَلْ يُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ إنَّمَا شُرِعَ لِمَنْ وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ (ص) ، وَإِنْ قُدِّمَتَا عَلَيْهِ أَعَادَهُمَا (ش) الضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِ يَرْجِعُ لِلشَّفَقِ، أَوْ لِمَحَلِّ الْجَمْعِ أَيْ: وَإِنْ قَدَّمَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ عَلَى الشَّفَقِ كَانَ عَاجِزًا أَمْ لَا وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ أَمْ لَا نَفَرَ مَعَهُ أَمْ لَا أَعَادَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بَعْدَ الشَّفَقِ لَكِنَّ إعَادَةَ الْمَغْرِبِ اسْتِحْبَابًا فِي الْوَقْتِ وَالْعِشَاءِ وُجُوبًا أَبَدًا لِوُقُوعِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا أَوْ، وَإِنْ قَدَّمَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ عَلَى مَحَلِّ الْجَمْعِ، وَهُوَ الْمُزْدَلِفَةُ مَنْ يَجْمَعُ فِيهِ، وَهُوَ مَنْ نَفَرَ مَعَ الْإِمَامِ، وَلَا عَجْزَ بِهِ أَعَادَهُمَا اسْتِحْبَابًا فِيهِمَا لِمُخَالَفَتِهِ لِلسُّنَّةِ فِي حَقِّهِ.
(ص) وَارْتِحَالُهُ بَعْدَ الصُّبْحِ مُغَلِّسًا (ش) أَيْ: وَنُدِبَ ارْتِحَالُهُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوَّلَ وَقْتِهَا فَالْمُرَادُ بِالصُّبْحِ صَلَاتُهُ وَمُغَلِّسًا حَالٌ مِنْهُ، وَلَيْسَ مَفْعُولَ ارْتِحَالِهِ (ص) وَوُقُوفُهُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ يُكَبِّرُ وَيَدْعُو لِلْإِسْفَارِ، وَاسْتِقْبَالُهُ بِهِ (ش) أَيْ: يَرْتَحِلُ قَبْلَ الْوُضُوءِ لِيَأْتِيَ الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، وَهُوَ فِي الْمُزْدَلِفَةِ فَيَسْتَمِرُّ وَاقِفًا بِهِ مُسْتَقْبِلًا بِالدُّعَاءِ وَبِالتَّهْلِيلِ وَبِالتَّحْمِيدِ وَبِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ عليه السلام بِالتَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي عَرَفَةَ إلَى الْإِسْفَارِ الْأَعْلَى، وَهُوَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَالْمَشْعَرُ عَنْ يَسَارِهِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ بِالدُّعَاءِ رَفْعًا خَفِيفًا وَالْمَشْعَرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا، وَهُوَ مَا بَيْنَ جَبَلَيْ الْمُزْدَلِفَةِ وَقُزَحٍ بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ فَزَايٍ مَفْتُوحَةٍ فَمُهْمَلَةٍ سُمِّيَ مَشْعَرًا لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّعَائِرِ وَهِيَ مَعَالِمُ الدِّينِ وَالطَّاعَةِ وَمَعْنَى الْحَرَامِ الْمُحَرَّمُ أَيْ: الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الصَّيْدُ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُ مِنْ الْحَرَمِ (ص)، وَلَا وُقُوفَ بَعْدَهُ (ش) أَيْ: وَلَا وُقُوفَ مَشْرُوعٌ بَعْدَ الْإِسْفَارِ الْأَعْلَى كَمَا فِي الْجَلَّابِ لِمُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقِفُونَ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ ابْنُ الْقَاسِمِ، فَإِنْ أَخَّرَ عَنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَيَحْتَمِلُ كَمَا فِي الشَّارِحِ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْإِمَامِ أَيْ: وَلَا وُقُوفَ بَعْدَ الْإِمَامِ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ الْأَوَّلِ إذْ نَفْيُ الْوُقُوفِ بَعْدَ الْإِسْفَارِ مُسْتَفَادٌ مِنْ جَعْلِ الْإِسْفَارِ غَايَةً لِلْوُقُوفِ (ص)، وَلَا قَبْلَ الصُّبْحِ (ش) أَيْ: وَلَا وُقُوفَ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَقِفْ.
(ص) وَإِسْرَاعٌ بِبَطْنِ مُحَسِّرٍ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِسْرَاعُ فِي بَطْنِ وَادِي مُحَسِّرٍ لِلسُّنَّةِ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام فَعَلَ ذَلِكَ، وَهُوَ وَادٍ بَيْنَ الْمُزْدَلِفَةِ وَمِنًى قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ لَيْسَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ، ثُمَّ حَاءٍ مَفْتُوحَةٍ، ثُمَّ سِينٍ مُشَدَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ، ثُمَّ رَاءٍ مُهْمَلَةٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِحَسْرِ فِيلِ أَصْحَابِ الْفِيلِ فِيهِ أَيْ: إعْيَائِهِ وَقِيلَ نَزَلَ فِيهِ عَلَيْهِمْ الْعَذَابُ.
(ص) وَرَمْيُهُ الْعَقَبَةَ حِينَ وُصُولِهِ (ش) أَيْ: وَنُدِبَ حِينَ وُصُولِهِ إلَى مِنًى قَبْلَ حَطِّ رَحْلِهِ رَمْيُ جَمْرَةٍ فَالِاسْتِحْبَابُ مُنْصَبٌّ عَلَى الرَّمْيِ حِينَ الْوُصُولِ؛ لِأَنَّهَا تَحِيَّةُ الْحَرَمِ، وَأَمَّا رَمْيُهَا فِي نَفْسِهَا فَوَاجِبٌ وَبَالَغَ عَلَى تَعْجِيلِ رَمْيِهَا بِقَوْلِهِ:(وَإِنْ رَاكِبًا) وَيَأْتِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ رَمْيُهَا
ــ
[حاشية العدوي]
الْعِشَاءَيْنِ هُوَ الْجَمْعُ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ وَهَذَا غَيْرُ مُرَادٍ؛ لِأَنَّهُ لَا صِحَّةَ لَهُ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَشْبِيهًا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقَصَّرَ إلَّا أَهْلَهَا بِمَعْنَى: أَنَّ كُلَّ حَالٍّ فِي مِنًى وَعَرَفَةَ يُقَصِّرُ إلَّا أَهْلَهَا فَالْحُجَّاجُ حِينَ يَكُونُونَ بِمِنًى فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يُقَصِّرُونَ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَوْ كَانَ حَاجًّا (قَوْلُهُ أَوْ، وَإِنْ قَدَّمَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ عَلَى مَحَلِّ الْجَمْعِ) هَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ كَمَا أَفَادَهُ مُحَشِّي تت
(قَوْلُهُ وَوُقُوفُهُ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا أَفَادَهُ مُحَشِّي تت قَالَ الْأُجْهُورِيُّ وَهَلْ النَّدْبُ يَحْصُلُ بِالْوُقُوفِ، وَإِنْ لَمْ يُكَبِّرْ وَيَدْعُ فَهُمَا مُسْتَحَبٌّ آخَرُ، أَوْ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْوُقُوفِ مَعَهُمَا، أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا؟ وَالثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ لَكِنْ لَا يَتَوَقَّفُ النَّدْبُ عَلَى التَّكْبِيرِ وَالدُّعَاءِ بَلْ يَكْفِي مُقَارَنَتُهُ لِأَحَدِهِمَا انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: لِلْإِسْفَارِ) بِإِخْرَاجِ الْغَايَةِ (قَوْلُهُ: وَالْمَشْعَرُ عَنْ يَسَارِهِ) يُنَافِي التَّعْبِيرَ بِقَوْلِهِ: أَوْ لَا وَاقِفًا بِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ وَاقِفًا بِقُرْبِهِ وَقَوْلُهُ: وَقُزَحُ هُوَ جَبَلٌ (قَوْلُهُ مَعَالِمُ الدِّينِ وَالطَّاعَةِ) أَيْ: مَحَلُّ عِلْمِ الدِّينِ أَيْ: مَا يَتَدَيَّنُ بِهِ وَهُوَ الطَّاعَةُ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّحْمِيدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِ ذَلِكَ أَيْ: مَحَلُّ الدِّينِ الْمَعْلُومِ (قَوْلُهُ: أَيْ: الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الصَّيْدُ) فَهُوَ يُقْرَأُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَنِسْبَةُ التَّحْرِيمِ لَهُ مَجَازٌ، أَوْ يُقْرَأُ بِالْفَتْحِ أَيْ: الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الصَّيْدُ
(قَوْلُهُ: عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ) أَيْ: لِأَنَّهُ قِيلَ بَعْضُهُ مِنْ مِنًى وَبَعْضُهُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ وَقِيلَ: الْمَشْعَرُ بَيْنَ جَبَلَيْ الْمُزْدَلِفَةِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَهَلْ بَطْنُ مُحَسِّرٍ وَادٍ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَبَيْنَ مِنًى قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ لَيْسَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ، أَوْ هُوَ مِنْ مِنًى وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ بَعْضُهُ مِنْ مِنًى وَبَعْضُهُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَصَوَّبَهُ أَقْوَالٌ (قَوْلُهُ لِحَسْرِ فِيلِ أَصْحَابِ الْفِيلِ فِيهِ) الْحَقُّ أَنَّ قَضِيَّةَ الْفِيلِ لَمْ تَكُنْ بِوَادِي مُحَسِّرٍ، بَلْ خَارِجَ الْحَرَمِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا.
(قَوْلُهُ وَرَمْيُهُ الْعَقَبَةَ) وَلَا يَقِفُ لِلدُّعَاءِ، بَلْ يَرْجِعُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ (قَوْلُهُ وَبَالَغَ عَلَى تَعْجِيلِهَا بِقَوْلِهِ: وَإِنْ رَاكِبًا) أَيْ: فَيَرْمِيهَا عَلَى حَالَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا مِنْ رُكُوبٍ، أَوْ مَشْيٍ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ، وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَيَرْمِيهَا، وَلَوْ رَاكِبًا فَلَيْسَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ النَّدْبِ
طُلُوعَ الشَّمْسِ فَإِذَا وَصَلَ قَبْلَ الطُّلُوعِ أَخَّرَ حَتَّى تَطْلُعَ وَيَأْتِي أَنَّ وَقْتَهَا يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَمْتَدُّ وَقْتُ أَدَائِهَا إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَاللَّيْلِ قَضَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ.
(ص) وَالْمَشْيُ فِي غَيْرِهَا (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَمْشِيَ فِي غَيْرِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ فَيَشْمَلُ الْمَشْيُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ الْعَقَبَةَ وَغَيْرَهَا (ص) وَحَلَّ بِهَا غَيْرَ نِسَاءٍ وَصَيْدٍ وَكُرِهَ الطِّيبُ (ش) أَيْ: وَحَلَّ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ غَيْرَ قِرْبَانِ نِسَاءٍ بِجِمَاعٍ وَمُقَدَّمَاتِهِ، وَعَقْدِ نِكَاحٍ، وَغَيْرَ صَيْدٍ فَحُرْمَتُهُمَا بَاقِيَةٌ وَسَيَأْتِي الْوَاجِبُ فِيهِمَا وَيُكْرَهُ الطِّيبُ فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَمِثْلُ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَوَاتُ وَقْتِهَا فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِهِ غَيْرُ نِسَاءٍ وَصَيْدٍ، وَكُرِهَ الطِّيبُ، وَالْمُرَادُ بِوَقْتِهَا وَقْتُ أَدَائِهَا.
(ص) وَتَكْبِيرُهُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُكَبِّرَ مَعَ رَمْيِ كُلِّ حَصَاةٍ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَرْمِيَ الْحَصَاةَ بِأُصْبُعَيْهِ لَا بِقَبْضَتِهِ (ص) وَتَتَابُعُهَا وَلَقْطُهَا (ش) أَيْ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ كُلِّ حَصَاتَيْنِ فِي رَمْيِ كُلِّ جَمْرَةٍ مِنْ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ، وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهُ لَقْطُ الْحَصَيَاتِ الَّتِي يَرْمِي بِهَا، وَيُكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ حَجَرًا وَيَكْسِرَهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ لَقْطُهَا مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ،، وَأَمَّا الرَّمْيُ بِمَرْمِيٍّ بِهِ فَسَيَأْتِي وَسَبَبُ الرَّمْيِ تَعَرُّضُ إبْلِيسَ لِإِسْحَاقَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الرَّمْيِ الْآنَ، وَإِنَّ الْخَلِيلَ أَمَرَهُ بِحَصْبِهِ فِي كُلٍّ مِنْهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ.
(ص) وَذَبْحٌ قَبْلَ الزَّوَالِ وَطَلَبُ بَدَنَتِهِ لَهُ لِيَحْلِقَ (ش) أَيْ: وَنُدِبَ ذَبْحٌ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَلَوْ قَبْلَ الشَّمْسِ سَنَدٌ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ لِتَعَلُّقِهَا بِالصَّلَاةِ وَلَا صَلَاةَ عِيدٍ عَلَى أَهْلِ مِنًى فَلِذَلِكَ جَازَ نَحْرُ الْهَدْيِ قَبْلَ الشَّمْسِ قَالَ بَعْضٌ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ:" تَأْخِيرُ الْحَلْقِ إلَى بَعْدِ الزَّوَالِ بِلَا عُذْرٍ مَكْرُوهٌ " أَنَّ الذَّبْحَ بَعْدَهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحَلْقِ انْتَهَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] فَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ بَدَنَتَهُ ضَلَّتْ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَطْلُبَهَا إلَى الزَّوَالِ أَيْ: لِقُرْبِهِ بِحَيْثُ يَبْقَى لَهُ قَدْرُ مَا يَحْلِقُ، فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَخَشِيَ الزَّوَالَ حَلَقَ لِئَلَّا يَفُوتَهُ الْفَضِيلَتَانِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الزَّوَالِ وَإِلَّا لَوَقَعَ حَلْقُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَلَوْ قَالَ إلَى أَنْ يَبْقَى لَهُ قَدْرُ حَلْقِهِ لَطَابَقَ الْمَنْقُولَ (ص) ثُمَّ حَلَقَهُ (ش) أَيْ: ثُمَّ بَعْدَ الذَّبْحِ حَلَقَهُ، وَلَوْ بِنُورَةٍ إنْ عَمَّ رَأْسَهُ بِكُلِّ مُزِيلٍ، فَبَعْضُهُ كَالْعَدَمِ وَالتَّرْتِيبُ الْمُفَادُ بِثُمَّ إمَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَى تَقْدِيمِ الْحَلْقِ عَلَى التَّقْصِيرِ، وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ تَتِمَّةٌ فِي قَوْلِهِ: وَالتَّقْصِيرُ مُجْزِئٌ، أَوْ إلَى إيقَاعِ الْحَلْقِ عَقِيبَ الذَّبْحِ، أَمَّا الْحَلْقُ نَفْسُهُ، أَوْ التَّقْصِيرُ فَوَاجِبٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ تَأْخِيرَ الْحَلْقِ عَنْ الرَّمْيِ وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ كَمَا أَنَّ تَأْخِيرَ الْإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ كَذَلِكَ، وَأَمَّا تَأْخِيرُ الذَّبْحِ عَنْ الرَّمْيِ وَتَأْخِيرُ الْحَلْقِ عَنْ الذَّبْحِ فَمُسْتَحَبٌّ كَتَأْخِيرِ الْإِفَاضَةِ عَنْ الذَّبْحِ وَسَيَأْتِي لِلْمُؤَلِّفِ الْإِشَارَةُ لِهَذَا، وَلَمَّا كَانَ الْحَلْقُ بِالْحَدِيدِ أَفْضَلُ اتِّفَاقًا أَشَارَ لِلْحِلَاقِ بِغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ:(وَلَوْ بِنُورَةٍ) فَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الْجَوَازِ لَا فِي الْأَفْضَلِ، وَقَوْلُهُ:(إنْ عَمَّ رَأْسَهُ) قَيْدٌ فِي الْحَلْقِ أَيْ: إنْ عَمَّ الْحَلْقُ رَأْسَهُ، وَلَوْ بِنُورَةٍ لَا قَيْدَ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ بِنُورَةٍ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ الْحَلْقَ مُسْتَحَبٌّ، وَلَوْ لَمْ يَعُمَّ الرَّأْسَ (ص) وَالتَّقْصِيرُ مُجْزِئٌ (ش) أَيْ: وَالتَّقْصِيرُ لِمَنْ لَهُ الْحَلْقُ أَفْضَلُ مُجْزِئٌ عَنْ الْحِلَاقِ لِخَبَرِ «اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ وَالْمُقَصِّرِينَ» وَيُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ ابْنُ عَرَفَةَ وَحَلْقُ مُتَعَذِّرِ التَّقْصِيرِ.
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ: غَيْرُ نِسَاءٍ وَصَيْدٍ) أَفْهَمَ أَنَّ الْحَاجَّ رَجُلٌ وَمِثْلُهُ الْمَرْأَةُ فَيُقَالُ وَحَلَّ بِرَمْيِهَا الْعَقَبَةَ غَيْرَ رِجَالٍ وَصَيْدٍ (قَوْلُهُ وَعَقْدِ نِكَاحٍ) فَإِنْ عَقَدَ فَهُوَ فَاسِدٌ كَمَا فِي الطِّرَازِ
(قَوْلُهُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) أَيْ: لَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ وَيَفُوتُ الْمَنْدُوبُ بِمُفَارَقَةِ الْحَصَاةِ لِيَدِهِ قَبْلَ النُّطْقِ بِهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَوْ قَبْلَ وُصُولِهَا لِمَحَلِّهَا (قَوْلُهُ: تَكْبِيرُهُ) أَشْعَرَ بِأَنَّهُ لَا يُسَبِّحُ بَدَلَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ بِأُصْبُعَيْهِ) وَيَكُونُ الرَّمْيُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى إلَّا أَنْ يَكُونَ أَعْسَرَ فَبِالْيُسْرَى (قَوْلُهُ: أَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ كُلِّ حَصَاتَيْنِ) أَيْ: وَيُتْبِعُ الثَّانِيَةَ بِالْأُولَى وَهَكَذَا مِنْ غَيْرِ تَرَبُّصٍ إلَّا بِمِقْدَارٍ يَتَمَيَّزُ بِهِ كَوْنُهُمَا رَمْيَتَيْنِ وَتَصِلُ الْحَصَاةُ لِلْجَمْرَةِ لَا فِي الْأَرْضِ مِنْ حَوْلِهَا (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ لَقْطُهَا مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ) .
ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ لَقْطُ جَمِيعِ الْجِمَارِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْمُرَادُ لَقْطُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَدْ قَالَ الْأَشْيَاخُ: وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ مَنْزِلِهِ بِمِنًى إلَّا رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَإِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ وَابْنَ حَبِيبٍ وَغَيْرَهُمَا اسْتَحَبُّوا أَخْذَهَا مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) وَمُقَابِلُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِّ مِنْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَخْذُهَا مِنْ وَادِي مُحَسِّرٍ
(قَوْلُهُ: وَطَلَبَ بَدَنَتَهُ) أَيْ: بِأَنْ ضَلَّتْ، أَوْ يَشْتَرِي إنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَالْبَدَنَةُ تُطْلَقُ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَقَالَ بِهِ عَطَاءٌ وَجَابِرٌ وَغَيْرُهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْبُدْنَ} [الحج: 36] الْآيَةُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ حَيْثُ أُطْلِقَتْ الْبَدَنَةُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْبَعِيرُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (قَوْلُهُ: لِيَحْلِقَ) أَيْ: قَبْلَ الزَّوَالِ بَعْدَ نَحْرِهَا فَكِلَاهُمَا مُسْتَحَبٌّ قَبْلَ الزَّوَالِ مَكْرُوهٌ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ حَلَقَهُ) الْحَلْقُ إنَّمَا هُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ، وَأَمَّا هُوَ فَالتَّقْصِيرُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ اسْتِبْقَاءً لِلشَّعَثِ فِي الْحَجِّ، وَإِطْلَاقُ الْحِلَاقِ يَتَنَاوَلُ الْأَقْرَعَ وَهُوَ كَذَلِكَ فَيُجْرِي الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالشَّعْرِ فَيَنْتَقِلُ لِلْبَشَرَةِ عِنْدَ فَقْدِهِ كَالْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ، وَمَنْ بِرَأْسِهِ وَجَعٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْحِلَاقِ أَهْدَى، قَالَ بَعْضٌ: فَإِنْ صَحَّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّرْتِيبُ الْمُفَادُ بِثُمَّ إمَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَخْ) هَذَا لَا يَظْهَرُ وَلَا يَظْهَرُ إلَّا الثَّانِي الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِهِ: أَوْ إلَى إيقَاعِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِنُورَةٍ) بِضَمِّ النُّونِ رَدًّا عَلَى أَشْهَبَ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلُّ تَعَبُّدٍ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا وَرَدَ مِنْهُ
لِقِلَّتِهِ، أَوْ ذِي تَلْبِيدٍ، أَوْ ضَفْرٍ، أَوْ عَقْصٍ مُتَعَيِّنٍ وَحَلْقُ، غَيْرِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي الْحَجِّ ابْنُ حَبِيبٍ وَيُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ انْتَهَى.
(ص)، وَهُوَ سُنَّةُ الْمَرْأَةِ (ش) أَيْ: التَّقْصِيرُ يَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِنَّ، وَلَوْ كَانَتْ بِنْتَ عَشْرِ سِنِينَ، أَوْ تِسْعٍ، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَحْلِقَ بِخِلَافِ الْكَبِيرَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تَحْلِقَ رَأْسَهَا؛ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ بِهِنَّ نَعَمْ إنْ كَانَ بِرَأْسِهَا أَذًى فَإِنَّهَا تَحْلِقُ؛ لِأَنَّهُ صَلَاحٌ لَهَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ إلَّا التَّقْصِيرُ انْتَهَى.
فَإِنْ لَبَّدَتْ شَعْرَهَا فَإِنَّهُ تُقَصِّرُهُ بَعْدَ زَوَالِ تَلْبِيدِهِ بِالِامْتِشَاطِ وَنَحْوِهِ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى مَعْنَى قَوْلِهِ: وَهُوَ سُنَّةُ الْمَرْأَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ إلَّا هُوَ لَا أَنَّهُ فِي حَقِّهَا سُنَّةٌ، وَلَهَا أَنْ تَفْعَلَ غَيْرَهُ، وَقَوْلُهُ: الْمَرْأَةِ أَيْ: الْأُنْثَى مَا لَمْ تَصْغُرْ جِدًّا، وَلَمَّا كَانَتْ صِفَةُ التَّقْصِيرِ مُخْتَلِفَةً بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ:(تَأْخُذُ) الْمَرْأَةُ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهَا (قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ) مِنْ جَمِيعِهِ طَوِيلِهِ وَقَصِيرِهِ، وَلَوْ أَدْخَلَ الْكَافَ عَلَى الْأُنْمُلَةِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ، أَوْ فَوْقَهَا بِيَسِيرٍ، أَوْ دُونَهَا بِهِ وَرِوَايَةُ الطِّرَازِ " قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ " لَا أَعْرِفُهَا، وَقَوْلُهُ:(وَالرَّجُلُ مِنْ قُرْبِ أَصْلِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي تَأْخُذُ أَيْ: وَيَأْخُذُ الرَّجُلُ فِي تَقْصِيرِهِ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهِ مِنْ قُرْبِ أَصْلِهِ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ أَخْطَأَ وَيُجْزِئُهُ، فَقَوْلُهُ: مِنْ قُرْبٍ أَصْلُهُ اسْتِحْبَابًا وَبِهِ وَفَّقَ بَيْنَ كَلَامِ الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمُدَوَّنَةِ.
(ص) ، ثُمَّ يُفِيضُ (ش) أَتَى بِثُمَّ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّرْتِيبِ إشَارَةً مِنْهُ إلَى أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَمِنْ النَّحْرِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ إلَى مَكَّةَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَيَطُوفَ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ سَبْعًا مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَقْضِي حَوَائِجَهُ وَيُسْتَحَبُّ طَوَافُهُ فِي ثَوْبَيْ إحْرَامِهِ وَهَذَا هُوَ التَّحَلُّلُ الْأَكْبَرُ، فَيَحِلُّ بِهِ كُلُّ مَا كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ أَوْ مَكْرُوهًا: فَيَطَأُ النِّسَاءَ، يَصْطَادُ، يَسْتَعْمِلُ الطِّيبَ، وَلَا يَضُرُّهُ بَقَاؤُهُ، وَلَا الْمَبِيتُ بِمِنًى بِلَا خِلَافٍ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(ص) وَحَلَّ بِهِ مَا بَقِيَ (ش) أَيْ: وَحَلَّ بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ مَا بَقِيَ، وَهُوَ حُرْمَةُ قِرْبَانِ النِّسَاءِ بِوَطْءٍ أَوْ مُقَدِّمَاتِهِ، أَوْ عَقْدٍ وَالصَّيْدِ وَكَرَاهَةِ الطِّيبِ (إنْ حَلَقَ) أَيْ: وَرَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ، أَوْ فَاتَ وَقْتُهَا، وَقَدْ كَانَ قَدَّمَ السَّعْيَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَ السَّعْيَ فَلَا يَحِلُّ مَا بَقِيَ إلَّا بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ الْإِفَاضَةِ، وَقَوْلُنَا: وَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ أَوْ فَاتَ وَقْتُهَا احْتِرَازًا مِمَّا إذَا أَفَاضَ قَبْلَ رَمْيِهَا فَإِنَّهُ إذَا وَطِئَ حِينَئِذٍ عَلَيْهِ هَدْيٌ إنْ وَطِئَ قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِهَا، وَأَمَّا إنْ وَطِئَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَبَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ وَطِئَ بَعْدَ فِعْلِهَا وَتُسْتَثْنَى هَذِهِ مِمَّا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: إنْ وَقَعَ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ وَعَقَبَةِ يَوْمِ النَّحْرِ وَإِلَّا فَهَدْيٌ.
(ص)، وَإِنْ وَطِئَ قَبْلَهُ فَدَمٌ بِخِلَافِ الصَّيْدِ (ش) أَيْ: وَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَقَبْلَ الْحَلْقِ، وَهُوَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَأَمَّا إنْ صَادَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِخِفَّةِ الصَّيْدِ عَنْ الْوَطْءِ (ص) كَتَأْخِيرِ الْحَلْقِ لِبَلَدِهِ (ش) التَّشْبِيهُ فِي لُزُومِ الدَّمِ وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ أَخَّرَ الْحِلَاقَ إلَى أَنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ، وَلَوْ كَانَتْ الْحَجَّةُ بَاقِيَةً وَيَكْفِي الطُّولُ فِي لُزُومِ الدَّمِ فِيمَنْ بِلَادُهُ بَعِيدَةٌ فَلَوْ زَادَ، أَوْ طُولًا بَعْدَ قَوْلِهِ: لِبَلَدِهِ لَأَفَادَ الْمَسْأَلَتَيْنِ.
(ص) أَوْ الْإِفَاضَةُ لِلْمُحْرِمِ (ش) قَدْ عَلِمْت أَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ فَلَوْ أَخَّرَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَحْدَهُ، أَوْ مَعَ السَّعْيِ، أَوْ السَّعْيَ وَحْدَهُ إلَى أَنْ مَضَتْ هَذِهِ الْأَشْهُرُ وَدَخَلَ الْمُحَرَّمُ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالْإِفَاضَةِ فِي الْأُولَى وَبِهِ مَعَ السَّعْيِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ وَاحِدٌ فِي الْجَمِيعِ قَالَهُ سَنَدٌ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: أَوْ ضَفْرٍ، أَوْ عَقْصٍ) الضَّفْرُ أَنْ يُضَفِّرَ شَعْرَ رَأْسِهِ إذَا كَانَ ذَا جُمَّةٍ لِيَمْنَعَهُ مِنْ الشَّعَثِ، وَالْعَقْصُ أَنْ يَعْقِصَ شَعْرَهُ فِي قَفَاهُ إذَا كَانَ ذَا جَمَّةٍ لِئَلَّا يَشْعَثَ
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَحْرُمُ إلَخْ) ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَالِغِ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَالْحُرْمَةُ تَتَعَلَّقُ بِوَلِيِّهَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَبَّدَتْ) أَيْ: بِأَنْ جَعَلَتْ الصَّمْغَ فِي الْغَاسُولِ ثُمَّ يُلَطَّخُ بِهِ الرَّأْسُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ لِيَمْنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ الشَّعَثِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَصْغُرْ جِدًّا) وَهِيَ بِنْتٌ أَقَلُّ مِنْ تِسْعٍ (قَوْلُهُ: وَرِوَايَةُ الطِّرَازِ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ إلَخْ) أَيْ: حَيْثُ اقْتَصَرَتْ عَلَى الْأُنْمُلَةِ (قَوْلُهُ: وَبِهِ وُفِّقَ) .
اعْلَمْ أَنَّ الْمَوَّازِيَّةَ قَدْ قَالَتْ: جَزَّ ذَلِكَ جَزًّا، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ أَطْرَافِهِ أَخْطَأَ وَيُجْزِيهِ وَقَالَتْ الْمُدَوَّنَةُ إذَا قَصَّرَ الرَّجُلُ فَلْيَأْخُذْ مِنْ جَمِيعِ رَأْسِهِ وَمَا أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ فَحُمِلَتَا عَلَى الْخِلَافِ وَالْوِفَاقِ بِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي الْأَخْذِ وَقُرْبِ الْأَصْلِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، قَالَ الْحَطَّابُ: وَهُوَ الْحَقُّ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ يُفِيضُ) وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ قَالَهُ الْبَدْرُ.
وَلَكِنْ يَلْزَمُ فِي تَقْدِيمِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ دَمٌ (قَوْلُهُ: فِي ثَوْبَيْ إحْرَامِهِ: إزَارٍ وَرِدَاءٍ) أَيْ: وَيَفْعَلُهُ عَقِبَ حَلْقِهِ (قَوْلُهُ: يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: وَإِلَّا فَهَدْيٌ) أَيْ:، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا فَهَدْيٌ صَادِقٌ بِمَا إذَا وَقَعَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَقَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَيَقْتَضِي أَنَّ عَلَيْهِ الدَّمَ، وَلَوْ فَاتَ وَقْتُهَا فَيُسْتَثْنَى مَا إذَا فَاتَ وَقْتُهَا فَإِنَّهُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ فِعْلِهَا
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الصَّيْدِ) وَأَوْلَى الطِّيبُ فَلَا دَمَ لِخِفَّتِهِمَا عَنْ الْوَطْءِ، وَأَمَّا إنْ وَطِئَ قَبْلَ السَّعْيِ فَيُهْدِي، أَوْ صَادَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ (قَوْلُهُ: كَتَأْخِيرِ الْحَلْقِ لِبَلَدِهِ) أَيْ: عَامِدًا، أَوْ جَاهِلًا، أَوْ نَاسِيًا (قَوْلُهُ: وَيَكْفِي الطُّولُ إلَخْ) بِأَنْ يَحْلِقَ بَعْدَ أَنْ يَرْمِيَ الثَّلَاثَ كَمَا تُفِيدُهُ الْمُدَوَّنَةُ أَيْ: إنْ ذَكَرَ بِالْقُرْبِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهَلْ يُعِيدُ الْإِفَاضَةَ اسْتِحْبَابًا أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا ذَهَبَ لِبَلَدِهِ قَبْلَ الْحَلْقِ لَزِمَهُ دَمٌ وَلَوْ كَانَتْ أَيَّامُ مِنًى بَاقِيَةً وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا ذَهَبَتْ أَيَّامُ مِنًى
. (قَوْلُهُ: أَوْ بِالسَّعْيِ) أَيْ: فَقَطْ أَيْ: فِي الْأَخِيرَةِ إنْ قَرُبَ السَّعْيُ مِنْ الطَّوَافِ، وَإِنْ بَعُدَ الْأَمْرُ يُعِيدُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ لِأَجْلِ السَّعْيِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ يَكُونُ بَعْدَ تَقَدُّمِ طَوَافٍ وَيَجِبُ اتِّصَالُهُمَا، وَلَوْ فَعَلَ الطَّوَافَ قَبْلَ غُرُوبِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَفَعَلَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْغُرُوبِ كَانَ كَمَنْ فَعَلَهُمَا مَعَهُ فِي الْحِجَّةِ، وَلَوْ أَوْقَع السَّعْيَ عَقِبَ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ سَعْيَهُ صَحِيحٌ لِاتِّصَالِهِ بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَعَلَيْهِ الدَّمُ لِفِعْلِ السَّعْيِ فِي الْمُحَرَّمِ ثُمَّ إنْ فَعَلَ بَعْضَ السَّعْيِ فِي الْمُحَرَّمِ كَفِعْلِ كُلِّهِ فِيهِ، فَلَوْ
فِي تَأْخِيرِهِمَا وَأَحْرَى أَحَدُهُمَا.
(ص) وَرَمْيُ كُلِّ حَصَاةٍ أَوْ الْجَمِيعِ لِلَّيْلِ (ش) عَطْفٌ عَلَى الْحَلْقِ أَيْ: وَتَأْخِيرُ رَمْيِ كُلِّ حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْعَقَبَةِ، أَوْ غَيْرِهَا فِيهِ دَمٌ، وَكَذَلِكَ تَأْخِيرُ حَصَيَاتِ جَمْرَةٍ كَامِلَةٍ، أَوْ الْجِمَارُ الْجَمِيعُ عَنْ وَقْتِ الْأَدَاءِ وَهُوَ النَّهَارُ لِلَّيْلِ وَهُوَ وَقْتُ الْقَضَاءِ كَمَا يَأْتِي وَأَوْلَى فِي وُجُوبِ الدَّمِ لَوْ فَاتَ الْوَقْتَانِ (ص) ، وَإِنْ لِصَغِيرٍ لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ (ش) هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي وُجُوبِ الدَّمِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ وَالْمَجْنُونَ يَرْمِي عَنْهُمَا مَنْ أَحَجَّهُمَا كَمَا أَنَّهُ يَطُوفُ عَنْهُمَا، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَوَّلَ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِلَّا نَابَ عَنْهُ إنْ قَبْلَهَا كَطَوَافٍ لَا كَتَلْبِيَةٍ وَرُكُوعٍ، فَإِنْ لَمْ يَرْمِ عَنْهُ وَعَنْ الْمَجْنُونِ وَلِيُّهُمَا إلَى أَنْ دَخَلَ اللَّيْلُ فَالدَّمُ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ أَحَجَّهُمَا، وَلَوْ رَمَى عَنْهُمَا فِي وَقْتِ الرَّمْيِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ فَرَمْيُ الْوَلِيِّ كَرَمْيِهِ بِخِلَافِ رَمْيِ النَّائِبِ عَنْ الْعَاجِزِ فَإِنَّ فِيهِ الدَّمَ وَلَوْ رَمَى عَنْهُ فِي وَقْتِ الرَّمْيِ إلَّا أَنْ يَصِحَّ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَيَرْمِي عَنْ نَفْسِهِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ.
وَأَمَّا الصَّغِيرُ الَّذِي يُحْسِنُ الرَّمْيَ فَإِنَّهُ يَرْمِي عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَرْمِ إلَى اللَّيْلِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَجْنُونَ مِثْلُ الصَّغِيرِ فَلَوْ قَالَ، وَإِنْ لِكَصَغِيرٍ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَأَمَّا الْمَغْمِيُّ عَلَيْهِ فَكَالْمَرِيضِ (ص) ، أَوْ عَاجِزٍ وَيَسْتَنِيبُ فَيَتَحَرَّى وَقْتَ الرَّمْيِ وَيُكَبِّرُ (ش) هَذَا دَاخِلٌ فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ فِي وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْعَاجِزِ، وَفِي حُكْمِهِ الْمَغْمِيُّ عَلَيْهِ وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ الرَّمْيِ، أَوْ الْمَغْمِيِّ عَلَيْهِ يَرْمِي عَنْهُمَا غَيْرُهُمَا، فَإِنْ قَدَرَ الْمَرِيضُ عَلَى الرَّمْيِ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ وَيَرْمِي عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَحْمِلُهُ، أَوْ وُجِدَ مَنْ يَحْمِلُهُ، وَلَا قَدَرَ عَلَى الرَّمْيِ فَإِنَّهُ يَرْمِي عَنْهُ غَيْرُهُ نِيَابَةً وَيَتَحَرَّى الْمَرِيضُ وَقْتَ الرَّمْيِ أَيْ: وَقْتَ رَمْيِ الْغَيْرِ عَنْهُ وَيُكَبِّرُ لِكُلِّ حَصَاةٍ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً وَلْيَقِفْ الرَّامِي عَنْهُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ لِلدُّعَاءِ وَحَسَنٌ أَنْ يَتَحَرَّى الْمَرِيضُ ذَلِكَ الْوُقُوفَ وَيَدْعُو، وَجُمْلَةُ " وَيَسْتَنِيبُ " جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ الْحُكْمِ أَيْ: وَحُكْمُهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ وَلَوْ أَسْقَطَ الْوَاوَ لِتَكُونَ الْجُمْلَةُ صِفَةً كَانَ أَوْلَى وَفَائِدَةُ الِاسْتِنَابَةِ وَعَدَمِهَا الْإِثْمُ، وَعَدَمُهُ أَيْ: الْإِثْمُ إنْ لَمْ يَرْمِ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَقْتَ الْأَدَاءِ، وَعَدَمُهُ إنْ رَمَى عَنْهُ وَقْتَ الْأَدَاءِ وَإِلَّا فَالدَّمُ عَلَيْهِ اسْتَنَابَ أَمْ لَا.
(ص) وَأَعَادَ إنْ صَحَّ قَبْلَ الْفَوَاتِ بِالْغُرُوبِ مِنْ الرَّابِعِ (ش) أَيْ: وَإِذَا صَحَّ الْمَرِيضُ أَوْ الْمَغْمِيُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُعِيدُ وُجُوبًا مَا كَانَ رُمِيَ عَنْهُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ الْمَاضِيَةِ، أَوْ فِي بَعْضِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ الْفَوَاتِ الْحَاصِلِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ وَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْمِ، وَإِنَّمَا رَمَى عَنْهُ غَيْرُهُ فَلَوْ رَمَى عَنْ الْمَرِيضِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، ثُمَّ صَحَّ فَإِنَّهُ يَرْمِيهَا، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إذَا صَحَّ وَأَعَادَهَا نَهَارًا، وَإِنْ صَحَّ لَيْلًا وَرَمَاهَا فَعَلَيْهِ الدَّمُ فَقَوْلُهُ وَأَعَادَ إنْ صَحَّ إلَخْ، لَكِنْ إنْ صَحَّ وَأَعَادَ مَا رَمَى عَنْهُ فِي وَقْتِهِ لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَعَادَ مَا رَمَى عَنْهُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ وَنَحْوُهُ فِي الشَّرْحِ وح فَالدَّمُ مُرَتَّبٌ عَلَى النِّيَابَةِ وَعَلَى عَدَمِ حُصُولِهِ مِنْ الْمَرْمِيِّ عَنْهُ فِي الْوَقْتِ.
(ص) وَقَضَاءُ كُلٍّ إلَيْهِ وَاللَّيْلُ قَضَاءٌ (ش) أَشَارَ بِهَذَا وَبِمَا قَدَّمَهُ وَبِمَا يَأْتِي مِنْ كَلَامِهِ إلَى أَنَّ الْجِمَارَ لَهَا أَوْقَاتُ ثَلَاثَةٌ: وَقْتُ أَدَاءً، وَوَقْتُ فَوَاتٍ وَوَقْتُ قَضَاءٍ، وَوَقْتُ اسْتِدْرَاكِ الرَّمْيِ لِحُصُولِ التَّرْتِيبِ وَسَيَأْتِي آخِرَ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَأَعَادَ مَا حَضَرَ إلَخْ، فَوَقْتُ الْفَوَاتِ هُوَ الَّذِي لَا يَرْمِي فِيهِ شَيْئًا مِنْ الْجِمَارِ أَشَارَ إلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ: قَبْلَ الْفَوَاتِ بِالْغُرُوبِ مِنْ الرَّابِعِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الشَّمْسَ إذَا غَرَبَتْ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ مِنْ أَيَّامِ مِنًى فَإِنَّ الرَّمْيَ يَفُوتُ بِكُلِّ وَجْهٍ وَوَقْتُ الْقَضَاءِ هُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ، وَمَنْ رَمَى فِيهِ يَلْزَمُهُ الدَّمُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ هُنَا وَاللَّيْلُ قَضَاءٌ أَيْ: وَاللَّيْلُ عَقِبَ كُلِّ يَوْمٍ قَضَاءٌ لِذَلِكَ الْيَوْمِ يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ عَلَى الْمَشْهُورِ مَعَ الرَّمْيِ إلَى غُرُوبِ الرَّابِعِ، وَوَقْتُ الْأَدَاءِ هُوَ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ التَّأْخِيرُ، وَلَا يَلْزَمُهُ فِيهِ دَمٌ، فَوَقْتُ أَدَاءِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِنْ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْهُ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ رَمْيُهَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى الزَّوَالِ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ: وَرَمْيُ الْعَقَبَةِ أَوَّلَ يَوْمِ
ــ
[حاشية العدوي]
أَخَّرَ الْحَلْقَ لِبَلَدِهِ وَالْإِفَاضَةَ لِلْمُحَرَّمِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ مَعًا لِلْمُحَرَّمِ فَإِنْ عَلَيْهِ دَمًا وَاحِدًا
(قَوْلُهُ لِصَغِيرٍ) أَيْ: مِنْ صَغِيرٍ أَيْ: مِنْ وَلِيِّ صَغِيرٍ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَغْمِيُّ عَلَيْهِ فَكَالْمَرِيضِ إلَخْ) أَيْ: الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ عَاجِزٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَوْ عَاجِزٌ إلَخْ) أَيْ: أَوْ تَأْخِيرُ رَمْيِ عَاجِزٍ بِنَفْسِهِ لِكِبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ، وَلَوْ إغْمَاءً طَرَأَ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ دُونَ الصَّغِيرِ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِسَائِرِ الْأَرْكَانِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ فَإِنَّ الْمُخَاطَبَ بِالرَّمْيِ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْوَلِيُّ كَذَا فَرَّقَ الْبَاجِيُّ؛ وَلِأَنَّ الْوَلِيَّ هُوَ الَّذِي أَدْخُلَهُ فِي الْإِحْرَامِ قَالَ عج وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمُبَالَغَةَ رَاجِعَةٌ لِمَنْ أَخَّرَ الرَّمْيَ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَنَحْوُهُ لِلشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَنْ وَافَقَهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ لُزُومَ الدَّمِ لِلْعَاجِزِ الَّذِي اسْتَنَابَ مُوجِبُهُ التَّأْخِيرُ لِلرَّمْيِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا مُوجِبُهُ النِّيَابَةُ بِشَرْطِهَا وَهُوَ أَنْ لَا يَصِحَّ الْمَرِيضُ وَيَرْمِي قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَإِنْ رَمَى النَّائِبُ عَنْ الْعَاجِزِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ فَدَمَانِ: وَاحِدٌ لِلنِّيَابَةِ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ، وَآخَرُ لِلرَّمْيِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ عَلَى النَّائِبِ إلَّا لِعُذْرٍ فِي تَأْخِيرِهِ فَعَلَى الْمُسْتَنِيبِ أَيْضًا فِيمَا يَظْهَرُ وَيَجُوزُ لِلْعَاجِزِ الِاسْتِنَابَةُ فِي أَيَّامِ الرَّمْيِ الثَّلَاثِ وَلَوْ رَجَا الصِّحَّةَ فِيهَا، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ يَوْمَ النَّحْرِ حَيْثُ رَجَا الصِّحَّةَ وَالْفَرْقُ كَوْنُهَا يَحْصُلُ بِهَا التَّحَلُّلُ الْأَصْغَرُ.
(قَوْلُهُ: لَكَانَ أَوْلَى) أَقُولُ فِيهِ إنَّهُ لَا يُعْرَفُ مِنْهُ هَلْ الِاسْتِنَابَةُ مَطْلُوبَةٌ أَمْ لَا؟ مَعَ أَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ كَلَامِ الشَّارِحِ بِأَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى الْحَذْفِ أَنَّ الْمَعْنَى وَتَأْخِيرٌ مِنْ نَائِبٍ عَاجِزٍ مَوْصُوفٌ بِالِاسْتِنَابَةِ وَحَيْثُ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ حَذْفُ الْوَاوِ
(قَوْلُهُ: وَاللَّيْلُ قَضَاءٌ) لِذَلِكَ الْيَوْمِ يَجِبُ بِهِ الدَّمُ لَا يُقَالُ هَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَقَضَاءُ كُلٍّ إلَيْهِ وَلَا شَكَّ فِي دُخُولِ اللَّيْلِ فِي هَذَا الْوَقْتِ لِأَنَّا نَقُولُ: لَمَّا كَانَ النَّهَارُ وَقْتَ أَدَاءً لِلرَّمْيِ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنْ لَا يَقْضِيَ إلَّا فِي مِثْلِ
طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ فِيهَا، وَوَقْتُ أَدَاءِ غَيْرِهَا مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ مِنْ الزَّوَالِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ: وَرَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الثَّلَاثِ مِنْ الزَّوَالِ لِلْغُرُوبِ، فَلَوْ رَمَى فِي وَاحِدٍ قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يُجْزِهِ وَالْأَفْضَلُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الرَّمْيُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ مِنًى بَعْدَ الزَّوَالِ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ كَمَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِلَّا إثْرَ الزَّوَالِ أَيْ: وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ فَلَا يَصِحُّ الرَّمْيُ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ، وَالْأَفْضَلُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَقَضَاءُ كُلٍّ إلَيْهِ أَيْ: قَضَاءُ جَمِيعِ الْجِمَارِ: الْعَقَبَةُ وَغَيْرُهَا يَنْتَهِي إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، فَإِنْ غَرَبَتْ مِنْهُ فَلَا قَضَاءَ لِفَوَاتِ الْوَقْتِ فَعَلَى هَذَا لَا قَضَاءَ لِلْيَوْمِ الرَّابِعِ؛ لِأَنَّ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْهُ يَخْرُجُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِلْجَمِيعِ مَا لَمْ يَكُنْ أَخْرَجَ أَوَّلًا وَإِلَّا تَكَرَّرَ (ص) وَحُمِلَ مُطِيقٌ وَرَمَى، وَلَا يَرْمِي فِي كَفِّ غَيْرِهِ (ش) تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمَرِيضَ، أَوْ الصَّغِيرَ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الرَّمْيِ مَحْمُولًا وَوَجَدَ مَنْ يَحْمِلُهُ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ وَيَرْمِي عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَرْمِي الْحَصَاةَ فِي كَفِّ غَيْرِهِ لِيَرْمِيَ بِهَا عَنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ رَمْيًا، فَقَوْلُهُ: وَحُمِلَ مُطِيقٌ أَيْ: وُجُوبًا، وَقَوْلُهُ: وَرَمَى أَيْ: بِيَدِهِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا يَرْمِي إلَخْ أَيْ: لَا يُجْزِيهِ ذَلِكَ.
(ص) وَتَقْدِيمُ الْحَلْقِ، أَوْ الْإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ (ش) هَذَا بِالْجَرِّ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا يُوجِبُ الدَّمَ وَهُوَ، قَوْلُهُ: فِيمَا مَرَّ كَتَأْخِيرِ الْحَلْقِ لِبَلَدِهِ وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ لِوُقُوعِهِ قَبْلَ شَيْءٍ مِنْ التَّحَلُّلِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا هَدْيَ كَمَا يُعْطِيهِ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِلْهَدْيِ فَإِذَا رَمَى الْعَقَبَةَ أَمَرَّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ الْأَوَّلَ وَقَعَ قَبْلَ مَحَلِّهِ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ إذَا قَدَّمَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ عَلَى رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مَعَ الْإِجْزَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ يَصْدُقُ بِتَقْدِيمِ الْإِفَاضَةِ عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِفَاضَةِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ كَلَا فِعْلٍ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا، وَلَوْ قَدَّمَ كُلًّا مِنْ الْإِفَاضَةِ وَالْحَلْقِ عَلَى الرَّمْيِ لَوَجَبَ فِيهِمَا فِدْيَةٌ وَهَدْيٌ، ثُمَّ إنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَبَيْنَ الرَّمْيِ وَاجِبٌ إذْ لَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَمَا وَجَبَ فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ هُوَ التَّحَلُّلُ الْأَصْغَرُ (ص) لَا إنْ خَالَفَ فِي غَيْرٍ (ش) أَيْ: لَا إنْ خَالَفَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا، أَوْ جَهْلًا فِي غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ: بِأَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ، أَوْ نَحَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ، أَوْ قَدَّمَ الْإِفَاضَةَ عَلَى النَّحْرِ، أَوْ عَلَى الْحَلْقِ، أَوْ عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُ لَا دَمَ.
(ص) وَعَادَ لِلْمَبِيتِ بِمِنًى فَوْقَ الْعَقَبَةِ ثَلَاثًا (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَلْزَمُ الْحَاجَّ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ أَنْ يَعُودَ إلَى مِنًى عَلَى الْفَوْرِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ فِي مَكَّةَ بِحَيْثُ يُدْرِكُ الْمَبِيتَ بِمِنًى فَإِذَا عَادَ إلَى مِنًى فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَبِيتَ فِيهَا فَوْقَ الْعَقَبَةِ مِنْ نَاحِيَةِ مِنًى لَا مِنْ أَسْفَلِهَا مِنْ نَاحِيَةِ مَكَّةَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مِنًى؛ ثَلَاثَ لَيَالٍ إنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ أَوْ لَيْلَتَيْنِ إنْ تَعَجَّلَ كَمَا يَأْتِي قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا خِلَافَ أَنَّ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ الْمَبِيتُ بِمِنًى لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ إلَّا لِرِعَايَةٍ، أَوْ مَنْ وَلِيَ السِّقَايَةَ، أَوْ الْمُتَعَجِّلِ وَصَرَّحَ عِيَاضٌ بِسُنِّيَّةِ ذَلِكَ فَلَوْ وَقَعَ أَنَّهُ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مِنًى، وَلَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ، وَقَوْلُهُ: فَوْقَ الْعَقَبَةِ أَيْ: فَوْقَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ مِنًى لَا لِقَوْلِهِ فِي مِنًى، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِيُفِيدَ أَنَّ مِنًى هُوَ مَا فَوْقَ الْعَقَبَةِ لَا أَنَّ فَوْقَ الْعَقَبَةِ بَعْضُ مِنًى وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْعَقَبَةَ هِيَ حَدُّ مِنًى مِنْ جِهَةِ مَكَّةَ.
(ص)، وَإِنْ تَرَكَ جُلَّ لَيْلَةٍ فَدَمٌ (ش) أَيْ: وَإِنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ فَوْقَ الْعَقَبَةِ وَبَاتَ دُونَهَا جِهَةَ مَكَّةَ جُلَّ لَيْلَةٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ التَّرْكُ لِضَرُورَةٍ كَخَوْفٍ عَلَى مَتَاعِهِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ عَلَى حَسَبِ مَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ فِيمَنْ حَبَسَهُ مَرَضٌ فَبَاتَ بِمَكَّةَ أَنَّ عَلَيْهِ هَدْيًا (ص)
ــ
[حاشية العدوي]
وَقْتِ الْأَدَاءِ وَهُوَ النَّهَارُ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي لَيْلًا قَالَهُ الْبَدْرُ
. (قَوْلُهُ: مَعَ الْإِجْزَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ) قَالَ بَعْضٌ: وَانْظُرْ هَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ الْهَدْيُ بِإِعَادَةِ الْإِفَاضَةِ بَعْدَ الرَّمْيِ؟ وَالظَّاهِرُ لَا يَسْقُطُ انْتَهَى.
وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ مَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّهُ لَا تُجْزِئُ الْإِفَاضَةُ قَبْلَ الرَّمْيِ، وَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَقَبْلَ الرَّمْيِ فَسَدَ حَجُّهُ ك
(قَوْلُهُ: وَعَادَ لِلْمَبِيتِ بِمِنًى) تُرْسَمُ بِالْيَاءِ؛ لِأَنَّهَا وَاوِيَّةٌ بِخِلَافِ اُلْمُنَا بِضَمِّ الْمِيمِ فَإِنَّهُ يُرْسَمُ بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ يَائِيٌّ بَدْرٌ (قَوْلُهُ: ثَلَاثًا) حَذْفُ التَّاءِ مِنْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهَا لَيَالٍ ك (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ) يُنَافِي قَوْلَهُ يَلْزَمُ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ وَالْأَحْسَنُ عِبَارَةُ بَعْضٍ وَنَصُّهُ وَعَادَ لِلْمَبِيتِ بِمِنًى أَيْ: فِيهَا فَلَا يَجِبُ فَوْرًا، بَلْ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ نَهَارًا بَعْدَ الْإِفَاضَةِ، وَالْفَوْرُ أَفْضَلُ وَلَا يَمْضِي مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ فِي أَيَّامِ مِنًى، بَلْ يَلْزَمُ مَسْجِدَ الْخَيْفِ لِلصَّلَوَاتِ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَبِيتَ فِيهَا) هَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ يَعْنِي: أَنَّهُ يَلْزَمُ الْحَاجَّ أَنْ يَعُودَ إلَخْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْعَوْدَ إنَّمَا هُوَ لِلْبَيَاتِ فِيهَا وَلَكِنْ هِيَ عِبَارَاتٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ بِالسُّنِّيَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ بِاللُّزُومِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مِنْ نَاحِيَةِ) بَيَانٌ لِفَوْقِ الْعَقَبَةِ وَإِضَافَةُ نَاحِيَةٍ إلَى مِنًى لِلْبَيَانِ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ تَرَكَ جُلَّ لَيْلَةٍ) أَيْ: أَوْ لَيْلَةً، أَوْ الثَّلَاثَ الْوَاجِبُ دَمٌ فَقَطْ وَلَا يَتَعَدَّدُ وَقَوْلُهُ: فَوْقَ الْعَقَبَةِ أَيْ: فَوْقَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَالصَّوَابُ إسْقَاطُ " جَمْرَةِ " وَيَقُولُ: فَوْقَ الْعَقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْجَمْرَةَ مِنْ مِنًى كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) .
وَمُقَابِلُهُ لَا هَدْيَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَبِيتَ اللَّيْلَةَ كُلَّهَا، وَقَدْ فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: جُلُّ لَيْلَةٍ أَنَّهُ لَوْ بَاتَ بِمِنًى نِصْفَ لَيْلَةٍ فَمَا دُونَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى.
أَوْ لَيْلَتَيْنِ إنْ تَعَجَّلَ، وَلَوْ بَاتَ بِمَكَّةَ، أَوْ مَكِّيًّا قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ الثَّانِي فَيَسْقُطُ عَنْهُ رَمْيُ الثَّالِثِ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا طَافَ لِلْإِفَاضَةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إلَى مِنًى لِأَجْلِ أَنْ يَبِيتَ بِهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ إنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ أَوْ لَيْلَتَيْنِ إنْ تَعَجَّلَ فَيَسْقُطُ عَنْهُ رَمْيُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَمَبِيتُ لَيْلَتِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي جَوَازِ التَّعَجُّلِ بَيْنَ أَنْ يَبِيتَ بِغَيْرِ مَكَّةَ أَوْ بِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُتَعَجِّلُ آفَاقِيًّا، أَوْ مَكِّيًّا عَلَى الْأَصَحِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] أَيْ: لِفَوَاتِهِ لِلرُّخْصَةِ وَمَنْ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ يَبِيتُ بِمَكَّةَ أَنْ يَعُودَ لِلرَّمْيِ لِخُرُوجِهِ عَنْ سُنَّةِ التَّعْجِيلِ، وَالدَّمُ إنْ لَمْ يَعُدْ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ لَا يَتَعَجَّلُ أَهْلُ مَكَّةَ وَشَرْطُ التَّعْجِيلِ مُجَاوَزَةُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ قَبْلَ غُرُوبِ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ، فَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْهَا إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ لَزِمَهُ الْمَبِيتُ بِمِنًى وَرَمَى الثَّالِثُ وَكَأَنَّهُ الْتَزَمَ رَمْيَهُ؛ ولِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ، وَانْظُرْ هَلْ عَدَمُ التَّعْجِيلِ أَفْضَلُ مِنْ التَّعْجِيلِ لِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الْعَمَلِ أَمْ لَا، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُفِيدُ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَكَذَا كَلَامُ الرِّسَالَةِ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْإِمَامِ، وَأَمَّا هُوَ فَيُكْرَهُ لَهُ التَّعْجِيلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ.
(ص) وَرُخِّصَ لِرَاعٍ بَعْدَ الْعَقَبَةِ أَنْ يَنْصَرِفَ وَيَأْتِي الثَّالِثُ فَيَرْمِي لِلْيَوْمَيْنِ (ش) وَرَدَتْ الرُّخْصَةُ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ فِي حَقِّ رُعَاةِ الْإِبِلِ أَنَّهُمْ إذَا رَمَوْا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَنْصَرِفُوا إلَى رَعْيِ مَوَاشِيهِمْ، ثُمَّ يَأْتُوا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ بِالنِّسْبَةِ لِيَوْمِ النَّحْرِ، وَهُوَ صَبِيحَةُ ثَانِيَ عَشَرَ الْحِجَّةِ وَهُوَ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَيَرْمُوا لِلْيَوْمِ الْمَاضِي وَهُوَ ثَانِي النَّحْرِ وَلِلْيَوْمِ الَّذِي حَضَرُوا فِيهِ، وَهُوَ ثَالِثُ النَّحْرِ، ثُمَّ إنْ شَاءُوا تَعَجَّلُوا، وَإِنْ شَاءُوا أَقَامُوا لِلْيَوْمِ الرَّابِعِ فَيَرْمُوهُ مَعَ النَّاسِ، وَقَوْلُهُ: لِرَاعٍ وَصَاحِبِ سِقَايَةٍ، وَقَوْلُهُ: بَعْدَ الْعَقَبَةِ مُتَعَلِّقٌ " بِيَنْصَرِفُ "، وَهُوَ مَاشٍ فِي تَقْدِيمِ مَعْمُولِ صِلَةِ الْحَرْفِ الْمَصْدَرِيِّ عَلَيْهِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ سَعْدِ الدِّينِ الْقَائِلِ بِجَوَازِهِ إذَا كَانَ ظَرْفًا، أَوْ جَارًّا، أَوْ مَجْرُورًا؛ لِأَنَّهُمْ يَتَوَسَّعُونَ فِي الظُّرُوفِ مَا لَا يَتَوَسَّعُونَ فِي غَيْرِهَا (ص) وَتَقْدِيمُ الضَّعَفَةِ فِي الرَّدِّ لِلْمُزْدَلِفَةِ (ش) مُتَعَلِّقُ الرَّدِّ مَحْذُوفٌ وَاللَّامُ مِنْ لِلْمُزْدَلِفَةِ بِمَعْنَى مِنْ أَيْ: وَرُخِّصَ تَقْدِيمُ الضَّعَفَةِ كَالْمَرْضَى وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي الرَّدِّ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ لِمِنًى وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَإِنْ وَرَدَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَكَمَا يُرَخَّصُ لَهُمْ فِي التَّقْدِيمِ يُرَخَّصُ لَهُمْ فِي التَّأْخِيرِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُؤَلِّفُ الْكَلَامَ بِالتَّقْدِيمِ قَصْدًا لِمَوْضُوعِ النَّصِّ، وَلَوْ قَالَ وَتَقْدِيمُ الضَّعَفَةِ، أَوْ تَأْخِيرُهُمْ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ لِمِنًى لَكَانَ أَحْسَنَ لِإِفَادَتِهِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَتَأْدِيَةِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ، ثُمَّ إنَّ الرُّخْصَةَ فِي التَّقْدِيمِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ لَا بُدَّ أَنْ تُقَيَّدَ بِأَنْ تَكُونَ بَعْدَ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ النُّزُولِ بِهَا يَكُونُ وُقُوفُهُمْ بِالْمَشْعَرِ لَيْلًا، وَمَنْ أَتَى مِنًى قَبْلَ الْفَجْرِ أَخَّرَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ إلَى الْفَجْرِ.
(ص) وَتَرْكُ التَّحْصِيبِ لِغَيْرِ مُقْتَدًى بِهِ (ش) أَيْ: وَرُخِّصَ فِي تَرْكِ النُّزُولِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: إنْ تَعَجَّلَ) كَانَ بِمِنًى، أَوْ غَيْرِهَا كَمَكَّةَ لَكِنْ إنْ كَانَ بِمِنًى فَيُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّعْجِيلِ وَالْخُرُوجِ مِنْهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا لَا يُشْتَرَطُ الْخُرُوجُ مِنْهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ الثَّانِي وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ فَقَطْ قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ الثَّانِي وَمَنْ تَعَجَّلَ وَأَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فِي الطَّرِيقِ فَهَلْ يُتِمُّ أَمْ لَا؟ لَمْ أَرَ مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ وَالْإِتْمَامُ أَحْوَطُ، وَمَنْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ مِنْ الْحُجَّاجِ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِ النُّسُكِ كَالرُّعَاةِ إذَا رَمَوْا الْجَمْرَةَ وَتَوَجَّهُوا لِلرَّعْيِ فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ لَهُمْ حُكْمَ الْحُجَّاجِ ك (قَوْلُهُ: أَوْ مَكِّيًّا) أَيْ: أَوْ كَانَ مَكِّيًّا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: بَاتَ أَيْ: وَلَوْ بَاتَ بِمَكَّةَ، أَوْ كَانَ مَكِّيًّا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَمَنْ تَأَخَّرَ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ: عَدَمُ الْإِثْمِ فِي التَّأْخِيرِ لَا يُتَوَهَّمُ حَتَّى يَنْفِيَهُ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ رَدٌّ عَلَى الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ بِالْإِثْمِ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ مَعَ تَعْجِيلِ غَيْرِهِ.
وَجَوَابٌ آخَرُ أَنَّهُ إنَّمَا نَفَاهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْعَمَلِ بِالرُّخْصَةِ الَّتِي هِيَ التَّعْجِيلُ (قَوْلُهُ وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُفِيدُ أَنَّهُ مُبَاحٌ) أَيْ: مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ اُنْظُرْ كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الْعَمَلِ الْمُقْتَضِيَةِ لِتَرْجِيحِ عَدَمِ التَّعْجِيلِ فَتَدَبَّرْ
(قَوْلُهُ: وَرُخِّصَ لِرَاعٍ) كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: وَعَادَ لِلْمَبِيتِ بِمِنًى إلَخْ وَمِنْ قَوْلِهِ:، أَوْ لَيْلَتَيْنِ إنْ تَعَجَّلَ وَهَذِهِ الرُّخْصَةُ جَائِزَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وتت (قَوْلُهُ فِي حَقِّ رُعَاةِ الْإِبِلِ) أَيْ: لَا غَيْرُهُمْ وَأَهْلُ السِّقَايَةِ يُرَخَّصُ لَهُمْ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى فَقَطْ لَا فِي تَرْكِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ فَيَبِيتُونَ بِمَكَّةَ وَيَرْمُونَ الْجِمَارَ نَهَارًا وَيَعُودُونَ لِمَكَّةَ فَإِنَّهُ فِي الطِّرَازِ فَلَيْسُوا كَالرُّعَاةِ فِي تَأْخِيرِ الرَّمْيِ يَوْمًا فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ وَكَلَامُهُ فِي مَنَاسِكِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُمَا، سَوَاءٌ وَلَكِنَّهُ مُعْتَرَضٌ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَقَوْلُهُ لِرَاعٍ وَصَاحِبِ سِقَايَةٍ فِيهِ نَظَرٌ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُحْذَفَ قَوْلُهُ: وَصَاحِبُ سِقَايَةٍ.
{تَنْبِيهٌ} يَجُوزُ لِلرُّعَاةِ أَنْ يَأْتُوا لَيْلًا فَيَرْمُونَ مَا فَاتَهُمْ رَمْيُهُ نَهَارًا وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ، قَالَ الْحَطَّابُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وِفَاقٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا رُخِّصَ لَهُمْ فِي تَأْخِيرِ الْيَوْمِ الثَّانِي فَرَمْيُهُمْ لَيْلًا أَوْلَى وَرَدَ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى فِي الرُّخْصَةِ وَالِاعْتِرَاضُ صَوَابٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْزِعُونَ الْمَاءَ مِنْ زَمْزَمَ لَيْلًا وَيُفْرِغُونَهُ فِي الْحِيَاضِ مُحَشِّي تت (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ) مِنْ أَنَّ الضَّعَفَةَ يَرِدُونَ مِنْ عَرَفَةَ لِلْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْعَاشِرِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَأْخِيرُهُمْ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ) أَيْ: فَلَا يَرْتَحِلُونَ بَعْدَ الصُّبْحِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ عَقِبَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلَا يَقِفُونَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَعْدُ، وَلَكِنْ لَمْ يُبَيِّنْ حَدَّ التَّأْخِيرِ وَلَعَلَّهُ إلَى وَقْتٍ يَسْهُلُ عَلَيْهِمْ السَّيْرُ فِيهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنَّ الرُّخْصَةَ إلَخْ) أَيْ: فَالرُّخْصَةُ لَهُمْ إنَّمَا هِيَ فِي تَرْكِ مَا زَادَ عَلَى النُّزُولِ الْوَاجِبِ وَهِيَ هُنَا مُسْتَحَبَّةٌ فَلَا يُقَالُ: إنَّهُمْ تَرَكُوا مُسْتَحَبًّا وَهُوَ الْمَبِيتُ، بَلْ فَعَلُوا مُسْتَحَبًّا فِي حَقِّهِمْ، قَالَ عج: وَانْظُرْ هَلْ يَحْصُلُ لَهُمْ ثَوَابُ الْمَبِيتِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْجَمْعِ الصُّورِيِّ لِلْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ مِنْ حُصُولِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ لَهُ دُونَ الصَّحِيحِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَمْ لَا وَقَوْلُهُ: مِنْ ثَوَابِ الْمَبِيتِ أَيْ: زِيَادَةً عَلَى ثَوَابِ الرُّخْصَةِ
(قَوْلُهُ: أَيْ وَرُخِّصَ فِي تَرْكِ النُّزُولِ بِالْمُحَصَّبِ)
بِالْمُحَصَّبِ لَيْلَةَ الرَّابِعَ عَشَرَ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ لِلْمَقْبَرَةِ أَيْ: مُنْتَهِيًا لَهَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْحَصْبَاءِ فِيهِ مِنْ السَّيْلِ وَالْأَبْطَحُ مِنْهُ حَيْثُ الْمَقْبَرَةُ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ تَحْتَ عَقَبَةِ كَدَاءٍ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِانْبِطَاحِهِ، وَمَحَلُّ الرُّخْصَةِ لِغَيْرِ الْمُقْتَدَى بِهِ فَلَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهِ لِمُقْتَدًى بِهِ لِإِحْيَائِهِ السُّنَّةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَجِّلًا، أَوْ يُوَافِقَ نَفْرُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ النُّزُولُ بِالْمُحَصَّبِ مَشْرُوعًا لِنُزُولِهِ عليه الصلاة والسلام بِهِ وَصَلَاتِهِ بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ.
(ص) وَرَمَى كُلَّ يَوْمٍ الثَّلَاثَ وَخَتَمَ بِالْعَقَبَةِ (ش) تَقَدَّمَ أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ يَخْتَصُّ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَقَطْ يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ أَيَّامَ مِنًى وَهِيَ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيْ: ثَانِي النَّحْرِ وَثَالِثُهُ وَرَابِعُهُ يَرْمِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا الثَّلَاثَ جَمَرَاتٍ: يَرْمِي كُلَّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَذَلِكَ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ حَصَاةً إنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَرْمِي الْعَقَبَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ فَالْجُمْلَةُ سَبْعُونَ حَصَاةً (ص) مِنْ الزَّوَالِ لِلْغُرُوبِ (ش) أَيْ: وَوَقْتُ أَدَاءِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الزَّوَالِ مِنْهُ لِلْغُرُوبِ قَالَ الْحَطَّابُ وَتَبِعَهُ بَعْضُهُمْ الْمُخْتَارُ مِنْ الزَّوَالِ إلَى الِاصْفِرَارِ وَمِنْهُ لِلْغُرُوبِ ضَرُورِيٌّ انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ كَرَاهَةُ الرَّمْيِ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَلَزِمَهُ فِيهِ الدَّمُ وَفِيهِ بَحْثٌ إذْ وُجُوبُ الدَّمِ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِفِعْلِ كُلِّ مُحَرَّمٍ كَمَا يُفِيدُهُ مَا يَأْتِي فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ.
(ص) وَصِحَّتُهُ بِحَجَرٍ كَحَصَى الْخَذْفِ (ش) أَيْ: وَشَرْطُ صِحَّةِ الرَّمْيِ مُطْلَقًا أُمُورٌ أَرْبَعَةٌ: كَوْنُهُ بِحَجَرٍ أَيْ: جِنْسِ مَا يُسَمَّى حَجَرًا مِنْ رُخَامٍ، أَوْ بِرَامٍ وَفِي الْقَدْرِ كَحَصَى الْخَذْفِ بِمُعْجَمَتَيْنِ وَفَاءً، وَهُوَ الرَّمْيُ بِالْحَصْبَاءِ بِالْأَصَابِعِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْحَذْفُ بِالْحَصْبَاءِ ابْنُ هَارُونَ هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَرْمِي بِهَا فِي الصِّغَرِ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ تَجْعَلُهَا بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ مِنْ الْيُسْرَى، ثُمَّ تَقْذِفُهَا بِسَبَّابَةِ الْيُمْنَى أَوْ تَجْعَلُهَا بَيْنَ سَبَّابَتَيْهِ، وَهَلْ هُوَ كَالْفُولِ، أَوْ النَّوَاةِ، أَوْ دُونَ الْأُنْمُلَةِ طُولًا وَعَرْضًا أَقْوَالٌ فَلَا يَصِحُّ الرَّمْيُ بِغَيْرِ الْحِجَارَةِ كَالطِّينِ وَالزَّلَطِ كَمَا يَأْتِي وَلَا يُجْزِئُ الصَّغِيرُ جِدًّا كَالْقَمْحَةِ؛ لِأَنَّهُ كَالْعَدَمِ وَيُجْزِئُ الْكَبِيرُ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَيُكْرَهُ لِئَلَّا يُؤْذِيَ النَّاسَ (ص) وَرَمْيٌ (ش) أَيْ: وَصِحَّةُ الرَّمْيِ بِرَمْيٍ وَفِيهِ شَيْءٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ اُسْتُعْمِلَ الرَّمْيُ فِي مُطْلَقِ الْإِيصَالِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى الرَّمْيُ الْمَشْرُوطُ هُوَ الْوُصُولُ إلَى الْجَمْرَةِ وَاَلَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِيهِ هُوَ الرَّمْيُ بِمَعْنَى الطَّرْحِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ شَرْطًا فِي نَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ: وَرَمْيٌ أَيْ: لِكُلِّ حَصَاةٍ بِانْفِرَادِهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الرَّمْيُ بِيَدِهِ لَا بِقَوْسِهِ، أَوْ رِجْلِهِ، أَوْ فِيهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ الرَّمْيِ بِالْأَصَابِعِ لَا بِالْقَبْضَةِ، وَكَوْنُهُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ بِالْيُمْنَى.
(ص) ، وَإِنْ بِمُتَنَجَّسٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُجْزِئُ الرَّمْيُ بِالْحَجَرِ النَّجَسِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ، وَقَوْلُهُ:(عَلَى الْجَمْرَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِرَمْيٍ أَيْ: رَمْيٍ عَلَى الْجَمْرَةِ وَهِيَ الْبِنَاءُ، وَمَا تَحْتَهُ،.
وَلَمَّا أَوْهَمَ قَوْلُهُ عَلَى الْجَمْرَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إصَابَتِهَا أَوَّلًا دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ: (ص)، وَإِنْ أَصَابَتْ غَيْرَهَا إنْ ذَهَبَتْ بِقُوَّةٍ (ش) أَيْ: وَإِنْ أَصَابَتْ الْحَصَاةُ غَيْرَ الْجَمْرَةِ ابْتِدَاءً مِنْ تَحَمُّلٍ وَغَيْرِهِ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الْإِجْزَاءَ إنْ ذَهَبَتْ إلَيْهَا بِقُوَّةٍ مِنْ الرَّامِي لِاتِّصَالِ الرَّمْيِ بِهَا وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ وَقَعَتْ دُونَهَا، ثُمَّ تَدَحْرَجَتْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِهِ، أَمَّا إنْ تَدَحْرَجَتْ إلَى الْجَمْرَةِ مِنْ عَالٍ غَيْرَ بِنَاءِ الْجَمْرَةِ فَلَا سَنَدٌ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِيهِ قَوْلَانِ،.
وَأَمَّا إنْ وَقَعَتْ الْحَصَاةُ دُونَ الْجَمْرَةِ وَلَمْ تَذْهَبْ بِقُوَّةِ الرَّمْيَةِ، أَوْ جَاوَزَتْهَا بِالْبُعْدِ مِنْهَا فَلَا تُجْزِئُ؛ لِأَنَّ رَمْيَهُ لَمْ يَتَّصِلْ بِالْجَمْرَةِ، وَإِنْ أَطَارَتْ الرَّمْيَةُ غَيْرَهَا مِمَّا وَقَعَتْ عَلَيْهِ لِلْجَمْرَةِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ:(ص) لَا دُونَهَا، وَإِنْ أَطَارَتْ غَيْرَهَا لَهَا (ش) وَلَا يُجْزِئُ الرَّمْيُ بِالطِّينِ وَالْمَعَادِنِ بِأَنْوَاعِهَا مُتَطَرِّقَةً: كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالرَّصَاصِ، أَوْ غَيْرَ مُتَطَرِّقَةٍ: كَالزِّرْنِيخِ وَالْكِبْرِيتِ وَالْمَائِعَاتِ بِأَسْرِهَا، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ:
ــ
[حاشية العدوي]
هَذِهِ الرُّخْصَةُ خِلَافُ الْأَوْلَى لِمَا يَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ مِنْ قَوْلِهِ: عَاطِفًا عَلَى الْمَنْدُوبِ وَتَحْصِيبُ الرَّاجِعِ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَبْطَحُ مِنْهُ) اُنْظُرْهُ مَعَ قَوْلِ عِيَاضٍ وَهُوَ الْبَطْحَاءُ انْتَهَى أَيْ: فَهُوَ عَيْنُهُ لَا بَعْضُهُ (قَوْلُهُ: فَلَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهِ) أَيْ: فَيُكْرَهُ لَهُ التَّرْكُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَخِلَافُ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَجِّلًا) تَقَدَّمَ مَعْنَى التَّعْجِيلِ (قَوْلُهُ: أَوْ يُوَافِقُ نَفْرُهُ يَوْمَ جُمُعَةٍ) أَيْ:؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لَا أُحِبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَ بِالْمُحَصَّبِ وَلْيَدْخُلْ مَكَّةَ لِيُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ بِأَهْلِ مَكَّةَ انْتَهَى
(قَوْلُهُ: وَرَمَى كُلَّ يَوْمٍ) عَطْفٌ عَلَى عَادَ فَهُوَ فِعْلُ مَاضٍ أَيْ: رَمَى بَادِئًا بِاَلَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى ثُمَّ الْوُسْطَى الَّتِي بِالسُّوقِ وَخَتَمَ بِالْعَقَبَةِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ بَحْثٌ إلَخْ) أَقُولُ الْبَحْثُ ظَاهِرٌ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحُكْمَ مُسَلَّمٌ
(قَوْلُهُ: أَوْ بِرَامٍ) كَجِبَالٍ جَمْعُ بُرْمَةٍ بِالضَّمِّ قِدْرٌ مِنْ الْحِجَارَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ، وَفِي النِّهَايَةِ الْبُرْمَةُ الْقِدْرُ مُطْلَقًا وَجَمْعُهَا بِرَامٌ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ الْحِجَارَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْحِجَازِ وَالْيَمَنِ مُحَشِّي تت (قَوْلُهُ: وَهَلْ هُوَ كَالْفُولِ) بَيَانٌ لِأَقَلِّ مَا يُجْزِئُ (قَوْلُهُ: وَالزَّلَطُ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الزَّلَطُ مِنْ الْحَجَرِ (قَوْلُهُ: اُسْتُعْمِلَ الرَّمْيُ فِي مُطْلَقِ الْإِيصَالِ) الْأَوْلَى فِي مُطْلَقِ الْوُصُولِ أَيْ: اللَّفْظُ الْأَوَّلُ وَأَرَادَ بِالرَّمْيِ الثَّانِي الطَّرْحَ فَالْعِبَارَةُ الثَّانِيَةُ تُفَسِّرُ هَذِهِ
(قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يُكْرَهُ) وَنُدِبَ إعَادَتُهُ بِطَاهِرٍ (قَوْلُهُ: وَهِيَ الْبِنَاءُ وَمَا تَحْتَهُ) أَيْ: مِنْ مَوْضِعِ الْحَصْبَاءِ وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ الرَّمْيُ عَلَى الثَّانِي كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: فِي مَنْسَكِهِ وَلَا تَرْمِ فِي الْبِنَاءِ، بَلْ ارْمِ أَسْفَلَهُ بِمَوْضِعِ الْحَصْبَاءِ أَيْ: وَسَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ، وَفِي أَجْزَاءِ مَا وَقَفَ بِالْبِنَاءِ تَرَدُّدٌ فَالْمَطْلُوبُ ابْتِدَاءً أَنَّهُ لَا يَرْمِي فِي الْبِنَاءِ فَإِنْ رَمَى فِيهِ وَوَقَعَ الرَّمْيُ أَسْفَلَهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي أَجْزَأَهُ فَإِنْ رَمَى فِيهِ وَوَقَفَ فِي شُقُوقِ الْبِنَاءِ فَفِي إجْزَائِهِ تَرَدُّدٌ وَلَا يُجْزِئُ مَا وَقَعَ فِي ظَهْرِهَا قَطْعًا.
وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجَمْرَةِ الْبِنَاءُ الْقَائِمُ فَإِنَّ ذَلِكَ الْبِنَاءَ عَلَامَةٌ عَلَى مَوْضِعِهَا وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْبَاجِيِّ وَغَيْرِهِ.
الْجَمْرَةُ اسْمٌ لِمَوْضِعِ الرَّمْيِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ بِاسْمِ مَا يُرْمَى فِيهَا وَالْجِمَارُ الْحِجَارَةُ انْتَهَى
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِهِ) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الرَّأْسَ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ شَكَّ فِي وُصُولِهَا فَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ سَالِمٌ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ
(قَوْلُهُ: مُتَطَرِّقَةً) أَيْ: قَابِلَةٌ
ص) لَا طِينٍ وَمَعْدِنٍ (ش) وَأَجَازُوا هُنَا الرَّمْيَ بِالرُّخَامِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ عَلَيْهِ عَلَى مَا فِيهِ.
(ص)، وَفِي إجْزَاءِ مَا وَقَفَ بِالْبِنَاءِ تَرَدُّدٌ (ش) يَعْنِي: لَوْ رَمَى الْحَصَاةَ عَلَى الْجَمْرَةِ فَوَقَعَتْ فِي شُقُوقِهَا وَلَمْ تَنْزِلْ إلَى أَرْضِ الْجَمْرَةِ هَلْ يُجْزِئُ الرَّمْيُ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَمِيلُ إلَيْهِ سَيِّدِي عَبْدُ اللَّهِ الْمَنُوفِيُّ شَيْخُ الْمُؤَلِّفِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِجَعْلِ الْجَمْرَةِ اسْمًا لِلْبِنَاءِ، وَمَا تَحْتَهُ أَوْ لَا يُجْزِئُ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُفْتِي بِهِ سَيِّدِي خَلِيلٌ الَّذِي بِمَكَّةَ شَيْخُ الْمُؤَلِّفِ أَيْضًا وَبَهْرَامُ وَلَعَلَّ الْجَمْرَةَ عِنْدَهُ اسْمٌ لِلْمَكَانِ الْمُجْتَمِعِ فِيهِ الْحَصَا؟ تَرَدُّدٌ لِهَذَيْنِ الشَّيْخَيْنِ الْمُتَأَخِّرَيْنِ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ (ص) وَبِتَرَتُّبِهِنَّ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: بِحَجَرٍ مِنْ قَوْلِهِ: وَصِحَّتُهُ بِحَجَرٍ وَبِتَرَتُّبِهِنَّ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ غَيْرِ بَاءٍ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى حَجَرٍ يَعْنِي وَمِمَّا يُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي صِحَّةِ الرَّمْيِ فِيمَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ أَنْ يُرَتِّبَ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ فِي الرَّمْيِ بِأَنْ يَبْدَأَ بِالْجَمْرَةِ الْكُبْرَى الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى، ثُمَّ يُثَنِّي بِالْوُسْطَى وَهِيَ الَّتِي فِي السُّوقِ ثُمَّ يَخْتِمُ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَالْإِخْلَالُ بِالتَّرْتِيبِ مُبْطِلٌ وَلَوْ سَهْوًا، وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ قَوْلُهُ (وَأَعَادَ مَا حَضَرَ بَعْدَ الْمَنْسِيَّةِ، وَمَا بَعْدَهَا فِي يَوْمِهَا فَقَطْ) مِثَالُ ذَلِكَ لَوْ نَسِيَ الْجَمْرَةَ الْأُولَى مِنْ ثَانِي النَّحْرِ، ثُمَّ رَمَى ثَالِثَ النَّحْرِ بِتَمَامِهِ، ثُمَّ رَمَى رَابِعَ النَّحْرِ بِتَمَامِهِ ثُمَّ ذَكَرَ فَإِنَّهُ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْمَنْسِيَّةَ، وَمَا بَعْدَهَا فِي يَوْمِهَا وُجُوبًا وَهِيَ الْجَمْرَةُ الْوُسْطَى، ثُمَّ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ؛ لِأَنَّهُ رَمْيٌ بَاطِلٌ لِعَدَمِ التَّرْتِيبِ، ثُمَّ يَرْمِي الْيَوْمَ الرَّابِعَ بِتَمَامِهِ اسْتِحْبَابًا، وَهُوَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: مَا حَضَرَ " فَمَا " مَوْصُولَةٌ مَحَلُّهَا نَصْبٌ، وَإِنَّمَا أَعَادَ رَمْيَ الرَّابِعِ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْمَنْسِيِّ، وَمَا حَضَرَ وَقْتُهُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مَعَ الذِّكْرِ لَا مَعَ النِّسْيَانِ فَلِذَا اُسْتُحِبَّ إعَادَتُهُ بِخِلَافِ تَرْتِيبِ الْمَنْسِيَّاتِ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَلَوْ مَعَ النِّسْيَانِ، وَأَمَّا الْيَوْمُ الثَّالِثُ فَإِنَّ رَمْيَهُ صَحِيحٌ، وَقَدْ خَرَجَ وَقْتُهُ وَمِثَالُهُ فِي الصَّلَاةِ لَوْ نَسِيَ الصُّبْحَ وَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، ثُمَّ ذَكَرَ فَإِنَّهُ يُصَلِّي الصُّبْحَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ لِبَقَاءِ وَقْتِهِمَا، وَلَا يُعِيدُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ لِخُرُوجِ وَقْتِهِمَا وَفِي قَوْلِهِ: فِي يَوْمِهَا فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: وَمَا بَعْدَهَا لَتَوَهَّمَ فِي الْمِثَالِ الْمَفْرُوضِ أَنْ يُعِيدَ جَمَرَاتِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَقَوْلُهُ: وَأَعَادَ مَا حَضَرَ، وَهُوَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ، وَقَوْلُهُ: بَعْدَ الْمَنْسِيَّةِ أَيْ: بَعْدَ فِعْلِ الْمَنْسِيَّةِ وَبَعْدَ فِعْلِ مَا بَعْدَهَا فِي يَوْمِهَا فَقَطْ، " وَفِي " بِمَعْنَى مَنْ، وَهُوَ بَيَانٌ لِمَا وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِأَعَادَ لِفَسَادِ الْمَعْنَى إذْ لَا يَتَأَتَّى الْإِعَادَةُ فِي يَوْمِهَا؛ لِأَنَّهُ فَاتَ.
(ص) وَنُدِبَ تَتَابُعُهُ (ش) أَيْ: تَتَابُعُ رَمْيِ الْجَمَرَاتِ بِأَنْ يَرْمِيَ الثَّانِيَةَ عَقِبَ الْأُولَى بِكَمَالِهَا، وَالثَّالِثَةَ عَقِبَ الثَّانِيَةِ بِكَمَالِهَا وَبِهَذَا عَلِمْت أَنَّ هَذَا غَيْرُ قَوْلِهِ: وَتَتَابُعُهَا فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ تَتَابُعُ الْحَصَيَاتِ فِي كُلِّ جَمْرَةٍ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ: وَصِحَّتُهُ بِتَرَتُّبِهِنَّ وَعَلَى قَوْلِهِ: وَنُدِبَ تَتَابُعُهُ قَوْلُهُ.
(ص)، فَإِنْ رَمَى بِخَمْسٍ خَمْسٍ اعْتَدَّ بِالْخَمْسِ الْأُوَلِ (ش) أَيْ: فَلِأَجْلِ أَنَّ التَّتَابُعَ مَنْدُوبٌ فَقَطْ لَا تَبْطُلُ الْخَمْسُ الْأُوَلُ وَلِأَجْلِ أَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ بَطَلَ مَا بَعْدَهَا لِعَدَمِ التَّرْتِيبِ بِرَمْيِهِ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ قَبْلَ إكْمَالِ الْأُولَى وَكَذَا، قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَدْرِ مَوْضِعَ حَصَاةٍ إلَخْ (ص)، وَإِنْ لَمْ يَدْرِ مَوْضِعَ حَصَاةٍ اعْتَدَّ بِسِتٍّ مِنْ الْأُولَى (ش) أَيْ: وَإِنْ رَمَى الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثَ، ثُمَّ لَمْ يَدْرِ مَوْضِعَ حَصَاةٍ، أَوْ أَكْثَرَ تُرِكَتْ مِنْ أَيُّهَا تَيَقَّنَ تَرْكَهَا، أَوْ شَكَّ بَقِيَتْ بِيَدِهِ حَصَاةٌ أَمْ لَا اعْتَدَّ بِسِتٍّ مِنْ الْجَمْرَةِ الْأُولَى لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا مِنْهَا فَيُكْمِلُهَا بِحَصَاةٍ ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى وَالْعَقَبَةَ بِسَبْعٍ سَبْعٍ لِعَدَمِ التَّرْتِيبِ، وَلَا تَبْطُلُ الْأُولَى عَلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الْمَنْسِيِّ مِنْ الثَّانِيَةِ، أَوْ الثَّالِثَةِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يَدْرِ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ فَكَذَا لَوْ دَرَى أَنَّهَا مِنْ الْأُولَى، أَوْ مَا بَعْدَهَا كَمَّلَهَا بِحَصَاةٍ وَلَا يَسْتَأْنِفُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَاسْتَأْنَفَ مَا بَعْدَهَا، وَمَا ذَكَرَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى نَدْبِ التَّتَابُعِ وَعَلَى مُقَابِلِهِ لَا يَعْتَدُّ بِشَيْءٍ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ اعْتَدَّ بِسِتٍّ مِنْ الْأُولَى مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ إتْمَامُ الْأُولَى وَإِلَّا اعْتَدَّ بِسِتٍّ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ شَكَّ مَعَ ذَلِكَ فِي كَوْنِهَا مِنْ الْجَمْرَةِ الْأُولَى مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، أَوْ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَعْتَدُّ بِسِتٍّ مِنْ الْأُولَى مِنْ كِلَا الْيَوْمَيْنِ وَيُكْمِلُ عَلَيْهَا.
(ص) وَأَجْزَأَ عَنْهُ وَعَنْ صَبِيٍّ (ش) صُورَتُهَا أَنَّهُ رَمَى الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ رَمَى بِتِلْكَ الْحَصَيَاتِ عَنْ الصَّبِيِّ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَرْمِي عَنْهُ أَوْ رَمَى عَمَّنْ ذَكَرَ أَوَّلًا ثُمَّ رَمَى بِتِلْكَ الْحَصَيَاتِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ، أَمَّا لَوْ رَمَى
ــ
[حاشية العدوي]
لِلتَّطْرِيقِ بِالْمِطْرَقَةِ
(قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ الْجَمْرَةَ إلَخْ) قَالَ اللَّقَانِيِّ مَذْهَبُ الطِّرَازِ أَنَّ الْجَمْرَةَ اسْمٌ لِلْجَمِيعِ الْبِنَاءُ وَمَا حَوْلَهُ، وَعَلَيْهِ فَمَا وَقَفَ بِالْبِنَاءِ مُجْزٍ قَالَ ح وَهُوَ الْقِيَاسُ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُؤَلِّفِ أَنْ يَقْطَعَ بِالْإِجْزَاءِ فَيَقُولُ: وَيُجْزِئُ مَا وَقَفَ بِالْبِنَاءِ وَيَرْمِي عَلَى الْكَوْمَةِ أَوْ الْبِنَاءِ (قَوْلُهُ: فِي يَوْمِهَا) إنَّمَا لَمْ يَسْتَغْنِ بِمَفْهُومِ الظَّرْفِ عَنْ قَوْلِهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَفْهُومِ شَرْطٍ بِخِلَافِ " فَقَطْ "؛ لِأَنَّ الْفَاءَ دَاخِلَةٌ فِي جَوَابِ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ
(قَوْلُهُ: وَعَلَى قَوْلِهِ: وَنُدِبَ تَتَابُعُهُ) فِيهِ نَظَرٌ فَالْأَظْهَرُ التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِهِ: وَتَتَابُعُهَا أَيْ: الْحَصَيَاتِ لَا تَتَابُعِ الْجَمَرَاتِ
(قَوْلُهُ: اعْتَدَّ بِالْخَمْسِ الْأُوَلِ) وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عَمْدًا، أَوْ سَهْوًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَوْرَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ إنْ ذَكَرَ فِي يَوْمِهِ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ إنْ ذَكَرَ مِنْ الْغَدِ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ رَمَى بِتِلْكَ الْحَصَيَاتِ) لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ وَلَوْ بِحَصَيَاتٍ أُخَرَ
الْحَصَاةَ الْوَاحِدَةَ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَلَوْ حَصَاةً حَصَاةً) إلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ رَمَى حَصَاةً عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ رَمَى حَصَاةً عَمَّنْ مَعَهُ، ثُمَّ فَعَلَ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْجِمَارِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ.
(ص) وَرَمْيُهُ الْعَقَبَةَ أَوَّلَ يَوْمِ طُلُوعِ الشَّمْسِ (ش) تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَالَ وَرَمْيُهُ الْعَقَبَةَ حِينَ وُصُولِهِ، وَإِنْ رَاكِبًا، وَأَشَارَ بِهِ إلَى وَقْتِ أَدَائِهَا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ مِنْ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَأَشَارَ بِمَا هُنَا إلَى وَقْتِهَا الْأَفْضَلِ وَأَنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَرْمِيَهَا مِنْ طُلُوعِ شَمْسِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى الزَّوَالِ مِنْهُ يُرِيدُ إذَا كَانَ لَا عُذْرَ لَهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ نِسْيَانٍ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَرْمِيَهَا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَقَوْلُهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ أَيْ: بَعْدَ الطُّلُوعِ لَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِالْمُقَارَنَةِ (ص) وَإِلَّا إثْرَ الزَّوَالِ قَبْلَ الظُّهْرِ (ش) أَيْ: وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ الرَّمْيُ أَوَّلَ يَوْمٍ، بَلْ كَانَ فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ يُنْدَبُ إثْرَ الزَّوَالِ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَالنَّفْيُ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلَ يَوْمٍ لَا لَهُ وَلِقَوْلِهِ طُلُوعُ الشَّمْسِ وَعَلَى هَذَا دَرَجَ الشَّارِحُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَرْمِ الْعَقَبَةَ أَوَّلَ يَوْمٍ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَيُنْدَبُ رَمْيُهَا إثْرَ الزَّوَالِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَإِنْ دَرَجَ عَلَيْهِ تت تَبَعًا لِلْبِسَاطِيِّ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْإِتْيَانِ بِإِلَّا إذْ مَا قَبْلَهَا مُسْتَحَبٌّ، وَمَا بَعْدَهَا كَذَلِكَ، وَانْظُرْ الْوَجْهَ الثَّانِيَ مَعَ مَا فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ فِي شَرْحِنَا الْكَبِيرِ (ص) وَوُقُوفُهُ إثْرَ الْأُولَيَيْنِ قَدْرَ إسْرَاعِ الْبَقَرَةِ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَنْدُوبِ وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَقِفَ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْأُولَى الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى وَعِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى إثْرَ رَمْيِهَا لِلدُّعَاءِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مِقْدَارَ مَا يَقْرَأُ الْقَارِئُ الْمُسْرِعُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَالِمٌ، وَأَمَّا جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ فَإِنَّهُ إذَا رَمَاهَا يَنْصَرِفُ عَنْهَا، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا لِعَدَمِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ، أَوْ لِوُسْعِ مَوْضِعِ الْأُولَيَيْنِ دُونَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَقَوْلُهُ: إثْرَ الْأُولَيَيْنِ أَيْ: إثْرَ رَمْيِ كُلِّ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْعَامِّ حُكْمٌ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ (ص) وَتَيَاسُرُهُ فِي الثَّانِيَةِ (ش) أَيْ: وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنَّهُ إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ الْوُسْطَى أَنْ يَتَيَاسَرَ عَنْهَا أَيْ: يَقِفَ عَنْهَا ذَاتَ الشِّمَالِ وَوَجْهُهُ إلَى الْبَيْتِ، وَلَا يَجْعَلُهَا خَلْفَ ظَهْرِهِ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى، وَالْمُرَادُ يَتَقَدَّمُ أَمَامَهَا بِحَيْثُ تَكُونُ جِهَةَ يَسَارِهِ حَالَ وُقُوفِهِ لِلدُّعَاءِ بَعْدَ رَمْيِهَا لَا أَنَّهُ يَجْعَلُهَا مُقَابِلَةَ يَسَارِهِ، وَأَمَّا الْأُولَى وَهِيَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى فَإِنَّهُ إذَا رَمَاهَا لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَيَاسَرَ عَنْهَا لِلدُّعَاءِ، بَلْ يَجْعَلُهَا خَلْفَ ظَهْرِهِ وَيَقِفُ لِلدُّعَاءِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَأَمَّا جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ فَإِنَّهُ يَرْمِيهَا مِنْ أَسْفَلِهَا فِي بَطْنِ الْوَادِي وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَمَكَّةُ عَنْ يَسَارِهِ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا لِلدُّعَاءِ.
(ص) وَتَحْصِيبُ الرَّاجِعِ لِيُصَلِّيَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْحَاجَّ غَيْرَ الْمُتَعَجِّلِ يُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ أَنْ يَنْزِلَ بِالْمُحَصَّبِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ حَيْثُ الْمَقْبَرَةُ مِنْ مَكَّةَ تَحْتَ كَدَاءٍ الثَّنِيَّةِ لِيُصَلِّيَ بِهَا أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ: الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ لِفِعْلِ النَّبِيِّ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَلَوْ حَصَاةً حَصَاةً) أَيْ: حَصَاةً بَعْدَ حَصَاةٍ أَيْ: حَصَاةً لَهُ وَحَصَاةً عَنْ الصَّبِيِّ وَهَذَا حِكْمَةُ تَكْرَارِ الْحَصَاةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَصَاةً بَعْدَ حَصَاةٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَهُمَا فَإِنَّ ذَلِكَ كَلَا رَمْيٍ، وَأَمَّا لَوْ رَمَى عَنْهُ حَصَاتَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ وَعَنْ الْآخَرِ مِثْلَهُ، أَوْ دُونَ، أَوْ أَكْثَرَ وَعَكْسَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ، وَانْظُرْ هَلْ هَذَا مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ أَيْضًا، أَوْ لَا؟ وَمَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةً كَامِلَةً عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ يَرْمِيهَا عَنْ الصَّبِيِّ فَهَذَا يُجْزِئُ بِلَا كَلَامٍ
(قَوْلُهُ: يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَرْمِيَهَا بَعْدَ الزَّوَالِ) أَيْ: قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَهَذِهِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِهِ: وَإِلَّا إثْرَ الزَّوَالِ. (قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا مَعْنَى إلَخْ) أَقُولُ: لَهُ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّيْنِ بِوَجْهَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ (قَوْلُهُ: وَانْظُرْ الْوَجْهَ الثَّانِيَ) عِبَارَتُهُ فِي ك وَالثَّانِي أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَنْتَهِي وَقْتُ اسْتِحْبَابِهَا بِالزَّوَالِ وَبِهِ صَرَّحَ تت عَقِبَ قَوْلِهِ: طُلُوعُ الشَّمْسِ وَأَنَّ فِعْلَهَا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَلَوْ إثْرَهُ فِعْلٌ لَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا الْمُسْتَحَبِّ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ شَامِلًا لِلِاحْتِمَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ، فَقَالَ: وَإِلَّا بِأَنْ فَاتَ الرَّمْيُ أَيْ: رَمْيُ الْعَقَبَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ، أَوْ كَانَ الرَّمْيُ فِي غَيْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ فَالْمُسْتَحَبُّ الرَّمْيُ إثْرَ الزَّوَالِ انْتَهَى.
وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ وَقْتُ أَدَاءِ الْعَقَبَةِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْفَجْرِ لِلْغُرُوبِ، وَالْمُسْتَحَبُّ مِنْهُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِلزَّوَالِ وَيُكْرَهُ الرَّمْيُ مِنْهُ لِلْغُرُوبِ، وَأَمَّا مِنْ الْفَجْرِ لِلطُّلُوعِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا، أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَقَدْ صَرَّحَ الْجُزُولِيُّ بِالْأَوَّلِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَمَا وَقَعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ قَوْلِهِ: إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَاتَ وَقْتُ رَمْيِهَا مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الْفَضْلِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَوْلُهُ قَبْلَ الظُّهْرِ أَيْ: قَبْلَ صَلَاتِهِ انْتَهَى عِبَارَةُ كَبِيرِهِ.
(أَقُولُ) يَبْقَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّمْيُ قَبْلَ الزَّوَالِ لِعُذْرٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُنْدَبُ بَعْدَ الزَّوَالِ قَبْلَ الظُّهْرِ قِيَاسًا عَلَى الْجَمَرَاتِ فِي بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ وَيَحُومُ لِهَذَا مَا قَالَهُ الشَّارِحُ أَوَّلًا (قَوْلُهُ: كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ ابْنُ الْقَاسِمِ) شَيْخُ مَالِكٍ أَيْ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ (قَوْلُهُ: وَسَالِمٌ) أَيْ: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (قَوْلُهُ دُونَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) أَيْ: فَإِنَّهُ ضَيِّقٌ فَلَيْسَ فِيهِ سَعَةٌ لِلْقِيَامِ لِمَنْ يَرْمِي زَادَ فِي ك وَلِهَذَا لَا يَنْصَرِفُ الَّذِي يَرْمِيهَا عَلَى طَرِيقِهِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الَّذِي يَأْتِي لِلرَّمْيِ وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ مِنْ أَعْلَى الْجَمْرَةِ وَضَعَّفَ مَالِكٌ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي جَمِيعِ الْمَشَاعِرِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَقَدْ رُئِيَ رَافِعًا يَدَيْهِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَقَدْ جَعَلَ بُطُونَهُمَا إلَى الْأَرْضِ وَقَالَ إنْ كَانَ الرَّفْعُ فَهَكَذَا انْتَهَى.
وَعِبَارَةُ شب وَفِي رَفْعِ يَدَيْهِ قَوْلَانِ قَالَ الْمُوَضِّحُ: مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ الرَّفْعِ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ لِيُصَلِّيَ) اللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ أَيْ: يَئُولُ نُزُولُهُ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ لَا لَامُ التَّعْلِيلِ أَيْ:؛ لِأَنَّ النُّزُولَ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا لِأَجْلِ الصَّلَاةِ وَسَوَاءٌ كَانَ مَكِّيًّا، أَوْ مُقِيمًا بِمَكَّةَ أَمْ لَا وَيُقْصِرُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْمَنَاسِكِ
- عليه الصلاة والسلام وَتَقَدَّمَ أَنَّ النُّزُولَ بِهِ لَيْسَ بِنُسُكٍ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا وَصَلَ لِلْمُحَصَّبِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، أَمَّا إذَا أَدْرَكَهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَهُوَ فِي غَيْرِ الْمُحَصَّبِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا حَيْثُ أَدْرَكَهُ الْوَقْتُ، وَلَا يُؤَخِّرُ لِلْمُحَصَّبِ فَيُقَيَّدُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ بِغَيْرِ الْمُتَعَجِّلِ وَبِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ رُجُوعُهُ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَتَحْصِيبٌ مَصْدَرُ حَصَّبَ كَفَرَّحَ مُضَعَّفًا إذَا نَزَلَ الْمُحَصَّبَ مِثْلَ غَرَّبَ وَشَرَّقَ.
(ص) وَطَوَافُ الْوَدَاعِ إنْ خَرَجَ لِكَالْجُحْفَةِ لَا كَالتَّنْعِيمِ، وَإِنْ صَغِيرًا (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ يُنْدَبُ لِكُلِّ خَارِجٍ مِنْ مَكَّةَ لِمَوْضِعٍ بَعِيدٍ كَالْجُحْفَةِ وَبَقِيَّةِ الْمَوَاقِيتِ مَكِّيًّا، أَوْ غَيْرَهُ قَدِمَ بِنُسُكٍ أَوْ تِجَارَةٍ، وَإِنْ صَغِيرًا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ امْرَأَةً كَانَتْ نِيَّتُهُ الْعَوْدَ أَمْ لَا أَنْ يَطُوفَ طَوَافَ الْوَدَاعِ قَبْلَ خُرُوجِهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ إلَى مَكَان بَعِيدٍ فِي الْحِلِّ وَلِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ» وَلِهَذَا كَانَ طَوَافُ الْوَدَاعِ هُوَ آخِرُ نُسُكٍ يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ، وَسَوَاءٌ خَرَجَ لِحَاجَةٍ، أَوْ لِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ وَمَحَلُّ كَوْنِ مَنْ خَرَجَ لِلتَّنْعِيمِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِمَسَاجِدِ عَائِشَةَ، أَوْ الْجِعْرَانَةِ لَا يُطْلَبُ بِوَدَاعٍ حَيْثُ لَمْ يَخْرُجْ لِيُقِيمَ بِمَوْضِعٍ آخَرَ أَوْ لِمَسْكَنِهِ وَإِلَّا طُلِبَ مِنْهُ، وَلَوْ قَرُبَ مَا خَرَجَ إلَيْهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ الْمُتَرَدِّدُ لِمَكَّةَ بِالْحَطَبِ وَنَحْوِهِ فَلَا وَدَاعَ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ خَرَجُوا لِمَكَانٍ بَعِيدٍ، وَكَذَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُتَعَجِّلُ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَإِنْ صَغِيرًا، وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فَيَفْعَلُهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ ابْنُ فَرْحُونٍ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ رَكْعَتَانِ إنْ تَرَكَهُمَا حَتَّى تَبَاعَدَ، أَوْ بَلَغَ بَلَدَهُ رَكَعَهُمَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَرُبَ، وَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ رَجَعَ لَهُمَا، وَإِنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ ابْتَدَأَ الطَّوَافَ وَرَكَعَهُمَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ رَكَعَهُمَا إذَا حَلَّتْ النَّافِلَةُ فِي الْحَرَمِ أَوْ خَارِجَهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهُ يُقَبِّلُ الْحَجَرَ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا قَالُوهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِلسَّعْيِ، وَهُوَ حَسَنٌ انْتَهَى.
(ص) وَتَأَدَّى بِالْإِفَاضَةِ وَالْعُمْرَةِ (ش) يَعْنِي أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ، بَلْ يَكُونُ آخِرُ عَهْدِهِ الطَّوَافَ فَلِذَلِكَ يَتَأَدَّى بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ أَوْ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ يَعْنِي: أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ، أَوْ لِلْعُمْرَةِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ فَوْرِهِ أَنْ يَطُوفَ لِلْوَدَاعِ فَمَعْنَى تَأَدِّي سَقَطَ الطَّلَبُ بِمَا ذُكِرَ وَيَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ طَوَافِ الْوَدَاعِ إنْ نَوَاهُ بِمَا ذُكِرَ قِيَاسًا عَلَى تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ.
(ص)، وَلَا يَرْجِعُ الْقَهْقَرَى (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا طَافَ لِلْوَدَاعِ، أَوْ لِغَيْرِهِ وَخَرَجَ بِإِثْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَوَجْهُهُ إلَى الْبَيْتِ وَظَهْرُهُ لِخَلْفٍ كَمَا تَفْعَلُهُ الْأَعْجَامُ لِعَدَمِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، بَلْ يَرْجِعُ وَظَهْرُهُ إلَى الْبَيْتِ وَالنَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ نَهْيُ كَرَاهَةٍ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى.
(ص) وَبَطَلَ بِإِقَامَةِ بَعْضِ يَوْمٍ لَا بِشُغْلٍ خَفَّ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَافَ لِلْوَدَاعِ، ثُمَّ أَقَامَ بَعْدَهُ بِمَكَّةَ، أَوْ بِمَحَلٍّ دُونَ ذِي طَوًى يَوْمًا، أَوْ بَعْضَهُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ كَوْنُهُ وَدَاعًا لَا ثَوَابُهُ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَتَقَدَّمَ أَنَّ النُّزُولَ بِهِ لَيْسَ بِنُسُكٍ) أَيْ: لَيْسَ بِمُتَأَكِّدٍ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ، أَوْ الْوُجُوبِ حَتَّى يَلْزَمَ فِيهِ الدَّمُ بِتَرْكِهِ انْتَهَى مُحَشِّي تت.
وَالْمُحَصَّبُ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَحَالَفَتْ فِيهِ قُرَيْشٌ عَلَى أَنْ لَا يُبَايِعُوا بَنِي هَاشِمٍ وَلَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يَأْخُذُوا مِنْهُمْ وَلَا يُعْطُوهُمْ فَنَزَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ اللَّهَ فِيهِ شُكْرًا لَهُ حَيْثُ ظَفَّرَهُ اللَّهُ وَنَصَرَهُ عَلَى أَعْدَائِهِ فَكَانَ مَجْلِسًا لِسُوءٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مَجْلِسًا لِخَيْرٍ (قَوْلُهُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ) أَيْ: قَبْلَ انْتِهَاءِ وَقْتِهَا بِأَنْ وَصَلَ قَبْلَ الْعَصْرِ بِمِقْدَارِ مَا يَفْعَلُ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَإِلَّا بِأَنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَلَيْهِ جِدًّا بِحَيْثُ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ حَالًّا وَلَا يُؤَخِّرُ، وَلَا تَفْهَمُ أَنَّ الْمُرَادَ الدُّخُولُ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ ابْتِدَاءُ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِنًى إلَّا بَعْدَ رَمْيِ الرَّابِعِ، وَالرَّمْيُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الزَّوَالِ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ وَقْتُ دُخُولِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ شَيْخُنَا عَبْدُ اللَّهِ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ الْمُتَعَجِّلِ) أَيْ: وَأَمَّا الْمُتَعَجِّلُ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مُقْتَدًى بِهِ مِنْ شَرْحِ عب
(قَوْلُهُ: الْوِدَاعِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ مَصْدَرُ وَادَعَ وَبِفَتْحِهَا اسْمُ مَصْدَرٍ (قَوْلُهُ: قَدِمَ بِنُسُكٍ، أَوْ تِجَارَةٍ) لَا يَخْفَى أَنَّ النُّسُكَ، إمَّا الْحَجُّ، أَوْ الْعُمْرَةُ، وَالْقَادِمُ بِتِجَارَةٍ لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ إلَّا مُحْرِمًا وَأَقَلُّهَا عُمْرَةٌ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَهُ ابْتِدَاءً، إمَّا النُّسُكُ، أَوْ التِّجَارَةُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ إذَا قَصَدَ التِّجَارَةَ لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ إلَّا مُحْرِمًا بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ) آخِرُ إمَّا اسْمُهَا مَرْفُوعٌ وَالطَّوَافُ خَبَرُهَا مَنْصُوبٌ، أَوْ بِالْعَكْسِ (قَوْلُهُ آخِرَ نُسُكٍ يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ) أَيْ: آخِرَ عِبَادَةٍ يَفْعَلُهَا الْحَاجُّ (قَوْلُهُ أَوْ لِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ) أَيْ: بِأَنْ كَانَ آفَاقِيًّا وَعَلَيْهِ نَفَسٌ مِنْ الْوَقْتِ فَأَرَادَ أَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى مِيقَاتِهِ يُحْرِمُ مِنْهُ فَيُطَالَبُ حِينَئِذٍ - حِينَ يَتَوَجَّهُ لِلْخُرُوجِ - أَنْ يَطُوفَ طَوَافَ الْوَدَاعِ فَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْحَجِّ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي عُمْرَةٍ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ أَنْ يَعْتَمِرَ فَيَخْرُجُ إمَّا لِلْجِعْرَانَةِ، أَوْ التَّنْعِيمِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمَوَّاقُ أَنَّ الْعُرْفِيَّ إذَا أَحْرَمَ مِنْ عَرَفَةَ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِطَوَافِ الْوَدَاعِ إذَا رَجَعَ لَهَا مِنْ مَكَّةَ وَهُوَ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ رَجَعَ لِمَسْكَنِهِ فَيُطْلَبُ، وَلَوْ قَرُبَ، وَأَمَّا الْمَكِّيُّ إذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ لِعَرَفَةَ فَهَلْ يُطْلَبُ بِهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَعِيدٍ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِ وَدَاعٍ أَنْ يَقِفَ بِالْمُلْتَزَمِ لِلدُّعَاءِ (قَوْلُهُ: رَجَعَ لَهُمَا) أَيْ: وَفِعْلُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: فِي الْحَرَمِ، أَوْ خَارِجِهِ) اُنْظُرْ هَذَا لِمَ لَمْ يُؤْمَرْ بِالرُّكُوعِ فِي الْحَرَمِ فَيُوَافِقَ قَوْلَهُ: رَجَعَ لَهُمَا؟ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْحَرَمِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ حَسَنٌ) الْمُفَادُ مِنْ تت أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى عَدَمِ التَّقْبِيلِ فَمَا فِي عب غَيْرُ مُنَاسِبٍ وَلَعَلَّ وَجْهَ الْحُسْنِ أَنَّ التَّقْبِيلَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ السَّعْيِ وَلَا سَعْيَ هُنَا (قَوْلُهُ: وَالْعُمْرَةُ) وَلَا يَكُونُ سَعْيُهُ طُولًا حَيْثُ لَمْ يُقِمْ بَعْدَهُمَا إقَامَةً تُبْطِلُ حُكْمَ التَّوْدِيعِ
(قَوْلُهُ: وَلَا يَرْجِعُ الْقَهْقَرَى) وَكَذَا يُقَالُ فِي الْقَهْقَرَى فِي زِيَارَتِهِ عليه الصلاة والسلام (قَوْلُهُ: نَهْيُ كَرَاهَةٍ، أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى) ، الظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ قَالَ فِي مَنَاسِكِهِ وَلَا يَرْجِعُ فِي خُرُوجِهِ الْقَهْقَرَى لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ
(قَوْلُهُ: دُونَ ذِي طَوًى) فَإِنْ أَقَامَ بِذِي طَوًى، أَوْ بِالْأَبْطَحِ لَمْ يَبْطُلْ وَدَاعُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْضَهُ)
أَنْ يَنْفِرَ مِنْ الْبَيْتِ بِإِثْرِ طَوَافٍ، وَأَمَّا إنْ فَعَلَ فِعْلًا خَفِيفًا بَعْدَ الْوَدَاعِ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ، وَهُوَ بَاقٍ لَمْ يَبْطُلْ (ص) وَرَجَعَ لَهُ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ أَصْحَابِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّا إذَا قُلْنَا بِبُطْلَانِ طَوَافِ الْوَدَاعِ،، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ، أَوْ تَرَكَهُ جُمْلَةً فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لَهُ فَيَفْعَلُهُ مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ يَسِيرُ بِسَيْرِهِمْ وَإِلَّا مَضَى، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
(ص) وَحُبِسَ الْكَرِيُّ وَالْوَلِيُّ لِحَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ قَدْرَهُ (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مُبْتَدَأَةً، أَوْ مُعْتَادَةً فَحَاضَتْ أَوْ نُفِسَتْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فَإِنَّ كَرِيَّهَا وَوَلِيَّهَا مَحْرَمًا كَانَ أَوْ زَوْجًا يُحْبَسُ أَيْ: يُجْبَرُ عَلَى إقَامَتِهِ مَعَهَا مِقْدَارَ حَيْضِهَا وَاسْتِظْهَارِهَا، أَوْ مِقْدَارَ نِفَاسِهَا إلَى زَوَالِ الْمَانِعِ فَتَطُوفُ، فَقَوْلُهُ: وَحُبِسَ إلَخْ أَيْ: لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ لَا لِلْوَدَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ (ص) وَقَيَّدَ إنْ أَمِنَ (ش) أَيْ: قَيَّدَ حَبْسَ الْكَرِيِّ إنْ أَمِنَ الطَّرِيقَ، وَأَمَّا الْوَلِيُّ فَذَكَرَ س فِي شَرْحِهِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ نُقُولًا مَا نَصُّهُ قُلْت فَهَذِهِ النُّقُولُ كُلُّهَا بِالتَّقْيِيدِ إنَّمَا هِيَ فِي الْكَرِيِّ وَلَمْ أَرَهُمْ يَذْكُرُونَهُ فِي الْوَلِيِّ إلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى الْحَبْسِ فَيُحْبَسُ عَلَيْهَا أَيْضًا مَنْ كَانَ مَعَهَا ذَا مَحْرَمٍ إلَى أَنْ يُمْكِنَهَا السَّفَرُ قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ.
(ص) وَالرُّفْقَةُ فِي كَيَوْمَيْنِ (ش) أَيْ: وَتُحْبَسُ الرُّفْقَةُ مَعَ كَرِيِّهَا إنْ كَانَ عُذْرُهَا يَزُولُ فِي كَيَوْمَيْنِ قَالَ بَعْضٌ وَلَعَلَّهُ مَعَ الْأَمْنِ كَمَا سَبَقَ وَلَا يُحْبَسُونَ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ الْكَرِيُّ وَحْدَهُ.
(ص) وَكُرِهَ رَمْيٌ بِمَرْمِيٍّ بِهِ (ش) أَيْ: أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُرْمَى بِمَا وَقَعَ الرَّمْيُ بِهِ وَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ رَمَى بِهِ فِي يَوْمِهِ، أَوْ فِي غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ رَمَى بِهِ هُوَ، أَوْ غَيْرُهُ، وَسَوَاءٌ رَمَى بِهِ فِي مِثْلِ مَا رَمَى بِهِ أَمْ لَا فِي حَجٍّ وَحَجَّ مُفْرِدًا فِيهِمَا، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ أَوْ غَيْرِهِ كَحَجٍّ وَعُمْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ أُدِّيَتْ بِهِ عِبَادَةٌ كَمَاءٍ تُوَضِّئَ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ.
ــ
[حاشية العدوي]
وَهُوَ مَا فَوْقَ السَّاعَةِ الْفَلَكِيَّةِ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ أَصْحَابِهِ) أَيْ: أَوْ مَنْعًا مِنْ كَرِيٍّ
(قَوْلُهُ قَدْرَهُ) ، سَوَاءٌ عَلِمَ الْكَرِيُّ بِحَمْلِهَا أَمْ لَا حَمَلَتْ عِنْدَ الْكِرَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ نَفَقَتِهِ وَلَا نَفَقَةِ دَوَابِّهِ، قَالَ ح: وَيُسْتَحَبُّ لَهَا فِي النِّفَاسِ أَنْ تُعِينَهُ بِالْعَلَفِ لَا فِي الْحَيْضِ أَيْ: لِقِصَرِ زَمَنِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ نَفِسَتْ) قَالَ الْمِصْبَاحُ نُفِسَتْ الْمَرْأَةُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَهِيَ نُفَسَاءُ وَالْجَمْعُ نِفَاسٌ وَمِثْلُهُ عُشَرَاءُ وَعِشَارٌ وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَقُولُ نَفِسَتْ تَنْفَسُ مِنْ بَابِ تَعِبَ فَهِيَ نَافِسٌ مِثْلُ حَائِضٍ وَالْوَلَدُ مَنْفُوسٌ وَالنِّفَاسُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ (قَوْلُهُ: مِقْدَارُ حَيْضِهَا وَاسْتِظْهَارُهَا) فَيُحْبَسُ فِي حَيْضِ الْمُبْتَدَأَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ إنْ أَمِنَ إلَخْ) فَإِنْ لَمْ يُؤْمَنْ كَمَا فِي هَذَا الزَّمَنِ يُفْسَخُ الْكِرَاءُ اتِّفَاقًا كَمَا لِعِيَاضٍ وَلَا يُحْبَسُ هُوَ وَلَا وَلِيٌّ لِأَجْلِ طَوَافِهَا وَمَكَثَتْ وَحْدَهَا لِلطَّوَافِ إنْ أَمْكَنَهَا الْمَقَامُ بِمَكَّةَ وَإِلَّا رَجَعَتْ لِبَلَدِهَا وَهِيَ عَلَى حَالِهَا ثُمَّ تَعُودُ فِي الْقَابِلِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَطَوَافُ الْعُمْرَةِ كَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ قَالَهُ وَالِدُ عب ثُمَّ فَسْخُ الْكِرَاءِ فِي عَدَمِ الْأَمْنِ يُعَارِضُ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ مَا اسْتَوْفَى بِهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا.
وَالْقِيَاسُ أَنَّ لِلْكَرِيِّ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَرْكَبُ مَكَانَهَا وَقَالَ تت عَنْ عِيَاضٍ إنَّهَا فِي مِثْلِ هَذَا الزَّمَنِ الَّذِي لَا يُمْكِنُهَا السَّيْرُ إلَّا مَعَ الرَّكْبِ تَصِيرُ كَالْمُحْصَرِ بِالْعَدُوِّ أَيْ: فَلَهَا التَّحَلُّلُ بِنَحْرِ هَدْيٍ، أَوْ ذَبْحٍ يُجْزِئُ ضَحِيَّةً وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهَا الدَّمُ أَصْلًا، أَوْ انْقَطَعَ بَعْضَ يَوْمٍ وَعَلِمَتْ أَنَّهُ يَأْتِيهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْحَائِضِ إذْ هُوَ يَوْمُ حَيْضٍ فَلَا يَصِحُّ طَوَافُهَا بَلْ تَتَحَلَّلُ، وَأَمَّا إنْ انْقَطَعَ عَنْهَا يَوْمًا وَعَلِمَتْ أَنَّهُ لَا يَعُودُ قَبْلَ انْقِضَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ بِعُودِهِ وَلَا بِعَدَمِهِ فَيَصِحُّ طَوَافُهَا؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ النَّقَاءَ أَيَّامَ التَّقَطُّعِ طُهْرٌ فَيَصِحُّ طَوَافُهَا فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى، وَأَمَّا إذَا حَصَلَ الْحَيْضُ وَنَحْوُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ، وَأَمَّا قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِهَا فَاتَّفَقَ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَالتَّوْضِيحُ عَلَى عَدَمِ حَبْسِ الْكَرِيِّ، وَاخْتَلَفَا فِي فَسْخِ الْكِرَاءِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: يُفْسَخُ.
وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَا يُوضَعُ مِنْ الْكِرَاءِ شَيْءٌ هَذَا تَقْرِيرُ الْمَذْهَبِ وَفِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ مَا لَا يَخْفَى، وَالْمُنَاسِبُ لِلْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَإِذَا انْتَظَرَتْ الطُّهْرَ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا الْعُودُ لِبَلَدِهَا أَنَّهَا إمَّا أَنْ تُقَلِّدَ مَا رَوَاهُ الْبَصْرِيُّونَ الْمَالِكِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ طَافَ لِلْقُدُومِ وَسَعَى وَرَجَعَ لِبَلَدِهِ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ جَاهِلًا، أَوْ نَاسِيًا أَجْزَأَهُ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا رَوَاهُ الْبَغْدَادِيُّونَ عَنْهُ مِنْ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ عُذْرَ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ أَشَدُّ مِنْ عُذْرِ الْجَاهِلِ، وَأَمَّا أَبَا حَنِيفَةَ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ يَصِحُّ الطَّوَافُ مِنْ الْحَائِضِ وَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَهُ فِي الطَّوَافِ طَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَكَذَا هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَيَلْزَمُهَا ذَبْحُ بَدَنَةٍ وَيَتِمُّ حَجُّهَا لِصِحَّةِ طَوَافِهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَأْثَمُ بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ حَائِضًا اهـ.
وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا الْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ وَاجِبٌ فَيُقَدَّمُ خَارِجَ الْمَذْهَبِ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ، (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُمْ يَذْكُرُونَهُ) أَيْ: التَّقْيِيدَ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ) أَيْ: التَّقْيِيدُ فِي الْوَلِيِّ يُؤْخَذُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكَرِيَّ أَخَذَ عِوَضًا دُونَ الْوَلِيِّ (قَوْلُهُ: مِنْ قَوْلِهِ: فِي التَّوْضِيحِ) أَيْ: الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ إلَى أَنْ يُمْكِنَهَا السَّفَرُ؛ لِأَنَّ إمْكَانَ السَّفَرِ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْأَمْنِ فَيُعْلَمُ أَنَّ الْمَوْضُوعَ فِي الْأَمْنِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْحَبْسِ) أَيْ: وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْحَبْسِ فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، أَمَّا النُّفَسَاءُ فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ بِعَدَمِ حَبْسِ الْكَرِيِّ فِي النُّفَسَاءِ أَصْلًا لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهَا حَامِلٌ بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَمِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ، وَأَمَّا الْحَائِضُ فَظَاهِرُ عِبَارَةِ ابْنِ عَرَفَةَ وَالْجَوَاهِرِ أَنَّ فِيهَا خِلَافًا أَيْضًا (قَوْلُهُ: فِي كَيَوْمَيْنِ) مُقْتَضَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْكَافَ اسْتِقْصَائِيَّةٌ وَمُقْتَضَى مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْهُ إدْخَالُ مَا زَادَ عَلَيْهَا مِنْ شُرَّاحِهِ وَلَمْ يُبَيِّنُوا قَدْرَ الزَّائِدِ
(قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرُهُ كَحَجٍّ وَعُمْرَةٍ) أَيْ: وَهُوَ الْقَارِنُ، وَالْكَافُ تَمْثِيلٌ لِلْغَيْرِ فَالصُّوَرُ ثَلَاثٌ: إمَّا مُفْرَدٌ فِيهِمَا، أَوْ قَارِنٌ فِيهِمَا، أَوْ مُفْرَدٌ فِي أَحَدِهِمَا، قَارِنٌ فِي الْآخَرِ قَالُوا، وَفِي قَوْلِهِ وَعُمْرَةٌ بِمَعْنَى مَعَ عُمْرَةٍ وَالْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ إنَّمَا هُوَ الْقَارِنُ.
وَظَاهِرُهُ الْكَرَاهَةُ، وَلَوْ ثَانِيَ عَامٍ وَهُوَ قَضِيَّةٌ