المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في الاستسقاء] - شرح الخرشي على مختصر خليل - ومعه حاشية العدوي - جـ ٢

[الخرشي = الخراشي - العدوي]

الفصل: ‌[فصل في الاستسقاء]

الْوَقْتَ؟

(ص) وَقُدِّمَ فَرْضٌ خِيفَ فَوَاتُهُ ثُمَّ كُسُوفٌ ثُمَّ عِيدٌ وَأُخِّرَ الِاسْتِسْقَاءُ لِيَوْمٍ آخَرَ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْفَرْضِ الَّذِي خِيفَ فَوَاتُهُ عَلَى الْكُسُوفِ، وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْكُسُوفِ عَلَى الْعِيدِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ. وَيُؤَخَّرُ الِاسْتِسْقَاءُ عَنْ الْعِيدِ نَدْبًا لِيَوْمٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْعِيدَ يَوْمُ زِينَةٍ وَتَجَمُّلٍ، وَالِاسْتِسْقَاءَ عَلَى الضِّدِّ. وَالْمُرَادُ بِالْفَرْضِ هُنَا فَرْضُ الْعَيْنِ كَفَجْءِ الْعَدُوِّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَا يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْفَرْضِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: خَوْفُ الْفَوَاتِ مُتَعَسِّرٌ فِيهَا إذْ لَا تَفُوتُ بِالدَّفْنِ فَيُمْكِنُ أَنْ تُدْفَنَ ثُمَّ يُصَلَّى عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَدْ يُقَالُ: يُصَوَّرُ بِالْجِنَازَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا جَمِيعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ حُصُولِ إشْرَافٍ وَتَجْهِيزٍ وَغُسْلٍ وَكَفَنٍ وَتَشْيِيعٍ وَدَفْنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَا خُصُوصُ الصَّلَاةِ كَمَا فَهِمَ الْمُعْتَرِضُ. أَوْ الْمُرَادُ خُصُوصُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا قَبْلَ الدَّفْنِ وَاجِبَةٌ مَعَ التَّمَكُّنِ، وَهِيَ هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ صَلَاتَهَا فَرْضٌ، وَثُمَّ هُنَا لِلتَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ، أَيْ: ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ الْكُسُوفَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعِيدِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَأَمَّا لَوْ اجْتَمَعَ الِاسْتِسْقَاءُ وَالْكُسُوفُ فَيُفْعَلَانِ مَعًا وَيُؤَخَّرُ الِاسْتِسْقَاءُ.

وَلَمَّا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ الِاسْتِسْقَاءَ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ نَاسَبَ أَنْ يَعْقِدَ لَهُ فَصْلًا يَذْكُرُ فِيهِ حُكْمَ صَلَاتِهِ وَهَيْئَتِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فَقَالَ

(فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الِاسْتِسْقَاءِ) وَهُوَ بِالْمَدِّ طَلَبُ السَّقْيِ إذْ هُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ سَقَيْتُ وَيُقَالُ سَقَى وَأَسْقَى لُغَتَانِ وَقِيلَ: سَقَى نَاوَلَهُ الشِّرْبَ وَأَسْقَاهُ جَعَلَ لَهُ سُقْيًا، وَالِاسْتِفْعَالُ غَالِبًا لِطَلَبِ الْفِعْلِ، كَالِاسْتِفْهَامِ وَالِاسْتِرْشَادِ لِطَلَبِ الْفَهْمِ وَالرُّشْدِ، وَشَرْعًا طَلَبُ السَّقْيِ مِنْ اللَّهِ لِقَحْطٍ نَزَلَ بِهِمْ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ إنَّ الِاسْتِسْقَاءَ يَكُونُ لِأَرْبَعٍ: الْأَوَّلُ لِلْمَحْلِ وَالْجَدْبِ، وَالثَّانِي عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الشُّرْبِ لِشِفَاهِهِمْ أَوْ دَوَابِّهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ فِي سَفَرٍ فِي صَحْرَاءَ أَوْ فِي سَفِينَةٍ أَوْ فِي الْحَضَرِ. وَالثَّالِثُ اسْتِسْقَاءُ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحْلٍ وَلَا حَاجَةَ إلَى الشِّرْبِ، وَقَدْ أَتَاهُمْ مِنْ الْغَيْثِ مَا إنْ اقْتَصَرُوا عَلَيْهِ كَانُوا فِي دُونِ السَّعَةِ، فَلَهُمْ أَنْ يَسْتَسْقُوا وَيَسْأَلُوا اللَّهَ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ. وَالرَّابِعُ اسْتِسْقَاءُ مَنْ كَانَ فِي خِصْبٍ لِمَنْ كَانَ فِي مَحْلٍ وَجَدْبٍ. وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ فِي الْحُكْمِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: فَالْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ سُنَّةٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا، وَالثَّالِثُ مُبَاحٌ، وَالرَّابِعُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ انْتَهَى. وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَى هَذَا الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ: وَاخْتَارَ إقَامَةَ غَيْرِ الْمُحْتَاجِ لِمُحْتَاجٍ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ هُنَا إلَى حُكْمِ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِقَوْلِهِ (ص) سُنَّ الِاسْتِسْقَاءُ. (ش) أَيْ: صَلَاتُهُ لِأَحَدِ شَيْئَيْنِ بَيَّنَهُمَا بِقَوْلِهِ (لِزَرْعٍ) أَيْ: لِأَجْلِ احْتِيَاجِ زَرْعٍ، وَيُقَالُ لَهُ: مَحْلٌ وَجَدْبٌ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَلَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي احْتِيَاجِ الْحَيَوَانِ أَوْ لِآدَمِيٍّ أَيْ (أَوْ) لِأَجْلِ احْتِيَاجِ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ حَيَوَانٍ إلَى (شِرْبٍ بِ) سَبَبِ تَخَلُّفِ (نَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِنْ مَطَرٍ وَعَيْنٍ، وَلَا يَخْتَصُّ الِاسْتِسْقَاءُ بِمَنْ كَانَ فِي الْقُرَى وَالصَّحْرَاءِ، بَلْ يُشْرَعُ ذَلِكَ لِمَنْ فِي السَّفِينَةِ أَيْضًا عِنْدَ حُصُولِ شَيْءٍ مِمَّا مَرَّ بِأَنْ يَكُونَ فِي بَحْرٍ مِلْحٍ أَوْ عَذْبٍ لَا يَصِلُ إلَيْهِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ بِسَفِينَةٍ) .

. وَقَوْلُهُ: (رَكْعَتَانِ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: وَصَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَانِ (جَهْرًا) لِأَنَّهَا

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْهُ مَا هُوَ وَاجِبٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ مَنْدُوبٌ. (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْكُسُوفِ عَلَى الْعِيدِ) أَيْ: وَإِنْ كَانَ الْعِيدُ آكَدَ مِنْهَا لِخَوْفِ انْجِلَائِهَا بِتَقْدِيمِ الْآكَدِ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى إلَى تَقْدِيمِ حِكَايَةِ الْأَذَانِ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَعَ أَفْضَلِيَّتِهَا عَلَى الْحِكَايَةِ؛ لِأَنَّ حِكَايَتَهُ تَفُوتُ بِاشْتِغَالِهِ بِالْقِرَاءَةِ، فَكَذَلِكَ الْكُسُوفُ يُخَافُ فَوَاتُهُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ. وَاسْتُشْكِلَ اجْتِمَاعُ الْكُسُوفِ وَالْعِيدِ بِأَنَّ الْكُسُوفَ إنَّمَا يَكُونُ يَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الشَّهْرِ، وَالْعِيدَ لَا يَكُونُ فِيهِ، إذْ هُوَ إمَّا أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ أَوْ عَاشِرُهُ، بَلْ أَحَالَ أَهْلُ الْهَيْئَةِ اجْتِمَاعَهُمَا عَقْلًا كَمَا بَيَّنَ الْقَرَافِيُّ كَلَامَهُمْ وَرَدَّ ابْنُ الْعَرَبِيِّ كَلَامَهُمْ، بِأَنَّ لِلَّهِ أَنْ يَخْلُقَ كُسُوفَهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ أَيْ: لِأَنَّ اللَّهَ فَاعِلٌ مُخْتَارٌ يَتَصَرَّفُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِمَا يُرِيدُ. (قَوْلُهُ وَيُؤَخَّرُ الِاسْتِسْقَاءُ إلَخْ) أَيْ: إنْ لَمْ يُضْطَرَّ لَهُ بِسَبَبِهِ الْآتِي وَإِلَّا فُعِلَ مَعَ الْعِيدِ، بَلْ مَعَ الْكُسُوفِ أَيْضًا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) أَيْ: كَإِنْقَاذِ أَعْمَى وَصَوْنِ مَالٍ خِيفَ تَلَفُهُ (قَوْلُهُ مِنْ حُصُولِ إشْرَافٍ) أَيْ: اطِّلَاعٍ مِنَّا عَلَى الْمَرِيضِ. (قَوْلُهُ أَوْ الْمُرَادُ خُصُوصُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ) تَذَكَّرَهَا بِهِ أَيْ: أَوْ فَائِتَةٍ تَذَكَّرَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَخَافَ إنْ أَخَّرَهَا تَفُوتُ لِظَنِّ مَوْتٍ أَوْ قَتْلٍ.

[فَصْلٌ فِي الِاسْتِسْقَاءِ]

(فَصْلٌ: صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ)(قَوْلُهُ وَسَقَى وَأَسْقَى لُغَتَانِ) وَهَلْ مَعْنَاهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ الْآتِيَيْنِ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؟ (قَوْلُهُ الشِّرْبَ) بِكَسْرِ الشِّينِ: الْحَظُّ مِنْ الْمَاءِ. قَالَهُ فِي الْمُخْتَارِ، وَذَكَرَ أَنَّ مَصْدَرَ شَرِبَ - بِكَسْرِ الرَّاءِ - شُرْبًا بِضَمِّ الشِّينِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا، أَيْ: نَاوَلَهُ بِيَدِهِ (قَوْلُهُ وَأَسْقَاهُ جَعَلَ لَهُ سُقْيًا) أَيْ: أَعَدَّ لَهُ مَا يَشْرَبُ مِنْهُ، وَهُوَ بِضَمِّ السِّينِ. (قَوْلُهُ لِقَحْطٍ نَزَلَ بِهِمْ. . . إلَخْ) الْقَحْطُ: احْتِبَاسُ الْمَطَرِ. (قَوْلُهُ لِلْمَحْلِ وَالْجَدْبِ) الْمَحْلُ وَالْجَدْبُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ انْقِطَاعُ الْمَطَرِ وَيُبْسُ الْأَرْضِ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: يُقَالُ لِزَرْعِهِ أَصَابَهُ مَحْلٌ أَوْ جَدْبٌ، وَلَا يُقَالُ لِلْحَيَوَانِ أَصَابَهُ مَحْلٌ أَوْ جَدْبٌ، بَلْ أَصَابَهُ هُزَالٌ أَوْ ضَعْفٌ.

وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: مَحَلَ الْبَلَدُ يَمْحَلُ مِنْ بَابِ تَعِبَ اهـ. فَالْحَاءُ فِي الْمَحْلِ مَفْتُوحَةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَحْلَ وَالْجَدْبَ هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ: لِقَحْطٍ، وَمَا بَعْدَهُ عَيْنُ قَوْلِهِ أَوْ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ لِشِفَاهِهِمْ) جَمْعُ شَفَةٍ أَيْ: أَنْفُسِهِمْ (قَوْلُهُ خِصْبٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ كَمَا فِي شب (قَوْلُهُ أَيْ لِأَجْلِ. . . إلَخْ) أَيْ: فَقَوْلُهُ لِزَرْعٍ ظَرْفُ لَغْوٍ لِقَوْلِهِ الِاسْتِسْقَاءُ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ احْتِيَاجُ الزَّرْعِ لِإِنْبَاتِهِ أَوْ بَقَائِهِ. (قَوْلُهُ بِسَبَبِ. . . إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ: بِنَهْرٍ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَالْيَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ أَيْ: شِرْبٍ مِنْ نَهْرٍ. (قَوْلُهُ مِمَّا مَرَّ) أَيْ: بَعْضِ مَا مَرَّ وَهُوَ احْتِيَاجُ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ بِسَبَبِ تَخَلُّفِ مَطَرٍ. وَقَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ.

وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا ذَاتُ خُطْبَةٍ أَيْ: الصَّلَاةَ.

ص: 109

ذَاتُ خُطْبَةٍ كَالْعِيدِ، وَكُلُّ صَلَاةٍ لَهَا خُطْبَةٌ فَالْقِرَاءَةُ فِيهَا جَهْرًا إلَّا الْجُمَعَ بِعَرَفَةَ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ فِيهَا سِرًّا؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ لِلتَّعْلِيمِ لَا لِلصَّلَاةِ. فَقَوْلُهُ سُنَّ، أَيْ: سُنَّةَ عَيْنٍ، وَيُخَاطَبُ بِهَا الذَّكَرُ الْبَالِغُ، وَأَمَّا الصَّغِيرُ الَّذِي يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ فَيُخَاطَبُ بِهَا نَدْبًا، وَكَذَا الْمُتَجَالَّةُ. (ص) وَكَرَّرَ إنْ تَأَخَّرَ. (ش) كَلَامُهُ يُفِيدُ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ جَائِزٌ. (ص) وَخَرَجُوا ضُحًى مُشَاةً بِبِذْلَةٍ وَتَخَشُّعٍ. (ش) أَيْ: وَخَرَجُوا اسْتِحْبَابًا إلَى الْمُصَلَّى ضُحًى، أَيْ أَنَّ وَقْتَهَا وَقْتُ الْعِيدَيْنِ مِنْ ضَحْوَةٍ إلَى الزَّوَالِ. وَمِنْ سُنَّتِهَا أَنْ تَخْرُجَ النَّاسُ مُشَاةً فِي بِذْلَتِهِمْ، لَا يَلْبَسُونَ ثِيَابَ الْجُمُعَةِ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ مُتَوَاضِعِينَ مُتَخَشِّعِينَ وَجِلِينَ إلَى مُصَلَّاهُمْ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ خَرَجَ الْإِمَامُ مَاشِيًا مُتَوَاضِعًا فِي بِذْلَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا رَأَى مَخَايِلَ الْعُقُوبَةِ لَمْ يَأْتِ مَوْلَاهُ إلَّا بِصِفَةِ الذُّلِّ، وَالْبِذْلَةُ: مَا يُمْتَهَنُ مِنْ الثِّيَابِ.

(ص) مَشَايِخُ وَمُتَجَالَّةٌ وَصِبْيَةٌ لَا مَنْ لَا يَعْقِلُ مِنْهُمْ، وَبَهِيمَةٌ وَحَائِضٌ، وَلَا يُمْنَعُ ذِمِّيٌّ وَانْفَرَدَ لَا بِيَوْمٍ. (ش) الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ لِلِاسْتِسْقَاءِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَخْرُجُونَ بِاتِّفَاقٍ، وَهُمْ الرِّجَالُ وَالصِّبْيَانُ الَّذِينَ يَعْقِلُونَ الصَّلَاةَ وَالْعَبِيدُ وَالْمُتَجَالَّاتُ مِنْ النِّسَاءِ. وَقِسْمٌ لَا يَخْرُجُونَ بِاتِّفَاقٍ وَهُنَّ النِّسَاءُ فِي حَالِ حَيْضِهِنَّ وَنِفَاسِهِنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ مَنْجُوسَاتٌ، وَكَذَا الشَّابَّةُ النَّاعِمَةُ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهَا يُنَافِي فِي الْخُشُوعِ. وَقِسْمٌ اُخْتُلِفَ فِيهِمْ وَهُمْ الْبَهَائِمُ وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالشَّابَّةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِنَاعِمَةٍ وَأَهْلُ الْكِتَابِ. انْتَهَى ابْنُ شَاسٍ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ إخْرَاجَ الصِّبْيَانِ وَالْبَهَائِمِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَكَذَلِكَ الشَّابَّةُ الَّتِي لَا يُخْشَى مِنْهَا الْفِتْنَةُ. وَأَبَاحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ خُرُوجَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَمَنَعَهُ أَشْهَبُ، ثُمَّ إنَّا إذَا قُلْنَا بِالْإِبَاحَةِ فَهَلْ يَنْفَرِدُونَ بِيَوْمٍ أَوْ يَخْرُجُونَ مَعَ النَّاسِ وَيَكُونُونَ عَلَى جَانِبٍ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَسْبِقَ قَدَرٌ بِسَقْيِهِمْ فَيُفْتَتَنَ ضُعَفَاءُ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ؟ فِيهِ خِلَافٌ، فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا بَأْسَ بِانْفِرَادِهِمْ بِيَوْمٍ، وَمَنَعَهُمْ ابْنُ حَبِيبٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَإِذَا خَرَجُوا فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ التَّطَوُّقِ بِصُلْبَانِهِمْ، وَيَكُونُونَ فِي نَاحِيَةٍ مَفْصُولِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَيُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِهَا فِي الْأَسْوَاقِ وَفِي جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ وَيُخَاطَبُ بِهَا الذَّكَرُ الْبَالِغُ) ظَاهِرُهُ: حُرًّا أَوْ عَبْدًا (قَوْلُهُ وَأَمَّا الصَّغِيرُ. . . إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ - حَيْثُ يُطَالَبُ بِصَلَاةِ الْكُسُوفِ اسْتِنَانًا وَالِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةً - أَنَّ الْكُسُوفَ عَامٌّ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ، بِخِلَافِ الِاسْتِسْقَاءِ قَدْ لَا يَكُونُ عَامًّا. (قَوْلُهُ كَلَامُهُ يُفِيدُ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ) أَيْ عَلَى طَرِيقِ السُّنِّيَّةِ بِسَبَبِ الْمَارِّ فِي أَيَّامٍ لَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ فِيمَا يُنْدَبُ فِيهِ إنْ تَأَخَّرَ حُصُولُ الْمَطْلُوبِ بِأَنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ، أَوْ حَصَلَ دُونَ الْكِفَايَةِ. (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ جَائِزٌ) أَيْ: فَإِنَّهَا قَالَتْ: وَجَائِزٌ أَنْ يَسْتَسْقِيَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا، ثُمَّ أَقُولُ: قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ جَائِزٌ أَيْ: مَأْذُونٌ فِيهِ فَيَصْدُقُ بِالْمَطْلُوبِ الْمُرَادِ، فَلَا يُنَافِي الْمُصَنِّفَ. وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: وَكُرِّرَ سُنَّةً وَنَدْبًا وَجَوَازًا عَلَى أَحْوَالِ الِاسْتِسْقَاءِ الثَّلَاثَةِ. وَكَتَبَ مُحَشِّي تت فَقَالَ: تَعْبِيرُهُ بِالْفِعْلِ ظَاهِرٌ فِي مَطْلُوبِيَّتِهِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَسْتَسْقِيَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا. وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ بِهِ أَيَّامًا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَصَاحِبُ الْجَوَاهِرِ فَيُحْمَلُ الْمُؤَلَّفُ عَلَى الْجَوَازِ، فَقَوْلُ الْحَطَّابِ وَمَنْ تَبِعَهُ: وَكَرَّرَ عَلَى وَجْهِ السُّنِّيَّةِ خِلَافُ مَا قَالَهُ اهـ. أَقُولُ: كَوْنُ عِبَادَةٍ يَعْقِلُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ مُسْتَوِيَةُ الطَّرَفَيْنِ بَعِيدٌ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْجَوَازِ الْإِذْنُ.

(قَوْلُهُ إلَى الْمُصَلَّى) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ كَالْأَصْحَابِ فِي طَلَبِ الْخُرُوجِ، وَالظَّاهِرُ تَقْيِيدُهُ بِمَنْ بِغَيْرِ مَكَّةَ فَإِنَّ أَهْلَهَا يَسْتَسْقُونَ فِي الْمَسْجِدِ كَالْعِيدِ. (قَوْلُهُ مُتَخَشِّعِينَ) وَهُوَ تَكَلُّفُ الْخُشُوعِ وَيَنْشَأُ مِنْهُ ظُهُورُ الْخُشُوعِ، فَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا لَهُمْ فَإِنَّهُمْ يَتَكَلَّفُونَهُ. (قَوْلُهُ إلَى مُصَلَّاهُمْ) أَيْ: خَائِفِينَ، وَقَوْلُهُ إلَى مُصَلَّاهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْخُرُوجُ (قَوْلُهُ إذَا رَأَى مَخَايِلَ الْعُقُوبَةِ) أَيْ: أَمَارَاتِ الْعُقُوبَةِ، كَاحْتِبَاسِ الْمَطَرِ (قَوْلُهُ وَالْبِذْلَةُ مَا يُمْتَهَنُ مِنْ الثِّيَابِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ لِحَالِ لَابِسِهِ. قَالَهُ فِي ك.

(تَنْبِيهٌ) : حَكَى السُّيُوطِيّ أَنَّ السُّلْطَانَ الْمُؤَيَّدَ خَرَجَ لِلِاسْتِسْقَاءِ فِي جُبَّةٍ بَيْضَاءَ وَطَاقِيَّةٍ بَيْضَاءَ، وَلَمْ يَرْكَبْ وَلَمْ يَجْلِسْ عَلَى شَيْءٍ، وَأَمَرَ الْإِمَامَ بِعَدَمِ الدُّعَاءِ لَهُ (قَوْلُهُ لَا مَنْ. . . إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ: وَصِبْيَةٌ يَعْقِلُونَ، لَا مَنْ لَا يَعْقِلُ. وَقَوْلُهُ: لَا بِيَوْمٍ، مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ: انْفَرَدَ بِمَوْضِعٍ لَا بِيَوْمٍ (قَوْلُهُ وَلَا يُمْنَعُ) أَيْ: يُكْرَهُ. وَقَوْلُهُ: وَانْفَرَدَ أَيْ نَدْبًا. وَقَوْلُهُ وَلَا بِيَوْمٍ أَيْ يُكْرَهُ (قَوْلُهُ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ) أَيْ: يَتَعَلَّقُ بِهِمْ الْخُرُوجُ إثْبَاتًا وَنَفْيًا. (قَوْلُهُ وَهُمْ الرِّجَالُ) أَيْ: عَلَى سَبِيلِ السُّنِّيَّةِ، وَقَوْلُهُ وَالصِّبْيَانُ وَالْمُتَجَالَّاتُ مِنْ النِّسَاءِ أَيْ: عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ كَمَا فِي شَرْحِ شب أَيْ: الْمُتَجَالَّاتُ الَّتِي لَا إرْبَ لِلرِّجَالِ فِيهَا احْتِرَازًا عَنْ غَيْرِهَا، فَلَا تَخْرُجُ أَيْ: لَا تُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ فَإِنْ خَرَجَتْ لَمْ تُمْنَعْ. وَاعْلَمْ أَنَّ النِّسَاءَ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: مُتَجَالَّةٌ يَحْسُنُ خُرُوجُهَا، وَشَابَّةٌ طَاهِرٌ يُكْرَهُ خُرُوجُهَا وَإِنْ خَرَجَتْ لَمْ تُمْنَعْ، وَحَائِضٌ تُمْنَعُ مِنْ الْخُرُوجِ اهـ. وَالْمُصَنِّفُ تَابِعٌ لِلَّخْمِيِّ (أَقُولُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ الْخُرُوجُ، وَلَا وَجْهَ لِلْحُرْمَةِ إذَا خَرَجَتْ لِلصَّحْرَاءِ، بَلْ الظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ. نَعَمْ لَوْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ لِصَلَاةٍ لَكَانَتْ الْحُرْمَةُ ظَاهِرَةً، وَكَذَلِكَ الشَّابَّةُ النَّاعِمَةُ يَحْرُمُ خُرُوجُهَا إنْ كَانَ يُؤَدِّي لِلْفِتْنَةِ.

(قَوْلُهُ فِي حَالِ حَيْضِهِنَّ. . . إلَخْ) أَيْ: حَالِ جَرَيَانِ دَمِهِنَّ، وَكَذَا بَعْدَ انْقِطَاعِهِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ، بَلْ هِيَ الْآنَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ لِقُدْرَتِهَا عَلَى الِاغْتِسَالِ اهـ.

وَأَمَّا الْجُنُبُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إنْ كَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمَ، أَوْ وَجَدَ مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْكَرَاهَةَ. (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الشَّابَّةُ) أَيْ: يُكْرَهُ. (قَوْلُهُ وَأَبَاحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) الْمُرَادُ أَنْ يَسُوغَ لَنَا عَدَمُ مَنْعِهِمْ. (قَوْلُهُ وَمَنَعَهُ أَشْهَبُ) أَصْلُ الْمَنْعِ الْحُرْمَةُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْكَرَاهَةَ. (قَوْلُهُ وَيَكُونُونَ عَلَى جَانِبٍ) أَيْ: نَدْبًا، وَالتَّعْلِيلُ بِالْمَظِنَّةِ فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ يَقْتَضِي الْحُرْمَةَ كَمَا فِي عب (قَوْلُهُ وَبِانْفِرَادِهِمْ بِيَوْمٍ) أَيْ بِزَمَنٍ لَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ فَلَمْ يُرِدْ بِالْيَوْمِ الْيَوْمَ الْمَعْرُوفَ. (قَوْلُهُ مِنْ التَّطَوُّقِ) أَيْ: يَجْعَلُونَهُ

ص: 110

الِاسْتِسْقَاءِ وَغَيْرِهِ. فَقَوْلُهُ: مَشَايِخُ وَمَا بَعْدَهُ يَحْتَمِلُ النَّصْبَ عَلَى الْحَالِ وَالرَّفْعَ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفٌ خَبَرُهُ، أَيْ: خَرَجُوا حَالَ كَوْنِهِمْ، أَوْ وَفِيهِمْ مَشَايِخُ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الْوَاوِ فِي وَخَرَجُوا، أَوْ الْفَاعِلِيَّةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاوَ فِي: وَخَرَجُوا حَرْفٌ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُلْحِقُ الْفِعْلَ عَلَامَةَ جَمْعٍ أَوْ تَثْنِيَةٍ، وَهِيَ لُغَةُ: أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَشَايِخِ مَا قَابَلَ الصِّبْيَةَ لَا الْمَشَايِخُ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِي الْوَقْفِ.

. (ص) ثُمَّ خَطَبَ (ش) أَيْ: ثُمَّ بَعْدَ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ فِي أَوَّلِهِمَا وَوَسَطِهِمَا وَيَتَوَكَّأُ عَلَى عَصًا وَأَفَادَ ذَلِكَ كُلَّهُ بِقَوْلِهِ (كَالْعِيدِ) وَلَا حَدَّ فِي طُولِ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ وَسَطٌ، قَالَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الْجُلُوسُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ عَلَى قَدْرِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَيَدْعُو فِي خُطْبَتَيْهِ لِكَشْفِ مَا نَزَلَ بِهِمْ، وَلَا يَدْعُو لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ، فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ خُطْبَتِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ مَكَانَهُ فَحَوَّلَ رِدَاءَهُ تَفَاؤُلًا بِتَحْوِيلِ حَالَتِهِمْ مِنْ الشِّدَّةِ إلَى الرَّخَاءِ، وَصِفَتُهُ أَنْ يَجْعَلَ مَا عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ، وَمَا عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ، وَلْيَفْعَلْ النَّاسُ مِثْلَ الْإِمَامِ وَهُمْ جُلُوسٌ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ، ثُمَّ يَدْعُو كَذَلِكَ وَهُوَ قَائِمٌ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ جَهْرًا، وَيَكُونُ الدُّعَاءُ بَيْنَ الطُّولِ وَالْقِصَرِ وَمِنْ دُعَائِهِ: عليه الصلاة والسلام «اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهِيمَتَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ.» وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَرُبَ مِنْهُ أَنْ يُؤَمِّنَ عَلَى دُعَائِهِ وَيَرْفَعَ يَدَيْهِ وَبُطُونُهُمَا إلَى الْأَرْضِ، وَرُوِيَ إلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مِنْ الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ وَيَنْصَرِفُونَ عَلَى الْمَشْهُورِ.

(ص) وَبُدِّلَ التَّكْبِيرُ بِالِاسْتِغْفَارِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ كَخُطْبَتَيْ الْعِيدِ، وَيُبَدَّلُ التَّكْبِيرُ هُنَاكَ بِالِاسْتِغْفَارِ هُنَا وَالنَّاسُ مَعَهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 11] فَجُعِلَ الْمَطَرُ جَزَاءَ الِاسْتِغْفَارِ. وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى: وَبُدِّلَ نَدْبًا فِي خُرُوجِهِ وَخُطْبَتَيْهِ التَّكْبِيرُ بِالِاسْتِغْفَارِ، لَا فِي صَلَاتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالْبَاءُ الدَّاخِلَةُ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ لِلْمَأْخُوذِ. (ص) وَبَالَغَ فِي الدُّعَاءِ آخِرَ الثَّانِيَةِ (ش) أَيْ: وَيُنْدَبُ مُبَالَغَتُهُ بِالدُّعَاءِ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ حَالَ كَوْنِهِ (مُسْتَقْبِلًا) لِلْقِبْلَةِ وَظَهْرُهُ لِلنَّاسِ (ص) ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ يَمِينَهُ يَسَارَهُ بِلَا تَنْكِيسٍ وَكَذَا الرِّجَالُ فَقَطْ قُعُودًا (ش) أَيْ: ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ وَاسْتِقْبَالِهِ الْقِبْلَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ حَوَّلَ رِدَاءَهُ قَبْلَ الدُّعَاءِ فَجَعَلَ يَمِينَهُ يَسَارَهُ، يَبْدَأُ بِيَمِينِهِ فَيَأْخُذُ مَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَيَمُرُّهُ مِنْ وَرَائِهِ لِيَضَعَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ، وَمَا عَلَى الْأَيْمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ تَفَاؤُلًا بِأَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ سَاعَةَ الْجَدْبِ بِسَاعَةِ الْخِصْبِ وَسَاعَةَ الْعُسْرِ بِسَاعَةِ الْيُسْرِ، وَلَا

ــ

[حاشية العدوي]

فِي طَوْقِهِمْ. (قَوْلُهُ يَحْتَمِلُ النَّصْبَ عَلَى الْحَالِ) قَالَ الْبَدْرُ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ الْمُصَنِّفِ. وَقَوْلُهُ: لَا الْمَشَايِخُ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَهُمْ: مَنْ بَلَغَ السِّتِّينَ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ خَطَبَ) فِي ك فَلَوْ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ فَيُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَقَوْلُهُ: خَطَبَ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ: صَلَّوْا ثُمَّ خَطَبَ، وَعَبَّرَ بِثُمَّ لِأَنَّهُ يَجْلِسُ بَعْدَ الصَّلَاةِ جَلْسَةً مُسْتَقْبِلًا النَّاسَ، ثُمَّ يَخْطُبُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَدْعُو لِأَمِيرِ. . . إلَخْ) أَيْ: يُكْرَهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَيْ: إلَّا لِخَوْفٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ أَنْ يَجْعَلَ. . . إلَخْ) هَذَا بَيَانٌ لِلْفِعْلِ فِي ذَاتِهِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَبْدَأَ بِجَعْلِ مَا عَلَى يَسَارِهِ عَلَى يَمِينِهِ، لَا أَنَّهُ يَبْدَأُ بِجَعْلِ الَّذِي عَلَى جِهَةِ يَمِينِهِ عَلَى جِهَةِ يَسَارِهِ.

(قَوْلُهُ وَبُطُونُهُمَا إلَى الْأَرْضِ) وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ بِقُرْبِ أَحَدِ الْيَدَيْنِ مِنْ الْآخَرِ وَهَلْ يُلَاصِقُ أَوْ يُفَرِّقُ قَلِيلًا؟ خِلَافٌ بَيْنَ الْمَغَارِبَةِ وَالْمَشَارِقَةِ أَشَارَ لَهُ فِي شَرْحِ الْحِصْنِ الْحَصِينِ (قَوْلُهُ وَالنَّاسُ مَعَهُ) أَيْ: حَاضِرُونَ مَعَهُ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: فِي خُرُوجِهِ. . . إلَخْ رَدًّا عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ الْقَائِلِ: لَا يُكَبِّرُونَ فِي الْغُدُوِّ إلَيْهَا وَلَا يَسْتَغْفِرُونَ إلَّا فِي الْخُطْبَةِ. قَالَ بَهْرَامُ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا اسْتَغْفَرَ فِي الْخُطْبَةِ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا كَمَا يُكَبِّرُوا مَعَهُ فِي الْعِيدِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْبَاءُ. . . إلَخْ) وَقَدْ تَدْخُلُ عَلَى الْمَتْرُوكِ خِلَافًا لِمَنْ عَيَّنَ دُخُولَهَا عَلَى الْمَتْرُوكِ. (قَوْلُهُ وَبَالَغَ) أَيْ: نَدْبًا الْإِمَامُ وَمَنْ بَعُدَ عَنْهُ مِنْ الْقَوْمِ، وَأَمَّا مَنْ قَرُبَ مِنْهُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُؤَمِّنَ عَلَى دُعَائِهِ (قَوْلُهُ مُبَالَغَتُهُ) أَيْ: إطَالَتُهُ أَوْ أَتَى بِأَجْوَدِهِ وَأَحْسَنِهِ أَوْ هُمَا مَعًا، وَالْمُرَادُ بِأَجْوَدِهِ وَأَحْسَنِهِ مَا جَاءَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام. وَيَكُونُ الدُّعَاءُ جَهْرًا كَمَا فِي الطِّرَازِ، وَذَكَرَ الزَّرْقَانِيُّ أَنَّهُ يَدْعُو سِرًّا وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ لِسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُعْجِبُنِي رَفْعُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ (قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ) ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ الدُّعَاءَ مِنْ جُمْلَةِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَمَّا كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا كَأَنَّهُ مِنْ آخِرِهَا (قَوْلُهُ فَجَعَلَ يَمِينَهُ يَسَارَهُ. . . إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: يَمِينَهُ يَسَارَهُ. . . إلَخْ مَفْعُولٌ بِمَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ: يَجْعَلُ يَمِينَهُ يَسَارَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَدَلَ بَعْضٍ، وَعَلَى كُلٍّ فَالضَّمِيرُ فِي يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ عَائِدٌ عَلَى الرِّدَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: يَمِينَهُ. . . إلَخْ مَنْصُوبَيْنِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ: يَجْعَلُ مَا عَلَى يَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ. وَعَلَيْهِ فَالضَّمِيرُ لِفَاعِلِ التَّحْوِيلِ أَفَادَ كُلَّ ذَلِكَ الشَّيْخُ سَالِمٌ، ثُمَّ أَقُولُ وَهَذَا بَيَانٌ لِلتَّحْوِيلِ فِي ذَاتِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِجَعْلِ مَا عَلَى الْيَسَارِ عَلَى الْيَمِينِ فَيَأْخُذَ - كَمَا قَالَ الشَّارِحُ مَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ مَارًّا بِهِ مِنْ وَرَائِهِ وَيَجْعَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، وَمَا عَلَى الْأَيْمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ تَفَاؤُلًا، وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا التَّحْوِيلِ قَلْبُهُ، فَيَصِيرُ مَا يَلِي ظَهْرَهُ لِلسَّمَاءِ وَمَا يَلِيهَا عَلَى ظَهْرِهِ

(تَنْبِيهٌ) : ظَاهِرُ الْمُصَنَّفِ أَنَّ التَّحْوِيلَ مِنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِهِ: يَبْدَأُ بِيَمِينِهِ أَيْ يَبْدَأُ بِاسْتِمْتَاعِ يَمِينِهِ بِالْمُكْثِ عَلَيْهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَيَأْخُذَ (فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَرَّرْ فِي طُولِ عِمَامَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَعَرْضِهَا شَيْءٌ، ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ نُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ فِي عَرْضِ ذِرَاعٍ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الرِّدَاءِ فَقِيلَ سِتَّةُ أَذْرُعٍ فِي عَرْضِ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، وَقِيلَ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ، أَوْ شِبْرَانِ فِي عَرْضِ ذِرَاعَيْنِ وَشِبْرٍ، وَقِيلَ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ فِي عَرْضِ ذِرَاعَيْنِ وَنِصْفٍ، وَلَيْسَ فِي الْإِزَارِ إلَّا الْقَوْلُ الثَّانِي، ذَكَرَهُ الشبراملسي فِي حَوَاشِي

ص: 111

يَجْعَلُ أَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ النِّسَاءَ لَا يُحَوِّلْنَ أَرْدِيَتَهُنَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى كَشْفِهِنَّ، وَلِهَذَا قُيِّدَ التَّحْوِيلُ بِالرِّجَالِ، وَيَفْعَلُونَ ذَلِكَ قُعُودًا، وَلَا تُحَوَّلُ الْبَرَانِسُ وَلَا الْغَفَائِرُ أَيْ: مَا لَمْ تُلْبَسْ كَالرِّدَاءِ. وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ تَأْخِيرُ التَّحْوِيلِ عَنْ الدُّعَاءِ وَهُوَ قَوْلٌ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَالْمَشْهُورُ تَأْخِيرُ الدُّعَاءِ عَنْ التَّحْوِيلِ فَيَخْطُبُ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ ثُمَّ يُحَوِّلُ ثُمَّ يَدْعُو، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ مُرَتَّبَةٌ.

(ص) وَنُدِبَ خُطْبَةٌ بِالْأَرْضِ (ش) أَيْ: إيقَاعُ خُطْبَةٍ، وَهُوَ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ أَيْ: خُطْبَتَانِ (ص) وَصِيَامُ ثَلَاثَةٍ قَبْلَهُ وَصَدَقَةٌ وَلَا يَأْمُرُ بِهِمَا الْإِمَامُ بَلْ بِتَوْبَةٍ وَرَدِّ تَبِعَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُنْدَبُ التَّصَدُّقُ وَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَ يَوْمِ الِاسْتِسْقَاءِ وَيَخْرُجُونَ لَهُ مُفْطِرِينَ لِلتَّقَوِّي عَلَى الدُّعَاءِ كَيَوْمِ عَرَفَةَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ قَبْلَهُ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِقْلَاعِ عَنْ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ وَالْمَظَالِمِ، وَأَنْ يَتَحَالَلَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ مَخَافَةَ أَنْ تَكُونَ مَعَاصِيهِمْ سَبَبَ مَنْعِ الْغَيْثِ، وَيَأْمُرَ بِالتَّقَرُّبِ بِالصَّدَقَاتِ لَعَلَّهُمْ إذَا أَطْعَمُوا فُقَرَاءَهُمْ أَطْعَمَهُمْ اللَّهُ، فَإِنَّ الْجَمِيعَ فُقَرَاءُ اللَّهِ. فَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ الشَّيْخِ: إنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ، بَلْ حَكَى الْجُزُولِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَأَمَّا الْأَمْرُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَهَا فَلَيْسَ مِنْ سُنَّتِهَا. قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأُبَيٍّ وَالْمُغِيرَةِ. فَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مُسَلَّمٌ فِي الصَّوْمِ، وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَلَا، بَلْ يَأْمُرُ بِهَا كَمَا مَرَّ. وَتَبِعَةٌ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُقَالُ: تِبَاعَةٌ.

(ص) وَجَازَ تَنَفُّلٌ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا (ش) أَيْ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّنَفُّلُ بِالْمَسْجِدِ وَالْمُصَلَّى قَبْلَ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَبَعْدَهَا بِخِلَافِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا بِالْمُصَلَّى لَا بِالْمَسْجِدِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ الْإِقْلَاعُ عَنْ الْخَطَايَا وَالْإِكْثَارُ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ، وَلِذَا اُسْتُحِبَّ فِيهِ الْعِتْقُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالتَّذَلُّلُ وَالدُّعَاءُ فَكَانَ التَّقَرُّبُ بِالنَّفْلِ أَلْيَقَ.

(ص) وَاخْتَارَ إقَامَةَ غَيْرِ الْمُحْتَاجِ لِمُحْتَاجٍ (ش) أَيْ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ نَدْبَ إقَامَةِ الْمُخْصِبِ غَيْرِ الْمُحْتَاجِ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ عَلَى سُنَّتِهَا بِمَحَلِّهِ لِمُحْتَاجٍ مُجْدِبٍ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَقَامَهَا غَيْرُ الْمُحْتَاجِ مُجْتَمِعًا مَعَهُ، أَوْ أَقَامَهَا وَكُلٌّ بِمَحَلِّهِ وَلَوْ فِي زَمَنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِسَبَبِ حُصُولِ جَدْبٍ لِأَنَّهُ مِنْ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى.

وَقَالَ الْمَازِرِيُّ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَكَلَامِ اللَّخْمِيِّ قَالَ: وَفِي ذَلِكَ عِنْدِي نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ عَلَى إقَامَتِهَا بِصَلَاتِهَا دَلِيلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَطْلُوبًا لَفَعَلَهُ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ فَمَنْ بَعْدَهُ

ــ

[حاشية العدوي]

الرَّمْلِيِّ (قَوْلُهُ وَلَا الْغَفَائِرُ) هِيَ شَيْءٌ يُجْعَلُ مِنْ الْجُوخِ عَلَى شَكْلِ الْبُرْنُسِ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُلْبَسْ) عَائِدٌ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْغَفَائِرِ وَالْبَرَانِسِ (قَوْلُهُ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى ظَاهِرُ. . . إلَخْ) أَجَابَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ فِي الذِّكْرِ لَا فِي الرُّتْبَةِ، وَقَدْ وَقَعَ الْجَوَابُ بِمِثْلِ هَذَا فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ اهـ.

(قَوْلُهُ وَنُدِبَ خُطْبَةٌ بِالْأَرْضِ) أَيْ: لَا بِمِنْبَرٍ فَيُكْرَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخُطْبَةَ فِي ذَاتِهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَكَوْنُهَا بِالْأَرْضِ مُسْتَحَبٌّ آخَرُ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَيَخْرُجُونَ مُفْطِرِينَ) هَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ الظَّرْفِ (قَوْلُهُ وَالْإِقْلَاعِ عَنْ الذُّنُوبِ) مِنْ أَجْزَاءِ التَّوْبَةِ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ نَدَمٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لِأَجْلِ قُبْحِهَا شَرْعًا وَلَا يَضُرُّهُ اسْتِحْسَانُهَا طَبْعًا، وَعَزْمٌ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ، وَالْإِقْلَاعُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ فِي الْحَالِ. أَيْ: إذَا كَانَ مُتَلَبِّسًا بِهَا. وَقَوْلُهُ: وَالْآثَامِ هِيَ مُسَبَّبَةٌ عَنْ الذُّنُوبِ أَيْ: الَّتِي هِيَ الْمَعَاصِي، وَقَوْلُهُ: وَالْمَظَالِمِ هِيَ الْمُشَارُ لَهَا بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَرَدِّ تَبِعَةٍ وَتُفِيدُ عِبَارَتُهُ أَنَّ رَدَّ التَّبِعَةِ لَيْسَ دَاخِلًا فِي التَّوْبَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا وَعَيْنُهُ بَاقِيَةٌ فَصِحَّةُ التَّوْبَةِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى رَدِّهِ، وَأَمَّا إذَا اُسْتُهْلِكَتْ عَيْنُهُ فَرَدُّ عِوَضِهِ وَاجِبٌ آخَرُ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ يَحْتَاجُ لِتَوْبَةٍ - كَمَا أَفَادَهُ السَّنُوسِيُّ كَتَسْلِيمِ النَّفْسِ فِي الْقِصَاصِ وَالشِّرْبِ، وَكَتَسْلِيمِ مَا وَجَبَ فِي الزَّكَوَاتِ وَقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ، فَهَذَا كُلُّهُ وَاجِبٌ آخَرُ كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ. وَقُلْنَا لِقُبْحِهَا شَرْعًا أَيْ: وَلَا يَضُرُّ اسْتِحْسَانُهَا طَبْعًا، وَأَمَّا النَّدَمُ لِخَوْفِ النَّارِ أَوْ لِطَمَعٍ فِي الْجَنَّةِ فَوَقَعَ تَرَدُّدٌ، وَمَبْنَى ذَلِكَ: هَلْ هُوَ نَدَمٌ عَلَيْهَا لِقُبْحِهَا أَيْ شَرْعًا وَلِكَوْنِهَا مَعْصِيَةً أَمْ لَا؟ وَكَذَا وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي النَّدَمِ عَلَيْهَا لِقُبْحِهَا وَلِأَمْرٍ آخَرَ.

وَالْحَقُّ أَنَّ جِهَةَ الْقُبْحِ إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَتْ لَتَحَقَّقَ النَّدَمُ عَلَيْهَا، فَتَوْبَةٌ وَإِلَّا فَلَا، كَمَا إذَا كَانَ الْفَرْضُ مَجْمُوعَ الْأَمْرَيْنِ، أَيْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ لَا يَتَحَقَّقُ بِهِ النَّدَمُ، وَكَذَا وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي التَّوْبَةِ عِنْدَ أَمْرٍ مَخُوفٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ تَوْبَةَ الْكَافِرِ بِإِسْلَامِهِ مَقْبُولَةٌ قَطْعًا، وَكَذَا الْمُسْلِمِ مِنْ عِصْيَانِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقِيلَ ظَنًّا وَلَوْ أَذْنَبَ بَعْدَهَا وَلَا يَعُودُ مَحَلُّ الْقَطْعِ بِقَبُولِ تَوْبَةِ الْكَافِرِ إنْ لَمْ يُغَرْغِرْ أَيْ: يُشَاهِدْ مَلَائِكَةَ الْعَذَابِ، وَإِنْ لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ إسْلَامُهُ فِيهِمَا. وَالْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ الْقَبُولِ مِنْ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ الْغَرْغَرَةِ وَبَعْدَ الطُّلُوعِ، وَمَا دَرَجَ عَلَيْهِ عج وَتَبِعَهُ عب مُقَابِلُهُ أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْجَمِيعَ. . . إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: أَطْعَمَهُمْ اللَّهُ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ مِنْ سُنَّتِهَا) بَلْ يُكْرَهُ (قَوْلُهُ بَلْ يَأْمُرُ بِهَا) وَإِذَا أَمَرَ بِهَا وَجَبَتْ طَاعَتُهُ فَقَدْ قَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِمُحَرَّمٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ، وَهَلْ يَدْخُلُ هُوَ فِي أَمْرِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: الْمُتَكَلِّمُ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ؟ (قَوْلُهُ وَتِبَاعَةٌ) بِكَسْرِ التَّاءِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَارِ

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ) أَيْ: مِنْ طَلَبِ الِاسْتِسْقَاءِ (قَوْلُهُ فَكَانَ التَّقَرُّبُ بِالنَّفْلِ أَلْيَقَ) أَيْ لِمَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ عِظَمِ التَّذَلُّلِ وَالْخُشُوعِ الَّذِي يُرْجَى بِهِ الْإِغَاثَةُ (قَوْلُهُ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ) أَيْ: فَاللَّخْمِيُّ اخْتَارَ مَا عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ (قَوْلُهُ وَكَلَامِ اللَّخْمِيِّ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ. . . إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ النَّظَرَ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهِ سَوَاءٌ أَقَامَهَا بِمَحَلِّهِ أَوْ أَتَى لِلْمَحَلِّ الْمُحْتَاجِ وَهُوَ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ يُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يَجِئْ إلَيْهِ مُنْتَقِلًا، وَأَمَّا إذَا جَاءَ إلَيْهِ مُنْتَقِلًا نَاوِيًا السُّكْنَى بِهِ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهُمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ عَلَى إقَامَتِهَا. . . إلَخْ) أَيْ: فَهِيَ لَا تَجُوزُ، أَوْ تُكْرَهُ.

ص: 112