الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]
ِ فَائِدَةٌ: الْحَلِفُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ: إرَادَةُ تَحْقِيقِ خَبَرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُمْكِنٌ بِقَوْلٍ يُقْصَدُ بِهِ الْحَثُّ عَلَى فِعْلِ الْمُمْكِنِ أَوْ تَرْكِهِ. وَالْحَلِفُ عَلَى الْمَاضِي: إمَّا بَرٌّ، وَهُوَ الصَّادِقُ، أَوْ غَمُوسٌ، وَهُوَ الْكَاذِبُ، أَوْ لَغْوٌ. قَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: وَهُوَ مَا لَا أَجْرَ لَهُ فِيهِ. وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَلَا كَفَّارَةَ. وَقِيلَ: الْيَمِينُ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ تُؤَكَّدُ بِهَا أُخْرَى خَبَرِيَّةٌ. وَهُمَا كَشَرْطٍ وَجَزَاءٍ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي. قَوْلُهُ (وَالْيَمِينُ الَّتِي تَجِبُ بِهَا الْكَفَّارَةُ: هِيَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ) . كَوَجْهِ اللَّهِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَظَمَتِهِ وَعِزَّتِهِ، وَإِرَادَتِهِ، وَقُدْرَتِهِ، وَعِلْمِهِ. فَتَنْعَقِدُ بِذَلِكَ الْيَمِينُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ. وَلَوْ نَوَى مَقْدُورَهُ، أَوْ مَعْلُومَهُ، أَوْ مُرَادَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ عَنْهُ. وَقِيلَ: لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إذَا نَوَى بِقُدْرَةِ اللَّهِ: مَقْدُورَهُ وَبِعِلْمِ اللَّهِ: مَعْلُومَهُ، وَبِإِرَادَةِ اللَّهِ: مُرَادَهُ وَيَأْتِي أَيْضًا ذَلِكَ قَرِيبًا
قَوْلُهُ (الثَّانِي: مَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ. وَإِطْلَاقُهُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ، كَالرَّحْمَنِ، وَالرَّحِيمِ، وَالْعَظِيمِ، وَالْقَادِرِ، وَالرَّبِّ، وَالْمَوْلَى، وَالرَّازِقِ
وَنَحْوِهِ. فَهَذَا إنْ نَوَى بِالْقَسَمِ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ أَطْلَقَ: فَهُوَ يَمِينٌ وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ: فَلَيْسَ بِيَمِينٍ) . هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي (الرَّحْمَنِ) مِنْ أَنَّهُ يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ، وَأَنَّهُ إنْ نَوَى بِهِ غَيْرَهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ (الرَّحْمَنَ) مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْخَاصَّةِ بِهِ، الَّتِي لَا يُسَمَّى بِهَا غَيْرُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا أَوْلَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَ (الرَّحْمَنُ) يَمِينٌ مُطْلَقًا عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الصَّحِيحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ. وَأَمَّا (الرَّبُّ) وَ (الْخَالِقُ) وَ (الرَّازِقُ) فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهَا مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ. وَأَنَّهُ إذَا نَوَى بِهَا الْقَسَمَ، وَأَطْلَقَ: انْعَقَدَتْ بِهِ الْيَمِينُ. وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ: فَلَيْسَ بِيَمِينٍ. جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي فِي (الرَّبِّ) وَ (الرَّازِقِ) . وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ فِي (الرَّبِّ) . وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِي (الرَّبِّ) وَالرَّازِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي الْجَمِيعِ. وَخَرَّجَهَا فِي التَّعْلِيقِ عَلَى رِوَايَةِ (أُقْسِمُ) . وَقَالَ طَلْحَةُ الْعَاقُولِيُّ: إنْ أَتَى بِذَلِكَ مُعَرَّفًا، نَحْوُ (وَالْخَالِقِ)(وَالرَّازِقِ) كَانَ يَمِينًا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي التَّعْرِيفِ إلَّا فِي اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقِيلَ: يَمِينٌ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ: وَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ يَمِينٌ بِكُلِّ حَالٍ
قَوْلُهُ (فَأَمَّا مَا لَا يُعَدُّ مِنْ أَسْمَائِهِ، كَالشَّيْءِ وَالْمَوْجُودِ) . وَكَذَا الْحَيُّ، وَالْوَاحِدُ، وَالْكَرِيمُ. (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ اللَّهَ تَعَالَى) فَلَيْسَ بِيَمِينٍ (وَإِنْ نَوَاهُ كَانَ يَمِينًا) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ الْبَنَّا: لَا يَكُونُ يَمِينًا أَيْضًا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: وَحَقِّ اللَّهِ، وَعَهْدِ اللَّهِ، وَاَيْمُ اللَّهِ، وَأَمَانَةِ اللَّهِ، وَمِيثَاقِهِ وَقُدْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَكِبْرِيَائِهِ وَجَلَالِهِ وَعِزَّتِهِ، وَنَحْوِهِ) كَإِرَادَتِهِ وَعِلْمِهِ وَجَبَرُوتِهِ، فَهِيَ يَمِينٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ فِي (اَيْمُ اللَّهِ) . وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَطَعَ بِهِ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ فِي غَيْرِ (أَيْمُ اللَّهِ) وَ (قُدْرَتِهِ) وَجُمْهُورُهُمْ قَطَعَ بِهِ فِي غَيْرِ (أَيْمُ اللَّهِ) . وَعَنْهُ: لَا يَكُونُ (أَيْمُ اللَّهِ) يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ. وَقِيلَ: إنْ نَوَى بِقُدْرَتِهِ مَقْدُورَهُ، وَبِعِلْمِهِ مَعْلُومَهُ، وَبِإِرَادَتِهِ مُرَادَهُ: لَمْ يَكُنْ يَمِينًا، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْمَنْصُوصُ خِلَافُهُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ الرِّوَايَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ (عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ) . وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَمِينٌ مُطْلَقًا.
فَائِدَةٌ:
يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِالْأَمَانَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، قُلْت: وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَثَرِ وَالْحَدِيثِ التَّحْرِيمُ
قَوْلُهُ (وَإِنْ)(قَالَ: وَالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، وَسَائِرِ ذَلِكَ) . كَالْأَمَانَةِ، وَالْقُدْرَةِ، وَالْعَظَمَةِ، وَالْكِبْرِيَاءِ، وَالْجَلَالِ، وَالْعِزَّةِ. (وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى) (: لَمْ يَكُنْ يَمِينًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِصِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى) إذَا نَوَى بِذَلِكَ صِفَتَهُ تَعَالَى: كَانَ يَمِينًا. قَوْلًا وَاحِدًا. وَإِنْ أَطْلَقَ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرُهُ.
وَعَنْهُ: لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا إذَا نَوَى. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ
وَقَوْلُهُ (وَإِنْ)(قَالَ لَعَمْرُ اللَّهِ)(كَانَ يَمِينًا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ) . وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله
قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ بِكَلَامِ اللَّهِ، أَوْ بِالْمُصْحَفِ، أَوْ بِالْقُرْآنِ: فَهِيَ يَمِينٌ. فِيهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) . وَكَذَا لَوْ حَلَفَ بِسُورَةٍ مِنْهُ، أَوْ آيَةٍ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ كَفَّارَةٌ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَنْصُوصُهُ: بِكُلِّ آيَةٍ كَفَّارَةٌ إنْ قَدَرَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ. وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِلْوُجُوبِ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ رحمه الله إنَّمَا نَقَلَهُ لِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ الْعَجْزِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ كَفَّارَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ. وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ وَجْهًا: عَلَيْهِ بِكُلِّ حَرْفٍ كَفَّارَةٌ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: أَمَّا إذَا حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ: فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ: لَوْ حَلَفَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ: فَلَا نَقْلَ فِيهَا. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهَا يَمِينٌ. انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَحْلِفُ بِاَللَّهِ، أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ، أَوْ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ: كَانَ يَمِينًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُنَوِّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.
فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ (حَلَفْت بِاَللَّهِ) أَوْ (أَقْسَمْت بِاَللَّهِ) أَوْ (آلَيْت بِاَللَّهِ) أَوْ
(شَهِدْت بِاَللَّهِ) فَهُوَ كَقَوْلِهِ (أَحْلِفُ بِاَللَّهِ) أَوْ (أُقْسِمُ بِاَللَّهِ) أَوْ (أَشْهَدُ بِاَللَّهِ) . خِلَافًا وَمَذْهَبًا. لَكِنْ لَوْ قَالَ: نَوَيْت: بِ (أَقْسَمْت بِاَللَّهِ) الْخَبَرَ عَنْ قَسَمٍ مَاضٍ أَوْ: (بِأُقْسِمُ) الْخَبَرَ عَنْ قَسَمٍ يَأْتِي: دِينَ. وَيُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُقْبَلُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ
قَوْلُهُ (وَإِنْ)(قَالَ أَعْزِمُ بِاَللَّهِ)(كَانَ يَمِينًا) . وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَالَ جَمَاعَةٌ: وَالْعَزْمُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَمَالَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي قَوْلِهِ (أَعْزِمُ بِاَللَّهِ) لَيْسَ بِيَمِينٍ مَعَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ عُرْفُ الشَّرْعِ وَلَا الِاسْتِعْمَالُ. فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ غَيْرُ يَمِينٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَقْصِدُ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ
قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ) . يَعْنِي: فِيمَا تَقَدَّمَ. كَقَوْلِهِ (أَحْلِفُ) أَوْ (أَشْهَدُ) أَوْ (أُقْسِمُ) أَوْ (حَلَفْت) أَوْ (أَقْسَمْت) أَوْ (شَهِدْت) لَمْ يَكُنْ يَمِينًا. إلَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَنَوَى بِهِ الْيَمِينَ: كَانَ يَمِينًا. بِلَا نِزَاعٍ.
وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَنْهُ: يَكُونُ يَمِينًا. نَصَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ: الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ (عَزَمْت) وَ (أَعْزِمُ) لَيْسَ يَمِينًا، وَلَوْ نَوَى؛ لِأَنَّهُ لَا شَرْعٌ وَلَا لُغَةٌ، وَلَا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ نَوَى. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّ فِيهَا الرِّوَايَتَيْنِ. لَكِنْ أَكْثَرُهُمْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ (قَسَمًا بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ) كَانَ يَمِينًا. وَتَقْدِيرُهُ: أَقْسَمْت قَسَمًا بِاَللَّهِ. وَكَذَا قَوْلُهُ (أَلِيَّةً بِاَللَّهِ) بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا قَالَ (عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ نَذْرٌ) هَلْ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، أَمْ لَا؟
الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ (آلَيْت بِاَللَّهِ) أَوْ (آلَى بِاَللَّهِ) أَوْ (أَلِيَّةً بِاَللَّهِ) أَوْ (حَلِفًا بِاَللَّهِ) أَوْ (قَسَمًا بِاَللَّهِ) فَهُوَ حَلِفٌ. سَوَاءٌ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ أَوْ أَطْلَقَ. كَمَا لَوْ قَالَ (أُقْسِمُ بِاَللَّهِ) وَحُكْمُهُ حُكْمُ ذَلِكَ فِي تَفْصِيلِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ
قَوْلُهُ (وَحُرُوفُ الْقَسَمِ: الْبَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ) فَالْبَاءُ: يَلِيهَا مُظْهَرٌ وَمُضْمَرٌ. وَالْوَاوُ: يَلِيهَا مُظْهَرٌ فَقَطْ. وَالتَّاءُ: فِي اللَّهِ خَاصَّةً عَلَى مَا يَأْتِي. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ هَذِهِ حُرُوفُ الْقَسَمِ لَا غَيْرُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ (هَا اللَّهِ) حَرْفُ قَسَمٍ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا يَمِينٌ بِالنِّيَّةِ. قَوْلُهُ (وَالتَّاءُ فِي اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً) . بِلَا نِزَاعٍ. وَهُوَ يَمِينٌ مُطْلَقًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِي الْمُغْنِي احْتِمَالٌ: فِي (تَاللَّهِ لَأَقُومَنَّ) يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِنِيَّةِ أَنَّ قِيَامَهُ بِمَعُونَةِ اللَّهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ نَوَى بِاَللَّهِ أَثِقُ، ثُمَّ ابْتَدَأَ (لَأَفْعَلَنَّ) احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ بَاطِنًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ كَطَلَاقٍ.
قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَسَمُ بِغَيْرِ حُرُوفِ الْقَسَمِ. فَيَقُولُ: اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ. بِالْجَرِّ وَالنَّصْبِ) بِلَا نِزَاعٍ. (فَإِنْ قَالَ " اللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ " مَرْفُوعًا: كَانَ يَمِينًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلَا يَنْوِي بِهِ الْيَمِينَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.
وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ نَصَبَهُ بِوَاوٍ، أَوْ رَفَعَهُ مَعَهَا، أَوْ دُونَهَا: فَيَمِينٌ. إلَّا أَنْ يُرِيدَهَا عَرَبِيٌّ. وَقِيلَ: أَوْ عَامِّيٌّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ مَعَ رَفْعِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْقَسَامَةِ: وَلَوْ تَعَمَّدَهُ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: الْأَحْكَامُ تَتَعَلَّقُ بِمَا أَرَادَهُ النَّاسُ بِالْأَلْفَاظِ الْمَلْحُونَةِ. كَقَوْلِهِ (حَلَفْت بِاَللَّهِ) رَفْعًا أَوْ نَصْبًا (وَاَللَّهِ بأصوم وَبِأُصَلِّي) وَنَحْوِهِ. وَكَقَوْلِ الْكَافِرِ (أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدٌ رَسُولَ اللَّهِ) بِرَفْعِ الْأَوَّلِ وَنَصْبِ الثَّانِي. وَ (أَوْصَيْت لِزَيْدًا بِمِائَةٍ) وَ (أَعْتَقْت سَالِمٌ) وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ رَامَ جَعْلَ جَمِيعِ النَّاسِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ بِحَسَبِ عَادَةِ قَوْمٍ بِعَيْنِهِمْ فَقَدْ رَامَ مَا لَا يُمْكِنُ عَقْلًا وَلَا يَصْلُحُ شَرْعًا.
فَائِدَةٌ: يُجَابُ فِي الْإِيجَابِ: (بِأَنْ) خَفِيفَةٍ وَثَقِيلَةٍ. وَبِاللَّامِ، وَبِنُونَيْ التَّوْكِيدِ الْمُخَفَّفَةِ وَالْمُثْقَلَةِ، وَبِقَدْ. وَالنَّفْيِ (بِمَا) وَ (إنْ) فِي مَعْنَاهَا وَ (بِلَا) وَتُحْذَفُ (لَا) لَفْظًا وَنَحْوِ (وَاَللَّهِ أَفْعَلُ) . وَغَالِبُ الْجَوَابَاتِ وَرَدَتْ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ
قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ. ذَكَرَهَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرَهَا فِي الشَّرْحِ قَوْلًا
فَائِدَةٌ: تَنْقَسِمُ الْأَيْمَانُ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ. وَهِيَ أَحْكَامُ التَّكْلِيفِ. كَالطَّلَاقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
أَحَدُهَا: وَاجِبٌ. كَاَلَّذِي يُنَجِّي بِهَا إنْسَانًا مَعْصُومًا مِنْ هَلَكَةٍ. وَكَذَا إنْجَاءُ نَفْسِهِ، مِثْلُ الَّذِي يُوَجَّهُ عَلَيْهِ أَيْمَانُ الْقَسَامَةِ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ عَلَيْهِ وَهُوَ بَرِيءٌ وَنَحْوُهُ.
الثَّانِي: مَنْدُوبٌ. وَهُوَ الَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ مَصْلَحَةٌ مِنْ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ أَوْ إزَالَةِ حِقْدٍ مِنْ قَلْبِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَالِفِ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ دَفْعِ شَرٍّ. فَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ طَاعَةٍ أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ: فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَارِحِ الْوَجِيزِ.
أَحَدُهُمَا: لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ شَارِحِ الْوَجِيزِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: مَنْدُوبٌ. اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.
الثَّالِثُ: مُبَاحٌ كَالْحَلِفِ عَلَى فِعْلِ مُبَاحٍ أَوْ تَرْكِ مُبَاحٍ، وَالْحَلِفِ عَلَى الْخَبَرِ بِشَيْءٍ هُوَ صَادِقٌ فِيهِ، أَوْ يَظُنُّ أَنَّهُ صَادِقٌ.
الرَّابِعُ: مَكْرُوهٌ. وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى مَكْرُوهٍ، أَوْ تَرْكِ مَنْدُوبٍ. وَيَأْتِي حَلِفُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ. الْخَامِسُ: مُحَرَّمٌ. وَهُوَ الْحَلِفُ كَاذِبًا عَالِمًا. وَمِنْهُ: الْحَلِفُ عَلَى فِعْلِ مَعْصِيَةٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ
قَوْلُهُ (وَلَا تَجِبُ)(الْكَفَّارَةُ بِالْيَمِينِ بِهِ، سَوَاءٌ أَضَافَهُ إلَى اللَّهِ. مِثْلُ قَوْلِهِ)(وَمَعْلُومِ اللَّهِ)(وَخَلْقِهِ) وَ (رِزْقِهِ) وَ (بَيْتِهِ)(أَوْ لَمْ يُضِفْهُ) . (مِثْلُ: وَالْكَعْبَةِ وَأَبِي) . اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ بِالْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: الْحَلِفُ بِخَلْقِ اللَّهِ وَرِزْقِهِ يَمِينٌ. فَنِيَّةُ مَخْلُوقِهِ وَمَرْزُوقِهِ كَمَقْدُورِهِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَالْتَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ (مَعْلُومَ اللَّهِ) يَمِينٌ لِدُخُولِ صِفَاتِهِ. وَأَمَّا الْحَلِفُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: عَدَمَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ. وَهُوَ اخْتِيَارُهُ. وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحَلِفِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَقَدَّمَهُ. وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله مِثْلُهُ.
وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ قَوْلِهِ (خَاصَّةً) أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ: لَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَالْتَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ بِكُلِّ نَبِيٍّ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ فِي الْإِلْحَاقِ
فَائِدَةٌ: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله عَلَى كَرَاهَةِ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ. وَفِي تَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.
أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَقَالَ: وَيُعَزَّرُ، وِفَاقًا لِمَالِكٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْرُمُ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، بَلْ وَلَا يُكْرَهُ. قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا.
قَوْلُهُ (وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ. أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً، وَهِيَ الْيَمِينُ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الْبِرُّ وَالْحِنْثُ، وَذَلِكَ: الْحَلِفُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ مُمْكِنٍ) . بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ
فَائِدَةٌ: لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ النَّائِمِ وَالطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِمْ. وَفِي مَعْنَاهُمْ السَّكْرَانُ. وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِيهِ قَوْلَيْنِ.
وَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ الصَّبِيِّ قَبْلَ الْبُلُوغِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرُهُمْ. قُلْت: وَيَتَخَرَّجُ انْعِقَادُهَا مِنْ مُمَيِّزٍ. وَيَأْتِي حُكْمُ الْمُكْرَهِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ: فَتَنْعَقِدُ يَمِينُهُ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ حَنِثَ فِي كُفْرِهِ
وَقَوْلُهُ (فَأَمَّا الْيَمِينُ عَلَى الْمَاضِي: فَلَيْسَتْ مُنْعَقِدَةً. وَهِيَ نَوْعَانِ: يَمِينُ الْغَمُوسِ. وَهِيَ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا كَاذِبًا، عَالِمًا بِكَذِبِهِ) . يَمِينُ الْغَمُوسِ: لَا تَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ وَيَأْثَمُ، كَمَا يَلْزَمُهُ عِتْقٌ وَطَلَاقٌ، وَظِهَارٌ وَحَرَامٌ وَنَذْرٌ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَيُكَفِّرُ كَاذِبٌ فِي لِعَانِهِ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ (وَمِثْلُهُ الْحَلِفُ عَلَى مُسْتَحِيلٍ، كَقَتْلِ الْمَيِّتِ وَإِحْيَائِهِ، وَشُرْبِ مَاءِ الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا عَلَّقَ الْيَمِينَ عَلَى مُسْتَحِيلٍ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُعَلِّقَهَا بِفِعْلِهِ، أَوْ يُعَلِّقَهَا بِعَدَمِ فِعْلِهِ.
فَإِنْ عَلَّقَهَا بِفِعْلٍ مُسْتَحِيلٍ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَحِيلًا لِذَاتِهِ أَوْ فِي الْعَادَةِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ (وَاَللَّهِ إنْ طِرْت) أَوْ (لَا طِرْت) أَوْ (صَعِدْت السَّمَاءَ) أَوْ (شَاءَ الْمَيِّتُ) أَوْ (قَلَبْت الْحَجَرَ ذَهَبًا) أَوْ (جَمَعْت بَيْنَ الضِّدَّيْنِ) أَوْ (رَدَدْت أَمْسِ) أَوْ (شَرِبْت مَاءَ الْكُوزِ) وَلَا مَاءَ فِيهِ وَنَحْوَهُ. فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا لَغْوٌ وَقَطَعَ بِهِ. ذَكَرَهُ فِي الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ. وَإِنْ عَلَّقَ يَمِينَهُ عَلَى عَدَمِ فِعْلٍ مُسْتَحِيلٍ. سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَحِيلًا لِذَاتِهِ، أَوْ فِي الْعَادَةِ، نَحْوُ (وَاَللَّهِ لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ) أَوْ (إنْ لَمْ أَصْعَدْ) أَوْ (لَا شَرِبْت مَاءَ الْكُوزِ) وَلَا مَاءَ فِيهِ. أَوْ (إنْ لَمْ أَشْرَبْهُ) أَوْ (لَأَقْتُلَنَّهُ) فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ، عَلِمَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. وَنَحْوَ ذَلِكَ. فَفِيهِ طَرِيقَانِ.
أَحَدُهُمَا: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. كَالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ عَلَى ذَلِكَ. أَحَدُهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْهَا تَنْعَقِدُ. وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. ذَكَرُوهُ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ.
وَالثَّانِي: لَا تَنْعَقِدُ. وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
وَالثَّالِثُ: لَا تَنْعَقِدُ فِي الْمُسْتَحِيلِ لِذَاتِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيهِ. وَتَنْعَقِدُ فِي الْمُسْتَحِيلِ عَادَةً فِي آخِرِ حَيَاتِهِ. وَقِيلَ: إنْ وَقَّتَهُ فَفِي آخِرِ وَقْتِهِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ اتِّفَاقًا فِي الطَّلَاقِ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَأَطْلَقَ الطَّرِيقِينَ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ.
وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: أَنَّ حُكْمَ الْيَمِينِ بِذَلِكَ حُكْمُ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ فِي الْمُسْتَحِيلِ عَقْلًا: كَقَتْلِ الْمَيِّتِ وَإِحْيَائِهِ، وَشُرْبِ مَاءِ الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ. وَلَا تَجِبُ بِهَا كَفَّارَةٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: تَنْعَقِدُ مُوجِبَةً لِلْكَفَّارَةِ فِي الْحَالِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فِي الْمُسْتَحِيلِ عَادَةً، كَصُعُودِ السَّمَاءِ، وَالطَّيَرَانِ، وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ فِي الْمُدَّةِ الْقَلِيلَةِ إذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ: انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ، وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ. وَاقْتَصَرَا عَلَيْهِ. انْتَهَيَا
قَوْلُهُ (وَالثَّانِي: لَغْوُ الْيَمِينِ. وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ. فَيَبِينُ بِخِلَافِهِ، فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَلَيْسَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ عَلَى مَا يَأْتِي.
فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ: وَإِنْ عَقَدَهَا يَظُنُّ صِدْقَ نَفْسِهِ. فَبَانَ بِخِلَافِهِ: فَهُوَ كَمَنْ حَلَفَ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ وَفَعَلَهُ نَاسِيًا. [قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: مَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. أَمَّا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ: فَيَحْنَثُ جَزْمًا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: الْخِلَافُ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي الْجَمِيعِ.
وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ: وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ فِيمَا إذَا عَقَدَهَا يَظُنُّ صِدْقَ نَفْسِهِ. فَبَانَ بِخِلَافِهِ بِحِنْثِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: هَذَا ذُهُولٌ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُحَنِّثَانِ النَّاسِيَ وَلَا يُحَنِّثَانِ هَذَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ. وَهَذِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ] .
وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ، وَالْيَمِينُ الْمُكَفَّرَةُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ، فِيمَا إذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ وَفَعَلَهُ نَاسِيًا: أَنَّ الْمَذْهَبَ الْحِنْثُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. وَعَدَمُهُ فِي غَيْرِهِمَا. فَكَذَا هُنَا، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا حَلَفَ يَظُنُّ صِدْقَ نَفْسِهِ، فَبَانَ بِخِلَافِهِ: يَحْنَثُ فِي طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ. وَلَا يَحْنَثُ فِي غَيْرِهِمَا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ: وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ بِحِنْثِهِ هُنَا فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ. زَادَ فِي التَّبْصِرَةِ مِثْلَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ بَعْدَهَا: وَكُلُّ يَمِينٍ، مُكَفَّرَةٍ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: حَتَّى عِتْقٍ وَطَلَاقٍ. وَهَلْ فِيهِمَا لَغْوٌ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ مَا سَبَقَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله عَنْ قَوْلِ مَنْ قَطَعَ بِحِنْثِهِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ هُنَا: هُوَ ذُهُولٌ. بَلْ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ لْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَكَذَا لَوْ عَقَدَهَا فِي زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ ظَانًّا صِدْقَهُ، فَلَمْ يَكُنْ. كَمَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ يَظُنُّ أَنَّهُ يُطِيعُهُ، فَلَمْ يَفْعَلْ، أَوْ ظَنَّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ خِلَافَ نِيَّةِ الْحَالِفِ. وَنَحْوَ ذَلِكَ
وَقَالَ: إنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. كَمَنْ ظَنَّ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً فَطَلَّقَهَا. فَبَانَتْ امْرَأَتُهُ، وَنَحْوُهَا مِمَّا يَتَعَارَضُ فِيهِ التَّعْيِينُ الظَّاهِرُ وَالْقَصْدُ. فَلَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِطَلَاقٍ ثَلَاثٍ. ثُمَّ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ) مُقِرًّا بِهَا، أَوْ مُؤَكِّدًا لَهُ لَمْ يَقَعْ. وَإِنْ كَانَ مُنْشِئًا: فَقَدْ أَوْقَعَهُ بِمَنْ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً فَفِيهَا الْخِلَافُ. انْتَهَى. وَمِثْلُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ بِحَلِفِهِ: أَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ زَيْدٌ. وَمَا كَانَ كَذَا، وَكَانَ كَذَا فَكَمَنْ فَعَلَ مُسْتَقْبَلًا نَاسِيًا.
قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنْ يَحْلِفَ مُخْتَارًا. فَإِنْ حَلَفَ مُكْرَهًا: لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْمَنْصُورُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: تَنْعَقِدُ. ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ. نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّارِحُ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْحَلِفِ بِيَمِينٍ لِحَقِّ نَفْسِهِ. فَحَلَفَ دَفْعًا لِلظُّلْمِ عَنْهُ: لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ. وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْحَلِفِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ غَيْرِهِ. فَحَلَفَ: انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ. وَفِي الْفَتَاوَى الرَّجَبِيَّاتِ: عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ لَا تَنْعَقِدُ. وَهُوَ الْأَظْهَرُ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ (وَإِنْ سَبَقَتْ الْيَمِينُ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهَا كَقَوْلِهِ) : (لَا وَاَللَّهِ) وَ (بَلَى وَاَللَّهِ) فِي عَرْضِ حَدِيثِهِ (: فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) .
هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَلَا كَفَّارَةَ فِي الْأَشْهَرِ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ مُطْلَقًا. وَعَنْهُ: لَا كَفَّارَةَ فِي الْمَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: فَلَا كَفَّارَةَ فِي الْأَشْهَرِ. وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ: لَا كَفَّارَةَ فِيهِ إنْ كَانَ فِي الْمَاضِي. وَإِنْ كَانَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ: فَرِوَايَتَانِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ، بَلْ لَغْوُ الْيَمِينِ: أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ، فَيَبِينُ بِخِلَافِهِ. كَمَا قَالَهُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ هَذَا لَغْوُ الْيَمِينِ فَقَطْ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْعُمْدَةِ. مَعَ أَنَّ كَلَامَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَشْمَلَ الشَّيْئَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَقِيلَ: كِلَاهُمَا لَغْوُ الْيَمِينِ. وَقَطَعَ الشَّارِحُ: أَنَّ قَوْلَهُ (لَا وَاَللَّهِ) وَ (بَلَى وَاَللَّهِ) فِي عَرْضِ حَدِيثِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ: مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ.
وَقَدَّمَ فِيمَا إذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ، فَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ: أَنَّهُ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ أَيْضًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْخِرَقِيُّ يَجْعَلُ لَغْوَ الْيَمِينِ شَيْئَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَقْصِدَ عَقْدَ الْيَمِينِ. كَقَوْلِهِ (لَا وَاَللَّهِ) وَ (بَلَى وَاَللَّهِ) وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَاضِي أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ، فَيَبِينَ بِخِلَافِهِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِ. وَهِيَ فِي الْجُمْلَةِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَالْقَاضِي يَجْعَلُ الْمَاضِيَ لَغْوًا، قَوْلًا وَاحِدًا. وَفِي سَبْقِ اللِّسَانِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ رِوَايَتَيْنِ. وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَكْسُهُ. فَجَعَلَ سَبْقَ اللِّسَانِ لَغْوًا، قَوْلًا وَاحِدًا. وَفِي الْمَاضِي. رِوَايَتَانِ.
وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يَحْكِي رِوَايَتَيْنِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَيَجْعَلُ اللَّغْوَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ هَذَا دُونَ هَذَا. وَفِي الْأُخْرَى عَكْسُهُ. وَجَمَعَ أَبُو الْبَرَكَاتِ بَيْنَ طَرِيقَتَيْ الْقَاضِي وَأَبِي مُحَمَّدٍ. فَحَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ. فَإِذَا سَبَقَ عَلَى لِسَانِهِ فِي الْمَاضِي (لَا وَاَللَّهِ) وَ (بَلَى وَاَللَّهِ) فِي الْيَمِينِ. مُعْتَقِدًا أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ: فَهُوَ لَغْوٌ اتِّفَاقًا. وَإِنْ سَبَقَ عَلَى لِسَانِهِ الْيَمِينُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَوْ تَعَمَّدَ الْيَمِينَ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ: فَثَلَاثُ رِوَايَاتٍ. كِلَاهُمَا لَغْوٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ: الْحِنْثُ فِي الْمَاضِي دُونَ مَا سَبَقَ عَلَى لِسَانِهِ، وَعَكْسُهُ. وَقَدْ تَلَخَّصَ فِي الْمَسْأَلَةِ خَمْسُ طُرُقٍ.
وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا فِي الْجُمْلَةِ: قَوْلُ الْخِرَقِيِّ. انْتَهَى
تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: الْحِنْثُ فِي يَمِينِهِ، بِأَنْ يَفْعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، أَوْ يَتْرُكَ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ، مُخْتَارًا ذَاكِرًا) مَا لَوْ كَانَ فِعْلُهُ مَعْصِيَةً، أَوْ غَيْرَهَا. فَلَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ مَعْصِيَةٍ، فَلَمْ يَفْعَلْهَا: فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا قَوْلُ الْعَامَّةِ. وَقِيلَ: لَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ. وَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا) تَحْرِيمُ فِعْلِهِ. وَأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ مَعَ فِعْلِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ، وَفُرُوعٌ أُخَرُ
قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَهُ مُكْرَهًا، أَوْ نَاسِيًا: فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) إذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَفَعَلَهُ مُكْرَهًا: فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. لِعَدَمِ إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ بِخِلَافِ النَّاسِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْمَنْصُورُ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَقِيلَ: هُوَ كَالنَّاسِي. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا.
قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَحْنَثَ إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ. وَقَالَ الشَّارِحُ: وَالْمُكْرَهُ عَلَى الْفِعْلِ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يُلْجَأَ إلَيْهِ، مِثْلُ: مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، فَحُمِلَ فَأُدْخِلَهَا. أَوْ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا. فَأُخْرِجَ مَحْمُولًا. وَلَمْ يُمْكِنْهُ الِامْتِنَاعُ: فَلَا يَحْنَثُ. الثَّانِي: أَنْ يُكْرَهَ بِالضَّرْبِ، وَالتَّهْدِيدِ، وَالْقَتْلِ، وَنَحْوِهِ. فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فِيهِ رِوَايَتَانِ كَالنَّاسِي. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فِي الْمُكْرَهِ بِغَيْرِ الْإِلْجَاءِ رِوَايَتَانِ. وَاَلَّذِي نَصَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَدَمُ الْحِنْثِ. وَإِنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِالْإِلْجَاءِ: لَمْ يَحْنَثْ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِامْتِنَاعِ. وَإِنْ قَدَرَ فَوَجْهَانِ: الْحِنْثُ، وَعَدَمُهُ. وَأَمَّا إذَا فَعَلَهُ نَاسِيًا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ شُيُوخِنَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَذَكَرَهُ الْمُذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
وَعَنْهُ: لَا حِنْثَ بِفِعْلِهِ نَاسِيًا. وَيَمِينُهُ بَاقِيَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا أَظْهَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَهُوَ فِي الْإِرْشَادِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ (كِتَابِ الْأَيْمَانِ) . وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَقَالَ: إنَّ رُوَاتَهَا بِقَدْرِ رِوَايَةِ التَّفَرُّقِ، وَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله جَعَلَهُ حَالِفًا، لَا مُعَلِّقًا. وَالْحِنْثُ لَا يُوجِبُ وُقُوعَ الْمَحْلُوفِ بِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ الْأَصْحَابُ: يَمِينُهُ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ (بَابِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ) فِي فَصْلِ: مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ
فَائِدَةٌ: حُكْمُ الْجَاهِلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حُكْمُ النَّاسِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَالْفَاعِلُ فِي حَالَةِ الْجُنُونِ، قِيلَ: كَالنَّاسِي. وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ حِنْثِهِ مُطْلَقًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ)(حَلَفَ، فَقَالَ)(إنْ شَاءَ اللَّهُ)(لَمْ يَحْنَثْ، فَعَلَ أَوْ تَرَكَ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ) . يَعْنِي بِذَلِكَ فِي الْيَمِينِ الْمُكَفَّرَةِ، كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَالنَّذْرِ وَالظِّهَارِ. وَنَحْوِهِ لَا غَيْرُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَأُصُولِ ابْنِ مُفْلِحٍ.
وَقَالَ: عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. وَقَالَ: وَيُشْتَرَطُ الِاتِّصَالُ لَفْظًا أَوْ حُكْمًا، كَانْقِطَاعِهِ بِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ وَنَحْوِهِ. وَعَنْهُ: لَا يَحْنَثُ إذَا قَالَ (إنْ شَاءَ اللَّهُ) مَعَ فَصْلٍ يَسِيرٍ. وَلَمْ يَتَكَلَّمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَعَنْهُ: لَا يَحْنَثُ إذَا اسْتَثْنَى فِي الْمَجْلِسِ. وَهُوَ فِي الْإِرْشَادِ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا. قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: وَلَوْ تَكَلَّمَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَمَنْ حَلَفَ قَائِلًا (إنْ شَاءَ اللَّهُ) قَصْدًا، فَخَالَفَ: لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ قَالَهَا فِي الْمَجْلِسِ: فَرِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَمَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ. وَقَالَ مَعَهَا (إنْ شَاءَ اللَّهُ) مَعَ قَصْدِهِ لَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا بِكَلَامٍ آخَرَ، أَوْ سُكُوتٍ يُمْكِنُهُ الْكَلَامُ فِيهِ، فَخَالَفَ: لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ قَالَهَا فِي الْمَجْلِسِ: فَرِوَايَتَانِ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ إلْحَاقُهُ بِهَا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ. انْتَهَى. فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي: أَنَّ رَدَّهُ إلَى يَمِينِهِ لَمْ يَنْفَعُهُ لِوُقُوعِهَا وَتَبَيُّنِ مَشِيئَةِ اللَّهِ. وَاحْتَجَّ بِهِ الْمُوقِعُ فِي (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ) . قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَمَشِيئَةِ اللَّهِ تَحْقِيقُ مَذْهَبِنَا: أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى إيجَادِ فِعْلٍ أَوْ تَرْكِهِ. فَالْمَشِيئَةُ مُتَعَلِّقَةٌ عَلَى الْفِعْلِ. فَإِذَا وُجِدَ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ شَاءَهُ وَإِلَّا فَلَا. وَفِي الطَّلَاقِ: الْمَشِيئَةُ انْطَبَقَتْ عَلَى اللَّفْظِ بِحُكْمِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ وَهُوَ الْوُقُوعُ. الثَّانِيَةُ: يُعْتَبَرُ نُطْقُهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ. إلَّا مِنْ خَائِفٍ. نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله.
وَلَمْ يَقُلْ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: خَائِفٌ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَصْدُ الِاسْتِثْنَاءِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَجَمَاعَةٍ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا. وَبَنَاهُ عَلَى أَنَّ لَغْوَ الْيَمِينِ عِنْدَنَا صَحِيحٌ. وَهُوَ مَا كَانَ عَلَى الْمَاضِي. وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَلَوْ أَرَادَ تَحْقِيقًا لِإِرَادَتِهِ وَنَحْوِهِ، لِعُمُومِ الْمَشِيئَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُعْتَبَرُ قَصْدُ الِاسْتِثْنَاءِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي وَأَبُو الْبَرَكَاتِ وَغَيْرُهُمَا، مَعَ فَصْلِ الِاتِّصَالِ: أَنْ يَنْوِيَ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ تَمَامِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. وَظَاهِرُ بَحْثِ أَبِي مُحَمَّدٍ: أَنَّ الْمُشْتَرَطَ قَصْدُ الِاسْتِثْنَاءِ فَقَطْ. حَتَّى لَوْ نَوَى عِنْدَ تَمَامِ يَمِينِهِ: صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ. قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهًا: اعْتِبَارُ قَصْدِ الِاسْتِثْنَاءِ أَوَّلَ الْكَلَامِ. فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ حَلَفَ وَقَالَ (إنْ أَرَادَ اللَّهُ) وَقَصَدَ بِالْإِرَادَةِ الْمَشِيئَةَ. لَا إنْ أَرَادَ مَحَبَّتَهُ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله.
الثَّانِيَةُ: لَوْ شَكَّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ: فَالْأَصْلُ عَدَمُهُ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: الْأَصْلُ عَدَمُهُ مِمَّنْ عَادَتُهُ الِاسْتِثْنَاءُ. وَاحْتَجَّ بِالْمُسْتَحَاضَةِ، تَعْمَلُ بِالْعَادَةِ وَالتَّمْيِيزِ. وَلَمْ تَجْلِسْ أَقَلَّ الْحَيْضِ. وَالْأَصْلُ وُجُوبُ الْعِبَادَةِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا: اُسْتُحِبَّ لَهُ الْحِنْثُ وَالتَّكْفِيرُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّ بِرَّهُ وَإِقَامَتَهُ عَلَى يَمِينِهِ أَوْلَى. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ، مُصَادِمٌ لِلْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ.
فَائِدَةٌ: يَحْرُمُ الْحِنْثُ إنْ كَانَ مَعْصِيَةً. بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا حَرَامًا، أَوْ مُحَرَّمًا: وَجَبَ أَنْ يَحْنَثَ وَيُكَفِّرَ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. وَإِنْ فَعَلَهُ أَثِمَ بِلَا كَفَّارَةٍ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَقِيلَ: بَلَى، وَلَا يَجُوزُ تَكْفِيرُهُ قَبْلَ حِنْثِهِ الْمُحَرَّمِ. عَلَى مَا يَأْتِي. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: بَلَى. وَالْبِرُّ فِي النَّدْبِ أَوْلَى. وَكَذَا الْحِنْثُ فِي الْمَكْرُوهِ مَعَ الْكَفَّارَةِ. يَتَخَيَّرُ فِي الْمُبَاحِ قَبْلَهَا. وَحِفْظُ الْيَمِينِ أَوْلَى. قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. قَالَ النَّاظِمُ:
وَلَا نَدْبَ فِي الْإِيلَاءِ لَيَفْعَلَ طَاعَةً
…
وَلَا تَرْكِ عِصْيَانٍ عَلَى الْمُتَجَوِّدِ
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله وَلَوْ حَلَفَ (لَا يَغْدِرُ) كَفَّرَ لِلْقَسَمِ، لَا لِغَدْرِهِ، مَعَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَرْفَعُ إثْمَهُ
قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ الْحَلِفِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ حَلِفِهِ. فَقِيلَ: يُكْرَهُ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يُكْثِرُ الْحَلِفَ. فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ لَا يَبْلُغَ حَدَّ الْإِفْرَاطِ. فَإِنْ بَلَغَ ذَلِكَ كُرِهَ قَطْعًا
قَوْلُهُ (وَإِذَا دُعِيَ إلَى الْحَلِفِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَهُوَ مُحِقٌّ: اُسْتُحِبَّ لَهُ افْتِدَاءُ يَمِينِهِ. فَإِنْ حَلَفَ: فَلَا بَأْسَ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَالْأَوْلَى افْتِدَاءُ يَمِينِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ حَلِفُهُ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، قَالَ أَصْحَابُنَا: تَرْكُهُ أَوْلَى. فَيَكُونُ مَكْرُوهًا. انْتَهَى. وَقِيلَ: يُبَاحُ. وَنَقَلَهُ حَنْبَلٌ كَعِنْدِ غَيْرِ الْحَاكِمِ. وَأَطْلَقَهُمَا شَارِحُ الْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ يُسْتَحَبُّ لِمَصْلَحَةٍ. كَزِيَادَةِ طُمَأْنِينَةٍ، وَتَوْكِيدِ الْأَمْرِ وَغَيْرِهِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لِعُمَرَ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ «وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتهَا» تَطْيِيبًا مِنْهُ لِقَلْبِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله فِي الْهَدْيِ، عَنْ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ: فِيهَا جَوَازُ الْحَلِفِ.
بَلْ اسْتِحْبَابُهُ، عَلَى الْخَيْرِ الدِّينِيِّ الَّذِي يُرِيدُ تَأْكِيدَهُ. وَقَدْ حُفِظَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْحَلِفُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ مَوْضِعًا. وَأَمَرَهُ اللَّهُ بِالْحَلِفِ عَلَى تَصْدِيقِ مَا أَخْبَرَ بِهِ فِي ثَلَاثِ مَوَاضِعَ مِنْ الْقُرْآنِ. فِي سُورَةِ يُونُسَ، وَسَبَأٍ، وَالتَّغَابُنِ
قَوْلُهُ (وَإِنْ حَرَّمَ أَمَتَهُ، أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحَلَالِ غَيْرِ زَوْجَتِهِ كَالطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَغَيْرِهِمَا أَوْ قَالَ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ لَا زَوْجَةَ لَهُ: لَمْ تَحْرُمْ. وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إنْ فَعَلَهُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْرُمَ تَحْرِيمًا تُزِيلُهُ الْكَفَّارَةُ) . وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَتَقَدَّمَ (إذَا حَرَّمَ زَوْجَتَهُ) فِي (بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ) فَلْيُعَاوَدْ. فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ، نَحْوِ " إنْ أَكَلْته، فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ ". جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِ. وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَكَذَا " طَعَامِي عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ ". قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَإِنْ قَالَ (هَذَا الطَّعَامُ عَلَيَّ حَرَامٌ) فَهُوَ كَالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِهِ.
الثَّانِيَةُ: لَا يُغَيِّرُ الْيَمِينُ حُكْمَ الْمَحْلُوفِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يَحْرُمُ حِنْثُهُ وَقَصْدُهُ، لَا الْمَحْلُوفُ فِي نَفْسِهِ، وَلَا مَا رَآهُ خَيْرًا وَقَالَ فِي الْإِفْصَاحِ: يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالطَّاعَةِ. وَأَنَّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: لَا يَجُوزُ عُدُولُ الْقَادِرِ إلَى الْكَفَّارَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهَا تُوجِبُ إيجَابًا، أَوْ تُحَرِّمُ تَحْرِيمًا لَا تَرْفَعُهُ الْكَفَّارَةُ. قَالَ: وَالْعُقُودُ وَالْعُهُودُ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى أَوْ مُتَّفِقَةٌ. فَإِذَا قَالَ " أُعَاهِدُ اللَّهَ أَنِّي أَحُجُّ الْعَامَ " فَهُوَ نَذْرٌ وَعَهْدٌ وَيَمِينٌ. وَلَوْ قَالَ " أُعَاهِدُ اللَّهَ أَنْ لَا أُكَلِّمَ زَيْدًا " فَيَمِينٌ وَعَهْدٌ لَا نَذْرٌ. فَالْأَيْمَانُ إنْ تَضَمَّنَتْ مَعْنَى النَّذْرِ وَهُوَ أَنْ يَلْتَزِمَ لِلَّهِ قُرْبَةً لَزِمَهُ الْوَفَاءُ. وَهِيَ عَقْدٌ وَعَهْدٌ، وَمُعَاهَدَةٌ لِلَّهِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ لِلَّهِ مَا يَطْلُبُهُ اللَّهُ مِنْهُ. وَإِنْ تَضَمَّنَتْ مَعْنَى الْعُقُودِ الَّتِي بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ أَنْ يَلْتَزِمَ كُلٌّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِلْآخَرِ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَمُعَاقَدَةٌ وَمُعَاهَدَةٌ، يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا. ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَقْدُ لَازِمًا: لَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا: خُيِّرَ وَلَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ لِعِظَمِهِ. وَلَوْ حَلَفَ (لَا يَغْدِرُ) كَفَّرَ لِلْقَسَمِ لَا لِغَدْرِهِ، مَعَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَرْفَعُ إثْمَهُ، بَلْ يَتَقَرَّبُ بِالطَّاعَاتِ. انْتَهَى
قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ، أَوْ كَافِرٌ، أَوْ مَجُوسِيٌّ، أَوْ هُوَ يَعْبُدُ الصَّلِيبَ، أَوْ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ، أَوْ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ مِنْ الْإِسْلَامِ، أَوْ الْقُرْآنِ، أَوْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا) بِلَا نِزَاعٍ (وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ إنْ فَعَلَ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. سَوَاءٌ كَانَ مُنْجَزًا أَوْ مُعَلَّقًا. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله وَاخْتِيَارُ جُمْهُورِ
الْأَصْحَابِ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَهُ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْآخَرُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالنَّاظِمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَنَقَلَ حَرْبٌ التَّوَقُّفَ.
فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا لَوْ قَالَ " أَكْفُرُ بِاَللَّهِ " أَوْ " لَا يَرَاهُ اللَّهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا، إنْ فَعَلَ كَذَا " فَفَعَلَهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ " لَا يَرَاهُ اللَّهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا ". وَقَالَ الْقَاضِي، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمَا: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَحَكَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، عَنْ جَدِّهِ الْمَجْدِ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا حَلَفَ بِالْإِلْزَامَاتِ كَالْكُفْرِ، وَالْيَمِينِ بِالْحَجِّ وَالصِّيَامِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْإِلْزَامَاتِ: كَانَتْ يَمِينُهُ غَمُوسًا، وَيَلْزَمُهُ الْحَلِفُ عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ فِي طَبَقَاتِ ابْنِ رَجَبٍ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ (وَالطَّاغُوتِ لَأَفْعَلَنَّهُ) لِتَعْظِيمِهِ لَهُ. مَعْنَاهُ عَظَّمْتُهُ إنْ فَعَلْته، وَفَعَلَهُ: لَمْ يَكْفُرْ، وَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ، بِخِلَافِ " هُوَ فَاسِقٌ إنْ فَعَلَهُ " لِإِبَاحَتِهِ فِي حَالٍ
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَسْتَحِلُّ الزِّنَا، أَوْ نَحْوَهُ) . كَقَوْلِهِ " أَنَا أَسْتَحِلُّ شُرْبَ الْخَمْرِ وَأَكْلَ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَأَسْتَحِلُّ تَرْكَ الصَّلَاةِ أَوْ الزَّكَاةِ، أَوْ الصِّيَامِ " فَعَلَى وَجْهَيْنِ. بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَقَدْ عَلِمْت الْمَذْهَبَ مِنْهُمَا. وَأَجْرَى فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: الرِّوَايَتَيْنِ فِي ذَلِكَ. وَهُمَا مُخَرَّجَتَانِ
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " عَصَيْت اللَّهَ " أَوْ " أَنَا أَعْصِي اللَّهَ فِي كُلِّ مَا أَمَرَنِي بِهِ " أَوْ " مَحَوْت الْمُصْحَفَ إنْ فَعَلَ " فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَجْرَى ابْنُ عَقِيلٍ الرِّوَايَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ " مَحَوْت الْمُصْحَفَ " لِإِسْقَاطِهِ حُرْمَتَهُ، وَ " عَصَيْت اللَّهَ فِي كُلِّ مَا أَمَرَنِي بِهِ ". وَاخْتَارَ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فِي قَوْلِهِ " مَحَوْت الْمُصْحَفَ ". وَاخْتَارَ فِي الْمُحَرَّرِ فِي قَوْلِهِ " مَحَوْت الْمُصْحَفَ، وَعَصَيْت اللَّهَ فِي كُلِّ مَا أَمَرَنِي بِهِ ": أَنَّهُ يَمِينٌ، يَلْزَمُهُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ إنْ حَنِثَ، لِدُخُولِ التَّوْحِيدِ فِيهِ.
فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ " لَعَمْرِي لَأَفْعَلَنَّ " أَوْ " لَا فَعَلْت " أَوْ " قَطَعَ اللَّهُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ " أَوْ " أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ " فَهُوَ لَغْوٌ. نَصَّ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ إبْرَارُ الْقَسَمِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَإِجَابَةِ سُؤَالٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: إنَّمَا تَجِبُ عَلَى مُعَيَّنٍ. فَلَا تَجِبُ إجَابَةُ سَائِلٍ. يُقْسِمُ عَلَى النَّاسِ. انْتَهَى
الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ " بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا " فَيَمِينٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: هِيَ يَمِينٌ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ. وَ (أَسْأَلُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ) يَعْمَلُ بِنِيَّتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي إطْلَاقِهِ وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْحَالِفِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَحُكِيَ عَنْهُ: أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الَّذِي حَنَّثَهُ. حَكَاهُ سُلَيْمٌ الشَّافِعِيُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَرُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم مَا يَدُلُّ عَلَى إجَابَةِ مَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ وَذَكَرَهُ
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " عَبْدُ فُلَانٍ حُرٌّ لَأَفْعَلَنَّ " فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) . وَكَذَا قَوْلُهُ " مَالُ فُلَانٍ صَدَقَةٌ وَنَحْوُهُ لَأَفْعَلَنَّ " وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ إنْ حَنِثَ. كَنَذْرِ الْمَعْصِيَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي: فَهِيَ يَمِينٌ رَتَّبَهَا الْحَجَّاجُ) قَالَ ابْنُ بَطَّةَ: وَرَتَّبَهَا أَيْضًا الْمُعْتَمِدُ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْخُلَفَاءِ الْعَبَّاسِيِّينَ لِأَخِيهِ الْمُوَفَّقِ بِاَللَّهِ، لَمَّا جَعَلَهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ. (تَشْتَمِلُ عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَصَدَقَةِ الْمَالِ) . لَا تَشْمَلُ أَيْمَانَ الْبَيْعَةِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: وَتَشْتَمِلُ أَيْضًا عَلَى الْحَجِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالنَّظْمِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ يَعْرِفُهَا، وَنَوَاهَا: انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ بِمَا فِيهَا، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) . إذَا كَانَ يَعْرِفُهَا الْحَالِفُ وَنَوَاهَا: انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ بِمَا فِيهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ بِحَالٍ إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ عَلِمَهَا لَزِمَهُ عِتْقٌ وَطَلَاقٌ. وَقِيلَ: تَنْعَقِدُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالصَّدَقَةِ، وَلَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَوْلُهُ (وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) يَعْنِي: إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا، بِأَنْ كَانَ يَجْهَلُهَا وَلَمْ يَنْوِهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. أَوْمَأَ إلَيْهِ الْخِرَقِيُّ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ.
وَفِيهِ وَجْهٌ: يَلْزَمُهُ مُوجَبُهَا، نَوَاهَا أَوْ لَمْ يَنْوِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ، وَقَالَ: لِأَنَّ مِنْ أَصْلِنَا وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْكِتَابَةِ بِالْخَطِّ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ. نَقَلَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَإِنْ نَوَاهَا وَجَهِلَهَا: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ بِمَا فِيهَا إذَا نَوَاهَا جَاهِلًا لَهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَوَائِدُ
الْأُولَى: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَقَدْ تَوَقَّفَ شُيُوخُنَا الْقُدَمَاءُ عَنْ الْجَوَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فَقَالَ ابْنُ بَطَّةَ: كُنْت عِنْدَ الْخِرَقِيِّ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَمَّنْ قَالَ " أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي "؟ فَقَالَ: لَسْت أُفْتِي فِيهَا بِشَيْءٍ، وَلَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْ شُيُوخِنَا أَفْتَى فِي هَذِهِ الْيَمِينِ. وَكَانَ أَبِي يَعْنِي الْحُسَيْنَ الْخِرَقِيَّ يَهَابُ الْكَلَامَ فِيهَا. ثُمَّ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ الْحَالِفُ بِهَا بِجَمِيعِ مَا فِيهَا مِنْ الْأَيْمَانِ. فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: عَرَفَهَا أَوْ لَمْ يَعْرِفْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. عَرَفَهَا أَوْ لَمْ يَعْرِفْهَا. انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا قَالَ " أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي " إنْ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْأَيْمَانِ الْمُتَرَتِّبَةِ الْمَذْكُورَةِ: كَانَ لَاغِيًا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ نَوَى بِذَلِكَ الْأَيْمَانَ انْعَقَدَتْ
الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي إنْ فَعَلْت ذَلِكَ " وَفَعَلَهُ. لَزِمْته يَمِينُ الظِّهَارِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ. إذَا نَوَى ذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
وَيَلْزَمُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَقِيَاسُ الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي يَمِينِ الْبَيْعَةِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ حَتَّى يَنْوِيَهُ وَيَلْتَزِمَهُ، أَوْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى يَعْلَمَهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَغَيْرِهَا: ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَأَلْزَمَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ الْحَالِفَ بِكُلِّ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا تَشْمَلُ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ نَوَى. قَالَ الْمَجْدُ: ذَكَرَ الْقَاضِي الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَالنَّذْرُ: مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِنَا بِعَدَمِ تَدَاخُلِ كَفَّارَتِهِمَا. فَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا بِالتَّدَاخُلِ: فَيُجْزِئُهُ لَهُمَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْقَوَاعِدِ
الثَّالِثَةُ: لَوْ حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ. فَقَالَ لَهُ آخَرُ " يَمِينِي مَعَ يَمِينِك " أَوْ " أَنَا عَلَى مِثْلِ يَمِينِك " يُرِيدُ الْتِزَامَ مِثْلِ يَمِينِهِ: لَزِمَهُ ذَلِكَ، إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُهَا. قَالَهُ الْقَاضِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي.
وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ حُكْمُهَا. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ يَمِينٍ مُكَفَّرَةٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَكَذَا قَوْلُهُ " أَنَا مَعَك " يَنْوِي فِي يَمِينِهِ. انْتَهَى. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا: لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " عَلَيَّ نَذْرٌ، أَوْ يَمِينٌ إنْ فَعَلْت كَذَا " وَفَعَلَهُ. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: فِي قَوْلِهِ " عَلَيَّ يَمِينٌ " يَكُونُ يَمِينًا بِالنِّيَّةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْكُبْرَى. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا مُطْلَقًا. فَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي: وَإِنْ قَالَ " عَلَيَّ يَمِينٌ " وَنَوَى الْخَبَرَ: فَلَيْسَ بِيَمِينٍ. عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ نَوَى الْقَسَمَ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هِيَ يَمِينٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لَيْسَ بِيَمِينٍ. وَهَذَا أَصَحُّ. وَجَزَمَ بِهَذَا الْأَخِيرِ فِي الْكَافِي.
وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ تَخْرِيجُ: إنْ أَرَادَ إنْ فَعَلْت كَذَا وَفَعَلَهُ، وَتَخْرِيجُ لَأَفْعَلَنَّ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَهَذِهِ لَامُ الْقَسَمِ، فَلَا تُذْكَرُ إلَّا مَعَهُ مُظْهَرًا أَوْ مُقَدَّرًا. وَتَقَدَّمَ إذَا قَالَ " قَسَمًا بِاَللَّهِ " أَوْ " أَلِيَّةً بِاَللَّهِ ". فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا قَالَ " حَلَفْت " وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ. فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: هِيَ كَذْبَةٌ. لَيْسَ عَلَيْهِ يَمِينٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّارِحِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ. فِي " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ ". الثَّانِيَةُ: تَقَدَّمَ انْعِقَادُ يَمِينِ الْكَافِرِ. وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ بِمَا يُكَفِّرُ بِهِ.
وَقَوْلُهُ (فَصْلٌ: فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَهِيَ تَجْمَعُ تَخْيِيرًا وَتَرْتِيبًا. فَيُخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) . وَسَوَاءٌ كَانَ جِنْسًا أَوْ أَكْثَرَ. (أَوْ كِسْوَتِهِمْ) وَيَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ بَعْضًا وَيَكْسُوَ بَعْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ
وَفِيهِ قَوْلٌ قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، كَبَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ مِنْ جِنْسَيْنِ. وَكَعِتْقٍ مَعَ غَيْرِهِ، أَوْ إطْعَامٍ وَصَوْمٍ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا يُجْزِئُ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ، فِي " بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ ". قَوْلُهُ (وَالْكِسْوَةُ لِلرَّجُلِ: ثَوْبٌ يُجْزِئُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ. وَلِلْمَرْأَةِ: دِرْعٌ وَخِمَارٌ) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ الْكِسْوَةِ مَا يُجْزِئُ صَلَاةَ الْآخِذِ فِيهِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: مَا يُجْزِئُ صَلَاةَ الْفَرْضِ فِيهِ. وَكَذَا نَقَلَ حَرْبٌ: يَجُوزُ فِيهِ الْفَرْضُ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: إجْزَاءُ مَا يُسَمَّى كِسْوَةً. وَلَوْ كَانَ عَتِيقًا. وَهُوَ صَحِيحٌ، إذَا لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: يُجْزِئُ الْحَرِيرُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُجْزِئُ مَا يَجُوزُ لِلْآخِذِ لُبْسُهُ.
فَائِدَةٌ: لَوْ أَطْعَمَ خَمْسَةً، وَكَسَا خَمْسَةً: أَجْزَأَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَخَرَّجَ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ كَإِعْطَائِهِ فِي الْجُبْرَانِ شَاةً وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا. وَلَوْ أَطْعَمَهُ بَعْضَ الطَّعَامِ، وَكَسَاهُ بَعْضَ الْكِسْوَةِ: لَمْ يُجْزِئْهُ. وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ، وَأَطْعَمَ خَمْسَةَ مَسَاكِينَ، أَوْ كَسَاهُمْ: لَمْ يُجْزِئْهُ.
وَلَوْ أَتَى بِبَعْضِ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ عَجَزَ عَنْ تَمَامِهِ. فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ: لَيْسَ لَهُ التَّتْمِيمُ بِالصَّوْمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ بِذَلِكَ كَمَا فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ مَعَ التَّيَمُّمِ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ. وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَتَقَدَّمَ فِي الظِّهَارِ " إذَا أَعْتَقَ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ ". قَوْلُهُ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) . لَا يَنْتَقِلُ إلَى الصَّوْمِ إلَّا إذَا عَجَزَ عَجْزًا كَعَجْزِهِ عَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: كَعَجْزِهِ عَنْ الرَّقَبَةِ فِي الظِّهَارِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الشَّرْحِ. وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَيْضًا: هَلْ الِاعْتِبَارُ فِي الْكَفَّارَةِ بِحَالَةِ الْوُجُوبِ، أَوْ بِأَغْلَظِ الْأَحْوَالِ؟ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (مُتَتَابِعَةٍ) . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: وُجُوبُ التَّتَابُعِ فِي الصِّيَامِ إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ.
وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَهُ تَفْرِيقُهَا.
فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبًا، وَيَقْدِرُ عَلَى الشِّرَاءِ بِنَسِيئَةٍ: لَمْ يُجْزِئْهُ الصَّوْمُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ فِعْلُ الصَّوْمِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الظِّهَارِ. وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الشِّرَاءِ مَعَ غَيْبَةِ مَالِهِ: أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ. قَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَمُخْتَارُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ. حَتَّى إنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ، وَأَبَا الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيَّ وَغَيْرَهُمْ: جَزَمُوا بِذَلِكَ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ مُسْتَوْفًى فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ. وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ " إذَا شَرَعَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْعِتْقِ، هَلْ يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ. أَمْ لَا؟ "
قَوْلُهُ (إنْ شَاءَ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَإِنْ شَاءَ بَعْدَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ.
وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ عَلَى رِوَايَةٍ حِنْثُهُ بِعَزْمِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ يَمِينِهِ بِنِيَّتِهِ: لَا يَجُوزُ. بَلْ لَا يَصِحُّ. وَفِيهِ رِوَايَةٌ: لَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ تَقْدِيمُ عِبَادَةٍ كَالصَّلَاةِ. وَاخْتَارَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَحِنْثٍ مُحَرَّمٍ فِي وَجْهٍ. وَأَمَّا الظِّهَارُ وَمَا فِي حُكْمِهِ: فَلَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْكَفَّارَةِ، عَلَى مَا مَضَى فِي بَابِهِ. فَوَائِدُ
إحْدَاهَا: حَيْثُ قُلْنَا بِالْجَوَازِ: فَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَغَيْرِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ: التَّكْفِيرُ بَعْدَ الْحِنْثِ أَفْضَلُ. وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ. وَعُورِضَ بِتَعْجِيلِ النَّفْعِ لِلْفُقَرَاءِ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: قَبْلَهُ أَفْضَلُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: تَقَدُّمُ الْكَفَّارَةِ وَاجِبَةٌ. فَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَهَا قَبْلَ الْحِنْثِ. لَا تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ الزَّكَاةِ. الثَّانِيَةُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ التَّخْيِيرَ جَارٍ، إنْ كَانَ الْحِنْثُ حَرَامًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا. الثَّالِثَةُ: الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ مُحَلِّلَةٌ لِلْيَمِينِ لِلنَّصِّ. الرَّابِعَةُ: لَوْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ قَبْلَ الْحِنْثِ لِفَقْرِهِ، ثُمَّ حَنِثَ وَهُوَ مُوسِرٌ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُ مَا أَتَى بِهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ: وَإِطْلَاقُ الْأَكْثَرِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فَرْضَهُ فِي الظَّاهِرِ. الْخَامِسَةُ: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله عَلَى وُجُوبِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالنَّذْرِ عَلَى الْفَوْرِ إذَا حَنِثَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَجِبَانِ عَلَى الْفَوْرِ. قَالَ ذَلِكَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْقَوَاعِدُ الْأُصُولِيَّةُ، وَغَيْرُهُمَا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ " بَابِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ "
قَوْلُهُ (وَمَنْ كَرَّرَ أَيْمَانًا قَبْلَ التَّكْفِيرِ: فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) يَعْنِي: إذَا كَانَ مُوجِبُهَا وَاحِدًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله رَجَعَ عَنْ غَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ. كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ مُوجِبُهَا. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يُكَفِّرْ. أَمَّا إنْ كَفَّرَ بِحِنْثِهِ فِي أَحَدِهَا، ثُمَّ حَنِثَ فِي غَيْرِهَا: فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ بِلَا رَيْبٍ. قَوْلُهُ (وَالظَّاهِرُ: أَنَّهَا إنْ كَانَتْ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ: فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَفْعَالٍ: فَعَلَيْهِ لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ) . وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. حَكَاهَا فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. فَاَلَّذِي عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ نَحْوُ (وَاَللَّهِ لَا قُمْت، وَاَللَّهِ لَا قُمْت) وَمَا أَشْبَهَهُ وَاَلَّذِي عَلَى أَفْعَالٍ نَحْوُ (وَاَللَّهِ لَا قُمْت، وَاَللَّهِ لَا قَعَدْت) وَمَا أَشْبَهَهُ وَاخْتَارَهُ فِي الْعُمْدَةِ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يُغَلِّظَ عَلَى نَفْسِهِ إذَا كَرَّرَ الْأَيْمَانَ: أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ: أَطْعَمَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: الْحَلِفُ بِنُذُورٍ مُكَرَّرَةٍ، أَوْ بِطَلَاقٍ مُكَفَّرٍ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ حَلَفَ نُذُورًا كَثِيرَةً مُسَمَّاةً إلَى بَيْتِ اللَّهِ " أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ " فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: فِيمَنْ " قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُهُ لَأَفْعَلُ كَذَا " وَكَرَّرَهُ: لَمْ يَقَعْ أَكْثَرُ مِنْ طَلْقَةٍ إذَا لَمْ يَنْوِ. انْتَهَى.
الثَّانِيَةُ: لَوْ حَلَفَ يَمِينًا عَلَى أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ: فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، حَنِثَ فِي الْجَمِيعِ، أَوْ فِي وَاحِدٍ. وَتَنْحَلُّ يَمِينُهُ فِي الْبَقِيَّةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ الْأَيْمَانُ مُخْتَلِفَةَ الْكَفَّارَةِ كَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَتُهَا) . بِلَا نِزَاعٍ. لِانْتِفَاءِ التَّدَاخُلِ لِعَدَمِ الِاتِّحَادِ.
قَوْلُهُ (وَكَفَّارَةُ الْعَبْدِ: الصِّيَامُ. وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: إنْ حَلَفَ بِإِذْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ، وَإِلَّا كَانَ لَهُ مَنْعُهُ. وَكَذَا الْحُكْمُ فِي نَذْرِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.
فَائِدَةٌ: اعْلَمْ أَنَّ تَكْفِيرَ الْعَبْدِ بِالْمَالِ فِي الْحَجِّ وَالظِّهَارِ وَالْأَيْمَانِ وَنَحْوِهَا لِلْأَصْحَابِ فِيهَا طُرُقٌ. أَحَدُهَا: الْبِنَاءُ عَلَى مِلْكِهِ وَعَدَمُهُ. فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ، فَلَهُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَّا فَلَا. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ. وَأَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّ التَّكْفِيرَ بِالْمَالِ يَسْتَدْعِي مِلْكَ الْمَالِ. فَإِذَا كَانَ هَذَا غَيْرَ قَابِلٍ لِلْمِلْكِ بِالْكُلِّيَّةِ فَفَرْضُهُ الصِّيَامُ خَاصَّةً. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْمَالِ: فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ بِالْإِطْعَامِ. وَهَلْ يُكَفِّرُ بِالْعِتْقِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ، أَوْ يَجُوزُ لَهُ مَعَ إجْزَاءِ الصِّيَامِ؟ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْفَوَائِدِ: الْمُتَوَجَّهُ إنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ مَالٌ، فَأَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ
بِالتَّكْفِيرِ مِنْهُ: لَزِمَهُ ذَلِكَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ، بَلْ أَرَادَ السَّيِّدُ أَنْ يَمْلِكَهُ لِيُكَفِّرَ: لَمْ يَلْزَمْهُ كَالْحُرِّ الْمُعْسِرِ إذَا بُذِلَ لَهُ مَالٌ.
قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَتَنَزَّلُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي مِنْ لُزُومِ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ فِي الْحَجِّ، وَنَفْيِ اللُّزُومِ فِي الظِّهَارِ. الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: فِي تَكْفِيرِهِ بِالْمَالِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ رِوَايَتَانِ مُطْلَقَتَانِ، سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُ أَوْ لَا يَمْلِكُ. حَكَاهَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ حَامِدٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ. فَوَجْهُ عَدَمِ تَكْفِيرِهِ بِالْمَالِ، مَعَ الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ: أَنَّ تَمَلُّكَهُ ضَعِيفٌ لَا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ. وَوَجْهُ تَكْفِيرِهِ بِالْمَالِ، مَعَ الْقَوْلِ بِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ: لَهُ مَأْخَذَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَكْفِيرَهُ بِالْمَالِ إنَّمَا هُوَ تَبَرُّعٌ لَهُ مِنْ السَّيِّدِ وَإِبَاحَةٌ. وَالتَّكْفِيرُ عَنْ الْغَيْرِ لَا يُشْتَرَطُ دُخُولُهُ فِي مِلْكِ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ كَمَا نَقُولُ فِي رِوَايَةٍ فِي كَفَّارَةِ الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ إذَا عَجَزَ عَنْهَا وَقُلْنَا: لَا يَسْقُطُ تَكْفِيرُ غَيْرِهِ عَنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ جَازَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ. كَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَلَوْ كَانَتْ قَدْ دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَهَا هُوَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ إخْرَاجًا لِلْكَفَّارَةِ. وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي: أَنَّ الْعَبْدَ ثَبَتَ لَهُ مِلْكٌ قَاصِرٌ بِحَسَبِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمِلْكُ الْمُطْلَقُ التَّامُّ. فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ فِي الْمَالِ الْمُكَفَّرِ بِهِ مِلْكٌ يُبِيحُ لَهُ التَّكْفِيرَ بِالْمَالِ، دُونَ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ، كَمَا أَثْبَتْنَا لَهُ فِي الْأَمَةِ مِلْكًا قَاصِرًا أُبِيحَ لَهُ بِهِ التَّسَرِّي بِهَا دُونَ بَيْعِهَا وَهِبَتِهَا. وَهَذَا اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله.
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي " بَابِ الْفِدْيَةِ ": ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ مُتَقَدِّمِي الْأَصْحَابِ: إلَى أَنَّ لَهُ التَّكْفِيرَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِمِلْكِهِ، بِنَاءً عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، مِنْ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا يُشْتَرَطُ دُخُولُهَا فِي مِلْكِ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ، وَأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ مِلْكٌ خَاصٌّ بِقَدْرِ مَا يُكَفِّرُ. انْتَهَى.
وَقَالَ فِي " كِتَابِ الظِّهَارِ ": ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ وَطَائِفَةٍ مِنْ مُتَقَدِّمِي الْأَصْحَابِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ جَوَازُ تَكْفِيرِهِ بِالْمَالِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ. وَإِنْ لَمْ نَقُلْ إنَّهُ يَمْلِكُ. وَلَهُمْ مُدْرَكَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَمْلِكُ الْقَدْرَ الْمُكَفَّرَ بِهِ مِلْكًا خَاصًّا. وَالثَّانِي: أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَدْخُلَ فِي مِلْكِ الْمُكَفِّرِ. انْتَهَى. وَوَجْهُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ: أَنَّ التَّكْفِيرَ بِالْعِتْقِ يَحْتَاجُ إلَى مِلْكٍ بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَلِهَذَا لَوْ أَمَرَ مَنْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ رَجُلًا أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ، فَفَعَلَ: أَجْزَأَ. وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَعْتِقَ عَنْهُ: فَفِي إجْزَائِهِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ. وَلَوْ تَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِالْإِطْعَامِ الْوَاجِبِ عَنْ مُورِثِهِ: صَحَّ. وَلَوْ تَبَرَّعَ عَنْهُ بِالْعِتْقِ: لَمْ يَصِحَّ. وَلَوْ أَعْتَقَ الْأَجْنَبِيُّ عَنْ الْمَوْرُوثِ: لَمْ يَصِحَّ. وَلَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ فَوَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُكَفِّرُ الْعَبْدُ بِالْإِطْعَامِ بِإِذْنِهِ. وَقِيلَ: وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ. وَفِيهِ بِعِتْقٍ رِوَايَتَانِ. اخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ جَوَازَ تَكْفِيرِهِ بِالْعِتْقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ جَازَ وَأَطْلَقَ، فَفِي عِتْقِهِ نَفْسَهُ وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. قُلْت: الصَّوَابُ الْجَوَازُ وَالْإِجْزَاءُ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: جَازَ ذَلِكَ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ.
تَنْبِيهٌ: حَيْثُ جَازَ لَهُ التَّكْفِيرُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ. فَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ: يَلْزَمُهُ التَّكْفِيرُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَفَّارَاتِ لَا يَلْزَمُهُ عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الظِّهَارِ: تَرَدَّدَ الْأَصْحَابُ فِي الْوُجُوبِ وَالْجَوَازِ. وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ قَرِيبًا. الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ الصِّيَامِ بِحَالٍ عَلَى كِلَا الطَّرِيقَتَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي " كِتَابِ الظِّهَارِ " وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّهُ وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ فَمِلْكُهُ ضَعِيفٌ، فَلَا يَكُونُ مُخَاطَبًا بِالتَّكْفِيرِ بِالْمَالِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا يَكُونُ فَرْضُهُ غَيْرَ الصِّيَامِ بِالْأَصَالَةِ، بِخِلَافِ الْحُرِّ الْعَاجِزِ، فَإِنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّمْلِيكِ التَّامِّ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَمِنْ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْخِرَقِيُّ فِي الْعَبْدِ إذَا حَنِثَ، ثُمَّ عَتَقَ: لَا يُجْزِئُهُ التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ الصَّوْمِ. بِخِلَافِ الْحُرِّ الْمُعْسِرِ إذَا حَنِثَ ثُمَّ أَيِسَ. وَقَالَ أَيْضًا فِي الْعَبْدِ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ يَوْمًا. وَقَالَ فِي الْحُرِّ الْمُعْسِرِ: يَصُومُ فِي الْإِحْصَارِ صِيَامَ الْمُتَمَتِّعِ
قَوْلُهُ (وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ: فَحُكْمُهُ فِي الْكَفَّارَةِ حُكْمُ الْأَحْرَارِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَالْوَجِيزُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يُكَفِّرُ بِالْمَالِ
فَائِدَةٌ: يُكَفِّرُ الْكَافِرُ وَلَوْ كَانَ مُرْتَدًّا بِغَيْرِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَنْعَقِدُ كَالْمُسْلِمِ كَمَا تَقَدَّمَ