المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب جامع الأيمان] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ١١

[المرداوي]

الفصل: ‌[باب جامع الأيمان]

[بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ]

ِ قَوْلُهُ (يُرْجَعُ فِي الْأَيْمَانِ إلَى النِّيَّةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُقَدَّمُ عُمُومُ لَفْظِهِ عَلَى النِّيَّةِ احْتِيَاطًا.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " يَرْجِعُ فِي الْأَيْمَانِ إلَى النِّيَّةِ " مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ بِهَا غَيْرَ ظَالِمٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَأَنْ يَحْتَمِلَهَا لَفْظُهُ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَجَمَاعَةٌ: وَيُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ إذَا قَرُبَ الِاحْتِمَالُ، وَإِنْ قَوِيَ بُعْدُهُ مِنْهُ: لَمْ يُقْبَلْ. وَإِنْ تَوَسَّطَ: فَرِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ " بَابِ التَّأْوِيلِ فِي الْحَلِفِ ". وَتَقَدَّمَ تَصْوِيرُ بَعْضِ مَسَائِلَ مِنْ ذَلِكَ، وَذِكْرُ الْخُرُوجِ مِنْ مَضَايِقِ الْأَيْمَانِ مُسْتَوْفًى فِي " بَابِ التَّأْوِيلِ فِي الْحَلِفِ " فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ: رَجَعَ إلَى سَبَبِ الْيَمِينِ وَمَا هَيَّجَهَا) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْوَجِيزُ، وَتَذْكِرَةُ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرُ، وَمُنْتَخَبُ الَأَدَمِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَدَّمَ السَّبَبَ عَلَى النِّيَّةِ الْخِرَقِيُّ، وَالْإِرْشَادُ، وَالْمُبْهِجُ.

ص: 50

وَحَكَى رِوَايَةً. وَقَدَّمَهُ الْقَاضِي بِمُوَافَقَتِهِ لِلْوَضْعِ. وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ عُمُومُ لَفْظِهِ عَلَى سَبَبِ الْيَمِينِ احْتِيَاطًا. وَذَكَرَ الْقَاضِي: وَعَلَى النِّيَّةِ أَيْضًا. انْتَهَى. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اعْتَمَدَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ تَقْدِيمَ النِّيَّةِ عَلَى السَّبَبِ. وَعَكَسَ ذَلِكَ الشِّيرَازِيُّ. فَقَدَّمَ السَّبَبَ عَلَى النِّيَّةِ. انْتَهَى. قُلْت: وَقَطَعَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ. وَقَوْلُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ " وَقَدَّمَ الْخِرَقِيُّ السَّبَبَ عَلَى النِّيَّةِ " غَيْرُ مُسَلَّمٍ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَا ظَاهِرَ اللَّفْظِ، وَلَا غَيْرَ ظَاهِرِهِ رَجَعَ إلَى سَبَبِ الْيَمِينِ وَمَا هَيَّجَهَا، أَيْ أَثَارَهَا. فَإِذَا حَلَفَ " لَا يَأْوِي مَعَ امْرَأَتِهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ " وَكَانَ سَبَبُ يَمِينِهِ غَيْظًا مِنْ جِهَةِ الدَّارِ لِضَرَرٍ لَحِقَهُ مِنْ جِيرَانِهَا، أَوْ مِنَّةٍ حَصَلَتْ عَلَيْهِ بِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ: اخْتَصَّتْ يَمِينُهُ بِهَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ. وَإِنْ كَانَ لِغَيْظٍ مِنْ الْمَرْأَةِ يَقْتَضِي جَفَاءَهَا، وَلَا أَثَرَ لِلدَّارِ فِيهِ: تَعَدَّى ذَلِكَ إلَى كُلِّ دَارٍ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا بِالنَّصِّ وَمَا عَدَاهَا بِعِلَّةِ الْجَفَاءِ الَّتِي اقْتَضَاهَا السَّبَبُ. وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ بَلَدًا) لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ، وَ (لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا) لِشُرْبِهِ الْخَمْرَ. فَزَالَ الظُّلْمُ، وَتَرَكَ زَيْدٌ شُرْبَ الْخَمْرِ: جَازَ لَهُ الدُّخُولُ وَالْكَلَامُ، لِزَوَالِ الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْيَمِينِ.

وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ اللَّفْظُ خَاصًّا، وَالسَّبَبُ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ، كَمَا مَثَّلْنَاهُ أَوَّلًا، أَوْ كَانَ اللَّفْظُ عَامًا وَالسَّبَبُ يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ، كَمَا مَثَّلْنَاهُ ثَانِيًا. وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ فِيمَا عَلِمْت فِي الرُّجُوعِ إلَى السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِلتَّعْمِيمِ وَاخْتُلِفَ فِي عَكْسِهِ. فَقِيلَ: فِيهِ وَجْهَانِ.

ص: 51

وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ. وَبِالْجُمْلَةِ: فِيهِ قَوْلَانِ، أَوْ ثَلَاثَةٌ. أَحَدُهَا: وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَفِي غَيْرِهِ، وَاخْتِيَارُ عَامَّةِ أَصْحَابِهِ: الشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا: يُؤْخَذُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ. وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله وَذَكَرَهُ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: يُحْمَلُ اللَّفْظُ الْعَامُّ عَلَى السَّبَبِ. وَيَكُونُ ذَلِكَ السَّبَبُ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْعَامَّ أُرِيدَ بِهِ خَاصٌّ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ فِيمَا إذَا حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ الْبَلَدَ " لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ. وَيَقْتَضِي التَّخْصِيصَ فِيمَا إذَا دُعِيَ إلَى غَدَاءٍ، فَحَلَفَ " لَا يَتَغَدَّى " أَوْ حَلَفَ " لَا يَخْرُجُ عَبْدُهُ وَلَا زَوْجَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ " وَالْحَالُ يَقْتَضِي مَا دَامَا كَذَلِكَ. وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي إلَى هَذَا التَّعْلِيقِ. انْتَهَى كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ وَتَبِعَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَلْ يُخَصُّ اللَّفْظُ الْعَامُّ بِسَبَبِهِ الْخَاصِّ، إذَا كَانَ السَّبَبُ هُوَ الْمُقْتَضِي لَهُ، أَمْ يُقْضَى بِعُمُومِ اللَّفْظِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَالْآمِدِيُّ، وَأَبُو الْفَتْحِ الْحَلْوَانِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمْ. وَأَخَذُوهُ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ، فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَصْطَادُ مِنْ نَهْرٍ، لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ. ثُمَّ زَالَ الظُّلْمُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: النَّذْرُ يُوَفِّي بِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْعِبْرَةُ بِخُصُوصِ السَّبَبِ، لَا بِعُمُومِ اللَّفْظِ.

ص: 52

وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ. لَكِنَّ الْمَجْدَ اسْتَثْنَى صُورَةَ النَّهْرِ وَمَا أَشْبَهَهَا، كَمَنْ حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ بَلَدًا " لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ. ثُمَّ زَالَ الظُّلْمُ. فَجَعَلَ الْعِبْرَةَ فِي ذَلِكَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ. وَعَدَّى الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ إلَيْهَا. وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ، وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمُجَرَّدِ. وَاخْتَارَهُ الشِّيحُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ النَّهْرِ الْمَنْصُوصَةِ، وَذَكَرَهُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهَذَا أَحْسَنُ. وَقَدْ يَكُونُ لَحَظَ هَذَا جَدُّهُ

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا. فَقَضَاهُ قَبْلَهُ: لَمْ يَحْنَثْ) إذَا قَضَاهُ قَبْلَ الْغَدِ لَمْ يَحْنَثْ، إذَا قَصَدَ أَنْ لَا يُجَاوِزَهُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَكَذَا لَا يَحْنَثُ أَيْضًا إذَا كَانَ السَّبَبُ يَقْتَضِيهِ، وَإِلَّا حَنِثَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَعِنْدَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابِهِ: لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ كَانَ السَّبَبُ لَا يَقْتَضِيهِ أَيْضًا. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ وَنَقْلُهُ.

فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ حَلَفَ " لَآكُلَنَّ شَيْئًا غَدًا " أَوْ " لَأَبِيعَنَّهُ " أَوْ " لَأَفْعَلَنَّهُ ".

ص: 53

فَأَمَّا إنْ حَلَفَ " لَأَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا " وَقَصَدَ مَطْلَهُ، فَقَضَاهُ قَبْلَهُ: حَنِثَ

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، وَنَوَى الْيَوْمَ: لَمْ يَحْنَثْ بِالدُّخُولِ فِي غَيْرِهِ) . وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْحُكْمِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ. وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى

قَوْلُهُ (وَإِنْ دُعِيَ إلَى غَدَاءٍ، فَحَلَفَ لَا يَتَغَدَّى: اُخْتُصَّتْ يَمِينُهُ بِهِ إذَا قَصَدَهُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَحْنَثْ بِغَيْرِهِ. عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمَجْدِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْكِفَايَةِ. وَعَنْهُ: يَحْنَثُ

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَشْرَبُ لَهُ الْمَاءَ مِنْ الْعَطَشِ " يَقْصِدُ قَطْعَ الْمِنَّةَ) أَوْ كَانَ السَّبَبُ قَطْعَ الْمِنَّةِ. (حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزِهِ، وَاسْتِعَارَةِ دَابَّتِهِ وَكُلِّ مَا فِيهِ الْمِنَّةُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا أَقَلَّ، كَقُعُودِهِ فِي ضَوْءِ نَارِهِ

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا " يَقْصِدُ قَطْعَ مِنَّتِهَا، فَبَاعَهُ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ ثَوْبًا: حَنِثَ) . وَكَذَا إنْ انْتَفَعَ بِثَمَنِهِ.

ص: 54

وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ لَوْ انْتَفَعَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهَا غَيْرِ الْغَزْلِ وَثَمَنِهِ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ بِقَدْرِ مِنَّتِهِ فَأَزْيَدَ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ. وَفِي التَّعْلِيقِ، وَالْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمَا: يَحْنَثُ بِشَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْحُو مِنَّتَهَا إلَّا بِالِامْتِنَاعِ مِمَّا يَصْدُرُ عَنْهَا مِمَّا يَتَضَمَّنُ مِنَّةً، لِيَخْرُجَ مَجْرَى الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ. وَكَذَا سِوَى الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ فِي مُنْتَخَبِهِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا. وَأَنَّهُ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَا فِيهِ مِنَّةٌ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ " حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَهُ خُبْزًا " وَالسَّبَبُ الْمِنَّةُ: حَنِثَ بِأَكْلِ غَيْرِهِ كَائِنًا مَا كَانَ. وَأَنَّهُ إنْ حَلَفَ " لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا " فَلَبِسَ عِمَامَةً أَوْ عَكْسُهُ، إنْ كَانَتْ امْتَنَّتْ بِغَزْلِهَا: حَنِثَ بِكُلِّ مَا يَلْبَسُهُ مِنْهُ. انْتَهَى. وَكَذَا مَنَعَ ابْنُ عَقِيلٍ الْحَالِفَ عَلَى خُبْزِ غَيْرِهِ مِنْ لَحْمِهِ وَمَائِهِ

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَأْوِي مَعَهَا فِي دَارٍ " يُرِيدُ جَفَاءَهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِلدَّارِ سَبَبٌ هَيَّجَ يَمِينَهُ، فَأَوَى مَعَهَا فِي غَيْرِهَا: حَنِثَ) . وَكَذَا لَوْ حَلَفَ. فَقَالَ " لَا عُدْت رَأَيْتُك تَدْخُلِينَهَا " يَنْوِي مَنْعَهَا: حَنِثَ وَلَوْ لَمْ يَرَهَا. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: أَقَلُّ الْإِيوَاءِ سَاعَةٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لِعَامِلٍ: لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَعُزِلَ، أَوْ عَلَى زَوْجَتِهِ فَطَلَّقَهَا، أَوْ عَلَى عَبْدِهِ فَأَعْتَقَهُ وَنَحْوَهُ. يُرِيدُ مَا دَامَ كَذَلِكَ

ص: 55

انْحَلَّتْ يَمِينُهُ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ: انْحَلَّتْ يَمِينُهُ أَيْضًا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. لِأَنَّ الْحَالَ تَصْرِفُ الْيَمِينَ إلَيْهِ) . وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: هَذَا أَوْلَى. لِأَنَّ السَّبَبَ يَدُلُّ عَلَى النِّيَّةِ فَصَارَ كَالْمَنْوِيِّ سَوَاءً. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَيْضًا، فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّ السَّبَبَ إذَا كَانَ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ، عَمَّمْنَاهَا بِهِ. وَإِنْ اقْتَضَى الْخُصُوصَ مِثْلُ مَنْ نَذَرَ لَا يَدْخُلُ بَلَدًا لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ. فَزَالَ الظُّلْمُ فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: النَّذْرُ يُوَفَّى بِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَعَ السَّبَبِ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَنَصُّهُ: يَحْنَثُ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ، وَصَاحِبِ الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ نِيَّةٌ، فَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: يَقْتَضِي رِوَايَتَيْنِ، وَذَكَرَاهُ

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا رَأَيْت مُنْكَرًا إلَّا رَفَعْته إلَى فُلَانٍ الْقَاضِي " فَعُزِلَ: انْحَلَّتْ يَمِينُهُ، إنْ نَوَى مَا دَامَ قَاضِيًا) . قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْفُرُوعِ: قَوْلُهُ " انْحَلَّتْ يَمِينُهُ " فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عَوْدُ الصُّفَّةِ. فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ نَوَى تِلْكَ الْوِلَايَةَ. وَذَلِكَ النِّكَاحَ وَنَحْوَهُ. انْتَهَى. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. أَحَدُهُمَا: تَنْحَلُّ يَمِينُهُ. صَحَّحَهُ التَّصْحِيحُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا.

ص: 56

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَصُّهُ يَحْنَثُ. قَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: لَا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ، وَصَاحِبِ الْقَوَاعِدِ. لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مِنْ جُمْلَةِ الْقَاعِدَةِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ كَانَ السَّبَبُ أَوْ الْقَرَائِنُ تَقْتَضِي حَالَةَ الْوِلَايَةِ: اُخْتُصَّ بِهَا. وَإِنْ كَانَتْ تَقْتَضِي الرَّفْعَ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مُرْتَكِبُ الْمُنْكَرِ قَرَابَةَ الْوَالِي مَثَلًا وَقَصَدَ إعْلَامَهُ بِذَلِكَ لِأَجْلِ قَرَابَتِهِ: تَنَاوَلَ الْيَمِينُ حَالَ الْوِلَايَةِ وَالْعَزْلِ. وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: لَوْ رَأَى الْمُنْكَرَ فِي وِلَايَتِهِ فَأَمْكَنَهُ رَفْعُهُ، فَلَمْ يَرْفَعْهُ إلَيْهِ حَتَّى عُزِلَ: لَمْ يَبَرَّ بِرَفْعِهِ إلَيْهِ فِي حَالِ عَزْلِهِ. وَهَلْ يَحْنَثُ بِعَزْلِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ بِعَزْلِهِ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْنَثُ بِعَزْلِهِ. وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ رَفْعِهِ إلَيْهِ: حَنِثَ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

ص: 57

وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ كَوْنُ يَمِينِهِ لَا تَنْحَلُّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، لَوْ رَفَعَهُ إلَيْهِ بَعْدَ عَزْلِهِ بَرَّ بِذَلِكَ.

فَائِدَةٌ: إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْوَالِي إذَنْ، فَفِي تَعْيِينِهِ وَجْهَانِ فِي التَّرْغِيبِ. لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ تَعْيِينِ الْعَهْدِ وَالْجِنْسِ. وَتَابَعَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ أَيْضًا: لَوْ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ، فَقِيلَ: فَاتَ الْبِرُّ كَمَا لَوْ رَآهُ مَعَهُ. وَقِيلَ: لَا لِإِمْكَانِ صُورَةِ الرَّفْعِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: هُوَ كَإِبْرَائِهِ مِنْ دَيْنٍ بَعْدَ حَلِفِهِ لَيَقْضِيَنَّهُ. وَفِيهِ وَجْهَانِ. وَكَذَا قَوْلُهُ جَوَابًا لِقَوْلِهَا " تَزَوَّجْتَ عَلَيَّ "" كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ " تَطْلُقُ عَلَى نَصِّهِ. وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ، أَخْذًا بِالْأَعَمِّ مِنْ لَفْظٍ وَسَبَبٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَدِمَ ذَلِكَ) يَعْنِي: النِّيَّةَ، وَسَبَبَ الْيَمِينَ، وَمَا هَيَّجَهَا (رَجَعَ إلَى التَّعْيِينِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ هُنَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الِاسْمُ شَرْعًا أَوْ عُرْفًا أَوْ لُغَةً عَلَى التَّعْيِينِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ: فَإِنْ عَدِمَ النِّيَّةَ وَالسَّبَبَ رَجَعْنَا إلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ. فَإِنْ اجْتَمَعَ الِاسْمُ وَالتَّعْيِينُ، أَوْ الصِّفَةُ وَالتَّعْيِينُ: غَلَّبْنَا التَّعْيِينَ. فَإِنْ اجْتَمَعَ الِاسْمُ وَالْعُرْفُ، فَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ: فَأَيُّهُمَا يُغَلَّبُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ

ص: 58

قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا. فَتَارَةً غَلَّبُوا الِاسْمَ. وَتَارَةً غَلَّبُوا الْعُرْفَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ يُوسُفُ بْنُ الْجَوْزِيِّ النِّيَّةَ، ثُمَّ السَّبَبَ، ثُمَّ مُقْتَضَى لَفْظِهِ عُرْفًا، ثُمَّ لُغَةً. انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ: النِّيَّةُ، ثُمَّ السَّبَبُ، ثُمَّ التَّعْيِينُ، ثُمَّ إلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ. وَإِنْ كَانَ لِلَّفْظِ عُرْفٌ غَالِبٌ، حُمِلَ كَلَامُ الْحَالِفِ عَلَيْهِ

قَوْلُهُ (فَإِذَا حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ " فَدَخَلَهَا. وَقَدْ صَارَتْ فَضَاءً، أَوْ حَمَّامًا، أَوْ مَسْجِدًا، أَوْ بَاعَهَا. أَوْ " لَا لَبِسْت هَذَا الْقَمِيصَ فَجَعَلَهُ سَرَاوِيلَ، أَوْ رِدَاءً، أَوْ عِمَامَةً وَلَبِسَهُ. أَوْ " لَا كَلَّمْت هَذَا الصَّبِيَّ " فَصَارَ شَيْخًا، أَوْ " امْرَأَةَ فُلَانٍ " أَوْ " صَدِيقَهُ فُلَانًا " أَوْ " غُلَامَهُ سَعْدًا " فَطَلُقَتْ الزَّوْجَةُ، وَزَالَتْ الصَّدَاقَةُ، وَعَتَقَ الْعَبْدُ، وَكَلَّمَهُمْ. أَوْ " لَا أَكَلْت لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ " فَصَارَ كَبْشًا، أَوْ " لَا أَكَلْت هَذَا الرُّطَبَ " فَصَارَ تَمْرًا أَوْ دِبْسًا) نَصَّ عَلَيْهِ (أَوْ خَلًّا أَوْ " لَا أَكَلْت هَذَا اللَّبَنَ " فَتَغَيَّرَ، أَوْ عُمِلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَأَكَلَهُ: حَنِثَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ أَصَحُّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَغَيْرَهُ: إذَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَلَا نِيَّةَ وَلَا سَبَبَ: حَنِثَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 59

وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ " لَا أَكَلْت هَذِهِ الْبَيْضَةَ " فَصَارَتْ فَرْخًا، أَوْ " لَا أَكَلْت هَذِهِ الْحِنْطَةَ " فَصَارَتْ زَرْعًا، فَأَكَلَهُ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. قَالَا: وَعَلَى قِيَاسِهِ لَوْ حَلَفَ " لَا شَرِبْت هَذَا الْخَمْرَ " فَصَارَ خَلًّا. فَاسْتَثْنَوْا هَذِهِ الْمَسَائِلَ مِنْ أَصْلِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَنْ ابْنِ عَقِيلٍ: أَنَّهُ طَرَدَ الْقَوْلَ حَتَّى فِي الْبَيْضَةِ وَالزَّرْعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ. قُلْت: وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا تَقَدَّمَ.

فَائِدَةٌ: لَوْ حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ " وَلَمْ يَقُلْ " هَذِهِ " أَوْ " لَا أَكَلْت التَّمْرَ الْحَدِيثَ " فَعَتَقَ، أَوْ " الرَّجُلَ الصَّحِيحَ " فَمَرِضَ، أَوْ " لَا دَخَلْت هَذِهِ السَّفِينَةَ " فَنُقِضَتْ ثُمَّ أُعِيدَتْ فَفَعَلَ: حَنِثَ بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ فِي السَّفِينَةِ احْتِمَالًا بِعَدَمِ الْحِنْثِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ عُدِمَ ذَلِكَ) يَعْنِي: النِّيَّةَ، وَسَبَبُ الْيَمِينِ، وَمَا هَيَّجَهَا وَالتَّعْيِينُ (رَجَعْنَا إلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ عَلَى التَّعْيِينِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ.

ص: 60

وَتَقَدَّمَ كَلَامُ يُوسُفِ بْنِ الْجَوْزِيِّ: فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ النِّيَّةَ، ثُمَّ السَّبَبَ، ثُمَّ مُقْتَضَى لَفْظِهِ عُرْفًا، ثُمَّ لُغَةً.

فَائِدَةٌ: الِاسْمُ يَتَنَاوَلُ الْعُرْفِيَّ، وَالشَّرْعِيَّ، وَاللُّغَوِيَّ. فَيُقَدَّمُ اللَّفْظُ الشَّرْعِيُّ وَالْعُرْفِيُّ عَلَى اللُّغَوِيِّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: عَكْسُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: يُقَدَّمُ الِاسْمُ عُرْفًا، ثُمَّ شَرْعًا، ثُمَّ لُغَةً. فَأَفَادَنَا تَقْدِيمَ الْعُرْفِيِّ عَلَى الشَّرْعِيِّ. وَقَدَّمَ وَلَدُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ الْعُرْفَ ثُمَّ اللُّغَةَ كَمَا تَقَدَّمَ

قَوْلُهُ (وَالْيَمِينُ الْمُطْلَقَةُ تَنْصَرِفُ إلَى الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ. وَتَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ مِنْهُ. فَإِذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ. فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا، أَوْ لَا يَنْكِحُ، فَنَكَحَ نِكَاحًا فَاسِدًا: لَمْ يَحْنَثْ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَفِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ مِنْ الْأَوْجُهِ. وَعَنْهُ: يَحْنَثُ فِي الْبَيْعِ وَحْدَهُ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ فِي بَيْعٍ وَنِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى.

ص: 61

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ يَحْنَثُ إذَا بَاعَ بَيْعًا صَحِيحًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ. وَهُوَ كَذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، هَلْ يَحْنَثُ؟ يَنْبَنِي عَلَى نَقْلِ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ. وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمَجْدُ عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ.

فَائِدَةٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَحُجُّ، فَحَجَّ حَجًّا فَاسِدًا: حَنِثَ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ.

قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُضِيفَ الْيَمِينَ إلَى شَيْءٍ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الصِّحَّةُ، مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ لَا يَبِيعُ الْخَمْرَ أَوْ الْحُرَّ: فَيَحْنَثُ بِصُورَةِ الْبَيْعِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَوْلَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ " إنْ سَرَقْت مِنِّي شَيْئًا وَبِعْتِنِيهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَفَعَلَتْ: لَمْ تَطْلُقْ. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: لَوْ قَالَ " إنْ طَلَّقْت فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَوُجِدَ: لَمْ تَطْلُقْ.

ص: 62

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: الشِّرَاءُ مِثْلُ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَخَالَفَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي " سَرَقْت مِنِّي شَيْئًا وَبِعْتِنِيهِ " كَمَا لَوْ حَلَفَ: لَا يَبِيعُ، فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا

الثَّانِيَةُ: لَوْ حَلَفَ " لَا تَسَرَّيْت " فَوَطِئَ جَارِيَتَهُ: حَنِثَ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ كَحَلِفِهِ لَا يَطَأُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُنْزِلَ، فَحْلًا كَانَ أَوْ خَصِيًّا. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ حَلَفَ وَلَيْسَتْ فِي مِلْكِهِ: حَنِثَ بِالْوَطْءِ. وَإِنْ حَلَفَ وَقَدْ مَلَكَهَا: حَنِثَ بِالْوَطْءِ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَعْزِلَ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: إنْ عَزَلَ لَمْ يَحْنَثْ. وَعَنْهُ: فِي مَمْلُوكَةٍ وَقْتَ حَلِفِهِ. انْتَهَى

قَوْلُهُ: (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ: لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَصُومَ يَوْمًا) . هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ بِالشُّرُوعِ الصَّحِيحِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

ص: 63

اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ: قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ بِالشُّرُوعِ الصَّحِيحِ إنْ قُلْنَا: يَحْنَثُ بِفِعْلِ بَعْضِ الْمَحْلُوفِ. فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ صَوْمًا: لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَصُومَ يَوْمًا. بِلَا نِزَاعٍ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ حَلَفَ لَا يَحُجُّ: حَنِثَ بِإِحْرَامِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِفَرَاغِهِ مِنْ أَرْكَانِهِ

وَقَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يُصَلِّي " لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَةً) . يَعْنِي: بِسَجْدَتَيْهَا. هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَصَحُّ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ " حَلَفَ لَا صَلَّيْت صَلَاةً " لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَفْرُغَ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلَاةِ. وَإِنْ حَلَفَ " لَا يُصَلِّي " حَنِثَ بِالتَّكْبِيرِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ إنْ قُلْنَا حَنِثَ بِفِعْلِ بَعْضِ الْمَحْلُوفِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ حَتَّى تَفْرُغَ الصَّلَاةُ. كَقَوْلِهِ " صَلَاةً، أَوْ صَوْمًا " وَكَحَلِفِهِ لَيَفْعَلَنَّهُ. اخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الشَّرْحِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلَاةِ عَلَى رِوَايَةٍ.

ص: 64

وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي يُخَرَّجُ إذَا أَفْسَدَهُ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ كَانَ حَالَ حَلِفِهِ صَائِمًا أَوْ حَاجًّا، فَفِي حِنْثِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي حِنْثِهِ بِاسْتِدَامَةِ الثَّلَاثَةِ وَجْهَانِ. يَعْنِي: الصَّلَاةَ، وَالصَّوْمَ، وَالْحَجَّ. الثَّانِيَةُ: شَمِلَ قَوْلُهُ " لَا يُصَلِّي " صَلَاةَ الْجِنَازَةِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: وَالطَّوَافُ لَيْسَ بِصَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ، وَلَا مُضَافَةٍ. فَلَا يُقَالُ: صَلَاةُ الطَّوَافِ. وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: الطَّوَافُ صَلَاةٌ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ: عَنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الطَّوَافُ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ. إلَّا فِيمَا اسْتَثْنَاهُ، وَهُوَ النُّطْقُ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: الطَّوَافُ لَيْسَ بِصَلَاةٍ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ أُبِيحَ فِيهِ الْكَلَامُ وَالْأَكْلُ. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَشْيِ. فَهُوَ كَالسَّعْيِ

الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَهَبُ زَيْدًا شَيْئًا وَلَا يُوصِي لَهُ، وَلَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ " فَفَعَلَ، وَلَمْ يَقْبَلْ زَيْدٌ: حَنِثَ) . بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. لَكِنْ قَالَ فِي الْمُوجِزِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

ص: 65

وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فَإِنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ. فَبَاعَ، وَلَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي: لَمْ يَحْنَثْ. وَقَالَ الْقَاضِي مِثْلَ قَوْلِ صَاحِبِ الْمُوجِزِ، وَالتَّبْصِرَةِ: فِي " إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ ". وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ قَالَ لِآخَرَ " إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ " فَاشْتَرَاهُ: عَتَقَ مِنْ بَائِعِهِ سَابِقًا لِلْقَبُولِ. وَجَزَمَ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ إذَا حَلَفَ " لَا يَبِيعُ، وَلَا يُؤَجِّرُ، وَلَا يُزَوِّجُ " فَأَوْجَبَ، وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ " فَوَهَبَهُ: لَمْ يَحْنَثْ) هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَهَبُهُ " فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ: حَنِثَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَدَّمَاهُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ.

ص: 66

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ. أَمَّا الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ، وَالنَّذْرُ، وَالْكَفَّارَةُ، وَالضِّيَافَةُ الْوَاجِبَةُ: فَلَا يَحْنَثُ. قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعَارَهُ لَمْ يَحْنَثْ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ. قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْحَاوِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهِ: حَنِثَ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 67

وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. كَصَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ، وَنَذْرٍ، وَكَفَّارَةٍ، وَتَضْيِيفِهِ، وَإِبْرَائِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْصَى لَهُ: لَمْ يَحْنَثْ) . بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَهُ وَحَابَاهُ: حَنِثَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ أَهْدَى إلَيْهِ: حَنِثَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَحْنَثُ

قَوْلُهُ (وَإِذَا حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ " فَأَكَلَ الشَّحْمَ، أَوْ الْمُخَّ أَوْ الْكَبِدَ، أَوْ الطِّحَالَ، أَوْ الْقَلْبَ، أَوْ الْكَرِشَ، أَوْ الْمُصْرَانَ أَوْ الْأَلْيَةَ، أَوْ الدِّمَاغَ، أَوْ الْقَانِصَةَ: لَمْ يَحْنَثْ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

ص: 68

وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْنَثُ بِأَكْلِ الشَّحْمِ الَّذِي عَلَى الظَّهْرِ وَالْجَنْبِ. وَفِي تَضَاعِيفِ اللَّحْمِ، وَهُوَ لَحْمٌ. وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مَنْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ شَحْمًا " عَلَى مَا يَأْتِي. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ الْكُلْيَةَ، وَالْكَارِعَ. فَلَا يَحْنَثُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ اجْتِنَابَ الدَّسَمِ. فَإِذَا نَوَى ذَلِكَ حَنِثَ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ لَحْمَ الرَّأْسِ، أَوْ لَحْمًا لَا يُؤْكَلُ: أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْخَدِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِاخْتِيَارِهِ فِي الْهِدَايَةِ. فِيمَا إذَا حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ رَأْسًا " لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِأَكْلِ رَأْسٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ مُنْفَرِدًا. فَغَلَّبَ الْعُرْفَ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الرَّأْسِ فِي الْأَصَحِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي فِي أَكْلِ لَحْمٍ لَا يُؤْكَلُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِ كُلِّ لَحْمٍ. فَتَدْخُلُ اللُّحُومُ الْمُحَرَّمَةُ، كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِ. وَهُوَ أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ. وَبِهِ قَطَعَ أَبُو مُحَمَّدٍ. انْتَهَى. وَجَزَمَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: أَنَّهُ يَحْنَثُ بِلَحْمِ الرَّأْسِ وَبِلَحْمِ غَيْرِ مَأْكُولٍ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: حَنِثَ بِأَكْلِ الرَّأْسِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَنْوِيَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ خَدِّ الرَّأْسِ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.

ص: 69

ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَقَالَا: لَوْ أَكَلَ اللِّسَانَ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ اللِّسَانِ عَلَى أَظْهَرِ الِاحْتِمَالَيْنِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: لَوْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ لَحْمًا " تَنَاوَلَتْ يَمِينُهُ أَكْلَ اللَّحْمِ الْمُحَرَّمِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ رَأْسٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ مُنْفَرِدًا. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إنْ أَكَلَ رَأْسًا أَوْ كَارِعًا، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّ اسْمَ " اللَّحْمُ " لَا يَتَنَاوَلُ الرُّءُوسَ وَالْكَوَارِعَ وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي " إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ سَمَكًا ". قَوْلُهُ (وَإِنْ أَكَلَ الْمَرَقَ: لَمْ يَحْنَثْ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَحْنَثْ فِي الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ " لَا يُعْجِبُنِي؛ لِأَنَّ طَعْمَ اللَّحْمِ قَدْ يُوجَدُ فِي الْمَرَقِ ".

ص: 70

قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ. قَالَ: وَالْأَقْوَى لَا يَحْنَثُ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي: يَحْنَثُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَنَاقَضَ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ الشَّحْمَ " فَأَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ: حَنِثَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي الْخَطَّابِ. وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي. وَقَالَ: الشَّحْمُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْجَوْفِ مِنْ شَحْمِ الْكُلَى، أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: وَإِنْ أَكَلَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الشَّاةِ مِنْ لَحْمِهَا الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ، وَالْأَلْيَةِ، وَالْكَبِدِ، وَالطِّحَالِ، وَالْقَلْبِ فَقَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ ابْنَ حَامِدٍ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ اسْمَ " الشَّحْمُ " لَا يَقَعُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَلْ بَيَاضُ اللَّحْمِ كَسَمِينِ ظَهْرٍ وَجَنْبٍ وَسَنَامٍ لَحْمٌ أَوْ شَحْمٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِي النَّظْمِ.

ص: 71

فَائِدَةٌ: لَوْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ شَحْمًا " حَنِثَ بِأَكْلِ الْأَلْيَةِ لَا اللَّحْمِ الْأَحْمَرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَمَنْ وَافَقَهُ: لَيْسَتْ الْأَلْيَةُ شَحْمًا وَلَا لَحْمًا. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ اللَّحْمِ الْأَحْمَرِ. وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا يَحْنَثُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الْخِرَقِيِّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ لَبَنًا " فَأَكَلَ زُبْدًا، أَوْ سَمْنًا، أَوْ كِشْكًا، أَوْ مَصْلًا، أَوْ جَنْبًا: لَمْ يَحْنَثْ) . وَكَذَا لَوْ أَكَلَ أَقِطًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي أَكْلِ الزُّبْدِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ فِي الزُّبْدِ: إنْ ظَهَرَ فِيهِ لَبَنٌ، حَنِثَ بِأَكْلِهِ. وَإِلَّا فَلَا. كَمَا لَوْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ سَمْنًا " فَأَكَلَ خَبِيصًا فِيهِ سَمْنٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ " إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ " فَأَكَلَهُ مُسْتَهْلَكًا فِي غَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ: إنْ أَكَلَ الْجُبْنَ، أَوْ الْأَقِطَ، أَوْ الزُّبْدَ: حَنِثَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الزُّبْدِ وَالسَّمْنِ، فَأَكَلَ لَبَنًا: لَمْ يَحْنَثْ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

ص: 72

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي شَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إنْ أَكَلَ لَبَنًا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ الزُّبْدُ: لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ الزُّبْدُ فِيهِ ظَاهِرًا: حَنِثَ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَأَكَلَ حَلِيبًا أَوْ مَخِيضًا أَوْ جَامِدًا لَمْ يَظْهَرْ زُبْدُهُ: لَمْ يَحْنَثْ.

فَائِدَةٌ: لَوْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ زُبْدًا " فَأَكَلَ سَمْنًا: لَمْ يَحْنَثْ. وَفِي عَكْسِهِ وَجْهَانِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ فِي الْكَافِي: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الْفَاكِهَةِ. فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ كَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ، وَالرُّمَّانِ: حَنِثَ) . إنْ أَكَلَ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ رُطَبًا: حَنِثَ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ يَابِسًا كَحَبِّ الصَّنَوْبَرِ، وَالْعُنَّابِ، وَالزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ، وَالتِّينِ، وَالْمِشْمِشِ الْيَابِسِ، وَالْإِجَّاصِ، وَنَحْوِهِ: حَنِثَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَصَحُّ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 73

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ ذَلِكَ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ كَالْحُبُوبِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: الزَّيْتُونُ لَيْسَ مِنْ الْفَاكِهَةِ. وَكَذَلِكَ الْبَلُّوطُ وَسَائِرُ ثَمَرِ الشَّجَرِ الْبَرِّيِّ الَّذِي يُسْتَطَابُ، كَالزُّعْرُورِ الْأَحْمَرِ، وَثَمَرِ الْقَيْقَبِ، وَالْعَفَصِ، وَحَبِّ الْآسِ، وَنَحْوِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ وَجْهًا فِي الزَّيْتُونِ، وَالْبَلُّوطِ، وَالزُّعْرُورِ أَنَّهُ فَاكِهَةٌ. قُلْت. وَحَبُّ الْآسِ وَالْقَيْقَبِ كَذَلِكَ. وَالْبُطْمُ: لَيْسَ بِفَاكِهَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْهَا. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. الثَّانِيَةُ:" الثَّمَرَةُ " تُطْلَقُ عَلَى الرَّطْبَةِ وَالْيَابِسَةِ شَرْعًا وَلُغَةً. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ: وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي السَّرِقَةِ مِنْهَا وَغَيْرِهِ. وَفِي طَرِيقَةٍ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي السَّلَمِ: اسْمُ " الثَّمَرَةِ " إذَا أُطْلِقَ لِلرَّطْبَةِ. وَلِهَذَا لَوْ أَمَرَ وَكِيلَهُ بِشِرَاءِ ثَمَرَةٍ، فَاشْتَرَى ثَمَرَةً يَابِسَةً: لَمْ تَلْزَمْهُ. وَكَذَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَغَيْرِهَا: الثَّمَرُ اسْمٌ لِلرُّطَبِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَكَلَ الْبِطِّيخَ: حَنِثَ) هَذَا الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 74

وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْقَرْعِ وَالْبَاذِنْجَانِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْخُضَرِ. وَكَذَا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ مَا يَكُونُ فِي الْأَرْضِ، كَالْجَزَرِ، وَاللِّفْتِ، وَالْفُجْلِ، وَالْقُلْقَاسِ، وَالسَّوْطَلِ، وَنَحْوِهِ

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ رُطَبًا " فَأَكَلَ مُذَنَّبًا) وَهُوَ الَّذِي بَدَأَ فِيهِ الْإِرْطَابُ مِنْ ذَنَبِهِ وَبَاقِيهِ بُسْرٌ (حَنِثَ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَكَلَ تَمْرًا أَوْ بُسْرًا، أَوْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ تَمْرًا " فَأَكَلَ رُطَبًا، أَوْ دِبْسًا، أَوْ نَاطِفًا: لَمْ يَحْنَثْ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ فِي الْمُبْهِجِ: رِوَايَةً بِأَنَّهُ يَحْنَثُ فِيمَا إذَا حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ رُطَبًا " فَأَكَلَ تَمْرًا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ أَدْمًا " حَنِثَ بِأَكْلِ الْبَيْضِ وَالشِّوَاءِ وَالْجُبْنِ وَالْمِلْحِ وَالزَّيْتُونِ وَاللَّبَنِ، وَسَائِرِ مَا يُصْطَبَغُ بِهِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ) .

ص: 75

وَكَذَا إذَا أَكَلَ الْمِلْحَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ وَمِلْحٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ. وَقِيلَ: الْمِلْحُ لَيْسَ بِأَدْمٍ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (وَفِي التَّمْرِ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

أَحَدُهُمَا: هُوَ مِنْ الْأَدْمِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ الصَّوَابُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ مِنْ الْأَدْمِ. فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَدَمِيِّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ: الزَّبِيبُ وَنَحْوُهُ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْتَدَمُ بِهِ. وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الزَّبِيبِ قَالُوا: لِأَنَّهُ مِنْ الْفَاكِهَةِ

فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ طَعَامًا " حَنِثَ بِأَكْلِ كُلِّ مَا يُسَمَّى طَعَامًا: مِنْ قُوتٍ وَأَدْمٍ وَحَلْوَاءَ، وَجَامِدٍ وَمَائِعٍ.

ص: 76

وَفِي مَاءٍ وَدَوَاءٍ وَوَرَقِ شَجَرٍ وَتُرَابٍ وَنَحْوِهَا وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِي الْمَاءِ وَالدَّوَاءِ وَجْهَانِ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَلَا يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ طَعَامًا فِي الْعُرْفِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا يُسَمَّى ذَلِكَ طَعَامًا فِي الْأَظْهَرِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ

الثَّانِيَةُ: لَوْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ قُوتًا " حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزٍ وَتَمْرٍ وَتِينٍ وَلَحْمٍ وَلَبَنٍ وَنَحْوِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَالْقُوتُ مَا تَبْقَى مَعَهُ الْبِنْيَةُ، كَخُبْزٍ وَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَلَبَنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَكَذَا قَالَ فِي النَّظْمِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا يَخْتَصُّ بِقُوتِ بَلَدِهِ فِي الْأَظْهَرِ. انْتَهَى. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ إلَّا بِمَا يَقْتَاتُهُ أَهْلُ بَلَدِهِ. وَإِنْ أَكَلَ سَوِيقًا أَوْ اسْتَفَّ دَقِيقًا، أَوْ حَبًّا يَقْتَاتُ بِخُبْزِهِ: حَنِثَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ بِأَكْلِ الْحَبِّ. وَإِنْ أَكَلَ عِنَبًا أَوْ حِصْرِمًا أَوْ خَلًّا: لَمْ يَحْنَثْ. الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَ (الْعَيْشُ) يَتَوَجَّهُ فِيهِ عُرْفًا الْخُبْزُ. وَفِي اللُّغَةِ: الْعَيْشُ لِلْحَيَاةِ. فَيَتَوَجَّهُ مَا يَعِيشُ بِهِ. فَيَكُونُ كَالطَّعَامِ. انْتَهَى.

الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَلْبَسُ شَيْئًا " فَلَبِسَ ثَوْبًا أَوْ دِرْعًا،

ص: 77

أَوْ جَوْشَنًا أَوْ خُفًّا أَوْ نَعْلًا: حَنِثَ) بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا " حَنِثَ كَيْفَمَا لَبِسَهُ. وَلَوْ تَعَمَّمَ بِهِ. وَلَوْ ارْتَدَى بِسَرَاوِيلَ أَوْ ائْتَزَرَ بِقَمِيصٍ لِإِبْطَيْهِ وَتَرَكَهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَلَا بِنَوْمِهِ عَلَيْهِ. وَإِنْ تَدَثَّرَ بِهِ فَوَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. جَزَمَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ بِعَدَمِ الْحِنْثِ. وَإِنْ قَالَ " قَمِيصًا " فَائْتَزَرَ: لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ ارْتَدَى فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. جَزَمَ فِي الْمُغْنِي أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّعَايَةِ. وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً " فَلَبِسَهَا فِي رِجْلِهِ: لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَسَفَهٌ.

الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا " فَلَبِسَ حِلْيَةَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جَوْهَرٍ: حَنِثَ) بِلَا نِزَاعٍ. وَيَحْنَثُ أَيْضًا بِلُبْسِ خَاتَمٍ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ وَجْهًا وَاحِدًا. وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ: عَدَمَ الْحِنْثِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ فِي لُبْسِ الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ. فَأَمَّا فِي الْخِنْصَرِ: فَلَا نِزَاعَ فِيهِ.

السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ لَبِسَ عَقِيقًا أَوْ سَبَجًا: لَمْ يَحْنَثْ) بِلَا نِزَاعٍ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِحِنْثِهِ بِلُبْسِهِ الْعَقِيقَ: لَمَا كَانَ بَعِيدًا. وَلَا يَحْنَثُ أَيْضًا بِلُبْسِ الْحَرِيرِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: تَحْنَثُ الْمَرْأَةُ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَبِسَ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فِي مُرْسَلَةٍ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ

ص: 78

وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ.

أَحَدُهُمَا: لَا يَحْنَثُ بِلُبْسِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَا يَحْنَثُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ.

وَالثَّانِي: يَحْنَثُ بِلُبْسِهِ، وَهُوَ مِنْ الْحُلِيِّ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الْإِرْشَادِ: لَوْ لَبِسَ ذَهَبًا أَوْ لُؤْلُؤًا وَحْدَهُ: حَنِثَ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَا مُفْرَدَيْنِ. فَوَائِدُ

الْأُولَى: فِي لُبْسِهِ مِنْطَقَةً مُحَلَّاةً وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: هِيَ مِنْ الْحُلِيِّ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَتْ مِنْ الْحُلِيِّ. فَلَا يَحْنَثُ بِلُبْسِهَا. قُلْت: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ، وَعَادَةِ مَنْ يَلْبَسُهَا هِيَ وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ

ص: 79

الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ، وَلَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ، وَلَا يَدْخُلُ دَارِهِ " فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدِهِ، وَلَبِسَ ثَوْبَهُ، وَدَخَلَ دَارِهِ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِيمَا اسْتَأْجَرَهُ فُلَانٌ: حَنِثَ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ دَخَلَ دَارًا اسْتَعَارَهَا السَّيِّدُ: لَمْ يَحْنَثْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يَحْنَثُ بِدُخُولِ الدَّارِ الْمُسْتَعَارَةِ. وَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً اسْتَعَارَهَا: لَمْ يَحْنَثْ قَوْلًا وَاحِدًا. كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ

الثَّالِثَةُ: لَوْ حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ مَسْكَنَهُ " حَنِثَ بِدُخُولِ مَا اسْتَأْجَرَهُ أَوْ اسْتَعَارَهُ لِلسُّكْنَى. وَفِي حِنْثِهِ بِدُخُولِ مَغْصُوبٍ، أَوْ فِي دَارٍ لَهُ لَكِنَّهَا لِغَيْرِ السُّكْنَى: وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَالْبُلْغَةِ: وَالْأَقْوَى إنْ كَانَتْ سَكَنَهُ مَرَّةً: حَنِثَ. وَظَاهِرُ الْمُغْنِي: أَنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِ الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ. وَجَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ قَالَ " لَا أَسْكُنُ مَسْكَنَهُ " فَفِيمَا لَا يَسْكُنُهُ مِنْ مِلْكٍ، أَوْ يَسْكُنُهُ بِغَصْبٍ: فِيهِ وَجْهَانِ. وَيَحْنَثُ بِسُكْنَى مَا سَكَنَهُ مِنْهُ بِغَصْبٍ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ مِلْكَ فُلَانٍ " فَدَخَلَ مَا أَسْتَأْجَرَهُ. فَهَلْ يَحْنَثُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الِانْتِصَارِ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ. وَإِنْ كَانَ مَالِكَ الْمَنَافِعِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ دَارًا " فَدَخَلَ سَطْحَهَا: حَنِثَ)

ص: 80

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: إنْ رَقِيَ السَّطْحَ أَوْ نَزَلَهَا مِنْهُ، أَوْ مِنْ نَقْبٍ: فَوَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلَ " مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ، فَفَعَلَ بَعْضَهُ " عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ. أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ بِذَلِكَ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْنَثُ بِهِ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَحْنَثُ، إذَا كَانَ بِحَيْثُ إذَا أَغْلَقَ الْبَابَ كَانَ خَارِجًا. وَهُوَ الصَّوَابُ. صَحَّحَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: وَإِنْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ بِحَيْثُ إذَا أُغْلِقَ كَانَ خَارِجًا مِنْهَا: فَوَجْهَانِ. اخْتَارَ الْقَاضِي الْحِنْثَ. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ وَقَفَ عَلَى الْحَائِطِ. فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ.

ص: 81

قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الْحِنْثِ: وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ الْحِنْثَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يُكَلِّمُ إنْسَانًا " حَنِثَ بِكَلَامِ كُلِّ إنْسَانٍ) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَلَوْ صَلَّى بِهِ إمَامًا، ثُمَّ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ: لَمْ يَحْنَثْ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ اُرْتُجَّ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، فَفَتَحَ عَلَيْهِ الْحَالِفُ: لَمْ يَحْنَثْ بِذَلِكَ.

فَائِدَةٌ: لَوْ كَاتَبَهُ، أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا: حَنِثَ. إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ لَا يُشَافِهَهُ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْمُكَاتَبَةِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ أَوْ سَبَبُ يَمِينِهِ يَقْتَضِي هِجْرَانَهُ وَتَرْكَ صِلَتِهِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَالْأَوَّلُ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَإِنْ أَشَارَ إلَيْهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي.

وَالثَّانِي: لَا يَحْنَثُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. فَإِنْ نَادَاهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ، فَلَمْ يَسْمَعْ لِتَشَاغُلِهِ وَغَفْلَتِهِ: حَنِثَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ: حَنِثَ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْكَلَامِ فَلْيُعَاوَدْ.

ص: 82

قَوْلُهُ (وَإِنْ زَجَرَهُ. فَقَالَ " تَنَحَّ أَوْ اُسْكُتْ " حَنِثَ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ صِلَتِهِ. هَذَا الْكَلَامُ بِيَمِينِهِ تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ كَلَامٍ يَسْتَأْنِفُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذَا الْكَلَامِ الْمُتَّصِلِ، كَمَا لَوْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ حَقِيقَةً.

فَائِدَةٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ. فَسَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ هُوَ فِيهِمْ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ. وَلَمْ يُرِدْهُ بِالسَّلَامِ فَحَكَى الْأَصْحَابُ فِي حِنْثِهِ رِوَايَتَانِ. وَالْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا الْحِنْثُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيُشْبِهُ تَخْرِيجُ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى مَسْأَلَةِ: مَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فَفَعَلَهُ جَاهِلًا بِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَبْتَدِئُهُ بِكَلَامٍ " فَتَكَلَّمَا جَمِيعًا مَعًا: حَنِثَ) هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ حَلَفَ " لَا كَلَّمْته حَتَّى يُكَلِّمَنِي، أَوْ يَبْدَأَنِي بِالْكَلَامِ " فَتَكَلَّمَا مَعًا: حَنِثَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ.

ص: 83

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يُكَلِّمُهُ حِينًا " فَذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. نَصَّ عَلَيْهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْإِرْشَادِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله، وَالْأَصْحَابُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: إنْ عَرَّفَهُ فَلِلْأَبَدِ، كَالدَّهْرِ وَالْعُمْرِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَقَلُّ زَمَنٍ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا أَطْلَقَ، وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " زَمَنًا، أَوْ دَهْرًا، أَوْ بَعِيدًا، أَوْ مَلِيًّا " رَجَعَ إلَى أَقَلِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ) . وَكَذَا " طَوِيلًا " وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ.

ص: 84

وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي " بَعِيدٌ " وَ " مَلِيٌّ " وَ " طَوِيلٌ ". وَقَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا، مِثْلُ " الْحِينِ " إلَّا " بَعِيدًا " أَوْ " مَلِيًّا " فَإِنَّهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِي " زَمَنٌ " وَ " دَهْرٌ ". وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى: إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ زَمَانًا: لَمْ يُكَلِّمْهُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " عُمْرًا " احْتَمَلَ ذَلِكَ) . يَعْنِي: أَنَّهُ كَزَمَنٍ، وَدَهْرٍ، وَبَعِيدٍ، وَمَلِيٍّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَرْبَعِينَ عَامًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ مِثْلُ " حِينٍ " كَمَا تَقَدَّمَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: الْأَبَدَ وَالدَّهْرَ) يَعْنِي: مُعَرَّفًا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ. فَذَلِكَ عَلَى الزَّمَانِ كُلِّهِ. وَكَذَا " الْعُمْرُ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: إنَّ " الْعُمْرَ " كَالْحِينِ. وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً.

فَائِدَةٌ:

" الزَّمَانُ " كَالْحِينِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

ص: 85

اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ عَلَى الزَّمَانِ كُلِّهِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَأَمَّا الَّذِي قَالَهُ فِي الْإِرْشَادِ: فَإِنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ زَمَانًا. فَإِنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. قَوْلُهُ (وَالْحِقْبُ: ثَمَانُونَ سَنَةً) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَصَحَّحَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ: وَأَمَّا " الْحِقْبُ " فَقِيلَ: ثَمَانُونَ سَنَةً، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ أَدْنَى زَمَانٍ. وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّ حِقَبًا أَقَلُّ زَمَانٍ. وَقِيلَ: الْحِقْبُ أَرْبَعُونَ سَنَةً. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، قُلْت: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَالْعُمْرِ. وَقِيلَ: الْحِقْبُ لِلْأَبَدِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " إلَى الْحَوْلِ " فَحَوْلٌ كَامِلٌ لَا تَتِمَّتُهُ. أَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ.

ص: 86

قَوْلُهُ (وَالشُّهُورُ: اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، عِنْدَ الْقَاضِي) . قَالَ الشَّارِحُ: عِنْدَ الْقَاضِي، وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، كَالْأَشْهُرِ وَالْأَيَّامِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيِّ فِي مُنْتَخَبِهِ. قَوْلُهُ (وَالْأَيَّامُ: ثَلَاثَةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لِلْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ اسْمُ " الْأَيَّامِ " يَلْزَمُ الثَّلَاثَةَ إلَى الْعَشَرَةِ لِأَنَّك تَقُولُ: أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَا تَقُولُ أَيَّامًا. فَلَوْ تَنَاوَلَ اسْمُ " الْأَيَّامِ " مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ حَقِيقَةً، لَمَا جَازَ نَفْيُهُ؟ فَقَالَ: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ اسْمَ " الْأَيَّامِ " يَقَعُ عَلَى ذَلِكَ. وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ. يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]{بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24]{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] . وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ:

وَكُنَّا حَسِبْنَا كُلَّ سَوْدَاءَ تَمْرَةً

لَيَالِيَ لَاقَيْنَا جُذَامًا وَحِمْيَرَا

قَالَ الْقَاضِي: فَدَلَّ أَنَّ " الْأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ " لَا تَخْتَصُّ بِالْعَشَرَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ بَابَ هَذِهِ الدَّارِ " فَحُوِّلَ وَدَخَلَهُ حَنِثَ) .

ص: 87

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: إنْ رَقِيَ السَّطْحَ، أَوْ نَزَلَهَا مِنْهُ، أَوْ مِنْ نَقْبٍ: فَوَجْهَانِ. كَمَا تَقَدَّمَ.

فَائِدَةٌ: لَوْ حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ بَابِهَا " فَدَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ الْبَابِ: لَمْ يَحْنَثْ. وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ يَحْنَثَ إذَا أَرَادَ بِيَمِينِهِ اجْتِنَابَ الدَّارِ. وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَابِ سَبَبٌ هَيَّجَ يَمِينَهُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَهُوَ قَوِيٌّ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يُكَلِّمُهُ إلَى حِينِ الْحَصَادِ " انْتَهَتْ يَمِينُهُ بِأَوَّلِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا، وَغَيْرُهُ: هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَنَاوَلَ جَمِيعَ مُدَّتِهِ) . وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَتَقَدَّمَ مَا يُشَابِهُ ذَلِكَ فِي الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ. وَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الْإِقْرَارِ. وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ. ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا مَالَ لَهُ " وَلَهُ مَالٌ غَيْرُ زَكَوِيٍّ، أَوْ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ: حَنِثَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ.

ص: 88

وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: يَحْنَثُ. وَعَنْهُ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالنَّقْدِ. وَعَنْهُ: إذَا نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ: إنَّمَا يَتَنَاوَلُ نَذْرُهُ الصَّامِتَ مِنْ مَالِهِ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ فِي الْوَاضِحِ: الْمَالُ مَا تَنَاوَلَهُ النَّاسُ عَادَةً بِعَقْدٍ شَرْعِيٍّ لِطَلَبِ الرِّبْحِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَيْلِ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ، وَمِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ. قَالَ: وَالْمِلْكُ يَخْتَصُّ الْأَعْيَانَ مِنْ الْأَمْوَالِ. وَلَا يَعُمُّ الدَّيْنَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَحْنَثُ بِاسْتِئْجَارِهِ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ. وَفِي مَغْصُوبٍ عَاجِزٍ عَنْهُ وَضَائِعٍ أَيِسَ مِنْهُ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ مَغْصُوبٌ: حَنِثَ. وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ضَائِعٌ: فَفِيهِ وَجْهَانِ، الْحِنْثُ وَعَدَمُهُ. فَإِنْ ضَاعَ عَلَى وَجْهٍ قَدْ أَيِسَ مِنْ عَوْدِهِ، كَاَلَّذِي سَقَطَ فِي بَحْرٍ: لَمْ يَحْنَثْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي كُلِّ مَوْضُوعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ مَالِهِ، كَالْمَجْحُودِ وَالْمَغْصُوبِ، وَالدَّيْنِ الَّذِي عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ. انْتَهَيَا.

فَائِدَةٌ: لَوْ تَزَوَّجَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ مَا تَمَلَّكَهُ لَيْسَ بِمَالٍ. وَكَذَلِكَ إنْ وَجَبَ لَهُ حَقُّ شُفْعَةٍ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَفْعَلُ شَيْئًا " فَوَكَّلَ مَنْ يَفْعَلُهُ: حَنِثَ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

ص: 89

وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله. وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. مِنْهُمْ: الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَابْنُ مُنَجَّا، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ: أَقَامَ الشَّرْعُ أَقْوَالَ الْوَكِيلِ وَأَفْعَالَهُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فَلَوْ حَلَفَ " لَا يُكَلِّمُ مَنْ اشْتَرَاهُ أَوْ تَزَوَّجَهُ زَيْدٌ " حَنِثَ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ. نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: إنْ حَلَفَ " لَا يَبِيعُهُ شَيْئًا " فَبَاعَ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِلَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ: حَنِثَ. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَفْعَلُ شَيْئًا " فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِفِعْلِهِ: حَنِثَ. إلَّا أَنْ تَكُونَ عَادَتُهُ جَارِيَةً بِمُبَاشَرَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِنَفْسِهِ، وَيَقْصِدُ بِيَمِينِهِ أَنْ لَا يَتَوَلَّى هُوَ فِعْلَهُ بِنَفْسِهِ. فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِفِعْلِهِ: لَمْ يَحْنَثْ. قَالَ فِي الْمُفْرَدَاتِ: إنْ حَلَفَ " لَيَفْعَلَنَّهُ " فَوَكَّلَ، وَعَادَتُهُ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ: حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا.

فَائِدَةٌ: لَوْ تَوَكَّلَ الْحَالِفُ فِيمَا حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ، وَكَانَ عَقْدًا فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مُوَكِّلِهِ: لَمْ يَحْنَثْ. وَلَا بُدَّ فِي النِّكَاحِ مِنْ الْإِضَافَةِ. كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ وَالنِّكَاحِ. وَإِنْ أَطْلَقَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَكْفُلُ مَالًا " فَكَفَلَ بَدَنًا وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ: أَوَّلًا لَمْ يَحْنَثْ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى وَطْءِ امْرَأَتِهِ: تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِجِمَاعِهَا. وَإِنْ

ص: 90

حَلَفَ عَلَى وَطْءِ دَارٍ: تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِدُخُولِهَا، رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا، أَوْ حَافِيًا أَوْ مُنْتَعِلًا) . لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَشُمُّ الرَّيْحَانَ " فَشَمَّ الْوَرْدَ وَالْبَنَفْسَجَ وَالْيَاسَمِينَ، أَوْ " لَا يَشُمُّ الْوَرْدَ وَالْبَنَفْسَجَ " فَشَمَّ دُهْنَهُمَا، أَوْ مَاءَ الْوَرْدِ. فَالْقِيَاسُ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ) . وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِشَمِّ الرَّيْحَانِ الْفَارِسِيِّ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَحْنَثُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ لَحْمًا " فَأَكَلَ سَمَكًا: حَنِثَ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، تَقْدِيمًا لِلشَّرْعِ وَاللُّغَةِ. قَالَ فِي الْمَذْهَبِ: حَنِثَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ.

ص: 91

وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ. وَنَصَرَاهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَلَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّهُ الظَّاهِرُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ رَأْسًا وَلَا بَيْضًا " حَنِثَ بِأَكْلِ رُءُوسِ الطُّيُورِ وَالسَّمَكِ، وَبَيْضِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ عِنْدَ الْقَاضِي) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: حَنِثَ بِأَكْلِ السَّمَكِ وَالطَّيْرِ فِي الْأَصَحِّ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ رَأْسٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ مُنْفَرِدًا، أَوْ بَيْضٍ يُزَايِلُ بَائِضُهُ حَالَ الْحَيَاةِ. وَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلَافِهِ: أَنَّ يَمِينَهُ تَخْتَصُّ بِمَا يُسَمَّى رَأْسًا عُرْفًا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ فِي الْبَيْضِ وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ، وَالْإِقْنَاعِ فِي الرُّءُوسِ: هَلْ يَحْنَثُ بِأَكْلِ كُلِّ رَأْسٍ؟ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. أَمْ بِرُءُوسِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ كَانَ بِمَكَانٍ الْعَادَةُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ فِيهِ: حَنِثَ فِيهِ. أَوْ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ وَجْهَانِ. نَظَرًا إلَى أَصْلِ الْعَادَةِ، أَوْ عَادَةِ الْحَالِفِ.

ص: 92

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ بَيْتًا " فَدَخَلَ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا، أَوْ بَيْتَ شَعْرٍ أَوْ أَدَمٍ، أَوْ " لَا يَرْكَبُ " فَرَكِبَ سَفِينَةً: حَنِثَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. تَقْدِيمًا لِلشَّرْعِ وَاللُّغَةِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الْمَذْهَبُ فِيمَا إذَا دَخَلَ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: فَالْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى نِيَّتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَحِنْثُهُ بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ وَالْكَعْبَةِ: مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ. وَقَالَ الشَّارِحُ: وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا دَخَلَ مَا لَا يُسَمَّى بَيْتًا فِي الْعُرْفِ كَالْخَيْمَةِ.

وَقَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَتَكَلَّمُ " فَقَرَأَ، أَوْ سَبَّحَ، أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ: لَمْ يَحْنَثْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَتَوَقَّفَ فِي رِوَايَةٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ دَقَّ عَلَيْهِ إنْسَانٌ. فَقَالَ " اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ " يَقْصِدُ تَنْبِيهَهُ) يَعْنِي يَقْصِدُ بِذَلِكَ الْقُرْآنَ (لَمْ يَحْنَثْ) .

ص: 93

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَذْهَبِ: وَجْهَيْنِ فِي حِنْثِهِ.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ تَنْبِيهَهُ أَعْنِي إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ الْقُرْآنَ يَحْنَثُ. وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ.

فَائِدَةٌ: حَقِيقَةُ الذِّكْرِ: مَا نَطَقَ بِهِ. فَتُحْمَلُ يَمِينُهُ عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: الْكَلَامُ يَتَضَمَّنُ فِعْلًا، كَالْحَرَكَةِ. وَيَتَضَمَّنُ مَا يَقْتَرِنُ بِالْفِعْلِ مِنْ الْحُرُوفِ وَالْمَعَانِي. فَلِهَذَا يُجْعَلُ الْقَوْلُ قَسِيمًا لِلْفِعْلِ تَارَةً، وَقِسْمًا مِنْهُ تَارَةً أُخْرَى. وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ: مَنْ حَلَفَ " لَا يَعْمَلُ عَمَلًا " فَقَالَ قَوْلًا، كَالْقِرَاءَةِ وَنَحْوِهَا. هَلْ يَحْنَثُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ: لَوْ حَلَفَ لَا يَعْمَلُ عَمَلًا، فَتَكَلَّمَ: حَنِثَ، وَقِيلَ: لَا. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ فِي الْمَشْيِ فِي صَلَاتِهِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «افْعَلْ ذَلِكَ» يَرْجِعُ إلَى الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلٌ فِي الْحَقِيقَةِ. وَلَيْسَ إذَا كَانَ لَهَا اسْمٌ أَخَصُّ بِهِ مِنْ الْفِعْلِ يَمْتَنِعُ أَنْ تُسَمَّى فِعْلًا. قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ " فَقَرَأَ الْقُرْآنَ: حَنِثَ إجْمَاعًا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ. فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً: لَمْ يَبَرَّ فِي يَمِينِهِ) .

ص: 94

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّبْصِرَةِ: اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَعَنْهُ: يَبَرُّ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، كَحَلِفِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ بِمِائَةِ سَوْطٍ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ شَيْئًا " فَأَكَلَهُ مُسْتَهْلَكًا فِي غَيْرِهِ، مِثْلُ إنْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ لَبَنًا " فَأَكَلَهُ زُبْدًا، أَوْ " لَا يَأْكُلُ سَمْنًا " فَأَكَلَ خَبِيصًا فِيهِ سَمْنٌ لَا يَظْهَرُ فِيهِ طَعْمُهُ، أَوْ " لَا يَأْكُلُ بَيْضًا " فَأَكَلَ نَاطِفًا، أَوْ " لَا يَأْكُلُ شَحْمًا " فَأَكَلَ اللَّحْمَ الْأَحْمَرَ، أَوْ " لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا " فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ: لَمْ يَحْنَثْ) . يَشْتَمِلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى مَسَائِلَ: مِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا. فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِ كُلِّ لَبَنٍ. وَلَوْ مِنْ صَيْدٍ وَآدَمِيَّةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِمَا مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ. وَإِنْ أَكَلَ زُبْدًا لَمْ يَحْنَثْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. إذَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ طَعْمُهُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا. وَذَكَرَ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا احْتِمَالًا لِلْقَاضِي.

ص: 95

وَلَعَلَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ طَعْمُهُ. كَمَا صَرَّحُوا بِهِ هُنَا. أَوْ يُقَالُ: الزُّبْدُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ اللَّبَنِ مُسْتَهْلَكًا. وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الصُّورَةَ فِي الْوَجِيزِ هُنَا. وَلَا جَمَاعَةٌ غَيْرُهُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي حِنْثِهِ بِزُبْدٍ وَأَقِطٍ وَجُبْنٍ: رِوَايَتَانِ. وَأَمَّا إذَا ظَهَرَ طَعْمُهُ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ. وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا. فَأَكَلَ خَبِيصًا فِيهِ سَمْنٌ لَا يَظْهَرُ فِيهِ طَعْمُهُ: لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ طَعْمُهُ: حَنِثَ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا. فَأَكَلَ نَاطِفًا: لَمْ يَحْنَثْ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا. فَاسْتَهْلَكَ فِي غَيْرِهِ ثُمَّ أَكَلَهُ. قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يَحْنَثُ. وَلَمْ يُخَرِّجُوا فِيهِ خِلَافًا. وَقَدْ يُخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ بِالْحِنْثِ. وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو الْخَطَّابِ. وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا. فَأَكَلَ اللَّحْمَ الْأَحْمَرَ: لَمْ يَحْنَثْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ اللَّحْمِ الْأَحْمَرِ. عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ الْخِرَقِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَالَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ: لَا يَحْنَثُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ: وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 96

(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ اللَّحْمِ الْأَحْمَرِ وَحْدَهُ) . وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ. وَتَقَدَّمَ: إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ، فَأَكَلَ الشَّحْمَ أَوْ غَيْرَهُ، أَوْ لَا يَأْكُلُ الشَّحْمَ فَأَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا، فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ: لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الشَّارِحُ: وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ غَيْرُ الْخِرَقِيِّ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ حِنْطَةٍ فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالتَّرْغِيبِ: حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ: فِي حِنْثِهِ وَجْهَيْنِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَحْنَثُ بِلَا خِلَافٍ، إنْ كَانَ غَيْرَ مَطْحُونٍ. وَغَلِطَ مَنْ نَقَلَ وَجْهَيْنِ مُطْلَقَيْنِ. وَإِنْ كَانَ مَطْحُونًا: لَمْ يَحْنَثْ. نَقَلَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي التَّرْغِيبِ إنْ طَحَنَهُ: لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ. انْتَهَى.

ص: 97

قُلْت: قَطَعَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا أَكَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَطْحُونٍ. وَيَحْنَثُ إذَا أَكَلَهُ دَقِيقًا أَوْ سَوِيقًا. فَقَالَ: لَوْ " حَلَفَ لَا آكُلُ شَعِيرًا " فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ: لَمْ يَحْنَثْ بَلْ بِدَقِيقِهِ وَسَوِيقِهِ وَشُرْبِهِمَا، أَوْ بِالْعَكْسِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا " فَشَرِبَهُ، أَوْ " لَا يَشْرَبُهُ " فَأَكَلَهُ، فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَحْنَثُ) . وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، فِيمَنْ حَلَفَ " لَا يَشْرَبُ نَبِيذًا " فَثَرَدَ فِيهِ فَأَكَلَهُ: لَا يَحْنَثُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: رَوَى مُهَنَّا لَا يَحْنَثُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا: فَيَخْرُجُ فِي كُلِّ مَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ، فَشَرِبَهُ. أَوْ لَا يَشْرَبُهُ، فَأَكَلَهُ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ عَيَّنَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ: يَحْنَثُ. وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ: لَمْ يَحْنَثْ. قَالَهُ فِي الْمُجَرَّدِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ، وَالْمُحَرَّرُ، وَالْحَاوِي وَقَالَ الْقَاضِي فِي " كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ " مَحَلُّ الْخِلَافِ: مَعَ التَّعْيِينِ. أَمَّا مَعَ عَدَمِهِ: فَلَا يَحْنَثُ قَوْلًا وَاحِدًا.

ص: 98

وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: مَعَ ذِكْرِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ. وَإِلَّا حَنِثَ.

فَائِدَةٌ: لَوْ حَلَفَ " لَا يَشْرَبُ " فَمَصَّ قَصَبَ السُّكَّرِ، أَوْ الرُّمَّانَ: لَمْ يَحْنَثْ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ " فَمَصَّهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَكَذَا الْحُكْمُ: لَوْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ سُكَّرًا " فَتَرَكَهُ فِي فِيهِ حَتَّى ذَابَ وَابْتَلَعَهُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمْ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَطْعَمُهُ " حَنِثَ بِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ. وَإِنْ ذَاقَهُ وَلَمْ يَبْلَعْهُ: لَمْ يَحْنَثْ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ حَلَفَ " لَا ذَاقَهُ " حَنِثَ بِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيمَنْ لَا ذَوْقَ لَهُ نَظَرٌ. وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ مَائِعًا " فَأَكَلَهُ بِالْخُبْزِ: حَنِثَ. بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَتَزَوَّجُ، وَلَا يَتَطَهَّرُ، وَلَا يَتَطَيَّبُ " فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ: لَمْ يَحْنَثْ) . وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ.

ص: 99

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ اسْمُ الْفِعْلِ عَلَى مُسْتَدِيمِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ. فَلَا يُقَالُ: تَزَوَّجْت شَهْرًا، وَلَا تَطَهَّرْت شَهْرًا، وَلَا تَطَيَّبْت شَهْرًا. وَإِنَّمَا يُقَالُ: مُنْذُ شَهْرٍ. وَلَمْ يُنَزِّلْ الشَّارِعُ اسْتِدَامَةَ التَّزَوُّجِ وَالتَّطَيُّبِ، مَنْزِلَةَ ابْتِدَائِهِمَا فِي تَحْرِيمِهِ فِي الْإِحْرَامِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَرْكَبُ، وَلَا يَلْبَسُ " فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ: حَنِثَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فِي اللُّبْسِ إنْ اسْتَدَامَهُ: حَنِثَ، إنْ قَدَرَ عَلَى نَزْعِهِ. قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ شِهَابٍ، وَغَيْرُهُمَا: الْإِخْرَاجُ وَالنَّزْعُ لَا يُسَمَّى سَكَنًا، وَلَا لُبْسًا، وَلَا فِيهِ مَعْنَاهُ. وَتَقَدَّمَ " إذَا حَلَفَ لَا يَصُومُ وَكَانَ صَائِمًا، أَوْ لَا يَحُجُّ فِي حَالِ حَجِّهِ " أَوْ " حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ لَا يُصَلِّي وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ ".

فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ حَلَفَ " لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا " وَعَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ حَلَفَ " لَا يَقُومُ " وَهُوَ قَائِمٌ. وَ " لَا يَقْعُدُ " وَهُوَ قَاعِدٌ. وَ " لَا يُسَافِرُ " وَهُوَ مُسَافِرٌ. وَكَذَا لَوْ حَلَفَ " لَا يَطَأُ " ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَلَا يُمْسِكُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ. أَوْ حَلَفَ " أَنْ لَا يُضَاجِعَهَا عَلَى فِرَاشٍ " فَضَاجَعَتْهُ وَدَامَ. نَصَّ عَلَيْهِ. أَوْ حَلَفَ " أَنْ لَا يُشَارِكَهُ " فَدَامَ. ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ عَنْ الْقَاضِي وَابْنِ شِهَابٍ وَغَيْرِهِمَا: وَالنَّزْعُ جِمَاعٌ. لِاشْتِمَالِهِ عَلَى إيلَاجٍ، وَإِخْرَاجٍ فَهُوَ شَطْرُهُ.

ص: 100

وَجَزَمَ الْمَجْدُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ: لَا يَحْنَثُ الْمُجَامِعُ إنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ. وَجَعَلَهُ مَحَلَّ وِفَاقٍ فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ. لِأَنَّ الْيَمِينَ أَوْجَبَتْ الْكَفَّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِأَوَّلِ أَسْبَابِ الْإِمْكَانِ بَعْدَهَا. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ يَمِينِهِ: لَا اسْتَدَمْت الْجِمَاعَ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي " بَابِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ " مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ هَذَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ دَارًا " وَهُوَ دَاخِلُهَا، فَأَقَامَ فِيهَا: حَنِثَ عِنْدَ الْقَاضِي) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَلَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا " فَدَخَلَ فُلَانٌ عَلَيْهِ فَأَقَامَ مَعَهُ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ النَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي

ص: 101

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْنَثُ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ. قَالَهُ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَسْكُنُ دَارًا " أَوْ " لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا " وَهُوَ مُسَاكِنُهُ، وَلَمْ يَخْرُجْ فِي الْحَالِ: حَنِثَ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ لِنَقْلِ مَتَاعِهِ، أَوْ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ الْخُرُوجَ. فَيُقِيمُ إلَى أَنْ يُمْكِنَهُ. وَإِنْ خَرَجَ دُونَ مَتَاعِهِ وَأَهْلِهِ: حَنِثَ، إلَّا أَنْ يُودِعَ مَتَاعَهُ أَوْ يُعِيرَهُ أَوْ يَزُولَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَتَأْبَى امْرَأَتُهُ الْخُرُوجَ مَعَهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ إكْرَاهُهَا، فَيَخْرُجُ وَحْدَهُ: فَلَا يَحْنَثُ) هَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ أَقَامَ السَّاكِنُ، أَوْ الْمُسَاكِنُ حَتَّى يُمْكِنَهُ الْخُرُوجُ بِحَسْبِ الْعَادَةِ، لَا لَيْلًا. ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ بِنَفْسِهِ وَبِأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ الْمَقْصُودِ: لَمْ يَحْنَثْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يَحْنَثُ إنْ لَمْ يَنْوِ النَّقْلَةَ. وَظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ هَانِئٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ لَوْ تَرَكَ لَهُ بِهَا شَيْئًا: حَنِثَ. وَقِيلَ: إنْ خَرَجَ بِأَهْلِهِ فَقَطْ، فَسَكَنَ بِمَوْضِعٍ آخَرَ: لَمْ يَحْنَثْ. قَالَ الشَّارِحُ: وَالْأَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إذَا انْتَقَلَ بِأَهْلِهِ، فَسَكَنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَإِنْ بَقِيَ مَتَاعُهُ فِي الدَّارِ الْأُولَى. لِأَنَّ مَسْكَنَهُ حَيْثُ حَلَّ أَهْلُهُ بِهِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ. انْتَهَى.

ص: 102

وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقِيلَ: أَوْ خَرَجَ وَحْدَهُ بِمَا يَتَأَثَّثُ بِهِ. فَلَا يَحْنَثُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي.

وَقَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا " فَبَنَيَا بَيْنَهُمَا حَائِطًا، وَهُمَا مُتَسَاكِنَانِ: حَنِثَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَقِيلَ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَإِنْ تَشَاغَلَ هُوَ وَفُلَانٌ بِبِنَاءِ الْحَاجِزِ بَيْنَهُمَا، وَهُمَا مُتَسَاكِنَانِ: حَنِثَ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي.

فَائِدَةٌ لَوْ حَلَفَ " لَا أُسَاكِنُهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ " وَهُمَا غَيْرُ مُتَسَاكِنَيْنِ فَبَنَيَا بَيْنَهُمَا حَائِطًا، وَفَتَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَابًا لِنَفْسِهِ وَسَكَنَاهَا: لَمْ يَحْنَثْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، الشَّرْحِ. وَصَحَّحَاهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَيَحْتَمِلُهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. لِكَوْنِهِ عَيَّنَ الدَّارِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ حُجْرَتَانِ كُلُّ حُجْرَةٍ تَخْتَصُّ بِبَابِهَا وَمَرَافِقِهَا. فَسَكَنَ كُلُّ وَاحِدٍ حُجْرَةً: لَمْ يَحْنَثْ) .

ص: 103

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: إذَا لَمْ يَكُنْ نِيَّةٌ وَلَا سَبَبٌ. قَالَ فِي الْفُنُونِ فِيمَنْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت عَلَيَّ الْبَيْتَ، وَلَا كُنْت لِي زَوْجَةً: إنْ لَمْ تَكْتُبِي لِي نِصْفَ مَالِكِ " فَكَتَبَتْهُ لَهُ بَعْدَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا: يَقَعُ الثَّلَاثُ وَإِنْ كَتَبَتْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بِاسْتِدَامَةِ الْمَقَامِ. فَكَذَا اسْتِدَامَةُ الزَّوْجِيَّةِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَيَخْرُجَنَّ مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ " فَخَرَجَ وَحْدَهُ دُونَ أَهْلِهِ: بَرَّ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ يَبَرُّ بِخُرُوجِهِ وَحْدَهُ وَجُزِمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَبَرُّ بِخُرُوجِهِ بِمَتَاعِهِ الْمَقْصُودِ. وَقِيلَ: لَا يَبَرُّ بِخُرُوجِهِ وَحْدَهُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهَا كَحَلِفِهِ " لَا يَسْكُنُ الدَّارَ ".

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَيَخْرُجَنَّ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ " فَخَرَجَ دُونَ أَهْلِهِ: لَمْ يَبَرَّ) هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَهُوَ كَحَلِفِهِ " لَا يَسْكُنُ الدَّارَ " عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

فَائِدَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ حَلَفَ " لَا يَنْزِلُ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَلَا يَأْوِي إلَيْهَا " نُصَّ عَلَيْهِمَا. وَكَذَا لَوْ حَلَفَ " لَيَرْحَلَنَّ مِنْ الْبَلَدِ ".

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَيَخْرُجَنَّ مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ " أَوْ " لَيَرْحَلَنَّ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ " فَفَعَلَ، فَهَلْ لَهُ الْعَوْدُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) .

ص: 104

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ.

إحْدَاهُمَا: لَهُ الْعَوْدُ. وَلَمْ يَحْنَثْ إذَا لَمْ يَكُنْ نِيَّةٌ وَلَا سَبَبٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَحْنَثْ بِالْعَوْدِ إذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ وَلَا سَبَبٌ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: إذَا رَحَلَ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَحْنَثُ بِالْعَوْدِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ دَارًا " فَحُمِلَ فَأُدْخِلَهَا وَأَمْكَنَهُ الِامْتِنَاعُ فَلَمْ يَمْتَنِعْ، أَوْ " حَلَفَ لَا يَسْتَخْدِمُ رَجُلًا " فَخَدَمَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ. فَقَالَ الْقَاضِي: يَحْنَثُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُذْهَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْأُولَى فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 105

وَقُدِّمَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي الثَّانِيَةِ. وَقَالَ الشَّارِحُ: إنْ كَانَ الْخَادِمُ عَبْدَهُ: حَنِثَ. وَإِنْ كَانَ عَبْدَ غَيْرِهِ: لَمْ يَحْنَثْ. وَجَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ.

تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الِامْتِنَاعُ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمُكْرَهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَحْنَثُ بِالِاسْتِدَامَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ أَحْكَامِ الْمُكْرَهِ فِي آخِرِ " بَابِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ ". فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ احْتِمَالُ الْمُصَنِّفِ: لَوْ اسْتَدَامَ فَفِي حِنْثِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيِّ.

إحْدَاهُمَا: يَحْنَثُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ الصَّوَابُ.

وَالثَّانِي: لَا يَحْنَثُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَيَشْرَبَنَّ الْمَاءَ " أَوْ " لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ غَدًا " فَتَلِفَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْغَدِ: حَنِثَ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْمُحَرَّرِ.

ص: 106

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ. لَا يَحْنَثُ عَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَحْنَثُ حَالَ تَلَفِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ فِي آخِرِ الْغَدِ. وَهُوَ أَيْضًا تَخْرِيجٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ إذَا جَاءَ الْغَدُ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: إذَا تَلِفَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْحَالِفِ. فَأَمَّا إنْ تَلِفَ بِاخْتِيَارِهِ كَمَا إذَا قَتَلَهُ وَنَحْوَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَفِي وَقْتِ حِنْثِهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ.

الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ فِي الْغَدِ، وَلَمْ يَضْرِبْهُ: أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَشَمِلَ صُورَتَيْنِ.

إحْدَاهُمَا: أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ ضَرْبِهِ فِي الْغَدِ. فَهُوَ كَمَا لَوْ مَاتَ مِنْ يَوْمِهِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ.

الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ ضَرْبِهِ وَلَمْ يَضْرِبْهُ. فَهَذَا يَحْنَثُ قَوْلًا وَاحِدًا. فَوَائِدُ مِنْهَا: لَوْ ضَرَبَهُ قَبْلَ الْغَدِ: لَمْ يَبَرَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

ص: 107

قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَبَرُّ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ لِلْحِنْثِ عَلَى ضَرْبِهِ. فَإِذَا ضَرَبَهُ الْيَوْمَ، فَقَدْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَزِيَادَةً. قُلْت: قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ: إذَا حَلَفَ " لَيَقْضِيَنَّهُ غَدًا " فَقَضَاهُ قَبْلَهُ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ.

وَمِنْهَا: لَوْ ضَرَبَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ: لَمْ يَبَرَّ.

وَمِنْهَا: لَوْ ضَرَبَهُ ضَرْبًا لَا يُؤْلِمُهُ: لَمْ يَبَرَّ أَيْضًا.

وَمِنْهَا. لَوْ جُنَّ الْغُلَامُ وَضَرَبَهُ: بَرَّ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ الْحَالِفُ: لَمْ يَحْنَثْ) . إذَا مَاتَ الْحَالِفُ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ قَبْلَ الْغَدِ، أَوْ فِي الْغَدِ. فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْغَدِ: لَمْ يَحْنَثْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَحْنَثْ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ جُنَّ الْحَالِفُ، فَلَمْ يُفِقْ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْغَدِ. وَإِنْ مَاتَ فِي الْغَدِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَحْنَثُ. نُصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَحْنَثُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقِيلَ: إنْ تَمَكَّنَ مِنْ ضَرْبِهِ: حَنِثَ، وَإِلَّا فَلَا.

ص: 108

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ مُصَرَّحًا بِهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا. لَكِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِ أَبِي الْبَرَكَاتِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَإِنْ مَاتَ الْحَالِفُ فِي الْغَدِ، بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ ضَرْبِهِ: حَنِثَ وَجْهًا وَاحِدًا.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ حَلَفَ " لَيَضْرِبَنَّ هَذَا الْغُلَامَ الْيَوْمَ " أَوْ " لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ " فَمَاتَ الْغُلَامُ، أَوْ تَلِفَ الرَّغِيفُ فِيهِ: حَنِثَ عَقِبَ تَلَفِهِمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ فِي آخِرِهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَمُتْ الْغُلَامُ، وَلَا تَلِفَ الرَّغِيفُ، لَكِنْ مَاتَ الْحَالِفُ: فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْنَثُ بِمَوْتِهِ. عَلَى الْأَصَحِّ بِآخِرِ حَيَاتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ بِمَوْتِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: وَقْتُ حِنْثِهِ آخِرُ حَيَاتِهِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ حَلَفَ " لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا وَعَيَّنَ وَقْتًا، أَوْ أَطْلَقَ. فَمَاتَ الْحَالِفُ، أَوْ تَلِفَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ وَقْتٌ يُمْكِنُ فِعْلُهُ فِيهِ: حَنِثَ. نُصَّ عَلَيْهِ كَإِمْكَانِهِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَعَمُّ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ " فَأَبْرَأَهُ. فَهَلْ يَحْنَثُ؟ وَجْهَيْنِ) .

ص: 109

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يَحْنَثُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحْنَثُ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: بِنَاءً عَلَى مَا إذَا أُكْرِهَ، وَمُنِعَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْغَدِ: هَلْ يَحْنَثُ؟ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى مَا إذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ، فَتَلِفَ قَبْلَ فِعْلِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَإِنْ حَلَفَ " لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فِي غَدٍ " فَأَبْرَأهُ الْيَوْمَ وَقِيلَ: مُطْلَقًا فَقِيلَ: كَمَسْأَلَةِ التَّلَفِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: أَصْلُهُمَا إذَا مُنِعَ مِنْ الْإِيفَاءِ فِي الْغَدِ كُرْهًا: لَا يَحْنَثُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَأَطْلَقَ فِي التَّبْصِرَةِ فِيهِمَا الْخِلَافَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَحِقُّ فَقَضَى وَرَثَتَهُ: لَمْ يَحْنَثْ) . اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ. فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَفَ " لَيَضْرِبَنَّهُ غَدًا " فَمَاتَ الْيَوْمَ.

ص: 110

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ مَسْأَلَةِ الْبَرَاءَةِ وَكَذَا إنْ مَاتَ رَبُّهُ. فَقَضَى لِوَرَثَتِهِ. وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي.

قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَهُ بِحَقِّهِ عَرَضًا: لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ أَخَذَ عَنْهُ عَرَضًا: لَمْ يَحْنَثْ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ.

(وَحَنِثَ عِنْدَ الْقَاضِي) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي.

فَائِدَةٌ لَوْ حَلَفَ " لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فِي غَدٍ " فَأَبْرَأَهُ الْيَوْمَ، أَوْ قَبْلَ مُضِيِّهِ، أَوْ مَاتَ رَبُّهُ فَقَضَاهُ لِوَرَثَتِهِ: لَمْ يَحْنَثْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ إلَّا مَعَ الْبَرَاءَةِ، أَوْ الْمَوْتِ قَبْلَ الْغَدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَوْ حَلَفَ " لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فِي غَدٍ " فَأَبْرَأَهُ الْيَوْمَ وَقِيلَ: مُطْلَقًا فَقِيلَ: كَمَسْأَلَةِ التَّلَفِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ فِي الْأَصَحِّ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ " فَقَضَاهُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ: بَرَّ) بِلَا نِزَاعٍ.

ص: 111

وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ " مَعَ رَأْسِ الْهِلَالِ " أَوْ " إلَى رَأْسِ الْهِلَالِ " أَوْ " إلَى اسْتِهْلَالِهِ " أَوْ " عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ " أَوْ " مَعَ رَأْسِهِ " قَالَهُ الشَّارِحُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَوْ شَرَعَ فِي عَدِّهِ، أَوْ كَيْلِهِ، أَوْ وَزْنِهِ، فَتَأَخَّرَ الْقَضَاءُ: لَمْ يَحْنَثْ. لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ الْقَضَاءَ. قَالَا: وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ " لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الطَّعَامَ فِي هَذَا الْوَقْتِ " فَشَرَعَ فِي أَكْلِهِ فِيهِ، وَتَأَخَّرَ الْفَرَاغُ لِكَثْرَتِهِ: لَمْ يَحْنَثْ.

قَوْلُهُ (فَقَضَاهُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ) . هَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ. وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قَالُوا: فَقَضَاهُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَقَضَاهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ فِي آخِرِهِ: بَرَّ. وَقِيلَ: بَلْ فِي أَوَّلِهِ. فَجَعَلَهُمَا قَوْلَيْنِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّهُ قَوْلٌ وَاحِدٌ. لَكِنَّ الْعِبَارَةَ مُخْتَلِفَةٌ.

فَائِدَةٌ لَوْ أَخَّرَ ذَلِكَ مَعَ إمْكَانِهِ: حَنِثَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا تُعْتَبَرُ الْمُقَارَنَةُ. فَتَكْفِي حَالَةَ الْغُرُوبِ. وَإِنْ قَضَاهُ بَعْدَهُ: حَنِثَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا فَارَقْتُك حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي " فَهَرَبَ مِنْهُ: حَنِثَ نَصَّ عَلَيْهِ) . فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

ص: 112

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَحْنَثُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَجَزَمَ فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ إذَا فَارَقَهُ الْغَرِيمُ بِإِذْنِهِ، أَوْ قَدَرَ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ الْهَرَبِ فَلَمْ يَفْعَلْ: حَنِثَ. وَمَعْنَاهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي. وَجَعَلَهُ مَفْهُومَ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. يَعْنِي فِي الْإِذْنِ لَهُ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَإِنْ حَلَفَ " لَا فَارَقْتُك حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْك " فَهَرَبَ مِنْهُ وَأَمْكَنَهُ مُتَابَعَتُهُ وَإِمْسَاكُهُ، فَلَمْ يَفْعَلْ: حَنِثَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ، وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِفِرَاقِهِ: خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) . فِي الْإِكْرَاهِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ: فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ. وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ: بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ.

تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ إذَا فَلَّسَهُ وَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِفِرَاقِهِ، وَفَارَقَهُ لِعِلْمِهِ بِوُجُوبِ مُفَارَقَتِهِ: أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

ص: 113

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: هُوَ كَالْمُكْرَهِ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ.

فَائِدَةٌ قَالَ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ: إذَا حَلَفَ " لَا فَارَقْتُك حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي " فَفِيهِ عَشْرُ مَسَائِلَ:

إحْدَاهَا: أَنْ يُفَارِقَهُ مُخْتَارًا. فَيَحْنَثَ. سَوَاءٌ أَبْرَأَهُ مِنْ الْحَقِّ، أَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ.

الثَّانِيَةُ: أَنْ يُفَارِقَهُ مُكْرَهًا. فَإِنْ فَارَقَهُ بِكَوْنِهِ حُمِلَ مُكْرَهًا: لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ أُكْرِهَ بِالضَّرْبِ وَالتَّهْدِيدِ: لَمْ يَحْنَثْ. وَفِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. يَحْنَثُ وَفِي النَّاسِي تَفْصِيلٌ ذُكِرَ فِيمَا مَضَى.

الثَّالِثَةُ: أَنْ يَهْرُبَ مِنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ. فَلَا يَحْنَثُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: يَحْنَثُ.

الرَّابِعَةُ: أَذِنَ لَهُ الْحَالِفُ فِي الْمُفَارَقَةِ، فَمَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ.

الْخَامِسَةُ: فَارَقَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ وَلَا هَرَبٍ، عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُهُ مُلَازَمَتُهُ وَالْمَشْيُ مَعَهُ، أَوْ إمْسَاكُهُ فَهِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا.

السَّادِسَةُ: قَضَاهُ قَدْرَ حَقِّهِ. فَفَارَقَهُ ظَنًّا أَنَّهُ قَدْ وَفَّاهُ. فَخَرَجَ رَدِيئًا. فَيُخَرَّجُ فِي حِنْثِهِ رِوَايَتَا النَّاسِي. وَكَذَا إنْ وَجَدَهَا مُسْتَحَقَّةً، فَأَخَذَهَا رَبُّهَا. وَإِنْ عَلِمَ بِالْحَالِ. حَنِثَ.

ص: 114

السَّابِعَةُ: تَفْلِيسُ الْحَاكِمِ لَهُ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ مُفَصَّلًا. الثَّامِنَةُ: أَحَالَهُ الْغَرِيمُ بِحَقِّهِ، فَفَارَقَهُ: حَنِثَ. فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ بِذَلِكَ مُفَارَقَتَهُ، فَفَارَقَهُ: خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْنَثُ هُنَا. فَأَمَّا إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ " لَا فَارَقْتُك وَلِي قِبَلَك حَقٌّ " فَأَحَالَهُ بِهِ، فَفَارَقَهُ: لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ أَخَذَ بِهِ ضَمِينًا، أَوْ كَفِيلًا، أَوْ رَهْنًا فَفَارَقَهُ: حَنِثَ بِلَا إشْكَالٍ.

التَّاسِعَةُ: قَضَاهُ عَنْ حَقِّهِ عَرَضًا، ثُمَّ فَارَقَهُ. فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يَحْنَثُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ أَوْلَى. وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْنَثُ. فَلَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ " لَا فَارَقْتُك حَتَّى تَبْرَأَ مِنْ حَقِّي " أَوْ " وَلِي قِبَلَك حَقٌّ " لَمْ يَحْنَثْ وَجْهًا وَاحِدًا.

الْعَاشِرَةُ: وَكَّلَ فِي اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ. فَإِنْ فَارَقَهُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْوَكِيلِ. حَنِثَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ " لَا فَارَقْتنِي حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْك " فَفَارَقَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُخْتَارًا: حَنِثَ. وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى فِرَاقِهِ: لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ فَارَقَهُ الْحَالِفُ مُخْتَارًا. حَنِثَ، إلَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي تَأْوِيلِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ.

ص: 115

الثَّانِيَةُ: لَوْ حَلَفَ " لَا فَارَقْتُك حَتَّى أُوفِيَك حَقَّك " فَأَبْرَأَهُ الْغَرِيمُ مِنْهُ، فَهَلْ يَحْنَثُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. بِنَاءً عَلَى الْمُكْرَهِ. وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ عَيْنًا. فَوَهَبَهَا لَهُ الْغَرِيمُ، فَقَبِلَهَا: حَنِثَ. وَإِنْ قَبَضَهَا مِنْهُ، ثُمَّ وَهَبَهَا إيَّاهُ: لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ " لَا أُفَارِقُك وَلَك فِي قِبَلِي حَقٌّ " لَمْ يَحْنَثْ إذَا أَبْرَأَهُ، أَوْ وَهَبَ الْعَيْنَ لَهُ.

ص: 116