الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ أَدَبِ الْقَاضِي]
قَوْلُهُ (يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ، وَلَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ الْفُصُولِ يَجِبُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ (حَلِيمًا ذَا أَنَاةٍ وَفَطِنَةٍ) . قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: إنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْحَاكِمِ: أَنْ لَا يَكُونَ بَلِيدًا. وَهُوَ الصَّوَابُ.
قَوْلُهُ (بَصِيرًا بِأَحْكَامِ الْحُكَّامِ قَبْلَهُ) . بِلَا نِزَاعٍ.
وَقَوْلُهُ (وَرِعًا عَفِيفًا) . فَهَذَا مِنْهُ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي: أَنْ يَكُونَ وَرِعًا، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِيهِ. وَتَقَدَّمَ: أَنَّ الْخِرَقِيَّ وَجَمَاعَةً مِنْ الْأَصْحَابِ اشْتَرَطُوا ذَلِكَ فِيهِ. وَهُوَ الصَّوَابُ فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: لَوْ افْتَاتَ عَلَيْهِ خَصْمٌ. فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَهُ تَأْدِيبُهُ وَالْعَفْوُ عَنْهُ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يَزْجُرُهُ. فَإِنْ عَادَ: عَزَّرَهُ. وَاعْتَبَرَهُ بِدَفْعِ الصَّائِلِ وَالنُّشُوزِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَنْتَهِرُهُ، وَيَصِيحُ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ بِبَيِّنَةٍ. لَكِنَّ هَلْ ظَاهِرُهُ يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْحَكَمِ؟ فِيهِ نَظَرٌ كَالْإِقْرَارِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ،
أَوْ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ. لِكَثْرَةِ الْمُتَظَلِّمِينَ عَلَى الْحُكَّامِ وَأَعْدَائِهِمْ. فَجَازَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ. وَلِهَذَا شَقَّ رَفْعُهُ إلَى غَيْرِهِ. فَأَدَّبَهُ بِنَفْسِهِ حَتَّى إنَّهُ حَقٌّ لَهُ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا: إنْ شَقَّ رَفْعُهُ إلَى الْحَاكِمِ لَا يَرْفَعُ.
الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: لَهُ أَنْ يَنْتَهِرَ الْخَصْمَ إذَا الْتَوَى وَيَصِيحَ عَلَيْهِ. وَإِنْ اسْتَحَقَّ التَّعْزِيرَ عَزَّرَهُ بِمَا يَرَى.
قَوْلُهُ (وَيُنْفِذُ عِنْدَ مَسِيرِهِ مَنْ يُعْلِمُهُمْ يَوْمَ دُخُولِهِ لِيَتَلَقَّوْهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. أَعْنِي أَنَّهُ يُرْسِلُ إلَيْهِمْ يُعْلِمُهُمْ بِدُخُولِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِتَلَقِّيه. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَأْمُرُهُمْ بِتَلَقِّيه. قُلْت: مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبُ، وَالْخُلَاصَةُ.
قَوْلُهُ (وَيَدْخُلُ الْبَلَدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، أَوْ الْخَمِيسِ، أَوْ السَّبْتِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. يَعْنِي: أَنَّهُ بِالْخِيرَةِ فِي الدُّخُولِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَدْخُلُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ: فَيَوْمَ الْخَمِيسِ
مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْمُذَهَّبِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَدْخُلَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ: فَيَوْمَ الْخَمِيسِ أَوْ السَّبْتِ. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَدْخُلُ ضَحْوَةً، لِاسْتِقْبَالِ الشَّهْرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَأَنَّ اسْتِقْبَالَ الشَّهْرِ تَفَاؤُلًا كَأَوَّلِ النَّهَارِ. وَلَمْ يُنْكِرْهَا الْأَصْحَابُ.
قَوْلُهُ (لَابِسًا أَجْمَلَ ثِيَابِهِ) . قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَكَذَا أَصْحَابُهُ. وَقَالَ أَيْضًا: تَكُونُ ثِيَابُهُمْ كُلُّهَا سُودٌ، وَإِلَّا فَالْعِمَامَةُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: غَيْرُ السَّوَادِ أَوْلَى، لِلْأَخْبَارِ. فَوَائِدُ
الْأُولَى: لَا يَتَطَيَّرُ بِشَيْءٍ، وَإِنْ تَفَاءَلَ فَحَسَنٌ.
الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَيَجْلِسُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ. فَإِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ أَمَرَ بِعَهْدِهِ فَقُرِئَ عَلَيْهِمْ) بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَلْيَقُلْ مِنْ كَلَامِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ.
الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَيُنَفَّذُ. فَيَتَسَلَّمُ دِيوَانَ الْحُكْمِ مِنْ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ) بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَلْيَأْمُرْ كَاتِبَ ثِقَةٍ يُثْبِتُ مَا تَسَلَّمَهُ بِمَحْضَرِ عَدْلَيْنِ.
الرَّابِعَةُ: دِيوَانُ الْحُكْمِ: هُوَ مَا فِيهِ مَحَاضِرُ وَسِجِلَّاتٌ وَحِجَجٌ وَكُتُبُ وَقْفٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ يَمُرُّ بِهِ) .
وَلَوْ كَانُوا صِبْيَانًا. وَهُوَ صَحِيحٌ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَيُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، إنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ) . بِلَا نِزَاعٍ. فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ خُيِّرَ، وَالْأَفْضَلُ الصَّلَاةُ.
الثَّانِيَةُ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ يَجُوزُ الْقَضَاءُ فِي الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَلَا يُكْرَهُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُ (وَيَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ) وَنَحْوِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ وَيَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ وَنَحْوِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا: عَلَى بِسَاطٍ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهِ: عَلَى بِسَاطٍ، أَوْ لُبَدٍ أَوْ حَصِيرٍ.
فَائِدَةٌ:
قَوْلُهُ (وَيَجْعَلُ مَجْلِسَهُ فِي مَكَان فَسِيحٍ. كَالْجَامِعِ وَالْفَضَاءِ وَالدَّارِ الْوَاسِعَةِ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَلَكِنْ يَصُونَهُ مِمَّا يُكْرَهُ فِيهِ. ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَتَّخِذُ حَاجِبًا، وَلَا بَوَّابًا إلَّا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ إنْ شَاءَ) . مُرَادُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ. فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ: جَازَ اتِّخَاذُهُمَا. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَتَّخِذُهُمَا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذَهَّبِ: يَتْرُكُهُمَا نَدْبًا.
وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُ الْحُضُورِ إذَا تَنَازَعُوا إلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ، وَلَا لَهُ أَنْ يَحْتَجِبَ إلَّا فِي أَوْقَاتِ الِاسْتِرَاحَةِ. فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَيَعْرِضُ الْقَصَصَ. فَيَبْدَأُ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ) . قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى رَأْسِهِ مَنْ يُرَتِّبُ النَّاسَ.
الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَلَا يُقَدِّمُ السَّابِقَ فِي أَكْثَرِ مِنْ حُكُومَةٍ وَاحِدَةٍ) وَاعْلَمْ أَنَّ تَقْدِيمَ السَّابِقِ عَلَى غَيْرِهِ وَاجِبٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ بِتَقْدِيمِ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، لِئَلَّا تَضَجَّرَ بَيِّنَتُهُ. وَجَعَلَهُ فِي الْفُرُوعِ تَوْجِيهًا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ مُتَأَخِّرٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ حَضَرُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً وَتَشَاحُّوا: قَدَّمَ أَحَدَهُمْ بِالْقُرْعَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُقَدَّمُ الْمُسَافِرُ الْمُرْتَحِلُ. قُلْت: مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَالَ ذَلِكَ فِي الْكَافِي، مَعَ قِلَّتِهِمْ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالْمَرْأَةَ لِمَصْلَحَةٍ
قَوْلُهُ (وَيَعْدِلُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي لَحْظِهِ وَلَفْظِهِ وَمَجْلِسِهِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَلْزَمُهُ، فِي الْأَصَحِّ: الْعَدْلُ بَيْنَهُمَا فِي لَحْظِهِ وَلَفْظِهِ، وَمَجْلِسِهِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. بَلْ يُسْتَحَبُّ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا كَافِرًا. فَيُقَدِّمُ الْمُسْلِمَ فِي الدُّخُولِ وَيَرْفَعُهُ فِي الْجُلُوسِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَالْأَشْهَرُ يُقَدَّمُ مُسْلِمٌ عَلَى كَافِرٍ، دُخُولًا وَجُلُوسًا. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، فِي الدُّخُولِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ: فِي الْمَجْلِسِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرَّفْعِ. وَقَدَّمَهُ فِيهِمَا فِي الشَّرْحِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الدُّخُولِ فَقَطْ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقِيلَ: يُسْتَوَى بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ أَيْضًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ فِي الْجُلُوسِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي رَفْعِهِ: فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِيهِمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ فِي الْجُلُوسِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الدُّخُولِ. وَفِي الرِّعَايَةِ قَوْلُ عَكْسِهِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي مُخْتَصَرِهِ: يُسَوِّي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي مَجْلِسِهِ وَلَحْظِهِ وَلَفْظِهِ. وَلَوْ ذِمِّيًّا فِي وَجْهٍ. فَظَاهِرُهُ دُخُولُ اللَّحْظِ وَاللَّفْظِ فِي الْخِلَافِ. فَتَخْلُصُ لَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: التَّقْدِيمُ مُطْلَقًا، وَمَنْعُهُ مُطْلَقًا. وَالتَّقْدِيمُ فِي الدُّخُولِ دُونَ الرَّفْعِ. وَظَاهِرُ الْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي: قَوْلٌ رَابِعٌ. وَهُوَ التَّقْدِيمُ فِي الرَّفْعِ دُونَ الدُّخُولِ.
فَائِدَةٌ:
لَوْ سَلَّمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْقَاضِي: رَدَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَصْبِرُ حَتَّى يُسَلِّمَ الْآخِرُ، لِيَرُدَّ عَلَيْهِمَا مَعًا إلَّا أَنْ يَتَمَادَى عُرْفًا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ سَلَّمَا مَعًا رَدَّ عَلَيْهِمَا مَعًا. وَإِنْ سَلَّمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ دُخُولِ خَصْمِهِ أَوْ مَعَهُ، فَهَلْ يَرُدُّ عَلَيْهِ قَبْلَهُ؟ يُحْتَمَلُ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. وَلَهُ الْقِيَامُ السَّائِغُ وَتَرْكُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ الْقِيَامُ لَهُمَا. فَإِنْ قَامَ لِأَحَدِهِمَا قَامَ لِلْآخِرِ، أَوْ اعْتَذَرَ إلَيْهِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُسَارَّ أَحَدُهُمَا، وَلَا يُلَقِّنُهُ حَجَّتَهُ، وَلَا يُضِيفُهُ) يَعْنِي: يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُعَلِّمُهُ كَيْفَ يَدَّعِي؟ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي. وَفِي الْآخِرِ: يَجُوزُ لَهُ تَحْرِيرُ الدَّعْوَى إذَا لَمْ يُحِسَّهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا.
تَنْبِيهٌ:
مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَلْزَمْ ذِكْرُهُ. فَأَمَّا إنْ لَزِمَ ذِكْرُهُ فِي الدَّعَاوَى كَشَرْطِ عَقْدٍ، أَوْ سَبَبٍ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُدَّعِي: فَلَهُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ لِيَحْتَرِزَ عَنْهُ. قَوْلُهُ (وَلَهُ أَنْ يَشْفَعَ إلَى خَصْمِهِ، لِيُنْظِرَهُ، أَوْ يَضَعَ عَنْهُ، وَيَزِنَ عَنْهُ) . وَيَحُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَشْفَعَ إلَى خَصْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيَنْظُرَهُ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْفَعَ لِيَضَعَ عَنْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْكَافِي. وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَزِنَ عَنْهُ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ. وَمَا هُوَ تَبْعِيدٌ.
قَوْلُهُ (وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْضِرَ مَجْلِسَهُ الْفُقَهَاءَ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ إنْ أَمْكَنَ، وَيُشَاوِرُهُمْ فِيمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ) . مِنْ اسْتِخْرَاجِ الْأَدِلَّةِ. وَتَعَرُّفِ الْحَقِّ بِالِاجْتِهَادِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: مَا أَحْسَنَهُ لَوْ فَعَلَهُ الْحُكَّامُ، يُشَاوِرُونَ وَيَنْتَظِرُونَ. فَإِنْ اتَّضَحَ لَهُ حُكْمٌ وَإِلَّا أَخَّرَهُ.
قَوْلُهُ (وَلَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ) . وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ. وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: لَا تُقَلِّدْ أَمْرَك أَحَدًا. وَعَلَيْك بِالْأَثَرِ. وَقَالَ لِلْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ: لَا تُقَلِّدْ دِينَك الرِّجَالَ. فَإِنَّهُمْ لَنْ يَسْلَمُوا أَنْ يُغَلِّطُوا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَحَكَى أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ تَقْلِيدِ الْعَالِمِ. قَالَ: وَهَذَا لَا نَعْرِفُهُ عَنْ أَصْحَابِنَا. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ كَانَتْ الْعِبَادَةُ مِمَّا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا كَالصَّلَاةِ فَعَلَهَا بِحَسَبِ حَالِهِ، وَيُعِيدُ إذَا قَدَرَ، كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ. فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّقْلِيدِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ مُسَافِرًا يَخَافُ فَوْتَ رُفْقَتِهِ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ.
وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ أَحْكَامِ الْمُفْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ. فَائِدَةٌ:
لَوْ حَكَمَ وَلَمْ يَجْتَهِدْ، ثُمَّ بَانَ بِأَنَّهُ حَكَمَ بِالْحَقِّ: لَمْ يَصِحَّ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْقَصْرِ مِنْ الْفُصُولِ. قُلْت: لَوْ خَرَّجَ الصِّحَّةَ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ، فِيمَا إذَا اشْتَبَهَ الطَّاهِرُ بِالطَّهُورِ، وَتَوَضَّأَ مِنْ وَاحِدٍ فَقَطْ، فَظَهَرَ أَنَّهُ الطَّهُورُ: لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَا يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ، وَلَا حَاقِنٌ) وَكَذَا أَوْ حَاقِبٌ (وَلَا فِي شِدَّةِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ، وَالْهَمِّ، وَالْوَجَعِ، وَالنُّعَاسِ، وَالْبَرْدِ الْمُؤْلِمِ، وَالْحَرِّ الْمُزْعِجِ) . وَكَذَا فِي شِدَّةِ الْمَرَضِ وَالْخَوْفِ، وَالْفَرَحِ الْغَالِبِ، وَالْمَلَلِ وَالْكَسَلِ. وَمُرَادُهُ بِالْغَضَبِ: الْغَضَبُ الْكَثِيرُ. وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ لِلْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ. وَصَرَّحَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ بِالتَّحْرِيمِ. قُلْت: وَالدَّلِيلُ فِي ذَلِكَ يَقْتَضِيهِ. وَكَلَامُهُمْ إلَيْهِ أَقْرَبُ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَعَامَّةِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْخِصَالِ: الْكَرَاهَةَ. فَقَالَ: إنْ كَانَ غَضْبَانَا، أَوْ جَائِعًا: كُرِهَ لَهُ الْقَضَاءُ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ.
فَائِدَةٌ:
كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْضِيَ فِي حَالِ الْغَضَبِ دُونَ غَيْرِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ فِي " كِتَابِ الطَّلَاقِ ". قَوْلُهُ (فَإِنْ خَالَفَ وَحَكَمَ، فَوَافَقَ الْحَقَّ: نَفَذَ حُكْمُهُ) .
وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَفَذَ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: نَفَذَ فِي الْأَظْهَرِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَنْفُذُ. وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي التَّحْرِيمَ. وَقِيلَ: إنْ عَرَضَ لَهُ بَعْدَ أَنْ فَهِمَ الْحُكْمَ: نَفَذَ، وَإِلَّا فَلَا. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْمُفْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ فِي أَوَائِلِ أَحْكَامِ الْمُفْتِي.
قَوْلُهُ (وَلَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ إلَّا مِمَّنْ كَانَ يُهْدَى إلَيْهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حُكُومَةٌ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ.: مَنَعَ الْأَصْحَابُ مِنْ قَبُولِ الْقَاضِي الْهَدِيَّةَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا مِمَّنْ كَانَ يُهْدِي إلَيْهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ حُكُومَةٌ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: لَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَأَطْلَقَ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ مِمَّنْ كَانَ يُهْدِي إلَيْهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ إذَا أَحَسَّ أَنَّ لَهُ حُكُومَةً.
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَلَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ إلَّا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْبَلَ هَدِيَّةً إلَّا مِنْ صَدِيقٍ، كَانَ يُلَاطِفُهُ قَبْلَ وِلَايَتِهِ، أَوْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ خَصْمٌ. انْتَهَى. وَعِبَارَتُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ قَرِيبَةٌ مِنْ هَذِهِ. وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ احْتِمَالًا: أَنَّ الْقَاضِيَ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ كَالْعَادَةِ. فَوَائِدُ
الْأُولَى: حَيْثُ قُلْنَا بِجَوَازِ قَبُولِهَا، فَرَدُّهَا أَوْلَى. بَلْ يُسْتَحَبُّ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: رَدُّهَا أَوْلَى. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: يُكْرَهُ أَخْذُهَا.
الثَّانِيَةُ: لَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُفْتِي أَخْذُ الْهَدِيَّةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي، وَأَمَّا الْهَدِيَّةُ: فَلَهُ قَبُولُهَا. وَقِيلَ: يَحْرُمُ إذَا كَانَتْ رِشْوَةً عَلَى أَنْ يُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُ. قُلْت: أَوْ يَكُونُ لَهُ فِيهِ نَفْعٌ مِنْ جَاهٍ أَوْ مَالٍ فَيُفْتِيهِ لِذَلِكَ بِمَا لَا يُفْتَى بِهِ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ كَنَفْعِ الْأَوَّلِ. انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: وَلَهُ قَبُولُ هَدِيَّةٍ. وَالْمُرَادُ: لَا لِيُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُهُ، وَإِلَّا حَرُمَتْ. زَادَ بَعْضُهُمْ: أَوْ لِنَفْعِهِ بِجَاهِهِ أَوْ مَالِهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ لَا يَقْبَلُ هَدِيَّةً إلَّا أَنْ يُكَافِئَ. وَقَالَ: لَوْ جَعَلَ لِلْمُفْتِي أَهْلُ بَلَدٍ رِزْقًا لِيَتَفَرَّغَ لَهُمْ: جَازَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هُوَ بَعِيدٌ. وَلَهُ أَخْذُ الرِّزْقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ لِلْحَاكِمِ طَلَبَ الرِّزْقِ لَهُ وَلِأُمَنَائِهِ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَكْفِيهِ أَمْ لَا؟ وَكَذَلِكَ الْمُفْتِي فِي أَوَائِلِ " بَابِ الْقَضَاءِ ".
الثَّالِثَةُ: " الرِّشْوَةُ " مَا يُعْطَى بَعْدَ طَلَبِهِ، وَ " الْهَدِيَّةُ " الدَّفْعُ إلَيْهِ ابْتِدَاءً. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ فِي " بَابِ حُكْمِ الْأَرْضِينَ الْمَغْنُومَةِ ".
الرَّابِعَةُ: حَيْثُ قُلْنَا لَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَخَالَفَ وَفَعَلَ: أُخِذَتْ مِنْهُ لِبَيْتِ الْمَالِ عَلَى قَوْلٍ. لِخَبَرِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: تُرَدُّ إلَى صَاحِبِهَا، كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهَا إنَّ عَجَّلَ مُكَافَأَتَهَا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. فَعَلَى
الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: تُؤْخَذُ هَدِيَّةُ الْعَامِلِ لِلصَّدَقَاتِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِي انْتِقَالِ الْمَلِكِ فِي الرِّشْوَةِ وَالْهَدِيَّةِ: وَجْهَيْنِ. قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ.
إنَّمَا فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّ السَّاعِيَ يَعْتَدُّ لِرَبِّ الْمَالِ بِمَا أَهْدَاهُ إلَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَا، مَأْخَذُهُ ذَلِكَ. وَنَقَلَ مُهَنَّا فِيمَنْ اشْتَرَى مِنْ وَكِيلٍ، فَوَهَبَهُ شَيْئًا: أَنَّهُ لِلْمُوَكِّلِ. وَهَذَا يَدُلُّ لِكَلَامِ الْقَاضِي الْمُتَقَدِّمِ. وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ، فِي نَقْلِ الْمَلِكِ: الْخِلَافُ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ فِي عَامِلِ الزَّكَاةِ إذَا ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ بِرِشْوَةٍ أَوْ هَدِيَّةٍ: أَخَذَهَا الْإِمَامُ لَا أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ. وَتَبِعَهُ فِي الرِّعَايَةِ، ثُمَّ قَالَ: قُلْت: إنْ عُرِفُوا رُدَّ إلَيْهِمْ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِيمَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ السُّلْطَانِ: لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ شَيْئًا. يُرْوَى " هَدَايَا الْأُمَرَاءِ غُلُولٌ ". وَالْحَاكِمُ خَاصَّةً: لَا أُحِبُّهُ لَهُ، إلَّا مِمَّنْ كَانَ لَهُ بِهِ خِلْطَةٌ وَوَصْلَةٌ وَمُكَافَأَةٌ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِيمَنْ كَسَبَ مَالًا مُحَرَّمًا بِرِضَى الدَّافِعِ، ثُمَّ تَابَ، كَثَمَنِ خَمْرٍ وَمَهْرِ بَغْيٍ، وَحُلْوَانِ كَاهِنٍ: أَنَّ لَهُ مَا سَلَفَ. وَقَالَ أَيْضًا: لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يَرُدُّهُ، لِقَبْضِهِ عِوَضَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ. كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِي حَامِلِ الْخَمْرِ. وَقَالَ فِي مَالٍ مُكْتَسِبٍ مِنْ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ: يَتَصَدَّقُ بِهِ. فَإِذَا تَصَدَّقَ بِهِ: فَلِلْفَقِيرِ أَكْلُهُ، وَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُعْطِيَهُ لِأَعْوَانِهِ. وَقَالَ أَيْضًا فِيمَنْ تَابَ: إنْ عَلِمَ صَاحِبُهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَإِلَّا دَفَعَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَهُ مَعَ حَاجَتِهِ أَخْذُ كِفَايَتِهِ. وَقَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ فِي بَيْعِ سِلَاحٍ فِي فِتْنَةٍ وَعِنَبٍ لِخَمْرٍ: يَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ.
وَقَالَ: هُوَ قَوْلُ مُحَقِّقِي الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَقَوْلُهُ مَعَ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى. وَتَقَدَّمَ مَا يَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ فِي " بَابِ الْغَصْبِ " عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ غُصُوبٌ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا ".
الْخَامِسَةُ: لَا يَجُوزُ إعْطَاءُ الْهَدِيَّةِ لِمَنْ يَشْفَعُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَنَحْوَهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَوْمَأَ إلَيْهِ. لِأَنَّهَا كَالْأُجْرَةِ. وَالشَّفَاعَةِ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا. وَفِيهِ حَدِيثٌ صَرِيحٌ فِي السُّنَنِ. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِيمَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَأَدَّاهَا. فَأُهْدِيَتْ إلَيْهِ هَدِيَّةٌ: أَنَّهُ لَا يَقْبَلَهَا إلَّا بِنِيَّةِ الْمُكَافَأَةِ. وَحُكْمُ الْهَدِيَّةِ عِنْدَ سَائِرِ الْأَمَانَاتِ: كَحُكْمِ الْوَدِيعَةِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ.
قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِنَفْسِهِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَكِّلَ فِي ذَلِكَ مَنْ لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ وَكِيلُهُ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَعَلَهَا الشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ: كَالْهَدِيَّةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. كَالْوَالِي. وَسَأَلَهُ حَرْبٌ: هَلْ لِلْقَاضِي وَالْوَالِي أَنْ يَتَّجِرَ؟ قَالَ: لَا. إلَّا أَنَّهُ شَدَّدَ فِي الْوَالِي.
فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ لَهُ عِيَادَةُ الْمَرْضَى وَشُهُودُ الْجَنَائِزِ. مَا لَمْ تَشْغَلُهُ عَنْ الْحُكْمِ) . وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ: وَيُوَدِّعُ الْغَازِيَ، وَالْحَاجَّ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَزَادَ: وَلَهُ زِيَارَةُ أَهْلِهِ وَإِخْوَانِهِ الصُّلَحَاءِ، مَا لَمْ يَشْتَغِلُ عَنْ الْحُكْمِ. قَوْلُهُ (وَلَهُ حُضُورُ الْوَلَائِمِ) . يَعْنِي: مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا: وَهُوَ فِي الدَّعَوَاتِ كَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: تُكْرَهُ لَهُ الْمُسَارَعَةُ إلَى غَيْرِ وَلِيمَةِ عُرْسٍ. وَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُكْرَهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: كَمَا لَوْ قَصَدَ رِيَاءً، أَوْ كَانَتْ لِخَصْمٍ. وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا يَلْزَمُهُ حُضُورُ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَثُرَتْ: تَرَكَهَا كُلَّهَا، وَلَمْ يُجِبْ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ) قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: لَا يُجِيبُ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ بِلَا عُذْرٍ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّف، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَجَمَاعَةٌ: إنْ كَثُرَتْ الْوَلَائِمُ صَانَ نَفْسَهُ. وَتَرَكَهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يَذْكُرُوا: لَوْ تَضَيَّفَ رَجُلًا. قَالَ: وَلَعَلَّ كَلَامَهُمْ يَجُوزُ. وَيُتَوَجَّهُ كَالْمُقْرِضِ. وَلَعَلَّهُ أَوْلَى.
قَوْلُهُ (وَيَتَّخِذُ كَاتِبًا مُسْلِمًا مُكَلَّفًا عَدْلًا حَافِظًا عَالِمًا) . وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْفُرُوعِ " مُكَلَّفًا ". وَقَالَ: وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ مَا فِي عَامِلِ الزَّكَاةِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: عَارِفًا.
قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَافِرَ الْعَقْلِ، وَرِعًا نَزِهًا. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا جَيِّدَ الْخَطِّ، حُرًّا. وَإِنْ كَانَ عَبْدًا جَازَ.
فَائِدَةٌ:
اتِّخَاذُ الْكَاتِبِ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ. وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ، وَلَا لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ. وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بَعْضُ خُلَفَائِهِ) حُكْمُهُ لِنَفْسِهِ: لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ بِلَا نِزَاعٍ. وَحُكْمُهُ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ: لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَلَا يَنْفُذُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَحَكَمَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ إجْمَاعًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. ذَكَرَهَا فِي الْمُبْهِجِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ بَيْنَ وَالِدِيهِ وَوَلَدَيْهِ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ جَوَازَ حُكْمِهِ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَجْهَيْنِ. فَوَائِدُ
الْأُولَى: يَحْكُمُ لِيَتِيمِهِ. عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَقِيلَ: وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ أَيْضًا.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِنْ صَارَ وَصِيُّ الْيَتِيمِ حَاكِمًا: حَكَمَ لَهُ بِشُرُوطِهِ. وَقِيلَ: لَا.
الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ وَالِدَهُ وَوَلَدَهُ، كَحُكْمِهِ لِغَيْرِهِ بِشَهَادَتِهِمَا. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَأَبُو الْوَفَاءِ. وَزَادَ: إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ عَلَيْهِمَا مِنْ ذَلِكَ تُهْمَةٌ. وَلَمْ يُوجِبْ لَهُمَا بِقَبُولِ شَهَادَتِهِمَا رِيبَةٌ، وَلَمْ يَثْبُتْ بِطَرِيقِ التَّزْكِيَةِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ اسْتِخْلَافُهُمَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: إنْ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لَهُمَا وَتَزْكِيَتُهُمَا: جَازَ، وَإِلَّا فَلَا.
الثَّالِثَةُ: لَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ عَلَى عَدُوِّهِ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَهُ أَنْ يُفْتَى عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَحْكَامِ الْمُفْتِي.
الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ (فَإِنْ حَضَرَ خَصْمُهُ نَظَرَ بَيْنَهُمَا) . بِلَا نِزَاعٍ. فَإِنْ كَانَ حُبِسَ لِتُعَدَّلَ الْبَيِّنَةُ، فَإِعَادَتُهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى حَبْسِهِ فِي ذَلِكَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ إعَادَتُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: تُعَادُ إنْ كَانَ الْأَوَّلُ حَكَمَ بِهِ. مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ: أَنَّ إطْلَاقَ الْمَحْبُوسِ حُكْمٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَفِعْلِهِ، وَأَنَّ مِثْلَهُ: تَقْدِيرُ مُدَّةِ حَبْسِهِ وَنَحْوِهِ. قَالَ: وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يَأْمُرْ وَلَمْ يَأْذَنْ بِحَبْسِهِ وَإِطْلَاقِهِ، وَإِلَّا فَأَمْرُهُ وَإِذْنُهُ حُكْمٌ يَرْفَعُ الْخِلَافَ. كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ حُبِسَ فِي تُهْمَةٍ، أَوْ افْتِيَاتٍ عَلَى الْقَاضِي قَبْلَهُ: خُلِّيَ سَبِيلُهُ) .
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِحَبْسِهِ التَّأْدِيبُ. وَقَدْ حَصَلَ وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا: لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي الْحَبْسِ ظُلْمٌ. قُلْت: فِي هَذَا نَظَرٌ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: وَإِنْ حَبَسَهُ تَعْزِيرًا أَوْ تُهْمَةً: خَلَّاهُ، أَوْ بَقَّاهُ بِقَدْرِ مَا يَرَى. وَكَذَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. وَتَعْلِيلُ الشَّارِحِ يَدُلُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ لَهُ خَصْمٌ، وَقَالَ: حُبِسَتْ ظُلْمًا، وَلَا حَقَّ عَلَيَّ، وَلَا خَصْمَ لِي: نَادَى بِذَلِكَ ثَلَاثًا. فَإِنْ حَضَرَ لَهُ خَصْمٌ، وَإِلَّا أَحَلَفَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ وَأَقَرَّهُ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ: نُودِيَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا " ثَلَاثًا ". قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَ مَنْ قَيَّدَ بِالثَّلَاثِ: أَنَّهُ يَشْتَهِرُ بِذَلِكَ، وَيَظْهَرُ لَهُ غَرِيمٌ إنْ كَانَ، فِي الْغَالِبِ. وَمُرَادُ مَنْ لَمْ يُقَيِّدْ: أَنَّهُ يُنَادِي عَلَيْهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ غَرِيمٌ. وَيَحْصُلُ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ فِي ثَلَاثٍ.
فَيَكُونُ الْمَعْنَى فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدًا. وَكَلَامُهُمْ مُتَّفِقٌ. لَكِنْ حُكِيَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ الْقَوْلَيْنِ. وَقَدَّمَ عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِالثَّلَاثِ. فَظَاهِرُهُ: التَّنَافِي بَيْنَهُمَا. فَوَائِدُ
الْأُولَى: لَوْ كَانَ خَصْمُهُ غَائِبًا: أَبْقَاهُ حَتَّى يَبْعَثَ إلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: يُخَلِّي سَبِيلَهُ كَمَا لَوْ جَهِلَ مَكَانَهُ، أَوْ تَأَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ:
وَالْأَوْلَى: أَنْ لَا يُطْلِقَهُ إلَّا بِكَفِيلٍ. وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قُلْت: وَهُوَ عَيْنُ الصَّوَابِ. إذَا قُلْنَا: يُطْلِقُ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ حُبِسَ بِقِيمَةِ كَلْبٍ، أَوْ خَمْرِ ذِمِّيٍّ. فَقِيلَ: يُخَلِّي سَبِيلَهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ: إنَّ صَدَّقَهُ غَرِيمُهُ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي. وَقِيلَ: يَبْقَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَقِفُ لِيَصْطَلِحَا عَلَى شَيْءٍ. وَجَزَمَ فِي الْفُصُولِ: أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ الْجَدِيدِ.
الثَّالِثَةُ: إطْلَاقُ الْحَاكِمِ الْمَحْبُوسَ مِنْ الْحَبْسِ أَوْ غَيْرِهِ: حُكْمٌ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَكَذَا أَمَرَهُ بِإِرَاقَةِ نَبِيذٍ. ذَكَرَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي الْمُحْتَسِبِ. وَتَقَدَّمَ فِي " بَابِ الصُّلْحِ " أَنَّ إذْنَهُ فِي مِيزَابٍ وَبِنَاءٍ وَغَيْرِهِ: يَمْنَعُ الضَّمَانَ. لِأَنَّهُ كَإِذْنِ الْجَمِيعِ. وَمَنْ مَنَعَ، فَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ أَنْ يَأْذَنَ. لَا لِأَنَّ إذْنَهُ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ. وَلِهَذَا يَرْجِعُ بِإِذْنِهِ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ وَنَفَقَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَا يَضْمَنُ بِإِذْنِهِ فِي النَّفَقَةِ عَلَى لَقِيطٍ وَغَيْرِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ ضَمِنَ لَهُ لِعَدَمِهَا. وَلِهَذَا إذْنُ الْحَاكِمِ فِي أَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ: كَافٍ بِلَا خِلَافٍ. وَسَبَقَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله: أَنَّ الْحَاكِمَ لَيْسَ هُوَ الْفَاسِخُ. وَإِنَّمَا يَأْذَنُ لَهُ وَيْحُكُمْ لَهُ. فَمَتَى أَذِنَ أَوْ حَكَمَ لِأَحَدٍ بِاسْتِحْقَاقِ عَقْدٍ أَوْ فَسْخٍ، فَعَقَدَ أَوْ فَسَخَ: لَمْ يَحْتَجْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى حُكْمٍ بِصِحَّتِهِ، بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لَوْ عَقَدَ هُوَ أَوْ فَسَحَ فَهُوَ فِعْلُهُ. وَهَلْ فِعْلُهُ حُكْمٌ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ قَوْدٌ لِزَيْدٍ. فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَلَمْ يَقُلْ " حَكَمْت بِهِ " أَوْ أَمَرَ رَبُّ الدِّينِ الثَّابِتِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ. وَلَمْ يَقُلْ " حَكَمْت بِهِ " احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَكَذَا حَبْسُهُ وَإِذْنُهُ فِي الْقَتْلِ وَأَخْذِ الدَّيْنِ. انْتَهَى.
الرَّابِعَةُ: فِعْلُهُ حُكْمٌ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي حِمَى الْأَئِمَّةِ: أَنَّ اجْتِهَادَ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ كَمَا لَا يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمِهِ. وَذَكَرُوا خِلَافَ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْمِيزَابَ وَنَحْوَهُ يَجُوزُ بِإِذْنٍ. وَاحْتَجُّوا بِنَصْبِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مِيزَابَ الْعَبَّاسِ رضي الله عنه.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ فِي " بَيْعِ مَا فُتِحَ عَنْوَةً " إنْ بَاعَهُ الْإِمَامُ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا: صَحَّ. لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي أَيْضًا: لَا شُفْعَةَ فِيهَا، إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِبَيْعِهَا حَاكِمٌ، أَوْ يَفْعَلَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي أَيْضًا: إنَّ تَرْكَهَا بِلَا قِسْمَةٍ وَقْفٌ لَهَا. وَأَنَّ مَا فَعَلَهُ الْأَئِمَّةُ لَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً: أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَمْلِكُ مَالَ مُسْلِمٍ بِالْقَهْرِ. وَقَالَ: إنَّمَا مَنَعَهُ مِنْهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ. لِأَنَّ قِسْمَةَ الْإِمَامِ تَجْرِي مَجْرَى الْحُكْمِ. انْتَهَى. وَفِعْلُهُ حُكْمٌ، كَتَزْوِيجِ يَتِيمَةٍ، وَشِرَاءِ عَيْنٍ غَائِبَةٍ، وَعَقْدِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ. وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله أَصَحَّ الْوَجْهَيْنِ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ فِيمَنْ أَقَرَّ لِزَيْدٍ، فَلَمْ يُصَدِّقْهُ. وَقُلْنَا: يَأْخُذُهُ الْحَاكِمُ. ثُمَّ ادَّعَاهُ الْمُقِرُّ لَمْ يَصِحَّ. لِأَنَّ قَبْضَ الْحَاكِمِ بِمَنْزِلَةِ الْحُكْمِ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ. وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي الْقِسْمَةِ الْمُطْلَقَةِ الْمَنْسِيَّةِ: أَنَّ قُرْعَةَ الْحَاكِمِ كَحُكْمِهِ لَا سَبِيلَ إلَى نَقْضِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ: فِعْلُهُ حُكْمٌ إنْ حَكَمَ بِهِ هُوَ، أَوْ غَيْرُهُ، وِفَاقًا، كَفُتْيَاهُ. فَإِذَا قَالَ " حَكَمْت بِصِحَّتِهِ " نَفَذَ حُكْمُهُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي أَعْلَامِ الْمَوْقِعَيْنِ: فُتْيَا الْحَاكِمِ لَيْسَتْ حُكْمًا مِنْهُ. فَلَوْ حَكَمَ غَيْرُهُ بِغَيْرِ مَا أَفْتَى: لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِحُكْمِهِ، وَلَا هِيَ كَالْحُكْمِ. وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتَى لِلْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ، وَمَنْ يَجُوزُ حُكْمُهُ لَهُ وَمَنْ لَا يَجُوزُ. انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: حُكْمُهُ يَلْزَمُ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ " أَلْزَمْتُك " أَوْ " قَضَيْت لَهُ عَلَيْك " أَوْ " أَخْرِجْ إلَيْهِ مِنْهُ " وَإِقْرَارُهُ لَيْسَ كَحُكْمِهِ
الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ (ثُمَّ يَنْظُرُ فِي أَمْرِ الْأَيْتَامِ وَالْمَجَانِينِ وَالْوُقُوفِ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا الْوَصَايَا. فَلَوْ نَفَّذَ الْأَوَّلُ وَصِيَّتَهُ: لَمْ يَعُدْ لَهُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعْرِفَةُ أَهْلِيَّتِهِ. لَكِنْ يُرَاعِيهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّ إثْبَاتَ صِفَةٍ كَعَدَالَةٍ وَجُرْحٍ وَأَهْلِيَّةِ وَصِيِّهِ وَغَيْرِهَا حُكْمٌ. خِلَافًا لِمَالِكِ رحمه الله، يَقْبَلُهُ حَاكِمٌ خِلَافًا لِمَالِكٍ. وَأَنَّ لَهُ إثْبَاتَ خِلَافِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ: أَنَّهُ إذَا بَانَ فِسْقُ الشَّاهِدِ: يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَتِهِ أَوْ يَحْكُمُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ هُنَا: وَيَنْظُرُ فِي أَمْوَالِ الْغِيَابِ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَكُلُّ ضَالَّةٍ وَلُقَطَةٍ، حَتَّى الْإِبِلُ وَنَحْوُهَا. انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا: إذَا ادَّعَى أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ عَنْهُ وَعَنْ أَخٍ لَهُ غَائِبٌ. وَلَهُ مَالٌ فِي ذِمَّةِ فُلَانٍ، أَوْ دَيْنٌ عَلَيْهِ. وَثَبَتَ ذَلِكَ: أَنَّهُ يَأْخُذُ مَالَ الْغَائِبِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَدْفَعُ إلَى الْأَخِ الْحَاضِرِ نَصِيبَهُ. وَتَقَدَّمَ فِي " بَابِ مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ " أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ رحمه الله قَالَ: إذَا حَصَلَ لِأَسِيرٍ مِنْ وَقْفِ شَيْءٍ: تَسَلَّمَهُ، وَحَفِظَهُ وَكِيلُهُ وَمَنْ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ جَمِيعُهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.
السَّادِسَةُ: مَنْ كَانَ مِنْ أُمَنَاءِ الْحَاكِمِ لِلْأَطْفَالِ، أَوْ الْوَصَايَا الَّتِي لَا وَصِيَّ لَهَا. وَنَحْوَهُ بِحَالِهِ: أَقَرَّهُ. لِأَنَّ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَّاهُ. وَمَنْ فَسَقَ: عَزَلَهُ. وَيَضُمُّ إلَى الضَّعِيفِ أَمِينًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا.
وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهَا. مَسْأَلَةُ النَّائِبِ. وَجَعَلَ فِي التَّرْغِيبِ أُمَنَاءَ الْأَطْفَالِ كَنَائِبِهِ فِي الْخِلَافِ، وَأَنَّهُ يُضَمُّ إلَى وَصِيٍّ فَاسِقٍ أَوْ ضَعِيفٍ أَمِينًا. وَلَهُ إبْدَالُهُ.
تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ قَوْلِهِ (ثُمَّ يَنْظُرُ فِي حَالِ الْقَاضِي قَبْلَهُ) . وُجُوبُ النَّظَرِ فِي أَحْكَامِ مَنْ قَبْلَهُ. لِأَنَّهُ عَطْفَهُ عَلَى النَّظَرِ فِي أَمْرِ الْأَيْتَامِ وَالْمَجَانِينِ وَالْوُقُوفِ. وَتَابَعَ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فِيهَا وَغَيْرَهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَهُ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَهُ فِي الْأَصَحِّ النَّظَرُ فِي حَالِ مَنْ قَبْلَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقُوَّةُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ تَقْتَضِي: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَتَبُّعُ قَضَايَا مَنْ قَبْلَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ النَّظَرُ فِي حَالِ مَنْ قَبْلَهُ أَلْبَتَّةَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ: لَمْ يَنْقُضْ مِنْ أَحْكَامِهِ، إلَّا مَا خَالَفَ نَصَّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ) . كَقَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ. نَصَّ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُهُ نَقْضُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَنْقُضُ حُكْمَهُ إذَا خَالَفَ سُنَّةً، سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً أَوْ آحَادًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ حُكْمَهُ إذَا خَالَفَ سُنَّةً غَيْرَ مُتَوَاتِرَةٍ. قَوْله (أَوْ إجْمَاعًا) . الْإِجْمَاعُ إجْمَاعَانِ: إجْمَاعٌ قَطْعِيٌّ، وَإِجْمَاعٌ ظَنِّيٌّ. فَإِذَا خَالَفَ حُكْمُهُ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا: نُقِضَ حُكْمُهُ قَطْعًا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَطْعِيًّا: لَمْ يُنْقَضْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُنْقَضُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَكَلَامِ الْوَجِيزِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ.
تَنْبِيهٌ:
صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ إذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: يُنْقَضُ إذَا خَالَفَ قِيَاسًا جَلِيًّا، وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَالَ: أَوْ خَالَفَ حُكْمَ غَيْرِهِ قَبْلَهُ. قَالَ: وَكَذَا يُنْقَضُ مَنْ حُكِمَ بِفِسْقِهِ، وَحَاكِمٌ مُتَوَلٍّ غَيْرَهُ. وَقِيلَ: إنْ خَالَفَ قِيَاسًا، أَوْ سُنَّةً، أَوْ إجْمَاعًا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ نَقَضَهُ. وَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ آدَمِيٍّ: لَمْ يَنْقُضْهُ إلَّا بِطَلَبِ رَبِّهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.
فَائِدَةٌ:
لَوْ حَكَمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ: لَمْ يُنْقَضْ.
وَذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ إجْمَاعًا. وَيُنْقَضُ حُكْمُهُ بِمَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ، وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. وَحَكَاهُ الْقَرَافِيُّ أَيْضًا إجْمَاعًا. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَهَلْ يُنْقَضُ بِمُخَالَفَةِ قَوْلِ صَاحِبٍ؟ يُتَوَجَّهُ نَقْضُهُ إنْ جُعِلَ حُجَّةً كَالنَّصِّ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالسِّتِّينَ: لَوْ حَكَمَ فِي مَسْأَلَةٍ مُخْتَلَفِ فِيهَا بِمَا يَرَى أَنَّ الْحَقَّ فِي غَيْرِهِ: أَثِمَ وَعَصَى بِذَلِكَ. وَلَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِنَصٍّ صَرِيحٍ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقَالَ السَّامِرِيُّ: يُنْقَضُ حُكْمُهُ. نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: إنْ أَخَذَ بِقَوْلِ صَحَابِيٍّ، وَأَخَذَ آخَرُ بِقَوْلِ تَابِعِيٍّ. فَهَذَا يُرَدُّ حُكْمُهُ. لِأَنَّهُ حُكْمٌ تَجَوُّزِ وَتَأَوُّلِ الْخَطَأِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: فَأَمَّا إذَا أَخْطَأَ بِلَا تَأْوِيلٍ، فَلْيَرُدَّهُ. وَيَطْلُبُ صَاحِبَهُ حَتَّى يَرُدَّهُ فَيَقْضِي بِحَقٍّ.
وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَصْلُحُ: نَقْضَ أَحْكَامِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: إنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا، لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُنْقَضُ الصَّوَابُ مِنْهَا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمهم الله وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ.
وَقَدَّمَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَابْنِ الْبَنَّا، حَيْثُ أَطْلَقَ: أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ مِنْ الْحُكْمِ إلَّا مَا خَالَفَ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إجْمَاعًا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ مِنْ مُدَدٍ. وَلَا يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَأَمَّا إذَا خَالَفَتْ الصَّوَابَ: فَإِنَّهَا تُنْقَضُ بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَوْ سَاغَ فِيهَا الِاجْتِهَادَ. فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: حُكْمُهُ بِالشَّيْءِ حُكْمٌ يُلَازِمُهُ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْمَفْقُودِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ. يَعْنِي: أَنَّ الْحُكْمَ بِالشَّيْءِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِلَازِمِهِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ فِي لِعَانِ عَبْدٍ، فِي إعَادَةِ فَاسِقٍ شَهَادَتُهُ لَا تُقْبَلُ. لِأَنَّ رَدَّهُ لَهَا حُكْمٌ بِالرَّدِّ فَقَبُولُهَا نَقْضٌ لَهُ. فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ رَدِّ صَبِيٍّ وَعَبْدٍ، لِإِلْغَاءِ قَوْلِهِمَا. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ أَيْضًا فِي شَهَادَةٍ فِي نِكَاحٍ لَوْ قُبِلَتْ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِلْأَوَّلِ. فَإِنَّ سَبَبَ الْأَوَّلِ الْفِسْقُ، وَزَالَ ظَاهِرًا، لِقَبُولِ سَائِرِ شَهَادَاتِهِ. وَإِذَا تَغَيَّرَتْ صِفَةُ الْوَاقِعَةِ فَتَغَيَّرَ الْقَضَاءُ بِهَا: لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِلْقَضَاءِ الْأَوَّلِ، بَلْ رُدَّتْ لِلتُّهْمَةِ. لِأَنَّهُ صَارَ خَصْمًا فِيهِ. فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِوَلِيِّهِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: رَدُّ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ بِاجْتِهَادِهِ. فَقَبُولُهَا نَقْضٌ لَهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِي رَدِّ عَبْدٍ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ مَضَى، وَالْمُخَالَفَةَ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ نَقْضٌ مَعَ الْعِلْمِ.
وَإِنْ حَكَمَ بِبَيِّنَةِ خَارِجٍ، أَوْ جَهِلَ عِلْمَهُ بَيِّنَةَ دَاخِلٍ: لَمْ يُنْقَضْ. لِأَنَّ الْأَصْلَ جَرْيُهُ عَلَى الْعَدْلِ وَالصِّحَّةِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِي آخِرِ فُصُولِ " مَنْ ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِ غَيْرِهِ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ، يَعْنِي بِنَقْضِهِ.
الثَّانِيَةُ: ثُبُوتُ الشَّيْءِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَيْسَ حُكْمًا بِهِ. عَلَى مَا ذَكَرُوهُ فِي صِفَةِ السِّجِلِّ وَفِي كِتَابِ الْقَاضِي عَلَى مَا يَأْتِي. وَكَلَامُ الْقَاضِي هُنَاكَ يُخَالِفُهُ. قَالَ ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدْ دَلَّ كَلَامُهُ فِي الْفُرُوعِ فِي " بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي " أَنَّ فِي الثُّبُوتِ خِلَافًا: هَلْ هُوَ حُكْمٌ أَمْ لَا؟ بِقَوْلِهِ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ: فَإِنْ حَكَمَ الْمَالِكِيُّ لِلْخِلَافِ فِي الْعَمَلِ بِالْخَطِّ: فَلِحَنْبَلِيٍّ تَنْفِيذُهُ. وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ الْمَالِكِيُّ، بَلْ قَالَ " ثَبَتَ كَذَا " فَكَذَلِكَ. لِأَنَّ الثُّبُوتَ عِنْدَ الْمَالِكِيِّ حُكْمٌ. ثُمَّ إنْ رَأَى الْحَنْبَلِيُّ الثُّبُوتَ حُكْمًا: نَفَّذَهُ. وَإِلَّا فَالْخِلَافُ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيه: هَلْ تَنْفِيذُ الْحَاكِمِ حُكْمٌ، أَمْ لَا؟
قَوْلُهُ (وَإِذَا اسْتَعْدَاهُ أَحَدٌ عَلَى خَصْمٍ لَهُ: أَحْضَرَهُ) . يَعْنِي يَلْزَمُهُ إحْضَارُهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ. هَذَا اخْتِيَارُ عَامَّةِ شُيُوخِنَا. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ الْأَقْوَى. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ: لَا يُحْضِرُهُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ لِمَا ادَّعَاهُ أَصْلًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْمُحَرَّرِ. فَلَوْ كَانَ لِمَا ادَّعَاهُ أَصْلًا، بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةً: أَحْضَرَهُ. وَفِي اعْتِبَارِ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى لِذَلِكَ قَبْلَ إحْضَارِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَنْ اسْتَعْدَاهُ عَلَى خَصْمٍ فِي الْبَلَدِ: لَزِمَهُ إحْضَارُهُ. وَقِيلَ: إنْ حَرَّرَ دَعْوَاهُ.
وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَمَنْ اسْتَعْدَاهُ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ فِي الْبَلَدِ: أَحْضَرَهُ. لَكِنْ فِي اعْتِبَارِ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى وَجْهَانِ. فَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ: أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ. وَجَعَلَا الْخِلَافَ فِيهَا وَجْهَيْنِ. وَحَكَى صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِمْ: هَلْ يُشْتَرَطُ فِي حُضُورِ الْخَصْمِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ لِمَا ادَّعَاهُ الشَّاكِي أَصْلًا أَمْ لَا؟ وَلَمْ يَذْكُرُوا تَحْرِيرَ الدَّعْوَى. فَالظَّاهِرُ: أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ لِمَا ادَّعَاهُ أَصْلًا: يُحْضِرُهُ. لَكِنْ فِي اعْتِبَارِ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى قَبْلَ إحْضَارِهِ الْوَجْهَيْنِ.
وَذَكَرَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى مَسْأَلَتَيْنِ. فَقَالَ: وَإِنْ ادَّعَى عَلَى حَاضِرٍ فِي الْبَلَدِ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يُحْضِرَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةً فِيمَا ادَّعَاهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةٌ: أَحْضَرَهُ، أَوْ وَكِيلَهُ. وَفِي اعْتِبَارِ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى لِذَلِكَ قَبْلَ إحْضَارِهِ: وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ طَرِيقَةً. فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: لَا يُعَدَّى حَاكِمٌ فِي مِثْلِ مَا لَا تَتْبَعُهُ الْهِبَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: وَلَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْمَعَ شَكِيَّةَ أَحَدٍ إلَّا وَمَعَهُ خَصْمُهُ. هَكَذَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
الثَّانِيَةُ: مَتَى لَمْ يُحْضِرْهُ: لَمْ يُرَخَّصْ لَهُ فِي تَخَلُّفِهِ. وَإِلَّا أَعْلَمَ بِهِ الْوَالِيَ. وَمَتَى حَضَرَ، فَلَهُ تَأْدِيبُهُ بِمَا يَرَاهُ.
تَنْبِيهٌ:
مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرُهُ: إذَا اسْتَعْدَاهُ عَلَى حَاضِرٍ فِي الْبَلَدِ. أَمَّا إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَائِبًا: فَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْبَابِ الْآتِي بَعْدَ هَذَا. كَذَا إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ. وَيَأْتِي هُنَاكَ أَيْضًا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَعْدَاهُ عَلَى الْقَاضِي قَبْلَهُ: سَأَلَهُ عَمَّا يَدَّعِيهِ؟ فَإِنْ قَالَ: لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ مُعَامَلَةٍ، أَوْ رِشْوَةٍ: رَاسَلَهُ. فَإِنْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ: أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ. وَإِنْ أَنْكَرَهُ، وَقَالَ: إنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ تَبْذِيلِي. فَإِنْ عَرَفَ لِمَا ادَّعَاهُ أَصْلًا: أَحْضَرَهُ: وَإِلَّا فَهَلْ يُحْضِرُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) .
يَعْنِي: وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ لِمَا ادَّعَاهُ أَصْلًا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى عَلَى الْقَاضِي الْمَعْزُولِ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ تَحْرِيرُ الدَّعْوَى فِي حَقِّهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُعْتَبَرُ تَحْرِيرُهَا فِي حَاكِمٍ مَعْزُولٍ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: هُوَ كَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْجَوْرَ فِي الْحَكَمِ، وَكَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ: أَحْضَرَهُ. وَحَكَمَ بِالْبَيِّنَةِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَيِّنَةٌ: فَفِي إحْضَارِهِ وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: مَتَى بَعُدَتْ الدَّعْوَى عُرْفًا: لَمْ يُحْضِرْهُ حَتَّى يُحَرِّرَهَا، وَيُبَيِّنَ أَصْلَهَا. وَزَادَ فِي الْمُحَرَّرِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَالَ: وَعَنْهُ كُلٌّ مَنْ يُخْشَى بِإِحْضَارِهِ ابْتِذَالُهُ إذَا بَعُدَتْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فِي الْعُرْفِ: لَمْ يُحْضِرْهُ، حَتَّى يُحَرِّرْ وَيُبَيِّنَ أَصْلَهَا. وَعَنْهُ: مَتَى تَبَيَّنَ، أَحْضَرَهُ. وَإِلَّا فَلَا.
تَنْبِيهٌ:
لَا بُدَّ مِنْ مُرَاسِلَتِهِ قَبْلَ إحْضَارِهِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُرَاسِلُهُ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَمُرَاسَلَتُهُ أَظْهَرُ. قَالَ النَّاظِمِ: وَرَاسَلَ فِي الْأَقْوَى. وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يُحْضِرُهُ مِنْ غَيْرِ مُرَاسَلَةٍ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الرِّعَايَةِ.
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي. فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمُرَاسَلَةَ. بَلْ قَالَ: إنْ ذَكَرَ الْمُسْتَعْدِيُّ: أَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقًّا مِنْ دَيْنٍ، أَوْ غَصْبٍ: أَعْدَاهُ عَلَيْهِ، كَغَيْرِ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ: حَكَمَ عَلَيَّ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ، فَأَنْكَرَ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ إلَّا بِيَمِينِهِ.
فَائِدَةٌ:
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: تَخْصِيصُ الْحَاكِمِ الْمَعْزُولِ بِتَحْرِيرِ الدَّعْوَى فِي حَقِّهِ: لَا مَعْنَى لَهُ فَإِنَّ الْخَلِيفَةَ وَنَحْوَهُ فِي مَعْنَاهُ. وَكَذَلِكَ الْعَالِمُ الْكَبِيرُ وَالشَّيْخُ الْمَتْبُوعُ. قُلْت: وَهَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ. وَكَلَامُهُمْ لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ. وَالتَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ وَالْحُكْمُ فِي كُلِّ مَنْ خِيفَ تَبْذِيلُهُ، وَنَقَصَ حُرْمَتِهِ بِإِحْضَارِهِ، إذَا بَعُدَتْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ عُرْفًا. قَالَ: كَسُوقِيٍّ ادَّعَى: أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِنْتَ سُلْطَانٍ كَبِيرٍ، أَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِخِدْمَتِهِ. وَتَقَدَّمَ: أَنَّ ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حُكْمَ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ: وَكَذَلِكَ ذَوُو الْأَقْدَارِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ الْحَاكِمُ الْمَعْزُولُ: كُنْت حَكَمْت فِي وِلَايَتِي لِفُلَانٍ بِحَقٍّ: قُبِلَ)
هَذَا الْمَذْهَبُ. سَوَاءٌ ذَكَرَ مُسْتَنَدَهُ، أَوْ لَا. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي جَامِعِهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَكَذَا يُقْبَلُ بَعْدَ عَزْلِهِ فِي الْأَظْهَرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَيَّدَهُ فِي الْفُرُوعِ بِالْعَدْلِ. وَهُوَ أَوْلَى. وَأَطْلَقَ أَكْثَرُهُمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَوْلُ الْقَاضِي فِي فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: يَقْتَضِي أَنْ لَا يَقْبَلَ قَوْلَهُ هُنَا. فَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ: هُوَ كَالشَّاهِدِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ إلَّا عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ إذَا كَانَ عَنْ إقْرَارٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُحْتَمَلُ رَدُّهُ، إلَّا إذَا اسْتَشْهَدَ مَعَ عَدْلٍ آخَرَ عِنْدَ حَاكِمٍ غَيْرَهُ: أَنَّ حَاكِمًا حَكَمَ بِهِ، أَوْ أَنَّهُ حُكْمُ حَاكِمٍ جَائِزِ الْحُكْمِ. وَلَمْ يَذْكُرْ نَفْسَهُ. ثُمَّ حُكِيَ احْتِمَالُ الْمُحَرَّرِ قَوْلًا. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَيْسَ هُوَ كَشَاهِدٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ سِوَاهُ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " إذَا أَخْبَرَ الْحَاكِمُ فِي حَالِ وِلَايَتِهِ: أَنَّهُ حَكَمَ لِفُلَانٍ بِكَذَا " فِي آخِرِ الْبَابِ الْآتِي بَعْدَ هَذَا.
وَهُوَ قَوْلُهُ " وَإِنْ ادَّعَى إنْسَانٌ: أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ لَهُ، فَصَدَّقَهُ: قَبْلَ قَوْلِ الْحَاكِمِ "
فَعَلَى الْمَذْهَبِ: مِنْ شَرْطِ قَبُولِ قَوْلِهِ: أَنْ لَا يُتَّهَمَ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ. نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
تَنْبِيهٌ:
قَالَ الْقَاضِي مَجْدُ الدِّينِ: قَبُولُ قَوْلِهِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى إبْطَالِ حُكْمِ حَاكِمٍ آخَرَ. فَلَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِرُجُوعِ وَاقِفٍ عَلَى نَفْسِهِ. فَأَخْبَرَ حَاكِمٌ حَنْبَلِيٌّ: أَنَّهُ كَانَ حَكَمَ قَبْلَ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ: لَمْ يُقْبَلْ. نَقَلَهُ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: هَذَا تَقْيِيدٌ حَسَنٌ يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ: وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ: قَبُولُ قَوْلِهِ. فَلَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ تَسْجِيلَ أَحْكَامِهِ وَضَبْطَهَا بِشُهُودٍ، وَلَوْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَادَةً: كَانَ مُتَّجَهًا. لِوُقُوعِ الرِّيبَةِ، لِمُخَالَفَتِهِ لِلْعَادَةِ. انْتَهَى. قُلْت: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. بَلْ يَرْجِعُ إلَى صِفَةِ الْحَاكِمِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَوَائِدُ
الْأُولَى: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كِتَابُهُ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ، أَوْ بَعْدَ عَزْلِهِ: كَخَبَرِهِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا.
الثَّانِيَةُ: نَظِيرُ مَسْأَلَةِ إخْبَارِ الْحَاكِمِ فِي حَالِ الْوِلَايَةِ وَالْعَزْلِ: أَمِيرُ الْجِهَادِ، وَأَمِينُ الصَّدَقَةِ، وَنَاظِرُ الْوَقْفِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: كُلُّ مَنْ صَحَّ مِنْهُ إنْشَاءُ أَمْرٍ صَحَّ إقْرَارُهُ بِهِ
الثَّالِثَةُ: لَوْ أَخْبَرَهُ حَاكِمٌ آخَرَ بِحُكْمٍ أَوْ ثُبُوتٍ فِي عَمَلِهِمَا: عَمِلَ بِهِ فِي غَيْبَةِ الْمُخْبِرِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: عَمِلَ بِهِ مَعَ غَيْبَةِ الْمُخْبِرِ عَنْ الْمَجْلِسِ.
الرَّابِعَةُ: يُقْبَلُ خَبَرُ الْحَاكِمِ لِحَاكِمٍ آخَرَ فِي غَيْرِ عَمَلِهِمَا، وَفِي عَمَلِ أَحَدِهِمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَإِلَيْهِ مَيْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَابْنِ رَزِينٍ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَعِنْدَ الْقَاضِي لَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا أَنْ يُخْبِرَ فِي عَمَلِهِ حَاكِمًا فِي غَيْرِ عَمَلِهِ، فَيَعْمَلُ بِهِ إذَا بَلَغَ عَمَلُهُ. وَجَازَ حُكْمُهُ بِعِلْمِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالتَّرْغِيبِ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَا فِي وِلَايَةِ الْمُخْبِرِ: فَوَجْهَانِ. وَفِيهِ أَيْضًا، إذَا قَالَ: سَمِعْت الْبَيِّنَةَ فَاحْكُمْ، لَا فَائِدَةَ لَهُ مَعَ حَيَاةِ الْبَيِّنَةِ. بَلْ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا. فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، وَمَنْ تَابَعَهُ: يُفَرَّقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ الْحَاكِمُ الْمَعْزُولُ " كُنْت حَكَمْت فِي وِلَايَتِي لِفُلَانٍ بِكَذَا " أَنَّهُ يُقْبَلُ هُنَاكَ. وَلَا يُقْبَلُ هُنَا. فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَأَنَّ الْفَرْقَ مَا يَحْصُلُ مِنْ الضَّرَرِ بِتَرْكِ قَبُولِ قَوْلِ الْمَعْزُولِ. بِخِلَافِ هَذَا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ غَيْرِ بَرْزَةٍ: لَمْ يُحْضِرْهَا. وَأَمَرَهَا بِالتَّوْكِيلِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ. وَأَطْلَقَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ: إحْضَارَهَا. لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ مَبْنَاهُ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّيقِ وَلِأَنَّ مَعَهَا أَمِينَ الْحَاكِمِ. فَلَا يَحْصُلُ مَعَهُ خِيفَةُ الْفُجُورِ. وَالْمُدَّةُ يَسِيرَةٌ، كَسَفَرِهَا مِنْ مَحَلَّةٍ إلَيَّ مَحَلَّةٍ. وَلِأَنَّهَا لَمْ تُنْشِئْ هِيَ إنَّمَا أُنْشِئَ بِهَا. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ تَعَذَّرَ حُصُولُ الْحَقِّ بِدُونِ إحْضَارِهَا: أَحْضَرَهَا. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ الْحَاكِمَ يَبْعَثُ مَنْ يَقْضِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَصْمِهَا. فَوَائِدُ
الْأُولَى: لَا يُعْتَبَرُ لِامْرَأَةٍ بَرْزَةٍ فِي حُضُورِهَا مَحْرَمٌ. نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَغَيْرُهَا: تُوَكِّلُ، كَمَا تَقَدَّمَ وَأَطْلَقَ فِي الِانْتِصَارِ: النَّصَّ فِي الْمَرْأَةِ. وَاخْتَارَهُ إنْ تَعَذَّرَ الْحَقُّ بِدُونِ حُضُورِهَا. كَمَا تَقَدَّمَ.
الثَّانِيَةُ: " الْبَرْزَةُ " هِيَ الَّتِي تَبْرُزُ لِحَوَائِجِهَا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْمَطْلَعِ. هِيَ الْكَهْلَةُ الَّتِي لَا تَحْتَجِبُ احْتِجَابَ الشَّوَابِّ. وَ " الْمُخَدَّرَةُ " بِخِلَافِهَا. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ خَرَجَتْ لِلْعَزَاءِ وَالزِّيَارَاتِ وَلَمْ تُكْثِرْ. فَهِيَ مُخَدَّرَةٌ.
الثَّالِثَةُ: الْمَرِيضُ يُوَكِّلُ كَالْمُخَدَّرَةِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ عَنْ الْبَلَدِ فِي مَوْضِعٍ لَا حَاكِمَ فِيهِ:
كَتَبَ إلَى ثِقَاتٍ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، لِيَتَوَسَّطُوا بَيْنَهُمَا. فَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوا، قِيلَ لِلْخَصْمِ: حَقِّقْ مَا تَدَّعِيهِ. ثُمَّ يُحْضِرُهُ، وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ: يُحْضِرُهُ مِنْ مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَقَلَّ. وَقِيلَ: لَا يُحْضِرُهُ إلَّا إذَا كَانَ لِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. وَعَنْهُ: لِدُونِ يَوْمٍ جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَزَادَ: بِلَا مُؤْنَةٍ وَلَا مَشَقَّةٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقِيلَ: إنْ جَاءَ وَعَادَ فِي يَوْمٍ: أُحْضِرَ، وَلَوْ قَبْلَ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا يُحْضِرُهُ مَعَ الْبُعْدِ حَتَّى تَتَحَرَّرَ دَعْوَاهُ. وَفِي التَّرْغِيبِ أَيْضًا: يَتَوَقَّفُ إحْضَارُهُ عَلَى سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ إذَا كَانَتْ مِمَّا لَا يَقْضِي فِيهِ بِالنُّكُولِ. قَالَ: وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يُحْضِرُهُ مَعَ الْبُعْدِ، حَتَّى يَصِحَّ عِنْدَهُ مَا ادَّعَاهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ.
تَنْبِيهٌ:
مَحَلُّ هَذَا إذَا كَانَ الْغَائِبُ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ.
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: لَوْ ادَّعَى قَبْلَهُ شَهَادَةً: لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، وَلَمْ يُعْدَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَحْلِفْ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله فِي ذَلِكَ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ صَالِحٍ، وَحَنْبَلٍ. وَقَالَ: لَوْ قَالَ " أَنَا أَعْلَمُهَا وَلَا أُؤَدِّيهَا " فَظَاهِرٌ. وَلَوْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا ادَّعَى بِهِ إنْ قِيلَ: كِتْمَانُهَا مُوجِبٌ لِضَمَانِ مَا تَلِفَ. وَلَا يَبْعُدُ كَمَا يَضْمَنُ فِي تَرْكِ الْإِطْعَامِ الْوَاجِبِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ طَلَبَهُ خَصْمُهُ، أَوْ حَاكِمٌ لِيُحْضِرَهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ: لَزِمَهُ الْحُضُورُ. حَيْثُ يَلْزَم إحْضَارُهُ بِطَلَبِهِ مِنْهُ.