المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[كِتَابُ الْقَضَاءِ] ِ فَائِدَةٌ " الْقَضَاءُ " وَاحِدُ الْأَقْضِيَةِ. وَالْقَضَاءُ يُعَبَّرُ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ١١

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌[كِتَابُ الْقَضَاءِ] ِ فَائِدَةٌ " الْقَضَاءُ " وَاحِدُ الْأَقْضِيَةِ. وَالْقَضَاءُ يُعَبَّرُ

[كِتَابُ الْقَضَاءِ]

ِ فَائِدَةٌ " الْقَضَاءُ " وَاحِدُ الْأَقْضِيَةِ. وَالْقَضَاءُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ مَعَانٍ كَثِيرَةٍ. وَالْأَصْلُ فِيهِ: الْحَتْمُ، وَالْفَرَاغُ مِنْ الْأَمْرِ. وَيَجْرِي عَلَى هَذَا جَمِيعُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ لَفْظِ " الْقَضَاءِ ". وَالْمُرَادُ بِهِ فِي الشَّرْعِ: الْإِلْزَامُ. وَوِلَايَةُ الْقَضَاءِ رُتْبَةٌ دِينِيَّةٌ وَنَصْبَةٌ شَرْعِيَّةٌ. قَوْلُهُ (وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذَهَّبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: سُنَّةٌ. نَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَعَنْهُ: لَا يُسَنُّ دُخُولُهُ فِيهِ. نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يُعْجِبُنِي. هُوَ أَسْلَمُ.

فَائِدَةٌ

نَصْبُ الْإِمَامِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، بِشُرُوطِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي أَوَّلِ " بَابِ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ ". وَذُكِرَ فِي الْفُرُوعِ رِوَايَةُ: أَنَّهُ لَيْسَ فَرْضَ كِفَايَةٍ. وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ (فَيَجِبُ) .

ص: 154

يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ (عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْصِبَ فِي كُلِّ إقْلِيمٍ قَاضِيًا) . وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَلْزَمُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ.

قَوْلُهُ (وَيَخْتَارُ لِذَلِكَ أَفْضَلَ مَنْ يَجِدُ، وَأَوْرَعَهُمْ) . قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَفِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيّ الْبَغْدَادِيِّ: عَلَى الْإِمَامِ نَصْبُ مَنْ يُكْتَفَى بِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَلْزَمُهُ أَنْ يُوَلِّيَ قَاضِيًا مِنْ أَفْضَلِ وَأَصْلَحِ مَنْ يَجِدُ عِلْمًا وَدِينًا. وَعَنْهُ: وَوَرَعًا وَنَزَاهَةً وَصِيَانَةً وَأَمَانَةً.

قَوْلُهُ (وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ لَهُ إذَا طُلِبَ وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ: الدُّخُولُ فِيهِ) . يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ. وَمُرَادُهُ: إذَا لَمْ يَشْغَلْهُ عَمَّا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ الْوَجِيزُ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ سُئِلَ: هَلْ يَأْثَمُ الْقَاضِي بِالِامْتِنَاعِ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ؟ قَالَ: لَا يَأْثَمُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَعَنْهُ: لَا يُسَنُّ دُخُولُهُ فِيهِ. نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يُعْجِبُنِي. هُوَ أَسْلَمُ

ص: 155

وَذَكَرَ مَا رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مَرْفُوعًا «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ» . قَالَ فِي الْحَاوِي عَنْ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ الضَّعْفَ فِيهِ، أَوْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الزَّمَانَ كَانَ الْحُكَّامُ يَحْمِلُونَ فِيهِ الْقُضَاةَ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ، وَلَا يُمْكِنُهُمْ الْحُكْمُ بِالْحَقِّ. انْتَهَى.

تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ لَهُ إذَا طُلِبَ " أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقِيلَ: يَحْرُمُ الطَّلَبُ، لِخَوْفِهِ مَيْلًا.

فَائِدَةٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ وَثِقَ بِغَيْرِهِ: فَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَالشَّهَادَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: مُخْتَلِفٌ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ: كُرِهَ لَهُ طَلَبُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ) . يَعْنِي: فِيمَا إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ لَهُ طَلَبُهُ لِقَصْدِ الْحَقِّ، وَدَفْعِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ مَعَ وُجُودِ أَصْلَحَ مِنْهُ، أَوْ غِنَاهُ عَنْهُ أَوْ شُهْرَتِهِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ، بَلْ يُسْتَحَبُّ طَلَبُهُ لِقَصْدِ الْحَقِّ. وَدَفْعِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ: يَحْرُمُ بِدُونِهِ.

ص: 156

قَوْلُهُ (وَإِنْ طُلِبَ، فَالْأَفْضَلُ: أَنْ لَا يُجِيبَ إلَيْهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله) . يَعْنِي: إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ وَطُلِبَ هُوَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْأَفْضَلُ الْإِجَابَةُ إذَا أَمِنَ مِنْ نَفْسِهِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَقِيلَ: الْأَفْضَلُ الْإِجَابَةُ إلَيْهِ مَعَ خُمُولِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالشَّارِحِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ كَانَ رَجُلًا خَامِلًا لَا يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْأَحْكَامِ، فَالْأَوْلَى: لَهُ التَّوْلِيَةُ لِيُرْجَعَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَيَقُومَ الْحَقُّ بِهِ، وَيَنْتَفِعَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ. وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا فِي النَّاسِ بِالْعِلْمِ، وَيُرْجَعُ إلَيْهِ فِي تَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَالْفَتْوَى لَهُ اشْتِغَالٌ بِذَلِكَ. انْتَهَيَا. فَلَعَلَّ ابْنَ حَامِدٍ لَهُ قَوْلَانِ. وَقَدْ حَكَاهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ قَوْلَيْنِ. وَقِيلَ: الْإِجَابَةُ أَفْضَلُ مَعَ خُمُولِهِ وَفَقْرِهِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَحْرُمُ بَذْلُ الْمَالِ فِي ذَلِكَ. وَيَحْرُمُ أَخْذُهُ وَطَلَبُهُ وَفِيهِ مُبَاشِرٌ أَهْلٌ لَهُ؟ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ تَخْصِيصِهِمْ الْكَرَاهَةَ بِالطَّلَبِ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَوْلِيَةُ الْحَرِيصِ، وَلَا يَنْفِي أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى. قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ.

ص: 157

قُلْت: هَذَا التَّوْجِيهُ هُوَ الصَّوَابُ.

الثَّانِيَةُ: تَصِحُّ وِلَايَةُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ.

قَوْلُهُ (وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا: مَعْرِفَةُ الْمُوَلِّي كَوْنَ الْمُوَلَّى عَلَى صِفَةٍ تَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، وَتَعْيِينُ مَا يُوَلِّيهِ الْحُكْمَ فِيهِ مِنْ الْأَعْمَالِ وَالْبُلْدَانِ، وَمُشَافَهَتُهُ بِالْوِلَايَةِ، أَوْ مُكَاتَبَتُهُ بِهَا، وَاسْتِشْهَادُ شَاهِدَيْنِ عَلَى تَوْلِيَتِهِ) . قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي وِلَايَتِهِ: إمَّا بِالْمُكَاتَبَةِ. وَإِمَّا الْمُشَافَهَةُ، وَاسْتِشْهَادُ شَاهِدَيْنِ عَلَى ذَلِكَ فَقَطْ. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ، فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: تَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ إذَا كَانَ بَلَدُهُ قَرِيبًا. فَتَسْتَفِيضُ فِيهِ أَخْبَارُ بَلَدِ الْإِمَامِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ تَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ. وَجُزِمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْوَجِيزِ، وَالشَّرْحِ. وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ. إلَّا أَنْ تَكُونَ النُّسْخَةُ مَغْلُوطَةً. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الشَّهَادَاتِ ". تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: حَدَّ الْأَصْحَابُ الْبَلَدَ الْقَرِيبَ بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَمَا دُونَ. وَأَطْلَقَ الْأَدَمِيُّ الِاسْتِفَاضَةَ. وَظَاهِرُهُ مَعَ الْبُعْدِ.

ص: 158

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ فِي الْغَالِبِ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ.

الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْوِلَايَةُ بِمُجَرَّدِ الْكِتَابَةِ إلَيْهِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتُتَوَجَّهُ صِحَّتُهَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِالْخَطِّ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. ذَكَرَهُ فِي " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ ".

قَوْلُهُ (وَهَلْ تُشْتَرَطُ عَدَالَةُ الْمُوَلِّي؟) بِكَسْرِ اللَّازِمِ، اسْمُ فَاعِلٍ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ؛ وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، فِي نَائِبِ الْإِمَامِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي بَعْدَ أَنْ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ وَقِيلَ: الرِّوَايَتَانِ فِي نَائِبِ الْإِمَامِ دُونَهُ.

إحْدَاهُمَا: لَا تُشْتَرَطُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيُّ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ فِي الْإِمَامِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تُشْتَرَطُ. وَعَنْهُ: تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي سِوَى الْإِمَامِ.

ص: 159

وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. ثُمَّ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ قُلْنَا الْحَاكِمُ نَائِبُ الشَّرْعِ: صَحَّتْ مِنْهُمَا. وَإِلَّا فَلَا. قُلْت: فِي الْإِمَامِ وَجْهَانِ: هَلْ تَصَرُّفُهُ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ، أَوْ الْوِلَايَةِ؟ . اخْتَارَ الْقَاضِي: الْأَوَّلَ. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ. وَإِذَا كَانَ الْمُوَلِّي نَائِبَ الْإِمَامِ: لَمْ تُشْتَرَطْ عَدَالَتُهُ.

قَوْلُهُ (وَأَلْفَاظُ التَّوْلِيَةِ الصَّرِيحَةِ سَبْعَةٌ " وَلَّيْتُك الْحُكْمَ " وَ " قَلَّدْتُك " وَ " اسْتَنَبْتُكَ " وَ " اسْتَخْلَفْتُك " وَ " رَدَدْت إلَيْك " وَ " فَوَّضْت إلَيْك " وَ " جَعَلْت إلَيْك الْحُكْمَ ") . زَادَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: وَ " اسْتَكْفَيْتُك ". وَذَكَرَهَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ " اسْتَنَبْتُكَ ". وَقِيلَ:" رَدَدْته، فَوَّضْته، وَجَعَلْته إلَيْك " كِنَايَةً.

قَوْلُهُ (فَإِذَا وُجِدَ لَفْظٌ مِنْهَا وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُوَلَّى: انْعَقَدَتْ الْوِلَايَةُ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْوَجِيزِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي: فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَجَوَابُهَا مِنْ الْمُوَلَّى بِالْقَبُولِ: انْعَقَدَتْ الْوِلَايَةُ. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ. وَفِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ: فَإِذَا وُجِدَ لَفْظٌ مِنْهَا، وَقَبُولُ الْمُوَلَّى فِي الْمَجْلِسِ إنْ كَانَ حَاضِرًا، أَوْ فِيمَا بَعْدَهُ إنْ كَانَ غَائِبًا: انْعَقَدَتْ الْوِلَايَةُ. وَفِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ: فَإِذَا أَتَى بِوَاحِدٍ مِنْهَا، وَاتَّصَلَ الْقَبُولُ: انْعَقَدَتْ الْوِلَايَةُ. زَادَ فِي الشَّرْحِ: كَالْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

ص: 160

وَفِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ: يُشْتَرَطُ فَوْرِيَّةُ الْقَبُولِ مَعَ الْحُضُورِ. وَفِي الْمُنَوِّرِ: وَفَوْرِيَّةُ الْقَبُولِ. هَذِهِ عِبَارَاتُهُمْ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَمَنْ تَابَعَهُ: مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَمَنْ تَابَعَهُ، أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْحَاضِرِ الْقَبُولُ فِي الْمَجْلِسِ. وَأَنَّ مُرَادَهُ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ بِالِاتِّصَالِ: الْمَجْلِسُ. بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ ". وَأَمَّا الْمُنْتَخَبُ، وَالْمُنَوِّرُ: فَمُخَالِفٌ لَهُمْ. وَكَلَامُهُ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ: يَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَمَنْ تَابَعَهُ: عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْقَبُولِ الْمَجْلِسُ. وَلَمْ نَرَهُ صَرِيحًا. فَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ. وَكَلَامُهُ فِي الْمُنْتَخَبِ وَالْمُنَوِّرِ وَجْهٌ ثَالِثٌ. وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: هَلْ الْقُضَاةُ نُوَّابُ الْإِمَامِ، أَوْ نُوَّابُ الْمُسْلِمِينَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي: عَزْلُ الْقَاضِي نَفْسَهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ: هَلْ هُوَ وَكِيلٌ لِلْمُسْلِمِينَ، أَمْ لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: هَلْ يَنْعَزِلُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْعَزْلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. بِنَاءً عَلَى الْوَكِيلِ. وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يُشْتَرَطُ لِلْوَكِيلِ الْقَبُولُ فِي الْمَجْلِسِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ (وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُوَلَّى) . إنْ قَبِلَ بِاللَّفْظِ فَلَا نِزَاعَ فِي انْعِقَادِهَا. وَإِنْ قَبِلَ بِالشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: انْعِقَادُ الْوِلَايَةِ بِذَلِكَ.

ص: 161

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ أَوْ شَرَعَ غَائِبٌ فِي الْعَمَلِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: قُلْت وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ نَائِبُ الشَّرْعِ، كَفَى الشُّرُوعُ فِي الْعَمَلِ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ نَائِبُ مَنْ وَلَّاهُ، فَلَا. وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي ذَلِكَ احْتِمَالَيْنِ. وَجَعَلَ مَأْخَذَهُمَا: هَلْ يَجْرِي الْفِعْلُ مَجْرَى النُّطْقِ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ؟ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ: وَيَحْسُنُ بِنَاؤُهُمَا عَلَى أَنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ عَقْدٌ جَائِزٌ، أَوْ لَازِمٌ.

قَوْلُهُ (وَالْكِنَايَةُ: نَحْوَ " اعْتَمَدْت عَلَيْك " وَ " عَوَّلْت " وَ " وَكَّلْت إلَيْك " وَ " أَسْنَدْت إلَيْك الْحُكْمَ " فَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا، حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهَا قَرِينَةٌ. نَحْوَ " فَاحْكُمْ " أَوْ " فَتَوَلَّ مَا عَوَّلْت عَلَيْك " وَمَا أَشْبَهَهُ) . وَتَقَدَّمَ قَوْلٌ: إنَّ فِي " رَدَدْته " وَ " فَوَّضْته " وَ " جَعَلْته إلَيْك " كِنَايَةً فَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ الْقَرِينَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ، وَكَانَتْ عَامَّةً: اسْتَفَادَ بِهَا النَّظَرَ فِي عَشَرَةِ أَشْيَاءَ: فَصْلُ الْخُصُومَاتِ، وَاسْتِيفَاءُ الْحَقِّ، مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ. وَدَفْعُهُ إلَى رَبِّهِ، وَالنَّظَرُ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، وَالْمَجَانِينِ وَالسُّفَهَاءِ، وَالْحَجْرُ عَلَى مَنْ يَرَى الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ، وَالنَّظَرُ فِي الْوُقُوفِ فِي عَمَلِهِ بِإِجْرَائِهَا عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ، وَتَنْفِيذُ الْوَصَايَا، وَتَزْوِيجُ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا وَلِيَّ لَهُنَّ، وَإِقَامَةُ الْحُدُدِ، وَإِقَامَةُ الْجُمُعَةِ) .

ص: 162

وَكَذَا إقَامَةُ الْعِيدِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ فِي الْجُمْلَةِ. وَقَالَ النَّاظِمُ: وَقَبْضُ خَرَاجٍ وَالزَّكَاةُ أُجْرَةٌ وَأَنْ يَلِيَ جُمُعَةً وَالْعِيدَ فِي الْمُتَجَوَّدِ فَظَاهِرُهُ: إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ. وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. وَلَعَلَّ الْخِلَافَ عَائِدٌ إلَى قَبْضِ الْخَرَاجِ وَالزَّكَاةِ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُخَصَّا بِإِمَامٍ.

الثَّانِي: قَوْلُهُ " وَإِقَامَةُ الْجُمُعَةِ " وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَمُنْتَخَبُ الْأَدَمِيِّ، وَالْمُنَوِّرُ. وَقَالَ الْقَاضِي: وَإِمَامَةُ الْجُمُعَةِ بِالْمِيمِ بَدَلُ الْقَافِ. وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَتَقَدَّمَ عِبَارَةُ النَّاظِمِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَالَ الشَّيْخُ: وَإِقَامَةُ الْجُمُعَةِ بِالْقَافِ. وَعُلِّلَ بِأَنَّ الْأَئِمَّةَ كَانُوا يُقِيمُونَهَا، وَالْقَاضِي يَنُوبُ عَنْهُمْ. وَ " الْإِقَامَةُ " قَدْ يُرَادُ بِهَا وِلَايَةُ الْإِذْنِ فِي إقَامَتِهَا، وَمُبَاشَرَةُ الْإِمَامَةِ فِيهَا. وَقَدْ يُرَادُ بِهَا نَصْبُ الْأَئِمَّةِ مَعَ عَدَمِ وِلَايَةِ أَصْلِ الْإِذْنِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إمَامَةٌ بِالْمِيمِ كَقَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ. وَكَذَا الْقَاضِي. فَيُحْتَمَلُ إرَادَةُ نَصْبِ الْأَئِمَّةِ. وَهَذَا أَظْهَرُ. وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ. فَإِنَّ النَّصْبَ فِيهِمَا إقَامَةٌ لَهُمَا. وَعَلَى هَذَا: نَصْبُ أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ.

ص: 163

وَيُحْتَمَلُ إرَادَةُ فِعْلِ الْإِمَامَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ شُيُوخِنَا فِي مُصَنَّفِهِ. قَالَ: وَأَنْ يَؤُمَّ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ، مَعَ عَدَمِ إمَامٍ خَاصٍّ لَهُمَا. إلَّا أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى هَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْإِقَامَةُ أَوَالْإِمَامَة إلَّا فِي بُقْعَةٍ مِنْ عَمَلِهِ، لَا فِي جَمِيعِ عَمَلِهِ. إذْ لَا يُمْكِنُ مِنْهُ الْفِعْلُ إلَّا فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُ. وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ إطْلَاقِ: أَنَّ لَهُ فِعْلَ ذَلِكَ فِي عَمَلِهِ. انْتَهَى. قُلْت: عِبَارَتُهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي " وَأَنْ يَؤُمَّ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ " كَمَا فِي نَقْلِ الْحَارِثِيِّ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ.

فَائِدَةٌ مِنْ جُمْلَةِ مَا نَسْتَفِيدُهُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا: النَّظَرُ فِي عَمَلِ مَصَالِحِ عَمَلِهِ بِكَفِّ الْأَذَى عَنْ طُرُقَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَأَقَلِّيَّتِهِمْ، وَتَصَفُّحِ حَالِ شُهُودِهِ وَأُمَنَائِهِ، وَالِاسْتِبْدَالِ مِمَّنْ ثَبَتَ جَرْحُهُ مِنْهُمْ. وَيَنْظُرُ أَيْضًا فِي أَقْوَالِ الْغَائِبِينَ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي أَوَاخِرِ " بَابِ آدَابِ الْقَاضِي ".

قَوْلُهُ (فَأَمَّا جِبَايَةُ الْخَرَاجِ وَأَخْذُ الصَّدَقَةِ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَمَحَلُّهُمَا إذَا لَمْ يَخْتَصَّا بِعَامِلٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.

أَحَدُهُمَا: يُسْتَفَادَانِ بِالْوِلَايَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُسْتَفَادَانِ بِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ.

ص: 164

وَقِيلَ: لَا يُسْتَفَادُ الْخَرَاجُ فَقَطْ.

تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ " اسْتَفَادَ بِهَا النَّظَرَ فِي عَشَرَةِ أَشْيَاءَ " أَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ غَيْرَهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَيَسْتَفِيدُ أَيْضًا الِاحْتِسَابَ عَلَى الْبَاعَةِ وَالْمُشْتَرِينَ، وَإِلْزَامَهُمْ بِاتِّبَاعِ الشَّرْعِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: مَا يَسْتَفِيدُهُ بِالْوِلَايَةِ لَا حَدَّ لَهُ شَرْعًا. بَلْ يُتَلَقَّى مِنْ الْأَلْفَاظِ وَالْأَحْوَالِ وَالْعُرْفِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: أَمِيرُ الْبَلَدِ إنَّمَا هُوَ مُسَلَّطٌ عَلَى الْأَدَبِ. وَلَيْسَ لَهُ الْمَوَارِيثُ وَالْوَصَايَا. وَالْفُرُوجُ وَالْحُدُودُ. إنَّمَا يَكُونُ هَذَا إلَى الْقَاضِي.

قَوْلُهُ (وَلَهُ طَلَبُ الرِّزْقِ لِنَفْسِهِ وَأُمَنَائِهِ وَخُلَفَائِهِ مَعَ الْحَاجَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْحَاوِي. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ مَعَ الْحَاجَةِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ.

قَوْلُهُ (فَأَمَّا مَعَ عَدَمِهَا: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ.

أَحَدُهُمَا: لَهُ ذَلِكَ. وَلَهُ أَخْذُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرِهِ.

ص: 165

وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ: وَبِدُونِ حَاجَةٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَلَا لَهُ أَخْذُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَهُ الْأَخْذُ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَا يَأْخُذُ أُجْرَةً عَلَى أَعْمَالِ الْبِرِّ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَكْفِيهِ، فَفِي جَوَازِ أَخْذِهِ مِنْ الْخَصْمَيْنِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ أَخْذِ الرِّزْقِ، فَلَمْ يُجْعَلْ لَهُ شَيْءٌ، فَقَالَ: لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا إلَّا بِجُعْلٍ: جَازَ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي رِزْقٌ فَقَالَ لِلْخَصْمَيْنِ: لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا حَتَّى تَجْعَلَا لِي عَلَيْهِ جُعْلًا: جَازَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ. انْتَهَيَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ. اخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَيَأْتِي حُكْمُ الْهَدِيَّةِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَ وَلَهُ كِفَايَةٌ. فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي آدَابِ الْمُفْتِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَأُصُولِ ابْنِ مُفْلِحٍ، وَفُرُوعِهِ. وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ عَدَمَ الْجَوَازِ.

ص: 166

وَمَنْ أَخَذَ رِزْقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَمْ يَأْخُذْ أُجْرَةً لِفُتْيَاهُ. وَفِي أُجْرَةِ خَطِّهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ. قَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ.

الثَّانِي: لَا يَجُوزُ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِيمَنْ يُسْأَلُ عَنْ الْعِلْمِ، فَرُبَّمَا أُهْدِيَ لَهُ؟ قَالَ: لَا يَقْبَلُ، إلَّا أَنْ يُكَافَأَ. وَيَأْتِي أَيْضًا حُكْمُ هَدِيَّةِ الْمُفْتِي عِنْدَ ذِكْرِ هَدِيَّةِ الْقَاضِي.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَهُ عُمُومَ النَّظَرِ فِي عُمُومِ الْعَمَلِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَهُ خَاصًّا فِي أَحَدِهِمَا أَوْ فِيهِمَا) . (فَيُوَلِّيَهُ عُمُومَ النَّظَرِ فِي بَلَدٍ أَوْ مَحَلَّةٍ خَاصَّةٍ) . بِلَا نِزَاعٍ.

قَوْلُهُ (فَيَنْفُذُ)(قَضَاؤُهُ فِي أَهْلِهِ، وَمَنْ طَرَأَ إلَيْهِ) . بِلَا نِزَاعٍ أَيْضًا. لَكِنْ لَا يَسْمَعُ بَيِّنَةً فِي غَيْرِ عَمَلِهِ. وَهُوَ مَحَلُّ حُكْمِهِ. وَيَجِبُ إعَادَةُ الشَّهَادَةِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا لِتَعْدِيلِهَا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ: إخْبَارُ الْحَاكِمِ لِحَاكِمٍ آخَرَ بِحُكْمٍ أَوْ ثُبُوتٍ فِي عَمَلِهِمَا أَوْ فِي غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ قَاضِيَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ. وَيَجْعَلُ إلَى

ص: 167