المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب حكم كتاب القاضي إلى القاضي] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ١١

[المرداوي]

الفصل: ‌[باب حكم كتاب القاضي إلى القاضي]

[بَابُ حُكْمِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي]

قَوْلُهُ (يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْمَالِ، وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ: كَالْقَرْضِ، وَالْغَصْبِ، وَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالرَّهْنِ، وَالصُّلْحِ، وَالْوَصِيَّةِ لَهُ، وَالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَلَا يُقْبَلُ فِي حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَذَكَرُوا فِي الرِّعَايَةِ رِوَايَةً: يُقْبَلُ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُقْبَلُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِثْلُ: الْقِصَاصِ، وَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْخُلْعِ، وَالْعِتْقِ، وَالنَّسَبِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالتَّوْكِيلِ، وَالْوَصِيَّةِ إلَيْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا.

أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. نَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: يُقْبَلُ حَتَّى فِي قَوَدٍ. وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهَا.

ص: 321

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مُخْتَارُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الْقَاضِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمُذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي الْقِصَاصِ. قَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَيُقْبَلُ فِي كُلِّ حَقٍّ، إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يُقْبَلُ فِي النِّكَاحِ وَنَحْوِهِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ. وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى قَبُولِهِ، إلَّا فِي الدِّمَاءِ وَالْحُدُودِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ: وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ فِيمَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ.

فَائِدَةٌ:

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ذَكَرُوا: أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي: حُكْمُهُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ. وَذَكَرُوا فِيمَا إذَا تَغَيَّرَتْ حَالُهُ أَنَّهُ أَصْلٌ. وَمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَرْعٌ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَغَيْرُهُ. فَلَا يَجُوزُ نَقْضُ الْحُكْمِ بِإِنْكَارِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ. وَلَا يَقْدَحُ فِي عَدَالَةِ الْبَيِّنَةِ. بَلْ يَمْنَعُ إنْكَارُهُ الْحُكْمَ كَمَا يَمْنَعُ رُجُوعُ شُهُودِ الْأَصْلِ الْحُكْمَ. فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ فَرْعٌ لِمَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ. وَهُوَ أَصْلٌ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ. وَدَلَّ ذَلِكَ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شُهُودُ فَرْعٍ فَرْعًا لِأَصْلٍ. يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ فِي التَّعْلِيلِ: إنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ. وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي فَرْعِ الْفَرْعِ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي فِيمَا حَكَمَ بِهِ لِيُنَفِّذَهُ فِي الْمَسَافَةِ الْقَرِيبَةِ، وَمَسَافَةِ الْقَصْرِ) . وَلَوْ كَانَ بِبَلَدٍ وَاحِدٍ، بِلَا نِزَاعٍ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله: وَفِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا

ص: 322

وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا: هَلْ التَّنْفِيذُ حُكْمٌ، أَمْ لَا؟ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ فِي الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ، دُونَ الْقَرِيبَةِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: فَوْقَ يَوْمٍ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله. وَقَالَ: خَرَّجْته فِي الْمَذْهَبِ، وَأَقَلُّ مِنْ يَوْمٍ: كَخَبَرٍ. انْتَهَى. يَعْنِي: إذَا أَخْبَرَ حَاكِمٌ الْآخِرَ بِحُكْمِهِ: يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ. فَلَوْلَا أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ كَالْخَبَرِ لَمَا اكْتَفَى فِيهِ بِخَبَرِهِ، وَلَمَا جَازَ لِلْحَاكِمِ الْآخِرِ الْعَمَلُ بِهِ حَتَّى يَشْهَدَ بِهِ شَاهِدَانِ. قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَيَكُونُ فِي كِتَابِهِ " شَهِدَا عِنْدِي بِكَذَا " وَلَا يَكْتُبُ " ثَبَتَ عِنْدِي " لِأَنَّهُ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا، كَبَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ.

وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ. لِأَنَّهُ خَبَرٌ بِالثُّبُوتِ. كَشُهُودِ الْفَرْعِ. لِأَنَّ الْحُكْمَ أَمْرٌ وَنَهْيٌ يَتَضَمَّنُ إلْزَامًا. انْتَهَى. فَعَلَيْهِ: لَا يَمْتَنِعُ كِتَابَتُهُ " ثَبَتَ عِنْدِي ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ لَوْ أَثْبَتَ حَاكِمٌ مَالِكِيٌّ وَقْفًا لَا يَرَاهُ كَوَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ. فَإِنَّهُ حُكْمٌ، لِلْخِلَافِ فِي الْعَمَلِ بِالْخَطِّ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فَلِحَاكِمٍ حَنْبَلِيٍّ يَرَى صِحَّةَ الْحُكْمِ أَنْ يُنَفِّذَهُ فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ.

ص: 323

وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ الْمَالِكِيُّ، بَلْ قَالَ " ثَبَتَ كَذَا " فَكَذَلِكَ. لِأَنَّ الثُّبُوتَ عِنْدَ الْمَالِكِيِّ حُكْمٌ. ثُمَّ إنْ رَأَى الْحَنْبَلِيُّ الثُّبُوتَ حُكْمًا: نَفَّذَهُ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِي قُرْبِ الْمَسَافَةِ وَلُزُومُ الْحَنْبَلِيِّ تَنْفِيذُهُ: يَنْبَنِي عَلَى لُزُومِ تَنْفِيذِ الْحُكْمِ الْمُخْتَلِفِ فِيهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَحُكْمُ الْمَالِكِيِّ مَعَ عِلْمِهِ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي الْخَطِّ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مُخْتَلَفًا فِيهِ. وَلِهَذَا لَا يُنَفِّذُهُ الْحَنَفِيَّةُ حَتَّى يُنَفِّذَهُ حَاكِمٌ. وَلِلْحَنْبَلِيِّ الْحَكَمُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ. وَمَعَ قُرْبِهَا: الْخِلَافُ لِأَنَّهُ نَقَلَ إلَيْهِ ثُبُوتَهُ مُجَرَّدًا. قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ. وَقَالَ: وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ ثَبَتَ عِنْدَ حَنْبَلِيٍّ وَقْفٌ عَلَى النَّفْسِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ، وَنَقَلَ الثُّبُوتَ إلَى حَاكِمٍ شَافِعِيٍّ: فَلَهُ الْحُكْمُ وَبُطْلَانُ الْوَقْفِ. وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ.

فَائِدَةٌ:

لَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ، وَلَمْ يُعَدِّلْهَا، وَجَعَلَهَا إلَى آخَرَ: جَازَ، مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ إلَى قَاضٍ مُعَيَّنٍ، وَإِلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ) . قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله وَتَعْيِينُ الْقَاضِي الْكَاتِبَ: كَشُهُودِ الْأَصْلِ. وَقَدْ يُخْبِرُ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ. قَالَ الْأَصْحَابُ فِي شُهُودِ الْأَصْلِ: يُعْتَبَرُ تَعْيِينُهُمْ لَهُمْ. قَالَ الْقَاضِي: حَتَّى لَوْ قَالَ تَابِعِيَّانِ " أَشْهَدَنَا صَحَابِيَّانِ " لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُعَيِّنَاهُمَا قَوْلُهُ (فَإِذَا وَصَلَا إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ: دَفَعَا إلَيْهِ الْكِتَابَ، وَقَالَا:

ص: 324

نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا كِتَابُ فُلَانٍ إلَيْك، كَتَبَهُ مِنْ عَمَلِهِ، وَأَشْهَدَنَا عَلَيْهِ " وَالِاحْتِيَاطُ: أَنْ يَشْهَدَا بِمَا فِيهِ) . فَيَقُولَانِ " وَأَشْهَدَنَا عَلَيْهِ " قَالَهُ الْخِرَقِيُّ وَجَمَاعَةٌ. وَاعْتَبَرَ الْخِرَقِيُّ أَيْضًا، وَجَمَاعَةٌ: قَوْلَهُمَا " قُرِئَ عَلَيْنَا " وَقَوْلَ الْكَاتِبِ " اشْهَدَا عَلَيَّ " وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُمَا إذَا وَصَلَا، قَالَا " نَشْهَدُ أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ إلَيْك كَتَبَهُ بِعَمَلِهِ " مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الَّذِي يَنْبَغِي قَبُولُ شَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ " أَنَّ هَذَا كِتَابُ فُلَانٍ إلَيْك، كَتَبَهُ مِنْ عَمَلِهِ " إذَا جَهِلَا مَا فِيهِ. قَوْلًا وَاحِدًا. لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ. انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ " كَتَبَهُ بِحَضْرَتِنَا، وَقَالَ لَنَا: اشْهَدَا عَلَيَّ أَنِّي كَتَبْته فِي عَمَلِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدِي. وَحَكَمْت بِهِ مِنْ كَذَا وَكَذَا " فَيَشْهَدَانِ بِذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَكْفِي أَنْ يَقُولَ " هَذَا كِتَابِي إلَى فُلَانٍ " مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ " اشْهَدَا عَلَيَّ " انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله كِتَابُهُ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ، أَوْ بَعْدَ عَزْلِهِ: كَخَبَرِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْقَاضِي فِيمَا أَثْبَتَهُ وَحَكَمَ بِهِ الشَّاهِدَانِ اللَّذَانِ شَهِدَا عِنْدَهُ بِالْحَقِّ الْمَحْكُومِ بِهِ؟ لَمْ أَجِدْ لِأَصْحَابِنَا فِيهَا نَصًّا. وَمُقْتَضَى قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ. لِأَنَّهَا لَا تَتَضَمَّنُ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ بِقَبُولِهِ شَهَادَتَهُمَا، وَإِثْبَاتِهِ بِهَا الْحَقَّ، وَالْحُكْمَ. فَالثُّبُوتُ وَالْحُكْمُ مَبْنِيَّانِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا. وَشَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ بِقَبُولِهِ شَهَادَتَهُمَا نَفْعٌ لَهُمَا، فَلَا يَجُوزُ قَبُولُهَا. وَإِذَا بَطَلَتْ بَعْضُ الشَّهَادَةِ: بَطَلَتْ. لِأَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ.

ص: 325

وَفِي رَوْضَةِ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ أَبِي طَاهِرٍ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدَانِ بِحُكْمِ الْقَاضِي هُمَا اللَّذَانِ شَهِدَا عِنْدَهُ وَحَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا. لِأَنَّهُمَا الْآنَ يَشْهَدَانِ عَلَى فِعْلِ الْقَاضِي قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ: وَعَلَى هَذَا تَفَقَّهْتُ، وَأَدْرَكَتْ الْقُضَاةَ. انْتَهَى. وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْحُكْمِ بِمَا يُحْتَمَلُ قَبُولُهُ عَلَى مَا فِيهِ. وَأَمَّا عَلَى الثُّبُوتِ: فَهَذَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ. وَقَدْ أَفْتَى بِالْمَنْعِ قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرُ الدِّينِ الْعَيْنِيِّ الْحَنَفِيِّ، وَقَاضِي الْقُضَاةِ الْبِسَاطِيُّ الْمَالِكِيُّ. انْتَهَى. وَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَتَبَ كِتَابًا، وَأَدْرَجَهُ وَخَتَمَهُ، وَقَالَ " هَذَا كِتَابِي إلَى فُلَانٍ اشْهَدَا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ " لَمْ يَصِحَّ) . (لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله قَالَ: فِيمَنْ كَتَبَ وَصِيَّةً وَخَتَمَهَا. ثُمَّ أَشْهَدَ عَلَى مَا فِيهَا: فَلَا. حَتَّى يُعْلَمَ مَا فِيهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ. وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَيَتَخَرَّجُ الْجَوَازُ بِقَوْلِهِ " إذَا وُجِدَتْ وَصِيَّةُ الرَّجُلِ مَكْتُوبَةً عِنْدَ رَأْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ أَوْ أَعْلَمَ بِهَا أَحَدًا عِنْدَ مَوْتِهِ، وَعُرِفَ خَطُّهُ وَكَانَ مَشْهُورًا: فَإِنَّهُ يُنَفَّذُ مَا فِيهَا "

ص: 326

وَهَذَا رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ. خَرَّجَهَا الْأَصْحَابُ وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْمُخَرَّجَةَ فِي الْوَصِيَّةِ: الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَوَّلِ " كِتَابِ الْوَصَايَا ". وَعَلَى هَذَا: إذَا عَرَفَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ: أَنَّهُ خَطُّ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَخَتْمُهُ: جَازَ قَبُولُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ، عَلَى هَذَا التَّخْرِيجِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ.

وَقِيلَ: لَا يَقْبَلُهُ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ هَذَا: أَنَّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يُشْتَرَطُ لِقَبُولِ الْكِتَابِ أَنْ يَعْرِفَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَنَّهُ خَطُّ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَخَتْمُهُ. وَفِيهِ نَظَرٌ. وَأَشْكَلُ مِنْهُ: حِكَايَةُ ابْنِ حَمْدَانَ قَوْلًا بِالْمَنْعِ. فَإِنَّهُ إذَنْ تَذْهَبُ فَائِدَةُ الرِّوَايَةِ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: أَنْ لَا يَشْتَرِطَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْبَرَكَاتِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْمُغْنِي. نَعَمْ. إذَا قِيلَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ، فَهَلْ يَكْتَفِي بِالْخَطِّ الْمُجَرَّدِ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. حَكَاهُمَا أَبُو الْبَرَكَاتِ. وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ حَمْدَانَ وَغَيْرِهِ. انْتَهَى. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله: مَنْ عُرِفَ خَطُّهُ بِإِقْرَارٍ، أَوْ إنْشَاءٍ، أَوْ عَقْدٍ أَوْ شَهَادَةٍ: عُمِلَ بِهِ كَمَيِّتٍ. فَإِنْ حَضَرَ، وَأَنْكَرَ مَضْمُونَهُ: فَكَاعْتِرَافِهِ بِالصَّوْتِ، وَإِنْكَارِ مَضْمُونِهِ.

ص: 327

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، فِي كِتَابٍ أَصْدَرَهُ إلَى السُّلْطَانِ فِي مَسْأَلَةِ الزِّيَارَةِ: وَقَدْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ الْحَاكِمِ: هَلْ يَحْتَاجُ إلَى شَاهِدَيْنِ عَلَى لَفْظِهِ، أَمْ إلَى وَاحِدٍ؟ أَمْ يَكْتَفِي بِالْكِتَابِ الْمَخْتُومِ؟ أَمْ يَقْبَلُ الْكِتَابَ بِلَا خَتْمٍ وَلَا شَاهِدٍ؟ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَغَيْرِهِ. نَقَلَهُ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فِي تَعْلِيقَتِهِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَحْكُمُ بِخَطِّ شَاهِدٍ مَيِّتٍ. وَقَالَ: الْخَطُّ كَاللَّفْظِ، إذَا عُرِفَ أَنَّهُ خَطُّهُ. وَقَالَ: إنَّهُ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّ هَذَا خَطَّهُ، كَمَا يَعْرِفُ أَنَّ هَذَا صَوْتَهُ. وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى الشَّخْصِ إذَا عَرَفَ صَوْتَهُ مَعَ إمْكَانِ الِاشْتِبَاهِ وَجَوَّزَ الْجُمْهُورُ كَالْإِمَامِ مَالِكٍ، وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الشَّهَادَةَ عَلَى الصَّوْتِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ: أَضْعَفُ. لَكِنْ جَوَازُهُ قَوِيٌّ، أَقْوَى مِنْ مَنْعِهِ. انْتَهَى.

فَوَائِدُ الْأُولَى: قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَوْ كَتَبَ شَاهِدَانِ إلَى شَاهِدَيْنِ مِنْ بَلَدِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ بِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ عَنْهُمَا: لَمْ يَجُزْ. لِأَنَّ الشَّاهِدَ إنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى غَيْرِهِ إذَا سَمِعَ مِنْهُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ، وَقَالَ " اشْهَدْ عَلَيَّ ". فَأَمَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِخَطِّهِ: فَلَا.

ص: 328

لِأَنَّ الْخُطُوطَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا الْعِلَلُ. فَإِنْ قَامَ بِخَطِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ شَاهِدَانِ: سَاغَ لَهُ الْحُكْمُ بِهِ.

الثَّانِيَةُ: يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي فِي الْحَيَوَانِ بِالصِّفَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُقْبَلُ كِتَابُهُ فِي حَيَوَانٍ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ كَتَبَ الْقَاضِي كِتَابًا فِي عَبْدٍ، أَوْ حَيَوَانٍ بِالصِّفَةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ مُشَارِكٌ فِي صِفَتِهِ: سَلَّمَ إلَى الْمُدَّعِي. فَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَبْدٍ وَأَمَةٍ: سَلَّمَ إلَيْهِ مَخْتُومًا. وَإِنْ كَانَ عَبْدًا، أَوْ أَمَةً: سَلَّمَ إلَيْهِ مَخْتُومَ الْعِتْقِ بِخَيْطٍ لَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِهِ، وَأُخِذَ مِنْهُ كَفِيلٌ، لِيَأْتِيَ بِهِ إلَى الْحَاكِمِ الْكَاتِبِ، لِيَشْهَدَ الشُّهُودُ عِنْدَهُ عَلَى عَيْنِهِ، دُونَ حَلِيَّتِهِ. وَيَقْضِي لَهُ بِهِ. وَيَكْتُبُ لَهُ بِذَلِكَ كِتَابًا آخَرَ إلَى مَنْ أَنْفَذَ الْعَيْنَ الْمُدَّعَاةَ إلَيْهِ، لِيَبْرَأَ كَفِيلُهُ. وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى جَارِيَةً: سُلِّمَتْ إلَى أَمِينٍ يُوَصِّلُهَا. وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ مَا ادَّعَاهُ: لَزِمَهُ رَدُّهُ وَمُؤْنَتُهُ مُنْذُ تَسَلَّمَهُ. فَهُوَ فِيهِ كَالْغَاصِبِ سَوَاءٌ، فِي ضَمَانِهِ وَضَمَانِ نَقْصِهِ وَمَنْفَعَتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَكَمَغْصُوبٍ. لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِلَا حَقٍّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا يُرَدُّ نَفْعُهُ

ص: 329

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِهَذَا فِي الشُّهُودِ عَلَيْهِ. فَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ. فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا بَيِّنَةَ: أَوْلَى. انْتَهَى. وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَحْكُمُ الْقَاضِي الْكَاتِبُ بِالْعَيْنِ الْغَائِبَةِ بِالصِّفَةِ الْمُعْتَبَرَةِ إذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الصُّفَّةُ التَّامَّةُ. فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ: سَلَّمَهَا إلَى الْمُدَّعِي. وَلَا يُنْفِذُهَا إلَى الْكَاتِبِ لِتَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَتَكْفِي الدَّعْوَى بِالْقِيمَةِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، عَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا صِفَتُهُ كَذَا، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ: لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ. بَلْ يَكْتُبُ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، كَمَا قُلْنَا فِي الْمُدَّعَى بِهِ، لِيَشْهَدَ عَلَى عَيْنِهِ. وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هَلْ يَحْضُرُ لِيَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى عَيْنِهِ كَمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ؟ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: إنْ كَتَبَ بِثُبُوتٍ، أَوْ إقْرَارٍ بِدَيْنٍ: جَازَ، وَحَكَمَ بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ، وَأَخَذَ بِهِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ. وَكَذَا عَيْنًا، كَعَقَارٍ مَحْدُودٍ، أَوْ عَيْنٍ مَشْهُورَةٍ لَا تَشْتَبِهُ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ: فَالْوَجْهَانِ. وَقَالَهُ الشَّارِحُ أَيْضًا.

الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ الْجَدِّ فِي النَّسَبِ بِلَا حَاجَةٍ. قَالَ فِي الْمُنْتَقَى، فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ: فِيهِ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إذَا عُرِفَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ: أَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْجَدِّ.

ص: 330

وَكَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَكْتُبُ فِي الْكِتَابِ اسْمَ الْخَصْمَيْنِ وَاسْمَ أَبَوَيْهِمَا وَجَدَّيْهِمَا وَحِلْيَتَهُمَا. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ لَمْ يُعْرَفْ بِذِكْرِ جَدِّهِ: ذَكَرَ مَنْ يُعْرَفُ بِهِ، أَوْ ذَكَرَ لَهُ مِنْ الصِّفَاتِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ عَمَّنْ يُشَارِكُهُ فِي اسْمِ جَدِّهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُ الْقَاضِي الْكَاتِبِ بِعَزْلٍ أَوْ مَوْتٍ: لَمْ يُقْدَحْ فِي كِتَابِهِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْمُحَرَّرِ. وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ كَمَا لَوْ فَسَقَ. فَيَقْدَحُ خَاصَّةً فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ. فَأَمَّا مَا حَكَمَ بِهِ: فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ. قَوْلًا وَاحِدًا، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا حَكَمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ " اُكْتُبْ لِي إلَى الْكَاتِبِ: أَنَّك حَكَمْت عَلَيَّ حَتَّى لَا يَحْكُمَ عَلَيَّ ثَانِيًا " لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ. وَلَكِنَّهُ يَكْتُبُ لَهُ مَحْضَرًا بِالْقِصَّةِ) . فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا جَرَى: لِئَلَّا يَحْكُمَ عَلَيْهِ الْكَاتِبُ. قَوْلُهُ (وَكُلُّ، مَنْ ثَبَتَ لَهُ عِنْدَ حَاكِمٍ حَقٌّ، أَوْ ثَبَتَتْ بَرَاءَتُهُ. مِثْلُ: إنْ أَنْكَرَ وَحَلَّفَهُ الْحَاكِمُ. فَسَأَلَ الْحَاكِمَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَرًا بِمَا جَرَى، لِيُثْبِتَ حَقَّهُ، أَوْ بَرَاءَتَهُ: لَزِمَهُ إجَابَتُهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا.

ص: 331

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَإِنْ قَالَ " اشْهَدْ لِي عَلَيْك بِمَا جَرَى لِي عِنْدَك فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْرِهِ: مِنْ حَقٍّ، وَإِقْرَارٍ، وَإِنْكَارٍ، وَنُكُولٍ وَيَمِينٍ، وَرَدِّهَا، وَإِبْرَاءٍ، وَوَفَاءٍ، وَثُبُوتٍ، وَحُكْمٍ، وَتَنْفِيذٍ، وَجَرْحٍ، وَتَعْدِيلٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ " أَوْ " اُحْكُمْ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَكَ " لَزِمَهُ. انْتَهَى. وَقِيلَ: إنْ ثَبَتَ حَقُّهُ بِبَيِّنَةٍ: لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: لَوْ سَأَلَهُ مَعَ الْإِشْهَادِ كِتَابَةَ مَا جَرَى، وَأَتَاهُ بِوَرَقَةٍ إمَّا مِنْ عِنْدِهِ، أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَزِمَهُ ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَزِمَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله: يَلْزَمُهُ إنْ تَضَرَّرَ بِتَرْكِهِ.

الثَّانِيَةُ: مَا تَضَمَّنَ الْحُكْمَ بِبَيِّنَةٍ يُسَمَّى سِجِلًّا وَغَيْرُهُ يُسَمَّى مَحْضَرًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَأَمَّا السِّجِلُّ: فَهُوَ لِإِنْفَاذِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَالْحُكْمِ بِهِ.

ص: 332

وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّرْغِيبِ: الْمَحْضَرُ شَرْحُ ثُبُوتِ الْحَقِّ عِنْدَهُ لَا الْحُكْمُ بِثُبُوتِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: وَمَا تَضَمَّنَ الْحُكْمَ بِبَيِّنَةٍ: سِجِلٌّ. وَقِيلَ: هُوَ إنْفَاذُ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَالْحُكْمُ بِهِ وَمَا سِوَاهُ: مَحْضَرٌ. وَهُوَ شَرْحُ ثُبُوتِ الْحَقِّ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِدُونِ حُكْمٍ. قَوْلُهُ فِي صِفَةِ الْمَحْضَرِ (فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ) . هَذَا إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِغَيْرِ إقْرَارٍ. فَأَمَّا إنْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِالْإِقْرَارِ: لَمْ يَذْكُرْ " فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ ". وَقَوْلُهُ فِي صِفَةِ السِّجِلِّ (بِمَحْضَرٍ مِنْ خَصْمَيْنِ) يَفْتَقِرُ الْأَمْرُ إلَى حُضُورِهِمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الثُّبُوتُ الْمُجَرَّدُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حُضُورِهِمَا بَلْ إلَى دَعْوَاهُمَا لَكِنْ قَدْ تَكُونُ الْبَاءُ بَاءَ السَّبَبِ، لَا الظَّرْفِ كَالْأُولَى. وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ: هَلْ تَفْتَقِرُ إلَى حُضُورِ الْخَصْمَيْنِ؟ . فَأَمَّا التَّزْكِيَةُ: فَلَا. قَالَ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا حُكْمَ فِيهِ بِإِقْرَارٍ وَلَا نُكُولٍ وَلَا رَدٍّ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

ص: 333