المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب طريق الحكم وصفته] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ١١

[المرداوي]

الفصل: ‌[باب طريق الحكم وصفته]

[بَابُ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ]

ِ قَوْلُهُ (إذَا جَلَسَ إلَيْهِ خَصْمَانِ، فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: مَنْ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا؟ وَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يَبْتَدِئَا) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا جَلَسَ إلَيْهِ الْخَصْمَانِ: أَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ " مَنْ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا؟ " وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يَبْدَأَ. وَالْأَشْهَرُ أَنْ يَقُولَ: أَيُّكُمَا الْمُدَّعِي؟ . وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَقُولُهُ حَتَّى يَبْدَأَ بِأَنْفُسِهِمَا. فَإِنْ سَكَتَا، أَوْ سَكَتَ الْحَاكِمُ: قَالَ الْقَائِمُ عَلَى رَأْسِ الْقَاضِي " مَنْ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا؟ ". فَائِدَتَانِ الْأُولَى: لَا يَقُولُ الْحَاكِمُ وَلَا الْقَائِمُ عَلَى رَأْسِهِ لِأَحَدِهِمَا " تَكَلَّمْ " لِأَنَّ فِي إفْرَادِهِ بِذَلِكَ تَفْضِيلًا لَهُ وَتَرْكًا لِلْإِنْصَافِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ بَدَأَ أَحَدُهُمَا فَادَّعَى، فَقَالَ خَصْمُهُ " أَنَا الْمُدَّعِي " لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ وَيُقَالُ لَهُ " أَجِبْ عَنْ دَعْوَاهُ، ثُمَّ اُدْعُ بِمَا شِئْت ". قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَيَا مَعًا: قَدَّمَ أَحَدَهُمَا بِالْقُرْعَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الشَّارِحُ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنْ يَقْرَعَ بَيْنَهُمَا.

ص: 238

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْحَاكِمُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى الْمَقْلُوبَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَسَمِعَهَا بَعْضُهُمْ، وَاسْتَنْبَطَهَا. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ اسْتَنْبَطَهَا مِنْ الشُّفْعَةِ فِيمَا إذَا ادَّعَى الشَّفِيعُ عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ اشْتَرَى الشِّقْصَ، وَقَالَ " بَلْ اتَّهَبْته " أَوْ " وَرِثْته " فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. فَلَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ بِالشِّرَاءِ: فَلَهُ أَخْذُهُ وَدَفْعُ ثَمَنِهِ. فَإِنْ قَالَ " لَا أَسْتَحِقُّهُ " قِيلَ لَهُ: إمَّا أَنْ تَقْبَلَ، وَإِمَّا أَنْ تُبْرِئَهُ. عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ. وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ. فَلَوْ ادَّعَى الشَّفِيعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ: سَاغَ. وَكَانَتْ شَبِيهَةٌ بِالدَّعْوَى الْمَقْلُوبَةِ. وَمِثْلَهُ فِي الشُّفْعَةِ أَيْضًا: لَوْ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ، وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي وَقُلْنَا: تَجِبُ الشُّفْعَةُ وَكَانَ الْبَائِعُ مُقِرًّا بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي. فَإِنَّ الثَّمَنَ الَّذِي فِي يَدِ الشَّفِيعِ لَا يَدَّعِيهِ أَحَدٌ. فَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: إمَّا أَنْ تَقْبِضَ، وَإِمَّا أَنْ تُبْرِئَ. عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

ص: 239

وَقَالَ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: لَوْ جَاءَهُ بِالسَّلَمِ قَبْلَ مَحَلِّهِ، وَلَا ضَرَرَ فِي قَبْضِهِ: لَزِمَهُ ذَلِكَ. فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْقَبْضِ قِيلَ لَهُ: إمَّا أَنْ تَقْبِضَ حَقَّك أَوْ تَبْرَأ مِنْهُ. فَإِنْ أَبَى: رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ السَّلَمِ. وَكَذَا فِي الْكِتَابَةِ. فَيُسْتَنْبَطُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ: صِحَّةُ الدَّعْوَى الْمَقْلُوبَةِ.

الثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ " بَابِ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ " فِي قَوْلِهِ " وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ " انْتَهَى. وَتَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى السَّفِيهِ مِمَّا يُؤْخَذُ بِهِ فِي حَالِ عَجْزِهِ لِسَفَهٍ، وَبَعْدَ فَكِّ حَجْرِهِ. وَيَحْلِفُ إذَا أَنْكَرَ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَقُولُ لِلْخَصْمِ: مَا تَقُولُ فِيمَا ادَّعَاهُ؟) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: هَذَا أَصَحُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَمْلِكُ سُؤَالَهُ، حَتَّى يَقُولَ الْمُدَّعِي " وَأَسْأَلُ سُؤَالَهُ عَنْ ذَلِكَ ". وَفِي الْمَذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: وَجْهَانِ.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ: أَنَّ الدَّعْوَى تُسْمَعُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. وَهُوَ كَذَلِكَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

ص: 240

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا تُسْمَعُ فِي مِثْلِ مَا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ، وَلَا يُعَدَّى حَاكِمٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ: لَمْ يَحْكُمْ لَهُ، حَتَّى يُطَالِبَهُ الْمُدَّعِي بِالْحُكْمِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَحْكُمُ لَهُ إلَّا بِسُؤَالِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ الْحُكْمُ قَبْلَ مَسْأَلَةِ الْمُدَّعِي. لِأَنَّ الْحَالَ يَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ ذَلِكَ. فَاكْتَفَى بِهَا، كَمَا اكْتَفَى فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْجَوَابَ. وَلِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَا يَعْرِفُ مُطَالَبَةَ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ. انْتَهَى. وَمَالَ إلَيْهِ فِي الْكَافِي. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ أَيْضًا: فَإِنْ أَقَرَّ حَكَمَ. قَالَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ أَقَرَّ فَقَدْ ثَبَتَ. وَلَا يُفْتَقَرُ إلَى قَوْلِهِ " قَضَيْت " فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. بِخِلَافِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ. لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِاجْتِهَادِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ يَثْبُتُ الْحَقُّ بِإِقْرَارِهِ وَبِدُونِ حُكْمٍ.

فَائِدَةٌ:

لَوْ قَالَ الْحَاكِمُ لِلْخَصْمِ " يُسْتَحَقُّ عَلَيْك كَذَا؟ " فَقَالَ " نَعَمْ " لَزِمَهُ. ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ، فِي قَوْلِ الْخَاطِبِ لِلْوَلِيِّ " أَزَوَّجْت؟ " قَالَ " نَعَمْ ". وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَنْكَرَ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي " أَقْرَضْته أَلْفًا " أَوْ " بِعْته " فَيَقُولُ " مَا أَقْرَضَنِي، وَلَا بَاعَنِي " أَوْ " مَا يَسْتَحِقُّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ " أَوْ " لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ صَحَّ الْجَوَابُ) .

ص: 241

مُرَادُهُ: مَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِسَبَبِ الْحَقِّ. فَلَوْ اعْتَرَفَ بِسَبَبِ الْحَقِّ، مِثْلَ مَا لَوْ ادَّعَتْ مَنْ تَعْتَرِفُ بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ: الْمَهْرَ. فَقَالَ " لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا " لَمْ يَصِحَّ الْجَوَابُ. وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ، إنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً بِإِسْقَاطِهِ، كَجَوَابِهِ فِي دَعْوَى قَرْضٍ اعْتَرَفَ بِهِ " لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا ". وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّتْ فِي مَرَضِهَا " لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ " لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ: أَنَّهَا أَخَذَتْهُ نَقَلَهُ مُهَنَّا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ أَوْ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهُ فِي الصِّحَّةِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ لِمُدَّعٍ دِينَارًا " لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ حَبَّةً " فَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِجَوَابٍ. لِأَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِي دَفْعِ الدَّعْوَى إلَّا بِنَصٍّ، وَلَا يُكْتَفَى بِالظَّاهِرِ. وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ " وَاَللَّهِ إنِّي لَصَادِقٌ فِيمَا ادَّعَيْته عَلَيْهِ " أَوْ حَلَفَ الْمُنْكِرُ " إنَّهُ لَكَاذِبٌ فِيمَا ادَّعَاهُ عَلَيَّ " لَمْ يُقْبَلْ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رحمه الله: يَعُمُّ الْحَبَّاتِ، وَمَا لَمْ يَنْدَرِجْ فِي لَفْظِ حَبَّةٍ، مِنْ بَابِ الْفَحْوَى. إلَّا أَنْ يُقَالَ: يَعُمَّ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي اللِّعَانِ وَجْهَانِ: هَلْ يُشْتَرَطُ قَوْله " فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ؟ ".

الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " لِي عَلَيْك مِائَةٌ " فَقَالَ " لَيْسَ لَك عَلَيَّ مِائَةٌ " فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ " وَلَا شَيْءَ مِنْهَا " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَالْيَمِينِ. وَقِيلَ: لَا يُعْتَبَرُ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ نَكَلَ عَمَّا دُونَ الْمِائَةِ: حُكِمَ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ إلَّا جُزْءًا. وَإِنْ قُلْنَا يُرَدُّ الْيَمِينُ: حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى مَا دُونَ الْمِائَةِ، إذَا لَمْ يُسْنِدْ الْمِائَةَ إلَى عَقْدٍ. لِكَوْنِ الثَّمَنِ لَا يَقَعُ إلَّا مَعَ ذِكْرِ النِّسْبِيَّةِ. لِيُطَابِق الدَّعْوَى. ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَإِنْ أَجَابَ مُشْتَرٍ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْبَيْعَ بِمُجَرَّدِ الْإِنْكَارِ " رَجَعَ عَلَيَّ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ "

ص: 242

وَإِنْ قَالَ " هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْ فُلَانٍ، وَهُوَ مِلْكُهُ " فَفِي الرُّجُوعِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَإِنْ انْتَزَعَ الْمَبِيعَ مِنْ يَدِ مُشْتَرٍ بِبَيِّنَةِ مِلْكٍ مُطْلَقٍ: رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ كَمَا يَرْجِعُ فِي بَيِّنَةِ مِلْكٍ سَابِقٍ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُحْتَمَلُ عِنْدِي: أَنْ لَا يَرْجِعَ. لِأَنَّ الْمُطْلَقَةَ تَقْتَضِي الزَّوَالَ مِنْ وَقْتِهِ. لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ غَيْرُ مَشْهُودٍ بِهِ. قَالَ الْأَزَجِيُّ: وَلَوْ قَالَ " لَك عَلَيَّ شَيْءٌ " فَقَالَ " لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ، إنَّمَا لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ " لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ دَعْوَى " الْأَلْفِ " لِأَنَّهُ نَفَاهَا بِنَفْيِ " الشَّيْءِ " وَلَوْ قَالَ " لَيْسَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ " فَقَالَ " لَيْسَ لِي عَلَيْك دِرْهَمٌ وَلَا دَانَقٌ، إنَّمَا لِي عَلَيْك أَلْفٌ " قُبِلَ مِنْهُ دَعْوَى " الْأَلْفِ " لِأَنَّ مَعْنَى نَفْيِهِ: لَيْسَ حَقِّي هَذَا الْقَدْرُ. قَالَ: وَلَوْ قَالَ " لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا دِرْهَمٌ " صَحَّ ذَلِكَ. وَلَوْ قَالَ " لَيْسَ لَك عَلَيَّ عَشْرَةٌ، إلَّا خَمْسَةً " فَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، لِتَخَبُّطِ اللَّفْظِ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا أَثْبَتَهُ. وَهِيَ الْخَمْسَةُ. لِأَنَّ التَّقْدِيرَ " لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ، لَكِنْ خَمْسَةٌ " وَلِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ النَّفْيِ. فَيَكُونُ إثْبَاتًا.

قَوْلُهُ (وَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَقُولَ " لِي بَيِّنَةٌ " وَإِنْ لَمْ يَقُلْ، قَالَ الْحَاكِمُ " أَلِك بَيِّنَةٌ؟ ") . وَلَهُ قَوْلُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي " لِي بَيِّنَةٌ " فَإِنْ قَالَ " لِي بَيِّنَةٌ " أَمَرَهُ بِإِحْضَارِهَا. وَمَعْنَاهُ: إنْ شِئْت فَأَحْضِرْهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

ص: 243

قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمَا: وَإِنْ أَنْكَرَ سَأَلَ الْمُدَّعِي " أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ " وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: لَا يَقُولُ الْحَاكِمُ لِلْمُدَّعِي " أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ " إلَّا إذَا لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ هَذَا مَوْضِعُ الْبَيِّنَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي: فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي " لِي بَيِّنَةٌ " وَأَحْضَرَهَا: حَكَمَ بِهَا. وَإِنْ جَهِلَ أَنَّهُ مَوْضِعُهَا: قَالَ لَهُ " أَلَكَ بَيِّنَةُ؟ " فَإِنْ قَالَ (نَعَمْ) طَلَبَهَا وَحَكَمَ بِهَا. وَكَذَا إنْ قَالَ " إنْ كَانَتْ لَك بَيِّنَةٌ فَأَحْضِرْهَا إنْ شِئْت " فَفَعَلَ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي: لَا يَأْمُرُهُ بِإِحْضَارِهَا. لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُ. فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَرَى. قَوْلُهُ (فَإِذَا أَحْضَرَهَا: سَمِعَهَا الْحَاكِمُ) . بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَا يَسْأَلُهَا الْحَاكِمُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ.

فَائِدَةٌ:

لَا يَقُولُ الْحَاكِمُ لَهُمَا " أَشْهَدَا " وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلَقِّنَهُمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْمُوجِزِ: يُكْرَهُ ذَلِكَ، كَتَعْنِيفِهِمَا وَانْتِهَارِهِمَا. وَظَاهِرُ الْكَافِي فِي التَّعْنِيفِ وَالِانْتِهَارِ: يَحْرُمُ. قَوْلُهُ (فَإِذَا أَحْضَرَهَا: سَمِعَهَا الْحَاكِمُ. وَحَكَمَ بِهَا إذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ إلَّا بِسُؤَالِ الْمُدَّعِي.

ص: 244

وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَهُ الْحُكْمُ قَبْلَ سُؤَالِهِ. وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِمَا إذَا أَقَرَّ لَهُ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

فَائِدَةٌ:

إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ: لَمْ يَجُزْ لَهُ تَرْدِيدُهَا وَيْحُكُمْ فِي الْحَالِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ ظَنَّ الصُّلْحَ: أَخَّرَ الْحُكْمَ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: وَأَحْبَبْنَا لَهُ أَمْرَهُمَا بِالصُّلْحِ، وَيُؤَخِّرُهُ. فَإِنْ أَبَيَا: حَكَمَ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: يَقُولُ لَهُ الْحَاكِمُ " قَدْ شَهِدَا عَلَيْك. فَإِنْ كَانَ قَادِحٌ فَبَيِّنْهُ عِنْدِي " يَعْنِي: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ. وَذَكَرَهُ غَيْرُهُمَا. وَذَكَرَهُ فِي الْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، فِيمَا إذَا ارْتَابَ فِيهِمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّ لَهُ الْحُكْمَ مَعَ الرِّيبَةِ. قُلْت: الْحُكْمُ مَعَ الرِّيبَةِ: فِيهِ نَظَرٌ بَيِّنٌ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ: لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِضِدِّ مَا يَعْلَمُهُ، بَلْ يَتَوَقَّفُ. وَمَعَ اللَّبْسِ يَأْمُرُ بِالصُّلْحِ. فَإِنْ عَجَّلَ فَحَكَمَ قَبْلَ الْبَيَانِ: حَرُمَ وَلَمْ يَصِحَّ.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ قَوْلِهِ " فَإِذَا أَحْضَرَهَا سَمِعَهَا الْحَاكِمُ وَحَكَمَ " أَنَّ الشَّهَادَةَ. لَا تُسْمَعُ قَبْلَ الدَّعْوَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَقَّ حَقَّانِ: حَقٌّ لِآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، وَحَقٌّ لِلَّهِ.

ص: 245

فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لِآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ قَبْلَ الدَّعْوَى. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. ذَكَرَاهُ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَسَمِعَهَا الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: هُوَ غَرِيبٌ. وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ: أَنَّهَا تُسْمَعُ بِالْوَكَالَةِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ. وَنَقَلَهُ مُهَنَّا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: تُسْمَعُ وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ. وَبَنَاهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ. انْتَهَى. وَالْوَصِيَّةُ: مِثْلُ الْوَكَالَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: الْوَكَالَةُ إنَّمَا تُثْبِتُ اسْتِيفَاءَ حَقٍّ، أَوْ إبْقَاءَهُ. وَهُوَ مِمَّا لَا حَقَّ لِلْمُدَّعِي عَلَيْهِ فِيهِ. فَإِنْ دَفَعَهُ إلَى الْوَكِيلِ وَإِلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ. وَلِهَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا رِضَاهُ. وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى كَالْعِبَادَاتِ، وَالْحُدُودِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْكَفَّارَةِ: لَمْ تَصِحَّ بِهِ الدَّعْوَى، بَلْ وَلَا تُسْمَعُ. وَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ دَعْوَى. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي التَّعْلِيقِ: شَهَادَةُ الشُّهُودِ دَعْوَى. قَالَ: لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي بَيِّنَةِ الزِّنَا تَحْتَاجُ إلَى مُدَّعٍ؟ فَذَكَرَ خَبَرَ

ص: 246

أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ مُدَّعٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: تَصِحُّ دَعْوَى حِسْبَةٍ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَعِدَّةٍ، وَحَدٍّ، وَرِدَّةٍ، وَعِتْقٍ وَاسْتِيلَادٍ، وَطَلَاقٍ، وَكَفَّارَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَبِكُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ مُسْتَحِقُّهُ. وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: لِنَائِبِ الْإِمَامِ مُطَالَبَةُ رَبِّ مَالٍ بَاطِنٍ بِزَكَاةٍ، إذَا ظَهَرَ لَهُ تَقْصِيرٌ. وَفِيمَا أَوْجَبَهُ مِنْ نَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ وَنَحْوِهِ: وَجْهَانِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ فِيمَنْ تَرَكَ الزَّكَاةَ: هِيَ آكَدُ. لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُطَالِبَ بِهَا، بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: فِي حَجْرِهِ عَلَى مُفْلِسِ الزَّكَاةِ، كَمَسْأَلَتِنَا، إذَا ثَبَتَ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ، لَا الْكَفَّارَةُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: مَا شَمَلَهُ حَقُّ اللَّهِ وَالْآدَمِيِّ، كَسَرِقَةٍ: تُسْمَعُ الدَّعْوَى فِي الْمَالِ، وَيَحْلِفُ مُنْكِرٌ. وَلَوْ عَادَ إلَى مَالِكِهِ، أَوْ مَلَكَهُ سَارِقُهُ: لَمْ تُسْمَعْ. لِتَمَحُّضِ حَقِّ اللَّهِ. وَقَالَ فِي السَّرِقَةِ: إنْ شَهِدَتْ بِسَرِقَةٍ قَبْلَ الدَّعْوَى، فَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ: لَا تُسْمَعُ. وَتُسْمَعُ إنْ شَهِدَتْ: أَنَّهُ بَاعَهُ فُلَانٌ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: كَسَرِقَةٍ وَزِنَاهُ بِأَمَتِهِ لِمَهْرِهَا: تُسْمَعُ. وَيَقْضِي عَلَى نَاكِلٍ بِمَالٍ. وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ.

فَائِدَةٌ:

تُقْبَلُ بَيِّنَةُ عِتْقٍ، وَلَوْ أَنْكَرَ الْعَبْدُ. نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ. وَذَكَرَهُ فِي الْمُوجِزِ، وَالتَّبْصِرَةِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

ص: 247

تَنْبِيهٌ:

وَكَذَا الْحُكْمُ فِي أَنَّ الدَّعْوَى لَا تَصِحُّ وَلَا تُسْمَعُ. وَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ قَبْلَ الدَّعْوَى فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ غَيْرِ مُعَيَّنٍ. كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ عَلَى مَسْجِدٍ، أَوْ رِبَاطٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ لِأَحَدِهِمَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَكَذَا عُقُوبَةُ كَذَّابٍ مُفْتَرٍ عَلَى النَّاسِ، وَالتَّكَلُّمُ فِيهِمْ. وَتَقَدَّمَ فِي التَّعْزِيرِ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَالْأَصْحَابِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، فِي حِفْظِ وَقْفٍ وَغَيْرِهِ بِالثَّبَاتِ عَنْ خَصْمٍ مُقَدَّرٍ: تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ فِيهِ بِلَا خَصْمٍ. وَهَذَا قَدْ يَدْخُلُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي. وَفَائِدَتُهُ:

كَفَائِدَةِ الشَّهَادَةِ. وَهُوَ مِثْلُ كِتَابِ الْقَاضِي إذَا كَانَ فِيهِ ثُبُوتٌ مَحْضٌ. فَإِنَّهُ هُنَاكَ يَكُونُ مُدَّعٍ فَقَطْ بِلَا مُدَّعَى عَلَيْهِ حَاضِرٌ. لَكِنَّ هُنَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُتَخَوِّفٌ. وَإِنَّمَا الْمُدَّعِي يَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارَ كَمَا يَسْمَعُ ذَلِكَ شُهُودُ الْفَرْعِ. فَيَقُولُ الْقَاضِي (ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدِي، بِلَا مُدَّعًى عَلَيْهِ) . قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَهُ قَوْمٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ. وَفَعَلَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ. وَفَعَلَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْقُضَاةِ، وَلَمْ يَسْمَعْهَا طَوَائِفُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْحُكْمِ فَصْلُ الْخُصُومَةِ. وَمَنْ قَالَ بِالْخَصْمِ الْمُسَخَّرِ: نَصَبَ الشَّرَّ، ثُمَّ قَطَعَهُ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مِنْ احْتِيَالِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ مِنْ غَيْرِ وُجُودِ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ الْمُقَرَّ لَهُ بِالْبَيْعِ قَدْ قَبَضَ الْمَبِيعَ وَسَلَّمَ الثَّمَنَ. فَهُوَ لَا يَدَّعِي شَيْئًا، وَلَا يُدَّعَى عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَإِنَّمَا غَرَضُهُ تَثْبِيتُ الْإِقْرَارِ وَالْعَقْدِ. وَالْمَقْصُودُ سَمَاعُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ. وَحُكْمُهُ بِمُوجِبِهَا مِنْ غَيْرِ وُجُودِ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَمِنْ غَيْرِ مُدَّعٍ عَلَى أَحَدٍ. لَكِنْ خَوْفًا مِنْ حُدُوثِ خَصْمٍ مُسْتَقْبَلٍ. فَيَكُونُ

ص: 248

هَذَا الثُّبُوتُ حُجَّةً بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ بِلَا هَذِهِ الدَّعْوَى وَإِلَّا امْتَنَعَ مِنْ سَمَاعِهَا مُطْلَقًا، وَعَطَّلَ هَذَا الْمَقْصُودَ الَّذِي احْتَالُوا لَهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ هُوَ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا الِاحْتِيَالِ، مَعَ أَنَّ جَمَاعَاتٍ مِنْ الْقُضَاةِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ دَخَلُوا مَعَ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ، وَسَمَّوْهُ " الْخَصْمَ الْمُسَخَّرَ ".

قَالَ: وَأَمَّا عَلَى أَصْلِنَا الصَّحِيحِ، وَأَصْلِ مَالِكٍ رحمه الله: فَإِمَّا أَنْ نَمْنَعَ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِ خَصْمٍ مُنَازَعٍ، فَتَثْبُتُ الْحُقُوقُ بِالشَّهَادَاتِ عَلَى الشَّهَادَاتِ، كَمَا ذَكَرَهُ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَإِمَّا أَنْ نَسْمَعَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ بِلَا خَصْمٍ. كَمَا ذَكَرَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله وَأَصْحَابُنَا فِي مَوَاضِعَ. لِأَنَّا نَسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ عَلَى الْغَائِبِ وَالْمُمْتَنِعِ. وَكَذَا عَلَى الْحَاضِرِ فِي الْبَلَدِ فِي الْمَنْصُوصِ. فَمَعَ عَدَمِ خَصْمٍ: أَوْلَى. قَالَ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: كِتَابُ الْحَاكِمِ كَشُهُودِ الْفَرْعِ. قَالُوا: لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ يُحْكَمُ بِمَا قَامَ مَقَامَهُ غَيْرُهُ. لِأَنَّ إعْلَامَ الْقَاضِي لِلْقَاضِي قَائِمٌ مَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ. فَجَعَلُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ كِتَابِ الْحَاكِمِ، وَشُهُودِ الْفَرْعِ: قَائِمًا مَقَامَ غَيْرِهِ وَهُوَ بَدَلٌ عَنْ شُهُودِ الْأَصْلِ. وَجَعَلُوا كِتَابَ الْقَاضِي كَخِطَابِهِ. وَإِنَّمَا خَصُّوهُ بِالْكِتَابِ: لِأَنَّ الْعَادَةَ تَبَاعُدُ الْحَاكِمَيْنِ. وَإِلَّا فَلَوْ كَانَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ: كَانَ مُخَاطَبَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخِرِ أَبْلَغُ مِنْ الْكِتَابِ. وَبَنَوْا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَثْبُتُ عِنْدَهُ بِالشَّهَادَةِ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ. وَإِنَّمَا يُعْلِمُ بِهِ حَاكِمًا آخَرَ لِيَحْكُمَ بِهِ، كَمَا يُعْلِمُ الْفُرُوعَ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ.

ص: 249

قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا سُمِعَتْ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ فِي غَيْرِ وَجْهِ خَصْمٍ وَهُوَ يُفِيدُ: أَنَّ كُلَّ مَا يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ: يُثْبِتُهُ الْقَاضِي بِكِتَابِهِ قَالَ: وَلِأَنَّ النَّاسَ بِهِمْ حَاجَةٌ إلَى إثْبَاتِ حُقُوقِهِمْ بِإِثْبَاتِ الْقُضَاةِ، كَإِثْبَاتِهَا بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ. وَإِثْبَاتُ الْقُضَاةِ أَنْفَعُ لِكَوْنِهِ كَفَى مُؤْنَةَ النَّظَرِ فِي الشُّهُودِ. وَبِهِمْ حَاجَةٌ إلَى الْحُكْمِ فِيمَا فِيهِ شُبْهَةٌ أَوْ خِلَافٌ لِرَفْعٍ. وَإِنَّمَا يَخَافُونَ مِنْ خَصْمٍ حَادِثٍ

قَوْلُهُ (وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ فِي مَجْلِسِهِ، إذَا سَمِعَهُ مَعَهُ شَاهِدَانِ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ مَعَهُ أَحَدٌ، أَوْ سَمِعَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ: فَلَهُ الْحُكْمُ بِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ) . فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَحْكُمُ بِهِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَمْ يُحْمَلْ بِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي: إنْ سَمِعَهُ مَعَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ: حَكَمَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا.

قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِعِلْمِهِ: مِمَّا رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ) يَعْنِي فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ. (نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَصْحَابِ) .

ص: 250

وَهُوَ الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: اخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: فَلَا يَجُوزُ فِي الْأَشْهَرِ عَنْهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ، وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ. سَوَاءٌ كَانَ فِي حَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إذَا رَآهُ عَلَى حَدٍّ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ إلَّا بِشَهَادَةٍ مِنْ شَهِدَ مَعَهُ. لِأَنَّ شَهَادَتَهُ شَهَادَةُ رَجُلٍ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: فَيَذْهَبَانِ إلَى حَاكِمٍ. فَأَمَّا إنْ شَهِدَ عِنْدَ نَفْسِهِ فَلَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " مَا لِي بَيِّنَةٌ " فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ. فَيُعْلِمُهُ: أَنَّ لَهُ الْيَمِينَ عَلَى خَصْمِهِ. وَإِنْ سَأَلَ إحْلَافَهُ: أَحْلَفَهُ. وَخَلَّى سَبِيلَهُ) . وَلَيْسَ لَهُ اسْتِحْلَافُهُ قَبْلَ سُؤَالِ الْمُدَّعِي. لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقٌّ لَهُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي " مَا لِي بَيِّنَةٌ " أَعْلَمَهُ الْحَاكِمُ بِأَنَّ لَهُ الْيَمِينَ عَلَى خَصْمِهِ. قَالَ: وَلَهُ تَحْلِيفُهُ مَعَ عِلْمِهِ قُدْرَتَهُ عَلَى حَقِّهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: إنْ عَلِمَ عِنْدَهُ مَالًا لَا يُؤَدِّي إلَيْهِ حَقَّهُ، أَرْجُو أَنْ لَا يَأْثَمَ. وَظَاهِرُ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: يُكْرَهُ. وَقَالَهُ شَيْخُنَا. وَنَقَلَهُ مِنْ حَوَاشِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ تَحْلِيفِ الْبَرِيءِ دُونَ الظَّالِمِ. انْتَهَى.

ص: 251

فَائِدَةٌ:

يَكُونُ تَحْلِيفُهُ عَلَى صِفَةِ جَوَابِهِ لِخَصْمِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. ذَكَرَاهُ فِي آخِرِ بَابِ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَحْلِفُ عَلَى صِفَةِ الدَّعْوَى وَعَنْهُ: يَكْفِي تَحْلِيفُهُ " لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ ".

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ قَوْلِهِ (أَحْلَفَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ) أَنَّهُ لَا يُحَلِّفُهُ ثَانِيًا بِدَعْوَى أُخْرَى. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. فَيَحْرُمُ تَحْلِيفُهُ. أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ: لَهُ تَحْلِيفُهُ عِنْدَ مَنْ جَهِلَ حَلِفَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ. لِبَقَاءِ الْحَقِّ. بِدَلِيلِ أَخْذِهِ بِبَيِّنَةِ. فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: لَوْ أَمْسَكَ عَنْ تَحْلِيفِهِ، وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِدَعْوَاهُ الْمُتَقَدِّمَةِ: كَانَ لَهُ ذَلِكَ. وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ يَمِينِهِ بَرِئَ مِنْهَا: فِي هَذِهِ الدَّعْوَى. فَلَوْ جَدَّدَ الدَّعْوَى وَطَلَبَ الْيَمِينَ: كَانَ لَهُ ذَلِكَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ

الثَّانِيَةُ: لَا يُقْبَلُ يَمِينٌ فِي حَقِّ آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ إلَّا بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، وَشَهَادَةِ الشَّاهِدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

ص: 252

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إلَّا بَعْدَ الدَّعْوَى، وَشَهَادَةِ الشَّاهِدِ، وَالتَّزْكِيَةِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَنْبَغِي أَنْ تَتَقَدَّمَ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ، وَتَزْكِيَةُ الْيَمِينِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَحْلَفَهُ، أَوْ حَلَفَ مِنْ غَيْرِ سُؤَالِ الْمُدَّعِي: لَمْ يُعْتَدَّ بِيَمِينِهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يَبْرَأُ بِتَحْلِيفِ الْمُدَّعِي. وَعَنْهُ: يَبْرَأُ بِتَحْلِيفِ الْمُدَّعِي وَحَلِفِهِ لَهُ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يُحَلِّفْهُ. ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله مِنْ رِوَايَةِ مُهَنَّا: أَنَّ رَجُلًا اتَّهَمَ رَجُلًا بِشَيْءٍ فَحَلَفَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ " لَا أَرْضَى إلَّا أَنْ تَحْلِفَ لِي عِنْدَ السُّلْطَانِ " أَلَهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا، قَدْ ظَلَمَهُ وَتَعَنَّتَهُ. وَاخْتَارَ أَبُو حَفْصٍ: تَحْلِيفَهُ، وَاحْتَجَّ بِرِوَايَةِ مُهَنَّا. فَوَائِدُ

الْأُولَى: يُشْتَرَطُ فِي الْيَمِينِ أَنْ لَا يَصِلَهَا بِاسْتِثْنَاءِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: وَكَذَا بِمَا لَا يُفْهَمُ. لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُزِيلُ حُكْمَ الْيَمِينِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هِيَ يَمِينٌ كَاذِبَةٌ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا لَمْ يَسْمَعْهُ الْحَاكِم الْمُحَلِّفُ لَهُ.

الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ التَّوْرِيَةُ وَالتَّأْوِيلُ إلَّا لِمَظْلُومٍ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: ظُلْمًا لَيْسَ بِجَارٍ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ. فَالنِّيَّةُ عَلَى نِيَّةِ الْحَاكِمِ الْمُحَلِّفِ، وَاعْتِقَادِهِ.

ص: 253

فَالتَّأْوِيلُ عَلَى خِلَافِهِ لَا يَنْفَعُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ " بَابِ التَّأْوِيلِ فِي الْحَلِفِ ".

الثَّالِثَةُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ الْمُعْسِرُ " لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ " وَلَوْ نَوَى: السَّاعَةَ، سَوَاءٌ خَافَ أَنْ يُحْبَسَ أَوْ لَا. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَجَوَّزَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ بِالنِّيَّةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، إنَّ خَافَ حَبْسًا. وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا: أَنْ يَحْلِفَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، إذَا أَرَادَ غَرِيمُهُ مَنْعَهُ مِنْ سَفَرٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا

قَوْلُهُ (وَإِنْ نَكَلَ: قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. مَرِيضًا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْجَمَاعَةُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَتَخَرَّجُ حَبْسُهُ، لِيُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي. وَقَالَ: قَدْ صَوَّبَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله.

ص: 254

وَقَالَ: مَا هُوَ بِبَعِيدٍ يَحْلِفُ وَيَأْخُذُ. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ: يُقَالُ لَهُ: احْلِفْ وَخُذْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَجُوزُ رَدُّهَا. وَذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ، فَقَالُوا: وَعَنْهُ يَرُدُّ الْيَمِين عَلَى الْمُدَّعِي قَالَ: وَلَعَلَّ ظَاهِرَهُ يَجِبُ. وَلِأَجْلِ هَذَا قَالَ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِالنُّكُولِ، وَلَكِنْ يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَى خَصْمِهِ. وَقَالَ: قَدْ صَوَّبَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله، وَقَالَ: مَا هُوَ بِبَعِيدٍ، يَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي طَالِبِ الْمَذْكُورَةِ. وَظَاهِرُهَا: جَوَازُ الرَّدِّ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ رَدَّهَا. وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَزَادَ: بِإِذْنِ النَّاكِلِ فِيهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: مَعَ عِلْمِ مُدَّعٍ وَحْدَهُ بِالْمُدَّعِي بِهِ: لَهُمْ رَدُّهَا. وَإِذَا لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يَأْخُذْ كَالدَّعْوَى عَلَى وَرَثَةِ مَيِّتٍ حَقًّا عَلَيْهِ يَتَعَلَّقُ بِتَرِكَتِهِ. وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْعَالِمُ بِالْمُدَّعَى بِهِ، دُونَ الْمُدَّعِي، مِثْلَ: أَنْ يَدَّعِيَ الْوَرَثَةُ أَوْ الْوَصِيُّ عَلَى غَرِيمٍ لِلْمَيِّتِ، فَيُنْكِرُ: فَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي. قَالَ: وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْعِلْمَ، وَالْمُنْكِرُ يَدَّعِي الْعِلْمَ: فَهُنَا يُتَوَجَّهُ الْقَوْلَانِ، يَعْنِي الرِّوَايَتَيْنِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي: فَهَلْ تَكُونُ يَمِينُهُ كَالْبَيِّنَةِ، أَمْ كَإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ.

ص: 255

قَالَ ابْنُ الْقِيَمِ فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ: أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا: أَنَّهَا كَإِقْرَارٍ. فَعَلَى هَذَا: لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ بَعْدَ حَلِفِ الْمُدَّعِي، فَإِنْ قِيلَ: يَمِينُهُ كَالْبَيِّنَةِ، سُمِعَتْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَإِنْ قِيلَ: هِيَ كَالْإِقْرَارِ لَمْ تُسْمَعْ لِكَوْنِهِ مُكَذِّبًا لِلْبَيِّنَةِ بِالْإِقْرَارِ. الثَّانِيَةُ: إذْ قَضَى بِالنُّكُولِ، فَهَلْ يَكُونُ كَالْإِقْرَارِ، أَوْ كَالْبَدَلِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَامِعِ: النُّكُولُ إقْرَارٌ وَقَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ فِي الْقَسَامَةِ عَلَى مَا يَأْتِي. وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا مَا إذَا ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ، وَاسْتَحْلَفْنَاهَا، فَنَكَلَتْ. فَهَلْ يُقْضَى عَلَيْهَا بِالنُّكُولِ، وَتُجْعَلُ زَوْجَتَهُ؟ إذَا قُلْنَا هُوَ إقْرَارٌ: حُكِمَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ. وَإِنْ قُلْنَا: بَذْلٌ، لَمْ يُحْكَمْ بِذَلِكَ. لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ لَا تُسْتَبَاحُ بِالْبَذْلِ. وَكَذَا لَوْ ادَّعَى رِقَّ مَجْهُولِ النَّسَبِ. وَقُلْنَا. يَسْتَحْلِفُ. فَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ. وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى قَذْفَهُ، وَاسْتَحْلَفْنَاهُ فَنَكَلَ فَهَلْ يُحَدُّ لِلْقَذْفِ؟ يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ النُّكُولَ يَقُومُ مَقَامَ الشَّاهِدِ وَالْبَيِّنَةِ، لَا مَقَامَ الْإِقْرَارِ وَالْبَدَلِ. لِأَنَّ النَّاكِلَ قَدْ صَرَّحَ بِالْإِنْكَارِ، وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعَى بِهِ وَهُوَ يُصِرُّ عَلَى ذَلِكَ، فَتَوَرَّعَ عَنْ الْيَمِينِ. فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّهُ مُقِرٌّ مَعَ إصْرَارِهِ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَيُجْعَلُ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ؟ وَأَيْضًا: لَوْ كَانَ مُقِرًّا لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ نُكُولُهُ بِالْإِبْرَاءِ وَالْأَدَاءِ. فَإِنَّهُ يَكُونُ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ، وَشَهَادَةٌ مِنْ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ مُقِرًّا شَاهِدًا عَلَى نَفْسِهِ بِسُكُوتِهِ؟ وَالْبَذْلُ إبَاحَةٌ وَتَبَرُّعٌ، وَهُوَ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ. وَلَمْ يَخْطِرْ عَلَى قَلْبِهِ. وَقَدْ يَكُونُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ.

ص: 256

فَلَوْ كَانَ النُّكُولُ بَذْلًا وَإِبَاحَةً: اُعْتُبِرَ خُرُوجُ الْمُدَّعَى بِهِ مِنْ الثُّلُثِ. قَالَ رحمه الله: فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا إقْرَارَ وَلَا إبَاحَةَ. بَلْ هُوَ جَارٍ مَجْرَى الشَّاهِدِ وَالْبَيِّنَةِ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (فَيَقُولُ " إنْ حَلَفْت وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك " ثَلَاثًا) . يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لَهُ ثَلَاثًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَقُولُهُ مَرَّةً. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: ثَلَاثًا، أَوْ مَرَّةً. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: مَرَّةً. وَقِيلَ: ثَلَاثًا. انْتَهَى. وَاَلَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: إذَا نَكَلَ لَزِمَهُ الْحَقُّ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ: قَضَى عَلَيْهِ، إذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي ذَلِكَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَحْكُمُ لَهُ قَبْلَ سُؤَالِهِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ أَيْضًا.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ قَوْلِهِ (فَيُقَالُ لِلنَّاكِلِ " لَك رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي ". فَإِنْ رَدَّهَا حَلَفَ الْمُدَّعِي وَحَكَمَ لَهُ) . أَنَّهُ يُشْتَرَطُ إذْنُ النَّاكِلِ فِي رَدِّ الْيَمِينِ.

ص: 257

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْقَوْلِ بِالرَّدِّ إذْنُ النَّاكِلِ فِي الرَّدِّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ

قَوْلُهُ (وَإِنْ نَكَلَ أَيْضًا: صَرَفَهُمَا. فَإِنْ عَادَ أَحَدُهُمَا، فَبَذَلَ الْيَمِينَ لَمْ يَسْمَعْهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، حَتَّى يَحْتَكِمَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ) . قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَمَنْ بَذَلَ مِنْهُمَا الْيَمِينَ بَعْدَ نُكُولِهِ: لَمْ تُسْمَعْ مِنْهُ إلَّا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، بِشَرْطِ عَدَمِ الْحُكْمِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْمُغْنِي. وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ. وَقِيلَ: تُسْمَعُ وَلَوْ بَعْدَ الْحُكْمِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ، فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الرِّعَايَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إذَا نَكَلَ الْمُدَّعِي: سُئِلَ عَنْ سَبَبِ نُكُولِهِ؟ فَإِنْ قَالَ " امْتَنَعْت لِأَنَّ لِي بَيِّنَةٌ أُقِيمُهَا " أَوْ " حِسَابًا أَنْظُرُ فِيهِ " فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ مِنْ الْيَمِينِ. وَلَا يُضَيِّقُ عَلَيْهِ فِي الْيَمِينِ، بِخِلَافِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ " لَا أُرِيدُ أَنْ أَحْلِفَ " فَهُوَ نَاكِلٌ. وَقِيلَ: يُمْهَلُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي الْمَالِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. فَوَائِدُ

مَتَى تَعَذَّرَ رَدُّ الْيَمِينِ، فَهَلْ: يَقْضِي بِنُكُولِهِ، أَوْ يَحْلِفُ وَلِيٌّ، أَوْ إنْ بَاشَرَ مَا ادَّعَاهُ، أَوْ لَا يَحْلِفُ حَاكِمٌ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ.

ص: 258

وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. قَطَعَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: بِأَنَّ الْأَبَ، وَالْوَصِيَّ، وَالْإِمَامَ وَالْأَمِينَ: لَا يَحْلِفُونَ. وَقَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَكُلُّ مَالٍ لَا تُرَدُّ فِيهِ الْيَمِينُ: يُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ. كَالْإِمَامِ إذَا ادَّعَى لِبَيْتِ الْمَالِ، أَوْ وَكِيلِ الْفُقَرَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. انْتَهَى. وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَالَ: وَكَذَا الْأَبُ، وَوَصِيُّهُ، وَأَمِينُ الْحَاكِمِ، إذَا ادَّعَوْا حَقًّا لِصَغِيرٍ، أَوْ مَجْنُونٍ. وَنَاظِرِ الْوَقْفِ، وَقَيِّمِ الْمَسْجِدِ. وَقَالَ فِي الْكُبْرَى: قَضَى بِالنُّكُولِ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ، أَوْ يَحْلِفَ. وَقِيلَ: بَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي مِنْهُمْ وَيَأْخُذُ مَا ادَّعَاهُ وَقِيلَ: إنْ كَانَ قَدْ بَاشَرَ مَا ادَّعَاهُ: حَلَفَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا. قُلْت: لَا يَحْلِفُ إمَامٌ وَلَا حَاكِمٌ. انْتَهَى. وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ يَحْلِفُ إذَا عَقَلَ وَبَلَغَ. وَيَكْتُبُ الْحَاكِمُ مَحْضَرًا بِنُكُولِهِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَحْلِفُ، حَلَفَ لِنَفْيِهِ، إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ وُجُوبَ تَسْلِيمِهِ مِنْ مُوَلِّيهِ. فَإِنْ أَبَى: حَلَفَ الْمُدَّعِي وَأَخَذَهُ، إنْ جَعَلَ النُّكُولَ مَعَ يَمِينِ الْمُدَّعِي كَبَيِّنَةٍ، لَا كَإِقْرَارِ خَصْمِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا خِلَافَ بَيْنَنَا: أَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ رَدُّهَا يُقْضَى بِنُكُولِهِ بِأَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الدَّعْوَى غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ، أَوْ يَكُونُ الْإِمَامُ، بِأَنْ يَدَّعِيَ لِبَيْتِ الْمَالِ دَيْنًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، فِي صُورَةِ الْحَاكِمِ: يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ وَيَحْلِف. وَقِيلَ: يَحْكُمُ عَلَيْهِ.

ص: 259

وَقِيلَ: يَحْلِفُ الْحَاكِمُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: نَزَّلَ أَصْحَابُنَا نُكُولَهُ مَنْزِلَةً بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ. فَقَالُوا: لَا يُقْضَى بِهِ فِي قَوْدٍ وَحَدٍّ. وَحَكَمُوا بِهِ فِي حَقِّ مَرِيضٍ وَعَبْدٍ وَصَبِيٍّ مَأْذُونٍ لَهُمَا. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ فِي الْقَسَامَةِ: مَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ بِالدِّيَةِ: فَفِي مَالِهِ. لِأَنَّهُ كَإِقْرَارِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَامِعِ. لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَحْلِفُ ابْتِدَاءً مَعَ اللَّوْثِ. وَأَنَّ الدَّعْوَى فِي التُّهْمَةِ كَسَرِقَةٍ، يُعَاقَبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْفَاجِرُ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ. وَيُحْبَسُ الْمَسْتُورُ، لِيَبِينَ أَمْرُهُ وَلَوْ ثَلَاثًا، عَلَى وَجْهَيْنِ. نَقَلَ حَنْبَلٌ: حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله وَمُحَقِّقُو أَصْحَابِهِ عَلَى حَبْسِهِ. وَقَالَ: إنَّ تَحْلِيفَ كُلِّ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَإِرْسَالَهُ مَجَّانًا: لَيْسَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ. وَاحْتَجَّ فِي مَكَان آخَرَ بِأَنَّ قَوْمًا اتَّهَمُوا نَاسًا فِي سَرِقَةٍ، فَرَفَعُوهُمْ إلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما. فَحَبَسَهُمْ أَيَّامًا ثُمَّ أَطْلَقَهُمْ. فَقَالُوا لَهُ: خَلَّيْت سَبِيلَهُمْ بِغَيْرِ ضَرْبٍ وَلَا امْتِحَانٍ؟ فَقَالَ: إنْ شَتَمَ ضَرَبْتهمْ. فَإِنْ ظَهَرَ مَا لَكُمْ وَإِلَّا ضَرَبْتُكُمْ مِثْلَهُ. فَقَالُوا: هَذَا حُكْمُك؟ فَقَالَ: حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَالَ بِهِ.

وَقَالَ بِهِ شَيْخُنَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: يَحْبِسُهُ وَالٍ. قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: وَقَاضٍ أَيْضًا، وَأَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 8] حَمَلْنَا عَلَى الْحَبْسِ لِقُوَّةِ التُّهْمَةِ.

ص: 260

وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: الْأَوَّلَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَاخْتَارَ: تَعْزِيرَ مُدَّعٍ بِسَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا عَلَى مَنْ يُعْلَمْ بَرَاءَتُهُ. وَاخْتَارَ: أَنَّ خَبَرَ مَنْ ادَّعَى بِحَقٍّ بِأَنَّ فُلَانًا سَرَقَ كَذَا: كَخَبَرِ إنْسِيٍّ مَجْهُولٍ. فَيُفِيدُ تُهْمَةً كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: يَضْرِبُهُ الْوَالِي مَعَ قُوَّةِ التُّهْمَةِ تَعْزِيرًا. فَإِنْ ضُرِبَ لِيُقِرَّ: لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ ضُرِبَ لِيَصْدُقَ عَنْ حَالِهِ، فَأَقَرَّ تَحْتَ الضَّرْبِ: قُطِعَ ضَرْبُهُ، وَأُعِيدَ إقْرَارُهُ لِيُؤْخَذَ بِهِ. وَيُكْرَهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْأَوَّلِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ الْمُنَاسِبِ لِلتُّهْمَةِ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَضْرِبُهُ الْوَالِي وَالْقَاضِي. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَضْرِبُهُ الْوَالِي عِنْدَ الْقَاضِي. وَذَكَرَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رحمهم الله

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي " لِي بَيِّنَةٌ " بَعْدَ قَوْلِهِ " مَا لِي بَيِّنَةٌ " لَمْ تُسْمَعْ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالتَّرْغِيبِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَيَحْصُلُ أَنْ تُسْمَعَ. وَهُوَ وَجْهٌ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهُ حَلِفِهِ أَوَّلًا. وَجَزَمَ فِي التَّرْغِيبِ بِالْأَوَّلِ

ص: 261

وَقَالَ: وَكَذَا قَوْلُهُ " كَذَبَ شُهُودِي " وَأَوْلَى. وَلَا تَبْطُلُ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا تُرَدُّ بِذِكْرِ السَّبَبِ. بَلْ بِذِكْرِ سَبَبِ الْمُدَّعِي غَيْرِهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا، فَشَهِدَتْ بِهِ وَبِسَبَبِهِ وَقُلْنَا: تَرَجَّحَ بِذِكْرِ السَّبَبِ لَمْ تُفِدْهُ إلَّا أَنْ تُعَادَ بَعْدَ الدَّعْوَى. فَوَائِدُ

إحْدَاهَا: لَوْ ادَّعَى شَيْئًا. فَشَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ بِغَيْرِهِ: فَهُوَ مُكَذِّبٌ لَهُمْ. قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله وَأَبُو بَكْرٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ، فَيَدَّعِيهِ ثُمَّ يُقِيمُهَا. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ أَيْضًا وَالرِّعَايَةِ: إنْ قَالَ " أَسْتَحِقُّهُ وَمَا شَهِدْت بِهِ، وَإِنَّمَا ادَّعَيْت بِأَحَدِهِمَا لِأَدَّعِيَ بِالْآخِرِ وَقْتًا آخَرَ " ثُمَّ شَهِدْت بِهِ: قُبِلَتْ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ ادَّعَى شَيْئًا، فَأَقَرَّ لَهُ بِغَيْرِهِ: لَزِمَهُ إذَا صَدَّقَهُ الْمُقِرُّ لَهُ. وَالدَّعْوَى. بِحَالِهَا. نَصَّ عَلَيْهِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ سَأَلَ مُلَازَمَتَهُ حَتَّى يُقِيمَهَا: أُجِيبَ فِي الْمَجْلِسِ. عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرِّوَايَتَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهَا فِي الْمَجْلِسِ صَرَفَهُ. وَقِيلَ: يَنْظُرُ ثَلَاثًا. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: وَيُجَابُ مَعَ قُرْبِهَا. وَعَنْهُ: وَبُعْدِهَا كَكَفِيلٍ فِيمَا ذَكَرَ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَأَنَّهُ يَضْرِبُ لَهُ أَجَلًا. مَتَى مَضَى فَلَا كَفَالَةَ وَنَصُّهُ: لَا يُجَابُ إلَى كَفِيلٍ، كَحَبْسِهِ.

ص: 262

وَفِي مُلَازَمَتِهِ حَتَّى يَفْرُغَ لَهُ الْحَاكِمُ مِنْ شُغْلِهِ، مَعَ غَيْبَةٍ بِبَيِّنَةٍ وَبَعْدَهَا: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَهُ الْمَيْمُونِيُّ: لَمْ أَرَهُ يَذْهَبُ إلَى الْمُلَازَمَةِ إلَى أَنْ يُعَطِّلَهُ مِنْ عَمَلِهِ. وَلَا يُمَكِّنُ أَحَدًا مِنْ عَنَتِ خَصْمِهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لِي بَيِّنَةٌ وَأُرِيدُ يَمِينَهُ " فَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً) . يَعْنِي: عَنْ الْمَجْلِسِ (فَلَهُ إحْلَافُهُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ كَانَتْ قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: الْقَرِيبَةُ كَالْحَاضِرَةِ فِي الْمَجْلِسِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهَا إلَّا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ. وَقِيلَ. لَيْسَ لَهُ إحْلَافُهُ مُطْلَقًا، بَلْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ فَقَطْ. وَقَطَعُوا بِهِ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً، فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا.

أَحَدُهُمَا: لَهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ أَوْ تَحْلِيفُهُ إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً فِي الْمَجْلِسِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 263

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَمْلِكُهُمَا، فَيُحَلِّفُهُ وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَهُ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُ إلَّا إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ فَقَطْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَطَعُوا بِهِ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ كَمَا تَقَدَّمَ.

فَائِدَةٌ:

لَوْ سَأَلَ تَحْلِيفَهُ وَلَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ، فَحَلَفَ: فَفِي جَوَازِ إقَامَتهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَجْهَانِ. قَالَهُ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ إقَامَتُهَا بَعْدَ تَحْلِيفِهِ. صَحَّحَهُ النَّاظِمُ.

وَالثَّانِي: لَهُ إقَامَتُهَا. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ سَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ. قَالَ لَهُ الْقَاضِي: إنْ أَجَبْت، وَإِلَّا جَعَلْتُك نَاكِلًا. وَقَضَيْت عَلَيْك) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَحْبِسُهُ حَتَّى يُجِيبَ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ عَنْ الْأَصْحَابِ.

ص: 264

وَمُرَادُهُمْ بِهَذَا الْوَجْهِ: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ. فَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ: قَضَى بِهَا وَجْهًا وَاحِدًا. فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ الْحُكْمِ: لَوْ قَالَ " لَا أَعْلَمُ قَدْرَ حَقِّهِ ". ذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ " يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي: إنْ أَجَبْت وَإِلَّا أَجْعَلُك نَاكِلًا " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرِهِمْ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لِي حِسَابٌ أُرِيدُ أَنْ أَنْظُرَ فِيهِ " لَمْ يَلْزَمْ الْمُدَّعِي إنْظَارَهُ) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ إنْظَارُهُ ثَلَاثًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَزِمَ إنْظَارُهُ فِي الْأَصَحِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ.

فَائِدَةٌ:

لَوْ قَالَ " إنْ ادَّعَيْت أَلْفًا بِرَهْنِ كَذَا لِي بِيَدِك أَجَبْت، وَإِنْ ادَّعَيْت هَذَا ثَمَنُ كَذَا بِعْتنِيهِ وَلَمْ تُقْبِضْنِيهِ فَنَعَمْ، وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَك عَلَيَّ " فَهُوَ جَوَابٌ صَحِيحٌ.

ص: 265

قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " قَدْ قَضَيْته " أَوْ " قَدْ أَبْرَأَنِي. وَلِي بَيِّنَةٌ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالْإِبْرَاءِ " وَسَأَلَ الْإِنْظَارَ: أُنْظِرَ ثَلَاثًا. وَلِلْمُدَّعِي مُلَازَمَتُهُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يُنْظَرُ. كَقَوْلِهِ " لِي بَيِّنَةٌ تَدْفَعُ دَعْوَاهُ " تَنْبِيهٌ:

مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَكُنْ الْخَصْمُ أَنْكَرَ أَوَّلًا سَبَبَ الْحَقِّ. أَمَّا إنْ كَانَ أَنْكَرَ أَوَّلًا سَبَبَ الْحَقِّ، ثُمَّ ثَبَتَ. فَادَّعَى قَضَاءً أَوْ إبْرَاءً سَابِقًا: لَمْ تُسْمَعْ مِنْهُ وَإِنْ أَتَى بِبَيِّنَةٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ الْوَدِيعَةِ ".

فَائِدَةٌ:

مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ ادَّعَى الْقَضَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ، وَجَعَلْنَاهُ مُقِرًّا بِذَلِكَ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا.

قَوْلُهُ (فَإِنْ عَجَزَ) . يَعْنِي: عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِالْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ. (حَلَّفَهُ الْمُدَّعِي عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ. وَاسْتَحَقَّ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنَّ لَوْ نَكَلَ الْمُدَّعِي حُكِمَ عَلَيْهِ. وَإِنْ قِيلَ بِرَدِّ الْيَمِينِ: فَلَهُ تَحْلِيفُ خَصْمِهِ، فَإِنْ أَبَى حُكِمَ عَلَيْهِ.

ص: 266

فَائِدَةٌ:

لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَقَالَهُ فِي بَيْعٍ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ. وَلَوْ قَالَ " أَبْرَأَنِي مِنْ الدَّعْوَى " فَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: انْبَنَى عَلَى الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ. وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ، لَمْ تُسْمَعْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فِي يَدِهِ. فَأَقَرَّ بِهَا لِغَيْرِهِ: جُعِلَ الْخَصْمُ فِيهَا. وَهَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؟) وَهُوَ الْمُقِرُّ (عَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

أَحَدِهِمَا: لَا يَحْلِفُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْلِفُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ. إذَا نَكَلَ أُخِذَ مِنْهُ بَدَلَهَا.

قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ لَهُ حَاضِرًا مُكَلَّفًا سُئِلَ. فَإِنْ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ: حَلَفَ وَأَخَذَهَا) . فَإِذَا أَخَذَهَا فَأَقَامَ الْآخِرُ بَيِّنَةً: أَخَذَهَا مِنْهُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلِلْمُقِرِّ لَهُ قِيمَتُهَا عَلَى الْمُقِرِّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَيْسَتْ لِي، وَلَا أَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ؟ " سُلِّمَتْ إلَى الْمُدَّعِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ اقْتَرَعَا عَلَيْهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ.

ص: 267

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. (وَفِي الْآخِرِ: لَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَيَجْعَلُهَا الْحَاكِمُ عِنْدَ أَمِينٍ) . ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: تُقِرُّ بِيَدِ رَبِّ الْيَدِ. وَذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُذَهَّبِ وَضَعَّفَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُغْنِي. فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ: يَحْلِفُ لِلْمُدَّعِي. وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: يَحْلِفُ، إنْ قُلْنَا: تُرَدُّ الْيَمِينُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيَتَخَرَّجُ لَنَا وَجْهٌ: أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَحْلِفُ: أَنَّهَا لَهُ وَتُسَلَّمُ إلَيْهِ، بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِرَدِّ الْيَمِينِ إذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. فَتَتَلَخَّصُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: تُسَلَّمُ لِلْمُدَّعِي، أَوْ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ تُقِرُّ بِيَدِ رَبِّ الْيَدِ، أَوْ يَأْخُذُهَا الْمُدَّعِي وَيَحْلِفُ إنْ قُلْنَا تُرَدُّ الْيَمِينُ. فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَذَّبَهُ الْمُقِرُّ لَهُ، وَجَهِلَ لِمَنْ هِيَ؟ .

الثَّانِيَةُ: لَوْ عَادَ فَادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ،

أَوْ لِثَالِثٍ: لَمْ يُقْبَلْ. عَلَى ظَاهِرِ مَا فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: تُقْبَلُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ. وَهُوَ الَّذِي قَالَ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ.

ص: 268

ثُمَّ إنْ عَادَ الْمُقِرُّ لَهُ أَوَّلًا إلَى دَعْوَاهُ: لَمْ تُقْبَلْ. وَإِنْ عَادَ قَبْلَ ذَلِكَ: فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَإِنْ أَقَرَّتْ بِرِقِّهَا لِشَخْصٍ، وَكَانَ الْمُقِرُّ بِهِ عَبْدًا: فَهُوَ كَمَالِ غَيْرِهِ وَعَلَى الَّذِي قَبِلَهُ: يُعْتَقَانِ وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ: تَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمُقِرِّ. فَتَصِيرُ وَجْهًا خَامِسًا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِغَائِبٍ، أَوْ صَبِيٍّ، أَوْ مَجْنُونٍ: سَقَطَتْ عَنْهُ الدَّعْوَى. ثُمَّ إنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ: سُلِّمْت إلَيْهِ. وَهَلْ يَحْلِفُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَذَكَرَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ: رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي شَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ

أَحَدُهُمَا: لَا يَحْلِفُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. . وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا.

وَالثَّانِي: يَحْلِفُ مَعَ الْبَيِّنَةِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَيَحْلِفُ مَعَهَا، عَلَى رَأْي. وَقِيلَ: إنْ جُعِلَ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ: حَلَفَ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ: حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ، وَأُقِرَّتْ فِي يَدِهِ) .

ص: 269

وَهُوَ صَحِيحٌ. لَكِنْ لَوْ نَكَلَ: غَرِمَ بَدَلَهَا. فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي اثْنَيْنِ: لَزِمَهُ لَهَا عِوَضَانِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً: أَنَّهَا لِمَنْ سَمَّى. فَلَا يَحْلِفُ) وَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ، لِفَائِدَةِ زَوَالِ التُّهْمَةِ وَسُقُوطِ الْيَمِينِ عَنْهُ. وَيَقْضِي بِالْمِلْكِ إنْ قَدَّمَتْ بَيِّنَةَ دَاخِلٍ. وَلَوْ كَانَ لِلْمُودِعِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ الْمُحَاكِمَةُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَخَرَّجَ الْقَاضِي الْقَضَاءَ بِالْمِلْكِ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلْمُودَعِ وَنَحْوِهِ الْمُخَاصَمَةَ فِيمَا فِي يَدِهِ. وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِالْمِلْكِ. لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِهَا الْغَائِبُ وَلَا وَكِيلُهُ وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ.

تَنْبِيهَانِ

أَحَدُهُمَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَقَدَّمَ أَنَّ الدَّعْوَى لِلْغَائِبِ لَا تَصِحُّ إلَّا تَبَعًا وَذَكَرُوا: أَنَّ الْحَاكِمَ يَقْضِي عَنْهُ، وَيَبِيعُ مَالَهُ. فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ أَنَّهُ لِلْغَائِبِ وَأَعْلَى طَرِيقَةً: الْبَيِّنَةُ. فَتَكُونُ مِنْ الْمُدَّعِي لِلْغَائِبِ تَبَعًا أَوْ مُطْلَقًا لِلْحَاجَةِ إلَى إيفَاءِ الْحَاضِرِ وَبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْغَائِبِ.

الثَّانِي قَوْلُهُ (إنْ أَقَرَّ بِهَا لِمَجْهُولٍ، قِيلَ لَهُ: إمَّا أَنْ تُعَرِّفَهُ أَوْ نَجْعَلَك نَاكِلًا) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنَّ لَوْ عَادَ فَادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ، فَقِيلَ: تُسْمَعُ. لِعَدَمِ صِحَّةِ قَوْلِهِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْأَشْهَرِ. وَقِيلَ: لَا تُسْمَعُ. لِاعْتِرَافِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا. صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ فِي هَذَا الْبَابِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي بَابِ الدَّعَاوَى.

ص: 270

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ أَصَرَّ حُكِمَ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ. فَإِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ " هِيَ لِي " لَمْ يُقْبَلْ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ: وَكَذَا تَخْرُجُ إذَا أَكَذَبَهُ الْمُقِرُّ لَهُ، ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ، وَقَالَ: غَلِطْت. وَيَدُهُ بَاقِيَةٌ.

تَنْبِيهٌ:

بَعْضُ الْأَصْحَابِ يَذْكُرُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي " بَابِ الدَّعَاوَى " وَبَعْضُهُمْ يَذْكُرُهَا هُنَا. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ.

قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى إلَّا مُحَرَّرَةً تَحْرِيرًا يَعْلَمُ بِهِ الْمُدَّعِي) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: أَنَّ مَسْأَلَةَ الدَّعْوَى وَفُرُوعَهَا ضَعِيفَةٌ لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ. وَأَنَّ الثُّبُوتَ الْمَحْضَ يَصِحُّ بِلَا مُدَّعًى عَلَيْهِ. وَقَالَ: إذَا قِيلَ: لَا تُسْمَعُ إلَّا مُحَرَّرَةً، فَالْوَاجِبُ أَنَّ مَنْ ادَّعَى مُجْمَلًا: اسْتَفْصَلَهُ الْحَاكِمُ. وَقَالَ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ يَكُونُ مُبْهَمًا، كَدَعْوَى الْأَنْصَارِ قَتْلَ صَاحِبِهِمْ، وَدَعْوَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَى بَنِي أُبَيْرِقٍ. ثُمَّ الْمَجْهُولُ قَدْ يَكُونُ مُطْلَقًا. وَقَدْ يَنْحَصِرُ فِي قَوْمٍ، كَقَوْلِهَا " نَكَحَنِي أَحَدُهُمَا " وَقَوْلُهُ " زَوِّجْنِي إحْدَاهُمَا ". انْتَهَى. وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْأَوَّلِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُعْتَبَرُ التَّصْرِيحُ فِي الدَّعْوَى. فَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ " لِي عِنْدَ فُلَانٍ كَذَا " حَتَّى يَقُولَ " وَأَنَا الْآنَ مُطَالِبٌ لَهُ بِهِ ". ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا.

ص: 271

وَقَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: يَكْفِي الظَّاهِرُ. قُلْت: وَهُوَ أَظْهَرُ. فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مُتَمَيِّزًا مَشْهُورًا عِنْدَ الْخَصْمَيْنِ وَالْحَاكِمِ: كَفَّتْ شُهْرَتُهُ عَنْ تَحْدِيدِهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَكْفِي شُهْرَتُهُ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ الْحَاكِمِ عَنْ تَحْدِيدِهِ. لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ، وَالْكَنَدِيِّ. قَالَ: وَظَاهِرُهُ عَمَلُهُ بِعِلْمِهِ أَنَّ مُوَرِّثَهُ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ. انْتَهَى.

الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " غَصَبْت ثَوْبِي. فَإِنْ كَانَ بَاقِيًا فَلِي رَدُّهُ وَإِلَّا قِيمَتُهُ " صَحَّ اصْطِلَاحًا. وَقِيلَ: يَدَّعِيهِ. فَإِنْ خَفِيَ: ادَّعَى قِيمَتَهُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ أَعْطَى دَلَّالًا ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ لِيَبِيعَهُ بِعِشْرِينَ. فَجَحَدَهُ. فَقَالَ " أَدَّعِي ثَوْبًا، إنْ كَانَ بَاعَهُ فَلِي عِشْرُونَ، وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا فَلِي عَيْنُهُ، وَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَلِي عَشَرَةٌ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَقَدْ اصْطَلَحَ الْقُضَاةُ عَلَى قَبُولِ هَذِهِ الدَّعْوَى الْمُرَدِّدَةِ لِلْحَاجَةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: صَحَّ اصْطِلَاحًا. وَقِيلَ: بَلَى. انْتَهَى. وَإِنْ ادَّعَى " أَنَّ لَهُ الْآنَ " لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَةٌ " أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَمْسِ " أَوْ " فِي يَدِهِ " فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ، حَتَّى يُبَيِّنَ سَبَبَ يَدِ الثَّانِي نَحْوَ غَاصِبِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدْت أَنَّهُ كَانَ مَلَكَهُ بِالْأَمْسِ، اشْتَرَاهُ مِنْ رَبِّ الْيَدِ. فَإِنَّهُ يُقْبَلُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله إنْ قَالَ " وَلَا أَعْلَمُ لَهُ مُزِيلًا " قُبِلَ كَعِلْمِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ يُلَبِّسُ عَلَيْهِ.

ص: 272

وَقَالَ أَيْضًا: لَا يُعْتَبَرُ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَوْلُهُ " وَأَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ إلَى الْآنَ " بَلْ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ سَبْقُ الْحَقِّ إجْمَاعًا. وَقَالَ أَيْضًا فِيمَنْ بِيَدِهِ عَقَارٌ، فَادَّعَى رَجُلٌ بِمَثْبُوتٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ " أَنَّهُ كَانَ لِجَدِّهِ إلَى مَوْتِهِ، ثُمَّ لِوَرَثَتِهِ " وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مُخْلِفٌ عَنْ مَوْرُوثِهِ لَا يُنْزَعُ مِنْهُ بِذَلِكَ. لِأَنَّ أَصْلَيْنِ تَعَارَضَا. وَأَسْبَابُ انْتِقَالِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْإِرْثِ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِسُكُوتِهِمْ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ. وَلَوْ فَتَحَ هَذَا لَانْتَزَعَ كَثِيرٌ مِنْ عَقَارِ النَّاسِ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ.

وَقَالَ فِيمَنْ بِيَدِهِ عَقَارٌ، فَادَّعَى آخَرُ " أَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لِأَبِيهِ " فَهَلْ يُسْمَعُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ؟ قَالَ: لَا يُسْمَعُ إلَّا بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ، أَوْ إقْرَارِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، أَوْ تَحْتَ حُكْمِهِ. وَقَالَ فِي بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ لَهُ بِمِلْكِهِ إلَى حِينِ وَقْفِهِ، وَأَقَامَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً " أَنَّ مَوْرُوثَهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْوَاقِفِ قَبْلَ وَقْفِهِ " قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ وَارِثٍ. لِأَنَّ مَعَهَا مَزِيدَ عِلْمٍ لِتَقْدِيمِ مَنْ شَهِدَ بِأَنَّهُ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ، وَآخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ. فَإِنَّهَا تَجُوزُ بِالْمَجْهُولِ) . وَكَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ الْمُطَلِّقِ فِي الْمَهْرِ، إذَا قُلْنَا: يَصِحُّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ كَوَصِيَّةٍ، وَعَبْدِ مُطَلِّقٍ فِي مَهْرٍ، أَوْ نَحْوِهِ. وَقِيلَ: أَوْ إقْرَارٍ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: وَلَا تَصِحُّ إلَّا مُحَرَّرَةً، يَعْلَمُ بِهَا الْمُدَّعِي، إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ خَاصَّةً. فَإِنَّهَا تَصِحُّ مِنْ الْمَجْهُولِ. وَقَالَهُ غَيْرُهُمْ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ، لِئَلَّا يَسْقُطَ حَقُّ الْمُقِرِّ لَهُ. وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى. لِأَنَّهَا حَقٌّ لَهُ. فَإِذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ عَدَلَ إلَى مَعْلُومٍ.

ص: 273

وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّ دَعْوَى الْإِقْرَارِ بِالْمَعْلُومِ لَا تَصِحُّ. لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْحَقِّ وَلَا مُوجِبُهُ، فَكَيْفَ بِالْمَجْهُولِ؟ .

وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ أَيْضًا: لَوْ ادَّعَى دِرْهَمًا، وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى إقْرَارِهِ: قُبِلَ. وَلَا يَدَّعِي الْإِقْرَارَ، لِمُوَافَقَتِهِ لَفْظَ الشُّهُودِ، بَلْ لَوْ ادَّعَى لَمْ تُسْمَعْ. وَفِي التَّرْغِيبِ فِي اللُّقَطَةِ: لَا تُسْمَعُ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ " أَنَّ زَوْجَهَا: أَقَرَّ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ، أَوْ ابْنَتَهُ " وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ. فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ: لَمْ تُقْبَلْ. لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى الْإِقْرَارِ عَلَى الرَّضَاعِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَعَلَّ مَأْخَذَهُ: أَنَّهَا ادَّعَتْ بِالْإِقْرَارِ لَا بِالْمُقَرِّ بِهِ. وَلَكِنْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ تُسْمَعُ بِغَيْرِ دَعْوَى. لِمَا فِيهَا مِنْ حَقِّ اللَّهِ. عَلَى أَنَّ الدَّعْوَى بِالْإِقْرَارِ فِيهَا نَظَرٌ. فَإِنَّ الدَّعْوَى بِهَا تَصْدِيقُ الْمُقِرِّ. فَوَائِدُ

الْأُولَى: مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى: أَنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِالْحَالِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: تُسْمَعُ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ لِإِثْبَاتِهِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: الصَّحِيحُ أَنَّهَا تُسْمَعُ. فَيَثْبُتُ أَصْلُ الْحَقِّ لِلُزُومِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَدَعْوَى تَدْبِيرٍ، وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي قَوْلِهِ " قَتَلَ أَبِي أَحَدُ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ " أَنَّهَا تُسْمَعُ لِلْحَاجَةِ، لِوُقُوعِهِ كَثِيرًا. وَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمْ. وَكَذَا دَعْوَى غَصْبٍ وَإِتْلَافٍ وَسَرِقَةٍ، لَا إقْرَارٍ وَبَيْعٍ. إذَا قَالَ: نَسِيت. لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ.

ص: 274

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ لِإِثْبَاتِهِ، إذَا خَافَ سَفَرَ الشُّهُودِ أَوْ الْمَدْيُونَ مُدَّةً بِغَيْرِ أَجَلٍ.

الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ فِي الدَّعْوَى انْفِكَاكُهَا عَمَّا يُكَذِّبُهَا. فَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ " أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ مُنْفَرِدًا " ثُمَّ ادَّعَى عَلَى آخَرَ الْمُشَارَكَةَ فِيهِ: لَمْ تُسْمَعْ الثَّانِيَةُ. وَلَوْ أَقَرَّ الثَّانِي، إلَّا أَنْ يَقُولَ " غَلِطْت " أَوْ " كَذَبْت فِي الْأُولَى " فَالْأَظْهَرُ: تُقْبَلُ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ لِإِمْكَانِهِ. وَالْحَقُّ لَا يَعْدُوهُمَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: مَنْ أَقَرَّ لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ. ثُمَّ ادَّعَاهُ، وَذَكَرَ تَلَقِّيه مِنْهُ: سُمِعَ، وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ بَيِّنَةً ثُمَّ ادَّعَاهُ، فَهَلْ يَلْزَمُ ذِكْرُ تَلَقِّيه؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ " كَانَ بِيَدِك " أَوْ " لَك أَمْسِ، وَهُوَ مِلْكِي الْآنَ " لَزِمَهُ سَبَبُ زَوَالِ يَدِهِ. عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثَةُ: لَا يَلْزَمُهُ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيُتَوَجَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَلَوْ أَقَامَ الْمُقِرُّ بَيِّنَةً: أَنَّهُ لَهُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ سَبَبًا: هَلْ تُقْبَلُ؟ . وَتُقَدَّمُ الْكِفَايَةُ بِشُهْرَتِهِ عِنْدَ الْخَصْمَيْنِ أَوْ الْحَاكِمِ قَرِيبًا.

الرَّابِعَةُ: لَوْ أَحْضَرَ وَرَقَةً فِيهَا دَعْوَى مُحَرَّرَةٌ، وَقَالَ " أَدَّعِي بِمَا فِيهَا " مَعَ حُضُورِ خَصْمِهِ: لَمْ تُسْمَعْ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يَكْفِي قَوْلُهُ عَنْ دَعْوَى فِي وَرَقَةٍ " أَدَّعِي بِمَا فِيهَا ".

الْخَامِسَةُ: تُسْمَعُ دَعْوَى اسْتِيلَادٍ وَكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

ص: 275

وَقِيلَ: تُسْمَعُ فِي التَّدْبِيرِ إنْ جُعِلَ عِتْقًا بِصِفَةٍ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: دَعْوَاهُ سَبَبًا قَدْ يُوجِبُ مَالًا كَضَرْبِ عَبْدِهِ ظُلْمًا يَحْتَمِلُ أَنْ لَا تُسْمَعَ حَتَّى يَجِبَ الْمَالُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى مُسْتَلْزِمَةً، لَا كَبَيْعِ خِيَارٍ وَنَحْوِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى بَيْعًا أَوْ هِبَةً: لَمْ تُسْمَعْ إلَّا أَنْ يَقُولَ " وَيَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إلَيَّ " لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ قَبْلَ اللُّزُومِ. وَلَوْ قَالَ " بَيْعًا لَازِمًا " أَوْ " هِبَةً مَقْبُوضَةً " فَوَجْهَانِ. لِعَدَمِ تَعَرُّضِهِ لِلتَّسْلِيمِ.

قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا حَاضِرَةً: عَيَّنَهَا. وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً ذَكَرَ صِفَاتِهَا إنْ كَانَتْ تَنْضَبِطُ بِهَا، وَالْأَوْلَى ذِكْرُ قِيمَتِهَا. وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعُ، وَغَيْرُهُمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ) أَوْ فِي الذِّمَّةِ (ذَكَرَ قَدْرَهَا وَجِنْسَهَا وَصِفَتَهَا) . فَيَذْكُرُ هُنَا مَا يَذْكُرُهُ فِي صِفَةِ السَّلَمِ. وَإِنْ ذَكَرَ قِيمَتَهَا كَانَ أَوْلَى. يَعْنِي الْأَوْلَى: أَنْ يَذْكُرَ قِيمَتَهَا مَعَ ذِكْرِ صِفَةِ السَّلَمِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. لِأَنَّهُ أَضْبَطُ. وَكَذَا إنْ كَانَ غَيْرَ مِثْلِيٍّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَكْفِي ذِكْرُ قِيمَةِ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ.

فَائِدَةٌ:

قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ تَنْضَبِطْ بِالصِّفَاتِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ قِيمَتِهَا) كَالْجَوَاهِرِ وَنَحْوِهَا بِلَا نِزَاعٍ.

ص: 276

لَكِنْ يَكْفِي ذِكْرُ قَدْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: وَيَصِفُهُ أَيْضًا.

قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَى نِكَاحًا، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمَرْأَةِ بِعَيْنِهَا إنْ حَضَرَتْ، وَإِلَّا ذَكَرَ اسْمَهَا وَنَسَبَهَا. وَذَكَرَ شُرُوطَ النِّكَاحِ، وَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَبِرِضَاهَا. فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، كَمَا قَالَ يَعْنِي يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى بِالنِّكَاحِ: ذِكْرُ شُرُوطِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. فَقَالَ: يُعْتَبَرُ ذِكْرُ شُرُوطِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ: يُعْتَبَرُ فِي النِّكَاحِ وَصْفُهُ بِالصِّحَّةِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ شُرُوطِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ ادَّعَى اسْتِدَامَةَ الزَّوْجِيَّةِ، وَلَمْ يَدَّعِ الْعَقْدَ، فَهَلْ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ شُرُوطِهِ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. صَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ.

ص: 277

وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ.

وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ. فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً وَالزَّوْجُ حُرًّا فَقِيَاسُ مَا ذَكَرْنَا: أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ عَدَمِ الطُّولِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ ادَّعَى زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ فَأَقَرَّتْ، فَهَلْ يُسْمَعُ إقْرَارُهَا؟ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ. أَوْ لَا يُسْمَعُ؟ . وَإِنْ ادَّعَى زَوْجِيَّتَهَا وَاحِدٌ: قُبِلَ. وَإِنْ ادَّعَاهَا اثْنَانِ: لَمْ يُقْبَلْ قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى بَيْعًا، أَوْ عَقْدًا سِوَاهُ. فَهَلْ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ شُرُوطِهِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) . وَكَذَا فِي التَّرْغِيبِ. يَعْنِي: إذَا اشْتَرَطْنَا ذِكْرَ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

أَحَدُهُمَا: يُشْتَرَطُ ذِكْرُ شُرُوطِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اُعْتُبِرَ ذِكْرُ شُرُوطِهِ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: ذِكْرُ شُرُوطِ صِحَّتِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالنَّظْمِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ.

ص: 278

اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِي مَالِكِ الْإِمَاءِ وَالنِّكَاحِ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِي غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ نِكَاحًا عَلَى رَجُلٍ، وَادَّعَتْ مَعَهُ نَفَقَةً، أَوْ مَهْرًا: سُمِعَتْ دَعْوَاهَا) بِلَا نِزَاعٍ. (وَإِنْ لَمْ تَدَّعِ سِوَى النِّكَاحِ. فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ.

أَحَدُهُمَا. لَا تُسْمَعُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تُسْمَعُ. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي. فَعَلَيْهِ: هِيَ فِي الدَّعْوَى كَالزَّوْجِ. فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: لَوْ نَوَى بِجُحُودِهِ الطَّلَاقَ: لَمْ تَطْلُقْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي. وَاخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ.

وَقَالَ: الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى رِوَايَةِ صِحَّةِ إقْرَارِهَا بِهِ. إذَا ادَّعَاهُ وَاحِدٌ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

ص: 279

قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ فِي " كِتَابِ الطَّلَاقِ " فِي قَوْلِهِ " لَيْسَ لِي امْرَأَةٌ " أَوْ " لَيْسَتْ لِي بِامْرَأَةٍ " رِوَايَةٌ: أَنَّهُ لَغْوٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ كِنَايَةٌ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ هُنَاكَ: إذَا نَوَى الطَّلَاقَ بِذَلِكَ وَقَعَ. وَعَنْهُ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ. فَالْجُحُودُ هُنَا لِعَقْدِ النِّكَاحِ. لَا لِكَوْنِهَا امْرَأَتَهُ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ عَلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ، وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهَا امْرَأَتُهُ: فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْهَا ظَاهِرًا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَاقُهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ

قُلْت: الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ: أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْهَا. وَكَيْفَ يُمَكَّنُ مِنْهَا وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَتَحَقَّقُ: أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ بِزَوْجَةٍ، حَتَّى وَلَوْ حَكَمَ لَهُ بِهِ حَاكِمٌ. لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يُحِلُّ حَرَامًا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى قَتْلَ مَوْرُوثِهِ: ذَكَرَ الْقَاتِلَ، وَأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ، أَوْ شَارَكَ غَيْرَهُ. وَأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ. وَيَصِفُهُ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحَيَاةَ فِي ذَلِكَ، فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْت: الْأَوْلَى عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذِكْرِ الْحَيَاةِ. فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى الْإِرْثَ: ذَكَرَ سَبَبَهُ) بِلَا نِزَاعٍ وَلَوْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى أَبِيهِ: ذَكَرَ مَوْتَ أَبِيهِ. وَحَرَّرَ الدَّيْنَ وَالتَّرِكَةَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

ص: 280

اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ يَكْفِي أَيْضًا أَنْ يَقُولَ " إنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ ".

الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى شَيْئًا مُحَلًّى: قَوَّمَهُ بِغَيْرِ جِنْسِ حِلْيَتِهِ. فَإِنْ كَانَ مُحَلًّى بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ: قَوَّمَهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا لِلْحَاجَةِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَلَوْ ادَّعَى دَيْنًا، أَوْ عَيْنًا: لَمْ يُشْتَرَطْ ذِكْرُ سَبَبِهِ، وَجْهًا وَاحِدًا. لِكَثْرَةِ سَبَبِهِ. وَقَدْ يَخْفَى عَلَى الْمُدَّعِي.

قَوْلُهُ (وَتُعْتَبَرُ فِي الْبَيِّنَةِ الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا، وَبَاطِنًا. فِي اخْتِيَارِ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الْبَيِّنَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ وَالْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ، وَالْخِرَقِيِّ فِيمَا قَالَهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ. انْتَهَى. قُلْت: وَحَكَاهُ فِي الْهِدَايَةِ عَنْ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. وَأَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ " وَإِذَا شَهِدَ عِنْدَهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ سَأَلَ عَنْهُ " وَفِي الْوَاضِحِ وَالْمُوجَزِ: كَبَيِّنَةِ حَدٍّ وَقَوَدٍ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: الْعَدَالَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي شُهُودِ الزِّنَا: هِيَ الْعَدَالَةُ الْمُعْتَبَرَةُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَجْهًا وَاحِدًا. وَإِنْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ لِتَأَكُّدِ الزِّنَا. انْتَهَى.

ص: 281

وَعَنْهُ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ هُنَا. وَأَخَذَهَا مِنْ قَوْلِهِ " وَالْعَدْلُ: مَنْ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ ". وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ. لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ، مِنْ أَنَّهُ: إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ مَنْ لَا يَعْرِفُ سَأَلَ عَنْهُ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ هُنَا فِيمَنْ عَرَفَ. انْتَهَى. وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَبُو بَكْرٍ، وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. فَعَلَيْهَا: إنَّ جَهِلَ إسْلَامَهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِ. وَفِي جَهْلِ حُرِّيَّتِهِ حَيْثُ اعْتَبَرْنَاهَا وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ: جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَأَوْرَدَهُ فِي النَّظْمِ مَذْهَبًا.

وَالثَّانِي: يَرْجِعُ إلَيْهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَإِنْ جَهِلَ عَدَالَتَهُ: لَمْ يَسْأَلْ عَنْهُ، إلَّا أَنْ يُجَرِّحَهُ الْخَصْمُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يُقْبَلُ مِنْ الْغَرِيبِ قَوْلُهُ " أَنَا حُرٌّ عَدْلٌ " لِلْحَاجَةِ، كَمَا قَبِلْنَا قَوْلَ الْمَرْأَةِ " إنَّهَا لَيْسَتْ مُزَوَّجَةً، وَلَا مُعْتَدَّةً ".

فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ

وَهِيَ أَنَّ الْمُسْلِمَ: هَلْ الْأَصْلُ فِيهِ: الْعَدَالَةُ أَوْ الْفِسْقُ؟

ص: 282

اُخْتُلِفَ فِيهَا فِي زَمَنِنَا.

فَأَحْبَبْت أَنْ أَنْقُلَ مَا اطَّلَعْت عَلَيْهِ فِيهَا مِنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ. فَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي عِنْدَ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ " وَإِذَا شَهِدَ عِنْدَهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ سَأَلَ عَنْهُ " وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَيُعْتَبَرُ فِي الْبَيِّنَةِ الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا " لِمَا نَصَرَا أَنَّ الْعَدَالَةَ لَهُ تُعْتَبَرُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَحَكَيَا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْعَدَالَةُ إلَّا ظَاهِرًا. وَعَلَّلَاهُ بِأَنْ قَالَا: ظَاهِرُ حَالِ الْمُسْلِمِينَ: الْعَدَالَةُ.

وَاحْتَجَّا لَهُ بِشَهَادَةِ الْأَعْرَابِيِّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَقَبُولِهَا. وَبِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه " الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ". وَلَمَّا نَصَرَا الْأَوَّلَ قَالَا: الْعَدَالَةُ شَرْطٌ. فَوَجَبَ الْعِلْمُ بِهَا كَالْإِسْلَامِ. وَذَكَرَا الْأَدِلَّةَ. وَقَالَا: وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه: فَالْمُرَادُ بِهِ ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ. وَقَالَا: هَذَا بَحْثٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِدُونِهِ. فَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا: أَنَّهُمَا سَلَّمَا. أَنَّهُ ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ. وَلَكِنْ تُعْتَبَرُ مَعْرِفَتُهَا بَاطِنًا. وَقَالَا فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ الْجَرْحُ إلَّا مُفَسَّرًا لِأَنَّ الْجَرْحَ يُنْقَلُ عَنْ الْأَصْلِ. فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ. وَالْجَرْحُ يُنْقَلُ عَنْهَا. فَصَرَّحَا هُنَا بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُسْلِمِينَ: الْعَدَالَةُ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ لَمَّا نُصِرَ أَنَّهُ. تُعْتَبَرُ الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا: وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ: فَمَمْنُوعَةٌ. بَلْ الظَّاهِرُ عَكْسُ ذَلِكَ. فَصَرَّحَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي ظَاهِرِ حَالِ الْمُسْلِمِ: عَكْسُ الْعَدَالَةِ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ " وَلَا نَسْمَعُ الْجَرْحَ إلَّا مُفَسَّرًا " وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْدِيلِ وَبَيْنَ

ص: 283

الْجَرْحِ: أَنَّ التَّعْدِيلَ إذَا قَالَ " هُوَ عَدْلٌ " يُوَافِقُ الظَّاهِرَ. فَحَكَمَ بِأَنَّهُ عَدْلٌ فِي الظَّاهِرِ. فَخَالَفَ مَا قَالَ أَوَّلًا. وَقَالَ ابْن رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ النِّكَاحِ " وَتَصِحُّ الشَّهَادَةُ مِنْ مَسْتُورِي الْحَالِ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَالَةُ. وَقَالَ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي الْأُصُولِ فِي أَوَاخِرِ التَّقْلِيدِ: وَالْعَدَالَةُ أَصْلِيَّةٌ فِي كُلِّ مُسْلِمٍ. وَتَابَعَ ذَلِكَ فِي شَرْحِهِ عَلَى ذَلِكَ. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَالَةُ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ، فِي هَذَا الْمَكَانِ: لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْعَالِمِ الْعَدَالَةُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ عِنْدَ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ " وَإِذَا شَهِدَ عِنْدَهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ سَأَلَ عَنْهُ " وَمُنْشَأُ الْخِلَافِ: أَنَّ الْعَدَالَةَ هَلْ هِيَ شَرْطٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ؟ وَالشَّرْطُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ وُجُودِهِ. وَإِذَنْ لَا يُقْبَلُ مَسْتُورُ الْحَالِ، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ فِيهِ، أَوْ الْفِسْقُ مَانِعٌ؟ فَيُقْبَلُ مَسْتُورُ الْحَالِ. إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْفِسْقِ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَسْطُرٍ فَإِنْ قِيلَ: بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ. قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ هَذَا. إذْ الْعَدَالَةُ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَلَوْ سُلِّمَ هَذَا فَمُعَارَضٌ بِأَنَّ الْغَالِبَ وَلَا سِيَّمَا فِي زَمَنِنَا هَذَا الْخُرُوجُ عَنْهَا. وَقَدْ يَلْزَمُ أَنَّ الْفِسْقَ مَانِعٌ. وَيُقَالُ: الْمَانِعُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ ظَنِّ عَدَمِهِ، كَالصِّبَا وَالْكُفْرِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: مَنْ قَالَ " إنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِنْسَانِ الْعَدَالَةُ " فَقَدْ أَخْطَأَ. وَإِنَّمَا الْأَصْلُ فِيهِ: الْجَهْلُ وَالظُّلْمُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} [الأحزاب: 72] .

وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله فِي أَوَاخِرِ بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ: إذَا شُكَّ فِي الشَّاهِدِ: هَلْ هُوَ عَدْلٌ أَمْ لَا؟ لَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِ. إذْ الْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ: عَدَمُ الْعَدَالَةِ. وَقَوْلُ

ص: 284

مَنْ قَالَ " الْأَصْلُ فِي النَّاسِ الْعَدَالَةُ " كَلَامٌ مُسْتَدْرَكٌ. بَلْ الْعَدَالَةُ حَادِثَةٌ تَتَجَدَّدُ. وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا. فَإِنَّ خِلَافَ الْعَدَالَةِ مُسْتَنَدُهُ جَهْلُ الْإِنْسَانِ وَظُلْمُهُ. وَالْإِنْسَانُ جَهُولٌ ظَلُومٌ. فَالْمُؤْمِنُ يَكْمُلُ بِالْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ. وَهُمَا جِمَاعُ الْخَيْرِ وَغَيْرُهُ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَدَالَةُ وَالْفِسْقُ مَبْنِيَّانِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ. فَإِنْ قُلْنَا: تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَسْتُورِي الْحَالِ، فَالْأَصْلُ فِيهِ: الْعَدَالَةُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا تُقْبَلُ. فَالْأَصْلُ فِيهِ: الْفِسْقُ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ الْمُسْلِمَ لَيْسَ الْأَصْلُ فِيهِ الْفِسْقُ. لِأَنَّ الْفِسْقَ قَطْعًا يَطْرَأُ. وَالْعَدَالَةُ أَيْضًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا تَطْرَأُ. لَكِنَّ الظَّنَّ فِي الْمُسْلِمِ الْعَدَالَةَ أَوْلَى مِنْ الظَّنِّ بِهِ الْفِسْقَ. وَمِمَّا يُسْتَأْنَسُ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُسْلِمِ الْعَدَالَةُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إلَّا عَلَى الْفِطْرَةِ. فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» .

قَوْلُهُ (وَإِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ عَدَالَتَهُمَا: عَمِلَ بِعِلْمِهِ) . هَكَذَا عِبَارَةُ غَالِبِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي عِبَارَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ: وَيَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَةِ الشَّاهِدِ وَجَرْحِهِ لِلتَّسَلْسُلِ. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. وَلِأَنَّهُ يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ. فَلَا تُهْمَةَ. وَقَالَ هُوَ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا: هَذَا لَيْسَ بِحُكْمٍ. لِأَنَّهُ يُعَدَّلُ هُوَ وَيُجَرَّحُ غَيْرُهُ. وَيُجَرَّحُ هُوَ وَيُعَدَّلُ غَيْرُهُ. وَلَوْ كَانَ حُكْمًا: لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنَّمَا الْحُكْمُ بِالشَّهَادَةِ، لَا بِهِمَا.

ص: 285

إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَعَمَلُ الْحَاكِمِ بِعِلْمِهِ فِي الشُّهُودِ، وَحُكْمُهُ بِعِلْمِهِ فِي الْعَدَالَةِ وَالْجَرْحِ: هُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَعْمَلُ فِي جَرْحِهِ بِعِلْمِهِ فَقَطْ. وَعَنْهُ: لَا يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِيهِمَا كَالشَّاهِدِ. عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ. قَالَ: الزَّرْكَشِيُّ: وَحَكَى ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ: قَوْلًا بِالْمَنْعِ. وَهُوَ مَرْدُودٌ، إنَّ صَحَّ مَا حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ. فَإِنَّهُ حَكَى اتِّفَاقَ الْكُلِّ عَلَى الْجَوَازِ. انْتَهَى فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ تَسْمِيَةَ الشُّهُودِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرْسَلِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله أَنَّ لَهُ طَلَبُ تَسْمِيَةِ الْبَيِّنَةِ. لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْقَدْحِ بِالِاتِّفَاقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ لَوْ قَالَ " حَكَمْت بِكَذَا " وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْتَنَدَهُ.

الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَوْ شَهِدَ أُحُدُ الشَّاهِدَيْنِ بِبَعْضِ الدَّعْوَى، قَالَ " شَهِدَ عِنْدِي بِمَا وَضَعَ بِهِ خَطَّهُ فِيهِ " أَوْ عَادَةُ حُكَّامِ بَلَدِهِ. وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ عَدْلًا، كَتَبَ تَحْتَ خَطِّهِ " شَهِدَ عِنْدِي بِذَلِكَ ". وَإِنْ قَبِلَهُ كَتَبَ " شَهِدَ بِذَلِكَ عِنْدِي ". وَإِنْ قَبِلَهُ غَيْرُهُ، أَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ كَتَبَ " وَهُوَ مَقْبُولٌ ". وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُولًا، كَتَبَ " شَهِدَ بِذَلِكَ ". وَقَالَ لِلْمُدَّعِي " زِدْنِي شُهُودًا، أَوْ زَكِّ شَاهِدَيْك ".

ص: 286

وَقِيلَ: إنْ طَلَبَ خَصْمُهُ التَّزْكِيَةَ، وَإِلَّا فَلَا، انْتَهَى.

قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَرْتَابَ بِهِمَا، فَيُفَرِّقُهُمَا. وَيَسْأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ " كَيْفَ تَحَمَّلْت الشَّهَادَةَ؟ وَمَتَى؟ وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ؟ وَهَلْ كُنْت وَحْدَك، أَوْ أَنْتَ وَصَاحِبَك؟ " فَإِنْ اخْتَلَفَا: لَمْ يَقْبَلْهُمَا. وَإِنْ اتَّفَقَا. وَعَظَهُمَا، وَخَوَّفَهُمَا. فَإِنْ ثَبَتَا: حَكَمَ بِهِمَا إذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي) . يَلْزَمُ الْحَاكِمَ سُؤَالُ الشُّهُودِ، وَالْبَحْثُ عَنْ صِفَةِ تَحَمُّلِهِمَا، وَغَيْرُهُ، إذَا ارْتَابَ فِيهِمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: وُجُوبُ التَّوَقُّفِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ وَجْهُ الطَّعْنِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ ادَّعَى جَرْحَ الْبَيِّنَةِ، فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ اخْتَلَفَا تَوَقَّفَ فِيهِمَا. وَقِيلَ: تَسْقُطُ شَهَادَتُهُمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَرَحَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: كُلِّفَ) إقَامَةَ (الْبَيِّنَةِ بِالْجَرْحِ فَإِنْ سَأَلَ الْإِنْظَارَ: أُنْظِرَ ثَلَاثًا) . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: يُمْهَلُ الْجَارِحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْأَصَحِّ إنْ طَلَبَهُ. وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يُمْهَلُ. قَوْلُهُ (وَلَا يُسْمَعُ الْجَرْحُ إلَّا مُفَسَّرًا بِمَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ. إمَّا أَنْ يَرَاهُ، أَوْ يَسْتَفِيضَ عَنْهُ) .

ص: 287

فَلَا يَكْفِي مُطْلَقُ الْجَرْحِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ الْجَرْحُ مِنْ غَيْرِ تَبْيِينِ سَبَبِهِ. وَعَنْهُ (يَكْفِي أَنْ يَشْهَدَ: أَنَّهُ فَاسِقٌ وَلَيْسَ بِعَدْلٍ) كَالتَّعْدِيلِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ. وَقِيلَ: إنْ اتَّحَدَ مَذْهَبُ الْجَارِحِ وَالْحَاكِمِ، أَوْ عَرَفَ الْجَارِحُ أَسْبَابَ الْجَرْحِ: قَبْلَ إجْمَالِهِ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ وَقِيلَ: يَكْفِي قَوْلُهُ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ " وَنَحْوُهُ. ذَكَرَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ.

تَنْبِيهٌ:

قَوْلُهُ (أَوْ يَسْتَفِيضَ عَنْهُ) . اعْلَمْ أَنَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِجَرْحِهِ بِمَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ بِالِاسْتِفَاضَةِ عَنْهُ ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَالتَّزْكِيَةِ. فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا. وَفِي التَّزْكِيَةِ وَجْهٌ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله وَقَالَ: الْمُسْلِمُونَ يَشْهَدُونَ فِي مِثْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بِمَا لَا يَعْلَمُونَهُ إلَّا بِالِاسْتِفَاضَةِ. وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ فِي الْجَرْحِ بِالِاسْتِفَاضَةِ نِزَاعًا بَيْنَ النَّاسِ.

ص: 288

وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا يَجُوزُ الْجَرْحُ بِالتَّسَامُعِ. نَعَمْ، لَوْ زَكَّى جَازَ التَّوَقُّفُ بِتَسَامُعِ الْفِسْقِ. فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: الْجَرْحُ الْمُبَيَّنُ: أَنْ يَذْكُرَ مَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ عَنْ رُؤْيَةٍ، أَوْ اسْتِفَاضَةٍ وَالْمُطْلَقُ: أَنْ يَقُولَ " هُوَ فَاسِقٌ " أَوْ " لَيْسَ بِعَدْلٍ ". قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: هَذَا هُوَ الْمُبَيَّنُ. وَالْمُطْلَقُ أَنْ يَقُولَ " اللَّهُ أَعْلَمُ " وَنَحْوُهُ.

الثَّانِيَةُ: يُعْرَضُ الْجَارِحُ بِالزِّنَا. فَإِنْ صَرَّحَ، وَلَمْ يَأْتِ بِتَمَامِ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ: حُدَّ. خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله.

تَنْبِيهٌ:

قَوْلُهُ (وَإِنْ جَهِلَ: طَالَبَ الْمُدَّعِي بِتَزْكِيَتِهِ) . بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الْعَدَالَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. كَمَا تَقَدَّمَ.

فَائِدَةٌ:

التَّزْكِيَةُ حَقٌّ لِلشَّرْعِ. يَطْلُبُهَا الْحَاكِمُ، وَإِنْ سَكَتَ عَنْهَا الْخَصْمُ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: بَلْ هِيَ حَقٌّ لِلْخَصْمِ. فَلَوْ أَقَرَّ بِهَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِدُونِهَا. وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا بُدَّ مِنْهَا. وَيَأْتِي بِأَعَمَّ مِنْ هَذَا قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَيَكْفِي فِي التَّزْكِيَةِ شَاهِدَانِ. يَشْهَدَانِ: أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًى) . قَوْلُهُ " يَشْهَدَانِ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًى " يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِ الْمُزَكِّيَيْنِ: مَعْرِفَةُ الْحَاكِمِ خِبْرَتَهُمَا الْبَاطِنَةَ بِصُحْبَةٍ وَمُعَامَلَةٍ، وَنَحْوِهِمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

ص: 289

قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُقْبَلَانِ مَعَ جَهْلِ الْحَاكِمِ خِبْرَتَهُمَا الْبَاطِنَةَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهَا: وَلَا يُتَّهَمُ بِعَصَبِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا. قَوْلُهُ " يَشْهَدَانِ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًى ". وَكَذَا لَوْ شَهِدَا " أَنَّهُ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ " بِلَا نِزَاعٍ. وَيَكْفِي قَوْلُهُمَا " عَدْلٌ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْبَرَكَاتِ: الْمَنْعُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هَلْ يَكْفِي قَوْلُهُمَا " عَدْلٌ " فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. فَوَائِدُ

الْأُولَى: لَا يَكْفِي قَوْلُهُمَا " لَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا ".

الثَّانِيَةُ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا يَلْزَمُ الْمُزَكِّي الْحُضُورُ لِلتَّزْكِيَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ. الثَّالِثَةُ: لَا تَجُوزُ التَّزْكِيَةُ إلَّا لِمَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بَاطِنَةٌ. قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَزَادَ فِي التَّرْغِيبِ: وَمَعْرِفَةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ الرَّابِعَةُ: هَلْ تَعْدِيلُ الشُّهُودِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ تَعْدِيلٌ فِي حَقِّهِ، وَتَصْدِيقُ الشُّهُودِ عَلَيْهِ تَعْدِيلٌ؟ وَهَلْ تَصِحُّ التَّزْكِيَةُ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ

ص: 290

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعَدَّلَ. إنَّ النَّاسَ يَتَغَيَّرُونَ. وَقَالَ: قِيلَ لِشُرَيْحٍ: قَدْ أَحْدَثْت فِي قَضَائِك؟ فَقَالَ " إنَّهُمْ أَحْدَثُوا فَأَحْدَثْنَا " قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ أَقَرَّ الْخَصْمُ بِالْعَدَالَةِ. فَقَالَ: " هُمَا عَدْلَانِ فِيمَا شَهِدَا بِهِ عَلَيَّ " أَوْ " صَادِقَانِ " حُكِمَ عَلَيْهِ بِلَا تَزْكِيَةٍ. وَقِيلَ: لَا. وَقَالَ: هَلْ تَصْدِيقُ الشُّهُودِ تَعْدِيلٌ لَهُمْ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَالتَّزْكِيَةُ حَقٌّ لِلَّهِ. فَتُطْلَبُ وَإِنْ سَكَتَ الْخَصْمُ. فَإِنْ أَقَرَّ بِالْعَدَالَةِ: حُكِمَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يُحْكَمُ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ فِيمَا إذَا عَدَّلَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الشَّاهِدَ الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَةِ فِي صِحَّةِ التَّزْكِيَةِ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ، وَقِيلَ: إنْ تَبَعَّضَتْ جَازَ. وَإِلَّا فَلَا تَزْكِيَةَ. تَنْبِيهٌ:

قَوْلُهُ (وَإِنْ عَدَّلَهُ اثْنَانِ. وَجَرَّحَهُ اثْنَانِ: فَالْجَرْحُ أَوْلَى) . بِلَا نِزَاعٍ.

وَإِذَا قُلْنَا: يُقْبَلُ جَرْحُ وَاحِدٍ، فَجَرَّحَهُ وَاحِدٌ، وَزَكَّاهُ اثْنَانِ: فَالتَّزْكِيَةُ أَوْلَى عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: الْجَرْحُ أَوْلَى. وَهُوَ أَوْلَى. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَوْ عَدَّلَهُ ثَلَاثَةٌ، وَجَرَّحَهُ اثْنَانِ، فَوَجْهَانِ. فَإِنْ بَيَّنَا السَّبَبَ: فَالْجَرْحُ أَوْلَى. وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنَا السَّبَبَ: فَالتَّعْدِيلُ أَوْلَى.

ص: 291

قَوْلُهُ (وَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعِي حَبْسَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ حَتَّى يُزَكِّيَ شُهُودَهُ، فَهَلْ يُحْبَسُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا.

أَحَدُهُمَا: يُجَابُ وَيُحْبَسُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبُ: اُحْتُمِلَ أَنْ يُحْبَسَ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَفِي حَبْسِهِ احْتِمَالٌ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُحْبَسُ. وَقِيلَ: لَا يُحْبَسُ إلَّا فِي الْمَالِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: مُدَّةُ حَبْسِهِ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُحْبَسُ إلَى أَنْ يُزَكِّيَ شُهُودَهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ بِإِطْلَاقِ ذَلِكَ ظَاهِرُ الْفَسَادِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ بِأَنَّهُ يُحَالُ فِي قِنٍّ أَوْ امْرَأَةٍ ادَّعَى عِتْقًا أَوْ طَلَاقًا بَيْنَهُمَا بِشَاهِدَيْنِ.

ص: 292

وَفِيهِ لِوَاحِدٍ فِي قِنٍّ وَجْهَانِ

الثَّانِيَةُ: مِثْلُ ذَلِكَ الْحُكْمِ: لَوْ سَأَلَ كَفِيلًا بِهِ، أَوْ تَعْدِيلَ عَيْنٍ مُدَّعَاةٍ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا، وَسَأَلَ حَبْسَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْآخِرُ: حَبَسَهُ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يُحْبَسُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. أَحَدُهُمَا: لَا يُحْبَسُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُحْبَسُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يُقْبَلُ فِي التَّرْجَمَةِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالتَّعْرِيفِ وَالرِّسَالَةِ إلَّا قَوْلُ عَدْلَيْنِ) .

ص: 293

هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُ وَاحِدٍ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكُونُ ذَلِكَ شَهَادَةً تَفْتَقِرُ إلَى الْعَدَدِ وَالْعَدَالَةِ. وَيُعْتَبَرُ فِيهَا مِنْ الشُّرُوطِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ الْحَقِّ. فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ: اُعْتُبِرَ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ. وَلَمْ يَكْفِ إلَّا شَاهِدَانِ ذَكَرَانِ. وَإِنْ كَانَ مَالًا: كَفَى فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. وَلَمْ تُعْتَبَرْ الْحُرِّيَّةُ. وَإِنْ كَانَ فِي حَدِّ زِنًا، فَالْأَصَحُّ: أَرْبَعَةٌ. وَقِيلَ: يَكْفِي اثْنَانِ. بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَيُعْتَبَرُ فِيهِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَصِحُّ بِدُونِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً أَوْ وَالِدًا أَوْ وَلَدًا، أَوْ أَعْمَى لِمَنْ خَبَّرَهُ بَعْدَ عَمَاهُ. وَيُقْبَلُ مِنْ الْعَبْدِ أَيْضًا. وَيَكْتَفِي بِالرُّقْعَةِ مَعَ الرَّسُولِ. وَلَا بُدَّ مِنْ عَدَالَتِهِ.

ص: 294

وَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَجِبُ الْمُشَافَهَةُ. قَالَ الْقَاضِي: تَعْدِيلُ الْمَرْأَةِ: هَلْ هُوَ مَقْبُولٌ؟ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ. وَهُوَ: هَلْ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ شَهَادَةٌ أَوْ خَبَرٌ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ خَبَرٌ، قُبِلَ تَعْدِيلُهُنَّ. وَإِنْ قُلْنَا: بِقَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَأَنَّهُ شَهَادَةٌ، فَهَلْ يُقْبَلُ تَعْدِيلُهُنَّ؟ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ. وَهُوَ: هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ فِيمَا لَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، كَالنِّكَاحِ؟ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ.

إحْدَاهُمَا: تُقْبَلُ. فَيُقْبَلُ تَعْدِيلُهُنَّ.

الثَّانِيَةُ: لَا تُقْبَلُ وَهَذَا الصَّحِيحُ. فَلَا يُقْبَلُ تَعْدِيلُهُنَّ. انْتَهَى. فَوَائِدُ

الْأُولَى: مَنْ رَتَّبَهُمْ الْحَاكِمُ يَسْأَلُونَ سِرًّا عَنْ الشُّهُودِ لِتَزْكِيَةٍ أَوْ جَرْحٍ، فَقِيلَ: يُعْتَبَرُ شُرُوطُ الشَّهَادَةِ فِيهِمْ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَقَالَا: وَيُقْبَلُ قَوْلُ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونُوا عُدُولًا، وَلَا يَسْأَلُونَ عَدُوًّا وَلَا صَدِيقًا. وَهَذَا ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقِيلَ: تُشْتَرَطُ شُرُوطُ الشَّهَادَةِ فِي الْمَسْئُولِينَ. لَا فِيمَنْ رَتَّبَهُمْ الْحَاكِمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَعَلَى قَوْلِنَا " التَّزْكِيَةُ لَيْسَتْ شَهَادَةً " لَا يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَالْعَدَدُ فِي الْجَمِيعِ.

الثَّانِيَةُ: مَنْ سَأَلَهُ حَاكِمٌ عَنْ تَزْكِيَةِ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ: أَخْبَرَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ.

ص: 295

الثَّالِثَةُ: مَنْ نُصِّبَ لِلْحُكْمِ بِجَرْحٍ أَوْ تَعْدِيلٍ، وَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ: قَنَعَ الْحَاكِمُ بِقَوْلِهِ وَحْدَهُ، إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ.

الرَّابِعَةُ: قَالَ فِي الْمَطْلَعِ: الْمُرَادُ بِالتَّعْرِيفِ تَعْرِيفُ الْحَاكِمِ، لَا تَعْرِيفُ الشَّاهِدِ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ " أَنَا أَشْهَدُ أَنَّ هَذِهِ فُلَانَةُ " وَيَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ. قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشُّهُودِ وَالْحَاكِمِ مِنْ وَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّ حَاجَةَ الْحَاكِمِ إلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ الشُّهُودِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَالشَّاهِدُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ، غَالِبًا، إلَّا عَلَى الْعِلْمِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي " كِتَابِ الشَّهَادَاتِ " وَمَنْ جَهِلَ رَجُلًا حَاضِرًا شَهِدَ فِي حَضْرَتِهِ لِمَعْرِفَةِ عَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، فَعَرَّفَهُ بِهِ مَنْ يَسْكُنُ إلَيْهِ وَعَنْهُ: اثْنَانِ. وَعَنْهُ: جَمَاعَةٌ شَهِدَ وَإِلَّا فَلَا. وَعَنْهُ: الْمَنْعُ. وَحَمَلَهَا الْقَاضِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ. وَعَنْهُ: إنْ عَرَفَهَا كَمَا يَعْرِفُ نَفْسَهُ. وَعَنْهُ أَوْ نَظَرَ إلَيْهَا: شَهِدَ وَإِلَّا فَلَا. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يَشْهَدُ بِإِذْنِ زَوْجٍ. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ أَمْلَكُ بِعِصْمَتِهَا. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ لِلْخَبَرِ. وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمَا بِأَنَّ النَّظَرَ حَقُّهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ سَهْوٌ.

ص: 296

وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي " كِتَابِ الشَّهَادَاتِ ". وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله التَّعْرِيفُ. يَتَضَمَّنُ تَعْرِيفَ عَيْنِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَالْمَشْهُودِ لَهُ، وَالْمَشْهُودِ بِهِ، إذَا وَقَعَتْ عَلَى الْأَسْمَاءِ، وَتَعْرِيفَ الْمَحْكُومِ لَهُ وَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَالْمَحْكُومِ بِهِ، وَتَعْرِيفَ الْمُثْبِتِ عَلَيْهِ، وَالْمُثْبَتِ لَهُ، وَنَفْسَ الْمُثْبَتِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي. وَالتَّعْرِيفُ مِثْلُ التَّرْجَمَةِ سَوَاءٌ. فَإِنَّهُ بَيَانٌ مُسَمَّى هَذَا الِاسْمِ. كَمَا أَنَّ التَّرْجَمَةَ كَذَلِكَ. لِأَنَّ التَّعْرِيفَ قَدْ يَكُونُ فِي أَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ وَالتَّرْجَمَةُ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ. وَهَذَا التَّفْسِيرُ لَا يَخْتَصُّ بِشَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ. انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا يُقْبَلُ فِي التَّرْجَمَةِ وَغَيْرِهَا إلَّا عَدْلَانِ ".

قَوْلُهُ (وَمَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ مَرَّةً، فَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْبَحْثِ عَنْ عَدَالَتِهِ مَرَّةً أُخْرَى؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . يَعْنِي: مَعَ تَطَاوُلِ الْمُدَّةِ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فِيهِ وَجْهَانِ. وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

إحْدَاهُمَا: يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدٍ عَنْ عَدَالَتِهِ، مَعَ تَطَاوُلِ الْمُدَّةِ. وَيَجِبُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَزِمَ الْبَحْثُ عَنْهَا. عَلَى الْأَصَحِّ، مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجِبُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ.

ص: 297

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ، أَوْ مُسْتَتِرٍ فِي الْبَلَدِ، أَوْ مَيِّتٍ، أَوْ صَبِيٍّ، أَوْ مَجْنُونٍ، وَلَهُ بَيِّنَةٌ: سَمِعَهَا الْحَاكِمُ وَحَكَمَ بِهَا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَلَيْسَ تَقَدُّمُ الْإِنْكَارِ هُنَا شَرْطًا. وَلَوْ فُرِضَ إقْرَارُهُ، فَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ لِثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: لَا تَفْتَقِرُ الْبَيِّنَةُ إلَى جُحُودٍ. إذْ الْغَيْبَةُ كَالسُّكُوتِ وَالْبَيِّنَةُ تُسْمَعُ عَلَى سَاكِتٍ. وَكَذَا جَعَلَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَصْلًا عَلَى الْخَصْمِ. وَعَنْهُ: لَا يُحْكَمُ عَلَى غَائِبٍ، كَحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. فَيَقْضِي فِي السَّرِقَةِ بِالْغُرْمِ فَقَطْ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَهُ فِي الْكَافِي. وَعَنْهُ: لَا يُحْكَمُ عَلَى الْغَائِبِ تَبَعًا، كَشَرِيكٍ حَاضِرٍ.

تَنْبِيهَاتٌ

الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ إذَا حَكَمَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْعَيْنَ الْمُدَّعَاةَ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: يُعْطِي بِكَفِيلٍ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ.

الثَّانِي: مُرَادُهُ بِالْمُسْتَتِرِ هُنَا: الْمُمْتَنِعُ مِنْ الْحُضُورِ. عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ قَرِيبًا.

الثَّالِثُ: الْغَيْبَةُ هُنَا: مَسَافَةُ الْقَصْرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

ص: 298

وَقِيلَ: مَسِيرَةُ يَوْمٍ أَيْضًا. وَقِيلَ: أَوْ فَوْقَ نِصْفِ يَوْمٍ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

الرَّابِعُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: صِحَّةُ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا، وَالْمُصَنِّفُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ: إنَّمَا يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، لَا فِي حُقُوقِ اللَّهِ، كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ. نَعَمْ فِي، السَّرِقَةِ يَقْضِي بِالْمَالِ فَقَطْ. وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ وَجْهَانِ. بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ، أَوْ لِآدَمِيٍّ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ " بَابِ الْقَذْفِ ".

قَوْلُهُ (وَهَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي " أَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ إلَيْهِ مِنْهُ، وَلَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ؟ " عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْهَادِي، وَغَيْرِهِمْ.

إحْدَاهُمَا: لَا يَحْلِفُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَمْ يَسْتَحْلِفْ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَالَا: هِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالْفُرُوعِ، وَخِلَافُ أَبِي الْخَطَّابِ. وَنَصَرَهُ.

ص: 299

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ. وَالشَّرِيفِ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَسْتَحْلِفُهُ عَلَى بَقَاءِ حَقِّهِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: حَلَّفَهُ مَعَ بَيِّنَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَحَلَفَ مَعَهَا عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى بَقَاءِ حَقِّهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. ذَكَرَهُ عَنْهُ الشَّارِحُ فِي " بَابِ الدَّعَاوَى " عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حُكِمَ لَهُ بِهَا ". فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يَتَعَرَّضُ فِي يَمِينِهِ لِصِدْقِ الْبَيِّنَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا يَتَعَرَّضُ فِي يَمِينِهِ لِصِدْقِ الْبَيِّنَةِ إنْ كَانَتْ كَامِلَةً. وَيَجِبُ تَعَرُّضُهُ إذَا قَامَ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ. فَوَائِدُ

الْأُولَى: لَا يَمِينَ مَعَ بَيِّنَةٍ كَامِلَةٍ كَمُقِرٍّ لَهُ إلَّا هُنَا. وَعَنْهُ: بَلَى. فَعَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه. وَعَنْهُ: يَحْلِفُ مَعَ رِيبَةٍ فِي الْبَيِّنَةِ. وَتَقَدَّمَ فِي " بَابِ الْحَجْرِ " أَنَّهُ إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِنَفَادِ مَالِهِ: أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

ص: 300

وَإِذَا شَهِدَتْ بِإِعْسَارِهِ: أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَلَنَا وَجْهٌ: أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَهَا أَيْضًا.

الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَخْتَصُّ الْيَمِينُ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، دُونَ الْمُدَّعِي، إلَّا فِي الْقَسَامَةِ وَدَعَاوَى الْأُمَنَاءِ الْمَقْبُولَةِ. وَحَيْثُ يَحْكُمُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، أَوْ نَقُولُ بِرَدِّهَا. وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مُفَرَّقًا فِي أَمَاكِنِهِ. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: أَمَّا دَعَاوَى الْأُمَنَاءِ الْمَقْبُولَةُ: فَغَيْرُ مُسْتَثْنَاةٍ. فَيَحْلِفُونَ. وَذَلِكَ: لِأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ إلَّا بِتَفْرِيطٍ أَوْ عُدْوَانٍ. فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَأَنْكَرُوهُ: فَهُمْ مُدَّعًى عَلَيْهِمْ. وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ. انْتَهَى. قُلْت: صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي " بَابِ الْوَكَالَةِ " أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْوَكِيلُ الْهَلَاكَ وَنَفَى التَّفْرِيطَ: قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَكَذَا فِي الْمُضَارَبَةِ، الْوَدِيعَةِ، وَغَيْرِهِمَا. الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (ثُمَّ إذَا قَدِمَ الْغَائِبُ، أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ يَعْنِي: رَشِيدًا أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ: فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ) . وَهُوَ صَحِيحٌ. لَكِنْ لَوْ جَرَحَ الْبَيِّنَةَ بِأَمْرٍ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَوْ مُطْلَقًا: لَمْ تُقْبَلْ. لِجَوَازِ كَوْنِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ. فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ، وَإِلَّا قُبِلَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ فِي الْبَلَدِ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ: لَمْ تُسْمَعْ الْبَيِّنَةُ حَتَّى يَحْضُرَ) . وَلَا تُسْمَعُ أَيْضًا الدَّعْوَى. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

ص: 301

جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُسْمَعَانِ، وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْخُلَاصَةِ فِي سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يُسْمَعَانِ. وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْحُضُورِ: سُمِعَتْ الْبَيِّنَةُ، وَحُكِمَ بِهَا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْأُخْرَى: لَا تُسْمَعُ حَتَّى يَحْضُرَ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: إنْ أَبَى مِنْ الْحُضُورِ: بَعَثَ إلَى صَاحِبِ الشُّرْطَةِ لِيُحْضِرَهُ. فَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الِاسْتِتَارُ: أَقْعَدَ عَلَى بَابِهِ مَنْ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ فِي دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ حَتَّى يَحْضُرَ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمَا.

ص: 302

وَلَيْسَ لَهُ دُخُولُ بَيْتِهِ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: إنَّ صَحَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ فِي مَنْزِلِهِ: أَمَرَ بِالْهُجُومِ عَلَيْهِ وَإِخْرَاجِهِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: إنْ أَصَرَّ عَلَى الِاسْتِتَارِ: حَكَمَ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى التَّغَيُّبِ سُمِعَتْ الْبَيِّنَةُ، وَحُكِمَ بِهَا عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَقَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ " وَإِنْ ادَّعَى عَلَى مُسْتَتِرٍ وَلَهُ بَيِّنَةٌ: سَمِعَهَا الْحَاكِمُ. وَحَكَمَ بِهَا " قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَصُّهُ " يَحْكُمُ عَلَيْهِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ". وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ. وَظَاهِرُ نَقْلِ الْأَثْرَمِ: يُحْكَمُ عَلَيْهِ إذَا خَرَجَ. قَالَ: لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُرْمَةٍ، كَمَنْ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ. انْتَهَى. وَحَكَى الزَّرْكَشِيُّ كَلَامَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَالَ: وَفِي الْمُقْنِعِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْحُضُورِ: هَلْ تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ وَيُحْكَمُ بِهَا عَلَيْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. مَعَ أَنَّهُ قَطَعَ بِجَوَازِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ. وَفِيهِ نَظَرٌ. فَكَلَامُهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ أَبِي الْبَرَكَاتِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا: وَفَّاهُ الْحَاكِمُ مِنْهُ، وَإِلَّا قَالَ لِلْمُدَّعِي " إنْ عَرَفْت لَهُ مَالًا، وَثَبَتَ عِنْدِي وَفَّيْتُك مِنْهُ ".

قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ عَنْهُ وَعَنْ أَخٍ لَهُ غَائِبٍ، وَلَهُ مَالٌ فِي يَدِ فُلَانٍ، أَوْ دَيْنٌ عَلَيْهِ. فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةٍ: سَلَّمَ

ص: 303

إلَى الْمُدَّعِي نَصِيبَهُ، وَأَخَذَ الْحَاكِمُ نَصِيبَ الْغَائِبِ فَحَفِظَهُ لَهُ) . اعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَائِبِ مُمْتَنِعٌ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لِامْتِنَاعِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ لَهُ، وَالْكِتَابَةِ لَهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ لِيَحْكُمَ لَهُ بِكِتَابِهِ، بِخِلَافِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ. فَيُتَصَوَّرُ الْحُكْمُ لَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ، كَمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَكَذَا لَوْ كَانَ الْأَخُ الْآخَرُ غَيْرَ رَشِيدٍ. فَإِذَا حَكَمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَشْبَاهِهَا، وَأَخَذَ الْحَاضِرُ حِصَّتَهُ، فَالْحَاكِمُ يَأْخُذُ نَصِيبَ الْغَائِبِ، وَنَصِيبُ غَيْرُ الرَّشِيدِ يَحْفَظُهُ لَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ دَيْنًا: أَنْ يَتْرُكَ نَصِيبَ الْغَائِبِ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ، وَيَرْشُدَ السَّفِيهُ. وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ. قُلْت: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَتْرُكُ إذَا كَانَ مَلِيئًا.

فَائِدَةٌ:

تُعَادُ الْبَيِّنَةُ فِي الْإِرْثِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَزَادَ: وَلَوْ أَقَامَ الْوَارِثُ الْبَيِّنَةَ. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ. وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَبَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ غَيْرُ رَشِيدٍ اُنْتُزِعَ الْمَالُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَهُمَا، بِخِلَافِ الْغَائِبِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الْآخِرِ: يُنْتَزَعُ أَيْضًا.

ص: 304

وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إنْ ادَّعَى أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ الْوَكَالَةَ، وَالْآخَرُ غَائِبٌ. وَثَمَّ بَيِّنَةٌ: حُكِمَ لَهُمَا. فَإِنْ حَضَرَ: لَمْ تَعُدْ الْبَيِّنَةُ كَالْحُكْمِ بِوَقْفٍ ثَبَتَ لِمَنْ لَمْ يُخْلَقْ، تَبَعًا لِمُسْتَحِقِّهِ الْآنَ. وَتَقَدَّمَ: أَنَّ سُؤَالَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ الْحَجْرَ كَسُؤَالِ الْكُلِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُفِيدَ أَنَّ الْقَضِيَّةَ الْوَاحِدَةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى عَدَدٍ أَوْ أَعْيَانٍ كَوَلَدِ الْأَبَوَيْنِ مِنْ الْمُشْرِكَةِ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى وَاحِدٍ، أَوَّلُهُ: يَعُمُّهُ وَغَيْرَهُ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: الْمَسْأَلَةَ. وَأَخَذَهَا مِنْ دَعْوَى مَوْتِ مَوْرُوثِهِ، وَحُكْمُهُ بِأَنَّ هَذَا يَسْتَحِقُّ هَذَا، أَوْ لِأَنَّ مَنْ وُقِفَ بِشَرْطٍ شَامِلٍ يَعُمُّ. وَهَلْ حُكْمُهُ لِطَبَقَةٍ حُكْمٌ لِلثَّانِيَةِ وَالشَّرْطُ وَاحِدٌ؟ رُدِّدَ النَّظَرُ عَلَى وَجْهَيْنِ. ثُمَّ مِنْ إبْدَاءِ مَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ الْأَوَّلَ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ لَوْ عَلِمَهُ فَلِلثَّانِي الدَّفْعُ بِهِ. وَهَلْ هُوَ نَقْضٌ لِلْأَوَّلِ كَحُكْمٍ مُغَيَّا بِغَايَةٍ؟ أَمْ هُوَ فَسْخٌ؟ .

قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ لَهُ بِحَقٍّ فَصَدَّقَهُ: قُبِلَ قَوْلُ الْحَاكِمِ وَحْدَهُ) . إذَا قَالَ الْحَاكِمُ الْمَنْصُوبُ " حَكَمْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا " وَنَحْوُهُ، وَلَيْسَ أَبَاهُ وَلَا ابْنَهُ: قُبِلَ قَوْلُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله وَسَوَاءٌ ذَكَرَ مُسْتَنَدَهُ أَوْ لَا. وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله قَوْلُهُمْ فِي كِتَابِ الْقَاضِي " إخْبَارُهُ بِمَا ثَبَتَ: بِمَنْزِلَةِ شُهُودِ الْفَرْعِ " يُوجِبُ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ فِي الثُّبُوتِ الْمُجَرَّدِ، إذْ لَوْ قُبِلَ خَبَرُهُ لَقُبِلَ كِتَابُهُ. وَأَوْلَى.

ص: 305

قَالَ: وَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ: إنْ قَالَ " ثَبَتَ عِنْدِي " فَهُوَ كَقَوْلِهِ " حَكَمْت فِي الْإِخْبَارِ وَالْكِتَابِ " وَإِنْ قَالَ " شَهِدْت " أَوْ " أَقَرَّ عِنْدِي فُلَانٌ " فَكَالشَّاهِدَيْنِ سَوَاءٌ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ مَا إذَا أُخْبِرَ بَعْدَ عَزْلِهِ: أَنَّهُ كَانَ حَكَمَ لِفُلَانٍ بِكَذَا فِي وِلَايَتِهِ، فِي آخِرِ " بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي ". وَهُنَاكَ بَعْضُ فُرُوعٍ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحَاكِمُ ذَلِكَ، فَشَهِدَ عَدْلَانِ: أَنَّهُ حَكَمَ لَهُ بِهِ: قُبِلَ شَهَادَتُهُمَا، وَأَمْضَى الْقَضَاءَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعُوا بِهِ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ اثْنَانِ: أَنَّهُ حَكَمَ لِفُلَانٍ: أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهُمَا.

تَنْبِيهٌ:

مُرَادُ الْأَصْحَابِ عَلَى الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ صَوَابَ نَفْسِهِ. فَإِنْ تَيَقَّنَ صَوَابَ نَفْسِهِ: لَمْ يَقْبَلْهُمَا وَلَمْ يُمْضِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: لِأَنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَذَكَرُوا هُنَاكَ: لَوْ تَيَقَّنَ صَوَابَ نَفْسِهِ: لَمْ يَقْبَلْهُمَا. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِ الْأَصْلِ الْمُحَدِّثِ الرَّاوِي عَنْهُ " لَا أَدْرِي " وَذَكَرُوا هُنَاكَ: لَوْ كَذَّبَهُ، لَمْ يَقْدَحْ فِي عَدَالَتِهِ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ. وَدَلَّ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَقِيلٍ هُنَا: قِيَاسُ الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الدَّلِيلَيْنِ.

ص: 306

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ: أَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا شَهِدَا عِنْدَك بِكَذَا وَكَذَا قَبِلَ شَهَادَتِهِمَا) بِلَا نِزَاعٍ. (وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ أُحُدٌ، لَكِنْ وَجَدَهُ فِي قِمْطَرِهِ فِي صَحِيفَةٍ تَحْتَ خَتْمِهِ بِخَطِّهِ. فَهَلْ يُنْفِذُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ.

إحْدَاهُمَا: لَيْسَ لَهُ تَنْفِيذُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّهُ الْأَشْهَرُ، كَخَطِّ أَبِيهِ بِحُكْمٍ أَوْ شَهَادَةٍ: لَمْ يَشْهَدْ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهَا إجْمَاعًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُنْفِذُهُ. وَعَنْهُ: يُنْفِذُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي قِمْطَرِهِ، أَوْ لَا. اخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. قُلْت: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الشَّاهِدُ إذَا رَأَى خَطَّهُ فِي كِتَابٍ بِشَهَادَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ.

إحْدَاهُمَا: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ.

ص: 307

وَذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ: الْمَذْهَبُ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّهُ الْأَشْهَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالْحَاوِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَهُ أَنْ يَشْهَدَ إذَا حَرَّرَهُ، وَإِلَّا فَلَا وَعَنْهُ: لَهُ أَنْ يَشْهَدَ مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ فَائِدَةٌ:

مَنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يُذَكَّرَ، أَوْ يَعْتَمِدَ عَلَى مَعْرِفَةِ الْخَطِّ، يَتَجَوَّزُ بِذَلِكَ: لَمْ يَجُزْ قَبُولُ شَهَادَتِهِ. وَلَهُمَا حُكْمُ الْمُغَفَّلِ، أَوْ الْمُمَخْرَقِ. وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهُ وَلَا يَجِبُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِالصِّفَةِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَلْزَمُ الْحَاكِمَ سُؤَالُهُمَا عَنْ ذَلِكَ. وَلَا يَلْزَمُهُمَا جَوَابُهُ. وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: إذَا عَلِمَ تَجَوُّزَهُمَا، فَهُمَا كَمُغَفَّلٍ، وَلَمْ يَجُزْ قَبُولُهُمَا.

قَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ حَقٌّ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَخْذُهُ بِالْحَاكِمِ وَقَدَّرَ لَهُ عَلَى مَالٍ: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ حَقِّهِ. نَصَّ عَلَيْهِ) . وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ الْمَشْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَغَيْرِهِمَا.

ص: 308

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ: إلَى جَوَازِ ذَلِكَ. وَحَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الْمُحَدِّثِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله. وَخَرَّجَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمُرْتَهِنِ: يَرْكَبُ وَيَحْلِبُ بِقَدْرِ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ. وَالْمَرْأَةُ تَأْخُذُ مُؤْنَتَهَا، وَالْبَائِعُ لِلسِّلْعَةِ يَأْخُذُهَا مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ بِغَيْرِ رِضَاهُ. وَخَرَّجَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، مِنْ تَنْفِيذِ الْوَصِيِّ الْوَصِيَّةَ مِمَّا فِي يَدِهِ إذَا كَتَمَ الْوَرَثَةُ بَعْضَ التَّرِكَةِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَظْهَرُ فِي التَّخْرِيجِ. فَعَلَى هَذَا: إنْ قَدَرَ عَلَى حَبْسِ حَقِّهِ: أَخَذَ بِقَدْرِهِ، وَإِلَّا قَوَّمَهُ وَأَخَذَ بِقَدْرِهِ مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ فِي ذَلِكَ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِهِنْدٍ زَوْجِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما «خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ» . وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَذَكَرَ فِي الْوَاضِحِ: أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ إلَّا مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، مُطْلَقَانِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَخَرَّجَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْجَوَازَ، رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، مِنْ جَوَازِ أَخْذِ الزَّوْجَةِ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا نَفَقَتَهَا وَنَفَقَةَ وَلَدِهَا بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله، عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا. فَلَا يَصِحُّ التَّخْرِيجُ.

وَأَشَارَ إلَى الْفَرْقِ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَأْخُذُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا. يَعْنِي: أَنَّ لَهَا يَدًا وَسُلْطَانًا عَلَى ذَلِكَ. وَسَبَبُ النَّفَقَةِ ثَابِتٌ وَهُوَ الزَّوْجِيَّةُ، فَلَا تُنْسَبُ بِالْأَخْذِ إلَى خِيَانَةٍ.

ص: 309

وَكَذَلِكَ أَبَاحَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: أَخْذَ الضَّيْفِ مِنْ مَالِ مَنْ نَزَلَ بِهِ وَلَمْ يُقْرَ بِقَدْرِ قِرَاهُ. وَمَتَى ظَهَرَ السَّبَبُ: لَمْ يُنْسَبْ الْآخِذُ إلَى خِيَانَةٍ. وَعَكَسَ ذَلِكَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ.: إذَا ظَهَرَ السَّبَبُ: لَمْ يَجُزْ الْأَخْذُ بِغَيْرِ إذْنٍ. لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَفِيَ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَ فُرُوقٍ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى، فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِهِنْدٍ «خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» هُوَ حُكْمٌ لَا فُتْيَا. وَاخْتَلَفَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ. فَتَارَةً قَطَعَ بِأَنَّهُ حُكْمٌ. وَتَارَةً قَطَعَ بِأَنَّهُ فُتْيَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ فُتْيَا.

تَنْبِيهَاتٌ

أَحَدُهَا: حَيْثُ جَوَّزْنَا الْأَخْذَ بِغَيْرِ إذْنٍ، فَيَكُونُ فِي الْبَاطِنِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: جَوَازُ الْأَخْذِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَالْأُصُولُ الَّتِي خَرَّجَ عَلَيْهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمَا: مِنْ حَدِيثِ هِنْدٍ، وَحَلْبِ الرَّهْنِ وَرُكُوبِهِ تَشْهَدُ لِذَلِكَ. وَالْأُصُولُ الَّتِي خَرَّجَ عَلَيْهَا صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: تَقْتَضِي مَا قَالَهُ. الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَخَذَهُ بِالْحَاكِمِ) . أَنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَى أَخْذِهِ بِالْحَاكِمِ: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ قَدْرِ حَقِّهِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَنْهُ: فِي الضَّيْفِ: يَأْخُذُ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَخْذِهِ بِالْحَاكِمِ.

ص: 310

وَظَاهِرُ الْوَاضِحِ: يَأْخُذُ الضَّيْفُ، وَغَيْرُهُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَخْذِهِ بِالْحَاكِمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا خَرَّجَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، وَالرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ. وَأَخَذَ سِلْعَتَهُ مِنْ الْمُفْلِسِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: جَوَازَ الْأَخْذِ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى أَخْذِهِ بِالْحَاكِمِ فِي الْحَقِّ الثَّابِتِ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ، أَوْ كَانَ سَبَبُ الْحَقِّ ظَاهِرًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ شِهَابٍ، وَغَيْرِهِ.

الثَّالِثَةُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَقُّ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ قَدْ أَخَذَهُ قَهْرًا. فَأَمَّا إنْ كَانَ قَدْ غَصَبَ مَالَهُ: فَيَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ بِقَدْرِ حَقِّهِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: مَنْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِمَالٍ، لَا عِنْدَ حَاكِمٍ: أَخَذَهُ. وَقِيلَ: لَا. كَقَوَدٍ فِي الْأَصَحِّ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا: إذَا كَانَ عَيْنُ مَالِهِ قَدْ تَعَذَّرَ أَخْذُهُ. فَأَمَّا إنْ قَدَرَ عَلَى عَيْنِ مَالِهِ: أَخَذَهُ قَهْرًا. زَادَ فِي التَّرْغِيبِ: مَا لَمْ يُفِضْ إلَى فِتْنَةٍ. قَالَ: وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَجَحَدَ

أَحَدُهُمَا: فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَجْحَدَ، وَجْهًا وَاحِدًا. لِأَنَّهُ كَبَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ. لَا يَجُوزُ، وَلَوْ رَضِيَا. انْتَهَى.

فَائِدَةٌ:

لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى شَخْصٍ، فَجَحَدَهُ: جَازَ لَهُ أَخْذُ قَدْرِ حَقِّهِ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ نَاظِمُهَا:

ص: 311

وَمَعْ مُجَرَّدِ الدَّيْنِ لَا بِالظَّفَرْ

يُؤْخَذُ مِنْ جِنْسِهِ فِي الْأَشْهَرْ

قَوْلُهُ (وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُزِيلُ الشَّيْءَ، عَنْ صِفَتِهِ فِي الْبَاطِنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً عَنْهُ: أَنَّهُ يُزِيلُ الْعُقُودَ وَالْفُسُوخَ. وَذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَحَكَى عَنْهُ: بِحِيلَةٍ فِي عَقْدٍ وَفَسْخٍ مُطْلَقًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْوَسِيلَةِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: الْأَهْلُ أَكْثَرُ مِنْ الْمَالِ وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: إنَّ حَنْبَلِيًّا نَصَرَهَا. فَاعْتَبَرَهَا بِاللِّعَانِ. وَعَنْهُ: يُرْسِلُهُ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ قَبْلَ الْحُكْمِ. قَطَعَ بِهِ فِي الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: حُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُحِيلُ الشَّيْءَ عَنْ وَصْفِهِ فِي الْبَاطِنِ، إلَّا فِي أَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ قَبْلَ الْحُكْمِ. فَإِنَّهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْأَوَّلِ وَقِيلَ: هُمَا فِي أَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ قَبْلَ الْحُكْمِ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: لَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ لِحَنْبَلِيٍّ، أَوْ لِشَافِعِيٍّ، بِشُفْعَةِ جِوَارٍ: فَوَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَمَنْ حَكَمَ لِمُجْتَهِدٍ، أَوْ عَلَيْهِ بِمَا يُخَالِفُ اجْتِهَادَهُ: عَمِلَ بَاطِنًا بِالْحُكْمِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: بِاجْتِهَادِهِ وَإِنْ بَاعَ حَنْبَلِيٌّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ فَحَكَمَ بِصِحَّتِهِ شَافِعِيٌّ: نَفَذَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ: قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ أَظْهَرُ.

ص: 312

إذْ كَيْفَ يَحْكُمُ لَهُ بِمَا لَا يَسْتَحِلُّهُ. فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِاجْتِهَادِهِ. وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا: لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِقَوْلِ مَنْ قَلَّدَهُ. فَكَيْفَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَا يَلْزَمُهُ. فَيَجْتَمِعُ الضِّدَّانِ. إلَّا أَنْ يُرَادَ: وَيَلْزَمُهُ الِانْقِيَادُ لِلْحُكْمِ ظَاهِرًا، وَالْعَمَلُ بِضِدِّهِ بَاطِنًا، كَالْمَرْأَةِ الَّتِي تَعْتَقِدُ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى زَوْجِهَا، وَهُوَ يُنْكِرُ ذَلِكَ. لَكِنْ فِي جَوَازِ إقْدَامِ الْحَاكِمِ عَلَى الْحُكْمِ بِذَلِكَ مَنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لَهُ بِفِعْلِ مُحَرَّمٍ. لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ. انْتَهَى فَوَائِدُ

الْأُولَى: قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: مَتَى عَلِمَ الْبَيِّنَةَ كَاذِبَةً: لَمْ يَنْفُذْ. وَإِنْ بَاعَ مَالَهُ فِي دَيْنٍ ثَبَتَ بَيِّنَةُ زُورٍ، فَفِي نُفُوذِهِ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: هَلْ يُبَاحُ لَهُ بِالْحُكْمِ مَا اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَفِي حِلِّ مَا أَخَذَهُ وَغَيْرُهُ بِتَأْوِيلٍ، أَوْ مَعَ جَهْلِهِ: رِوَايَتَانِ. وَإِنْ رَجَعَ الْمُتَأَوِّلُ، فَاعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ: رِوَايَتَانِ. بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ قَبْلَ بُلُوغِ الْخِطَابِ. قَالَ: وَأَصَحُّهُمَا حِلُّهُ. كَالْحَرْبِيِّ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَأَوْلَى. وَجَعَلَ مِنْ ذَلِكَ: وَضْعُ طَاهِرٍ فِي اعْتِقَادِهِ فِي مَائِعٍ لِغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: إنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَعَامَلَ بِرِبًا جَاهِلًا: رَدَّهُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَيُحَدُّ لِزِنًا.

الثَّانِيَةُ: مَنْ حُكِمَ لَهُ بِبَيِّنَةِ زُورٍ بِزَوْجِيَّةِ امْرَأَةٍ: حَلَّتْ لَهُ حُكْمًا.

ص: 313

فَإِنْ وَطِئَ مَعَ الْعِلْمِ: فَكَزِنًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا حَدَّ. وَيَصِحُّ نِكَاحُهَا لِغَيْرِهِ، خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ. وَإِنْ حُكِمَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا بِشُهُودِ زُورٍ فَهِيَ زَوْجَتُهُ بَاطِنًا. وَيُكْرَهُ لَهُ اجْتِمَاعُهُ بِهَا ظَاهِرًا، خَوْفًا مِنْ مَكْرُوهٍ يَنَالُهُ. وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا غَيْرَهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ الْحَالَ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: إنْ انْفَسَخَ بَاطِنًا جَازَ. وَكَذَا قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ: تَحِلُّ لِلزَّوْجِ الثَّانِي. وَتَحْرُمُ عَلَى الْأَوَّلِ بِهَذَا الْحُكْمِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.

الثَّالِثَةُ: لَوْ رَدَّ الْحَاكِمُ شَهَادَةَ وَاحِدٍ بِرَمَضَانَ: لَمْ يُؤَثِّرْ كَمِلْكٍ مُطْلَقٍ، وَأَوْلَى. لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِحُكْمِهِ فِي عِبَادَةٍ وَوَقْتٍ. وَإِنَّمَا هُوَ فَتْوَى. فَلَا يُقَالُ: حُكِمَ بِكَذِبِهِ، أَوْ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ. وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّ لَهُ مَدْخَلًا، فَهُوَ مَحْكُومٌ بِهِ فِي حَقِّهِ مِنْ رَمَضَانَ، فَلَمْ يُغَيِّرْهُ حُكْمٌ. وَلَمْ تُؤَثِّرْ شُبْهَةٌ. لِأَنَّ الْحُكْمَ يُغَيَّرُ إذَا اعْتَقَدَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حُكْمٌ. وَهَذَا يَعْتَقِدُ خَطَأَهُ، كَمُنْكِرَةِ نِكَاحِ مُدَّعٍ تَيَقُّنَهُ، فَشَهِدَ لَهُ فَاسِقَانِ، فَرُدَّا. ذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: رَدُّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ هُنَا. لِتَوَقُّفِهِ فِي الْعَدَالَةِ. وَلِهَذَا لَوْ ثَبَتَ حُكْمٌ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: أُمُورُ الدِّينِ وَالْعِبَادَاتِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَحْكُمُ فِيهَا إلَّا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إجْمَاعًا. وَذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّ إثْبَاتَ سَبَبِ الْحُكْمِ كَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَالزَّوَالُ: لَيْسَ بِحُكْمٍ. فَمَنْ لَمْ يَرَهُ سَبَبًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ.

ص: 314

وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَغَيْرُهُ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ: أَنَّهُ حُكْمٌ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ الْوَاحِدُ بِرُؤْيَةٍ كَالْبَعْضِ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ: لَا يَلْزَمُهُ نَقْضُهُ لِيُنْفِذَهُ: لَزِمَهُ تَنْفِيذُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَزِمَهُ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَزِمَهُ ذَلِكَ. قُلْت: مَعَ عَدَمِ نَصِّ مُعَارَضَةٍ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ تَنْفِيذُهُ إنْ لَمْ يَرَهُ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ نَفْسُ الْحُكْمِ مُخْتَلَفًا فِيهِ، كَحُكْمِهِ بِعِلْمِهِ، وَنُكُولِهِ، وَشَاهِدٍ وَيَمِينٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: فَإِنْ كَانَ الْمُخْتَلِفُ فِيهِ نَفْسُ الْحُكْمِ: لَمْ يَلْزَمْهُ تَنْفِيذُهُ، إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ آخَرُ قَبْلَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: الْحُكْمُ بِالنُّكُولِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ هُوَ الْمَذْهَبُ. فَكَيْفَ لَا يَلْزَمُهُ تَنْفِيذُهُ عَلَى قَوْلِ الْمُحَرَّرِ؟ إذْ لَوْ كَانَ أَصْلُ الدَّعْوَى عِنْدَهُ: لَزِمَهُ الْحُكْمُ بِهَا. وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ ذَلِكَ وَهُوَ عَدَمُ لُزُومِ التَّنْفِيذِ لِحُكْمٍ مُخْتَلِفٍ فِيهِ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ الَّذِي رَفَعَ إلَيْهِ الْحُكْمَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ لَا يَرَى صِحَّةَ الْحُكْمِ كَالْحُكْمِ بِعِلْمِهِ.

ص: 315

لِأَنَّ التَّنْفِيذَ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ الْمُنَفَّذِ. إذَا كَانَ لَا يَرَى صِحَّتَهُ: لَمْ يَلْزَمْهُ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ. انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: إذَا صَادَفَ حُكْمَهُ مُخْتَلَفًا فِيهِ لَمْ يَعْلَمْهُ وَلَمْ يَحْكُمْ فِيهِ: جَازَ نَقْضُهُ.

الْخَامِسَةُ: قَالَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ هُنَا: نَفْسُ الْحُكْمِ فِي شَيْءٍ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِصِحَّةِ الْحُكْمِ فِيهِ، لَكِنْ لَوْ نَفَذَهُ حَاكِمٌ آخَرُ: لَزِمَهُ إنْفَاذُهُ. لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ صَارَ مَحْكُومًا بِهِ، فَلَزِمَ تَنْفِيذُهُ كَغَيْرِهِ. قَالَ شَيْخُنَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ قُنْدُسٍ الْبَعْلِيُّ رحمه الله: قَدْ فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ: أَنَّ التَّنْفِيذَ حُكْمٌ. لِأَنَّهُ قَالَ " لَوْ نَفَّذَهُ حَاكِمٌ آخَرُ لَزِمَهُ تَنْفِيذُهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ صَارَ مَحْكُومًا بِهِ. وَإِنَّمَا صَارَ مَحْكُومًا بِهِ بِالتَّنْفِيذِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ، وَإِنَّمَا نَفَّذَهُ " فَجَعَلَ التَّنْفِيذَ حُكْمًا. وَكَذَلِكَ فَسَّرَ التَّنْفِيذَ بِالْحُكْمِ فِي شَرْحِ الْمُقْنِعِ الْكَبِيرِ. فَإِنَّهُ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَهَلْ يُنَفِّذُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

إحْدَاهُمَا: يُنَفِّذُهُ. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ حُكْمُ حَاكِمٍ لَمْ يَعْلَمْهُ. فَلَمْ يَجُزْ إنْفَاذُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَحْكُمُ بِهِ. فَفَسَّرَ رِوَايَةَ التَّنْفِيذِ بِالْحُكْمِ. لَكِنْ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ: مَا إذَا ادَّعَى أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ لَهُ بِحَقٍّ، فَذَكَرَ الْحَاكِمُ حُكْمَهُ: أَمْضَاهُ. وَأَلْزَمَ خَصْمَهُ بِمَا حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ. وَلَيْسَ هَذَا حُكْمًا بِالْعِلْمِ وَإِنَّمَا هُوَ إمْضَاءٌ لِحُكْمِهِ السَّابِقِ. فَصَرَّحَ: أَنَّهُ لَيْسَ حُكْمًا، مَعَ أَنَّ رِوَايَةَ التَّنْفِيذِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي فَسَّرَهَا بِالْحُكْمِ: إنَّمَا هِيَ إمْضَاءٌ لِحُكْمِهِ الَّذِي وَجَدَهُ فِي قِمْطَرِهِ فَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

ص: 316

وَقَدْ ذَكَرُوا فِي السِّجِلِّ: أَنَّهُ لِإِنْفَاذِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَالْحُكْمِ بِهِ. وَإِنَّمَا يُكْتَبُ. " وَأَنَّ الْقَاضِيَ أَمْضَاهُ وَحَكَمَ بِهِ عَلَى مَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي مِثْلِهِ. وَنَفَّذَهُ، وَأَشْهَدَ الْقَاضِي فُلَانٌ عَلَى إنْفَاذِهِ وَحُكْمِهِ وَإِمْضَائِهِ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ الشُّهُودِ ". فَذَكَرُوا الْإِنْفَاذَ وَالْحُكْمَ وَالْإِمْضَاءَ. وَذَكَرُوا أَنَّهُ يُكْتَبُ عَلَى كُلِّ نُسْخَةٍ مِنْ النُّسْخَتَيْنِ: أَنَّهَا حُجَّةٌ فِيمَا أَنْفَذَهُ فِيهَا. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِنْفَاذَ حُكْمٌ. لِأَنَّهُمْ اكْتَفَوْا بِهِ عَنْ الْحُكْمِ وَالْإِمْضَاءِ، وَالْمُرَادُ: الْكُلُّ. انْتَهَى كَلَامُ شَيْخِنَا. وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَتَعَرَّضْ الْأَصْحَابُ لِلتَّنْفِيذِ: هَلْ هُوَ حُكْمٌ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ. لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْمَحْكُومِ بِهِ تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ. وَهُوَ مُحَالٌ. وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ بِالْحُكْمِ وَإِمْضَاءٌ لَهُ. كَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ، وَإِجَازَةٌ لَهُ. فَكَأَنَّهُ يُجِيزُ هَذَا الْمَحْكُومَ بِهِ بِعَيْنِهِ لِحُرْمَةِ الْحُكْمِ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَحْكُومُ بِهِ مِنْ جِنْسٍ غَيْرِ جَائِزٍ عِنْدَهُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لِأَنَّ التَّنْفِيذَ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ الْمُنَفَّذِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ " هَلْ الثُّبُوتُ حُكْمٌ أَمْ لَا؟ "

السَّادِسَةُ: لَوْ رَفَعَ إلَيْهِ خَصْمَانِ عَقْدًا فَاسِدًا عِنْدَهُ فَقَطْ، وَأَقَرَّا بِأَنَّ نَافِذَ الْحُكْمِ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ: فَلَهُ إلْزَامُهُمَا ذَلِكَ وَرَدُّهُ، وَالْحُكْمُ بِمَذْهَبِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: قَدْ يُقَالُ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ كَالْبَيِّنَةِ. ثُمَّ ذَكَرَ: أَنَّهُ كَالْبَيِّنَةِ إنْ عَيَّنَا الْحَاكِمَ.

ص: 317

السَّابِعَةُ: لَوْ قَلَّدَ فِي صِحَّةِ نِكَاحٍ: لَمْ يُفَارِقْ بِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ، كَحُكْمٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: بَلَى، كَمُجْتَهِدٍ نَكَحَ ثُمَّ رَأَى بُطْلَانَهُ. فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ. وَقِيلَ: مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ. وَلَا يَلْزَمُهُ إعْلَامُهُ بِتَغَيُّرِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.

الثَّامِنَةُ: لَوْ بَانَ خَطَؤُهُ فِي إتْلَافٍ بِمُخَالَفَةِ دَلِيلٍ قَاطِعٍ: ضَمِنَ، لَا مُسْتَفْتِيه. وَفِي تَضْمِينِ مُفْتٍ لَيْسَ أَهْلًا: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي كِتَابِهِ " أَدَبِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي " أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله فِي " إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ " فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ: وَلَمْ أَعْرِفْ هَذَا الْقَوْلَ لِأَحَدٍ قَبْلَ ابْنِ حَمْدَانَ. ثُمَّ قَالَ: قُلْت خَطَأُ الْمُفْتِي خَطَأُ الْحَاكِمِ أَوْ الشَّاهِدِ.

التَّاسِعَةُ: لَوْ بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ كُفْرُ الشُّهُودِ، أَوْ فِسْقُهُمْ: لَزِمَهُ نَقْضُهُ. وَيَرْجِعُ بِالْمَالِ، أَوْ بَدَلَهُ، وَبَدَلَ قَوَدٍ مُسْتَوْفِي عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ. وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ لِلَّهِ بِإِتْلَافٍ حِسِّيٍّ، أَوْ بِمَا سَرَى إلَيْهِ: ضَمِنَهُ مُزَكُّونَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ: يَضْمَنُهُ الْحَاكِمُ. لِعَدَمِ مُزَكٍّ وَفِسْقِهِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ أَيَّهمَا شَاءَ. وَإِقْرَارٌ عَلَى مُزَكٍّ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يَضْمَنُهُ الشُّهُودُ. وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نَقْضُ حُكْمِهِ بِفِسْقِهِمَا إلَّا بِثُبُوتِهِ بِبَيِّنَةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ حُكْمٌ يَعْلَمُهُ فِي عَدَالَتِهِمَا، أَوْ بِظَاهِرِ عَدَالَةِ الْإِسْلَامِ.

ص: 318

وَيُمْنَعُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ جَازَ فِي الثَّانِيَةِ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ فَإِنْ وَافَقَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ عَلَى مَا ذُكِرَ: رَدَّ مَالًا أَخَذَهُ وَنَقَضَ الْحُكْمَ بِنَفْسِهِ دُونَ الْحَاكِمِ. وَإِنْ خَالَفَهُ فِيهِ: غَرِمَ الْحَاكِمُ. وَأَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ: إذَا بَانَ لَهُ فِسْقُهُمَا وَقْتَ الشَّهَادَةِ، وَأَنَّهُمَا كَانَا كَاذِبَيْنِ: نُقِضَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ تَنْفِيذُهُ. وَأَجَابَ أَبُو الْوَفَاءِ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ. وَعَنْهُ: لَا يُنْقَضُ لِفِسْقِهِمْ. وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: أَنَّهُ الْأَظْهَرُ. فَلَا ضَمَانَ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: يَضْمَنُ الشُّهُودُ. انْتَهَى. وَإِنْ بَانُوا عَبِيدًا، أَوْ وَالِدًا، أَوْ وَلَدًا، أَوْ عَدُوًّا. فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ يَرَى الْحُكْمَ بِهِ: لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ. وَإِنْ كَانَ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِهِ: نَقَضَهُ وَلَا يَنْفُذُ. لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ: إذَا حَكَمَ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ، ثُمَّ ارْتَابَ فِي شَهَادَتِهِ: لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي حُكْمِهِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: تَحَرَّرَ فِيمَا إذَا كَانَ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: لُزُومُ النَّقْضِ، وَجَوَازُهُ، وَعَدَمُ جَوَازِ نَقْضِهِ، كَمَا هُوَ مُقْتَضَى مَا فِي الْإِرْشَادِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: مَنْ حَكَمَ بِقَوَدٍ، أَوْ حَدٍّ بِبَيِّنَةٍ، ثُمَّ بَانُوا عَبِيدًا: فَلَهُ نَقْضُهُ إذَا كَانَ لَا يَرَى قَبُولَهُمْ فِيهِ. قَالَ: وَكَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ صَادِقٌ، مَا حَكَمَ فِيهِ وَجَهْلُهُ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْإِرْشَادِ: أَنَّهُ إذَا حَكَمَ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ بِمَا لَا يَرَاهُ مَعَ عِلْمِهِ: لَا يُنْقَضُ.

ص: 319

فَعَلَى الْأَوَّلِ: إنْ شَكَّ فِي رَأْيِ الْحَاكِمِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ " إذَا شَكَّ هَلْ عَلِمَ الْحَاكِمُ بِالْمُعَارِضِ، كَمَنْ حَكَمَ بِبَيِّنَةِ خَارِجٍ، وَجَهِلَ عِلْمَهُ بِبَيِّنَةِ دَاخِلٍ: لَمْ يُنْقَضْ؟ ".

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ وَمِمَّا ذَكَرُوا فِي نَقْضِ حُكْمِ الْحَاكِمِ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي نَقْضِ حُكْمِ الْحَاكِمِ عِلْمُ الْحَاكِمِ بِالْخِلَافِ، خِلَافًا لِمَالِكٍ رحمه الله وَإِنْ قَالَ: عَلِمْت وَقْتَ الْحُكْمِ أَنَّهُمَا فَسَقَةٌ، أَوْ زُورٌ، وَأَكْرَهَنِي السُّلْطَانُ عَلَى الْحُكْمِ بِهِمَا، فَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: إنْ أَضَافَ فِسْقَهُمَا إلَى عِلْمِهِ: لَمْ يَجُزْ لَهُ نَقْضُهُ. وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى غَيْرِ عِلْمِهِ: افْتَقَرَ إلَى بَيِّنَةٍ بِالْإِكْرَاهِ. وَيُحْتَمَلُ: لَا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْوَفَاءِ: إنْ قَالَ " كُنْت عَالِمًا بِفِسْقِهِمَا " يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا وَجَدْته.

ص: 320