المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رابعا مواقفه الجهادية - شرح العقيدة الأصفهانية

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌ترجمة المصنف

- ‌أوّلا اسمه ونسبه ومولده

- ‌ثانيا نشأته، وبداية حياته العلمية

- ‌ثالثا بعض الصفات التي اتصف بها

- ‌أ- صفاته الخلقية:

- ‌ب- صفاته الخلقية:

- ‌1 - كرمه:

- ‌2 - قوته وشجاعته:

- ‌3 - زهده وتواضعه:

- ‌رابعا مواقفه الجهادية

- ‌خامسا محنته ووفاته- رحمه الله

- ‌سادسا مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌سابعا مؤلفاته وآثاره

- ‌ثامنا شيوخه وتلاميذه

- ‌[المدخل]

- ‌[مذهب السلف في الأسماء والصفات]

- ‌فصل [الرد على من نفى بعض صفات الله تعالى]

- ‌فصل [تميز أهل السنة والجماعة عن الكفار والمبتدعين]

- ‌فصل [الرد على نفاة الصفات]

- ‌فصل [الدليل على علم الله تعالى]

- ‌فصل [الدليل على قدرة الله تعالى]

- ‌فصل [الدليل على أنه سبحانه حي]

- ‌فصل [إثبات صفتي العلو والكلام والرد على النفاة]

- ‌[مذهب أهل الحديث في الصفات وذكر الآيات الدالة على ذلك]

- ‌[ذكر الأحاديث الدالة على الصفات]

- ‌فصل [طريقة إثبات السلف والأئمة لكلام الله سبحانه والرد على المشبهة]

- ‌فصل [طرق أخرى في إثبات كونه سبحانه متكلما]

- ‌فصل [إثبات كون الله تعالى سميعا بصيرا]

- ‌فصل [الدليل على نبوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [طرق دلالة المعجزة على الصدق]

- ‌فصل [مسألة التحسين والتقبيح العقليين]

- ‌فصل [دلائل نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [التصديق بما أخبر به النبيّ صلى الله عليه وسلم من الأمور الغيبية]

- ‌[الفصل الاول]

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس

- ‌الفصل السابع

الفصل: ‌رابعا مواقفه الجهادية

الموضع ذهبا وأنفقته ما أديت عشر هذه النعمة التي أنا فيها». اه «1» .

‌3 - زهده وتواضعه:

مع ما منح الله شيخ الإسلام من سعة العلم، وقوة الشخصية وعلو المكانة، مع هذا كله فقد كان في غاية التواضع، والإزراء على النفس، كان زاهدا قانعا بما في يده، لم يتطلع في يوم من الأيام إلى منصب أو جاه، ولم تكن الدنيا في عينه تساوي شيئا وقد رضي منها بالقليل، واكتفى بما يغنيه عن الناس، ويسد حاجته، وربما اكتفى بشيء من الخبز يأكله في الصبح وفي المساء، حتى قال عنه زين الدين الواسطي وقد أقام مع الشيخ: «وكنت أسأله أن يزيد على أكله فلا يفعل، حتى أني كنت في نفسي أتوجع له من قلة أكله

» «2» .

وقال الحافظ البزار: «وأما تواضعه فما رأيت ولا سمعت بأحد من أهل عصره مثله في ذلك، كان يتواضع للكبير والصغير، والجليل والحقير، والغني الصالح والفقير، وكان يدني الفقير الصالح ويكرمه ويؤنسه ويباسطه بحديثه المستحلي زيادة على مثله من الأغنياء، حتى إنه ربما خدمه بنفسه، وأعانه بحمل حاجته، جبرا لقلبه، وتقربا بذلك إلى ربه

» ثم ذكر أنه لا يسأم ممن يسأله ويستفتيه مهما كان «3» .

وقال أيضا في وصف الشيخ: «ولقد اتفق كل من رآه خصوصا من أطال ملازمته، أنه ما رأى مثله في زهده في الدنيا، حتى لقد صار ذلك مشهورا بحيث قد استقر في قلب القريب والبعيد من كل من سمع بصفاته على وجهها، بل لو سئل عامي من أهل بلد بعيد من الشيخ: من كان أزهد أهل هذا العصر، وأكملهم في رفض فضول الدنيا، وأحرصهم على طلب الآخرة؟ لقال: ما سمعت بمثل ابن تيمية

» «4» .

‌رابعا مواقفه الجهادية

لم يكن شيخ الإسلام عالما يصدر الفتاوى، ويؤلف الكتب، ويجلس للطلاب في حلقات العلم فحسب، ولم يكن يعيش في معزل عن مجتمعه، بعيدا

(1) ناحية من حياة شيخ الإسلام لإبراهيم بن أحمد الغياني ص 30، 32.

(2)

الأعلام العلية ص 48.

(3)

المصدر السابق ص 48 - 49.

(4)

المصدر السابق ص 44 - 45.

ص: 13

عن واقعه، لا يعلم ما يدور حوله، بل عايشه بقلبه وقالبه. وإذا قضى حياته مجاهدا بقلمه ولسانه، فقد كان من حملة السيف، وأبطال المعارك، ترجم علمه بعمله، وقوله بفعله، ولنأخذ أنموذجا وموقفا من مواقفه الجهادية التي خاض غمارها وشق غبارها، ومن خلالها يمكن أن نستشف ما كان يتمتع به هذا الرجل من روح جهادية، خلدت اسمه ورفعت شأنه.

عاش شيخ الإسلام عصرا محموما يعج بالفتن والقلاقل كانت الأمة الإسلامية فيه مليئة بالأحداث الجسام والمصائب المتلاحقة، تعيش تمزقا لم يسبق له مثيل، فما كادت الحملات الصليبية تنتهي، إلا وفجعت أمة الإسلام بالجيش التتري الغاشم يجتاح العالم الإسلامي، ويأتي على الرطب واليابس، وأصبحت ممالك المسلمين تتساقط في أيديهم الواحدة تلو الأخرى. وهم يعيثون فيها خرابا، وسلبا ونهبا، وأسرا وقتلا، حتى أتوا على حاضرة العالم الإسلامي «بغداد» وطوقوها عام 656 هـ وسقطت في أيديهم بعد أن قتلوا الخليفة العباسي «المستعصم» وما صاحب ذلك من سفك الدماء ودمار شامل لم يعرف التاريخ له نظيرا «1» .

وبهذا أصبح شبح التتار يثير الرعب في نفوس المسلمين وترتعد له القلوب خوفا ورهبا.

وفي سنة 699 هـ عزم «قازان» حاكم التتار على غزو الشام- وسبقت الإشارة إلى موقف شيخ الإسلام من هذا ومقابلته قازان، ورجوع الأخير عن عزمه- «2» .

وفي رجب سنة 702 هـ شاعت الأخبار بعزم التتار على دخول بلاد الشام، فأصاب الناس ذعر وهلع وخوف شديد، وبدءوا في الخروج إلى الديار المصرية، وهنا يبرز أثر الشيخ فيقف ويهدّئ الناس ويطمئنهم ويعدهم النصر، ويحثهم على الجهاد، ويأمرهم بالصبر والمصابرة، ويكثر من الابتهال إلى الله والتضرع إليه.

وفي هذه الأثناء سار إلى السلطان وحثه على قتال التتار فأجابه إلى ذلك، وكان يحلف للأمراء والناس أنهم لمنصورون، فيقول له الأمراء: قل: إن شاء الله، فيقول: إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا. وكان يتلو بعض الآيات في ذلك.

وقد حصل عند الناس شبهة، وتردد في قتالهم، على أي شيء يقاتلون!

(1) انظر تفصيل ذلك في: البداية والنهاية (13/ 200 - 204)، سير أعلام النبلاء (23/ 181 - 183)، دول الإسلام للذهبي ص 360 - 362.

(2)

انظر: «شجاعة شيخ الإسلام وقوته» .

ص: 14

فإن الظاهر منهم هو الإسلام. فسارع شيخ الإسلام وأزال هذه الشبهة وأوضح للناس أنهم من قبيل الخوارج الذين قاتلهم الصحابة- رضي الله عنهم وقال لهم بكل قوة وعزيمة: «إذا رأيتموني من ذلك الجانب- أي في جانب التتار- وعلى رأسي مصحف فاقتلوني» . اه وبهذا زال ما وجد لدى بعض الناس وقويت عزائمهم.

وطلب منه السلطان أن يقف معه في المعركة، فقال له الشيخ:«السنّة أن يقف الرجل تحت راية قومه، ونحن مع جيش الشام لا نقف إلا معهم» .

وأفتى الناس بالفطر مدة قتالهم، وليكون هذا أقبل للنفوس أوضح هذا عمليّا، فكان يدور على الأمراء والجند، ويأكل من شيء معه في يده.

ويقول: «إن الفطر أقوى لكم» ويتأول فعل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح حيث أصبح مفطرا.

وابتدأت المعركة، وكانت الدائرة في النهاية للمسلمين، وأعز الله جنده.

وكان لشيخ الإسلام فيها أعظم المواقف، وهي ما عرفت في التاريخ باسم «معركة شقحب» «1» .

يقول ابن عبد الهادي في ذكر بعض مواقف الشيخ البطولية في هذه المعركة:

«ولقد أخبرني أمير من أمراء الشاميين ذو دين متين، وصدق لهجة معروف في الدولة قال: قال لي الشيخ- يعني شيخ الإسلام- يوم اللقاء، وقد تراءى الجمعان:

يا فلان أوقفني موقف الموت. قال: فسقته إلى مقابلة العدو، وهم منحدرون كالسيل، تلوح أسلحتهم من تحت الغبار المنعقد عليهم.

ثم قلت له: يا سيدي، هذا موقف الموت، وهذا العدو، وقد أقبل تحت هذه الغبر، فدونك وما تريد

إلى أن قال: ثم حال القتال بيننا والالتحام، وما عدت رأيته، حتى فتح الله ونصر

قال: وإذا أنا بالشيخ وأخيه يصيحان بأعلى صوتيهما، تحريضا على القتال، وتخويفا للناس من الفرار. اه «2» .

وبهذا تبوأ ابن تيمية منزلة جهادية لا يستهان بها، وكان له الأثر الواضح في ميدان المعارك تنبئ عن هذا الإمام بأنه ليس إمام قلم فقط بل إمام قلم وسيف، وإنه رجل المواقف.

(1) انظر تفصيل هذه المعركة في: البداية والنهاية (14/ 23 - 27)، دول الإسلام ص 399 - 400، العقود الدرية ص 175 - 177، ذيل مرآة الزمان لليونيني (1/ 85).

(2)

العقود الدرية ص 177 - 178.

ص: 15