الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترجمة المصنف
«1»
أوّلا اسمه ونسبه ومولده
هو: شيخ الإسلام، تقي الدين أبو العباس، أحمد ابن الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين عبد الحليم، ابن الإمام العلامة مجد الدين أبي البركات عبد السلام ابن أبي محمد عبد الله، ابن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحرّاني.
وتيمية: يقال إنها أم جده محمد، وكانت واعظة، فنسب إليها، وعرف بها، ولهذا أطلق على هذه الأسرة «آل تيمية» .
ولد شيخ الإسلام بحران، يوم الاثنين عاشر، أو ثاني عشر ربيع الأول سنة 661 هـ.
وبعد أن هجم التتار على بلده وعاثوا فيها فسادا سافر به والده مع إخوته إلى الشام فوصل دمشق سنة 667 هـ، واستقر بها.
ثانيا نشأته، وبداية حياته العلمية
نشأ شيخ الإسلام في بيت علم، ودين، فقد كان جده الشيخ مجد الدين أبو البركات من كبار علماء الحنابلة، وفقهاء مصر، تفقه على يد عمه فخر الدين الخطيب. قال عنه شيخ الإسلام:«كان الشيخ جمال الدين ابن مالك يقول: ألين للشيخ المجد الفقه كما ألين لداود الحديد» وقال أيضا: «كان جدنا عجبا في سرد المتون وحفظ مذاهب الناس وإيرادها بلا كلفة» اه، وقال عنه الذهبي: «تفقه،
(1) انظر مقدمة كتاب الفتوى الحموية الكبرى لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، تحقيق الشيخ حمد التويجري حفظه الله تعالى ونفع بعلومه.
وبرع واشتغل، وصنف التصانيف، وانتهت إليه الإمامة في الفقه
…
».
من أهم مصنفاته «المنتقى من أحاديث الأحكام» الذي شرحه الشوكاني في كتابه «نيل الأوطار» ومن مؤلفاته «الأحكام الكبرى» في عدة مجلدات «1» .
أما والده شهاب الدين عبد الحليم بن عبد السلام فقد سمع من والده مجد الدين أبي البركات، ورحل في صغره إلى حلب وسمع هناك من عدد من المشايخ، قال عنه الذهبي: «قرأ المذهب حتى أتقنه على والده، وأفتى وصنف، وصار شيخ البلد بعد أبيه وخطيبه وحاكمه، وكان إماما محققا لما ينقله، كثير الفوائد، جيد المشاركة في العلوم، له يد طولى في الفرائض
…
» وقال عنه البرزاني: «كان من أعيان الحنابلة، عنده فضائل وفنون، وباشر بدمشق مشيخة دار الحديث السكرية بالقضاعيين وبها كان يسكن، وكان له كرسي بالجامع يتكلم عليه أيام الجمع من حفظه» اه «2» .
وممن اشتهر بالعلم والعبادة والزهد من هذه الأسرة إخوة الشيخ وهم ثلاثة:
أخوه: شرف الدين عبد الله «3» . وزين الدين عبد الرحمن «4» وأخوه لأمه:
بدر الدين محمد «5» .
أما والدة الشيخ فهي: ست النعم بنت عبد الرحمن بن علي بن عبدوس الحرانية «6» .
فمن هذا البيت المبارك، والأسرة الصالحة خرج شيخ الإسلام فنشأ وتربى في حجر والده، وبدأ في طلب العلم مبكرا، وكانت علامات النجابة والفطنة تظهر عليه منذ حداثة سنه، ونعومة أظفاره، وكان مفرط الذكاء، «ذكر ابن عبد الهادي أن أحد علماء حلب قدم من دمشق وقال: سمعت في البلاد بصبي يقال له: أحمد بن تيمية، وأنه سريع الحفظ، وقد جئت قاصدا لعلي أراه. فقال له خياط: هذه طريق كتّابه، وهو إلى الآن ما جاء، فاقعد عندنا، الساعة يجيء يعبر علينا ذاهبا إلى الكتّاب. فجلس الشيخ الحلبي قليلا، فمر صبيان، فقال الخياط للحلبي: فذاك
(1) انظر: السير (23/ 291)، البداية والنهاية (13/ 185)، ذيل طبقات الحنابلة (4/ 249)، شذرات الذهب (5/ 257).
(2)
انظر: العبر للذهبي (3/ 349)، ذيل طبقات الحنابلة (4/ 310).
(3)
انظر: ذيل طبقات الحنابلة (4/ 382)، شذرات الذهب (6/ 76).
(4)
انظر: البداية والنهاية (14/ 220)، شذرات الذهب (6/ 152).
(5)
انظر: ذيل طبقات الحنابلة (4/ 370)، شذرات الذهب (6/ 45).
(6)
انظر: البداية والنهاية (14/ 79).
الصبي الذي معه اللوح الكبير هو أحمد بن تيمية، فناداه الشيخ فجاء إليه، فناول الشيخ اللوح، فنظر فيه، ثم قال: يا ولدي امسح هذا حتى أملي عليك شيئا تكتبه، ففعل فأملى عليه من متون الأحاديث أحد عشر، أو ثلاثة عشر حديثا، وقال له:
اقرأ هذا، فلم يزد على أن تأمله مرة بعد كتابته إياه ثم دفعه إليه، وقال: اسمعه عليّ، فقرأ عليه عرضا كأحسن ما أنت سامع، فقال له: يا ولدي امسح هذا، ففعل. فأملى عليه عدة أسانيد انتخبها ثم قال: اقرأ هذا، فنظر فيه كما فعل أول مرة فقام الشيخ وهو يقول: إن عاش هذا الصبي ليكونن له شأن عظيم، فإن هذا لم ير مثله. أو كما قال» اه «1» .
حفظ القرآن في سنّ مبكرة ثم أكب على طلب العلم. فدرس على والده، وبعض مشايخ عصره «2» ، ولم يتجه إلى فن معين بل درس الحديث وسمع المسانيد، والكتب الستة، وبعض المعاجم، وأقبل على التفسير، وعلم الفقه والأصول، إضافة إلى علم اللغة.
وقد جلس للإفتاء وعمره تسع عشرة سنة، وخلف والده في التدريس بدار الحديث السكرية وعمره اثنتان وعشرون سنة بعد أن توفي والده سنة 682 هـ، وجلس الشيخ للتدريس في الثاني من شهر الله المحرم سنة 683 هـ، وقد حضر درسه الأول كبار علماء دمشق، يقول ابن كثير واصفا هذا الدرس: «
…
وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدين ابن الزكي الشافعي، والشيخ تاج الدين الفزاري شيخ الشافعية، والشيخ زين الدين ابن المرحل، وزين الدين ابن المنجى الحنبلي، وكان درسا هائلا، وقد كتبه الشيخ تاج الدين الفزاري بخطه لكثرة فوائده، وكثرة ما استحسنه الحاضرون. وقد أطنب الحاضرون في شكره على حداثة سنّه وصغره، فإنه كان عمره إذ ذاك عشرين سنة وسنتين
…
» «3» .
وأيضا في اليوم العاشر من شهر صفر من هذه السنة جلس للتفسير في الجامع الأموي بعد صلاة الجمعة، وقد استمر هذا الدرس سنين طويلة، وكان يحضره الجمع الغفير من الناس.
وقال الإمام الذهبي: «نشأ- يعني الشيخ تقي الدين- رحمه الله في تصون تام، وعفاف وتأله وتعبد، واقتصاد في الملبس والمأكل، وكان يحضر المدارس
(1) العقود الدرية ص 4.
(2)
وسيأتي ذكرهم في تعداد شيوخه وتلاميذه.
(3)
البداية والنهاية (13/ 303).