المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [إثبات صفتي العلو والكلام والرد على النفاة] - شرح العقيدة الأصفهانية

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌ترجمة المصنف

- ‌أوّلا اسمه ونسبه ومولده

- ‌ثانيا نشأته، وبداية حياته العلمية

- ‌ثالثا بعض الصفات التي اتصف بها

- ‌أ- صفاته الخلقية:

- ‌ب- صفاته الخلقية:

- ‌1 - كرمه:

- ‌2 - قوته وشجاعته:

- ‌3 - زهده وتواضعه:

- ‌رابعا مواقفه الجهادية

- ‌خامسا محنته ووفاته- رحمه الله

- ‌سادسا مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌سابعا مؤلفاته وآثاره

- ‌ثامنا شيوخه وتلاميذه

- ‌[المدخل]

- ‌[مذهب السلف في الأسماء والصفات]

- ‌فصل [الرد على من نفى بعض صفات الله تعالى]

- ‌فصل [تميز أهل السنة والجماعة عن الكفار والمبتدعين]

- ‌فصل [الرد على نفاة الصفات]

- ‌فصل [الدليل على علم الله تعالى]

- ‌فصل [الدليل على قدرة الله تعالى]

- ‌فصل [الدليل على أنه سبحانه حي]

- ‌فصل [إثبات صفتي العلو والكلام والرد على النفاة]

- ‌[مذهب أهل الحديث في الصفات وذكر الآيات الدالة على ذلك]

- ‌[ذكر الأحاديث الدالة على الصفات]

- ‌فصل [طريقة إثبات السلف والأئمة لكلام الله سبحانه والرد على المشبهة]

- ‌فصل [طرق أخرى في إثبات كونه سبحانه متكلما]

- ‌فصل [إثبات كون الله تعالى سميعا بصيرا]

- ‌فصل [الدليل على نبوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [طرق دلالة المعجزة على الصدق]

- ‌فصل [مسألة التحسين والتقبيح العقليين]

- ‌فصل [دلائل نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [التصديق بما أخبر به النبيّ صلى الله عليه وسلم من الأمور الغيبية]

- ‌[الفصل الاول]

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس

- ‌الفصل السابع

الفصل: ‌فصل [إثبات صفتي العلو والكلام والرد على النفاة]

‌فصل [إثبات صفتي العلو والكلام والرد على النفاة]

كثير من النظار كابن كلاب وموافقيه كالأشعري «1» وأكثر متبعيه من أهل الكلام والرأي والحديث والتصوف من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم كالقاضي أبي يعلى «2» وأبي المعالي الجويني «3» وأبي الوليد الباجي «4» ، وأبي منصور الماتريدي وغيرهم يقولون إنه يعلم المعلومات كلها بعلم واحد بالعين، ويريد المرادات كلها بإرادة واحدة بالعين بل يقولون إن كلامه الذي يتضمن كل أمر أمر به، وكل خبر أخبر به هو أيضا واحد بالعين، وإن كان جمهور العقلاء يقولون إن فساد هذا معلوم بالضرورة بعد التصور التام، ثم تنازع القائلون بهذا الأصل هل كلامه معنى فقط والقرآن العربي لم يتكلم به ولا بالتوراة العبرانية، ولا تكلم بشيء من الحروف أو الحروف والأصوات التي نزل بها القرآن وغيره وهي قديمة أزلية على قولين.

ومن القائلين بقدم أعيان الحروف أو الحروف والأصوات من لا يقول هي واحدة بالعين بل يقول هي متعددة، وإن كانت لا نهاية لها ويقول ثبوت حروف أو حروف معان لا نهاية لها في آن واحد وإنها لم تزل ولا تزال، ومن القائلين بقدم معنى الكلام وأنه لم يتكلم بحروف من يقول القديم خمسة معان، ومنهم من يقول: ذلك المعنى يعود إلى الخبر ويجعل الأمر داخلا في معنى الخبر ومنهم من يرد الخبر إلى العلم ومنهم من يقول مع ذلك إن العلم ليس صفة قائمة بالعلم.

(1) تقدمت ترجمته.

(2)

تقدمت ترجمته.

(3)

تقدمت ترجمته.

(4)

هو الإمام العلامة الحافظ ذو الفنون القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي الأندلسي القرطبي الباجي صاحب التصانيف، ولد سنة ثلاث وأربع مائة وارتحل في طلب العلم إلى بلاد شتى فجمع من العلم الشيء الكثير حتى أصبح من كبار العلماء في زمانه.

توفي في التاسع عشر من شهر رجب سنة أربع وسبعين وأربع مائة.

انظر ترجمته في السير (18/ 535).

ص: 64

وأما أقوال السلف وعلماء الإسلام في هذا الأصل، وما في ذلك من نصوص الكتاب والسنة فهذا أعظم من أن يسعه هذا الشرح، ومن كتب التفسير المنقولة عن السلف مثل تفسير عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وبقي بن مخلد، وعبد الرحمن بن إبراهيم، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، ومحمد بن جرير الطبري، وأبي بكر بن المنذر، وأبي بكر بن عبد العزيز، وأبي الشيخ الأصفهاني، وأبي بكر بن مردويه وغيرهم، من ذلك ما تطول حكايته، وكذلك الكتب المصنفة في السنة والرد على الجهمية وأصول الدين المنقولة عن السلف مثل كتاب «الرد على الجهمية» لمحمد بن عبد الله الجعفي شيخ البخاري، وكتاب «خلق الأفعال» للبخاري، وكتاب السنة لأبي داود السجستاني ولأبي بكر الأثرم، ولعبد الله بن أحمد بن حنبل، ولحنبل بن إسحاق، ولأبي بكر الخلال، ولأبي الشيخ الأصفهاني، ولأبي القاسم الطبراني، ولأبي عبد الله بن مندة وأمثالهم، وكتاب «الشريعة» لأبي بكر الآجري، والإبانة لأبي عبد الله بن بطة، وكتاب الأصول لأبي عمر الطلمنكي، وكتاب رد عثمان بن سعيد الدارمي وكتاب الرد على الجهمية له وأضعاف هذه الكتب، وذلك مثل ما ذكره الخلال وغيره عن إسحاق بن راهويه حدثنا بشر بن عمر قال: سمعت غير واحد من المفسرين يقول: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5) أي ارتفع.

وقال البخاري في صحيحه: قال أبو العالية: استوى إلى السماء ارتفع، وقال مجاهد: استوى: علا على العرش.

وقال البغوي في تفسيره: قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف استوى إلى السماء: ارتفع إلى السماء، وكذلك قال الخليل بن أحمد، وروى البيهقي عن الفراء: استوى أي صعد وهو كقول الرجل كان قاعدا فاستوى قائما.

وروى الشافعي في مسنده عن أنس بن مالك أنه قال عن يوم الجمعة: وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش.

وروى أبو بكر الأثرم عن الفضيل بن عياض قال: ليس لنا أن نتوهم في الله كيف وكيف لأن الله وصف فأبلغ فقال: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2)«1» فلا صفة أبلغ مما وصف به نفسه ومثل هذا النزول والضحك وهذه المباهاة وهذا الاطلاع كما شاء أن ينزل وكما شاء أن يضحك فليس لنا أن نتوهم أن

(1) سورة الإخلاص، الآية: 1 - 2.

ص: 65

ينزل عن مكانه كيف؟ وإذا قال لك الجهمي: أنا كفرت برب ينزل، فقل أنت: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء.

وقال البخاري في كتاب خلق الأفعال، والفضيل بن عياض: إذا قال لك الجهمي أنا أكفر برب يزول عن مكانه، فقل: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء.

قال البخاري: وحدث يزيد بن هارون عن الجهمية فقال: من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما تقرر في قلوب العامة فهو جهمي، وروى الخلال، عن سليمان بن حرب، أنه سأل بشر بن السري حماد بن زيد فقال: يا أبا إسماعيل الحديث ينزل الله إلى السماء الدنيا أيتحول من مكان إلى مكان، فسكت حماد بن زيد ثم قال: هو في مكانه يقرب من خلقه كيف شاء، وهذا نقله الأشعري في كتاب المقالات عن أهل السنة والحديث فقال: ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال تعالى:

فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ «1» ويرون اتباع من سلف من أئمة الدين ولا يحدثون في دينهم ما لم يأذن الله ويقرون أن الله يجيء يوم القيامة كما قال:

وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)«2» ، وأن الله يقرب من خلقه كما يشاء كما قال:

وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ «3» .

ثم قال الأشعري: (وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب).

وقال أبو عثمان النيسابوري الملقب بشيخ الإسلام في رسالته المشهورة في السنة قال: ويثبت أهل الحديث نزول الرب سبحانه في كل ليلة إلى السماء الدنيا من غير تشبيه له بنزول المخلوقين ولا تمثيل ولا تكييف، بل يثبتون له ما أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتهوه فيه إليه ويمرون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهره، ويكلون علمه إلى الله وكذلك يثبون ما أنزل الله في كتابه من ذكر المجيء والإتيان في ظلل من الغمام والملائكة وقوله عز وجل: وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)«4» .

وقال: سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول: سمعت إبراهيم بن أبي طالب: سمعت أحمد بن سعيد الرباطي يقول: حضرت مجلس الأمير عبد الله بن طاهر ذات يوم، وحضر إسحاق بن إبراهيم يعني ابن راهويه فسئل عن حديث النزول صحيح هو؟ فقال:

نعم، فقال بعض قواد عبد الله: يا أبا يعقوب أتزعم أن الله ينزل كل ليلة قال:

(1) سورة النساء، الآية:59.

(2)

سورة الفجر، الآية:22.

(3)

سورة ق، الآية:16.

(4)

سورة الفجر، الآية:22.

ص: 66

نعم قال: كيف ينزل؟ قال أثبته فوق حتى أصف لك النزول، فقال الرجل: أثبته فوق، فقال إسحاق: قال الله تعالى: وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)«1» فقال له الأمير عبد الله بن طاهر: يا أبا يعقوب هذا يوم القيامة، فقال إسحاق: أعز الله الأمير من يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم؟!

وروى بإسناده عن إسحاق قال: قال لي الأمير عبد الله بن طاهر: يا أبا يعقوب هذا الحديث الذي تروونه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف ينزل؟ قال: قلت: أعز الله الأمير لا يقال لأمر الرب كيف ينزل؟ إنما ينزل بلا كيف.

وبإسناده أيضا عن عبد الله بن المبارك أنه سأله سائل عن النزول ليلة، النصف من شعبان، فقال عبد الله: يا ضعيف ليلة النصف أي وحدها، هو ينزل في كل ليلة فقال الرجل: يا أبا عبد الرحمن كيف ينزل؟ ألم يخل ذلك المكان؟

فقال عبد الله بن المبارك: ينزل كيف شاء.

قال أبو عثمان النيسابوري: فلما صح خبر النزول عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أقرّ به أهل السنة، وقبلوا الحديث، وأثبتوا النزول على ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعتقدوا تشبيها له بنزول خلقه وعلموا وعرفوا واعتقدوا وتحققوا أن صفات الرب لا تشبه صفات الخلق، كما أن ذاته لا تشبه ذوات الخلق سبحانه وتعالى عمّا يقول المشبهة والمعطلة علوّا كبيرا.

وروى البيهقي بإسناده عن إسحاق بن راهويه قال: جمعني وهذا المبتدع- يعني ابن صالح- مجلس الأمير عبد الله بن طاهر فسألني الأمير عن أخبار النزول فثبتها فقال إبراهيم: كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء، فقلت: آمنت برب يفعل ما يشاء، فرضي عبد الله كلامي، وأنكر على إبراهيم.

وقال حرب بن إسماعيل الكرماني في كتابه المصنف في مسائل أحمد وإسحاق مع ما ذكر فيها من الآثار عن النبيّ صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين ومن بعدهم قال:

(باب القول في المذهب) هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من علماء العراق والحجاز والشام عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب «2» ، أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن سبيل السنة ومنهج الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن

(1) سورة الفجر، الآية:22.

(2)

أي المذاهب العقدية لا الفقهية.

ص: 67

إبراهيم وبقي بن مخلد، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وسعيد بن منصور وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم.

وذكر الكلام في الإيمان والقدر، والوعيد والإمامة، وما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة وأمر البرزخ وغير ذلك إلى أن قال: وهو سبحانه بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان، ولله عرش وللعرش حملة يحملونه وله حد الله أعلم بحده، والله تعالى على عرشه عز ذكره وتعالى جده ولا إله غيره، والله تعالى سميع لا يشك، بصير لا يرتاب، عليم لا يجهل، جواد لا يبخل، حليم لا يعجل، حفيظ لا ينسى، يقظان لا يسهو، رقيب لا يغفل، يتكلم ويتحرك، ويسمع ويبصر، وينظر ويقبض، ويبسط ويفرح، ويحب ويكره، ويبغض ويسخط، ويغضب ويرحم، ويعفو ويغفر، ويعطي ويمنع، ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء، متكلما عالما تبارك الله أحسن الخالقين.

وروى أبو بكر الخلال في كتاب السنة قال أخبرني به يوسف بن موسى أن أبا عبد الله- يعني أحمد بن حنبل- قيل له: أهل الجنة ينظرون إلى ربهم ويكلمونه ويكلمهم؟ قال: نعم ينظر إليهم وينظرون إليه، ويكلمهم ويكلمونه كيف شاء وإذا شاء.

وقال أيضا: أخبرني عبد الله بن حنبل أخبرني أبي حنبل بن إسحاق قال:

قال عمي: نحن نؤمن بأن الله على العرش كيف شاء وكما شاء.

قال الخلال: وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلا حدثهم قال: قلت لأبي عبد الله: الله يكلم عبده يوم القيامة؟ قال: نعم فمن يقضي بين الخلائق إلا الله عز وجل يكلم عبده ويسأله، الله متكلم لم يزل الله متكلما يأمر بما شاء، ويحكم بما شاء، وليس له عدل ولا مثل كيف شاء وأين شاء.

قال الخلال وأن محمد بن علي بن بحر أن يعقوب بن بحتان حدثهم أن أبا عبد الله سئل عمن زعم أن الله لم يتكلم بصوت. قال: بلى تكلم بصوت وهذه الأحاديث كما جاءت نرويها لكل حديث وجه يريدون أن يموهوا على الناس، إن من زعم أن الله لم يكلم موسى فهو كافر.

وأخبرنا المروزي سمعت أبا عبد الله وقيل له أن عبد الوهاب قد تكلم، وقال: من زعم أن الله كلم موسى بلا صوت فهو جهمي عدو الله وعدو الإسلام فتبسم أبو عبد الله وقال: ما أحسن ما قال عافاه الله.

وعن عبد الله بن أحمد أيضا سألت أبي عن قوم يقولون لما كلم الله موسى

ص: 68

لم يتكلم بصوت فقال أبي: بل تكلم تبارك وتعالى بصوت وهذه الأحاديث نرويها كما جاءت، وحديث ابن مسعود: إذا تكلم الله بالوحي سمع له صوت كجر السلسلة على الصفوان «1» قال أبي: والجهمية تنكره، قال أبي: وهؤلاء كفار يريدون أن يموهوا على الناس، إن من زعم أن الله لم يتكلم فهو كافر.

قلت: قد بين الإمام أحمد وغيره من السلف أن الصوت الذي تكلم الله تعالى به ليس هو الصوت المسموع، وسئل أحمد عن قوله صلى الله عليه وسلم:«ليس منّا من لم يتغن بالقرآن» «2» قال: هو الرجل يرفع صوته به، هذا معناه، وقال في قوله صلى الله عليه وسلم:

«زينوا القرآن بأصواتكم» «3» : يحسنه بصوته.

وقال البخاري في كتاب خلق الأفعال: ويذكر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أن الله ينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب وليس هذا لغير الله «4» ، قال البخاري

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (9/ 113) معلّقا، ووصله أبو داود في سننه برقم (4738) وابن خزيمة في التوحيد (ص 95، 96) والبيهقي من الأسماء والصفات (ص 200) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا تكلم الله تعالى بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كحجر السلسلة على الصفا فيصعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، حتى إذا جاءهم جبريل فزّع عن قلوبهم، قال: فيقولون: يا جبريل ماذا قال ربك؟ فيقول: الحق، فيقولون: الحق الحق» .

والحديث صححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1293).

(2)

أخرجه بهذا اللفظ أبو داود في سننه برقم (1469) وابن ماجه في سننه برقم (1337) وأحمد في المسند بالأرقام (1476 و1512 و1549) والدارمي في سننه برقم (3488) وابن حبان في صحيحه برقم (120) والحاكم في المستدرك (1/ 569) وعبد بن حميد في مسنده برقم (151) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 127 - 128 و128) والطيالسي في مسنده برقم (201) والحميدي في مسنده برقم (77) وأبو يعلى في مسنده برقم (689) والبيهقي في سننه (10/ 231) وعبد الرزاق في المصنف برقم (4170 و4171) وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 522) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

والحديث صححه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (1304).

(3)

أخرجه أبو داود في سننه برقم (1468) والنسائي في سننه (2/ 179) وابن ماجه في سننه برقم (1342) وأحمد في المسند (4/ 283 و285 و296 و314) وابن حبان في صحيحه برقم (660) والدارمي في سننه (2/ 274) والحاكم في المستدرك (1/ 572) وابن أبي شيبة في المصنف (10/ 462) وأبو يعلى في مسنده برقم (1686) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.

والحديث صححه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (1303) وصحيح سنن ابن ماجه برقم (1103).

(4)

علقه البخاري في صحيحه (1/ 195) ووصله في الأدب المفرد برقم (970) وأخرجه أيضا أحمد في المسند (3/ 495) والحاكم في المستدرك (2/ 437) من حديث عبد الله بن أنيس-

ص: 69

وفي هذا دليل على أن صوت الله لا يشبه أصوات الخلق، لأن صوت الله يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، وأن الملائكة يصعقون من صوته «1» فإذا ينادي الملائكة لم يصعقوا قال تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً «2» فليس لصفة الله ند ولا مثل، ولا يوجد شيء من صفاته في المخلوقين.

ثم روى بإسناده حديث عبد الله بن أنيس قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول:

«يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، أنا الملك الديان، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وواحد من أهل النار يطلبه بمظلمة» «3» وذكر الحديث الذي رواه أيضا في صحيحه في هذا المعنى في قوله:

حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ «4» عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله يوم القيامة يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار، قال: يا رب ما بعث النار؟ قال من كل ألف- أراه قال:- تسعمائة وتسعة وتسعون، فحينئذ تضع الحامل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد» «5» .

وذكر البخاري حديث ابن مسعود الذي استشهد به أحمد وذكر الحديث الذي

رضي الله عنه أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «يحشر الله العباد- أو الناس- عراة غرلا بهما» قلت: ما بهما؟ قال: «ليس معهم شيء، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد- أحسبه قال: كما يسمعه من قرب: أنا الملك، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة يدخل الجنة، وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة، ولا ينبغي لأحد من أهل النار يدخل النار، وأحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة» قلت: وكيف؟ وإنما نأتي الله عراة بهما؟ قال: «بالحسنات والسيئات» .

والحديث حسنه العلامة الألباني في تخريجه للأدب المفرد (ص 349).

(1)

كما ثبت ذلك في صحيح البخاري بالأرقام (4701 و4800 و7481) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كالسلسلة على صفوان فإذا فزع من قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحق وهو العلي الكبير» .

وكما تقدم أيضا من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي ذكرناه قبل قليل.

(2)

سورة البقرة، الآية:22.

(3)

تقدم تخريجه قبل قليل.

(4)

سورة سبأ، الآية:23.

(5)

أخرجه البخاري في صحيحه بالأرقام (3348 و4741 و6530 و7483) ومسلم في صحيحه برقم (222)(380) وأحمد في المسند برقم (11284) والنسائي في سننه الكبرى برقم (11339) وعبد بن حميد في المنتخب برقم (917) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

ص: 70

رواه في صحيحه عن عكرمة قال: سمعت أبا هريرة يقول: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:

«إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان» «1» حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ «2» .

وذكر البخاري حديث ابن عباس المعروف من حديث الزهري عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن نفر من الأنصار وقد رواه أحمد ومسلم في صحيحه وساقه البخاري من طريق ابن إسحاق عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم:

«ما تقولون في هذه النجوم التي يرمى بها» ؟ قالوا: كنا نقول حين رأيناها يرمى بها: مات ملك، ولد مولود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس ذلك كذلك ولكن إذا قضى الله في خلقه أمرا يسمعه حملة العرش فيسبحون، فيسبح من تحتهم بتسبيحهم، فيسبح من تحت ذلك، فلم يزل التسبيح يهبط حتى ينتهي إلى السماء الدنيا، حتى يقول بعضهم لبعض: لم سبحتم؟ فيقولون: سبح من فوقنا فسبحنا بتسبيحهم، فيقولون ألا تسألون من فوقكم لم سبحتم؟ فيسألونهم فيقولون:

قضى الله في خلقه كذا وكذا الأمر الذي كان يهبط الخبر من سماء إلى سماء حتى ينتهي إلى السماء الدنيا، فيتحدثون به فتسترقه الشياطين بالسمع على توهم منهم واختلاف، ثم يأتون به الكهان من أهل الأرض فيحدثهم، فيخطئون ويصيبون، فيحدث به الكهان» «3» .

قال البخاري: ولقد بيّن نعيم بن حماد «4» أن كلام الرب ليس يخلق، وأن العرب لا تعرف الحي من الميت إلا بالفعل فمن كان له فعل فهو حي ومن لم يكن

(1) تقدم تخريجه.

(2)

سورة سبأ، الآية:23.

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه برقم (2229) والبخاري من خلق أفعال العباد برقم (469) والنسائي في سننه الكبرى برقم (11272) والترمذي في سننه برقم (3224) وأحمد في المسند برقم (1882 و1883) وعبد بن حميد في مسنده برقم (683) والبيهقي في دلائل النبوة (2/ 238) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3/ 113) وأبو نعيم في الحلية (3/ 143) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(4)

هو الإمام العلامة الحافظ نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث بن همّام بن سلمة بن مالك، أبو عبد الله الخزاعي المروزي الفرضي صاحب التصانيف، كان شديد الرد على الجهمية وأهل الأهواء.

مات سنة تسع وعشرين ومائتين في محنة القول بخلق القرآن، رحمه الله تعالى.

انظر ترجمته في السير (10/ 595) والطبقات لابن سعد (7/ 519) وتذكرة الحفاظ (2/ 418) وشذرات الذهب (2/ 67).

ص: 71

له فعل فهو ميت، وأن أفعال العباد مخلوقة فضيق عليه حتى مضى لسبيله، وتوجع أهل العلم لما نزل به.

قال البخاري: وفي اتفاق المسلمين دليل على أن نعيما ومن نحا نحوه ليس بمارق ولا مبتدع.

وقال أبو عبد الله بن حامد في كتابه في أصول الدين: ومما يجب الإيمان به التصديق بأن الله متكلم، وأن كلامه قديم، وأنه لم يزل متكلما في كل أوقاته موصوفا بذلك، وكلامه قديم غير محدث كالعلم والقدرة، قال: وقد علم أن المذهب أن كون الكلام صفة ومتكلما به ولم يزل موصوفا بذلك ومتكلما إذا شاء وبما شاء، ولا نقول إنه ساكت في حال ومتكلم في حال من حيث حدوث الكلام. قال: ولا خلاف عن أبي عبد الله- يعني أحمد بن حنبل- أن الله لم يزل متكلما قبل أن يخلق الخلق وقبل كل الكائنات وأن الله كان فيما لم يزل متكلما كيف شاء وكما شاء، إذا شاء أنزل كلامه وإذا شاء لم ينزله، فقد ذكر ابن حامد أنه لا خلاف في مذهب أحمد أنه سبحانه لم يزل متكلما كيف شاء وكما شاء. ثم ذكر قولين هل هو متكلم دائما بمشيئته أو أنه لم يزل موصوفا بذلك متكلما إذا شاء، وساكتا إذا شاء لا بمعنى أنه يتكلم بعد أن لم يزل ساكتا فيكون كلامه حادثا كما يقول الكرامية فإن قول الكرامية في الكلام لم يقل به أحد من أصحاب أحمد؛ وكذلك ذكر القولين أبو بكر عبد العزيز في أول كتابه الكبير المسمى بالمقنع.

وقد ذكر ذلك عنه القاضي أبو يعلى في كتاب إيضاح البيان في مسألة القرآن. قال أبو بكر: لما سألوه إنكم إذا قلتم لم يزل متكلما كان ذلك عبثا فقال: لأصحابنا قولان أحدهما أنه لم يزل متكلما كالعلم لأن ضد الكلام الخرس كما أن ضد العلم الجهل قال: ومن أصحابنا من قال: أثبت لنفسه أنه خالق، ولم يجز أن يكون خالقا في كل حال بل قلنا إنه خالق في وقت إرادته أن يخلق، وإن لم يكن خالقا في كل حال ولم يبطل أن يكون خالقا كذلك، وإن لم يكن متكلما في كل حال لم يبطل أن يكون متكلما بل هو متكلم خالق وإن لم يكن خالقا في كل حال ولا متكلما في كل حال.

قال القاضي أبو يعلى في هذا الكتاب: نقول أنه لم يزل متكلما وليس بمتكلم، ولا مخاطب ولا آمر ولا ناه، نص عليه أحمد في رواية حنبل فقال: لم يزل الله متكلما عالما غفورا قال: وقال في رواية عبد الله: لم يزل متكلما إذا شاء، وقال حنبل في موضع آخر: سمعت أبا عبد الله يقول: لم يزل الله متكلما والقرآن كلام الله غير مخلوق.

ص: 72

قلت: أحمد أخبر بدوام كلامه سبحانه ولم يخبر بدوام تكلمه بالقرآن بل قال: والقرآن كلام الله غير مخلوق.

قال القاضي: قال أحمد في الجزء الذي رد فيه على الجهمية والزنادقة:

وكذلك الله يتكلم كيف شاء من غير أن نقول من جوف ولا فم ولا شفتين، قال بعد ذلك: بل نقول إن الله لم يزل متكلما إذا شاء ولا نقول إنه كان ولا يتكلم حتى خلق.

وقال أبو إسماعيل الأنصاري الملقب بشيخ الإسلام في مناقب الإمام أحمد لما ذكر كلامه في مسألة القرآن وترتيب حدوث البدع قال: وجاءت طائفة فقالت لا يتكلم بعد ما تكلم فيكون كلامه حادثا، قال: وهذه أغلوطة أخرى في الدين غير واحدة، فانتبه لها أبو بكر بن خزيمة «1» وكانت نيسابور دار الآثار تمد إليها وتشد إليها الركائب ويجلب منها العلم فابن خزيمة في بيت ومحمد بن إسحاق- يعني السراج «2» - في بيت، وأبو حامد بن الشرقي في بيت، قال: فطار لتلك الفتنة الإمام أبو بكر فلم يزل يصيح بتشويهها، يصنف في ردها كأنه منذر جيش حتى دوّن في الدفاتر وتمكن في السرائر وتفسير في الكتاتيب ونقش في المحاريب:

أن الله متكلم إن شاء تكلم وإن شاء سكت، قال: فجزى الله ذلك الإمام وأولئك النفر على نصر دينه وتوقير نبيه خيرا.

قلت: لفظ السكوت يراد به السكوت عن شيء خاص، وهذا مما جاءت به

(1) هو الحافظ الحجة الفقيه شيخ الإسلام إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر أبو بكر السلمي النيسابوري الشافعي صاحب التصانيف الماتعة، ولد سنة ثلاث وعشرين ومائتين وعني في حداثته بالحديث والفقه، حتى صار يضرب به المثل في سعة العلم والاتقان، نصر مذهب السلف ودافع عنه ورد على أهل البدع والأهواء.

قال الحاكم رحمه الله: فضائل إمام الأئمة ابن خزيمة عندي مجموعة في أوراق كثيرة، ومصنفاته تزيد على مائة وأربعين كتابا سوى المسائل، والمسائل المصنفة أكثر من مائة جزء.

توفي سنة إحدى عشرة وثلاث مائة.

انظر ترجمته في السير (14/ 365) والبداية والنهاية (11/ 149) وطبقات الشافعية للسبكي (3/ 109 - 110) وطبقات الحفاظ (310 - 311) وشذرات الذهب (2/ 262 - 263).

(2)

هو الإمام الحافظ الثقة شيخ الإسلام محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران أبو العباس الثقفي مولاهم الخراساني النيسابوري محدث خراسان وصاحب المسند الكبير على الأبواب والتاريخ وغير ذلك، ولد سنة ست عشرة ومائتين وتوفي سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة بنيسابور.

انظر ترجمته في السير (14/ 388) وتاريخ بغداد (1/ 248 - 252) وطبقات الشافعية (3/ 108 - 109) والبداية والنهاية (11/ 153).

ص: 73

الآثار كقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان، فلا تسألوا عنها

» «1»

الحديث.

والحديث المعروف عن سلمان مرفوعا وموقوفا: «الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرمه الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه» «2» .

والعلماء يقولون: أن مفهوم الموافقة أن يكون الحكم في المسكوت عنه أولى منه في المنطوق به، ومفهوم المخالفة: أن يكون الحكم في السكوت مخالفا للحكم في المنطوق به «3» .

أما السكوت المنطوق به فهذا هو الذي ذكروا فيه القولين والقاضي أبو يعلى وموافقوه على أصل ابن كلاب يتأولون كلام أحمد والآثار في ذلك بأنه سكوت عن الإسماع لا عن التكليم.

(1) أخرجه الدارقطني في سننه (ص 502) والبيهقي في سننه (10/ 12 - 13) والخطيب في الفقيه والمتفقه (ق 160/ 2) وابن بطة في الإبانة (2/ 126/ 1) من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه.

والحديث ضعفه العلامة الألباني رحمه الله في غاية المرام برقم (4).

(2)

أخرجه الترمذي في سننه (1/ 322) وابن ماجه في سننه برقم (3367) والحاكم في المستدرك (4/ 115) والبيهقي في سننه (10/ 12) والعقيلي في الضعفاء (ص 176) من طريق سيف بن هارون البرجمي عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان به.

وسيف بن هارون ضعفه جماعة من أهل العلم، وقال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب:

ضعيف أفحش ابن حبان القول فيه.

وأشار الترمذي إلى تضعيف الحديث بقوله: حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه

وسألت البخاري عن هذا الحديث فقال: ما أراه محفوظا روى سفيان عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان موقوفا.

والحديث يشهد له حديث أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا» ، وتلا: وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [سورة مريم، الآية: 64].

أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 375) والبزار في مسنده كما في مجمع الزوائد (7/ 55) والطبراني في معجمه الكبير كما في المجمع أيضا (1/ 171) وحسنه العلامة الألباني في غاية المرام برقم (2).

وجملة القول أن الحديث حسن إن شاء الله، وقد حسنه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1410) وصحيح سنن ابن ماجه برقم (2715).

(3)

انظر روضة الناظر (2/ 218).

ص: 74

وكذلك تأول ابن عقيل «1» كلام أبي إسماعيل الأنصاري، ليس مرادهم ذلك كما هو بين لمن تدبر كلامهم مع أن الإسماع على أصل النفاة إنما هو خلق إدراك في السماع ليس سببا يقوم بالمتكلم فكيف يوصف بالسكوت لكونه لم يخلق إدراكا لغيره؟

فأصل ابن كلاب الذي وافقه عليه القاضي وابن عقيل وابن الزغواني وغيرهم أنه منزه عن السكوت مطلقا فلا يجوز عندهم أن يسكت عن شيء من الأشياء إذ كلامه صفة قديمة لذاته لا تتعلق عندهم بمشيئته كالحياة حتى يقال إن شاء تكلم بكذا، وإن شاء سكت عنه.

ولا يجوز عندهم أن يقال إن الله سكت عن شيء كما جاءت به الآثار بل يتأولونه على عدم خلق الإدراك لأنه منزه عن الخرس باتفاق الأمة، هذا مما احتجوا به على قدم الكلام وقالوا: لو لم يكن متكلما للزم اتصافه بضده كالسكوت والخرس، وذلك ممتنع عندهم سواء قيل هو سكوت مطلق أو سكوت عن شيء معين.

وقال أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرخي الشافعي في كتابه الذي سماه (الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول) وذكر اثني عشر إماما الشافعي ومالك وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وسفيان بن عيينة وابن المبارك وإسحاق بن راهويه والبخاري وأبو زرعة وأبو حاتم، قال فيه سمعت الإمام أبا منصور يقول:

سمعت الإمام أبا بكر عبيد الله بن أحمد يقول سمعت الشيخ أبا حامد الأسفرائيني يقول: مذهبي ومذهب الشافعي وفقهاء الأمصار أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال مخلوق فهو كافر، والقرآن حمله جبريل مسموعا من الله تعالى والنبيّ صلى الله عليه وسلم سمعه من جبريل، والصحابة سمعوه من النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو الذي نتلوه نحن بألسنتنا فما بين الدفتين وما في صدورنا مسموعا ومكتوبا ومحفوظا ومنقوشا كل

(1) هو العلامة البحر شيخ الحنابلة أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن عبد الله البغدادي الظفري الحنبلي المتكلم صاحب التصانيف ولد سنة إحدى وثلاثين وأربع مائة.

وكان يتوقد ذكاء، ولم يكن في زمانه نظير على بدعته، فقد أخذ علم الكلام عن أبي علي بن الوليد وأبي القاسم بن التبان، ومن ثم حصل فيه شائبة تجهم واعتزال وانحرافات نسأل الله السلامة والعافية.

وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه درء تعارض العقل والنقل (8/ 61 - 61) نوع الزلل الذي وقع فيه العلامة ابن عقيل رحمه الله.

انظر ترجمته في السير (19/ 443) وطبقات الحنابلة (2/ 259) والكامل في التاريخ (10/ 561) وميزان الاعتدال (3/ 146) وشذرات الذهب (4/ 35 - 40).

ص: 75

حرف منه كالباء والتاء كله كلام الله غير مخلوق، ومن قال مخلوق فهو كافر عليه لعائن الله والملائكة والناس أجمعين.

قال أبو الحسن: وكان الشيخ أبو حامد شديد الإنكار على الباقلاني وأصحاب الكلام وقال: لم تزل أئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينتسبوا إلى الأشعري ويتبرءون مما بنى مذهبه عليه، وينهون أصحابهم وأحبابهم من الحوم حواليه على ما سمعت عدة من المشايخ والأئمة منهم الحافظ المؤتمن ابن أحمد الساجي يقولون: سمعنا جماعة من المشايخ الثقات قالوا: كان الشيخ أبو حامد بن طاهر الأسفرائيني إمام الأئمة الذي طبق الأرض علما وأصحابا إذا سعى إلى الجمعة من قطعية الكرخ إلى الجامع المنصور يدخل الرباط المعروف بالروزي المحاذي للجامع، يقبل على من حضر ويقول: اشهدوا عليّ بأن القرآن كلام الله غير مخلوق كما قال أحمد بن حنبل لا كما يقول الباقلاني، ويتكرر ذلك منه، فقيل له في ذلك فقال: حتى تنتشر في الناس وفي أهل البلاد ويشيع الخبر في أهل البلاد أني بريء مما هم عليه- يعني الأشعرية- وبرئ من مذهب أبي بكر الباقلاني، فإن جماعة من المتفقهة الغرباء يدخلون على الباقلاني خفية ويقرءون عليه فيعتنون بمذهبه فإذا رجعوا إلى بلادهم أظهروا بدعتهم لا محالة فيظن ظان أنهم مني تعلموه وأنا قلته، وأنا بريء من مذهب الباقلاني وعقيدته.

قال: وسمعت الفقيه الإمام أبا منصور سعد بن العجلي سمعت عدة من المشايخ والأئمة ببغداد أظن أبا إسحاق الشيرازي أحدهم قالوا: كان أبو بكر الباقلاني يخرج إلى الحمام مبرقعا خوفا من الشيخ أبي حامد الأسفرائيني «1» والكلام على ما وقع من إنكار أبي حامد وغيره من أئمة الإسلام على القاضي أبي بكر مع جلالة قدره وكثرة رده على أهل الإلحاد والبدع بسبب هذا الأصل الذي بنى عليه مذهبه طويل ولبسطه موضع آخر.

وإنما المقصود هنا التنبيه على بعض من أثبت هذا الأصل ولم يوافق على النفاة، والحارث المحاسبي قد ذكر القولين عن أهل السنة المثبتين الصفات والقدر فقال في كتاب «فهم القرآن» لما تكلم على ما لا يدخل فيه النسخ وما يدخل فيه النسخ، وما يظن أنه متعارض من الآيات وذكر عن أهل السنة في الإرادة والسمع

(1) تأمل كيف كان أهل البدع يهابون من أهل السنة، وقارن ذلك بزماننا هذا، فإلى الله المشتكى!

ص: 76

والبصر قولين في مثل قوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ «1» وقوله تعالى: وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها «2» وقوله تعالى: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)«3» وكذلك قوله: إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ «4» وقوله تعالى:

وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ «5» ونحو ذلك فقال: ذهب قوم من أهل السنة إلى أن لله استماعا حادثا في ذاته، وذكر أن هؤلاء وبعض أهل البدع تأولوا ذلك في الإرادة على الحوادث قال: فأما من أدى السنة فأراد إثبات القدر فقال:

إرادة الله تحدث من تقدير سابق للإرادة.

أما بعض أهل البدع فزعموا أن الإرادة هي خلق حادث وليست مخلوقة ولكن بها كون الله المخلوقين قال: وزعموا أن الخلق غير المخلوق وأن الخلق هو الإرادة، وإنها ليست بصفة لله من نفسه قال: وكذلك قال بعضهم أن رؤيته تحدث.

قال محمد بن الهيصم في كتاب «حمل الكلام» لما ذكر الكلام وأنه مبني على خمسة فصول:

أحدها: أن القرآن كلام الله، وقد حكي عن جهم بن صفوان أن القرآن ليس كلام الله على الحقيقة وإنما هو كلام خلقه الله فنسب إليه كما قيل: سماء الله وأرض الله، وكما قيل: بيت الله وشهر الله.

وأما المعتزلة فإنهم أطلقوا القول بأنه كلام الله على الحقيقة ثم وافقوا جهما في المعنى حيث قالوا كلام خلقه بائنا عنه.

وقال عامة المسلمين: إن القرآن كلام الله على الحقيقة وأنه تكلم به.

والفصل الثاني: أن القرآن غير قديم فإن الكلابية وأصحاب الأشعري زعموا أن الله لم يزل متكلما بالقرآن، وقال أهل الجماعة إنما تكلم بالقرآن حيث خاطب به جبريل، وكذلك سائر الكتب.

والفصل الثالث: أن القرآن غير مخلوق فإن الجهمية والنجارية والمعتزلة زعموا إنه مخلوق، وقال أهل الجماعة: إنه ليس بمخلوق.

(1) سورة الفتح، الآية:27.

(2)

سورة الإسراء، الآية:16.

(3)

سورة يس، الآية:82.

(4)

سورة الشعراء، الآية:15.

(5)

سورة التوبة، الآية:105.

ص: 77

والفصل الرابع: أنه غير بائن منه فإن الجهمية وأتباعهم من المعتزلة قالوا: إن القرآن بائن من الله وكذلك سائر كلامه، وزعموا أن الله خلق كلاما في الشجرة فسمعه موسى، وخلق كلاما في الهواء فسمعه جبريل، ولا يصح عندهم أنه وجد من الله كلام يقوم به في الحقيقة.

وقال أهل الجماعة: بل القرآن غير بائن من الله وإنما هو موجود منه وقائم به.

وذكر محمد بن الهيصم في مسألة الإرادة والخلق والمخلوق وغير ذلك ما يوافق التي ليست أعيانها قديمة ولا مخلوقة، وهو يحكي ذلك عن أهل الجماعة.

وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه المعروف بنقض عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله في التوحيد قال: وادعى المعارض أن قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يمضي من الليل الثلث، فيقول: هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ هل من داع؟» «1» .

قال: فادعى المعارض أن الله لا ينزل بنفسه إنما ينزل أمره ورحمته وهو على العرش وكل مكان من غير زوال لأنه الحي القيوم، والقيوم بزعمه من لا يزول.

قال: فيقال لهذا المعارض: وهذا أيضا من حجج النساء والصبيان ومن ليس عنده بيان، ولا لمذهبه برهان لأن أمر الله ورحمته تنزل في كل ساعة ووقت وأوان، فما بال النبيّ صلى الله عليه وسلم يحد لنزوله الليل دون النهار، ويوقت في الليل شطره أو الأسحار أفأمره ورحمته تدعوان العباد إلى الاستغفار؟ أو يقدر الأمر والرحمة أن يتكلما دونه؟ فيقولا:«هل من داع فأجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟» فإن قررت مذهبك لزمك أن تدعي أن الرحمة والأمر هما اللذان يدعوان إلى الإجابة والاستغفار بكلامهما دون الله وهذا محال عند السفهاء فكيف عند الفقهاء.

وقد علمتم ذاك ولكن تكابرون، ما بال أمره ورحمته ينزلان من عنده شطر الليل ثم لا يمكثان إلى طلوع الفجر ثم يرفعان لأن رفاعة يرويه ويقول في حديثه

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 289 و4/ 190 و479) ومسلم في صحيحه (2/ 175) ومالك في الموطأ (1/ 214/ 30) وأبو داود في سننه برقم (1315) والترمذي في سننه (2/ 263) وابن ماجه في سننه برقم (1366) والدارمي في سننه (1/ 347) وأحمد في المسند (2/ 264 و267 و487) والبيهقي في سننه (3/ 2) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 78

حتى ينفجر الفجر، وقد علمتم إن شاء الله أن هذا التأويل أبطل باطل ولا يقبله إلا كل جاهل.

وأما دعواك أن تفسير القيوم: الذي لا يزول عن مكانه ولا يتحرك فلا يقبل منك هذا التفسير إلا بأثر صحيح مأثور عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أو عن بعض أصحابه أو التابعين، لأن الحي القيوم يفعل ما يشاء ويتحرك إذا شاء، ويهبط ويرتفع إذا شاء، ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء لأن ذلك أمارة ما بين الحي والميت، لأن كل متحرك لا محالة حي، وكل ميت غير متحرك لا محالة.

ومن يلتفت إلى تفسيرك وتفسير صاحبك مع تفسير نبي الرحمة ورسول رب العزة؟ إذ فسر نزوله مشروطا منصوصا ووقت له وقتا موضوحا لم يدع لك ولا لأصحابك فيه لبسا ولا عويصا.

قال: ثم أجمل المعارض جميع ما أنكره الجهمية من صفات الله تعالى وذواته المسماة في كتابه وآثار رسوله صلى الله عليه وسلم فعد منها بضعا وعشرين صفة نقشا، وأخذ يتكلم عليها ويفسرها بما حكى المريسي وفسرها وتأولها حرفا حرفا خلاف ما عنى الله ورسوله، وخلاف ما تأولها الفقهاء والصالحون لا يعتمد في أكثرها إلا على المريسي فبدأ منها بالوجه ثم بالسمع والبصر والغضب والرضا والحب والبغض والفرح والكره والضحك والعجب والسخط والإرادة والمشيئة والأصابع والكف والقدمين وقوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ «1» وقوله تعالى: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ «2» وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ «3» لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ «4» وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ «5» يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ «6» وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ «7» وقوله: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا «8» وهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ «9» وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)«10» الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ «11» وقوله: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ «12» وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ «13» وكَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ

(1) سورة القصص، الآية:88.

(2)

سورة البقرة، الآية:115.

(3)

سورة الشورى، الآية:11.

(4)

سورة ص، الآية:75.

(5)

سورة المائدة، الآية:64.

(6)

سورة الفتح، الآية:10.

(7)

سورة الزمر، الآية:67.

(8)

سورة الطور، الآية:48.

(9)

سورة البقرة، الآية:210.

(10)

سورة الفجر، الآية:22.

(11)

سورة غافر، الآية:7.

(12)

سورة آل عمران، الآية:28.

(13)

سورة آل عمران، الآية:77.

ص: 79

الرَّحْمَةَ «1» قال تعالى: تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ «2» وإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ «3» .

قال: عمد المعارض إلى هذه الصفات فنسقها ونظم بعضها إلى بعض كما نظمها شيئا بعد شيء ثم قررها أبوابا في كتاب وتلطف بردها بالتأويل كتلطف الجهمية معتمدا على الرابع الجهمي بشر بن غياث المريسي عند الجهال بالتشنيع بها على قوم يؤمنون بالله ويصدقون بالله ورسوله فيها بغير تكييف ولا تمثيل، فزعم أن هؤلاء المؤمنين بها يكيفونها وينسبونها بذوات أنفسهم، وأن العلماء بزعمه قالوا ليس في شيء منها اجتهاد رأي لندرك كيفية ذلك أو يشبه فيها شيء مما هو في الخلق موجود.

قال: وهذا خطأ، كما أن الله ليس كمثله شيء فكذلك ليس ككيفيته شيء.

قال أبو سعيد عثمان بن سعيد: فقلنا لهذا المعارض المدلس بالتشنيع أن قوله: كيفية هذه الصفات وتشبيهها مما هو في الخلق خطأ، فإنا لا نقول إنه خطأ كما قلت بل هو عندنا كفر، ونحن لكيفيتها وتشبيهها بما هو في الخلق موجود أشد أنفا منكم غير أنّا كما لا نشبهها ولا نكيفيها لا نكفر بها ولا نكذبها ولا نبطلها بتأويل الضّلّال كما أبطلها إمامك المريسي.

قال: وأما ما ذكرت من اجتهاد الرأي في تكييف صفات الله فإنا نجيز اجتهاد الرأي في كثير من الفرائض والأحكام التي نراها بأعيننا ونسمعها بآذاننا فكيف في صفات الله التي لم ترها العيون وقصرت عنها الظنون؟ غير أنا لا نقول فيها كما قال المريسي: إن هذه الصفات كلها شيء واحد وليس السمع منه غير البصر، ولا الوجه منه غير اليد، ولا الذات غير النفس، وإن الرحمن ليس يعرف- بزعمكم- لنفسه سمعا من بصر، ولا بصرا من سمع، ولا وجها من يدين، ولا يدين من وجه، وهو كله- بزعمكم- سمع وبصر ووجه، وأعلى وأسفل ويد ونفس وعلم ومشيئة وإرادة، مثل خلق السموات والأرض والجبال والتلال والهواء التي لا يعرف لشيء منها شيء من هذه الصفات والذوات، ولا يوقف لها منها على شيء فالله تعالى عندنا أن يكون كذلك فقد ميز الله تعالى في كتابه السمع من البصر، وذكر

(1) سورة الأنعام، الآية:54.

(2)

سورة المائدة، الآية:116.

(3)

سورة البقرة، الآية:222.

ص: 80