المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سادسا مكانته العلمية وثناء العلماء عليه - شرح العقيدة الأصفهانية

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌ترجمة المصنف

- ‌أوّلا اسمه ونسبه ومولده

- ‌ثانيا نشأته، وبداية حياته العلمية

- ‌ثالثا بعض الصفات التي اتصف بها

- ‌أ- صفاته الخلقية:

- ‌ب- صفاته الخلقية:

- ‌1 - كرمه:

- ‌2 - قوته وشجاعته:

- ‌3 - زهده وتواضعه:

- ‌رابعا مواقفه الجهادية

- ‌خامسا محنته ووفاته- رحمه الله

- ‌سادسا مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌سابعا مؤلفاته وآثاره

- ‌ثامنا شيوخه وتلاميذه

- ‌[المدخل]

- ‌[مذهب السلف في الأسماء والصفات]

- ‌فصل [الرد على من نفى بعض صفات الله تعالى]

- ‌فصل [تميز أهل السنة والجماعة عن الكفار والمبتدعين]

- ‌فصل [الرد على نفاة الصفات]

- ‌فصل [الدليل على علم الله تعالى]

- ‌فصل [الدليل على قدرة الله تعالى]

- ‌فصل [الدليل على أنه سبحانه حي]

- ‌فصل [إثبات صفتي العلو والكلام والرد على النفاة]

- ‌[مذهب أهل الحديث في الصفات وذكر الآيات الدالة على ذلك]

- ‌[ذكر الأحاديث الدالة على الصفات]

- ‌فصل [طريقة إثبات السلف والأئمة لكلام الله سبحانه والرد على المشبهة]

- ‌فصل [طرق أخرى في إثبات كونه سبحانه متكلما]

- ‌فصل [إثبات كون الله تعالى سميعا بصيرا]

- ‌فصل [الدليل على نبوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [طرق دلالة المعجزة على الصدق]

- ‌فصل [مسألة التحسين والتقبيح العقليين]

- ‌فصل [دلائل نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [التصديق بما أخبر به النبيّ صلى الله عليه وسلم من الأمور الغيبية]

- ‌[الفصل الاول]

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس

- ‌الفصل السابع

الفصل: ‌سادسا مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

وغسل شيخ الإسلام وكفّن وصلّى عليه في الجامع الأموي وقد حضره جم غفير من الناس، حتى وقفوا مرصوصين رصّا في داخل الجامع لا يتمكن أحد من السجود إلا بكلفة لكثرتهم، وذكر ابن كثير أنه لم يتخلف عن حضورها أحد من أهل العلم إلا ثلاثة نفر وهم ابن جملة، والصدر، والقفجاقي، وذكر أن هؤلاء اشتهروا بعداوة الشيخ، فاختفوا خوفا على أنفسهم من الناس «1» وقد صلي عليه الظهر، ولم يدفن إلا قرب العصر لكثرة الزحام، ودفن في مقبرة الصوفية إلى جانب أخيه شرف الدين عبد الله.

ورحم الله الإمام أحمد حيث قال: «قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم الجنائز» «2» . قال البرزالي بعد إيراد هذا الأثر: «ولا شك أن جنازة أحمد بن حنبل كانت هائلة عظيمة بسبب كثرة أهل بلده واجتماعهم لذلك، وتعظيمهم له، وأن الدولة كانت تحبه، والشيخ تقي الدين ابن تيمية توفي ببلده دمشق وأهلها لا يعشرون أهل بغداد حينئذ كثرة، ولكنهم اجتمعوا لجنازته اجتماعا لو جمعهم سلطان قاهر، وديوان حاصر لما بلغوا هذه الكثرة التي اجتمعوا في جنازته، وانتهوا إليها. هذا مع أن الرجل مات بالقلعة محبوسا من جهة السلطان

- ثم ذكر تشويه بعض المنتسبين إلى الفقه لشخصيته بين الناس» «3» .

وقد رئيت له منامات طيبة، ورثي بمراثي كثيرة من علماء عصره، وممن بعدهم «4» .

‌سادسا مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

تبوأ الشيخ مكانة علمية واسعة فقد فاق أقرانه إذ هو الإمام حقا، وشيخ الإسلام صدقا، وهو البحر من أي جهة أتيته، ولا تكدره الدلاء.

إمام وأي إمام. لقد طبّق اسمه الدنيا وبلغت مؤلفاته ما بلغ الليل والنهار،

(1) انظر: البداية والنهاية (14/ 139).

(2)

ذكره الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (10/ 342) من رواية الدارقطني وفي (14/ 137)، من رواية أبي عثمان الصابوني عنه.

وذكره الذهبي في «السير» (11/ 340) من رواية السلمي عنه.

(3)

البداية والنهاية (14/ 137 - 138)، وانظر: تقريظ الحافظ ابن حجر على الرد الوافر ص 12، 13، تحقيق محمد الشيباني.

(4)

انظر في مراثيه: العقود الدرية ص 392 - 516، الكواكب الدرية ص 181 - 232.

ص: 18

وأصبح علم المذهب السلفي، فكل من التزم المذهب الحق في باب العقائد قيل:

هو على مذهب ابن تيمية، فهو إذا مدرسة الأجيال تخرج منها فطاحل العلماء، والأئمة العظماء.

فإذا كان عصره يعج بالتيارات الفكرية المتباينة، ممثلا في مذاهب عقدية منحرفة من جهمية، ومعتزلة، وأشاعرة

إلخ، إضافة إلى صوفية خيمت على العالم الإسلامي بسلوكياتها وأصولها الفاسدة، أضف إلى أن بضاعة الفلاسفة والمناطقة رائجة، وسلعتهم نافقة، هذا مع ما كان المسلمون يتلقونه من حرب فكرية عاتية من الصليبية الحاقدة لا تقل خطرا عن حروبهم العسكرية الشرسة.

وقد تصدى الشيخ لكل هؤلاء، وانبرى للرد عليهم، وتفنيد أقوالهم، وكان يعمل على جميع الجبهات، فلم يشغل مناقشة هؤلاء عن الرد على أولئك.

وكان إذا تكلم في فنّ حسبه السامع لا يحسن غيره، وظنه قد تخصص في هذا الجانب بل إن أصحاب المذاهب الأخرى يستفيدون منه علوما في مذاهبهم كانوا يجهلونها وتخفى عليهم «1» . حتى ذكر أنه ما تكلم في علم من العلوم سواء أكان علوم الشرع أم من غيرها إلا فاق فيه أهله، والمنسوبين إليه، وما ناظر أحدا فانقطع معه «2» .

وإن القارئ ليقف منبهرا أمام هذه العلمية الفذّة. وخير من يجلّي الحقيقة ويوفّي الموضوع حقه أو بعضه، هم العلماء الفحول، صيارفة الرجال، والأئمة النقاد، الذين وصفهم هو الوصف، ومدحهم هو المدح، وثناؤهم هو الثناء.

يقول الإمام الذهبي في معرض وصفه لشيخ الإسلام: « .... وصار من أكابر العلماء في حياة شيوخه، وله المصنفات الكبار التي سارت بها الركبان، ولعل تصانيفه في هذا الوقت تكون أربعة آلاف كراس وأكثر، وفسّر كتاب الله تعالى مدة سنين من صدره في أيام الجمع، وكان يتوقد ذكاء، وسماعاته من الحديث كثيرة، وشيوخه أكثر من مائتي شيخ، ومعرفته بالتفسير إليها المنتهى، وحفظه للحديث ورجاله وصحته وسقمه، فما يلحق فيه، وأما نقله للفقه، ومذاهب الصحابة والتابعين، فضلا عن المذاهب الأربعة، فليس له فيه نظير. وأما معرفته بالملل والنحل، والأصول والكلام فلا أعلم له فيه نظيرا

وقال أيضا: كان آية في الذكاء وسرعة الإدراك، رأسا في معرفة الكتاب والسنة والاختلاف. بحرا في

(1) انظر العقود الدرية ص 7.

(2)

المصدر السابق ص 7.

ص: 19

النقليات، هو في زمانه فريد عصره علما وزهدا

إلى أن قال: وقرأ وحصل، وبرع في الحديث والفقه، وتأهل للتدريس والفتوى وهو ابن سبع عشرة سنة.

وتقدم في علم التفسير والأصول، وجميع علوم الإسلام: أصولها وفروعها ودقها وجلها، سوى علم القراءات. فإن ذكر التفسير فهو حامل لوائه، وإن عدّ الفقهاء فهو مجتهدهم المطلق، وإن حضر الحفاظ نطق وخرسوا، وسرد وأبلسوا، واستغنى وأفلسوا. وإن سمي المتكلمون فهو فردهم، وإليه مرجعهم، وإن لاح ابن سينا يقدم الفلاسفة فلّهم وتيّسهم، وهتك أستارهم وكشف عوارهم. وله يد طولى في معرفته العربية والصرف واللغة. وهو أعظم من أن يصفه كلمي، أو ينبه على شأوه قلمي

وقال: وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتاب والسنة والمسند، بحيث يصدق عليه أن يقال:«كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث» ولكن الإحاطة لله، غير أنه يغترف من بحر، وغيره من الأئمة يغترفون من السواقي

، وقال:

فلو حلّفت بين الركن والمقام لحلفت أني ما رأيت بعيني مثله، ولا والله ما رأى هو مثل نفسه في العلم». اه «1» .

وقال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد، وقد سئل عن شيخ الإسلام بعد اجتماعه به، كيف رأيته؟ فقال: «رأيت رجلا سائر العلوم بين عينيه، يأخذ ما شاء منها، ويترك ما شاء

» «2» .

وقال ابن عبد الهادي: «وأخبرني غير واحد أنه كتب مجلدا لطيفا في يوم، وكتب غير مرة أربعين ورقة في جلسة وأكثر، وأحصيت ما كتبه وبيّضه في يوم فكان ثمانية كراريس في مسألة من أشكل المسائل، وكان يكتب على سؤال الواحد مجلدا» اه «3» .

هذه لمحات يسيرة من ثناء الأئمة على الشيخ، من خلالها يمكن للقارئ معرفة ما ميّز الله هذا الرجل من وفرة العلم وسعة الاطلاع. وما ذكرته ما هو إلا قطرة من بحر، وذرة من رمل وشيء يسير جدّا ومن أراد التوسع فليراجع بعض الكتب التي أفردت لهذا الشأن «4» . وبنظرة سريعة على فهارس «مجموع الفتاوى»

(1) المصدر السابق ص 22 - 25، الذيل على طبقات الحنابلة (4/ 390 - 391)، الرد الوافر ص 68 - 72، الشهادة الزكية ص 40 - 43، شذرات الذهب (6/ 82).

(2)

الرد الوافر ص 107، الشهادة الزكية ص 29، شذرات الذهب ص 83.

(3)

العقود الدرية ص 64.

(4)

ومن هذه الكتب: كتاب «العقود الدرية» لابن عبد الهادي، و «الأعلام العلية» للبزار، و «الرد الوافر» لابن ناصر الدين، و «الشهادة الزكية» لمرعي بن يوسف، وغيرها كثير.

ص: 20

يمكن للشخص أن يأخذ من خلالها حكما أوليّا على المكانة العلمية الواسعة والشاملة لهذا الرجل.

ويكفيه فخرا واعتزازا أن له الفضل- بعد الله- في تجديد ما اندرس من المنهج السلفي القائم على الكتاب والسنة، ودعوة الناس من جديد للعودة إلى هذا المعين الصافي والأخذ منه مباشرة، وقد كان لذلك الأثر الكبير على الأمة الإسلامية إلى يومنا هذا.

يقول عبد الله بن حامد في معرض كلامه على مدى تأثره بشيخ الإسلام، وأنه كان سببا في هدايته للحق والصواب، بعد أن فتش في كتب أهل الكلام، متقدميهم، ومتأخريهم باحثا عن النهج السويّ، والطريق المستقيم، يقول- رحمه الله: «وكنت قبل وقوفي على مباحث إمام الدنيا رحمه الله، قد طالعت مصنفات المتقدمين، ووقفت على مقالات المتأخرين من أهل الإسلام، فرأيت فيها الزخارف والأباطيل والشكوك التي يأنف المسلم الضعيف في الدين أن تخطر بباله، فضلا عن القوي في الدين، فكان يتعب قلبي ويحزنني ما يصير إليه الأعاظم، من المقالات السخيفة، والآراء الضعيفة التي لا يعتقد جوازها آحاد الأمة، وكنت أفتش على السنّة المحضة في مصنفات المتكلمين من أصحاب الإمام أحمد على الخصوص، لاشتهارهم بمنصوصات إمامهم في أصول العقائد، فلا أجد عندهم ما يكفي، وكنت أراهم يتناقضون

إلى أن قال: فإذا جمعت بين أقاويل المعتزلة، والأشعرية، وحنابلة بغداد وكرامية خراسان، أرى إجماع هؤلاء المتكلمين في المسألة الواحدة على ما يخالف الدليل العقلي والنقلي، فيسوءني ذلك وأظل أحزن حزنا لا يعلم كنهه إلا الله

إلى أن قال: إلى أن قدّر الله سبحانه وقوع تصنيف الإمام إمام الدنيا في يدي قبيل واقعته الأخيرة بقليل، فوجدت فيه ما يبهرني في موافقة فطرتي، لما فيه من عزو الحق إلى أئمة السنّة وسلف الأمة مع مطابقة المعقول والمنقول، فبهتّ لذلك سرورا بالحق، وفرحا بوجود الضالة التي ليس لفقدها عوض

» «1» .

وقال شهاب الدين أحمد بن مري الحنبلي- أحد تلامذة الشيخ- في رسالة إلى تلاميذ الشيخ يحثهم فيها على جمع مؤلفاته، يقول في معرض ذلك: «فإن يسر الله تعالى وأعان على هذه الأمور العظيمة صارت إن شاء الله مؤلفات شيخنا ذخيرة

(1) رسالة قصيرة في فضل شيخ الإسلام ابن تيمية، ومحبة أهل العلم له، لعبد الله بن حامد الشافعي ص 12 - 14، تحقيق محمد الشيباني، وانظر: العقود الدرية ص 503 - 504، الأعلام العلية ص 33، الرد الوافر ص 196.

ص: 21