المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[المدخل] بسم الله الرّحمن الرّحيم سئل شيخ الإسلام أبو العباس تقي - شرح العقيدة الأصفهانية

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌ترجمة المصنف

- ‌أوّلا اسمه ونسبه ومولده

- ‌ثانيا نشأته، وبداية حياته العلمية

- ‌ثالثا بعض الصفات التي اتصف بها

- ‌أ- صفاته الخلقية:

- ‌ب- صفاته الخلقية:

- ‌1 - كرمه:

- ‌2 - قوته وشجاعته:

- ‌3 - زهده وتواضعه:

- ‌رابعا مواقفه الجهادية

- ‌خامسا محنته ووفاته- رحمه الله

- ‌سادسا مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌سابعا مؤلفاته وآثاره

- ‌ثامنا شيوخه وتلاميذه

- ‌[المدخل]

- ‌[مذهب السلف في الأسماء والصفات]

- ‌فصل [الرد على من نفى بعض صفات الله تعالى]

- ‌فصل [تميز أهل السنة والجماعة عن الكفار والمبتدعين]

- ‌فصل [الرد على نفاة الصفات]

- ‌فصل [الدليل على علم الله تعالى]

- ‌فصل [الدليل على قدرة الله تعالى]

- ‌فصل [الدليل على أنه سبحانه حي]

- ‌فصل [إثبات صفتي العلو والكلام والرد على النفاة]

- ‌[مذهب أهل الحديث في الصفات وذكر الآيات الدالة على ذلك]

- ‌[ذكر الأحاديث الدالة على الصفات]

- ‌فصل [طريقة إثبات السلف والأئمة لكلام الله سبحانه والرد على المشبهة]

- ‌فصل [طرق أخرى في إثبات كونه سبحانه متكلما]

- ‌فصل [إثبات كون الله تعالى سميعا بصيرا]

- ‌فصل [الدليل على نبوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام]

- ‌فصل [طرق دلالة المعجزة على الصدق]

- ‌فصل [مسألة التحسين والتقبيح العقليين]

- ‌فصل [دلائل نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [التصديق بما أخبر به النبيّ صلى الله عليه وسلم من الأمور الغيبية]

- ‌[الفصل الاول]

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس

- ‌الفصل السابع

الفصل: ‌ ‌[المدخل] بسم الله الرّحمن الرّحيم سئل شيخ الإسلام أبو العباس تقي

[المدخل]

بسم الله الرّحمن الرّحيم سئل شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه وهو مقيم بالديار المصرية في شهور سنة اثنتي عشر وسبعمائة أن يشرح العقيدة التي ألفها الشيخ شمس الدين محمد ابن الأصفهاني الإمام المتكلم المشهور الذي قيل إنه لم يدخل إلى الديار المصرية أحد من رءوس علماء الكلام مثله وأن يبين ما فيها.

فأجاب إلى ذلك واعتذر بأنه لا بد عند شرح ذلك الكلام من مخالفة بعض مقاصده لما توجبه قواعد الإسلام فإن الحق أحق أن يتبع، والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين، والله تعالى يقول: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «1» ، النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ «2» ، فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65)«3» .

وقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)«4» وليعلم أن الشرح المطلوب الآتي ذكره اشتمل ولله الحمد مع اختصاره على غرر قواعد أصول الدين التي لم ينهض بتحقيق الحق فيها إلا الجهابذة النقاد من سادات الأولين والآخرين كما ستشهد ذلك ويشهد به وقت التأمل أهل العدل والإنصاف، من المحقين المحققين، والله سبحانه ولي التوفيق، والهادي إلى سواء الطريق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وأول العقيدة المذكورة قوله: (الحمد لله حق حمده، وصلواته على محمد رسوله وعبده: للعالم خالق واجب الوجود لذاته واحد عالم قادر حي مريد متكلم سميع بصير.

(1) سورة الحشر، الآية:7.

(2)

سورة الأحزاب، الآية:6.

(3)

سورة النساء، الآية:65.

(4)

سورة النساء، الآية:59.

ص: 29

والدليل على وجوده: الممكنات لاستحالة وجودها بنفسها واستحالة وجودها بممكن آخر ضرورة استغناء المعلول بعلته عن كل ما سواه وافتقار الممكن إلى علته.

والدليل على وحدته: أنه لا تركيب فيه بوجه من الوجوه وإلا لما كان واجب الوجود لذاته ضرورة افتقاره إلى ما تركب منه، ويلزم من ذلك أنه لا يكون من نوعه اثنان إذ لو كان لزم وجود الاثنين بلا امتياز وهو محال.

والدليل على علمه إيجاده الأشياء لاستحالة إيجاده الأشياء مع الجهل بها.

والدليل على قدرته إيجاده الأشياء، وهي إما بالذات، وهو محال وإلا لكان العالم وكل واحد من مخلوقاته قديما وهو باطل فتعين أن يكون فاعلا بالاختيار وهو المطلوب.

والدليل على أنه حي: علمه وقدرته لاستحالة قيام العلم والقدرة بغير الحي.

والدليل على إرادته: تخصيصه الأشياء بخصوصيات واستحالة التخصيص من غير مخصص.

والدليل على كونه متكلما: أنه آمر وناه لأنه بعث الرسل لتبليغ أوامره ونواهيه ولا معنى لكونه متكلما إلا ذلك.

والدليل على كونه سميعا بصيرا: السمعيات.

والدليل على نبوة الأنبياء: المعجزات.

والدليل على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم القرآن المعجز نظمه ومعناه.

ثم نقول: كل ما أخبر به النبيّ محمد عليه الصلاة والسلام من عذاب القبر ومنكر ونكير وغير ذلك من أحوال القيامة والصراط والميزان والشفاعة والجنة والنار فهو حق لأنه ممكن، وقد أخبر به الصادق فلزم صدقه، والله الموفق).

فأجاب رضي الله تعالى عنه: الحمد لله رب العالمين، ما في هذا الكلام من الإخبار بأن للعالم خالقا وأنه واجب الوجود بنفسه «1» وأنه واحد عالم قادر حي مريد متكلم سميع بصير فهو حق لا ريب فيه وكذلك ما فيه من الإقرار بنبوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأنه يجب التصديق بكل ما أخبر به من

(1) واجب الوجود هو الذي يكون وجوده من ذاته ولا يحتاج إلى شيء أصلا. وواجب الوجود على قسمين: واجب الوجود لذاته كالباري تعالى، وواجب الوجود بالغير كالموجودات.

انظر التعريفات للجرجاني (ص 304).

ص: 30

عذاب القبر ومنكر ونكير وغير ذلك من أحوال القيامة والصراط والميزان، والشفاعة والجنة والنار، فإنه حق، فإن هذه الأسماء المقدسة المذكورة لله تعالى منها ما هو في كتاب الله تعالى كاسمه الواحد والعالم والقادر والحي والسميع والبصير.

قال تعالى: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ «1» وقال تعالى: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16)«2» وقال تعالى: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ «3» وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ «4» وقال تعالى: وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)«5» وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ «6» وقال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ «7» ومثل هذا في القرآن كثير.

أما تسميته سبحانه بأنه مريد وأنه متكلم فإن هذين الاسمين لم يردا في القرآن ولا في الأسماء الحسنى المعروفة، ومعناهما حق، ولكن الأسماء الحسنى المعروفة هي التي يدعى الله بها، وهي التي جاءت في الكتاب والسنة وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها، والعلم والقدرة والرحمة ونحو ذلك وهي في نفسها صفات مدح، والأسماء الدالة عليها أسماء مدح.

أما الكلام والإرادة: فلما كان جنسه ينقسم إلى محمود كالصدق والعدل، وإلى مذموم كالظلم والكذب، والله تعالى لا يوصف إلا بالمحمود دون المذموم، جاء ما يوصف به من الكلام والإرادة في أسماء تخص المحمود كاسمه الحكيم والرحيم والصادق والمؤمن والشهيد والرءوف والحليم والفتاح ونحو ذلك مما يتضمن معنى الكلام ومعنى الإرادة.

فإن الكلام نوعان: إنشاء وإخبار، والإخبار ينقسم إلى صدق وكذب، والله تعالى يوصف بالصدق دون الكذب، والإنشاء نوعان: إنشاء تكوين وإنشاء تشريع، فإنه سبحانه له الخلق والأمر، وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، والتكوين يستلزم الإرادة عند جماهير الخلائق، وكذلك يستلزم الكلام عند أكثر أهل الإثبات، وأما التشريع فيستلزم الكلام وفي استلزامه الإرادة نزاع، والصواب

(1) سورة البقرة، الآية:163.

(2)

سورة غافر، الآيتان: 15، 16.

(3)

سورة آل عمران، الآية:2.

(4)

سورة طه، الآية:111.

(5)

سورة التغابن، الآيتان: 17، 18.

(6)

سورة فاطر، الآية:1.

(7)

سورة الشورى، الآية:11.

ص: 31

أنه يستلزم أحد نوعي الإرادة كما سنبين إن شاء الله، والإنشاء يتضمن الأمر والنهي والإباحة، والله تعالى يوصف بأنه يأمر بالخير وينهى عن الشر فهو سبحانه لا يأمر بالفحشاء، وكذلك الإرادة قد نزه نفسه عن بعض أنواعها بقوله تعالى: وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ «1» .

وقوله: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ «2» فلهذا لم يجئ في أسمائه الحسنى المأثورة: المتكلم والمريد.

وأما ما يوصف به الرب من الكلام والإرادة، فقد دلت عليه أسماؤه الحسنى، وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن الله تعالى متكلم بكلام قائم به وأن كلامه غير مخلوق «3» ، وأنه مريد بإرادة قائمة به، وأن إرادته ليست مخلوقة، وأنكروا على الجهمية «4» من المعتزلة وغيرهم الذين قالوا: إن كلام الله مخلوق خلقه في غيره وإنه كلّم موسى بكلام خلقه في الهواء.

واتفق سلف الأمة وأئمتها على أن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود ومعنى قولهم: منه بدأ أي هو المتكلم به لم يخلقه في غيره كما قالت الجهمية من المعتزلة وغيرهم أنه بدأ من بعض المخلوقات وأنه سبحانه لم يقم به كلام، ولم يرد السلف أنه كلام فارق ذاته فإن الكلام وغيره من الصفات لا تفارق الموصوف بل صفة المخلوق لا تفارقه وتنتقل إلى غيره فكيف تكون صفة الخالق تفارقه وتنتقل إلى غيره؟ ولهذا قال الإمام أحمد: كلام الله من الله ليس ببائن منه، ورد بذلك على الجهمية المعتزلة وغيرهم الذين يقولون كلام الله بائن منه خلقه في بعض الأجسام، ومعنى قول السلف: إليه يعود ما

(1) سورة آل عمران، الآية:108.

(2)

سورة البقرة، الآية:185.

(3)

فهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وانظر لمزيد من الفائدة شرح شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى على العقيدة الواسطية (2/ 93 وما بعدها).

(4)

الجهمية هي إحدى الفرق الكلامية التي تنتسب إلى الإسلام، قامت على البدع الكلامية والآراء المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة، متأثرة بعقائد وآراء اليهود والصابئة والمشركين والفلاسفة الضالين.

وأول من قال بهذه العقيدة وإليه تنسب هو الجهم بن صفوان الذي أخذها عن الجعد بن درهم الذي أخذها عن أبان بن سمعان اليهودي.

وتتلخص آراء الجهمية العقدية في إنكار جميع أسماء الله تعالى وصفاته وجعلها من باب المجاز، وفي القول بالإرجاء في فعل الإنسان، وأن القرآن مخلوق، بالإضافة إلى نفي عذاب القبر والصراط والميزان ورؤية الله تعالى، بالإضافة إلى قولهم أن الله تعالى في كل مكان ومع كل أحد بذاته، تعالى الله عمّا يقوله الظالمون الجاحدون علوّا كبيرا.

ص: 32

جاء في الآثار: «إن القرآن يسرى به حتى لا يبقى في المصاحف منه حرف ولا في القلوب منه آية» «1» .

وقد قال الله تعالى عن المخلوق: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً «2» ومع هذا فكلمة المخلوق لا تفارق ذاته وتنتقل إلى غيره.

وما جاءت به الآثار عن النبيّ صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين لهم بإحسان وغيرهم من أئمة المسلمين كالحديث الذي رواه أحمد في مسنده وكتبه إلى المتوكل في رسالته التي أرسل بها إليه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما تقرب العباد إلى الله بمثل ما خرج منه» «3» يعني القرآن، وفي لفظ:«بأحب إليه مما خرج منه» ، وقول أبي بكر الصديق لما سمع كلام مسيلمة:«إن هذا كلام لم يخرج من إل» . أي من رب.

وقول ابن عباس لما سمع قائلا يقول لميت وضع في لحده: اللهم رب القرآن اغفر له، فالتفت إليه ابن عباس فقال:«مه. القرآن كلام الله ليس بمربوب منه خرج وإليه يعود» ، هذا الكلام معروف عن ابن عباس.

وقول السلف: القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود كما استفاضت الآثار عنهم بذلك كما هو مذكور عنهم في الكتب المنقولة عنهم بالأسانيد المشهورة لا يدل على أن الكلام يفارق المتكلم وينتقل إلى غيره، ولكن هذا دليل على أن الله هو المتكلم بالقرآن.

(1) أخرجه ابن ماجه في سننه برقم (4149) والحاكم في المستدرك (4/ 473 و545) ونعيم بن حماد في الفتن (ق 173/ 1) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس:

الشيخ الكبير والعجوز، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة (لا إله إلا الله) فنحن نقولها».

والحديث صححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (87).

(2)

سورة الكهف، الآية:5.

(3)

أخرجه الترمذي في سننه برقم (2911) وأحمد في المسند برقم (22306) والطبراني في معجمه الكبير برقم (7657) والخطيب في تاريخه (7/ 88) و (12/ 220) والمروزي في تعظيم قدر الصلاة برقم (178) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، ولفظه بتمامه:«ما أذن لعبد في شيء أفضل من ركعتين يصليهما، وإن البرّ ليذر فوق رأس العبد ما دام في صلاته، وما تقرب العباد إلى الله بمثل ما خرج منه» يعني القرآن.

والحديث ضعفه العلامة الألباني في الضعيفة برقم (1957) وفي ضعيف سنن الترمذي برقم (555).

ص: 33

ومنه سمع لا أنه خلقه في غيره، كما فسره بذلك أحمد وغيره من الأئمة.

قال أبو بكر الأشتر: سئل أحمد عن قوله: القرآن كلام الله منه خرج وإليه يعود؟

فقال أحمد: منه خرج: هو المتكلم به وإليه يعود.

ذكره الخلال «1» في كتاب السنة عن عبد الله بن أحمد «2» .

وما جاءت به الآثار مثل قول خباب بن الأرت: «تقرب إلى الله بما استطعت فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه مما خرج منه» وروي ذلك مرفوعا ونحو ذلك أولى أن لا يدل على أن الكلام يفارق المتكلم وينتقل إلى غيره، ولكن هذا دليل على أن الله هو المتكلم بالقرآن ومنه سمع لا أنه خلقه في غيره.

وقد بين السلف والأئمة وأتباعهم فساد قول الجهمية وأتباعهم- الذين يقولون كلامه مخلوق- بوجوه كثيرة مثل قولهم: لو كان مخلوقا في غيره لكان صفة لذلك المحل ولاشتق لذلك المحل منه اسم كما في سائر الصفات مثل العلم والقدرة والسمع والبصر والحياة وكما في الحركة والسكون والسواد والبياض وسائر الصفات التي تشترط لها الحياة فإنها إذا قامت بالمحل كانت صفة لذلك المحل دون غيره، واشتق لذلك المحل منها اسم دون غيره، فإن الصفة إذا قامت بمحل عاد حكمها على ذلك المحل دون غيره، وسمي بالاسم المشتق منها ذلك المحل دون غيره، وطرد هذا عند السلف وجمهور أهل الإثبات في أسماء الأفعال كالخالق والعادل وغير ذلك.

أما من لم يطرد ذلك بل زعم أنه يوصف بصفات الأفعال وهي عنده

(1) هو الإمام العلامة الفقيه الحافظ شيخ الحنابلة وعالمهم أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد البغدادي الخلّال، ولد سنة أربع وثلاثين ومائتين، وأخذ الفقه عن خلق كثير، ورحل إلى فارس وإلى الشام والجزيرة يطلب فقه الإمام أحمد وفتاويه وأجوبته، وكتب عن الكبار والصغار حتى كتب عن تلامذته، وجمع فأوعى، ثم إنه صنف كتاب الجامع في الفقه من كلام الإمام أحمد في عشرين مجلدا، وصنف كتاب العلل عن أحمد في ثلاث مجلدات، وألف كتاب السنة في ثلاث مجلدات تدل على إمامته وسعت علمه، ولم يكن قبله للإمام مذهب مستقل، حتى تتبع هو نصوص أحمد ودونها وبرهنها بعد الثلاث مائة. توفي سنة إحدى عشرة وثلاث مائة وله سبع وسبعون سنة، رحمه الله تعالى.

انظر ترجمته في السير (14/ 297) وتاريخ بغداد (5/ 112 - 113) وتذكرة الحفاظ (3/ 785 - 786) والبداية والنهاية (11/ 148).

(2)

أخرجه الخلال في كتاب السنة برقم (1859) وابن بطة العكبري في الإبانة (الكتاب الثالث)(2/ 36) برقم (226).

ص: 34

المفعولات المباينة له ويشتق له منها اسم فقوله متناقض، ولهذا نقضت المعتزلة قول هؤلاء بما سلموه لهم وبسط هذا له موضع آخر.

والمقصود هنا التنبيه على الفرق بين المتكلم والمريد وغيرهما حيث جاءت النصوص باسم العليم والقدير والسميع والبصير، ولم تأت باسم المريد والمتكلم بما يدل على مطلق الإرادة والكلام وإنما جاءت بما يدل على الكلام المحمود والإرادة المحمودة لا باسم يشترك فيه المحمود والمذموم وأن الكلام والإرادة مما يقوم بالرب تعالى ويوصف به ليس ذلك أمرا منفصلا عنه كما تزعم الجهمية، والتنبيه على أنه لو كان كلام الله مخلوقا في محل لكان ذلك المحل هو المتكلم به، وكانت الشجرة مثلا هي القائلة لموسى:

إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي «1» ولوجب أن يكون ما أنطق الله به بعض مخلوقاته كلاما له وقد قال تعالى: وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ «2» .

وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يسلم عليه الحجر، وقال:«إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن» «3» . وقد سبح الحصى بيديه حتى سمع تسبيحه «4» ، وأمثال ذلك كثير، والله هو الذي أنطق هذه الأجسام فلو كان ما يخلقه من النطق والكلام كلاما له لكان ذلك كلام الله كما أن القرآن كلام، وكان لا فرق بين أن ينطق هو وبين أن ينطق غيره من المخلوقات، وهذا ظاهر الفساد.

وكان قدماء الجهمية تنكر أن يكون الله يتكلم، فإن حقيقة مذهبهم أن الله لا يتكلم، ولهذا قتل المسلمون أول من أظهر هذه البدعة في الإسلام: الجعد بن

(1) سورة طه، الآية:14.

(2)

سورة فصلت، الآية:21.

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه برقم (2277) وأحمد في المسند برقم (20828 و21005) والترمذي في سننه برقم (3624) وأبو يعلى في مسنده برقم (7469) والطبراني في معجمه الكبير برقم (1907 و1995) والطيالسي في مسنده برقم (781) وابن حبان في صحيحه برقم (6482) والبيهقي في الدلائل (2/ 153) والبغوي في شرح السنة برقم (3709) وتمام في فوائده برقم (1412) وابن أبي شيبة في المصنف (11/ 464) والدارمي في سننه برقم (20) من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه.

(4)

أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط (4/ 254/ 4097) وإسناده ضعيف فيه محمد بن أبي حميد: ضعيف. انظر مجمع الزوائد (5/ 179).

ص: 35

درهم «1» ، ضحى به خالد القسري «2» في يوم النحر، وقال: ضحوا أيها الناس تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله عمّا يقول الجعد علوّا كبيرا، ثم نزل فذبحه.

ثم إنهم صاروا يقولون إنه متكلم مجازا ثم أظهروا القول بأنه متكلم حقيقة وفسروا ذلك بأنه خالق للكلام في غيره، وكان هذا من التلبيس على الناس فإن المتكلم عند الناس من قام به الكلام لا من أحدثه في غيره، كما أن المريد والرحيم والسميع والبصير والعالم والقادر من قامت به الإرادة والرحمة والسمع والبصر والعلم والقدرة لا من أحدث ذلك في غيره وكذلك الإرادة.

ومن الجهمية والمعتزلة وغيرهم من يقول إنه لا إرادة له كما يقوله من يقوله من المعتزلة البغداديين، ومنهم من يقول: له إرادة أحدثها لا في محل كما يقوله البصريون منهم، والشيعة المتأخرون وافقوهم على ذلك ولهم قولان كالمعتزلة وهو من أفسد الأقوال من وجهين: من جهة إثباتهم صفة لا في محل، ومن جهة إثباتهم حادثا أحدثه لا بإرادة.

فهذا المصنف: احترز عن مذهب هؤلاء وأحسن في ذلك، ولكن هذا المصنف اختصر هذه العقيدة من كتب المتكلمين الصفاتية الذين يثبتون ما ذكره من الصفات بما نبه عليه من الطرق العقلية ويسمون ذلك العقليات.

وأما أمر المعاد: فيجعلونه كله من باب السمعيات لأنه ممكن في العقل

(1) هو المبتدع الضال الجعد بن درهم الذي زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، فقتل على ذلك بالعراق يوم النحر والقصة مشهورة، وللجعد أخبار كثيرة في الزندقة منها أنه جعل في قارورة ترابا وماء فاستحال دودا وهوام، فقال: أنا خلقت هذا، لأني كنت سبب كونه، نسأل الله تعالى السلامة.

انظر ترجمته في ميزان الاعتدال (2/ 125) ولسان الميزان (2/ 134) والمغني (1/ 131) والضعفاء الكبير (1/ 306).

(2)

هو الأمير أبو الهيثم خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز البجلي القسري الدمشقي أمير العراقين لهشام، وولي قبل ذلك مكة للوليد بن عبد الملك ثم لسليمان.

كان جوادا ممدّحا عالي الرتبة من نبلاء الرجال وله دار كبيرة في مربعة القز بدمشق ثم صارت تعرف بدار الشريف اليزيدي.

انظر ترجمته في السير (5/ 425) والجرح والتعديل (3/ 357) وتاريخ ابن عساكر (5/ 117).

ص: 36

والصادق قد أخبر به، وأما المعتزلة «1» والفلاسفة «2» والكرامية «3» وغيرهم وكثير من أهل الحديث والفقه من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم وكثير من الصوفية وسلف الأمة وأئمتها فيجعلون المعاد أيضا من العقليات ويثبتونه بالعقل، ويخوض أهل التأويل فيه كما خاضت الصفاتية في ذلك، ولكن المصنف سلك في ذلك طريقة أبي عبد الله الرازي «4» فأثبت العلم والقدرة والإرادة والحياة بالعقل، وأثبت السمع

(1) المعتزلة من الفرق الضالة التي تنسب إلى الإسلام نشأت في أواخر العصر الأموي وازدهرت في العصر العباسي، وقد اعتمدت على العقل المجرد في فهم العقيدة الإسلامية لتأثرها ببعض الفلسفات المستوردة مما أدى إلى انحرافها عن عقيدة أهل السنة والجماعة.

ومن أقاويلهم المنحرفة: القول بأن مرتكب الكبيرة ليس مؤمنا ولا كافرا ولكنه فاسق فهو بمنزلة بين المنزلتين، هذه حاله في الدنيا أما في الآخرة فهو لا يدخل الجنة لأنه لم يعمل بعمل أهل الجنة بل هو خالد مخلد في النار، ولا مانع عندهم من تسميته مسلما باعتباره يظهر الإسلام وينطق بالشهادتين ولكنه لا يسمى مؤمنا.

ومن أبرز العلماء الذين ردّوا عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه القيم: درء تعارض العقل والنقل، فقد تتبع آراءهم وأفكارهم واحدة واحدة ورد عليها ردّا مفحما، فبيّن عوارهم وكشف باطلهم، فلله الحمد والمنة.

(2)

الفلسفة كلمة يونانية مركبة من كلمتين (فيلا) بمعنى الإيثار وجعلها فيثاغورس بمعنى محبة و (سوفيا) ومعناها الحكمة.

والفيلسوف مشتق من الفلسفة بمعنى مؤثر الحكمة، إلا أن المصطلح تطور وأصبح يعني الحكمة من ثم أصبح يطلق على الفيلسوف الحكيم والفيلسوف عند أرسطو أعلى درجة من النبي لأن النبيّ يدرك عن طريق المخيلة بينما الفيلسوف يدرك عن طريق العقل والتأمل، والمخيلة عندهم درجة أدنى من التأمل. وقد تابع الفارابي أرسطو في جعل الفيلسوف فوق النبيّ والعياذ بالله.

ويلخص الإمام ابن أبي العز الحنفي في شرحه للطحاوية مذهب الفلاسفة في خمسة أصول للدين عندهم وهي: أن الله سبحانه وتعالى موجود لا حقيقة له ولا ماهية، ولا يعلم الجزئيات أعيانها ولكنه يعلمها إجماليّا، وبالتالي أنكروا خلق أفعال عباده.

كما لا يؤمنون بكتبه حيث إن الله عندهم لا يتكلم ولا يكلم، وأن القرآن فيض ماض من العقل الفعال على قلب بشر زكي النفس طاهر. تعالى الله عن وصفهم علوّا كبيرا.

وأن الملائكة ليست ذوات منفصلة تصعد وتنزل وتذهب وتجيء إنما هي عندهم أمور ذهنية لا وجود لها في الأعيان.

والفلاسفة أشد الناس إنكارا لليوم الآخر وأحداثه، وما الجنة والنار عندهم إلا أمثال مضروبة لتفهيم الناس العوام ولا حقيقة لها في الخارج.

(3)

الكرامية إحدى الفرق الضالة الكلامية التي تنسب إلى أبي عبد الله بن محمد بن كرام، وقد انقسمت الكرامية إلى أكثر من عشر فرق.

انظر معتقدهم وآراءهم في الملل والنحل للشهرستاني (1/ 99 وما بعدها).

(4)

هو فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين القرشي البكري الطبرستاني الأصولي المفسر ولد-

ص: 37

والبصر والكلام بالسمع، ولم يثبت شيئا من الصفات الخبرية، وأما من قبل هؤلاء كأبي المعالي الجويني «1» وأمثاله والقاضي أبي يعلى «2» وأمثاله فيثبتون جميع هذه الصفات بالعقل كما كان يسلكه القاضي أبو بكر «3» ومن قبله كأبي الحسن الأشعري «4» وأبي

- سنة أربع وأربعين وخمس مائة، واشتغل على أبيه الإمام ضياء الدين خطيب الري وانتشرت تواليفه في البلاد شرقا وغربا، وقد بدت منه في تواليفه بلايا وعظائم وسحر وانحرافات عن السنة، والله يعفو عنه فإنه توفي على طريقة حميدة، والله يتولى السرائر.

وقد اعترف في آخر عمره حيث يقول: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [سورة طه، الآية: 5]، وإِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ [سورة فاطر، الآية: 10] وأقرأ في النفي: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [سورة الشورى، الآية: 11] ومن جرّب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.

توفي بهراة يوم عيد الفطر سنة ست وست مائة وله بضع وستون سنة.

انظر ترجمته في السير (21/ 500) والكامل في التاريخ (12/ 120) وتاريخ الإسلام (18/ 1/ 232 - 244) والبداية والنهاية (13/ 55 - 56).

(1)

هو الإمام العلامة شيخ الشافعية إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن الإمام أبي محمد عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيّويه الجويني ثم النيسابوري ضياء الدين الشافعي صاحب التصانيف، ولد في سنة تسع عشرة وأربع مائة وطلب العلم وتفقه ودرس على عدد من العلماء، وكان له بعض الآراء التي تأثر بها بمذهب المعتزلة إلا أنه رجع في آخر عمره إلى مذهب السلف ورجحه وأقرّه.

توفي في الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين وأربع مائة.

انظر ترجمته في السير (18/ 468) والبداية والنهاية (12/ 128 - 129) والمنتظم (9/ 18 - 20) والكامل (10/ 145).

(2)

هو الإمام العلامة شيخ الحنابلة القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد البغدادي الحنبلي ابن الفراء صاحب التعليقة الكبرى والتصانيف المفيدة في المذهب.

ولد في أول سنة ثمانين وثلاث مائة وطلب العلم وتفقه على عدد من العلماء، ثم أفتى ودرس وتخرج به الأصحاب، وانتهت إليه الإمامة في الفقه، وكان متعففا نزه النفس كبير القدر ثخين الورع، توفي سنة ثمان وخمسين وأربع مائة.

انظر ترجمته في السير (18/ 89) وتاريخ بغداد (2/ 256) وطبقات الحنابلة (2/ 193 - 130) والبداية والنهاية (12/ 94، 95).

(3)

ستأتي ترجمته بعد قليل.

(4)

هو العلامة إمام المتكلمين أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أمير البصرة بلال بن أبي بردة بن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي موسى عبد الله بن قيس بن مضار الأشعري اليماني البصري.

ولد سنة ستين ومائتين وأخذ عن جمع من العلماء، وكان عجبا في الذكاء وقوة الفهم، ولمّا برع في معرفة الاعتزال كرهه وتبرأ منه، وصعد للناس، فتاب إلى الله تعالى منه، ثم أخذ يرد على المعتزلة ويهتك عوارهم.-

ص: 38

العباس القلانسي ومن قبلهم كأبي محمد بن كلاب «1» والحارث المحاسبي «2» وغيرهما، وهكذا السلف والأئمة كالإمام أحمد بن حنبل «3» وأمثاله يثبتون هذه الصفات بالعقل كما ثبتت بالسمع وهذه الطريقة أعلى وأشرف من طريقة هؤلاء المتأخرين، كما سنبين إن شاء الله تعالى.

وأيضا فأئمة الصفاتية المتقدمون كابن كلاب والحارث المحاسبي

- قال الفقيه أبو بكر الصيرفي: كانت المعتزلة قد رفعوا رءوسهم حتى نشأ الأشعري فحجرهم في أقماع السمسم.

وقال الإمام الذهبي رحمه الله: رأيت لأبي الحسن أربعة تواليف في الأصول يذكر فيها قواعد مذهب السلف في الصفات، وقال فيها: تمر كما جاءت، ثم قال: وبذلك أقول وبه أدين ولا تؤول.

مات ببغداد سنة أربع وعشرين وثلاث مائة.

انظر ترجمته في السير (15/ 85) وتاريخ بغداد (11/ 346 - 347) والبداية والنهاية (11/ 187) وشذرات الذهب (2/ 303 - 305).

(1)

هو رأس المتكلمين بالبصرة في زمانه أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلّاب القطان البصري صاحب التصانيف في الرد على المعتزلة وربما وافقهم.

انظر ترجمته في السير (11/ 174) ولسان الميزان (3/ 290، 291) وطبقات الشافعية (2/ 299، 300).

(2)

هو الزاهد العارف شيخ الصوفية أبو عبد الله الحارث بن أسد البغدادي المحاسبي صاحب التصانيف الزهدية، قال الخطيب عنه: له كتب كثيرة في الزهد وأصول الديانة والرد على المعتزلة والرافضة.

وقال الإمام الذهبي عنه: المحاسبي كبير القدر وقد دخل في شيء يسير من الكلام فنقم عليه، وورد أن الإمام أحمد أثنى على حال الحارث من وجه. وحذر منه. مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين.

انظر ترجمته في السير (12/ 110) وتاريخ بغداد (8/ 211) وطبقات الشافعية (2/ 275) والبداية والنهاية (10/ 345).

(3)

هو الإمام حقّا وشيخ الإسلام صدقا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيّان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل الذهلي الشيباني المروزي ثم البغدادي أحد الأئمة الأعلام والعلماء الأفهام، ولد في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة.

طلب العلم وهو ابن خمس عشرة سنة، وسمع من عدد كبير من أهل العلم، وحدث عنه عدد كبير أيضا من العلماء وانتهت إليه الإمامة في الدين، وضرب به المثل في العلم والزهد والورع والصبر والثبات على الحق، فرحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى في الجنة.

انظر ترجمته في السير (11/ 177 - 358) وطبقات ابن سعد (7/ 354 - 355) وطبقات الحنابلة (1/ 4 - 20) والبداية والنهاية (10/ 325 - 343) وشذرات الذهب (2/ 96 - 98).

ص: 39

والأشعري وأبي العباس القلانسي وأبي عبد الله بن مجاهد، وأبي الحسن الطبري والقاضي أبي بكر ابن الباقلاني «1» ، وأبي إسحاق الأسفرائيني «2» ، وأبي بكر ابن فورك «3» وغيرهم يثبتون الصفات الخبرية التي ثبت أن رسول الله أخبر بها وكذلك سائر طوائف الإثبات كالسالمية والكرامية وغيرهم وهذا مذهب السلف والأئمة.

ولا ريب أن ما أثبته هؤلاء الصفاتية من صفات الله تعالى ثابت بالشرع مع العقل، وهو متفق عليه بين سلف الأئمة وأئمتها، وإنما خصوا هذه الصفات بالذكر دون غيرها لأنها هي التي دل العقل عليها عندهم كما نبه عليه المصنف، ولكن لا يلزم من عدم الدليل المعين عدم المدلول فلا يلزم نفي ما سوى هذه من الصفات، والسمع قد أثبت صفات أخرى، وأيضا فإن الرازي ونحوه ممن لم يثبت السمع طريقا إلى إثبات الصفات، ولا نزاع بينهم أنه طريق صحيح لكن يفرقون بين ما أثبتوه وبين ما توقفوا في ثبوته بأن العقل دل على ما أثبتناه ولم يدل على ما توقفنا فيه، ولهم فيما لم يثبتوه طريقان: منهم من نفاه ومنهم من توقف فيه فلم يحكم فيه بإثبات ولا نفي، وهذه طريقة محققيهم كالرازي والآمدي وغيرهما بل ومن الناس من يثبت صفات أخرى بالعقل.

(1) هو العلامة القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن قاسم البصري ثم البغدادي ابن الباقلاني صاحب التصانيف، وكان يضرب المثل بفهمه وذكائه، صنف في الرد على الرافضة والمعتزلة والخوارج والجهمية والكرّامية وانتصر لطريقة أبي الحسن الأشعري وإليه انتهت رئاسة المالكية في وقته، وكان له بجامع البصرة حلقة عظيمة.

مات في ذي القعدة سنة ثلاث وأربع مائة.

انظر ترجمته في السير (17/ 190) وتاريخ بغداد (5/ 379 - 383) والبداية والنهاية (11/ 350 - 351) وشذرات الذهب (3/ 168 - 170).

(2)

هو العلامة الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الأسفرائيني الأصولي الشافعي، أحد المجتهدين في عصره، وصاحب المصنفات الباهرة، بنيت له بنيسابور مدرسة مشهورة فدرس فيها.

توفي بنيسابور يوم عاشوراء من سنة ثماني عشرة وأربع مائة.

انظر ترجمته في السير (17/ 353) والبداية والنهاية (12/ 24) وشذرات الذهب (3/ 209) وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 169، 170).

(3)

هو العلامة شيخ المتكلمين أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني صاحب التصانيف الكثيرة، وكان أشعريّا رأسا في فن الكلام أخذ عن أبي الحسن الباهلي صاحب الأشعري.

انظر ترجمته في السير (17/ 214) وشذرات الذهب (3/ 181 - 182) وطبقات الشافعية (4/ 127 - 135).

ص: 40