المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الأحكام - شرح الكوكب المنير = شرح مختصر التحرير - جـ ١

[ابن النجار الفتوحي]

الفصل: ‌فصل في الأحكام

‌فصل في الأحكام

فصل:"الأَحْكَامُ"

أَيْ: هَذَا فَصْلٌ نَذْكَرُ1 فِيهِ هُنَا نُبْذَةً مِنْ مَعَانِي الأَحْكَامِ. وَحَيْثُ انْتَهَى الْكَلامُ عَلَى مَا يُسْتَمَدُّ مِنْهُ هَذَا الْعِلْمُ مِنْ اللُّغَةِ، شَرَعْنَا فِي ذِكْرِ مَا يُسْتَمَدُّ مِنْهُ مِنْ الأَحْكَامِ، إذْ لا بُدَّ مِنْ حُكْمٍ، وَحَاكِمٍ، وَمَحْكُومٍ فِيهِ، وَمَحْكُومٍ عَلَيْهِ.

وَالْكَلامُ الآنَ فِي الْحُكْمِ2 فَنَقُولُ:

"الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ" يُطْلَقُ بِثَلاثَةِ3 اعْتِبَارَاتٍ:

أَحَدُهَا: "بِمَعْنَى مُلاءَمَةِ الطَّبْعِ وَمُنَافَرَتِهِ4". كَقَوْلِنَا: إنْقَاذُ الْغَرِيقِ حَسَنٌ، وَاتِّهَامُ الْبَرِيءِ قَبِيحٌ.

الثَّانِي: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: "أَوْ" بِمَعْنَى "صِفَةِ كَمَالٍ وَنَقْصٍ" كَقَوْلِنَا: الْعِلْمُ حَسَنٌ، وَالْجَهْلُ قَبِيحٌ.

1 في ش: يذكر.

2 بدأ المؤلف رحمه الله الكلام على الحكم، وضمنه الحديث عن الحاكم، لأن الحكم والحاكم متلازمان، وقد تبع في ذلك ابن السبكي الذي عرف الحكم بأنه خطاب الله. ثم قال: لا حاكم إلا الله "جمع الجوامع 1/ 47، 53" والكلام عن الحاكم من اختصاص علم أصول الدين. ولكن علماء أصول الفقه يتعرضون لبعض بحوثه التي تتصل بالحكم. يقول الآمدي: اعلم أنه لا حاكم سوى الله تعالى، ولا حكم إلا ما حكم به، ويتفرع عليه: أن العقل لا يحسن ولا يقبح. ولا يوجب شكر المنْعم، وأنه لا حكم قبل ورود الشرع "الإحكام له 1/ 79".

3 في ز ب ض: لثلاث.

4 قال البناني: "ليس المراد بالطبع المزاج، بل الطبيعة الإنسانية المائلة إلى جلب المنافع ودفع المضار. "حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 57". وقال الغزالي: "إنْ المراد هو ما يوافق غرض الفاعل أو يخالفه". "المستصفى 1/ 56"

ص: 300

وَكُلٌّ مِنْهُمَا1 "عَقْلِيٌّ" أَيْ إنَّ الْعَقْلَ يَسْتَقِلُّ بِإِدْرَاكِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الشَّرْعِ2.

"وَ" الثَّالِثُ: إطْلاقُ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ "بِمَعْنَى الْمَدْحِ وَالثَّوَابِ، وَ" بِمَعْنَى "الذَّمِّ وَالْعِقَابِ: شَرْعِيٌّ، فَلا حَاكِمَ إلَاّ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْعَقْلُ لا يُحَسِّنُ وَلا يُقَبِّحُ وَلا يُوجِبُ وَلا يُحَرِّمُ3" عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَالأَشْعَرِيَّةِ4.5 قَالَهُ6 ابْنُ عَقِيلٍ وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْفُقَهَاءِ7.

قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ5: لَيْسَ فِي السُّنَّةِ قِيَاسٌ، وَلا يُضْرَبُ لَهَا الأَمْثَالُ، وَلا تُدْرَكُ بِالْعَقْلِ، وَإِنَّمَا هُوَ الاتِّبَاعُ.

1 أي من المعنيين السابقين للحسن والقبيح.

2 انظر: نهاية السول 1/ 145، شرح تنقيح الفصول ص89، فواتح الرحموت 1/ 25، التوضيح على التنقيح 3/ 103، كتاب الأربعين ص246.

3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 79.

4 نقل ابن حجر عن السمعاني قوله: "إن العقل لا يوجب شيئاً، ولا يحرم شيئاً، ولا حظَّ له في شيء من ذلك، ولو لم يرد الشرع بحكم ما وجب على أحد شيء

" ثم ذكر الأدلة. "فتح الباري 13/ 274".

5 في ز ب: قال ابنْ عقيل وأهل السنة والإمام أحمد رحمه الله تعالى.

6 في ع ض: قال.

7 انظر معنى الحسن والقبيح وكلام العلماء فيه قي "المسودة ص473، 577، التعريفات ص91، 178، حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 57، التوضيح على التنقيح 2/ 103، إرشاد الفحول ص7، الإحكام، الآمدي 1/ 79، مختصر ابن الحاجب وشرحه وحواشيه 1/ 200، نهاية السول 1/ 145، تيسير التحرير 2/ 152، شرح البدخشي 1/ 144، الإحكام، ابن حزم 1/ 51، الإرشاد للجويني ص258 غاية المرام ص234، نهاية الأقدام ص370، الأربعين ص246".

ص: 301

وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ1، مِنْ أَصْحَابِنَا، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ الْقَيِّمِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُعْتَزِلَةُ، وَالْكَرَّامِيَّةُ: الْعَقْلُ يُحَسِّنُ وَيُقَبِّحُ، وَيُوجِبُ وَيُحَرِّمُ2.

وَنُقِلَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ قَوْلانِ3.

قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: قَالَ شَيْخُنَا - يَعْنِي4 الشَّيْخَ5 تَقِيَّ الدِّينِ- وَغَيْرُهُ: الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ ثَابِتَانِ، وَالإِيجَابُ وَالتَّحْرِيمُ بِالْخِطَابِ وَالتَّعْذِيبُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الإِرْسَالِ وَرَدُّ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الشَّرْعِيَّيْنِ إلَى الْمُلاءَمَةِ وَالْمُنَافَرَةِ؛ لأَنَّ الْحُسْنَ الشَّرْعِيَّ: يَتَضَمَّنُ الْمَدْحَ وَالثَّوَابَ الْمُلائِمَيْنِ. وَالْقُبْحُ الشَّرْعِيُّ: يَتَضَمَّنُ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ الْمُنَافِرَيْنِ.

وَاخْتَارَ ابْنُ الْخَطِيبِ6 فِي آخِرِ كُتُبِهِ: أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ الْعَقْلِيَّيْنِ ثَابِتَانِ فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ. انْتَهَى.

1 هو عبد العزيز بن الحارث بن أسد، أبو الحسن التميمي. ولد سنة 317هـ. وصنف في الأصول والفروع والفرائض. توفي سنة 371هـ. "انظر: طبقات الحنابلة 2/ 139، المنهج الأحمد 2/ 66".

2 انظر: المعتمد 1/ 365، 2/ 868، الإحكام، الآمدي 1/ 80، إرشاد الفحول ص7، شرح البدخشي 1/ 146، المسودة ص473، 480، شرح العضد وحواشيه 1/ 122، تيسير التحرير 2/ 152، كشف الأسرار 4/ 230، شرح تنقيح الفصول ص88، مدارج السالكين 1/ 231، الرد على المنطقيين ص420، الإرشاد للجويني ص258.

3 انظر: تيسير التحرير 2/ 150، كشف الأسرار 4/ 231، فواتح الرحموت 1/ 25، المنخول ص15، غاية المرام في علم الكلام ص235، التوضيح على النتقيح 2/ 104.

4 في ب ع ض: يعني به.

5 ساقطة من ز.

6 هو الفخر الرازي. "انظر: طبقات الشافعية الكبراى للسبكي 8/ 18، وفيات الأعيان 3/ 381" وقد مرت ترجمته سابقاً.

ص: 302

وَقَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ أَيْضًا: لَيْسَ مُرَادُ الْمُعْتَزِلَةِ بِأَنَّ الأَحْكَامَ عَقْلِيَّةٌ: 1 أَنَّ الأَوْصَافَ 1 مُسْتَقِلَّةٌ بِالأَحْكَامِ، 2 وَلا أَنَّ "2 الْعَقْلَ هُوَ الْمُوجِبُ، أَوْ الْمُحَرِّمُ3، بَلْ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ: أَنَّ الْعَقْلَ أَدْرَكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِحِكْمَتِهِ الْبَالِغَةِ كَلَّفَ4 بِتَرْكِ الْمَفَاسِدِ5 وَتَحْصِيلِ6 الْمَصَالِحِ. فَالْعَقْلُ أَدْرَكَ الإِيجَابَ وَالتَّحْرِيمَ7، 8 لا أَنَّهُ 8 أَوْجَبَ وَحَرَّمَ فَالنِّزَاعُ 9 مَعَهُمْ: فِي 9 أَنَّ الْعَقْلَ أَدْرَكَ ذَلِكَ أَمْ لا؟

فَخُصُومُهُمْ يَقُولُونَ10: ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلا يَلْزَمُ مِنْ الْجَوَازِ الْوُقُوعُ.

وَهُمْ يَقُولُونَ: بَلْ هَذَا عِنْدَ الْعَقْلِ مِنْ قِبَلِ الْوَاجِبَاتِ. فَكَمَا11 يُوجِبُ الْعَقْلُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَلِيمًا12 قَدِيرًا مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، كَذَلِكَ أَدْرَكَ وُجُوبَ مُرَاعَاةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمَصَالِحِ وَلِلْمَفَاسِدِ. فَهَذَا مَحَلُّ النِّزَاعِ13. انْتَهَى.

1في ش: إلا إذا أصبحت. وفي ز ع ب ض: إذ الأوصاف.

2 في ش ع: ولا. وفي ز: وأن.

3 في ش: المحرام.

4 في ش: كان.

5 في ش: الفاسد.

6 في ش: زمن تحصيل.

7 انظر: نهاية السول 1/ 145، شرح تنقيح الفصول ص90.

8 في ش: لأنه.

9 في ش: منهم.

10 في ز ع ض: تقول.

11 في ش: فكل ما.

12 في ش: عليا.

13 انظر: حاشية البناني 1/ 56، المستصفى 1/ 57، شرح تنقيح الفصول ص90.

ص: 303

وَمِنْ قَوَاعِدِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ1 "لا حَاكِمَ إلَاّ اللَّهُ تَعَالَى": أَنَّ حُسْنَ الْفِعْلِ وَقُبْحَهُ لَيْسَا لِذَاتِ الْفِعْلِ، وَلا لأَمْرٍ دَاخِلٍ فِي ذَاتِهِ2، وَلا خَارِجٍ3 لازِمٍ لِذَاتِهِ، حَتَّى يَحْكُمَ الْعَقْلُ بِحُسْنِ الْفِعْلِ، أَوْ قُبْحِهِ بِنَاءً عَلَى تَحَقُّقِ4 مَا بِهِ مِنْ5 الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ6.

وَالْحَنَفِيَّةُ وَإِنْ لَمْ يَجْعَلُوا الْعَقْلَ حَاكِمًا صَرِيحًا فَقَدْ قَالُوا: حُسْنُ بَعْضِ الأَشْيَاءِ وَقُبْحُهَا لا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْعِ، بِمَعْنَى أَنَّ الْعَقْلَ يَحْكُمُ فِي بَعْضِ الأَشْيَاءِ بِأَنَّهَا مَنَاطٌ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ نَبِيٌّ وَلا كِتَابٌ7.

وَبَعْضُ تِلْكَ الأَحْكَامِ بَدِيهِيٌّ8، وَبَعْضُهَا كَسْبِيٌّ9، "وَلا يَرِدُ الشَّرْعُ

1 ساقطة من ش ز.

2 كالزوجية للأربعة "فواتح الرحموت 1/ 31"

3 في ب ع ض: لخارج.

4 في ش: تحقيق.

5 ساقطة من ز ع ب ض.

6 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 79، مختصر ابن الحاجب وشرحه 1/ 202، شرح البدخشي 1/ 144، المنخول ص8، كتاب الأربعين ص246، الإرشاد ص258.

7 يقول محمد بن نظام الدين الأنصاري الحنفي: أنَّ العقل معرّف لبعض الأحكام الإلهية، سواء ورد به الشرع أم لا، وهذا مأثور عن أكابر مشايخنا أيضاً. وقال أيضاً: من الحنفية من قال: إن العقل قد يستقل في إدراك بعض أحكامه تعالى. "فواتح الرحموت، له: 1/ 25" وقال بعض الحنفية: إن الحسن والقبيح عقليان، ولكن لا يوجبان حكماً "تيسير التحرير 2/ 153" وانظر: كشف الأسرار 4/ 231، العضد على ابن الحاجب 1/ 201، وهذا ما رجحه ابن القيم وقال: لا تلازم بينهما. "مدارج السالكين 1/ 231".

8 في ش: بديعي.

9 يقول الآمدي، نقلاً عن القائلين بالحْسن والقبيح العقليين: فما يدرك بالعقل: منه بديهي، كحسن العلم والإيمان، وقبح الجهل والكفران، ومنه نظري، كحسن الصدق المضر، وقبح الكذب النافع. "غاية المرام في علم الكلام ص234".

ص: 304

بِمَا يُخَالِفُ مَا يُعْرَفُ بِبَدَاهَةِ1 الْعُقُولِ وَضَرُورِيَّاتِهَا2".

قَالَ الْقَاضِي وَالْحَلْوَانِيُّ3 وَغَيْرُهُمَا: مَا يُعْرَفُ بِبَدَاهَةِ4 الْعُقُولِ وَضَرُورِيَّاتِهَا5 - كَالتَّوْحِيدِ وَشُكْرِ الْمُنْعِمِ وَقُبْحِ الظُّلْمِ- لا يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعُ بِخِلافِهِ. وَمَا يُعْرَفُ بِتَوْلِيدِ الْعَقْلِ اسْتِنْبَاطًا أَوْ اسْتِدْلالاً، فَلا يُمْتَنَعُ أَنْ يَرِدَ بِخِلافِهِ6.

وَمَعْنَاهُ لأَبِي الْخَطَّابِ. فَإِنَّهُ قَالَ: مَا ثَبَتَ بِالْعَقْلِ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ7:

- فَمَا كَانَ مِنْهُ وَاجِبًا لِعَيْنِهِ - كَشُكْرِ الْمُنْعِمِ وَالإِنْصَافِ وَقُبْحِ الظُّلْمِ- فَلا يَصِحُّ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعُ بِخِلافِ ذَلِكَ.

- وَمَا كَانَ وَاجِبًا8 لِعِلَّةٍ أَوْ دَلِيلٍ، مِثْلِ: الأَعْيَانِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا الَّتِي فِيهَا الْخِلافُ. فَيَصِحُّ أَنْ يَرْتَفِعَ الدَّلِيلُ وَالْعِلَّةُ، فَيَرْتَفِعَ9 ذَلِكَ الْحُكْمُ. وَهَذَا غَيْرُ

1 في ز ش ض: ببدائه. "كذا".

2 في ز ع ب ض: وضروراتها.

3 هو محمد بن علي بن محمد بن عثمان، أبو الفتح، الفقيه الزاهد، كان من فقهاء الحنابلة ببغداد، وكان مشهوراً بالورع والدين المتين وكثرة العبادة، له كتاب "كفاية المبتدي" في الفقه، ومصنف في أصول الفقه في مجلدين، و "مختصر العبادات" ولد سنة 439هـ وتوفي سنة 505هـ.

"انظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 106، طبقات الحنابلة 2/ 257، المدخل إلى مذهب أحمد ص210".

4 في ز ش ب ض: ببدائة. "كذا".

5 في ز ع ب ض: وضروراتها.

6 انظر: المسودة ص476-477، مدارج الساكين 1/ 239 وما بعدها.

7 في ش ز: قسمان.

8 في ش ز ع: وجب.

9 في ش: ويرتفع.

ص: 305

مُمْتَنِعٍ. كَفُرُوعِ الدِّينِ كُلِّهَا. تَثْبُتُ بِأَدِلَّةٍ ثُمَّ تُنْسَخُ الأَدِلَّةُ فَيَرْتَفِعُ الْحُكْمُ1.

وَقَالَ: وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الشَّرْعَ يَرِدُ بِمَا لا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ إذَا كَانَ الْعَقْلُ لا يُحِيلُهُ كَتَكْلِيفِ مَا لا يُطَاقُ2، وَإِنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى يُرِيدُ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ حَسَنِهَا وَقَبِيحِهَا وَيُعَاقِبُهُمْ عَلَى الْقَبِيحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

"وَالْحُسْنُ" شَرْعًا "وَالْقُبْحُ شَرْعًا: مَا أَمَرَ بِهِ" اللَّهُ سبحانه وتعالى، وَهَذَا رَاجِعٌ لِلْحُسْنِ "وَمَا نَهَى عَنْهُ" اللَّهُ سبحانه وتعالى، وَهَذَا3 رَاجِعٌ لِلْقَبِيحِ4.

قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: إذَا أَمَرَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِفِعْلٍ، فَهُوَ حَسَنٌ بِالاتِّفَاقِ. وَإِذَا نَهَى عَنْ فِعْلٍ 5 فَهُوَ قَبِيحٌ 5 بِالاتِّفَاقِ، وَلَكِنَّ6 حُسْنَهُ وَقُبْحَهُ 7 إمَّا أَنْ 7 يَنْشَأَ عَنْ نَفْسِ الْفِعْلِ وَالأَمْرِ وَالنَّهْيِ، كَمَا يُقَالُ، أَوْ8 يَنْشَأَ

1 انظر: المسودة ص483-484.

2 ذهب جمهور الأصوليين إلى عدم اشتراط القدرة للتكليف. وأنه يجوز التكليف بالمحال، سواء كان محالاً لذاته أو محالاً لغيره، وقال بعضهم بشرط القدرة في التكليف، وأنه لا تكليف إلا بما يطاق. "انظر: حاشية البناني 1/ 206، تيسير التحرير 2/ 137، التوضيح على التنقيح 2/ 177، المنخول ص22، المسودة ص484". وسيأتي الكلام عن هذه المسألة تفصيلاً في مبحث المحكوم فيه.

3 في ز: هذا.

4 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 79، التوضيح على التنقيح 2/ 104، غاية المرام ص234، الإرشاد ص259.

5 في ز ع ض: فقبيح.

6 في ز ب: لكن.

7 في ش: إنما.

8 في ش: و.

ص: 306

عَنْ تَعَلُّقِ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ1، أَوْ مِنْ الْمَجْمُوعِ.

فَالأَوَّلُ: قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَلِهَذَا لا يَجُوزُ نَسْخُ الْعِبَادَةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا2.

وَالثَّانِي: قَوْلُ الأَشْعَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الطَّوَائِفِ3.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَنْشَأُ عَنْ الأَمْرَيْنِ. فَتَارَةً يَأْمُرُ بِالْفِعْلِ لِحِكْمَةٍ تَنْشَأُ مِنْ نَفْسِ الأَمْرِ، دُونَ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَهُوَ4 الَّذِي يَجُوزُ نَسْخُهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ5، كَنَسْخِ الصَّلاةِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ إلَى خَمْسٍ6. وَكَمَا نُسِخَ أَمْرُ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ7 بِذَبْحِ وَلَدِهِ، وَتَارَةً لِحِكْمَةٍ تَنْشَأُ مِنْ8 الْفِعْلِ نَفْسِهِ، وَتَارَةً لِحِكْمَةٍ مِنْ الْفِعْلِ حَصَلَتْ بِالأَمْرِ9.

"وَ" الْحَسَنُ "عُرْفًا" أَيْ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ "مَا لِفَاعِلِهِ فِعْلُهُ" أَيْ أَنْ يَفْعَلَهُ، "وَعَكْسُهُ" أَيْ: وَالْقَبِيحُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ مَا لَيْسَ لِفَاعِله10 أَنْ يَفْعَلَهُ11.

1 فالحسن حسن لأن الشارع أمر به، والقبيح قبيح لأن الشارع نهى عنه.

2 لأن الأمر بالصلاة –مثلاً- حسن لذاته، فلا يصح عندهم بطلان الحسن بذاته، لأن ما بالذات لا يتغير ولا يبطل ولا يختلف من وقت لوقت. "فواتح الرحموت 1/ 27".

3 يقول الآمدي –بناء على تحسين الشرع وتقبيحه-: ولهذا صح القول بنسخ الشرائع، ولو كان الفضاء فيه بالحسن أو القبح على شيء ما لذاته ونفسه، لا لنفس الخطاب، لما تصور أن يختلف ذلك باختلاف الأمم والأعصار. "غاية المرام في علم الكلام ص236".

4 في ع ب ض: وهذا.

5 انظر: غاية المرام ص358.

6 في ش: حسن.

7 في ب ض: عليه الصلاة والسلام.

8 في ش ز: عن.

9 في ز: من الأمر.

10 في ش د ع ض: لفاعل.

11 انظر: المسودة ص577، الإحكام، الآمدي 1/ 80، المعتمد 1/ 365.

ص: 307

"وَلا1 يُوصَفُ فِعْلُ غَيْرِ مُكَلَّفٍ" مِنْ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ "بِحُسْنٍ وَلا قُبْحٍ"؛ لأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلا مَحْظُورٍ2.

"وَشُكْرُ الْمُنْعِمِ" سبحانه وتعالى، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ3 جَمِيعِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الْقُوَى وَالأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ الْمُدْرِكَةِ وَالْمُحَرِّكَةِ فِيمَا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى لأَجْلِهِ4، كَاسْتِعْمَالِ النَّظَرِ فِي مُشَاهَدَةِ مَصْنُوعَاتِهِ وَآثَارِ رَحْمَتِهِ، لِيُسْتَدَلَّ عَلَى صَانِعِهَا، وَكَذَا السَّمْعُ وَغَيْرُهُ.

"وَمَعْرِفَتُهُ تَعَالَى" وَهِيَ5 عِبَارَةٌ عَنْ مَعْرِفَةِ وُجُودِ ذَاتِهِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ6 فِيمَا يَزَلْ وَلا يَزَالُ دُونَ مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، لاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ عَقْلاً عِنْدَ الأَكْثَرِينَ.

"وَهِيَ" أَيْ مَعْرِفَتُهُ جَلَّ وَعَلا "أَوَّلُ وَاجِبٍ لِنَفْسِهِ" عَلَى الْمُكَلَّفِ بِالنَّظَرِ فِي الْوُجُودِ وَالْمَوْجُودِ7.

1 في ش ز: ولم.

2 إن فعل غير المكلف ليس حسناً ولا قبيحاً بمعنى أن الحَسَن ما أمر الله به، والقبيح ما نهى الله عنه، والصغير أو المجنون غير مكلف، كما أن فعله لا يوصف بحُسْن ولا قبح بمعنى أن ما لفاعله فعله مع كونه متمكناً منه، عالماً بحالة، والقبيح عكسه، لأن غير الكلف ليس عالماً بحاله، ولا متمكناً من فعله، فلا يوصف فعله بحُسْن ولا قبح، كما لا يوصف فعل الصغير أو المجنون بالحسن والقبيح بمعنى الثوات والعقاب، لأن هؤلاء لا يكتب لهم ثوت، ولا ينزل به عقاب. "انظر: شرح العضد وحاشية الجرجاني 1/ 200، المعتمد 1/ 365-366، التوضيح على التنقيح 28/ 105". وسيأتي كلام المصنف في ذلك "ص422" في فصل المباح.

3 في ش: استعماله.

4 انظر: التعريفات ص133.

5 في ز: هو.

6 في ز: الكمالات.

7 اختلف العلماء في أول واجب على الإنسان، فقال قوم: أو واجب المعرفة، لأنه لا يتأتى الإتيان بشيء من المأمورات على قصد الأمتثال، والانكفاف عن شيء من النهيات على قصد الانزجار إلا بعد معرفة الأمر والناهي، واستدلوا بحديث معاذ رضي الله عنه عندما أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وقال له: فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله

وقال آخرون: أول واجب النظر والاستدلال لأن المعرفة لا تتأتى إلا بهما، والنظر والاستدلال مقدمة الواجب فيجب، فيكون أول واجب النظر، وجمع بعضهم بين القولين بأن من قال أول واجب المعرفة أراد طلباً وتكليفاً، ومن قال النظر أو القصد أراد امتثالاً، وخالف آخرون هذه الأقوال وقالوا إن المعرفة حصلت بالفطرة للآيات والأحاديث فيها، "كل مولود يولد على الفطرة". انظر هذه الآراء ومناقشتها في:"فتح الباري 13/ 270-275، الشامل في أصول الدين ص120، شرح الأصول الخمسة ص39، فواتح الرحموت 1/ 44، الإرشاد لنجويني ص8".

ص: 308

"وَاجِبَانِ" أَيْ شُكْرُ الْمُنْعِمِ1 وَمَعْرِفَتُهُ "شَرْعًا" أَيْ: بِالشَّرْعِ دُونَ الْعَقْلِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعَقْلَ لا يُوجِبُ وَلا يُحَرِّمُ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ2.

وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: بِالْعَقْلِ دُونَ الشَّرْعِ3.

1 مسألة شكر المنعم فرع عن مسألة الحسن والقبح، ويبحث الأصوليون من أهل السنة هذه المسألة على التسليم جدلاً بالحسن والقبح العقليين، مع أنه إذا بطل هذا الأصل لم يجب شكر المنعم عقلاً. "انظر: مناهج العقول للبدخشي 1/ 147، الإحكام، الآمدي 1/ 87، شرح العضد 1/ 216، حاشية البناني 1/ 60، المسودة ص473".

2 قال الإسنوي: شكر المنعم ليس بواجب عقلاً، إذ لا تعذيب قبل الشرع لقوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الاسراء / 15] ، ولأنه لو وجب إما لفائدة للمشكور وهو منزه. أو للشاكر في الدينا وأنه مشقة بلا حظ، أو في الآخرة، ولا استقلال للعقل بها. "نهاية السول 1/ 147 وما بعدها" ونقل ابن مفلح عن أبي بعلى:"أن معرفة الله لا تجب عقلاً، وإنما تجب بالشرع، وهو بعثة الرسل""الفروع 6/ 185"، وانظر: الإحكام، الآمدي 1/87، الإحكام ابن حزم 2/ 1153، إرشاد الفحول ص8، مناهج العقول 1/ 147، شرح العضد وحواشيه 1/ 217، تيسير التحرير 2/ 165، جمع الجوامع 1/ 62، المستصفى 1/ 61، المسودة ص473، الشامل 115، 119.

3 يقول القاضي عبد الجبار: إن سأل سائل فقال: ما أولُ ما أوجب الله عليك؟ فقل النظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى، لأنه تعالى لا يعرف بالضرورة، فيجب أن يعرف بالتفكير والنظر "شرح الأصول الخمسة ص39"، وانظر: فواتح الرحموت 1/ 44.

ص: 309

وَعَنْ الأَشْعَرِيَّةِ أَنَّ وُجُوبَ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعَقْلِ وَالشَّرْعِ. نَقَلَهُ الشِّيرَازِيُّ فِي كِتَابِ "جَامِعِ الأَنوار1، لِتَوْحِيدِ الْمَلِكِ الْجَبَّارِ".

وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ النَّظَرَ وَالْمَعْرِفَةَ لا يَقَعَانِ ضَرُورَةً2. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَدَّمَهُ3 ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "بَابِ الْمُرْتَدِّ"4 وَابْنُ حَمْدَانَ فِي "نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ" وَغَيْرُهُمَا.

وَقَالَ5 الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: بَلْ هُمَا كَسْبِيَّانِ. انْتَهَى.

وَقَالَ جَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ6: إنَّهُمَا يَقَعَانِ ضَرُورَةً7، فَلا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِمَا بِأَدِلَّةِ8 الْعَقْلِ. وَحَمَلَ9 ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ10 الْفِطْرِيَّةِ. كَمَعْرِفَةِ إبْلِيسَ. لا الْمَعْرِفَةِ الإِيمَانِيَّةِ.

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ: لا يَتَأَتَّى أَنَّهُ مُطِيعٌ فِي نَظَرِهِ، لأَنَّهُ

1 في ش: الألغاز.

2 العلم الضروري هو العلم الذي يلزم نفس المخلوق لزوماً لا يمكنه معه الانفكاك عنه "فتاوي ابن تيمية 13/ 70" وانظر: شرح الأصول الخمسة 51 وما بعدها، الشامل للجويني ص115، 119.

3 في ش: وقيده.

4 قال ابن مفلح: "والمشهور في أصول الدين عن أصحابنا أن معرفة الله تعالى وجبت شرعاً، نص عليه، وقيل: عقلاً، وهي أول واجب لنفسه، ويجب قبلها النظر لتوقفها عليه، فهو أول واجب لغيره، ولا يقعان ضرورة، وقيل: بلى "الفروع 6/ 186".

5 في ش: فقال. وفي د ز ع ض: وقاله.

6 منهم أبو القاسم البلخي "انظر: شرح الأصول الخمسة ص52، 57".

7 انظر بيان هذا القول مناقشته في "شرح الأصول الخمسة ص57".

8 في ش: بأداة.

9 في ز ش: حمل

10 في ز ش: على العقل والمعرفة.

ص: 310

لا تَصِحُّ طَاعَةُ مَنْ لا يَعْرِفُ، وَلا مَعْرِفَةُ مَنْ1 لَمْ يَنْظُرْ2.

"وَ" اُخْتُلِفَ: هَلْ بَيْنَ شُكْرِ الْمُنْعِمِ وَمَعْرِفَتِهِ تَعَالَى فَرْقٌ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ، أَمْ لا؟

فَـ3 "فِي قَوْلٍ: لا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عَقْلاً" قَالَ الرَّازِيّ: لا فَرْقَ بَيْنَ الشُّكْرِ وَمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَقْلاً. فَمَنْ أَوْجَبَ الشُّكْرَ عَقْلاً أَوْجَبَ الْمَعْرِفَةَ، وَمَنْ لا فَلا، قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: هُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ النَّظَرِيَّاتِ، لا مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ. قَالَ الأُرْمَوِيُّ4 فِي "الْحَاصِلِ": هُمَا مُتَلازِمَانِ5.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الشُّكْرَ فَرْعُ الْمَعْرِفَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ6؛ لأَنَّ الشُّكْرَ عِنْدَهُمْ إتْعَابُ النَّفْسِ بِفِعْلِ الْمُسْتَحَبَّاتِ الْعَقْلِيَّاتِ7، كَالنَّظَرِ إلَى مَصْنُوعَاتِهِ وَالسَّمْعِ إلَى الآيَاتِ، وَالذِّهْنِ إلَى فَهْمِ مَعَانِيهَا8. فَعِنْدَهُمْ مُدْرِكُ وُجُوبِ الشُّكْرِ عَقْلِيٌّ لِلْبُرْهَانِ الْكُلِّيِّ9 الْعَقْلِيِّ، وَمُخَالِفُوهُمْ

1 في ع ب ض: لمن.

2 انظر: شرح الأصول الخمسة ص87.

3 في ش ز: و.

4 هو محمد بن حسين بن عبد الله الأزْمَوي، الفقيه الأصولي القاضي، كان من أكبر تلامذة الإمام فخر الدين الرازي، واختصر "المحصول"، وسماه "الحاصل" وكانت له شهرة وثروة ووجاهة، وكان متواضعاً، استوطن بغداد، ودرّس بالمدرسة الأشرفية، توفي في بغداد سنة 656هـ وقيل 653هـ. "انظر: طبقات الشافعية، الإسنوي 1/ 451، كشف الظنون 2/ 1615، معجم المؤلفين 9/ 244".

5 انظر: مناهج العقول 1/ 152 وما بعدها، الشامل في أصول الدين ص120.

6 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 87، مناهج العقول 1/ 152، شرح الأصول الخمسة ص87.

7 معنى الشكر عندهم: اجتناب المستخبثات العقلية، والإتيان بالمستحبات العقلية. "نهاية السول 1/ 150".

8 في ض: معناها.

9 ساقطة من ز ع ب ض.

ص: 311

يَقُولُونَ: مُدْرِكُهُ السَّمْعُ لا الْعَقْلُ1.

"وَفِعْلُهُ تَعَالَى" وَتَقَدَّسَ "وَأَمْرُهُ لا لِعِلَّةٍ وَلا لِحِكْمَةٍ2 فِي قَوْلٍ " اخْتَارَهُ الْكَثِيرُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ3. وَقَالَهُ الظَّاهِرِيَّةُ4، وَالأَشْعَرِيَّةُ وَالْجَهْمِيَّةُ5.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُمَا لِعِلَّةٍ وَحِكْمَةٍ. اخْتَارَهُ الطُّوفِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ6، وَابْنُ الْقَيِّمِ7، وَابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ. وَحَكَاهُ عَنْ إجْمَاعِ السَّلَفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشِّيعَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، لَكِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ تَقُولُ8 بِوُجُوبِ الصَّلاحِ. وَلَهُمْ فِي

1 انظر: مناهج العقول 1/ 148.

2 هذه المسألة فرع عن الاختلاف في الحسن والقبيح، وهي جواب لاعتراض المعتزلة على رد أهل السنة عليهم، بأن شكر المنعم لا يجب عقلاً، لأنه لو وجب لوجب إما لفائدة للمشكور وهو منزه. أو للشاكر في الدنيا وأنه مشقة بلا حظ، أو في الآخرة لا استقلال للعقل بها، فاعترض المعتزلة على هذا الدليل بأنه ينطبق على الأحكام الشرعية، فأجاب أهل السنة بأن أفعال الله تعالى غير معللة بالأغراض والفائدة، لكن أحكام الله تعالى جاءت لرعاية مصالح العباد تفضلاً واحساناً، لا إيجاباً كما يقول المعتزلة. "انظر: نهاية السول 1/ 147، 150، مناهج العقول 1/ 150 وما بعدها، المستصفى 1/ 58، مقالات الإسلاميين 1/ 292". وفي ز ع ض: حكمة.

3 نقل الإسنوي الشافعي مذهبه فقال: إنّ مذهبنا أنه لا يجبُ تعليل أحكام الله تعالى، وأفعاله بالأعراض، فله بحكم المالكية أن يوجب ماشاء على من شاء من غير فائدة ومنفعة أصلاً "نهاية السول 1/ 152" وانظر: غاية المرام ص224، نهاية الاقدام ص397، الأربعين ص249.

4 انظر: ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان، لابن حزم ص47، الإحكام، لابن حزم 2/ 1110، 1126، 1131، 1148.

5 انظر: نهاية السول 1/ 152، مدارج السالكين 1/ 91، مجموعة الرسائل والمسائل 5/ 115، غاية المرام ص224، المسودة ص65.

6 مجموعة الرسائل والمسائل 5/ 119، المسودة ص63، منهاج السنة 1/ 34.

7 مدارج السالكين 1/ 97، 242، إعلام الموقعين 2/ 52.

8 في ز ع ب ش: لا تقول.

ص: 312

الأَصْلَحِ قَوْلانِ1.

وَالْمُخَالِفُونَ لَهُمْ يَقُولُونَ بِالتَّعْلِيلِ، لا عَلَى مَنْهَجِ الْمُعْتَزِلَةِ.

وَجَوَّزَتْ طَائِفَةٌ2 الأَمْرَيْنِ. قَالَ3 الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لأَهْلِ السُّنَّةِ فِي تَعْلِيلِ4 أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَحْكَامِهِ قَوْلانِ، وَالأَكْثَرُونَ عَلَى التَّعْلِيلِ5.

وَالْحِكْمَةِ: هَلْ هِيَ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الرَّبِّ تَعَالَى، لا تَقُومُ بِهِ، أَوْ قَائِمَةٌ [بِهِ] 6، مَعَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ الْمُنْفَصِلِ أَيْضًا؟ لَهُمْ فِيهِ قَوْلانِ. وَهَلْ تَتَسَلْسَلُ7 الْحِكَمُ، أَوْ لا تَتَسَلْسَلُ8؟ أَوْ تَتَسَلْسَلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي؟ فِيهِ أَقْوَالٌ9.

احْتَجَّ الْمُثْبِتُونَ لِلْحِكْمَةِ وَالْعِلَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ} 10، وقَوْله تَعَالَى:{كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} 11، وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إلَاّ

1 قال الجويني: القول في الصلاح والأصلح: اختلف مذاهب البغداديين والبصريين من المعتزلة في عقود هذا الباب، واضطربت آراؤهم "الإرشاد ص278" وانظر عرض الفكرة ومناقشتها في "غاية المرام ص224، 228، نهاية الاقدام ص404 وما بعدها".

2 في ع: طائفة منهم.

3 في ش: فقال.

4 ساقطة من ش.

5 منهاج السنة 2/ 239 مطبعة المدني، وانظر: اللمع ص55، الموافقات 2/ 3ط صبيح، شرح تنقيح الفصول ص406، منهاج السنة 1/ 35 "هذه طبعة بولاق، وكذلك في جميع ما سيأتي إلا إذا قيدناها بطبعة المدني التي فيها إضافات وزيادات عند التحقيق".

6 من منهاج السنة.

7 في ش ض: يتسلسل.

8 في ش ض: يتسلسل.

9 منهاج السنة 2/ 239 مطبعة المدني.

10 الآية 32 من المائدة.

11 الآية 7 من الحشر.

ص: 313

لِنَعْلَمَ} 1، وَنَظَائِرِهَا.

وَلأَنَّهُ سبحانه وتعالى حَكِيمٌ، شَرَعَ الأَحْكَامَ لِحِكْمَةٍ وَمَصْلَحَةٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا أَرْسَلْنَاك إلَاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} 2، وَالإِجْمَاعُ3 وَاقِعٌ عَلَى اشْتِمَالِ الأَفْعَالِ عَلَى الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ، إمَّا وُجُوبًا كَقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ4، وَإِمَّا5 جَوَازًا كَقَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ6، فَيَفْعَلُ مَا يُرِيدُ بِحِكْمَتِهِ7.

وَاحْتَجَّ النَّافُونَ بِوُجُوهٍ:

1 الآية 143 من البقرة.

2 الآية 107 من الأنبياء.

3 الاجماع المقصود هنا إجماع أهل السنة والمعتزلة القائلين بإثبات الحكمة والعلة، وليس الإجماع الشرعي، لأنه سبق ذكر الاختلاف في هذا الموضوع في الصفحة السابقة.

4 انظر بحث رعاية الأصلح عند المعتزلة ومناقشته في "غاية المرام ص228، الإرشاد ص287، نهاية الاقدام ص404 وما بعدها".

5 في ش: أو.

6 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 5/ 121، 122، غاية المرام ص224، 231، فتاوى ابن تيمية 13/ 96.

7 قال البيضاوي: إيجاب الشرع لا يستدعي فائدة

، لكن نص في القياس على أن: الاستقراء دال على أن الله سبحانه وتعالى شرح أحكامه لمصالح العباد تفضلاً وإحساناً، وهذا يقتضي أن الله تعالى لا يفعل إلا لحكمة، وإن كان على سبيل التفضيل "نهاية السول 1/ 150" وقال ابن القيم:"إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجب عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكنة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتمَّ دلالة وأصدقها، "إعلام الموقعين 3/ 14" وقال ابن تيمية: إن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها "الفتاوى 20/ 48" وانظر: شرح تنقيح الفصول ص91، الموافقات 2/ 3، المعتمد 2/ 887، مدارج السالكين 1/ 98، 242، ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية ص73، المسودة ص64، منهاج السنة 1/ 35، فتاوى ابن تيمية 13/ 96.

ص: 314

أَحَدُهَا: مَا1 قَالَ الرَّازِيّ: إنَّ الْعِلَّةَ إنْ كَانَتْ قَدِيمَةً لَزِمَ مِنْ قِدَمِهَا قِدَمُ الْفِعْلِ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُحْدَثَةً افْتَقَرَتْ إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى وَلَزِمَ التَّسَلْسُلُ2. وَهُوَ مُرَادُ الْمَشَايِخِ3 بِقَوْلِهِمْ: كُلُّ شَيْءٍ صُنْعُهُ، وَلا عِلَّةَ لِصُنْعِهِ4.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: "لَوْ كَانَتْ قَدِيمَةً لَزِمَ قِدَمُ الْفِعْلِ": غَيْرُ مُسَلَّمٍ، إذْ لا يَلْزَمُ مِنْ قِدَمِهَا قِدَمُ الْمَعْلُولِ. كَالإِرَادَةِ قَدِيمَةٌ وَمُتَعَلِّقُهَا حَادِثٌ. وَلَوْ كَانَتْ حَادِثَةً لَمْ تَفْتَقِرْ إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى وَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ قِيلَ: كُلُّ حَادِثٍ مُفْتَقِرٌ إلَى عِلَّةٍ. وَهُمْ لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ. بَلْ قَالُوا: يَفْعَلُ لِحِكْمَةٍ فَإِنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الأَوَّلِ مُرَادًا لِغَيْرِهِ كَوْنُ الثَّانِي كَذَلِكَ5، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي [مُحْدَثًا] 6 لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ الأَوَّلُ كَذَلِكَ فَلا يَتَسَلْسَلُ7.

الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ أَوْجُهِ النُّفَاة: أَنَّ كُلَّ مَنْ فَعَلَ فِعْلاً8 لأَجْلِ تَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ9، أَوْ دَفْعِ10 مَفْسَدَةٍ. فَإِنْ كَانَ تَحْصِيلُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ أَوْلَى لَهُ مِنْ عَدَمِ

1 ساقطة من ش.

2 انظر: منهاج السنة 1/ 35.

3 في كتاب الأربعين: مشايخ الأصول.

4 الأربعين ص250، وانظر: الإحكام، ابن حزم 2/ 1148، مجموعة الرسائل والمسائل 5/ 116، الشامل في أصول الدين ص678.

5 ساقطة من ش.

6 في جميع النسخ محبوباً، وهو خطأ.

7 قال ابن تيمية: والجواب عن التسلسل أن يقال هذا تسلسل في الحوادث المستقبلة، لا في الحوادث الماضية، فإنه إذا فعل فعلاً لحكمة كانت الحكمة حاصلة بعد الفعل، فإذا كانت تلك الحكمة يطلب منها حكمة أخرى بعدها كان تسلسلاً في المستقبل

والتسلسل في المستقبل جائز عند الجماهير المسلمين وغيرهم من أهل الملل

"منهاج السنة 1/ 35".

8 ساقطة من ش ز.

9 في ش ز: مسألة.

10 في الأربعين: لدفع، والنص منقول حرفياً من الأربعين ص249.

ص: 315

تَحْصِيلِهَا كَانَ ذَلِكَ الْفَاعِلُ قَدْ اسْتَفَادَ بِذَلِكَ الْفِعْلِ تَحْصِيلَ تِلْكَ1 الأَوْلَوِيَّةِ. وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ، كَانَ نَاقِصًا بِذَاتِهِ، مُسْتَكْمِلاً بِغَيْرِهِ، وَهُوَ فِي حَقِّ اللَّهِ سبحانه وتعالى مُحَالٌ، وَإِنْ كَانَ تَحْصِيلُهَا وَعَدَمُهُ سَوَاءً بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، فَمَعَ الاسْتِوَاءِ لا يَحْصُلُ الرُّجْحَانُ. فَامْتَنَعَ التَّرْجِيحُ2.

وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الْحَصْرِ، وَبِالنَّقْصِ بِالأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ. كَإِيجَادِ الْعِلْمِ3.

فَإِنْ قَالُوا بِخُلُوِّهِ عَنْ النَّقْصِ4.

قِيلَ: كَذَا فِي التَّعْلِيلِ، نَمْنَعُ كَوْنَهُ نَاقِصًا فِي ذَاتِهِ، وَمُسْتَكْمِلاً بِغَيْرِهِ فِي ذَاتِهِ أَوْ 5 صِفَاتِ ذَاتِهِ 5، بَلْ اللَاّزِمُ حُصُولُ كَمَالاتٍ نَاشِئَةٍ مِنْ، جِهَةِ الْفِعْلِ، وَلا امْتِنَاعَ فِيهِ6. فَإِنَّ كَوْنَهُ مُحْسِنًا إلَى الْمُمْكِنَاتِ مِنْ جُمْلَةِ7 صِفَاتِ الْكَمَالِ8. وَكَذَا الْكَمَالُ فِي كَوْنِهِ خَالِقًا وَرَازِقًا عَلَى مَذْهَبِ الأَشْعَرِيِّ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنْ أَوْجُهِ النَّفَّاة: أَنَّهُ9 لَوْ فَعَلَ فِعْلاً لِغَرَضٍ. فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى تَحْصِيلِهِ بِدُونِ ذَلِكَ الْفِعْلِ. كَانَ تَوَسُّطُهُ عَبَثًا. وَإِلَاّ لَزِمَ الْعَجْزُ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.

1 ساقطة من ش ز.

2 كذا في الأربعين ص249-250، وانظر: غاية المرام ص226، مجموعة الرسائل والمسائل 5/ 115، منهاج السنة 1/ 35.

3 كذا في د ض، وفي ش ز ع ب: العلم.

4 في ز ب ض: نقص، وفي ع: نقض.

5 في ب ض: صفاته.

6 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 5/ 162.

7 في ش ز: جهات.

8 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 5/ 162.

9 ساقطة من ش.

ص: 316

وَلأَنَّ ذَلِكَ الْغَرَضَ مَشْرُوطٌ بِتِلْكَ الْوَسِيلَةِ، - لَكِنَّهُ1 بَاطِلٌ2-، لأَنَّ أَكْثَرَ الأَغْرَاضِ إنَّمَا تَحْصُلُ بَعْدَ انْقِضَاءِ تِلْكَ الْوَسَائِلِ، فَيُمْتَنَعُ اشْتِرَاطُهُ.

وَأُجِيبَ3 بِأَنَّ إطْلاقَ الْغَرَضِ لا يَجُوزُ، لِمَا يُوهِمُهُ4 عُرْفًا، وَلْيُعْدَلْ عَنْهُ إلَى لَفْظِ الْعِلَّةِ.

فَيُقَالُ: لا نُسَلِّمُ لُزُومَ5 الْعَبَثِ، لأَنَّ الْعَبَثَ الْخَالِيَ6 عَنْ الْفَائِدَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْفِعْلِ بِدُونِ تَوَسُّطِ السَّبَبِ7 لا يَقْتَضِي عَبَثَ الْفِعْلِ وَإِلَاّ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الشَّرْعِيَّاتُ عَبَثًا؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إيصَالِ مَا حَصَلَتْ8 لأَجْلِهِ مِنْ إيصَالِ الثَّوَابِ بِدُونِ تَوَسُّطِهَا.

وَقَوْلُهُمْ: "إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى9 تَحْصِيلِهِ10 لَزِمَ الْعَجْزُ"، مَمْنُوعٌ؛ لأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُ مَا [شُرِعَ] 11 لأَجْلِهِ بِدُونِ الْفِعْلِ، وَبِأَنَّ12 إمْكَانَ تَحْصِيلِهِ بِدُونِ الْعَجْزِ دَوْرٌ.

"وَعَلَيْهِ": أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِ الْعِلَّةِ "مُجَرَّدُ مَشِيئَتِهِ" تَعَالَى "مُرَجِّحٌ"

1 في ش ز: لكونه.

2 انظر الأربعين ص250 وفي ز ش د: باطلاً.

3 في ع ز ب ض: أجيب.

4 في ع ب ض: توهمه.

5 ساقطة من ش.

6 أي: هو الخالي.

7 في ش: النسب.

8 لعلها: ما شرعت.

9 في ب: عن.

10 في ش: تسليمه.

11 إضافة يقتضيها السياق.

12 في ع ض: ولأن.

ص: 317

لإِيجَادِ فِعْلِ1 مَا شَاءَهُ. 2 فَإِذَا شَاءَ 2 سبحانه وتعالى شَيْئًا مِنْ الأَشْيَاءِ تَرَجَّحَ بِمُجَرَّدِ تِلْكَ الإِشَاءَةِ3.

وَيَقُولُونَ: عِلَلُ الشَّرْعِ أَمَارَاتٌ مَحْضَةٌ4.

وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: بِالْمُنَاسَبَةِ، ثَبَتَ الْحُكْمُ عِنْدَهَا لا بِهَا5.

وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ الْمُنَى6 وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالْغَزَالِيُّ7: بِقَوْلِ الشَّارِعِ: جُعِلَ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ مُوجِبًا لِحُسْنِ الْفِعْلِ وَقُبْحِهِ، لا8 أَنَّهُ كَانَ حَسَنًا وَقَبِيحًا قَبْلَهُ، كَمَا يَقُولُ الْمُثْبِتُونَ.

"وَهِيَ" أَيْ 9 مَشِيئَةُ اللَّهِ 9 سبحانه وتعالى "وَإِرَادَتُهُ لَيْسَتَا بِمَعْنَى مَحَبَّتِهِ،

1 في ش: الفعل.

2 ساقطة من ب. وفي ش ز: فإن شاء.

3 انظر فواتح الرحموت 1/ 34.

4 هذا القول لنفاة التعليل الذين ينكرون تعليل الأحكام، ثم يقولون بالقياس القائم على العلة، فعرفوا العلة بما سبق أعلاه، للتوفيق بين مذهبهم ينفي التعليل، وبين إقرارهم بالقياس وعلته، وأن الله تعالى شرع أحكامه لتحقيق مصالح عباده. "انظر: ضوابط المصلحة ص90، كشف الأسرار 3/ 367".

5 سيأتي تفصيل الكلام عن العلة وأنواعها في آخر الكتاب في فصل القياس.

6 هو نَصْر بن فتيان بن مَطَر، أبو الفتح، النهرواني ثم البغدادي، الفقيه الزاهدُ، المعروف بابن المنّى، أحد الأعلام، وفقيه العراق، وشيخ الحنابلة على الإطلاق، ولد سنة 501هـ. وصرف همته طول عمره للفقه أصولاً وفروعاً، ودرس وأفتى نحو سبعين سنة. قال الموفق:"شيخنا أبو الفتح كان رجلاً صالحاً حسن النية والتعليم، وكانت له بركة في التعليم، وكان روعاً زاهداً متعبداً على منهاج السلف". توفي سنة 583هـ. انظر ترجمته مطولة في "ذيل طبقات الحنابلة 1/ 358، شذرات الذهب 4/ 276".

7 المستصفى 2/ 230.

8 في ش: إلا.

9 في ز ع ب ض: ومشيئته.

ص: 318

وَرِضَاهُ وَسَخَطِهِ وَبُغْضِهِ1، فَيُحِبُّ وَيَرْضَى مَا أَمَرَ بِهِ فَقَطْ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى2" فَيَكُونُ مَا يَشَاءُ3 لِمَشِيئَتِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ4 لا يُحِبُّهُ5، وَهَذَا مَذْهَبُ 6 أَئِمَّةِ السَّلَفِ مِنْ الْفُقَهَاءِ 6 وَالْمُحَدِّثِينَ وَالصُّوفِيَّةِ وَالنُّظَّارِ وَابْنِ كُلَاّبٍ7.

وَذَهَبَتْ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْقَدَرِيَّةُ وَالأَشْعَرِيُّ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا - كَابْنِ حَمْدَانَ فِي "نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ"- إلَى أَنَّ الْكُلَّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ8.

ثُمَّ قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: هُوَ لا يُحِبُّ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ فَلا يَشَاؤُهُ، وَإِنَّهُ9 يَكُونُ بِلا مَشِيئَتِهِ10.

وَقَالَتْ الْجَهْمِيَّةُ: بَلْ هُوَ يَشَاءُ ذَلِكَ. فَهُوَ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ11.

1 هذه المسألة للرد على نفاة التعليل والحكمة الذين يقولون بمَحْض المشيئة، وأن الإحكام هي متعلق المشيئة والإرادة والأمر والنهي، دون اشتراط العلة والحكمة. "انظر: مدارج السالكين 1/ 242".

2 سساقطة من ز ع ب ض.

3 في ع: شاء.

4 ساقطة من ع ب ض.

5 قال تعالى: {ولا يرضى لعباده الكفر} [الزمر / 7] .

6 في ش: الفقهاء من السلف.

7 انظر: أصول السرخسي 1/ 82، المسودة ص63، الفضل في الملل والنحل 3/ 142، نهاية الاقدام ص256، الأربعين ص244، منهاج السنة 2/ 34.

8 انظر: فتح الباري 13/ 345، فتاوي ابن تيمية 13/ 37.

9 في ش: والكفر.

10 قالت المعتزلة: إن الإرادة توافق الأمر، وكل ما أمر الله به فقد أراده، وكل ما نهى عنه فقد كرهه "الأربعين ص244" وانظر: نهاية الاقدام ص254، 258.

11 يقول ابن القيم: إن الحكمة ترجع عندهم إلى مطابقة العلم الأزلي لمعلومه، والإرادة الأزلية لمرادها، والقدرة لمقدورها، فإذا الأفعال بالنسبة إلى المشيئة والارادة مستوية، ثم ينقل عنهم: أن إرادة الرب هي عين محبته ورضاه. فكل ما شاءه فقد أحبه ورضيه "مدارج السالكين 1/ 228". وانظر: مجموعة الرسائل والمسائل 5/ 127، جواب أهل العلم والإيمان ص100، الأربعين ص244.

ص: 319

وَأَبُو الْحَسَنِ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَافَقُوا هَؤُلاءِ1.

وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ: أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَ السَّلَفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَأَمَّا سَلَفُ الأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا، وَأَكَابِرُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ، وَكَثِيرٌ مِنْ طَوَائِفِ النُّظَّارِ كَالْكُلَاّبِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ: فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، وَيَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الإِيمَانَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ وَيَرْضَى بِهِ، كَمَا يَأْمُرُ بِهِ. وَلا يَرْضَى بِالْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ وَلا يُحِبُّهُ، كَمَا لا يَأْمُرُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَشَاؤُهُ2.

وَلِهَذَا كَانَ حَمَلَةُ الشَّرْعِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا. كَقَضَاءِ دَيْنٍ تَضَيَّقَ وَقْتُهُ 3 أَوْ عِبَادَةٍ تَضَيَّقَ وَقْتُهَا"3. وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْهُ4 لَمْ يَحْنَثْ. وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ الْقَدَرِيَّةِ.

وَلَوْ قَالَ: إنْ كَانَ اللَّهُ يُحِبُّ ذَلِكَ وَيَرْضَاهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ. كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ كَانَ يَنْدُبُ إلَى ذَلِكَ وَيُرَغِّبُ فِيهِ، أَوْ يَأْمُرُ بِهِ أَمْرَ إيجَابٍ أَوْ اسْتِحْبَابٍ.

قَالَ الْبَغَوِيّ فِي "تَفْسِيرِهِ"، عِنْدَ قَوْله سبحانه وتعالى: {سَيَقُولُ5 الَّذِينَ

1 قالو: المحبة هي الإرادة نفسها، وكذلك الرضا والاصطفاء، وهو سبحانه يريد الكفر ويرضاه "جواب أهل العلم والإيمان ص101".

2 انظر: مدارج السالكين 1/ 243، مجموعة الرسائل والمسائل 5/ 127، أصول السرخي 1/ 82، منهاج السنة 1/ 35، نهاية الاقدام ص258، وفي ز ع ب ض: شاءه.

3 ساقطة من ش.

4 في ش: يفعل.

5 في ش: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} [البقرة / 142] ، {سَيَقُولُ.

ص: 320

أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا، وَلا آبَاؤُنَا، وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} 1:"وَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْزِلٍ عَنْ مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ. فَإِنَّهُ مُرِيدٌ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ، غَيْرُ آمِرٍ بِجَمِيعِ 2 مَا يُرِيدُ، وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ"2 يَتَّبِعَ أَمْرَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَشِيئَةٍ. فَإِنَّ مَشِيئَتَهُ لا تَكُونُ عُذْرًا لأَحَدٍ"3.

وَقَالَ فِي سُورَةِ التَّغَابُنِ، عِنْدَ قَوْله تَعَالَى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، فَمِنْكُمْ كَافِرٌ، وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} 4: "وَجُمْلَةُ5 الْقَوْلِ فِيهِ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْكَافِرَ، وَكُفْرُهُ فِعْلٌ لَهُ وَكَسْبٌ6، وَخَلَقَ الْمُؤْمِنَ، وَإِيمَانُهُ فِعْلٌ لَهُ وَكَسْبٌ. فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ كَسْبٌ وَاخْتِيَارٌ. وَكَسْبُهُ وَاخْتِيَارُهُ بِتَقْدِيرِ7 اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ"8. انْتَهَى.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ إرَادَةَ اللَّهِ سبحانه وتعالى فِي كِتَابِهِ نَوْعَانِ:

نَوْعٌ بِمَعْنَى الْمَشِيئَةِ لِمَا خَلَقَ. نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} 9.

وَنَوْعٌ بِمَعْنَى مَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ لِمَا أَمَرَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْلُقْهُ. نَحْوُ قَوْله تَعَالَى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} 10، وقَوْله تَعَالَى:

1 الآية 184 من الأنعام.

2 في ش: ما يريده على أن.

3 معالم التنزيل 2/ 197، وانظر: نهاية الاقدام ص257، الأسماء والصفات للبيهقي ص173.

4 الآية 2 من سورة التغابن.

5 كذا في تفسير البغوي، وفي ش ز: ومن جملة، وفي ع ب ض: من جملة.

6 في ش ز: كسب.

7 في ش: تقرير.

8 تفسير البغوي: 7/ 103.

9 الآية 125من الأنعام.

10 الآية 185 من البقرة.

ص: 321

{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ1 مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 2، فِي آيٍ كَثِيرَةٍ.

وَبِهَذَا يُفْصَلُ النِّزَاعُ فِي مَسْأَلَةِ الأَمْرِ: هَلْ هُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلإِرَادَةِ أَمْ3 لا؟.

فَإِنَّ الْقَدَرِيَّةَ تَزْعُمُ أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْمَشِيئَةِ. فَيَكُونُ قَدْ شَاءَ الْمَأْمُورَ بِهِ4، وَ [لَوْ] لَمْ يَكُنْ5.

وَالْجَهْمِيَّةُ قَالُوا: إنَّهُ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِشَيْءٍ مِنْ الإِرَادَةِ. وَلا مَحَبَّتُهُ6 لَهُ وَلا رِضَاهُ بِهِ إلَاّ إذَا وَقَعَ. فَإِنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ7.

"فَائِدَةٌ":

"الأَعْيَانُ"8 الْمُنْتَفَعُ بِهَا9، "وَالْعُقُودُ الْمُنْتَفَعُ بِهَا قَبْلَ" وُرُودِ "الشَّرْعِ"

1 في ش ض: عليكم في الدين.

2 الآية 6 من المائدة.

3 في ش: أو.

4 ساقطة من ش.

5 قالت المعتزلة: كل آمر بالشيء فهو مريد له، والرب تعالى آمر عباده بالطاعة فهو مريد لها. "نهاية الاقدام ص254".

6 في ش ز: ولا محبة.

7 يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الإرادة نوعان إرادة الخلق وإرادة الأمر، فإرادة الأمر أن يريد من المأمور فعل ما أمر به، وإرادة الخلق أن يريد هو خلق ما يحدثه من أفعال العباد وغيرها، والأمر مستلزم اللإرادة الأولى دون الثانية، والله تعالى أمر الكافر بما أراده منه بهذا الاعتبار، وهو ما يحبه ويرضاه، ونهاه عن المعصية التي لم يردها منه، أي لم يحبها ولم يرضها بهذا الاعتبار، فإنه لا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد، وإرادة الخلق هي المشيئة المستلزمة لوقوع المراد، فهذه الإرادة لا تتعلق إلا بالموجود، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن

"منهاج السنة 2/ 34"، وانظر مبحث الإرادة في "الإربعين ص145 وما بعدها، نهاية الأقدام ص238 وما بعدها، الأسماء والصفات ص160 وما بعدها".

8 في ش ع ب ض: الأعيان والمعاملات.

9 في ش ب ع: بهما.

ص: 322

بِحُكْمِهَا1، "إنْ" فُرِضَ أَنَّهُ "خَلا وَقْتٌ عَنْهُ" أَيْ عَنْ الشَّرْعِ، مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ: أَنَّهُ لَمْ يَخْلُ وَقْتٌ مِنْ شَرْعٍ. قَالَهُ2 الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ، لأَنَّهُ أَوَّلُ مَا خَلَقَ آدَمَ قَالَ لَهُ:{اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} 3. أَمَرَهُمَا وَنَهَاهُمَا عَقِبَ خَلْقِهِمَا. فَكَذَلِكَ كُلُّ زَمَانٍ4.

قَالَ الْجَزَرِيُّ5: لَمْ تَخْلُ الأُمَمُ 6 مِنْ حُجَّةٍ 6، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} 7، وَالسُّدَى: الَّذِي لا يُؤْمَرُ وَلا

1 هذا هو الفراغ الثاني الذي يبحثه العلماء فرعاً عن الحسن والقبيح على سبيل التنزل مع المعتزلة، قال الإسنوي: لما أبطل الأصحاب قاعدة التحسين والتقبيح العقليين، لزوم من إبطالها إبطال وجوب شكر المتعم عقلاً، وإبطال حكم الأفعال الاختيارية قبل البعثة. "نهاية السول 1/ 150" وانظر: شرح العضد على ابن الحاجب 1/ 216.

2 في ز ع ض: قال.

3 الآية 35 من البقرة، وفي ش سقطت "رعدا"، وفي ش: حيثما، وفي ع ب ض: وكلا من حيث شئتما.

4 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص109-110، المسودة ص486 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 49، تيسير التحرير 2/ 172، حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 63.

5 هو أحمد بن نصر بن محمد، أبو الحسن الجزري، الزهري، البغدادي، من قدماء الحنابلة، وكان له قدم في المناظرة، ومعرفة في الأصول والفروع، ومن اختياراته: أنه لا مجاز في القرآن، ويجوزُ تخصيصُ الكتاب والسنة بالقياس، وأن ليلة الجمعة أفضل من ليلة القدر، وأن المني نجس، قال عنه ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة":"صحب الجماعة من أشياخنا وتخصص بصحبة أبي علي النجاد، وكانت له حلقة في جامع القصر"، توفي سنة 380هـ.

"انظر: طبقات الحنابلة 2/ 167، تاريخ بغداد 5/ 184، اللباب في تهذيب الأنساب 1/ 354، الأنساب للسمعاني 5/ 87". وفي ش: الخوري، وفي ز د ض: الخزري.

6 ساقطة من ش. وانظر: الروضة ص22، القواعد والفوائد الأصولية ص110، المسودة ص474.

7 الآية 36 من القيامة.

ص: 323

يُنْهَى1، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً} 2، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إلَاّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} 3.

قَالَ الْقَاضِي: هَذَا ظَاهِرُ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ4 فِيمَا خَرَّجَهُ5 فِي مَجْلِسِهِ6: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي كُلِّ7 زَمَانِ فَتْرَةٍ8 مِنْ الرُّسُلِ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ".

فَأَخْبَرَ أَنَّ كُلَّ زَمَانٍ فِيهِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ9.

1 انظر تفسير ابن كثير 7/ 174، تفسير الخازن 7/ 188، تفسير البغوي 7/ 188.

2 الآية 36 من النحل.

3 الآية 24 من فاطر.

4 هو عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل، أبو عبد الرحمن، كان إماماً بالحديث وعلله، ومن أروى الناس عن أبيه، ورتب مسند والده، وكان ثقة فهماً ثبتاً صالحاً صادق اللهجة، كثير الحياء، مات سنة 290هـ ببغداد. انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/ 180، شذرات الذهب 2/ 203، المنهد الأحمد 1/ 206، طبقات الحفاظ ص288، الخلاصة ص190، تذكرة الحفاظ 2/ 565، تاريخ بغداد 9/ 375، طبقات الفقهاء، الشيرازي ص169".

5 أي عن أبيه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى.

6 هكذا في ش ز د ع ب ض، ولعل الصواب في محنته، كما نقله البعلي في "القواعد والفوائد الأصولية""ص110"، وانظر النص الكامل في كتاب "المدخل إلى مذهب أحمد" "ص9" وأوله:"الحمد لله الذي جعل في كل زمان بقايا من أهل العلم.... "، وجاء في كتاب الإمام أحمد "الرد على الجهمية والزنادقة" "ص205" مايلي:"الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم"، وانظر: المسودة ص486.

7 ساقطة من ز ع.

8 ساقطة من ز ع ب.

9 ويتأكد هذا في الرسالة الخاتمة، لأن العلماء ورثة الأنبياء، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق"، وفي رواية: "قائمة على الحق

" رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة عن ثوبان، ورواه البخاري ومسلم وأحمد عن معاوية"، "انظر: صحيح البخاري 1/ 24، صحيح مسلم 3/ 1523، سنن ابن ماجة 1/ 4، سنن أبي داود 3/ 8، مسند أحمد 4/ 93، كشف الخفا 2/ 64".

ص: 324

"أَوْ بَعْدَهُ" أَيْ بَعْدَ وُرُودِ1 الشَّرْعِ2 "وَخَلا عَنْ حُكْمِهَا".

قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَوْ قَدَّرْنَا خُلُوَّ شَرْعٍ عَنْ حُكْمٍ، مَا حُكْمُهَا؟

"أَوْ لا": أَيْ أَوْ لَمْ يَخْلُ الشَّرْعُ عَنْ حُكْمِهَا "وَجُهِلَ" قَالَ الْقَاضِي: وَيُتَصَوَّرُ فَائِدَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ نَشَأَ بِبَرِّيَّةٍ وَلَمْ يَعْرِفْ شَرْعًا. وَعِنْدَهُ فَوَاكِهُ وَأَطْعِمَةٌ. وَكَذَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ.

"مُبَاحَةٌ"3 خَبَرٌ4 لِقَوْلِهِ: "الأَعْيَانُ".

وَبِالإِبَاحَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي مُقَدِّمَةِ "الْمُجَرَّدِ"5، وَأَبُو6 الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ، وَأَبُو7 الْخَطَّابِ، وَالْحَنَفِيَّةُ وَالظَّاهِرِيَّةُ وَابْنُ سُرَيْجٍ. وَأَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ8 وَغَيْرُهُمْ؛ لأَنَّ خَلْقَهَا - لا

1 ساقطة من ز ع ب ض.

2 يفرق كثير من العلماء بين حالة قبل ورود الشرع وحالة بعد ورود الشرع، ولم يعرف الحكم، ولكل حالة عندهم حكم منفصل عن الآخر. بينما سوّى المصنف بين الحالتين وهو قول البعض.

3 انظر: الروضة ص22، نهاية السول 1/ 154، مناهج العقول 1/ 158، تيسير التحرير 1/ 172، التمهيد ص24، مختصر الطوفي ص29، المسودة ص474، المدخل إلى مذهب أحمد ص64، الإحكام لابن حزم 2/ 871، وانظر مناقشة القول بالإباحة قبل الشرع في "الإحكام، الآمدي 1/ 93، نهاية السول 1/ 162، المستصفى 1/ 63، مختصر الطوفي ص30".

4 في ش: خير.

5 المجرد في الفقه الحنبلي، للقاضي أبي يعلى. "انظر: طبقات الحنابلة 2/ 205".

6 في ش: وأبي.

7 في ش: وأبي.

8 هو أحمد بن بشير بن عامر، العامري، القاضي، أحد أئمة الشافعية، شرح "مختصر المزني" وصنف في الأصول، وله كتاب "الجامع" أحاط فيه بالأصول والفروع، وكان معتمد الشافعية في المشكلات والعقد، قال النووي:"ويعرف بالقاضي أبي حامد" مات سنة 362هـ. ألف في الأصول: "الإشراف على الأصول"، وفي الفقه "الجامع الكبير".

"انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 12، شذرات الذهب 3/ 40، وفيات الأعيان 1/ 52، تهذيب الأسماء 2/ 112، المجموع للنووي 1/ 145، طبقات الفقهاء الشافعية، للعبادي ص76، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 114، الفتح المبين 1/ 199". وفي ش ز: أبو حامد والمروزي.

ص: 325

لِحِكْمَةٍ1- عَبَثٌ، وَلا حِكْمَةَ إلَاّ انْتِفَاعُنَا بِهَا، إذْ هُوَ خَالٍ عَنْ الْمَفْسَدَةِ2. كَالشَّاهِدِ3. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} 4.

قَالَ الْقَاضِي: وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، حَيْثُ سُئِلَ عَنْ قَطْعِ النَّخْلِ؟ قَالَ: لا بَأْسَ، لَمْ نَسْمَعْ فِي قَطْعِهِ شَيْئًا5.

وَفِي "الرَّوْضَةِ" مَا يَقْتَضِي: أَنَّهُ عُرِفَ بِالسَّمْعِ إبَاحَتُهَا قَبْلَهُ6.

وَقَالَهُ7 بَعْضُهُمْ: كَمَا فِي الآيَاتِ وَالأَخْبَارِ.

قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَغَيْرُهُ: الأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ دَلَّتْ عَلَى الإِبَاحَةِ لِقَوْلِهِ8 تَعَالَى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} 9، وقَوْله تَعَالَى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ} 10،

1 في ش ز: بحكمة.

2 انظر: نهاية السول 1/ 160 وما بعدها، تسير التحرير 2/ 150، جمع الجوامع 1/ 68، مختصر الطوفي ص29، المسودة ص474، القواعد والفوائد الأصولية ص107، وفي ب ض: مفسدة.

3 الشاهد أي المشاهد المرئي الذي تراه العين أو تدركه الحواس، والغائب هو المُغُيَّب أو هو الغيب الذي لا تدركه العين أو الحواس في الدنيا، ويستعمل العلماء قياس الغائب وصفاته، وهو الله سبحانه وتعالى، على الشاهد وهو الإنسان وصفاته وأحواله.

4 الآية 29 من البقرة.

5 أنظر القواعد والفوائد الأصولية ص107، المسودة ص484-478.

6 الروضة ص22، وانظر: شرح تنقيح الفصول ص92.

7 في ش: قال.

8 في ع ب: كقوله.

9 الآية 29 من البقرة. وفي ش: الآية 9 من الحج، وهو خطأ.

10 الآية 32 من الأعراف، و {الطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ} غير موجودة في ز ع ب ض.

ص: 326

وَقَوْلُهُ1 صلى الله عليه وسلم: "مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا: مَنْ سَأَلَ2 عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ لأَجْلِ مَسْأَلَتِهِ" 3، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:"مَا سَكَتَ عَنْهُ: 4 فَهُوَ عَفْوٌ 4 "5.

وَعِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي فِي "الْعُدَّةِ"6، وَالْحَلْوَانِيِّ، وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ7، وَالأَبْهَرِيِّ8 مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: مُحَرَّمَةٌ. لأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَحَرُمَ كَالشَّاهِدِ9.

1 في ش: وقال.

2 في ش: سئل.

3 رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد عن سعد مرفوعاً بلفظ "أعظم" أو "إن أعظم". "انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 4/ 258، صحيح مسلم 4/ 1831، سنن أبي داود 4/ 282، الفتح الكبير 1/ 292، مسند أحمد 1/ 179".

4 في ز ع ب ض: فهو كاعفاء عنه.

5 رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة، وهو أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن السمن والجبن والفراء، فقال:"الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفي عنه" وفي رواية "وما سكت عنه فهو عفو". "انظر: سنن أبي داود 3/ 485، تحفة الأحوذي بشرح الترمذي 5/ 396، سنن ابن ماجة 2/ 1117".

6 في ش: "العمدة".

7 وهو قول أبي علي بن أبي هريرة، "انظر: نهاية السول 1/ 155، جمع الجوامع 1/ 68، المسودة ص474".

8 هو محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح بن عمر، التميمي الأبهري، أبو بكر، انتهت إليه رئاسة المالكية في بغداد في عصره، وكان من أئمة القراء، وكان ورعاً زاهداً ثقة يتصدر مجالس العلم، ومن مؤلفاته:"كتاب في الأصول" و "إجماع أهل المدينة" و "الرد على المزني" و "إثبات حكم القافة" و "فضل المدينة على مكة" توفي سنة 375هـ ببغداد، "انظر: الديباج المذهب 2/ 206، شذرات الذهب 3/ 85، الفتح المبين 1/ 208، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 273، شجرة النور ص91".

9 الشاهد أي العبد المخلوق، والغائب هو الله سبحانه وتعالى، فكما لا يجوز التصرف في ملك الإنسان الذي يعبر عنه بالشاهد بغير إذنه، لا يجوز التصرف والانتفاع فيما يخلقه الله تعالى بغير إذنه، انظر تفصيل الكلام مع الأدلة في "الروضة ص22، نهاية السول 1/ 164، مناهج العقول 1/ 160، شرح العضد وحواشيه 1/ 218، جمع الجوامع 1/ 68، شرح تنقيح الفصول ص88، المدخل إلى مذهب أحمد ص64، المستصفى 1/ 65، المسودة ص 474".

ص: 327

ثُمَّ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ: يَخْرُجُ مِنْ مَحَلِّ1 الْخِلافِ عَلَى2 الصَّحِيحِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ - وَحَكَى إجْمَاعًا - مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ3، كَتَنَفُّسٍ وَسَدِّ رَمَقٍ وَنَحْوِهِ4.

وَقَوْلُ مَنْ قَالَ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ سَاقِطٌ لا يُعْتَدُّ بِهِ5.

إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ لَمْ يُوَافِقْ الْمُعْتَزِلَةَ فِي التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ، وَقَالَ بِالإِبَاحَةِ أَوْ6 الْحَظْرِ: فَقَدْ نَاقَضَ7. فَاحْتَاجَ مَنْ قَالَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إلَى اسْتِنَادٍ إلَى سَبَبٍ غَيْرِ مَا اسْتَنَدَتْ8 إلَيْهِ

1 ساقطة من ش.

2 في ب: في.

3 ساقطة من ش.

4 أي ونحو ذلك من الأفعال الأضطرارية التي تدعو الحاجة إليها، ويترتب على تركها الهلاك أو الأذى الشديد، "انظر: نهاية السول 1/ 155، حاشية التفتازاني على شرح العضد 1/ 218، التمهيد ص24، حاشية البناني 1/ 65، فواتح الرحموت 1/ 50، القواعد والفوائد الأصولية ص109، المسودة ص474، 476، 479، المدخل إلى مذهب أحمد ص64".

5 اقتصر المصنف على ذكر قولين في أفعال العباد قبل ورود الشرع، وهناك قول ثالث، وهو أنه لا حكم لها، إذ معنى الحكم الخطاب، ولا خطاب قبل ورود الشرع، وهو قول أبي الخطاب من الحنابلة والأشاعرة وابن حزم الظاهري وأكثر أهل الحق، كما سماهم الآمدي، وقول رابع بالوقف، وهو قول أبي الحسن الأشعري وأبي بكر الصيرفي وأبي الحسن الجزري من الحنابلة، وقال الرازي والبيضاوي بعدم العلم، أما بعد ورود الشرع فهي على الإباحة، "انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 91، 94، الروضة ص22، نهاية السول 1/ 154، 155، 3/ 153، شرح البدخشي 1/ 154، شرح العضد 1/ 218، تيسير التحرير 2/ 150، 168، التمهيد ص24، جمع الجوامع 1/ 63، 64، المستصفى 1/ 65، فوتح الرحموت 1/ 49، مختصر الطوفي ص29، الإحكام، ابن حزم 1/ 47، المسودة ص474-475".

6 في ش: و.

7 أي ناقض نفسه، وفي ش: نافق.

8 في ش: استند.

ص: 328

الْمُعْتَزِلَةُ، وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:"بِإِلْهَامٍ"1.

قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ: عَرَفْنَا الْحَظْرَ وَالإِبَاحَةَ بِالإِلْهَامِ، كَمَا أُلْهِمَ أَبُو بَكْرٍ2 وَعُمَرُ3 رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَشْيَاءَ وَرَدَ الشَّرْعُ بِمُوَافَقَتِهِمَا4.

"وَهُوَ مَا يُحَرِّكُ الْقَلْبَ بِعِلْمٍ يَطْمَئِنُّ5" الْقَلْبُ "بِهِ" أَيْ بِذَلِكَ الْعِلْمِ

1 لعل المصنف يشير إلى كلام الشيخ تقي الدين بن تيمية، وهو: اختلف جواب القاضي وغيره من أصحابنا في مسألة الأعيان، مع قولهم بأن العقل لا يحظر ولا يقبح، وفقال القاضي وأبو الخطاب والحلوني: إنما علمنا أن العقل لا يحظر ولا يبيح بالشرع، وخلافنا في هذه المسألة قبل ورود الشرع، ولا يمتنع أن نقول قبل ورود الشرع: إن العقل يحظر ويبيح إلى أن ورد الشرع فيمنع ذلك، إذ ليس قبل ورود الشرع ما يمنع ذلك، قال الحلواني: وأجاب بعض الناس عن ذلك بأنا علمنا ذلك عن طريق شرعي، وهو الإلهام من قبل الله لعباده

"المسودة ص477". وانظر: شرح تنقيح الفصول ص92.

2 هو الصحابي عبد الله بن عثمان بن عامر بن كعب القرشي التميمي، أبو بكر الصديق، ابن أبي قحافة، ولد بعد الفيل بسنتين وستة أشهر، صحب النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وسبق إلى الإسلام، واستمر معه طوال إقامته بمكة، ورافقه في الهجرة وفي الغار والمشاهد كلها، استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في إمامة الصلاة، ورضيه المسلمون خليفة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، حارب المرتدين، ومكن الإسلام في الجزيرة العربية، وهو من المبشرين بالجنة، مناقبه كثيرة رضي الله عنه، توفي سنة 13هـ. "انظر: الإصابة 2/ 341، الاستيعاب 4/ 17، صفة الصفوة 1/ 235، تاريخ الخلفاء ص27، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 181، العقد الثمين 5/ 206".

3 هو الفاروق، عمر بن الخطاب بن نفيل، العدوي، أبو حفص، ثاني الخلفاء الراشدين، وأحد فقهاء الصحابة، وأحد المبشرين بالجنة، أول من سمي بأمير المؤمنين، وأول من دون الدواوين، وأول من اتخذ التاريخ، أسلم سنة ست من البعثة، وأعز الله به الإسلام، وهاجر جهاراً، روى 539 حديثاً، وكان شديداً في الحق، ولد قبل البعثة بثلاثين سنة، تولى الخلافة بعد أبي بكر، وفتح الله في أيامه عدة أمصار، واستشهد في آخر سنة 23هـ، مناقبه كثيرة "انظر: الإصابة 2/ 518، الاستيعات 2/ 458، صفة الصفوة 1/ 68، العقد الثمين 6/ 291، تاريخ الخلفاء ص108، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 3".

4 انظر: المسودة ص 477، فتاوى ابن تيمية 13/ 73.

5 في ز د ع: ويطمئن.

ص: 329

حَتَّى "يَدْعُوَ إلَى الْعَمَلِ بِهِ1" أَيْ بِالْعِلْمِ الَّذِي اطْمَأَنَّ بِهِ.

"وَهُوَ" أَيْ الإِلْهَامُ "فِي قَوْلٍ: طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ".

حَكَى الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي الإِلْهَامِ: - هَلْ هُوَ طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ؟ - عَلَى قَوْلَيْنِ2.

وَحُكِيَ فِي "جَمْعِ3 الْجَوَامِعِ": "أَنَّ بَعْضَ الصُّوفِيَّةِ قَالَ بِهِ"4.

وَقَالَ5 ابْنُ السَّمْعَانِيِّ نَقْلاً عَنْ أَبِي زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ6: وَحَدَّهُ 7 أَبُو زَيْدٍ 7: "بِأَنَّهُ مَا حَرَّكَ الْقَلْبَ بِعِلْمٍ يَدْعُوك إلَى الْعَمَلِ بِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْلالٍ وَلا نَظَرٍ فِي حُجَّةٍ"8.

وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: هُوَ حُجَّةٌ بِمَنْزِلَةِ الْوَحْيِ الْمَسْمُوعِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَاحْتَجَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا

1 انظر تعريف الإلهام في حاشية البناني على جمع الجوامع 2/ 356، التعريفات ص35.

2 انظر تفصيل هذا البحث في "مدارج السالكين 1/ 44-50، المسودة ص487، فتاوي ابن تيمية 10/ 766، 477، 478، 11/ 65-66، 13/ 68-70".

3 ساقطة من ش.

4 جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/ 356.

قال الشريف الجرجاني: وهو ليس بحجةٍ عند العلماء إلا عند الصوفية "التعريفات ص35".

5 في ز ع: وقاله.

6 هو القاضي عبد الله أو عبيد الله بن عمر بن عيسى، أبو زيد الدبّوسي، من أكابر فقهاء الحنفية، ويضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج، من مؤلفاته "تأسيس النظر" و "تقويم الأدلة" في أصول الفقه، و "تحديد أدلة الشرع" وكتاب "الأسرار" في الأصول والفروع، توفي ببخارى سنة 430هـ.

"انظر: شذرات الذهب 3/ 245، الفتح المبين 1/ 236، وفيات الأعيان 2/ 251، تاج التراجم ص36، الفوائد البهية ص109".

7 ساقطة من ش.

8 في ع ب: حجته.

ص: 330

وَتَقْوَاهَا} 1، أَيْ عَرَّفَهَا بِالإِيقَاعِ فِي الْقَلْبِ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} 2 وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "الإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاك النَّاسُ وَأَفْتَوْك" 3، فَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَهَادَةَ قَلْبِهِ بِلا حُجَّةٍ أَوْلَى مِنْ الْفَتْوَى4.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ5 خَيَالٌ لا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ إلَاّ عِنْدَ فَقْدِ الْحُجَجِ كُلِّهَا، وَلا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الإِيقَاعَ فِي الْقَلْبِ بِلا دَلِيلٍ، بَلْ الْهِدَايَةُ إلَى الْحَقِّ بِالدَّلِيلِ، كَمَا قَالَ عَلِيٌّ6 رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ:

1 الآيتان 7-8 من الشمس.

2 الآية 125 من الأنعام.

3 رواه الإمام أحمد بروايات كثيرة، والترمذي والدارمي والطبراني وأبو نعيم وأبو يعلى، عن وابصة، بألفاظ مختلفة، قال الهيثمي: رجاله ثقات، وأوله: "البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم

" "انظر: تخريج أحاديث أصول البزدوي ص160، كشف الخفا 1/124، فيض القدير 3/ 218، مسند أحمد 4/ 182، 228، جامع العلوم والحكم ص236 وما بعدها، سنن الترمذي مع تحفة الأحوذي 7/ 64، سنن الدارمي 2/ 246".

4 قال المناوي: وذلك لأن على قلب المؤمن نوراً يتقيد، فإذا ورد عليه الحق التقى هو ونور القلب فامتزجا وائتلفا، فاطمأن القلب وهش، وإذا ورد عليه الباطل نفر نور القلب ولم يمازجه، فاضطرب القلب. "فيض القدير 3/ 218" وانظر: فتاوي ابن تيمية 10/ 479، 13/ 68.

5 في ز: هو.

6 هو الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، أبو الحسن القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأول الناس إسلاماً، ولد قبل البعثة بعشر سنوات، وربي في حجر رسول الله، شهد جميع المشاهد إلا تبوك، استخلفه الرسول صلى الله عيله وسلم وقال له:"وأما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة"، وكان اللواء بيده في معظم الغزوات، اشتهر بالفروسية والشجاعة والقضاء، وكان عالماً بالقرآن والفرائض والأحكام واللغة والشعر، تزوج فاطمة الزهراء. وكان من أهل الشورى، وبايع عثمان رضي الله عنهما، فلما قتل عثمان بايعه الناس سنة 35هـ، واستشهد في رمضان سنة 40هـ. مناقبه كثيرة. "انظر: الإصابة 2/ 507، الاستعاب 3/ 26، صفة الصفوة 1/ 308، أسد الغابة 4/ 91، تاريخ الخلفاء ص 166، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 344".

ص: 331

"إلَاّ أَنْ1 يُؤْتِيَ اللَّهُ عَبْدًا فَهْمًا فِي كِتَابِهِ"2.

1 في ب: من.

2 سئل الإمام علي رضي الله عنه: هل خصّكم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس؟ فقال: لا، والذي فلق الحبة، وبراً النسمة، إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه، وما في هذه الصحيفة، وكان فيها العقل، وهو الديات، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر". رواه البخاري والنسائي وأبو داود والترمذي وأحمد والدارمي عن أبي جحيفة، "انظر: نيل الأوطار 7/ 10، صحيح البخاري بحاشية السندي 4/ 194، سنن النسائي 8/ 21، تحفة الأحوذي 4/ 688، سنن أبي داود 4/ 252، مسند أحمد 1/ 79، سنن الدارمي2/ 190". وانظر: مدارج السالكين 1/ 41.

ص: 332

"فَصْلٌ""الْحُكْمُ1 الشَّرْعِيُّ" فِي اصْطِلاحِ الْفُقَهَاءِ: "مَدْلُولُ خِطَابِ الشَّرْعِ".

قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ خِطَابُ الشَّرْعِ وَقَوْلُهُ2.

قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَالظَّاهِرُ أَنَّ الإِمَامَ أَحْمَدَ أَرَادَ بِزِيَادَةِ: "وَقَوْلُهُ" عَلَى خِطَابُ الشَّرْعِ: التَّأْكِيدَ، مِنْ بَابِ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ؛ لأَنَّ كُلَّ خِطَابٍ قَوْلٌ، وَلَيْسَ كُلُّ قَوْلٍ خِطَابًا. انْتَهَى.

وَشَمِلَ "مَدْلُولُ الْخِطَابِ" الأَحْكَامَ3 الْخَمْسَةَ، وَالْمَعْدُومَ حِينَ الْخِطَابِ4. وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ صِفَةُ الْحَاكِمِ، فَنَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {أَقِمْ الصَّلاةَ} 5 يُسَمَّى بِاعْتِبَارِ النَّظَرِ إلَى نَفْسِهِ الَّتِي هِيَ صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى إيجَابًا، وَيُسَمَّى بِالنَّظَرِ إلَى مَا تَعَلَّقَ بِهِ، وَهُوَ فِعْلُ مُكَلَّفٍ: وُجُوبًا. فَهُمَا مُتَّحِدَانِ بِالذَّاتِ مُخْتَلِفَانِ بِالاعْتِبَارِ. فَتَرَى الْعُلَمَاءَ تَارَةً يُعَرِّفُونَ الإِيجَابَ، وَتَارَةً

1 الحكم لغة: المنع والقضاء، يقال حكمت عليه بكذا أي منعته من خلافه، وحكمت بين الناس قضيت بينهم وفصلت، ومنه الحِكمةُ لأنها تمنع صاحبها عن أخلاق الأراذل والفساد، "انظر: المصباح المنير 1/ 226، القاموس المحيط 4/ 99".

2 هذا تعريفه عند علماء الأصول، والأول تعريفه عند الفقهاء، والسبب في اختلاف التعريفين أن علماء الأصول نظروا إليه من ناحية مصدره، وهو الله تعالى، فالحكم صفة له، فقالوا: إن الحكم خطابٌ، والفقهاء نظروا إليه من ناحية متعلق، وهو فعل المكلف، فقالوا: إن الحكم مدلول الخطاب وأثره. "انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 59، فوتح الرحموت 1/ 54".

3 في ش: الأسماء.

4 إن تعلق الخطاب بالمعدوم هو تعلق معنوي، بحيث إذا وجد بشروط التكليف يكون مأمرراً، لا تعليق تنجيزي بأن يكون حالة عدمه مأموراً. "انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/ 77، فواتح الرحموت 1/ 60، تيسير التحرير 2/ 131".

5 الآية 78 من الإسراء.

ص: 333

يُعَرِّفُونَ الْوُجُوبَ نَظَرًا إلَى الاعْتِبَارَيْنِ1.

وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ خِطَابُهُ الْمُتَعَلِّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ2، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الأَوَّلِ، إلَاّ أَنَّ هَذَا أَصْرَحُ وَأَخَصُّ.

فَـ "خِطَابٌ" جِنْسٌ، وَهُوَ مَصْدَرُ خَاطَبَ، لَكِنَّ الْمُرَادَ3 هُنَا الْمُخَاطَبُ بِهِ، لا مَعْنَى الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ تَوْجِيهُ الْكَلامِ لِمُخَاطَبٍ4. فَهُوَ مِنْ إطْلاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ5.

1 وتارة يعرفون الواجب، وهو وصف لفعل المكلف الذي طلب الشارع فعله، وكذا الحرام أو المحرم، فهو وصف لفعل المكلف الذي طلب الشارع تركه. "انظر: نهاية السول 1/ 52، 55، فواتح الرحموت 1/ 59، تيسير التحرير 2/ 134، شرح العضد على ابن الحاجب 1/ 225، 228".

2 هذا تعريف الغزالي "المستصفى 1/ 55" واعترض عليه العلماء بأنه غير مانع: لأنه يدخل فيه مثل قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات / 96] فإنه دخل في الحد وليس بحكم، فزاد العلماء على التعريف قيداً يخصصه، ويخرج عنه ما دخل فيه، وهو قولهم: بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، ليندفع النقض، فإن قوله تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} ليس فيه اقتضاء أو تخيير أو وضع، وإنما هو إخبار بحال، ولكن العضد دافع عن التعريف بأن الألفاظ المستعملة في الحدود تعتبر فيها الحيثية، وإن لم يصرح بها، فيصير المعنى: المتعلق بأفعال المكلفين من حيث هم مكلفون، وقوله تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} لم يتعلق به من حيث هو فعل المكلف، ولذلك عم المكلف وغيره. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص67، التمهيد ص5، فواتح الرحموت 1/ 54، نهاية السول 1/ 38، إرشاد الفحول ص6، شرح العضد على ابن الحاجب 1/ 222، التعريفات ص97".

3 في ع ب ض: المراد به.

4 في ش: إلى مخاطب.

5 المخاطب به هو كلام الله تعالى، مع اختلاف العلماء في كون المراد الكلام النفسي الأزلي أم الألفاظ والحروف أم غيرها، فيه أقوال سيذكرها المصنف فيما بعد في المجلد الثاني "وانظر: جمع الجوامع 1/ 47، نهاية السول 1/ 39، تيسير التحرير 2/ 131، كشاف اصطلاحات الفنون 2/ 403".

ص: 334

وَخَرَجَ خِطَابُ غَيْرِ الشَّارِعِ؛ إذْ لا حُكْمَ إلَاّ لِلشَّارِعِ1.

وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: "الْمُتَعَلِّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ" خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: الْخِطَابُ الْمُتَعَلِّقُ بِذَاتِ اللَّهِ وَصِفَتِهِ وَفِعْلِهِ. وَبِذَاتِ الْمُكَلَّفِينَ وَالْجَمَادِ2.

فَالأَوَّلُ: مَا تَعَلَّقَ بِذَاتِهِ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إلَهَ إلَاّ هُوَ} 3.

وَالثَّانِي: مَا تَعَلَّقَ بِصِفَتِهِ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى:{اللَّهُ لا إلَهَ إلَاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} 4.

الثَّالِثُ: مَا تَعَلَّقَ بِفِعْلِهِ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} 5.

الرَّابِعُ: مَا تَعَلَّقَ بِذَاتِ الْمُكَلَّفِينَ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} 6، وقَوْله تَعَالَى:{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} 7.

الْخَامِسُ: مَا تَعَلَّقَ بِالْجَمَادِ. نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ

1 خطاب الشرع إما أن يكون صريحاً ومباشراً بالقرآن الكريم، وأما أن يكون غير مباشر بأن يدل عليه دليل آخر كالسنة والإجماع والقياس وغيرها، وهذه الأصول تكشف عن الخطاب الإلهي فقط "انظر: فواتح الرحموت 1/ 56، نهاية السول 1/ 39، العضد على ابن الحاجب 1/ 221".

2 انظر: المحلي على جمع الجوامع والبناني عليه 1/ 50، نهاية السول 1/ 40، تيسير التحرير 2/ 129.

3 الآية 18 من آل عمران.

4 الآية 2 من آل عمران.

5 الآية 62 من الزمر، وفي ش:{اللَّهُ رَبُّكُمْ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} الآية 102 من الأنعام.

6 الآية 11 من الأعراف.

7 الآية 189 من لأعراف.

ص: 335

الْجِبَالَ} 1، وَنَحْوُهَا.

وَالْمُرَادُ "بِالتَّعَلُّقِ" الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَتَعَلَّقَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ2، وَإِلَاّ فَيَلْزَمُ3 أَنَّهُ قَبْلَ التَّعَلُّقِ لا يَكُونُ حُكْمًا؛ إذْ التَّعَلُّقُ حَادِثٌ عِنْدَ الرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ4. فَيَكُونُ مَجَازًا. وَلا يَضُرُّ وُقُوعُهُ فِي التَّعْرِيفِ إذَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرَائِنُ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ5، وَالْقَرَافِيِّ6.

وَإِنْ قِيلَ: إنَّ التَّعَلُّقَ قَدِيمٌ، وَاخْتَارَهُ الرَّازِيّ فِي الْقِيَاسِ وَالسُّبْكِيُّ7، أَوْ8 قُلْنَا: لَهُ اعْتِبَارَانِ9 قَبْلَ وُجُوبِ التَّكْلِيفِ وَبَعْدَهُ. كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مِنْهُمْ10، فَلا مَجَازَ فِي التَّعْرِيفِ.

1 الآية 47 من الكهف.

2 أي إذا وجد مستجمعاً لشروط التكليف كان متعلقاً به "حاشية البناني 1/ 48، نهاية السول 1/ 40".

3 في ع: فلا يلزم.

4 انظر: فواتح الرحموت 1/ 55، نهاية السول 1/ 40، تيسير التحرير 2/ 131.

5 المستصفى 1/ 16، 55.

6 شرح تنقيح الفصول ص9، 68.

7 جمع الجوامع 1/ 77.

8 في ز: و.

9 في ش: اعتبارات.

10 إن تعلق الخطاب بفعل المكلف له اعتباران، الاعتبار الأول قبل وجود المكلف، فالتعلق معنوي، أي إذا وجد الكلف مستجمعاً لشروط التكليف كان متعلقاً به، وهذا التعلق قديم، والاعتبار الثاني بعد وجود المكلف فالتعلق تنجيزي أي تعلق بالمكلف بالفعل بعد وجوده، وهذا التعلق حادث، قال البناني: فللكلام المتعلق بفعل المكلف تعلقان صلوحي وتنجيزي، والأول قديم، والثاني حادث، بخلاف المتعلق بذات الله وصفاته فليس له إلا تعليق تنجيزي قديم "حاشية البناني 1/ 48".

ص: 336

وَالْمُرَادُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ الأَعَمُّ1 مِنْ الْقَوْلِ وَالاعْتِقَادِ2، لِتَدْخُلَ3 عَقَائِدُ الدِّينِ وَالنِّيَّاتُ فِي الْعِبَادَاتِ، وَالْقصُودُ4 عِنْدَ اعْتِبَارِهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ.

وَقُلْنَا: "الْمُكَلَّفُ" بِالإِفْرَادِ لِيَشْمَلَ مَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْوَاحِدِ5، كَخَصَائِصِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَالْحُكْمِ بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ6، وَإِجْزَاءِ الْعَنَاقِ7 فِي الأُضْحِيَّةِ لأَبِي بُرْدَةَ8 وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ لِزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ9، وَعُقْبَةَ بْنِ

1 الفعل لغة ما يقال القول والاعتقاد والنية، وعرفاً: كل ما يصدر عن المكلف وتتعلق به قدرتهُ من قولٍ أو فعل أو اعتقاد أو نية "انظر: حاشية البناني 1/49، نهاية السول 1/ 40، تيسير التحرير 2/ 129".

2 في ش ز ب ض: الاعتبار، وكذلك في أصل ع، ولكنها صححت بالهامش ومن د.

3 في ش ز ب ض ع: ليدخل.

4 في د ز ع ب: المقصود.

5 انظر نهاية السول 1/ 41.

6 هو الصحابي خُزَيْمَةُ بن ثابت الأنصاري الأوسي، أبو عمارة، من السابقين الأولين للإسلام، شهد بدراً وما بعدها، استشهد بصفين بعد عمارة رضي لله عنهما سنة 37هـ، وقد روى الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل شهادته رجلين، وفي البخاري قال: وجدتها مع خزيمة بن ثابت الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادتين، وروى أبو داود أن النبي صلى الله عيله وسلم ابتاع فرساً من أعرابي

وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من شَهدَ له خزيمةُ فهو حسبه. "انظر: الإصابة 1/ 425، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 175، شذرات الذهب 1/ 48، سنن أبي داود 3/ 417، سنن النسائي 7/ 266، سنن البيهقي 10/ 146".

7 العَنَاقُ: الأنثى من ولد المعز قبل استكمالها الحول "المصباح المنير 2/ 662، تهذيب اللغات 2/ 46".

8 هو الصحابي هانيء بن نِيّار الأنصاري، خال البراء بن عازب، شهد أبو بردة بدراً وما بعدها، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، مات في أول خلافة معاوية بعد أن شهد مع على حروبه كلها، قيل سنة 41، 42، 45هـ، وهو مشهور بكنيته، وخصوصيته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: اذبحها، ولا تصلح لغيرك، متفق عليه، "انظر: الإصابة 4/ 18، 3/ 596، تهذيب الأسماء واللغات: 2/ 178، نيل الأوطار 5/ 127، مسند أحمد 3/ 466، صحيح البخاري 3/ 317، صحيح مسلم 3/ 1552".

9 هو الصحابي زيد بن خالد الجهني، مختلف في كنيته، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة، شهد الحديبية، وكان معه لواء جهينة يوم الفتح، وحديثه في الصحيحين وغيرهما، مات سنة 78هـ بالمدينة، وله 85 سنة، وقيل غير ذلك. "انظر: الإصابة 1/ 565، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 203، المعارف ص279، شذرات الذهب 1/ 84، مشاهير علماء الأمطار ص54".

ص: 337

عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ1. ذَكَرَهُ فِي "حَيَاةِ الْحَيَوَانِ"2، وَالْبِرْمَاوِيِّ.

وَالْمُرَادُ بِالْمُكَلَّفِ: الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الذاكَرُ3، غَيْرُ الْمُلْجَأِ4، لا مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ التَّكْلِيفُ، وَإِلَاّ لَزِمَ الدَّوْرُ. إذْ لا يَكُونُ مُكَلَّفًا حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِهِ5 التَّكْلِيفُ، وَلا يَتَعَلَّقُ التَّكْلِيفُ إلَاّ بِمُكَلَّفٍ6.

1 هو الصحابي عقبة بن عامر الجُهَني، أبو حماد الأنصاري المشهور، وقيل في كتيته غير ذلك، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه كثير من الصحابة، كان عالماً بالفرائض والفقه، ومن أحسن الناس صوتاً بالقرآن، وكان فصيح اللسان، شاعراً كاتباً، شهد الفتوح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان هو البريد إلى عمر بفتح الشام، وسكن دمشق، وشهد صفين مع معاوية، وأمره بعد ذلك على مصر، وكان له فيها الخراج والصلاة، مات في خلافة معاوية على الصحيح سنة 58هـ بمصر. "انظر الإصابة 2/ 489، الاستيعاب 2/ 155، تهذيب الأسماء 1/ 336، شذرات الذهب 1/ 64، مشاهير علماء الأمصار ص55".

2 حياة الحيوان الكبرى 2/ 155، للدميري، محمد بن موسى بن عيسى، أبو البقاء الشافعي المصري المتوفى سنة 808هـ، والخصوصية التي ثبتت لعقبة بن عامر وقيل لزيد بن خالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه عنماً يقسمها على أصحابه ضحايا فبقي عَتُودّ "ما بلغ سنة من المعز" فذكره لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"ضح به أنت"، رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لهما قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا ضحايا فأصابني جَذَع، فقلت يارسول الله، إنه أصابني جَذَع؟ فقال: ضح به. "انظر: فتح الباري 10/ 3، 7، صحيح مسلم 3/ 1556".

3 في ش: الذكر.

4 أي غير المكره، وهو الطائع المختار، قال البعلي: المكره المحمول كالآلة غير مكلف "القواعد والفوائد الأصولية ص39".

5 ساقطة من ش.

6 انظر: نهاية السول 1/ 42، تيسير التحرير 2/ 131، المحلي على جمع الجوامع 1/ 48".

ص: 338

"وَالْخِطَابُ: قَوْلٌ يَفْهَمُ مِنْهُ مَنْ سَمِعَهُ شَيْئًا مُفِيدًا1 مُطْلَقًا"2.

فَالْقَوْلُ: اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الإِشَارَاتِ وَالْحَرَكَاتِ الْمُفْهِمَةِ.

وَخَرَجَ بِقَيْدِ "الْفَهْمِ" مَنْ لا يَفْهَمُ، كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ؛ إذْ لا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ خِطَابٌ. وَقَوْلُهُ "مَنْ سَمِعَهُ" لِيَعُمَّ الْمُوَاجَهَةَ بِالْخِطَابِ وَغَيْرِهِ، وَلِيَخْرُجَ النَّائِمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَنَحْوُهُمَا.

وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ "مُفِيدًا"3 الْمُهْمَلُ،

وَقَوْلُهُ: "مُطْلَقًا" لِيَعُمَّ حَالَةَ قَصْدِ إفْهَامِ السَّامِعِ وَعَدَمَهَا.

وَقِيلَ: لا بُدَّ مِنْ قَصْدِ إفْهَامِهِ. فَعَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ إفْهَامَهُ لا يُسَمَّى خِطَابًا4.

"وَيُسَمَّى بِهِ" أَيْ الْخِطَابُ5 "الْكَلامُ فِي الأَزَلِ فِي قَوْلٍ" ذَهَبَ إلَيْهِ الأَشْعَرِيُّ وَالْقُشَيْرِيُّ6.

وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَاّنِيُّ وَالآمِدِيُّ7: أَنَّهُ لا يُسَمَّى خِطَابًا، لِعَدَمِ الْمُخَاطَبِ8 حِينَئِذٍ، بِخِلافِ تَسْمِيَتِهِ فِي الأَزَلِ أَمْرًا وَنَهْيًا وَنَحْوَهُمَا9؛

1 قي ش: مقيداً.

2 انظر في تعريف الخطاب "الإحكام، الآمدي 1/ 95، حاشية الجرجاني على العضد 1/ 95، حاشية الجرجاني على العضد 1/ 221".

3 في ش ز: مقيداً.

4 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 95.

5 في ع ب: بالخطاب.

6 انظر: شرح تنقيح الفصول ص69.

7 الإحكام: له1 ص95.

8 في ش: المخاطب في الأزل.

9 الخلاف في تسمية الكلام في الأزل خطاباً وعدم تسمية مبني على تفيسر الخطاب، فمن قال: إن الخطاب هو الكلام الذي يُفهم، فيسميه خطاباً، ومن قال: إنه الكلام الذي أفهم، لم يكن خطاباً، "حاشية البناني 1/ 49" ويقول ابن عبد الشكور: الخلاف لفظي "فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 1/ 56" ويوضح ذلك الكمال بن الهمام بأن المانع من التسمية هو كون المراد من الخطاب التنجيزي الشفاهي، فهذا ليس موجهاً في الأزل، أما إرادة طلب الفعل ممن سيوجد ويتهيأ لفهمه فيصح في الأزل من هذه الحيثية من الأزل، ويوجه إلى المعدوم "تيسير التحرير 2/ 131" وانظر: نهاية السول 1/ 39، شرح تنقيح الفصول ص70.

ص: 339

لأَنَّ م ِثْلَهُ يَقُومُ بِذَاتِ الْمُتَكَلِّمِ بِدُونِ مَنْ1 يَتَعَلَّقُ بِهِ، كَمَا يُقَالُ فِي الْمُوصِي2:

أَمَرَ فِي وَصِيَّتِهِ وَنَهَى.

"ثُمَّ إنْ وَرَدَ" خِطَابُ الشَّرْعِ "بِطَلَبِ فِعْلٍ مَعَ جَزْمٍ" أَيْ قَطْعٍ مُقْتَضٍ لِلْوَعِيدِ عَلَى التَّرْكِ "فَإِيجَابٌ" عَلَى الْمُكَلَّفِ. نَحْوُ: قَوْله تَعَالَى: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} 3.

"أَوْ" وَرَدَ بِطَلَبِ فِعْلٍ "لا مَعَهُ" أَيْ لَيْسَ مَعَهُ جَزْمٌ "فَنَدْبٌ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} 4، وقَوْله تَعَالَى:{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ-فَإِذَا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} 5، "وَقَوْلِ النَّبِيِّ"6 صلى الله عليه وسلم:"اسْتَاكُوا"7.

1 في ز: ما.

2 في ش د ب ض: الوصي.

3 الآية 43 من البقرة.

4 الآية 282 من البقرة.

5 الآية 6 من النساء.

6 في ز: وقوله.

7 هذا طَرَفٌ من حديث رواه ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط عن سليمان بن صُرَّد مرفوعاً بلفظ "استاكوا، وتنظفوا، وأوتروا فإن الله عز وجل يحب الوتر". والحديث حسن لغيره، قال الهيثمي: فيه اسماعيل بن عمرو البجلي، ضعفه أبو حاتم والدارقطني، ووثقه ابن حبان، وقد ورد الحديث بألفاظ أخرى، "انظر: فيض القدير 1/ 485، كشف الخفا 1/ 121، مجمع الزوائد 1/ 221، 2/ 97 وما بعدها".

ص: 340

"أَوْ" وَرَدَ خِطَابٌ بِالشَّرْعِ1 "بِطَلَبِ تَرْكٍ مَعَهُ" أَيْ مَعَ جَزْمٍ، أَيْ قَطْعٍ2 مُقْتَضٍ لِلْوَعِيدِ عَلَى الْفِعْلِ "فَتَحْرِيمٌ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى:{لا تَأْكُلُوا الرِّبَا} 3، وقَوْله تَعَالَى:{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} 4.

"أَوْ" وَرَدَ بِطَلَبِ تَرْكٍ "لا مَعَهُ" أَيْ لَيْسَ مَعَهُ جَزْمٌ "فَكَرَاهَةٌ"، كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:"إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إلَى الْمَسْجِدِ: فَلا يُشَبِّكُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ5؛ فَإِنَّهُ فِي صَلاةٍ"، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ6 وَابْنُ مَاجَهْ7.

1 في ش ز: بالشرع.

2 في ز: بقطع.

3 الآية 130 من آل عمران.

4 الآية 32 من الإسراء.

5 قال المناوي: أي ندباً، لما فيه من التشبه بالشيطان، أو لدلالته على ذلك، أو لكونه دالاً على تشبيك الأحوال والامور "فيض القدير 1/ 322".

6 تحفة الأحوذي بشرح الترمذي 2/ 394.

والترمذي هو محمد بن عيسى بن سَوْرَة السُّلمي، أبو عيسى، الحافظ الضرير العلامة المشهور، أحد الأئمة في الحديث، ذكره ابن حبان في الثقات وقال:"كان ممن جمع وصنف وحفظ وذاكر"، صنف كتابه "الجامع" و "العلل" و "التواريخ" تصنيف رجل متقن، وكان يضرب به المثل في الحفظ، توفي سنة 279هـ. انظر في ترجمته "وفيات الأعيان 3/ 407، شذرات الذهب 2/ 174، نكت الهميان ص264، طبقات الحفاظ ص278، تذكرة الحفاظ 2/ 633، الخلاصة ص355، ميزان الاعتدال 3/ 678".

7 سنن ابن ماجة 1/ 254، وليس في رواية ابن ماجة:"فلا يشبك بين أصابعه".

وابن ماجة هو محمد بن يزيد بن ماجة القزويني، الحافظ الإمام أبو عبد الله، الربعي مولاهم، قال الخليلي:"ثقة كبير متفق عليه، محتج به" له مصنفات منها "السنن" و "التفسير" و "التاريخ" توفي سنة 273هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص278، شذرات الذهب 2/ 164، طبقات المفسرين 2/ 272، وفيات الأعيان 3/ 407، الخلاصة ص365، تذكرة الحفاظ 2/ 636".

ص: 341

"أَوْ" وَرَدَ خِطَابُ1 الشَّرْعِ2 "بِتَخْيِيرٍ" بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ "فَإِبَاحَةٌ"3، كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم، حِينَ سُئِلَ عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ:"إنْ شِئْت فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْت فَلا تَتَوَضَّأْ"4.

"وَإِلَاّ" أَيْ وَإِنْ5 لَمْ6 يَرِدْ خِطَابُ الشَّرْعِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصِّيَغِ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَوَرَدَ بِنَحْوِ صِحَّةٍ7، أَوْ فَسَادٍ، أَوْ نَصْبِ الشَّيْءِ سَبَبًا، أَوْ مَانِعًا أَوْ شَرْطًا، أَوْ كَوْنِ الْفِعْلِ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً، أَوْ رُخْصَةً أَوْ عَزِيمَةً "فَوَضْعِيٌّ"8 أَيْ فَيُسَمَّى خِطَابَ الْوَضْعِ9، وَيُسَمَّى الأَوَّلُ خِطَابَ التَّكْلِيفِ10.

1 في ش: خطاباً.

2 في ش: للشرع.

3 انظر تقسيم الحكم التكليفي في "الروضة ص16، المستصفى 1/ 65، فواتح الرحموت 1/ 61، نهاية السول 1/ 51، تيسير التحرير 2/ 129، إرشاد الفحول ص60، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد وحواشيه 1/ 225".

4 رواه أحمد ومسلم عن جابر بن سَمُرَة مرفوعاً أن رجلاً سأل

"انظر: مسند أحمد 5/ 86، صحيح مسلم 1/ 275، نيل الأوطار 1/ 237".

5 في ش: إن.

6 ساقطة من ش.

7 في ش: صالحة.

8 انظر في الكلام عن الحكم الوضعي "الإحكام، الآمدي 1/ 96، التمهيد ص 5، شرح تنقيح الفصول ص70، الروضة ص30، فوتح الرحموت 1/ 57، تيسير التحرير 2/ 128، إرشاد الفحول ص6، مختصر ابن الحاجب 1/ 225".

9 يشمل خطاب الوضع السبب والشرط والمانع والعلة والصحة والفساد والأداء والقضاء والرخصة والعزيمة، ويسمى الحكم الوضعي، والثلاثة الأول تدخل فيه باتفاق الأصوليين، أما الباقي فاختلفوا في دخولها وعدم دخولها فيه على أقوال، كما سيأتي.

10 يشمل خطاب التكليف الإيجات والندب والتخيير والتحريم والكراهية، ويُسمى الحكم التكليفي. "انظر إرشاد الفحول ص6".

ص: 342

وَلا تَتَقَيَّدُ اسْتِفَادَةُ الأَحْكَامِ مِنْ صَرِيحِ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ، بَلْ تَكُونُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ.

وَالنَّصُّ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا، أَوْ نَهْيًا، أَوْ إذْنًا، أَوْ خَبَرًا بِمَعْنَاهَا، أَوْ إخْبَارًا بِالْحُكْمِ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ} 1 وقَوْله تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا} 2، [وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم] :"إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ" 3 وقَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} 4، أَوْ بِذِكْرِ خَاصَّةٍ لأَحَدِ الأَحْكَامِ، كَوَعِيدٍ5 عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ تَرْكِهِ "6أَوْ وَعْدٍ7 عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ تَرْكِهِ 6 أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

وَقَدْ يَجْتَمِعُ خِطَابُ التَّكْلِيفِ8 وَخِطَابُ الْوَضْعِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، كَالزِّنَا،

1 الآية 183 من البقرة.

2 الآية 58 من النساء.

3 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ومالك واحمد والدارمي عن ابن عمر مرفوعاً، ويحرم الحلفُ بالآباء لأن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه، والعظمةُ الحقيقية إنما هي لله وحده، وتخصيص الآباء خرج على مقتضى العادة، وإلا فحقيقة النهي عامة في كل تعظيم لغير الله. "انظر: صحيح البخاري 4/ 102، صحيح مسلم بشرح النووي 11/ 105، سنن أبي داود 3/ 303، سنن النسائي 7/ 5، تحفة الأحوذي بشرح الترمذي 5/ 132، سنن ابن ماجة 1/ 677، الموطأ 2/ 480، مسند أحمد 2/ 7، فيض القدير 2/ 319، سنن الدارمي 2/ 185".

4 الآية 96 من المائدة.

5 في ز: كوعيده.

6 ساقطة من ش.

7 في ز: وعده.

8 في جميع النسخ ش ز د ع ب ض: الشرع، وهو خطأ، لأنَّه ذكرَ خطاب التكليف في مقابلة خطاب الوضع، وكلاهما يدخل في خطاب الشرع، وقد ذكر المصنف في الصفحة التالية، عندما أراد التفصيل:"وقد ينفرد خطاب الوضع" ثم قال: "وأما انفراد خطاب التكليف"، مما يدل على أن المراد هنا في الأعلى، خطاب التكليف.

قال القرافي: "اعلم أن خطاب الوضع قد يجتمع مع خطاب التكليف، وقد ينفرد كل واحد منها بنفسه""الفروق 1/ 163".

ص: 343

فَإِنَّهُ حَرَامٌ، وَسَبَبٌ لِلْحَدِّ1.

وَقَدْ يَنْفَرِدُ خِطَابُ الْوَضْعِ، كَأَوْقَاتِ الْعِبَادَاتِ وَكَوْنِ الْحَيْضِ مَانِعًا مِنْ الصَّلاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا. وَكَوْنِ الْبُلُوغِ شَرْطًا2 لِلتَّكْلِيفِ، وَحَوَلانِ الْحَوْلِ شَرْطًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ3.

وَأَمَّا انْفِرَادُ خِطَابِ التَّكْلِيفِ: فَقَالَ فِي "شَرْحِ التَّنْقِيحِ": لا يُتَصَوَّرُ، إذْ لا تَكْلِيفَ إلَاّ لَهُ سَبَبٌ، أَوْ شَرْطٌ أَوْ مَانِعٌ4.

قَالَ الطُّوفِيُّ فِي5 "شَرْحِهِ": هُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ.

قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهُوَ كَمَا قَالَ.

"وَ" الشَّيْءُ6 "الْمَشْكُوكُ لَيْسَ بِحُكْمٍ" وَهُوَ الصَّحِيحُ7. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.

وَالشَّاكُّ لا مَذْهَبَ لَهُ 8 وَالْوَاقِفُ لَهُ مَذْهَبٌ"8؛ لأَنَّهُ يُفْتِي بِهِ وَيَدْعُو إلَيْهِ.

قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهَذَا الْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ.

وَقِيلَ: لا.

1 انظر: الفروق 1/ 163.

2 في ش: شرعاً.

3 انظر: شرح تنقيح الفصول ص80-81، الفروق 1/ 163.

4 شرح تنقيح الفصول ص81، وقارن ما قاله القرافي نفسه في "الفروق 1/ 163".

5 ساقطة من ع.

6 ساقطة من ز ب ض، وفي ع: والشيء و.

7 نقل المجد بن تيمية عن الرازي أن المشكوك في وجوبه يخاف على تاركه بالعقاب، وليس بواجب "المسودة ص 575".

8 في ز ع ب ض: والوقف مذهب.

ص: 344