المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

"‌ ‌فَصْلٌ"فِي اللُّغَةِ وَأَصْلُهَا: لِغْوَةٌ، عَلَى وَزْنِ فِعْلَةٌ. مِنْ لَغَوْت: إذَا تَكَلَّمْت. - شرح الكوكب المنير = شرح مختصر التحرير - جـ ١

[ابن النجار الفتوحي]

الفصل: "‌ ‌فَصْلٌ"فِي اللُّغَةِ وَأَصْلُهَا: لِغْوَةٌ، عَلَى وَزْنِ فِعْلَةٌ. مِنْ لَغَوْت: إذَا تَكَلَّمْت.

"‌

‌فَصْلٌ"فِي اللُّغَةِ

وَأَصْلُهَا: لِغْوَةٌ، عَلَى وَزْنِ فِعْلَةٌ. مِنْ لَغَوْت: إذَا تَكَلَّمْت. وَهِيَ تَوْقِيفٌ وَوَحْيٌ، لا اصْطِلاحٌ وَتَوَاطُؤٌ عَلَى الأَشْهَرِ1. وَذَلِكَ لِمَا رَوَى وَكِيعٌ2 فِي "تَفْسِيرِهِ" بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ3 فِي قَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} 4. قَالَ "عَلَّمَهُ اسْمَ كُلِّ شَيْءٍ. حَتَّى عَلَّمَهُ الْقَصْعَةَ وَالْقُصَيْعَةَ، وَالْفَسْوَةَ وَالْفُسَيَّةَ"5 وَلِمَا رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ6 فِي "تَفْسِيرِهِ" مِنْ

1 انظر تحقيق مسألة اللغة هل هي توقيف أم اصطلاح في "المزهر 1/ 16 وما بعدها، المستصفى 1/ 318 وما بعدها، إرشاد الفحول ص12 وما بعدها، المسودة ص562، المحلي على جمع الجوامع 1/ 269 وما بعدها، نهاية السول 1/ 211، العضد على ابن الحاجب 1/ 194 وما بعدها، الخصائص 1/ 40 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 73 وما بعدها، الصاحبي ص31 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 183، التمهيد للأسنوي ص31".

2 هو وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أبو سفيان الكوفي، الإمام الحافظ الثبت، محدث العراق. قال أحمد:"ما رأيت أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع". أشهر مصنفاته "التفسير" توفي سنة 197هـ. "انظر ترجمته في طبقات المفسرين للداودي 2/ 357، طبقات الحنابلة 1/ 391، شذرات الذهب 1/ 349".

3 هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، حبر الأمة، وترجمان القرآن، وأحد الستة المكثرين من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، دعا له النبي عليه الصلاة والسلام بقوله "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" توفي بالطائف سنة 68هـ. "انظر ترجمته في الإصابة 2/ 232، الاستيعاب 2/ 350، شذرات الذهب 1/ 75، طبقات المفسرين للداودي 1/ 232، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 274".

4 الآية 31 من البقرة.

5 تفسير الطبري 1/ 215.

6 هو محمد بن جرير بن يزيد، أبو جعفر الطبري، الإمام الجليل والمجتهد المطلق. قال الخطيب البغدادي:"كان أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم مالم يشاركه فيه أحد من أهل عصره". له كتاب "التفسير" و "التاريخ" و "اختلاف العلماء" و "التبصير في أصول الدين" وغيرها. توفي سنة 310هـ. "نظر ترجمته في وفيات الأعيان 3/ 332، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 120، شذرات الذهب 2/ 260، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 78، المنتظم 6/ 170".

ص: 97

طَرِيقِ الضَّحَّاكِ1 إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} . قَالَ: "هِيَ هَذِهِ الأَسْمَاءُ الَّتِي يَتَعَارَفُ بِهَا النَّاسُ الآنَ نَحْوُ2: إنْسَانٌ، دَابَّةٌ، أَرْضٌ، سَهْلٌ، بَحْرٌ، جَبَلٌ، حِمَارٌ. وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِنْ الأَسْمَاءِ3 وَغَيْرِهَا"4.

ثُمَّ إنَّ أَلْفَاظَ اللُّغَةِ5 تَنْقَسِمُ إلَى مُتَوَارِدَةٍ، وَإِلَى مُتَرَادِفَةٍ.

فَالْمُتَوَارِدَةُ: كَمَا تُسَمَّى الْخَمْرُ عُقَارًا. تُسَمَّى6 صَهْبَاءَ وَقَهْوَةً، وَالسَّبُعَ: لَيْثًا، وَأَسَدًا وَضِرْغَامًا.

وَالْمُتَرَادِفَةُ: هِيَ الَّتِي يُقَامُ لَفْظٌ مَقَامَ لَفْظٍ، لَمَعَانٍ مُتَقَارِبَةٍ، يَجْمَعُهَا مَعْنًى وَاحِدٌ، كَمَا يُقَالُ: أَصْلَحَ الْفَاسِدَ. وَلَمَّ الشَّعَثَ، وَرَتَقَ الْفَتْقَ، وَشَعَبَ الصَّدْعَ7. وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْبَلِيغُ فِي بَلاغَتِهِ. فَبِحُسْنِ الأَلْفَاظِ وَاخْتِلافِهَا

1 هو الضحاك بن مز احم الهلالي، أبو القاسم الخراساني المفسر، روى عنه تفسيره عبيد بن سليمان. توفي سنة 102هـ. "انظر ترجمته في طبقات المفسرين للداودي 1/ 216، شذرات الذهب 1/ 124".

2 ساقطة من ش ز ع.

3 في ش: الأمم.

4 تفسير الطبري 1/ 215.

5 أي التي بمعنى واحد. "المزهر 1/ 406".

6 في ش: تسميه.

7 تقسيم الألفاظ التي بمعنى واحد إلى متواردة ومترادفة قاله الكيا الهراسي في تعليقته في الأصول، ونقله عنه السيوطي في المزهر وقال عنه: إنه تقسيم غريب. "انظر المزهر 1/ 406".

ص: 98

عَلَى الْمَعْنَى الْوَاحِدِ تُرَصَّعُ الْمَعَانِي فِي الْقُلُوبِ، وَتَلْتَصِقُ بِالصُّدُورِ، وَتَزِيدُ حُسْنَهُ وَحَلاوَتَهُ بِضَرْبِ الأَمْثِلَةِ وَالتَّشْبِيهَاتِ الْمَجَازِيَّةِ1.

ثُمَّ تَنْقَسِمُ الأَلْفَاظُ أَيْضًا إلَى مُشْتَرَكَةٍ، وَإِلَى عَامَّةٍ مُطْلَقَةٍ، - وَتُسَمَّى مُسْتَغْرِقَةً- وَإِلَى مَا هُوَ مُفْرَدٌ بِإِزَاءِ مُفْرَدٍ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ2.

وَالدَّاعِي إلَى ذِكْرِ اللُّغَةِ هَاهُنَا: لِكَوْنِهَا مِنْ الأُمُورِ الْمُسْتَمَدِّ مِنْهَا هَذَا الْعِلْمُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الاسْتِدْلال مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، اللَّذَيْنِ هُمَا أَصْلُ الإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ، وَكَانَا أَفْصَحَ الْكَلامِ الْعَرَبِيِّ: اُحْتِيجَ إلَى مَعْرِفَةِ لُغَةِ الْعَرَبِ، لِتَوَقُّفِ الاسْتِدْلالِ مِنْهُمَا عَلَيْهَا.

فَإِنْ قِيلَ: مَنْ سَبَقَ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم مِنْ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، إنَّمَا كَانَ مَبْعُوثًا لِقَوْمِهِ خَاصَّةً فَهُوَ مَبْعُوثٌ بِلِسَانِهِمْ، وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3 مَبْعُوثٌ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ. فَلِمَ لَمْ يُبْعَثْ بِجَمِيعِ الأَلْسِنَةِ، وَلَمْ يُبْعَثْ إلَاّ بِلِسَانِ بَعْضِهِمْ، وَهُمْ الْعَرَبُ؟

فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَوْ بُعِثَ بِلِسَانِ جَمِيعِهِمْ، لَكَانَ كَلامُهُ خَارِجًا عَنْ الْمَعْهُودِ، وَيَبْعُدُ بَلْ يَسْتَحِيلُ - أَنْ تَرِدَ كُلُّ كَلِمَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ مُكَرَّرَةً بِكُلِّ الأَلْسِنَةِ. فَيَتَعَيَّنُ الْبَعْضُ. وَكَانَ لِسَانُ الْعَرَبِ أَحَقَّ، لأَنَّهُ أَوْسَعُ وَأَفْصَحُ، وَلأَنَّهُ لِسَانُ الْمُخَاطَبِينَ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ.

1 انظر المزهر 1/ 37.

2 انظر المزهر 1/ 38.

3 في ش: مثلهم.

ص: 99

وَلَمَّا خَلْقَ اللَّهُ تَعَالَى النَّوْعَ الإِنْسَانِيَّ، وَجَعَلَهُ مُحْتَاجًا لأُمُورٍ لا يَسْتَقِلُّ بِهَا، بَلْ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى الْمُعَاوَنَةِ: كَانَ لا بُدَّ لِلْمُعَاوِنِ مِنْ الاطِّلاعِ عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْمُحْتَاجِ بِشَيْءٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ: مِنْ لَفْظٍ، أَوْ إشَارَةٍ، أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ مِثَالٍ أَوْ نَحْوِهِ1.

إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَ "اللُّغَةُ" فِي الدَّلالَةِ عَلَى ذَلِكَ "أَفْيَدُ" أَيْ أَكْثَرُ فَائِدَةً "مِنْ غَيْرِهَا" لأَنَّ اللَّفْظَ يَقَعُ عَلَى الْمَعْدُومِ وَالْمَوْجُودِ، وَالْحَاضِرِ الْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ "وَأَيْسَرُ لِخِفَّتِهَا" لأَنَّ الْحُرُوفَ كَيْفِيَّاتٌ تَعْرِضُ لِلنَّفَسِ الضَّرُورِيِّ، فَلا يَتَكَلَّفُ لَهَا مَا يَتَكَلَّفُ لِغَيْرِهَا2.

"وَسَبَبُهَا" أَيْ سَبَبُ وَضْعِهَا "حَاجَةُ النَّاسِ" إلَيْهَا. قَالَ3 إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ4: "إنَّ الإِنْسَانَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُكْتَفِيًا بِنَفْسِهِ فِي مُهِمَّاتِهِ وَمُقِيمَاتِ مَعَاشِهِ: لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَسْتَرْفِدَ الْمُعَاوَنَةَ5 مِنْ غَيْرِهِ * وَلِهَذَا الْمَعْنَى اتَّخَذَ النَّاسُ الْمُدُنَ لِيَجْتَمِعُوا وَيَتَعَاوَنُوا"6. انْتَهَى.

1 انظر إرشاد الفحول ص14، نهاية السول 1/ 208.

2 انظر المحلي على جمع الجوامع 1/ 261، نهاية السول 1/ 205، إرشاد الفحول ص14.

3 من هنا حتى نص الماوردي في الصفحة التالية ساقطة من ز.

4 هو على بن محمد بن علي، أبو الحسن، عماد الدين الطبري المعروف بالكِيَا الهرّاسي، أحد فحول العلماء فقهاً وأصولاً وجدلاً وحفضاً للحديث. له كتاب في أصول الفقه وله كتاب في الجدل سماه "شفاء المسترشدين" وله كتب غيرها. توفي سنة 504هـ. "انظر ترجمته في وفيات الأعيان 2/ 448، طبقات الشافعية للسبكي 7/ 231، شذرات الذهب 4/ 8، المنتظم 9/ 167".

5 في ش ع: المعاون.

6 انظر المزهر 1/ 36.

ص: 100

قَالَ: بَعْضُهُمْ 1: "وَلِهَذَا الْمَعْنَى تَوَزَّعَتْ الصَّنَائِعُ وَانْقَسَمَتْ الْحِرَفُ عَلَى2 الْخَلْقِ. فَكُلُّ وَاحِدٍ قَصَرَ وَقْتَهُ عَلَى حِرْفَةٍ يَسْتَقِلُّ3 بِهَا، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَلْقِ لا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُومَ بِجُمْلَةِ مَقَاصِدِهِ. فَحِينَئِذٍ لا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ حَاجَتِهِ حَاضِرَةً 4 عِنْدَهُ أَوْ غَائِبَةً بَعِيدَةً عَنْهُ. فَإِنْ 4 5 كَانَتْ حَاضِرَةً 5 أَشَارَ إلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً، فَلا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَدُلَّ بِشَيْءٍ6 عَلَى مَحَلِّ حَاجَتِهِ. فَوَضَعُوا الْكَلامَ دَلالَةً، وَوَجَدُوا7 اللِّسَانَ أَسْرَعَ الأَعْضَاءِ حَرَكَةً وَقَبُولاً لِلتَّرْدَادِ، وَكَانَ الْكَلامُ إنَّمَا يَدُلُّ بِالصَّوْتِ. وَكَانَ الصَّوْتُ إنْ تُرِكَ سُدًى، امْتَدَّ وَطَالَ، وَإِنْ قُطِعَ تَقَطَّعَ، قَطَّعُوهُ8 وَجَزَّءُوهُ عَلَى حَرَكَاتِ أَعْضَاءِ الإِنْسَانِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا الصَّوْتُ، - وَهِيَ مِنْ أَقْصَى الرِّئَةِ إلَى مُنْتَهَى الْفَمِ-. فَوَجَدُوهُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ حَرْفًا، قَسَّمُوهَا عَلَى الْحَلْقِ وَالصَّدْرِ، وَالشَّفَةِ وَاللِّثَةِ.

ثُمَّ لَمَّا رَأَوْا9 أَنَّ الْكِفَايَةَ10 لا تَقَعُ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ رَكَّبُوا مِنْهَا ثُنَائِيًّا وَثُلاثِيًّا وَرُبَاعِيًّا وَخُمَاسِيًّا وَاسْتَثْقَلُوا11 مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ"12.

1-* ساقطة من ش.

2 في ش: إلى.

3 في ب: يشتغل.

4 ساقطة من ش.

5 ساقطة من ش.

6 في ض: شيئاً.

7 في ش: وجعلوا.

8 في ش: قطعوه.

9 في ش: رئي.

10 في ش: الكناية.

11 فلم يضعوا كلمة أصلية زائدة على خمس أحرف إلا بطريق الإلحاق والزيادة لحاجة. "المزهر 1/ 37".

12 انظر المزهر 1/ 36 وما بعدها.

ص: 101

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: "وَإِنَّمَا كَانَ نَوْعُ الإِنْسَانِ أَكْثَرَ حَاجَةً مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ، لأَنَّ غَيْرَهُ قَدْ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ عَنْ جِنْسِهِ. أَمَّا الإِنْسَانُ: فَمَطْبُوعٌ عَلَى الافْتِقَارِ إلَى جِنْسِهِ فِي الاسْتِعَانَةِ، فَهُوَ صِفَةٌ لازِمَةٌ لِطَبْعِهِ وَخَلْقِهِ، قَائِمَةٌ فِي جَوْهَرِهِ".

وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ: "سَبَبُ وُجُودِهَا. حَاجَةُ النَّاسِ لِيَعْرِفَ بَعْضُهُمْ مُرَادَ بَعْضٍ لِلتَّسَاعُدِ1 وَالتَّعَاضُدِ2 بِمَا لا مُؤْنَةَ فِيهِ لِخِفَّتِهَا، وَكَثْرَةِ فَائِدَتِهَا، وَلا مَحْذُورَ. وَهَذَا مِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ. فَمِنْ تَمَامِ نِعَمِهِ عَلَيْنَا: أَنْ جَعَلَ ذَلِكَ بِالنُّطْقِ دُونَ غَيْرِهِ"3.

"وَهِيَ" أَيْ وَحَقِيقَةُ اللُّغَةِ "أَلْفَاظٌ وُضِعَتْ لِمَعَانٍ" يُعَبِّرُ بِهَا كُلُّ قَوْمٍ عَنْ أَغْرَاضِهِمْ، فَلا يَدْخُلُ الْمُهْمَلُ؛ لأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِمَعْنًى4.

"فَمَا الْحَاجَةُ إلَيْهِ" أَيْ فَالْمَعْنَى الَّذِي يَحْتَاجُ الإِنْسَانُ إلَى الاطِّلاعِ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ دَائِمًا، كَطَلَبِ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ أَلَمِ جُوعٍ، أَوْ عَطَشٍ، أَوْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ "وَالظَّاهِرُ: أَوْ كَثُرَتْ" حَاجَتُهُ إلَيْهِ. كَالْمُعَامَلاتِ "لَمْ تَخْلُ مِنْ" وَضْعِ "لَفْظٍ لَهُ".

"وَيَجُوزُ خُلُوُّهَا مِنْ لَفْظٍ لِعَكْسِهِمَا5" وَهُمَا6: مَا لا يُحْتَاجُ إلَيْهِ أَلْبَتَّةَ، أَوْ تَقِلُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ.

1 في ز: للمساعد.

2 في ش: والتضاد. وفي ز: والمعاضد.

3 انظر العضد على ابن الحاجب 1/ 115، المحلي على جمع الجوالمع 1/ 261.

4 انظر إرشاد الفحول ص14، المحلي على جمع الجوامع 1/ 261.

5 في ش ب: كعكسهما. وفي ع ض: لعكسها.

6 في ع: وهي.

ص: 102

قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي "مُقَنَّعِهِ": مَا احْتَاجَ النَّاسُ إلَيْهِ لَمْ تَخْلُ اللُّغَةُ1 مِنْ لَفْظٍ يُفِيدُهُ، وَمَا لَمْ يَحْتَاجُوا إلَيْهِ يَجُوزُ خُلُوُّهَا عَمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَمَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ غَالِبًا. فَالظَّاهِرُ عَدَمُ خُلُوِّهَا عَنْهُ2، وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ" انْتَهَى.

قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَحَاصِلُهُ3 أَنَّ مَعَنَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا احْتَاجَهُ النَّاسُ وَاضْطُرُّوا إلَيْهِ. فَلا بُدَّ لَهُمْ مِنْ وَضْعِهِ.

الثَّانِي: عَكْسُهُ؛ مَا لا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَلْبَتَّةَ، يَجُوزُ خُلُوُّهَا عَنْهُ، وَخُلُوُّهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- أَكْثَرَ.

الثَّالِثُ: مَا كَثُرَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، الظَّاهِرُ عَدَمُ خُلُوِّهَا، بَلْ هُوَ كَالْمَقْطُوعِ بِهِ.

الرَّابِعُ: عَكْسُهُ؛ مَا قَلَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، يَجُوزُ خُلُوُّهَا عَنْهُ4، وَلَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ.

"وَالصَّوْتُ" الْحَاصِلُ عِنْدَ اصْطِكَاكِ الأَجْرَامِ "عَرَضٌ مَسْمُوعٌ" وَسَبَبُهُ انْضِغَاطُ الْهَوَاءِ بَيْنَ الْجِرْمَيْنِ، فَيَتَمَوَّجُ تَمَوُّجًا شَدِيدًا، فَيَخْرُجُ، فَيَقْرَعُ5 صِمَاخَ الأُذُنِ، فَتُدْرِكُهُ قُوَّةُ السَّمْعِ.

1 ساقطة من ش.

2 في ش: منه.

3 ساقطة من ب.

4 في ش ز: منه.

5 في ب: يقرع. وفي ز: ليقرع.

ص: 103

فَصَوْتُ الْمُتَكَلِّمِ: عَرَضٌ حَاصِلٌ عَنْد1 اصْطِكَاكِ2 أَجْرَامِ الْفَمِ - وَهِيَ مَخَارِجُ الْحُرُوفِ- وَدَفْعُ3 النَّفَسِ لِلْهَوَاءِ، مُتَكَيِّفًا4 بِصُورَةِ كَلامِ الْمُتَكَلِّمِ إلَى أُذُنِ السَّامِعِ.

وَقَوْلُهُمْ "الصَّوْتُ عَرَضٌ"، يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الأَعْرَاضِ، وَقَوْلُهُمْ "مَسْمُوعٌ" أخَرَجَ5 جَمِيعُهَا، إلَاّ مَا يُدْرَكُ بِالسَّمْعِ.

"قُلْت: بَلْ" الأَخْلَصُ فِي الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ: الصَّوْتُ "صِفَةٌ مَسْمُوعَةٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ".

قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَإِنَّمَا بَدَأْنَا6 بِالصَّوْتِ؛ لأَنَّهُ الْجِنْسُ الأَعْلَى لِلْكَلامِ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِ الْكَلامِ عَلَيْهِ.

"وَاللَّفْظُ" فِي اللُّغَةِ: الرَّمْيُ، وَفِي الاصْطِلاحِ "صَوْتٌ مُعْتَمِدٌ عَلَى بَعْضِ مَخَارِجِ الْحُرُوفِ" لأَنَّ الصَّوْتَ لِخُرُوجِهِ مِنْ الْفَمِ صَارَ كَالْجَوْهَرِ الْمَرْمِيِّ مِنْهُ. فَهُوَ مَلْفُوظٌ. فَأُطْلِقَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ، كَقَوْلِهِمْ7: نَسْجُ الْيَمِينِ: أَيْ مَنْسُوجُهُ.

1 في ش ز ع: عن.

2 في ش: انصكاك.

3 في ع ض: ورفع.

4 في ش: مكيفاً. وفي ع: متكيف.

5 في جميع النسخ: خرج.

6 في ش: بدأ.

7 في ش: كقوله.

ص: 104

إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَاللَّفْظُ الاصْطِلاحِيُّ: نَوْعٌ لِلصَّوْتِ، لأَنَّهُ صَوْتٌ مَخْصُوصٌ. وَلِهَذَا أُخِذَ الصَّوْتُ فِي حَدِّ اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ فِي حَدِّ الشَّيْءِ جِنْسُ ذَلِكَ الشَّيْءِ.

"وَالْقَوْلُ" فِي اللُّغَةِ: مُجَرَّدُ النُّطْقِ، وَفِي الاصْطِلاحِ:"لَفْظٌ وُضِعَ لِمَعْنًى ذِهْنِيٍّ". لَمَّا كَانَ اللَّفْظُ أَعَمَّ مِنْ الْقَوْلِ لِشُمُولِهِ الْمُهْمَلَ، وَالْمُسْتَعْمَلَ أُخْرِجَ1 الْمُهْمَلُ بِقَوْلِهِ "وُضِعَ لِمَعْنًى".

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ "وُضِعَ لِمَعْنًى" عَلَى ثَلاثَةِ أَقْوَالٍ2.

أَحَدُهَا: مَا فِي الْمَتْنِ، وَهُوَ الْمَعْنَى الذِّهْنِيُّ؛ وَهُوَ مَا يَتَصَوَّرُهُ الْعَقْلُ، سَوَاءً طَابَقَ مَا فِي الْخَارِجِ أَوْ لا، لِدَوَرَانِ الأَلْفَاظِ مَعَ الْمَعَانِي الذِّهْنِيَّةِ وُجُودًا وَعَدَمًا3.

وَهَذَا4 الْقَوْلُ اخْتَارَهُ الرَّازِيّ5 وَأَتْبَاعُهُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ مِنْ أَصْحَابِنَا.

1 في ش: خرج.

2 انظر تفصيل الكلام على هذه الأقوال في "المزهر 1/ 43، نهاية السول 1/ 206، إرشاد الفحول ص14، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 266، وما بعدها".

3 فإنْ من رأى شبحاً من بعيد، وظنه حجراً، أطلق عليه لفظ الحجر. فإذا دنا منه، وظنه شجراً، أطلق عليه لفظ الشجر. فإذا دنا منه وظنه فرساً، أطلق عليه اسم الفرس. فإذا تحقق أنه إنسان، أطلق عليه لفظ الإنسان. فبان بهذا أن إطلاق اللفظ دائر مع المعاني الذهنية دون الخارجية. فَدَلَّ على أن الوضع للمعنى الذهبي لا الخارجي. وأجيب عن هذا بأنه إنما دار مع المعاني الذهنية لاعتقاد أنها في الخارج كذلك. لا لمجرد اختلافها في الذهن. "انظر المزهر 1/ 42، نهاية السول 1/ 206، المحلي على جمع الجوامع 1/ 266".

4 ساقطة من ش.

5 هو محمد بن عمر بن الحسين، أبو عبد الله، فخر الدين الرازي الشافعي، المعروف بابن الخطيب. قال الداودي عنه:"المفسر المتكلم، إمام وقته في العلوم العقلية، وأحد الأئمة في العلوم الشرعية، صاحب المصنفات المشهورة، والفضائل الغزيرة المذكروة" أشهر مؤلفاته "التفسير" و "المحصول" و "المعالم" في أصول الفقه و "المطالب العالية" و "نهاية العقول" في أصول الدين. توفي سنة 606هـ. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 8/ 81، وفيات الأعيان 3/ 381، شذرات الذهب 5/ 21، طبقات المفسرين للداودي 2/ 214".

ص: 105

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ وُضِعَ لِلْمَعْنَى1 الْخَارِجِيِّ، أَيْ الْمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ. وَبِهِ قَطَعَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ2.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ وُضِعَ لِلْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ هُوَ مِنْ غَيْرِ مُلاحَظَةِ كَوْنِهِ3 فِي الذِّهْنِ، أَوْ فِي الْخَارِجِ. وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ الْكَبِيرُ4.

وَمَحَلُّ الْخِلافُ فِي الاسْمِ النَّكِرَةِ5.

1 في ض: لمعنى.

2 هو ابراهيم بن علي بن يوسف، جمال الدين الفيروز ابادي الشافعي. قال النووي:"الإمام المحقق المتقن المدقق، ذو الفنون من العلوم المتكاثرات والتصانيف النافعة المستجادات". أشهر مصنفاته "المهذب" و "التنبيه" في الفقه و "النكت" في الخلاف و "اللمع" وشرحه و "التبصرة" في أصول الفقه. توفي سنة 476هـ. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 4/ 215، شذرات الذهب 3/ 349، وفيات الأعيان 1/ 9، المنتظم 9/ 7، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 172".

3 ساقطة من ش.

4 هو على بن عبد الكافي بن علي، أبو الحسن، تقي الدين السبكي الشافعي. كان فقيهاً أصولياً مفسراً محققاً مدققاً نظّاراً جدلياً بارعاً في العلوم، له في الفقه وغيره الاستنباطات الجليلة والدقائق اللطيفة والقواعد المحررة التي لم يسبق إليها. أشهر كتبه "التفسير" و "الابتهاج في شرح المنهاج" في الفقه و "شفاء السقام في زيادة خير الأنام". توفي سنة 756هـ. "انظر ترجمته في الدرر الكامنة 3/ 134، شذرات الذهب 6/ 180، بغية الوعاة 2/ 176، البدر الطالع 1/ 467، طبقات المفسرين للداودي 1/ 142".

5 لأن المعرفة منه ما وضع للمعنى الخارجي ومنه ما وضع للذهني. "المحلي على جمع الجوامع 1/ 267".

ص: 106

"وَالْوَضْعُ" نَوْعَانِ1.

وَضْعٌ "خَاصٌّ: وَهُوَ جَعْلُ اللَّفْظِ دَلِيلاً عَلَى الْمَعْنَى" الْمَوْضُوعِ لَهُ، أَيْ جَعْلُ اللَّفْظِ مُتَهَيِّئًا لأَنْ يُفِيدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الْمُتَكَلِّمِ لَهُ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ.

وَقَوْلُنَا "وَلَوْ مَجَازًا" لِيَشْمَلَ2 الْمَنْقُولَ مِنْ شَرْعِيٍّ وَعُرْفِيٍّ3. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.

"وَ" نَوْعٌ "عَامٌّ، وَهُوَ تَخْصِيصُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ. كَالْمَقَادِيرِ" أَيْ كَجَعْلِ الْمَقَادِيرِ دَالَّةً عَلَى مُقَدَّرَاتِهَا مِنْ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَمَعْدُودٍ وَمَذْرُوعٍ4 وَغَيْرِهَا5.

وَفِي كِلا النَّوْعَيْنِ الْوَضْعُ: أَمْرٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَاضِعِ.

"وَالاسْتِعْمَالُ إطْلاقُ اللَّفْظِ وَإِرَادَةُ الْمَعْنَى" أَيْ إرَادَةُ مُسَمَّى اللَّفْظِ بِالْحُكْمِ، وَهُوَ الْحَقِيقَةُ، أَوْ غَيْرِ مُسَمَّاهُ لِعَلاقَةٍ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْمَجَازُ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْمُتَكَلِّمِ6.

1 انظر تعريفات الوضع وأنواعه وشروطه في "المزهر 1/ 38، 39، 46، شرح تنقيح الفصول ص20 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 264، التعريفات للجرجاني ص273، نهاية السول 1/ 296".

2 في ع ض: يشمل.

3 أما الشرعي فنحو الصلاة والصيام والحج. وأما العرفي فهو نوعان: عرفي عام: نحو الدابة. وعرفي خاص: نحو الجوهر والعرض عند المتكلمين. وقد سمي العرف خاصاً لاختصاصه ببعض الفرق كالمتكلمين والنحاة وما إلى ذلك. بخلاف العرف العام، فإنه يعم الجميع. والمراد بالوضع في هذه المنقولات غلبة استعمال اللفظ في المعنى المنقول إليه، حتى يصير هو المتبادر إلى الذهن، ولا يحمل على غيره إلا بقرينة. فتصير المنقولات حقائق عرفية وشرعية مع كونها مجازات لغوية. "انظر شرح تنقيح الفصول ص20 وما بعدها".

4 في ش: ومزروع.

5 في ش: وغيرهما.

6 انظر شرح تنقيح الفصول ص20، نهاية السول 1/ 296.

ص: 107

"وَالْحَمْلُ: اعْتِقَادُ السَّامِعِ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ لَفْظِهِ" أَوْ مَا اشْتَمَلَ عَلَى مُرَادِهِ. فَالْمُرَادُ: كَاعْتِقَادِ الْحَنْبَلِيِّ وَالْحَنَفِيِّ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِلَفْظِ الْقُرْءِ: الْحَيْضَ، وَالْمَالِكِيِّ وَالشَّافِعِيِّ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِهِ: الطُّهْرَ1. وَهَذَا مِنْ صِفَاتِ السَّامِعِ2.

فَالْوَضْعُ سَابِقٌ، وَالْحَمْلُ لاحِقٌ، وَالاسْتِعْمَالُ مُتَوَسِّطٌ.

"وَهِيَ" أَيْ اللُّغَةُ نَوْعَانِ3:

"مُفْرَدٌ، كَزَيْدٍ، وَمُرَكَّبٌ، كَعَبْدِ اللَّهِ" أَمَّا الْمُفْرَدُ، فَلا نِزَاعَ فِي وَضْعِ الْعَرَبِ لَهُ، وَأَمَّا الْمُرَكَّبُ، فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ مِنْ اللُّغَةِ. وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ، وَأَنَّ الْمُرَكَّبَ مُرَادِفٌ لِلْمُؤَلَّفِ، لِتَرَادُفِ التَّرْكِيبِ وَالتَّأْلِيفِ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُفْرَدَ فِي اصْطِلاحِ النُّحَاةِ: هُوَ الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ، كَمَا مَثَّلْنَا فِي الْمَتْنِ، وَعِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ وَالأُصُولِيِّينَ: لَفْظٌ وُضِعَ لِمَعْنًى، وَلا جُزْءَ لِذَلِكَ اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى جُزْءِ4 الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ5. فَشَمِلَ ذَلِكَ6 أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ7:

الأَوَّلُ: مَا لا جُزْءَ لَهُ أَلْبَتَّةَ، كَبَاءِ الْجَرِّ.

1 وأما المشتمل على المراد فنحو حمل الشافعي اللفظ المشترك على جملة معانيه عند تجرده عن القرئن، لاشتماله على مراد المتكلم احتياطياً. "شرح تنقيح الفصول ص21".

2 انظر تفصيل الكلام على الحمل في "شرح تنقيح الفصول ص20-22، نهاية السول 1/ 296".

3 في ز: منها. وفي ع: نوعان منها.

4 ساقطة من ش.

5 ساقطة من ش.

6 ساقطة من ش ز.

7 انظر تفصيل الكلام على هذه الأقسام الأربعة في "تحرير القواعد المنطقية وحاشية الجرجاني عليه ص33 وما بعدها، فتح الرحمن وحاشية العليمي عليه ص49 وما بعدها، شرح الأنصاري على إيساغوجي وحاشية عليش عليه ص33 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 14".

ص: 108

الثَّانِي: مَا لَهُ جُزْءٌ، وَلَكِنْ لا يَدُلُّ مُطْلَقًا1، كَالزَّايِ مِنْ زَيْدٍ.

الثَّالِثُ: مَا لَهُ جُزْءٌ يَدُلُّ، لَكِنْ لا عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى. كَإِنْ مِنْ حُرُوفِ إنْسَانٍ؛ فَإِنَّهَا لا تَدُلُّ عَلَى بَعْضِ الإِنْسَانِ، وَإِنْ كَانَتْ بِانْفِرَادِهَا2 تَدُلُّ عَلَى الشَّرْطِ أَوْ النَّفْيِ.

الرَّابِعُ: مَا لَهُ جُزْءٌ يَدُلُّ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى، لَكِنْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَضْعِ كَقَوْلِنَا:"حَيَوَانٌ نَاطِقٌ" عَلَمًا عَلَى شَخْصٍ.

وَاعْلَمْ أَيْضًا: أَنَّ الْمُرَكَّبَ عِنْدَ النُّحَاةِ: مَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ كَلِمَةٍ، فَشَمِلَ التَّرْكِيبَ الْمَزْجِيَّ، كَبَعْلَبَكّ، وَسِيبَوَيْهِ، وَخَمْسَةَ عَشَرَ، وَنَحْوِهَا، وَالْمُضَافَ، وَلَوْ عَلَمًا، كَمَا مَثَّلْنَا فِي الْمَتْنِ.

وَعِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ وَالأُصُولِيِّينَ: مَا دَلَّ 3 جُزْؤُهُ عَلَى 3 جُزْءِ مَعْنَاهُ الَّذِي وُضِعَ لَهُ، فَشَمِلَ الإِسْنَادِيَّ، كَقَامَ زَيْدٌ، وَالإِضَافِيَّ: كَغُلامِ زَيْدٍ، وَالتَّقْيِيدِيَّ، كَزَيْدٍ الْعَالِمِ4.

وَأَمَّا نَحْوُ "يَضْرِبُ" فَمُفْرَدٌ عَلَى مَذْهَبِ النُّحَاةِ، وَمُرَكَّبٌ عَلَى مَذْهَبِ الْمَنَاطِقَةِ وَالأُصُولِيِّينَ؛ لأَنَّ الْيَاءَ مِنْهُ تَدُلُّ عَلَى جُزْءِ مَعْنَاهُ، وَهُوَ الْمُضَارَعَةُ5.

"وَالْمُفْرَدُ" 6 مِنْ حَيْثُ هُوَ 6 قِسْمَانِ:

1 أي على معنى.

2 في ش: بايرادها.

3 ساقطة من ز.

4 في ش: العلم.

5 انظر تفصيل الكلام على المفرد والمركب في الاصطلاحين في "العضد على ابن الحاجب وحواشيه 1/ 117 وما بعدها، تحرير القواعد المنطقية ص33 وما بعدها، فتح الرحمن ص49 وما بعدها، نهاية السول 1/ 223 وما بعدها".

6 ساقطة من ز.

ص: 109

قِسْمٌ1 "مُهْمَلٌ": كَأَسْمَاءِ حُرُوفِ الْهِجَاءِ؛ لأَنَّ مَدْلُولاتِهَا هِيَ2 عَيْنُهَا. فَإِنَّ مَدْلُولَ الأَلِفِ: "أَ" وَمَدْلُولَ الْبَاءِ "بَ". وَهَكَذَا إلَى آخِرِهَا. وَهَذِهِ الْمَدْلُولاتُ لَمْ تُوضَعْ بِإِزَاءِ شَيْءٍ.

قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ3 وَغَيْرُهُ: أَلا تَرَى أَنَّ الصَّادَ مَوْضُوعٌ لِهَذَا الْحَرْفِ، وَهُوَ مُهْمَلٌ، لا مَعْنَى لَهُ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّمُهُ الصِّغَارُ فِي الابْتِدَاءِ لِلتَّوَصُّلِ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ غَيْرِهِ!

"وَ" قِسْمٌ "مُسْتَعْمَلٌ"4.

إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: "فَـ" الْمُفْرَدُ الْمُسْتَعْمَلُ "إنْ اسْتَقَلَّ5 بِمَعْنَاهُ. فَإِنْ6 دَلَّ بِهَيْئَتِهِ7 عَلَى زَمَنٍ" مِنْ الأَزْمِنَةِ "الثَّلاثَةِ" وَهِيَ الْمَاضِي وَالْحَالُ وَالاسْتِقْبَالُ8 "فَـ" ـهُوَ "الْفِعْلُ"9

1 ساقطة من ش.

2 في ع: هو.

3 هو أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين، ولي الدين، أبو زرعة بن الحافظ زين الدين العراقي الشافعي. كام عالماً بارعاً بالحديث وعلومه والفقه وأصوله واللغة وفنونها. من كتبه "شرح جمع الجوامع" و "شرح المنهاج" في أصول الفقه و "شرح البهجة" و "مختصر المهذب" و "النكت" في الفقه و "مختصر الكشاف" في التفسير مع تخريج أحاديثه. توفي سنة 826هـ. "انظر ترجمته في المنهال الصافي 1/ 312، طبقات المفسرين للداودي 1/ 49، شذرات الذهب 7/ 173، البدر الطالع 1/ 72".

4 وهو ما دلّ على معنى، بخلاف المهمل، فإنه لا يدل على معنى. "انظر تفصيل الكلام على المفرد المهمل والمستعمل في همع الهومع 1/ 31، الصاحبي ص82، نهاية السول 1/ 243، المحلي على جمع الجوامع 1/ 263، فتح الرحمن ص49، اللمع ص4".

5 في ز: استعمل.

6 في ز: ودل.

7 في ع: بهيئة.

8 في ع ز ض: والمستقبل.

9 انظر همع الهوامع 1/ 6، 15 وما بعدها، تسهيل الفوائد ص3-6، الصاحبي ص85، الإحكام للآمدي 1/ 60، التعريفات للجرجاني ص175.

ص: 110

"هُوَ"1 أَيْ الْفِعْلُ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ:

أَحَدُهَا: "مَاضٍ" كَقَامَ وَنَحْوِهِ "وَيَعْرِضُ لَهُ الاسْتِقْبَالُ بِالشَّرْطِ" نَحْوَ: "إنْ قَامَ زَيْدٌ قُمْت". فَأَصْلُ وَضْعِهِ لِلْمَاضِي، وَقَدْ يَخْرُجُ عَنْ أَصْلِهِ لِمَا يَعْرِضُ لَهُ2.

"وَ" النَّوْعُ الثَّانِي: "مُضَارِعٌ" كَيَقُومُ وَنَحْوِهِ "وَيَعْرِضُ لَهُ الْمُضِيُّ بِلَمْ" نَحْوَ: "لَمْ يَقُمْ زَيْدٌ". فَأَصْلُ وَضْعِهِ لِلْحَالِ وَالاسْتِقْبَالِ. وَقَدْ يَخْرُجُ عَنْ أَصْلِهِ لِمَا يَعْرِضُ لَهُ.

وَلِلْعُلَمَاءِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ الْمُضَارِعُ مَذَاهِبُ خَمْسَةٌ3:

الْمَشْهُورُ مِنْهَا: أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَالِ وَالاسْتِقْبَالِ. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ4: إلَاّ أَنَّ الْحَالَ يَتَرَجَّحُ عِنْدَ التَّجَرُّدِ5.

الثَّانِي: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ، مَجَازٌ فِي الاسْتِقْبَالِ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الاسْتِقْبَالِ، مَجَازٌ فِي الْحَالِ.

الرَّابِعُ: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ، وَلا يُسْتَعْمَلُ فِي الاسْتِقْبَالِ أَصْلاً، لا حَقِيقَةً وَلا مَجَازًا.

1 ساقطة من ش.

2 ساقطة من ش.

3 انظر تفصيل الكلام على هذه المذاهب في "همع الهوامع للسيوطي 1/ 17، التمهيد للأسنوي ص33".

4 هو محمد بن عبد الله بن عبد الله، جمال الدين الطائي الجيّاني الشافعي، الإمام الحجة في اللغة والنحو والصرف والقراءات وعللها وأشعار العرب. من تصانيفه "تسهيل الفوائد" في النحو و "الكافية الشافعية" و "إعراب مشكل البخاري" وغيرها. توفي سنة 672هـ. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 8/ 67، فوات الوفيات 2/ 452، بغية الوعاة 1/ 130، شذرات الذهب 5/ 339، البلغة ص229".

5 تسهيل الفوائد ص5.

ص: 111

الْخَامِسُ: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الاسْتِقْبَالِ، وَلا يُسْتَعْمَلُ فِي الْحَالِ أَصْلاً، لا حَقِيقَةً وَلا مَجَازًا. وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا يَعْرِضُ لَهُ، فَمَجَازٌ وِفَاقًا.

"وَأَمْرٌ" أَيْ وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الأَفْعَالِ: فِعْلُ1 الأَمْرِ2 كَقُمْ.

"وَتَجَرُّدُهُ" أَيْ تَجَرُّدُ الْفِعْلِ "عَنْ الزَّمَانِ" أَيْ عَنْ أَحَدِ الأَزْمِنَةِ الثَّلاثَةِ "لِلإِنْشَاءِ" كَزَوَّجْتُ وَقَبِلْت "عَارِضٌ" بِوَضْعِ الْعُرْفِ.

"وَقَدْ يَلْزَمُهُ" أَيْ يَلْزَمُ الْفِعْلَ التَّجَرُّدُ3 عَنْ4 الزَّمَانِ "كَعَسَى" فَإِنَّهُ وُضِعَ أَوَّلاً لِلْمَاضِي، وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ قَطُّ، بَلْ فِي الإِنْشَاءِ. قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: وَكَذَا "حَبَّذَا" فَإِنَّهُ لا مَعْنَى لَهَا فِي الأَزْمِنَةِ.

"وَقَدْ" يَتَجَرَّدُ الْفِعْلُ عَنْ الزَّمَانِ وَ "لا" يَلْزَمُهُ التَّجَرُّدُ5 "كَنِعْمَ" وَبِئْسَ، فَإِنَّهُمَا تَارَةً يُسْتَعْمَلانِ عَلَى أَصْلِهِمَا، كَـ"نِعْمَ زَيْدٌ أَمْسِ"، "وَبِئْسَ زَيْدٌ أَمْسِ". وَتَارَةً يُسْتَعْمَلانِ لا بِنَظَرٍ إلَى زَمَانٍ، بَلْ لِقَصْدِ6 الْمَدْحِ أَوْ الذَّمِّ مُطْلَقًا كَنِعْمَ زَيْدٌ، وَبِئْسَ زَيْدٌ.

"وَإِلَاّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ الْمُفْرَدُ الْمُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَاهُ7 بِهَيْئَتِهِ عَلَى أَحَدِ الأَزْمِنَةِ "فَـ" ـهُوَ "الاسْمُ"8.

1 ساقطة من ب.

2 في ش: أمر.

3 في ب: تجرد.

4 في ع: من.

5 في ب: تجرد.

6 في ش: بقصد. وفي ب: لمقصد.

7 في ش ب: بمعناه و.

8 انظر في الكلام على الاسم "همع الهوامع 1/ 7 وما بعدها، الصاحبي ص82، فتح الرحمن ص50، اللمع ص4، تسهيل الفوئد ص3، شرح العضد وحاشية الجرجاني عليه 1/120، التعريفات للجرجاني ص24". وفي ض: اسم.

ص: 112

فَصَبُوحٌ1، وَغَبُوقٌ2. وَأَمْسُ، وَغَدٌ: وَضَارِبُ أَمْسِ، وَضَارِبُ الْيَوْمِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ: يَدُلُّ بِنَفْسِهِ عَلَى الزَّمَانِ، لَكِنْ لَمْ يَدُلَّ وَضْعًا، بَلْ لِعَارِضٍ3. كَاللَّفْظِ بِالاسْمِ وَمَدْلُولِهِ. فَإِنَّهُ لازِمٌ كَالْمَكَانِ، وَنَحْوُ: صَهٍ، دَلَّ عَلَى "اُسْكُتْ" وَبِوَاسِطَتِهِ عَلَى سُكُوتٍ مُقْتَرِنٍ بِالاسْتِقْبَالِ4.

وَالْمُضَارِعُ إنْ قِيلَ: مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَالِ وَالاسْتِقْبَالِ، فَوَضْعُهُ لأَحَدِهِمَا، وَاللُّبْسُ عِنْدَ السَّامِعِ.

"وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِلَّ" اللَّفْظُ الْمُفْرَدُ بِمَعْنَاهُ، كَعَنْ وَلَنْ "فَـ" ـهُوَ "الْحَرْفُ".

وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحَدُّ "وَهُوَ: مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى فِي غَيْرِهِ" لِيَخْرُجَ الاسْمُ وَالْفِعْلُ5. وَقِيلَ: لا يَحْتَاجُ إلَى حَدٍّ، لأَنَّ تَرْكَ الْعَلامَةِ لَهُ6 عَلامَةٌ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْحَدَّ لِتَعْرِيفِ حَقِيقَةِ الْمَحْدُودِ، وَلا تُعْرَفُ حَقِيقَةٌ بِتَرْكِ تَعْرِيفِهَا.

"وَ" أَمَّا "الْمُرَكَّبُ" 7 مِنْ حَيْثُ هُوَ أَيْضًا 7 فَقِسْمَانِ:

1 الصَبُوح: هو الشرب بالغداة. "فتح الرحمن ص50".

2 الغَبُوق: هو الشرب بالعشي. "فتح الرحمن ص50".

3 والعبرة بالدلالة بأصل الوضع. "همع الهوامع 1/ 8".

4 لكنّ هذه الدلالة على المعنى المقترنة بزمان معين ليست دلالة وضعية أولية "فتح الرحمن ص50".

5 انظر في الكلام على الحرف "اللمع ص4، فتح الرحمن ص50، العضد على ابن الحاجب 1/ 185 وما بعدها، تسهيل الفوائد ص3، التعريقات للجرجاني ص90، الصاحبي ص86، الإحكام للآمدي 1/ 61، همع الهوامع 1/ 6".

6 ساقطة من ش.

7 ساقطة من ز.

ص: 113

قِسْمٌ "مُهْمَلٌ": وَهُوَ1 "مَوْجُودٌ" فِي اخْتِيَارِ الْبَيْضَاوِيِّ2 وَالتَّاجِ السُّبْكِيّ3. وَمَثَّلاهُ بِالْهَذَيَانِ. فَإِنَّهُ لَفْظٌ مَدْلُولُهُ لَفْظٌ مُرَكَّبٌ مُهْمَلٌ4.

وَقَالَ الرَّازِيّ: وَالأَشْبَهُ أَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ، لأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ التَّرْكِيبِ5 الإِفَادَةُ6. وَهَذَا إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُهْمَلَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ، لا عَلَى

1 ساقطة من ز.

2 هو عبد الله بن عمر بن محمد، أبو الخير، ناصر الدين البيضاوي الشافعي. قال الداودي:"كان إماماً علامة، عارفاً بالفقه والتفسير والأصلين والعربية والمنطق نظّاراً صالحاً" أشهر مصنفاته "مختصر الكشاف" في الفسير، و "المنهاج" وشرحه في أصول الفقه و "الإيضاح" في أصول الدين و "شرح الكافية" لابن الحاجب. توفي سنة 685هـ. "انظر ترجمته في طبقات المفسرين للداودي 1/ 242، بغية الوعاة 2/ 50، شذرات الذهب 5/ 392، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 157".

3 هو عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي، أبو نصر، تاج الدين السبكي الشافعي، الفقيه الأصولي اللغوي، صاحب التصانيف النافعة كـ"شرح منهاج البيصاوي" و "رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب" و "جمع الجوامع" وشرحه في أصول الفقه و "الأشباه والنظائر" و "طبقات الفقهاء" الكبرى والوسطى والصغرى. توفي سنة 771هـ. "انظر ترجمته في الدرر الكامنة 3/ 39، البدر الطالع 1/ 410، شذرات الذهب 6/ 221".

4 سواء كان هذا المدلول مركباً من لفظتين مهملتين أو من لفظة مهملة ولفظة مستعملة، وهو غير دال على المعنى المركب. "حاشية العليمي على فتح الرحمن ص49" وانظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/ 102، نهاية السول 1/ 243، مناهج العقول 1/ 241.

5 في ض: التراكيب.

6 فإذا انتفت الإفادة فلا تركيب. وكلام الفخر الرازي حَقّ إن عُني بالمركب "ما يكون جزؤه دالاً على جزء المعنى الذي وضع له" إذ لا يتصور بهذا الاعتبار وجود مركب مهمل لا يدل على معنى. أما إذا عُني به "ما يكون لجزئه دلالة في الجملة ولو في غير معناه، وما يكون مؤلفاً من لفظين كيف كان التأليف، ولو لم يكن لشيء من أجزائه دلالة" فلا يكون نفي الرازي لوجوده صحيحاً. ولا يخفى أن المصنف في ص109 عَرَّف المركب بالمعنى الأول، فكان ينبغي عليه أن يختار قول الرازي، لأنه القول المنسجم مع ما اعتمده في تعريف المركب. "انظر العليمي على فتح الرحمن ص49، حاشية البناني 2/ 102، نهاية السول 1/ 243".

ص: 114

أَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لَهُ اسْمٌ1.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُهْمَلَ "لَمْ تَضَعْهُ الْعَرَبُ قَطْعًا"2.

"وَ" الْقِسْمُ الثَّانِي: "مُسْتَعْمَلٌ وَضَعَتْهُ" الْعَرَبُ، خِلافًا لِلرَّازِيِّ، وَابْنِ مَالِكٍ وَجَمْعٍ.

وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ وَضْعِهِ: أَنَّ لَهُ قَوَانِينَ فِي الْعَرَبِيَّةِ لا يَجُوزُ تَغْيِيرُهَا، وَمَتَى غُيِّرَتْ حُكِمَ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَرَبِيَّةً، كَتَقْدِيمِ الْمُضَافِ إلَيْهِ عَلَى الْمُضَافِ، وَإِنْ كَانَ مُقَدَّمًا فِي غَيْرِ لُغَةِ الْعَرَبِ. وَكَتَقْدِيمِ الصِّلَةِ أَوْ مَعْمُولِهَا عَلَى الْمَوْصُولِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لا يَنْحَصِرُ فَحَجَرُوا3 فِي التَّرْكِيبِ. كَمَا فِي الْمُفْرَدَاتِ4.

قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَزَاهُ غَيْرُهُ إلَى الْجُمْهُورِ5.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَضَعْ الْمُرَكَّبَ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ يَعْرِفُ لَفْظَيْنِ لا يَفْتَقِرُ عِنْدَ سَمَاعِهِمَا مَعَ إسْنَادٍ إلَى مُعَرَّفٍ لِمَعْنَى الإِسْنَادِ، بَلْ يُدْرِكُهُ ضَرُورَةً6، [وَ] لأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَكَّبُ مَوْضُوعًا لافْتَقَرَ كُلُّ مُرَكَّبٍ إلَى سَمَاعٍ مِنْ الْعَرَبِ كَالْمُفْرَدَاتِ7.

1 انظر نهاية السول 1/ 243.

2 انظر المحلي علي جمع الجوامع 2/102.

3 ساقطه من ش.

4فقالوا: من قال "إنَّ قائم زيداً" فليس من كلامنا، ومن قال "إنَّ زيداً قائم" فهو من كلامنا، ومن قال "في الدار رجل" فهو من كلامنا، ومن قال "رجل في الدار" فليس من كلامنا

إلى مالا نهاية له من تراكيب الكلام. وذلك يدل على تعرضها بالوضع للمركبات. "المزهر 1/ 45".

5 انظر المزهر 1/ 40-45.

6 فإن من عرف مسمى "زيد" وعرف مسمى "قائم" وسمع "زيد قائم" بإعرابه المخصوص فهم بالضرورة معنى هذا الكلام، وهو نسبة القيام إلى زيد. "المزهر 1/ 44".

7 انظر المزهر 1/ 40-44.

ص: 115

قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ1: وَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ: إنْ أُرِيدَ أَنْوَاعُ الْمُرَكَّبَاتِ فَالْحَقُّ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ أَوْ جُزْئِيَّاتُ النَّوْعِ فَالْحَقُّ الْمَنْعُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْزِلَ الْمَذْهَبَانِ عَلَى ذَلِكَ2.

قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى 3 الْخِلافِ مَا سَيَأْتِي أَنَّ الْمَجَازَ هَلْ يَكُونُ فِي التَّرْكِيبِ؟ وَأَنَّ الْعَلاقَةَ هَلْ تُشْتَرَطُ فِي آحَادِهِ؟ وَنَحْوُ ذَلِكَ.

"وَهُوَ" أَيْ الْمُرَكَّبُ الَّذِي وَضَعَتْهُ 3 الْعَرَبُ نَوْعَانِ:

أَحَدُهُمَا: "غَيْرُ جُمْلَةٍ: كَمُثَنَّى" لأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ مُفْرَدِهِ وَمِنْ عَلامَةِ التَّثْنِيَةِ "وَجَمْعٍ4" لِتَرَكُّبِهِ5 مِنْ الْمُفْرَدِ وَعَلامَةِ الْجَمْعِ6.

1 هو محمد بن عبد الدايم بن موسى النعيمي، شمس الدين البرماوي الشافعي. قال الشوكاني:"كان إماماً في الفقه وأصوله والعرية وغير ذلك". من كتبه "شرح البخاري" و "شرح العمدة" و "ألفية" وشرحها في أصول الفقه. توفي سنة 831هـ. "انظر ترجمته في البدر الطالع 2/ 181، شذرات الذهب 7/ 197".

2 قال الزركشي: "والحق أن العرب إنما وضعت أنواع المركبات، أما جزئيات الأنواع فلا. فوضعت باب الفاعل، لإسناد كل فعلٍ إلى مَنْ صدر منه، أما الفاعل المخصوص فلا. وكذلك باب "إنّ وأخواتها"، أما اسمها المخصوص فلا. وكذلك سائر أنواع التراكيب، وأحالت المعنى على اختيار المتكلم، فإن أراد القائل بوضع المركبات هذا المعنى فصحيح، وإلا فممنوع". "المزهر 1/ 45".

3 ساقطة من ش.

4 في ز ض: وكجمع.

5 في ش ز ب ض: لتركيبه.

6 انظر العضد على ابن الحاجب 1/ 126.

ص: 116

"وَ" النَّوْعُ الثَّانِي: "جُمْلَةٌ، وَتَنْقَسِمُ" الْجُمْلَةُ "إلَى مَا" أَيْ إلَى لَفْظٍ "وُضِعَ لإِفَادَةِ نِسْبَةٍ. وَهُوَ" أَيْ وَاللَّفْظُ الَّذِي وُضِعَ لإِفَادَةِ نِسْبَةٍ هُوَ "الْكَلامُ" لا غَيْرُهُ.

"وَلا يَتَأَلَّفُ" الْكَلامُ "إلَاّ مِنْ اسْمَيْنِ" نَحْوُ "زَيْدٌ قَائِمٌ""أَوْ" مِنْ "اسْمٍ وَفِعْلٍ" نَحْوُ "قَامَ زَيْدٌ"؛ لأَنَّ الْكَلامَ يَتَضَمَّنُ الإِسْنَادَ، وَهُوَ يَقْتَضِي مُسْنَدًا وَمُسْنَدًا إلَيْهِ.

وَلَمَّا كَانَ الاسْمُ يَصِحُّ1 أَنْ يُسْنَدَ 2 وَأَنْ يُسْنَدَ 2 إلَيْهِ، 3 صَحَّ تَأْلِيفُ الْكَلامِ 3 مِنْ جِنْسِ الاسْمِ فَقَطْ. وَلَمَّا كَانَ الْفِعْلُ يَصْلُحُ أَنْ يُسْنَدَ، وَلا يَصْلُحُ أَنْ يُسْنَدَ إلَيْهِ: صَحَّ تَأْلِيفُ الْكَلامِ مِنْهُ4، إذَا كَانَ مَعَ اسْمٍ لا بِدُونِهِ5، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْنَدُ وَالْمُسْنَدُ إلَيْهِ "مِنْ" مُتَكَلِّمٍ "وَاحِدٍ" قَالَهُ الْبَاقِلَاّنِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُمْ6.

وَقَالَ جَمْعٌ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مُتَكَلِّمَيْنِ فَأَكْثَرَ، بِأَنْ يَتَّفِقَا عَلَى7 أَنْ يَذْكُرَ أَحَدُهُمَا الْفِعْلَ وَالآخَرُ الْفَاعِلَ، أَوْ أَحَدُهُمَا الْمُبْتَدَأَ، وَالآخَرُ الْخَبَرَ8.

1 في ش: يصلح.

2 ساقطة من ش، وفي ع ز: ويسند.

3 ساقطة من ش.

4 في ض: معه.

5 انظر العضد على ابن الحاجب 1/ 125، المستصفى 1/ 334، الإحكام للآمدي 1/72، همع الهوامع 1/33.

6 ساقطة من ض.

7 ساقطة من ز.

8 حكى السيوطي في إشتراط اتحاد الناطق في الكلام قولين "أحدهما" أنه يشترط كون المسند والمسند إليه من متكلم واحد. فلو اصطلح رجلان على أن يذكر أحدهما فعلاً والأخر فاعلاً أو مبتدأ والآخر خبراً، لم يسمّ ذلك كلاماً؛ لأن الكلام عمل واحد، فلا يكون عامله إلا واحداً. "والثاني" أنه لايشترط. وصححه ابن مالك وأبو حيان. قياساً على الكاتب؛ فإنه لا يعتبر اتحاد في كون الخط خطأ. وقال ابن أم قاسم المرادي: صدور الكلام من ناطقين لا يتصور، لأن كل واحد من المتكلمين إنما اقتصر على كلمة واحدة اتكالاً على نطق الآخر بالأخرى فكأنها مقدرة في كلامه. "همع الهوامع 1/ 30 وما بعدها، وانظر التمهيد للأسنوي ص 35".

ص: 117

وَرُدَّ بِأَنَّ الْكَلامَ لا بُدَّ لَهُ مِنْ إسْنَادٍ، وَهُوَ لا يَكُونُ إلَاّ مِنْ وَاحِدٍ. فَإِنْ وُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إسْنَادٌ بِالإِرَادَةِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَكَلِّمٌ بِكَلامٍ مُرَكَّبٍ، وَلَكِنْ حُذِفَ بَعْضُهُ لِدَلالَةِ الآخَرِ عَلَيْهِ. فَلَمْ يُوجَدْ كَلامٌ مِنْ مُتَكَلِّمَيْنِ، بَلْ كَلامَانِ مِنْ اثْنَيْنِ. انْتَهَى.

قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهُوَ التَّحْقِيقُ1، ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا فَرْعًا مُتَرَتِّبًا عَلَى ذَلِكَ. وَهُوَ مَا إذَا قَالَ رَجُلٌ: امْرَأَةُ فُلانٍ طَالِقٌ. فَقَالَ الزَّوْجُ: ثَلاثًا.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ تُشْبِهُ مَا لَوْ قَالَ: لِي2 عَلَيْكَ أَلْفٌ، فَقَالَ: صِحَاحٌ. وَفِيهَا وَجْهَانِ. قَالَ: وَهَذَا3 أَصْلٌ فِي الْكَلامِ مِنْ اثْنَيْنِ، إنْ أَتَى الثَّانِي بِالصِّفَةِ وَنَحْوِهَا: هَلْ يَكُونُ مُتَمِّمًا لِلأَوَّلِ، أَمْ لا؟ انْتَهَى.

"وَحَيَوَانٌ نَاطِقٌ، وَكَاتِبٌ، فِي "زَيْدٌ كَاتِبٌ"، لَمْ يُفِدْ نِسْبَةً" قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، تَقْدِيرُهُ: أَنَّ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ لِلْجُمْلَةِ غَيْرُ مُطَّرِدٍ ضَرُورَةَ صِدْقِهِ عَلَى الْمُرَكَّبِ التَّقْيِيدِيِّ، وَعَلَى نَحْوِ "كَاتِبٌ" فِي قَوْلِه4:"زَيْدٌ كَاتِبٌ".

وَالْمُرَادُ بِالْمُرَكَّبِ التَّقْيِيدِيِّ: الْمُرَكَّبُ مِنْ اسْمَيْنِ، أَوْ مِنْ اسْمٍ وَفِعْلٍ، بِحَيْثُ يَكُونُ الثَّانِي قَيْدًا فِي الأَوَّلِ، وَيَقُومُ مَقَامَهُمَا لَفْظٌ مُفْرَدٌ، مِثْلُ "حَيَوَانٌ

1 انظر القواعد والفوائد الأصولية ص155.

2 ساقطة من ش.

3 في ع: فهذا.

4 في ش: نحو قولك.

ص: 118

نَاطِقٌ"، وَ "اَلَّذِي يَكْتُبُ". فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الأَوَّلِ: "الإِنْسَانُ"، وَمَقَامَ الثَّانِي: "الْكَاتِبُ".

وَإِنَّمَا قُلْنَا1: الْحَدُّ يَصْدُقُ عَلَيْهِمَا؛ لأَنَّ الأَوَّلَ لَفْظٌ وُضِعَ لإِفَادَةِ نِسْبَةٍ تَقْيِيدِيَّةٍ2، وَالثَّانِي: وُضِعَ لإِفَادَةِ نِسْبَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ إلَى الضَّمِيرِ الَّذِي هُوَ فَاعِلُهُ.

وَالْجَوَابُ عَنْ السُّؤَالِ الْمُقَدَّرِ أَنْ يُقَالَ: لا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَدَّ يَصْدُقُ عَلَيْهِمَا؛ لأَنَّ الْمُرَادَ بِإِفَادَةِ النِّسْبَةِ: إفَادَةُ نِسْبَةٍ3 يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهَا، وَهُمَا لَمْ يُوضَعَا لإِفَادَةِ نِسْبَةٍ كَذَلِكَ4. انْتَهَى.

وَلَمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْجُمْلَةَ تَنْقَسِمُ إلَى مَا وُضِعَ لإِفَادَةِ نِسْبَةٍ5، وَإِلَى غَيْرِ مَا وُضِعَ لإِفَادَةِ نِسْبَةٍ6، وَانْتَهَى7 الْكَلامُ عَلَى الأَوَّلِ. شَرَعَ فِي الْكَلامِ عَلَى الثَّانِي، * فَقَالَ:

1 في ض: قلت.

2 في ش: مقيديه.

3 في ش: نسبته.

4 وأجاب العضد على توهم صدق الحد عليهما بأنه غير وارد؛ لأن كل واحد من هذين المثالين لم يوضع لإفادة النسبة، بل وضع لذاتٍ باعتبار نسبة، وهذه النسبة إنما تفهم منهما بالغرض. وقال الشريف الجرجاني: ولا شك أن اللفظ إنما وضع لإفادة ما يفهم منه بالذات لا ما يفهم منه بالعرض. "انظر الضد على ابن الحاجب وحاشية الجرجاني عليه 1/ 125 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 73".

5 في ع: نسبته.

6 في ع: نسبته.

7 في ز: وأنهى.

ص: 119

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ: كَلِمَةُ لَبِيدٍ1: أَلا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلا اللَّهَ بَاطِلٌ2" فَسَمَّى ذَلِكَ كُلَّهُ كَلِمَةً.

وَهُوَ مَجَازٌ، مُهْمَلٌ فِي عُرْفِ النُّحَاةِ، فَقِيلَ: هُوَ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ بَعْضِهِ، وَقِيلَ: لَمَّا ارْتَبَطَتْ أَجْزَاءُ الْكَلامِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، حَصَلَ لَهُ3 بِذَلِكَ وَحْدَهُ، فَشَابَهَ بِهِ4 الْكَلِمَةَ5. فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ كَلِمَةً.

"وَ" يُرَادُ بِهِ، أَيْ بِالْكَلامِ "الْكَلِمَةُ" عَكْسُ مَا قَبْلَهُ، فَيُقَالُ: تَكَلَّمَ بِكَلامٍ، وَمُرَادُهُمْ "بِكَلِمَةٍ"6 قَالَ سِيبَوَيْهِ7 فِي قَوْلِهِمْ:"مَنْ أَنْتَ زَيْدٌ"، مَعْنَاهُ: مَنْ أَنْتَ، كَلامُك زَيْدٌ.

1 هو الصحابي الجليل لبيد بن ربيعة العامري، أبو عقيل، من فحول الشعراء المجودين، كان شريفاً في الجاهلية والإسلام، وكان فارساً شجاعاً سخياً، وَفَدَ على الرسول صلى الله عليه وسلم، فأسلم وحسن إسلامه، وروي أنه لم يقل شعراً بعد إسلامه. توفي سنة 41هـ. "انظر ترجمته في الإصابة 3/ 326، الاستيعاب 3/ 324، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 70" و "كلمة لبيد" في النص ساقطة من ش.

2 رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة بهذا اللفظ، ورواه أحمد والترمذي عن أبي هريرة بلفظ "أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد" وعجز البيت:

وكل نعيم لا محالة زائل. "انظر كشف الخفا 1/ 131، الإصابة 3/ 327".

3 في ش: لك.

4 ساقط من ش.

5 في ش: لكلمة.

6 انظر همع الهوامع 1/ 29، الإحكام للآمدي 1/ 72.

7 هو عمرو بن عثمان بن قنبر، إمام البصريين، أبو بشر. قال الأزهري:"كان سيبويه علاّمة حسنَ التصنيف، جالسَ الخليل وأخذ عنه" صنف "الكتاب" في النحو، وهو من أجلّ ما ألف في هذا الشأن. توفي سنة 180هـ. "انظر ترجمته في بغية الوعاة 2/ 229، شذرات الذهب 1/ 252، إنباه الرواة 2/ 346، طبقات النحويين واللغويين ص66، البلغة ص173".

ص: 121

"وَ" يُرَادُ بِالْكَلامِ أَيْضًا "الْكَلِمُ الَّذِي لَمْ يُفِدْ"1، وَمِنْهُ حَدِيثُ "الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ"2:"أُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَنُهِينَا عَنْ الْكَلامِ3".فَيَشْمَلُ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ، وَالْكَلِمَ الَّذِي لَمْ يُفِدْ.

وَالْحَالِفُ أَنْ لا يَتَكَلَّمَ، يَحْنَثُ بِمُطْلَقِ اللَّفْظِ.

"وَتَنَاوُلُ الْكَلامِ وَالْقَوْلِ عِنْدَ الإِطْلاقِ لِلَّفْظِ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا، كَالإِنْسَانِ" أَيْ كَتَنَاوُلِ لَفْظِ الإِنْسَانِ "لِلرُّوحِ وَالْبَدَنِ". قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: عِنْدَ السَّلَفِ وَالْفُقَهَاءِ، وَالأَكْثَرِ4.

وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلامِ: مُسَمَّى الْكَلامِ هُوَ اللَّفْظُ، وَأَمَّا الْمَعْنَى: فَلَيْسَ جُزْأَهُ، بَلْ مَدْلُولَهُ، وَقَالَهُ النُّحَاةُ: لِتَعَلُّقِ صِنَاعَتِهِمْ بِاللَّفْظِ فَقَطْ5.

1 انظر همع الهوامع 1/ 31.

2 في ش: البراز. وهو تصحيف قبيح.

والمذكور هو الصحابي الجليل البراء بن عازب بن الحارث الأنصاري، أبو عمارة، من كرام الصحابة وخيارهم، أتى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فرده عنها لصغر سنّه، فلم يشهدها، ثم شهد أحداً وغيرها من المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى عن النبي عليه الصلاة والسلام كثيراً من الأحاديث. توفي سنة 72هـ. "انظر ترجمته في الإصابة 1/ 142، الاستيعاب 1/ 139".

3 هذ الحديث لم يُعرف من رواية البراء، بل من رواية زيد بن أرقم. وقد أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترميذي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة، حتى نزل قوله تعالى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة 238]"فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام" وليس في رواية البخاري "ونهينا عن الكلام". وقد أشار المجد بن تيمية في "منتقى الأخبار" إلى أنه أخرجه النسائي أيضاً عن زيد بن أرقم. قال الشوكاني: "وفي الباب عن جابر بن عبد الله عند الشيخين، وعن عمار عند الطبراني، وعن أبي أمامة عند الطبراني أيضاً، وعن أبي سعيد عند البزار، وعن معاوية بن الحكم وابن مسعود". "انظر صحيح البخاري 2/ 79، 6/ 38، صحيح مسلم 1/ 383، تحفة الأحوذي 8/ 330، سنن أبي داود 1/ 344، نيل الأوطار 2/ 354".

4 فتاوى ابن تيمية 12/ 35.

5 انظر فتاوى ابن تيمية 13/ 67.

ص: 122

وَعَكَسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كِلابٍ1 وَأَتْبَاعُهُ ذَلِكَ، فَقَالُوا: مُسَمَّى الْكَلامِ الْمَعْنَى فَقَطْ2.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ ابْنِ كِلابٍ: الْكَلامُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، فَيُسَمَّى اللَّفْظُ كَلامًا3 حَقِيقَةً، وَيُسَمَّى الْمَعْنَى كَلامًا حَقِيقَةً4.

وَرُوِيَ عَنْ الأَشْعَرِيِّ5 وَبَعْضِ الْكِلابِيَّةِ: أَنَّ الْكَلامَ حَقِيقَةٌ فِي لَفْظِ الآدَمِيِّينَ، لأَنَّ حُرُوفَ الآدَمِيِّينَ تَقُومُ بِهِمْ، مَجَازٌ6 فِي كَلامِ اللَّهِ سبحانه وتعالى، لأَنَّ الْكَلامَ الْعَرَبِيَّ عِنْدَهُمْ لا يَقُومُ بِهِ تَعَالَى7.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: "اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى، 8 فَإِنْ كَانَ 8 كَلامُهُ هُوَ الْمَعْنَى فَقَطْ. وَالنَّظْمُ الْعَرَبِيُّ الَّذِي يَدُلُّ

1 هو عبد الله بن سعيد بن محمد بن كُلاّب، القطان البصري، أحد أئمة المتكلمين. توفي بعد سنة 240هـ بقليل. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 1/ 299، لسان الميزان 3/ 290".

2 انظر فتاوى ابن تيمية 12/ 67.

3 في ع: الكلام.

4 انظر الإحكام للآمدي 1/ 71، القواد والفوائد الأصولية ص154، التمهيد للأسنوي ص30.

5 هو علي بن إسماعيل بن إسحاق، أبو الحسن الأشعري البصري، المتكلم النظّار الشهير. من كتبه "اللمع" و "مقالات الإسلاميين" و "الأسماء والصفات" و "الرد على المجسمة" و "الفصول في الرد على الملحدين" وغيرها. توفي سنة 324هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 3/ 347-444، وفيات الأعيان 2/ 446، المنتظم 6/ 332، شذرات الذهب 2/ 303، طبقات المفسرين للداودي 1/ 390، الذيباج المذهب 2/ 94".

6 في ع: مجازاً.

7 انظر فتاوى ابن تيمية 12/ 526. وفي ش: تعالى بل كلام غيره ومن العلوم.

8 في ش: لا أن.

ص: 123

عَلَى الْمَعْنَى لَيْسَ كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى، كَانَ مَخْلُوقًا، خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي غَيْرِهِ، فَيَكُونُ كَلامًا لِذَلِكَ الْغَيْرِ، لأَنَّ الْكَلامَ إذَا خُلِقَ فِي مَحَلٍّ كَانَ كَلامًا لِذَلِكَ الْمَحَلِّ، فَيَكُونُ الْكَلامُ الْعَرَبِيُّ لَيْسَ كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ كَلامُ غَيْرِهِ.

وَمِنْ الْمَعْلُومِ بِالاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الإِسْلامِ: أَنَّ الْكَلامَ الْعَرَبِيَّ الَّذِي بَلَّغَهُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَعْلَمَ أُمَّتَهُ أَنَّهُ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى، لا كَلامُ غَيْرِهِ1. انْتَهَى.

1 انظر فتاوى ابن تيمية 12/ 74، 297، 407. ويقول اين تيمية في هذا المقالم: "ولهذا قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] فأخبر أن ما يسمعه المستجير هو كلام الله. والمستجير يسمعه بصوت القارىء، فالصوت صوت القارىء، والكلام كلام الباري

الخ" "الرد على المنطقيين ص542" ويقول العز بن عبد السلام: "ومذهبنا أن كلام الله سبحانه قديم أزلي قائم بذاته، لا يشبه كلام الخلق، كما لا تشبه ذاته ذات الخلق، ولا يتصور في شيء من صفاته أن تفارق ذاته، إذ لو فارقته لصار ناقصاً، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وهو مع ذلك مكتوب في المصاحف، محفوظ في الصدور، مقروء بالألسنة، وصفة الله القديمة ليست بمداد الكاتبين، والا ألفاظ اللافظين". "طبقات الشافعية للسبكي 8/ 233، طبقات المفسرين للداودي 1/ 320".

ص: 124