المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في وقوع المجاز وتعارضة مع الحقيقة - شرح الكوكب المنير = شرح مختصر التحرير - جـ ١

[ابن النجار الفتوحي]

الفصل: ‌فصل في وقوع المجاز وتعارضة مع الحقيقة

‌فصل في وقوع المجاز وتعارضة مع الحقيقة

"فَصْلٌ""الْمَجَازُ وَاقِعٌ" فِي اللُّغَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَاحْتُجَّ عَلَى ذَلِكَ بِالأَسَدِ لِلشُّجَاعِ، وَالْحِمَارِ لِلْبَلِيدِ، وَقَامَتْ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ، وَشَابَتْ لَمَّةُ اللَّيْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لا يُحْصَرُ1.

"وَلَيْسَ" الْمَجَازُ "بِأَغْلَبَ"2 مِنْ الْحَقِيقَةِ3، خِلافًا لابْنِ جِنِّي4 وَمَنْ تَبِعَهُ.

"وَهُوَ" أَيْ الْمَجَازُ "فِي الْحَدِيثِ" أَيْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "وَ" فِي "الْقُرْآنِ" لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} 5 وَ {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} 8 {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} 10 وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ11. وَهَذَا الصَّحِيحُ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ.

1 انظر الإحكام للآمدي 1/ 45، المزهر 1/ 364 وما بعدها، المحلي علىجمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 308، إرشاد الفحول ص22 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 1/ 167، فواتح الرحموت 1/ 211، المعتمد 1/ 29، المسودة ص564.

2 في ش: بالقلب.

3 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 310، المزهر 1/ 361.

4 الخصائص 2/ 447.

5 الآية 119 من المائدة.

6 الآية 197 من البقرة.

7 الآية 24 من الإسراء.

8 الآية 4 من مريم.

9 الآية 40 من الشورى.

10 الآية 15 من البقرة.

11 انظر البرهان 2/ 255، الطراز 1/ 83 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 47 وما بعدها، المحلي على جمع الجومع 1/ 308، إرشاد الفحول ص23، العضد على ابن الحاجب 1/ 167 وما بعدها، المعتمد 1/ 30 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 211 وما بعدها، اللمع ص5، وانظر مجاز القرآن لمعمر بن المثنى والإشارة إلى الإيجاز للعز بن عبد السلام والفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البينان لابن القيم الجوزية والمجازات النبوية للشريف الرضي

ص: 191

قَالَ الْقَاضِي: نَصَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ فِي الْقُرْآنِ. فَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} 1 وَ "نَعْلَمُ" وَ "مُنْتَقِمُونَ": هَذَا مِنْ مَجَازِ اللُّغَةِ يَقُولُ الرَّجُلُ: إنَّا سَنُجْرِي عَلَيْكَ2 رِزْقَك3.

وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مِنْهُ شَيْءٌ. حَكَاهُ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ4.

"وَلَيْسَ فِيهِ" أَيْ فِي الْقُرْآنِ لَفْظٌ "غَيْرُ عَلَمٍ إلَاّ عَرَبِيٌّ" اخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ5، وَالْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ،

1 الآية 43 من ق.

2 ساقطة من ش.

3 انظر المسودة ص164.

4 انظر المسودة ص165، وابن حامد: هو الحسن بن حامد بن علي بن مروان، أبو عبد الله البغدادي، إمام الحنابلة في زمانه ومدرسهم ومفتيهم، له مصنفات في العلوم المختلفة، أشهرها "الجامع" في الفقه في نحو أربعمائة مجلد و "شرح الخرقي" و "شرح أصول الدين" و "أصول الفقه" وغيرها، توفي سنة 403هـ. "انظر ترجمته في طبقات الحنابلة 2/ 171 وما بعدها، المنهج الأحمد 2/ 82 وما بعدها، المنتظم 7/ 263، شذرات الذهب 3/ 166، المطلع على أبواب المقنع ص432، المدخل إلى مذهب أحمد لبدران ص206".

5 هو عبد العزيز بن جعفر بن أحمد الحنبلي، أبو بكر، المعروف بغلام الخلاّل، الفقيه الأصولي المفسر. قال ابن أبي يعلى:"كان أحد أهل الفهم، موثوقاً به في العلم، متسع الرواية، مشهوراً بالديانية، موصوفاً بالأمانة، مذكوراً بالعبادة". أشهر كتبه "الشافي" و "المقنع" و "التنبيه" و "زاد المسافر" في الفقه و "تفسير القرآن"، توفي سنة 363هـ. "انظر ترجمته في المنهج الأحمد 2/ 56 وما بعدها، طبقات الحنابلة 2/ 119 وما بعدها، المطلع ص437، شذرات الذهب 3/ 45، المدخل إلى مذهب أحمد ص208".

ص: 192

وَالْمَجْدُ1، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ2، وَأَبُو عُبَيْدٍة3، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَالْبَاقِلَاّنِيّ، وَابْنُ فَارِسٍ4، وَغَيْرُهُمْ، لِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الآيَاتِ الْكَثِيرَةِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ5.

1 هو عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن تيمية الحراني الحنبلي، أبو البركات، مجد الدين، الإمام المقرئ المحدث المفسر الفقيه الأصولي النحوي، صاحب "الأحكام الكبرى" و "المحرر" في الفقه و "المنتقي من أحاديث الأحكام" و "المسودة" في أصول الفقه التي زاد فيها ولده عبد الحليم ثم حفيده تقي الدين أحمد، توفي سنة 652هـ. "انظر ترجمته في طبقات المفسرين للداودي 1/ 297، ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 249 وما بعدها، شذرات الذهب 5/ 257، فوات الوفيات 1/ 570، الفتح المبين 2/ 68".

2 الرسالة للشافعي ص40.

3 كذا في الصاحبي ص59 والمعرّب ص4 والبرهان 1/ 287 ومعترك الأقران 1/ 195 والإتقان 2/ 105 والمزهر 1/ 266، وفي الأصول الخطية كلها والمطبوعة: أبو عبيد، وليس بصواب، لأن أبا عبيد لا يذهب إلى المنع، ورأيه المنقول والمشهور عنه غير ذلك، إذ فيه توفيق بين المذهبين وتصويب لكلا القولين، بخلاف أبي عبيدة، فهو الذي نُقل عنه المنع واشتهر.

وأبو عبيدة: هو مُعَمَّر بن المثني التيمي البصري، اللغوي النحوي العلامة، قال الزيدي:"كان من أجمع الناس للعلم، وأعلمهم بأيام العرب وأخبارها، وأكثر الناس رواية" أشهر مصنفاته "مجاز القرآن" و "غريب القرآن" و "غريب الحديث" و "نقائض جرير والفرزدق" توفي سنة 209هـ قيل غير ذلك. "انظر ترجمته في بغية الوعاة 2/ 294، إنباه الرواة 3/ 276، وفيات الأعيان 4/ 323، شذرات الذهب 2/ 24، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 260، المزهر 2/ 403، 413، المعارف ص543، طبقات النحويين واللغويين للزبيدي ص175، طبقات المفسرين للداودي 2/ 326، معجم الأدباء 19/ 154".

4 هو أحمد بن فارس بن زكريا، أبو الحسين، الإمام اللغوي المفسر. أشهر مصنفاته "جامع التأويل في تفسير القرآن" و "سيرة النبي صلي عليه وسلم" و "المجل" في اللغة و "مقاييس للغة" و "غريب إعراب القرآن" و "متخير الألفاظ" و "حليلة الفقهاء". توفي سنة 395هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في طبقات المفسرين للداودي 1/ 59، إنباه الرواة 1/ 92، بغية الوعاة 1/ 352، شذرات الذهب 3/ 132، معجم الأدباء 4/ 80، فيات الإعيان 1/ 100، ترتيب المدارك 4/ 610".

5 كقوله تعالى: {قُرْآناً عَرَبِيّاً} [الآية 2 من يوسف و113 من طه و28 من الزمر و2 من فصلت و7 من الشورى و2 من الزخرف] وقوله تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الآية 195 من الشعراء] وقوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [الآية 44 من فصلت] .

ص: 193

وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَعِكْرِمَةُ1 وَمُجَاهِد2ٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ3، وَعَطَاءٌ4، وَغَيْرُهُمْ: إلَى أَنَّ فِيهِ أَلْفَاظًا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ5.

وَنُقِلَ6 عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ7 أَنَّهُ قَالَ: الصَّوَابُ عِنْدِي مَذْهَبٌ فِيهِ

1 هو عكرمة بن عبد الله، مولى ابن عباس، أبو عبد الله، أحد فقهاء مكة من التابعين الأعلام، أصله بربري من أهل المغرب، توفي سنة 104هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 1/340، شذرات الذهب 1/ 130، المعارف ص455، وفيات الإعيان 2/ 427، طبقات المفسرين للداودي 1/ 380، معجم الأدباء 13/ 181".

2 هو مجاهد بن جبر المكي المخزومي مولاهم، أبو الحجاج، الإمام التابعي الشهير، قال النووي:"اتفق العلماء على إمامته وجلالته وتوثيقه، وهو إمام في الفقه والتفسير والحديث، توفي سنة 103هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 2/ 83، شذرات الذهب 1/ 125، المعارف ص444".

3 هو سعيد بن جبير بن هشام الكوفي الأسدي مولاهم، أبو عبد الله، من كبار أئمة التابعين ومتقدميهم في التفسير والحديث والفقه والعبادة والورع، قتله الحجاج ظلماً سنة 95هـ. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 1/ 216، شذرات الذهب 1/ 108، المعارف ص445".

4 هو عطاء بن أبي رباح أسلم بن صفوان المكي، أبو محمد، من أئمة التابعين وأجلة الفقهاء وكبار الزهاد. توفي سنة 115هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في شذرات الذهب 1/ 148، وفيات الأعيان 2/ 422، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 333، المعارف ص444".

5 انظر اختلاف العلماء في اشتمال القرآن على ألفاظ غير عربية في "الإحكام للآمدي 1/ 50 وما بعدها، المسودة ص174، فواتح الرحموت 1/ 212، العضد على ابن الحاجب 1/ 170، إرشاد الفحول ص32، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 326، المزهر 1/ 266 وما بعدها، معترك الأقران 1/ 195 وما بعدها، الإتقان في علوم القرآن 1/ 105 وما بعدها، مقدمة تفسير الطبري 1/ 8 وما بعدها، البرهان 1/ 287 وما بعدها، الصاحبي لابن فارس ص57 وما بعدها، المعرّب للجواليقي ص4 وما بعدها".

6 نقله الزركشي في البرهان 1/ 290، والسيوطي في معترك الأقران 1/ 198 والاتقان 2/ 108 والمزهر 1/ 269، وابن فارس في الصاحبي ص61، والجواليقي في المعرّب ص5.

7 هو القاسم بن سَلّام البغدادي، الإمام البارع في اللغة والنحو والتفسير والقراءات والحديث والفقه، أشهر كتبه "الآموال" و "غريب القرآن" و "غريب الحديث" و "معاني القرآن" و "أدب القاضي" توفي سنة 224هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 2/ 257، بغية الوعاة 2/ 253، طبقات الشافعية للسبكي 2/ 153، المنهج الأحمد 1/ 80، طبقات المفسرين للداودي 2/ 32، معجم الأدباء 16/ 254، طبقات الحنابلة 1/ 259، وفيات الإعيان 3/ 225، إنباه الرواة 3/ 12".

ص: 194

تَصْدِيقُ1 الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا. وَذَلِكَ: أَنَّ هَذِهِ [الأَحْرُفَ] 2 أُصُولُهَا أَعْجَمِيَّةٌ - كَمَا قَالَ الْفُقَهَاءُ-، لَكِنَّهَا وَقَعَتْ لِلْعَرَبِ. فَعُرِّبَتْ3 بِأَلْسِنَتِهَا، وَحَوَّلَتْهَا عَنْ أَلْفَاظِ الْعَجَمِ إلَى أَلْفَاظِهَا فَصَارَتْ عَرَبِيَّةً، ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ - وَقَدْ اخْتَلَطَتْ هَذِهِ الْحُرُوفُ بِكَلامِ الْعَرَبِ- فَمَنْ قَالَ4: إنَّهَا عَرَبِيَّةٌ فَهُوَ صَادِقٌ، [وَمَنْ قَالَ أَعْجَمِيَّةٌ فَصَادِقٌ]5.

"وَمَجَازٌ رَاجِحٌ" أَيْ وَالْعَمَلُ بِمَجَازٍ رَاجِحٍ "أَوْلَى" بِالْحُكْمِ "مِنْ 6 حَقِيقَةٍ مَرْجُوحَةٍ6 " وَقِيلَ: هِيَ مَا لَمْ تُهْجَرْ7. وَتَنْقَسِمُ مَسْأَلَةُ تَعَارُضِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ8:

الأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمَجَازُ مَرْجُوحًا لا يُفْهَمُ إلَاّ بِقَرِينَةٍ9. - كَالأَسَدِ لِلشُّجَاعِ - فَيُقَدَّمُ فِي هَذَا الْقِسْمِ الْحَقِيقَةُ لِرُجْحَانِهَا.

1 ساقطة من ش.

2 زيادة من الإتقان والمزهر ومعترك الأقران والبرهان والصاحبي من كلام أبي عبيد.

3 في الإتقان ومعترك الإقران والبرهان: فَعَرَّبتها، وفي الصاحبي والمزهر: فأعربتها.

4 في ع: قالها.

5 زيادة من الإتقان والمزهر ومعترك الأقران والبرهان والصاحبي م كلام أبي عبيد.

6 في ش: حقيقته بالمرجوحية.

7 انظر القواعد والفوائد الإصولية ص122. فواتح الرحموت 1/ 220 وما بعدها، كشف الأسرار على أصول البزدوي 1/ 77 وما بعدها.

8 انظر تفصيل الكلام على هذا الأقسام الأربعة في "القواعد والفوائد الإصولية ص123 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص119 وما بعدها".

9 في ع: بقرينته.

ص: 195

الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَغْلِبَ اسْتِعْمَالُهُ، حَتَّى يُسَاوِيَ الْحَقِيقَةَ. فَتُقَدَّمُ الْحَقِيقَةُ أَيْضًا 1 عَدَمِ رُجْحَانِ الْمَجَازِ1.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَجَازُ رَاجِحًا، وَالْحَقِيقَةُ مُمَاتَةً، لا تُرَادُ فِي الْعُرْفِ فَيُقَدَّمُ الْمَجَازُ؛ لأَنَّهُ إمَّا حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ كَالصَّلاةِ، أَوْ عُرْفِيَّةٌ كَالدَّابَّةِ. فَلا خِلافَ فِي تَقْدِيمِهِ2 عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ.

مِثَالُهُ: لَوْ حَلَفَ لا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ. فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِهَا حَنِثَ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْ خَشَبِهَا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَ الْخَشَبُ هُوَ الْحَقِيقَةُ.

الْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْمَجَازُ رَاجِحًا، وَالْحَقِيقَةُ تَتَعَاهَدُ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ. فَهَذِهِ مَحَلُّ3 الْخِلافِ عِنْدَ الأَكْثَرِ. كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ مِنْ هَذَا النَّهْرِ. فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْكَرْعِ مِنْهُ بِفِيهِ، وَلَوْ اغْتَرَفَ بِكُوزٍ وَشَرِبَ فَهُوَ مَجَازٌ؛ لأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ الْكُوزِ، لا مِنْ النَّهْرِ، لَكِنَّهُ مَجَازٌ رَاجِحٌ يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ. فَيَكُونُ4 أَوْلَى مِنْ الْحَقِيقَةِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تُرَادُ؛ لأَنَّ كَثِيرًا5 مِنْ الرِّعَاءِ6 وَغَيْرِهِمْ يَكْرَعُ 5 بِفِيهِ.

"وَلَوْ لَمْ يَنْتَظِمْ كَلامٌ" أَيْ لَوْ لَمْ يَصِحَّ الْكَلامُ "إلَاّ بِارْتِكَابِ مَجَازِ زِيَادَةٍ أَوْ" بِارْتِكَابِ مَجَازِ "نَقْصٍ، فَنَقْصٌ" أَيْ فَارْتِكَابُ مَجَازِ نَقْصٍ "أَوْلَى" لأَنَّ الْحَذْفَ فِي كَلامِ الْعَرَبِ أَكْثَرُ مِنْ الزِّيَادَةِ. قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ7.

1 ساقطة من ش.

2 في ش: تقديمها.

3 في ض ب: على.

4 في ض: فهو.

5 في ش: ما يكون الكرع

6 الرغاء: جمع راعي، وهو الذي يرعى الماشية فيحوطها ويحفظها. "لسان العرب 14/ 325" وفي ض ب: الرعاة.

7 انظر التمهيد للأسنوي ص53 والقواعد والفوائد الأصوليه ص124 وما بعدها.

ص: 196

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ1 مَسْأَلَةٌ فِقْهِيَّةٌ. وَهِيَ مَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: "إنْ حِضْتُمَا حَيْضَةً فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ"، إذْ لا شَكَّ فِي اسْتِحَالَةِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي حَيْضَةٍ، وَتَصْحِيحُ الْكَلامِ هُنَا إمَّا بِدَعْوَى زِيَادَةِ لَفْظِ2 "حَيْضَةٍ" فَكَأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى "إنْ3 حِضْتُمَا"، وَإِمَّا بِدَعْوَى الإِضْمَارِ. وَتَقْدِيرُهُ:"إنْ حَاضَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا حَيْضَةً".

وَفِي الْمَسْأَلَةِ لأَصْحَابِنَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: سُلُوكُ الزِّيَادَةِ، وَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ:"إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ"، فَإِذَا طَعَنَتَا4 فِي الْحَيْضِ طَلَقَتَا. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: سُلُوكُ النَّقْصِ، - وَهُوَ الإِضْمَارُ-، فَلا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا حَتَّى تَحِيضَ كُلُّ وَاحِدَةٍ حَيْضَةً، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ كَمَا تَقَدَّمَ:"إنْ حَاضَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا حَيْضَةً فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ". نَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 5 6 أَيْ اجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا7 ثَمَانِينَ جَلْدَةً 6 وَهُوَ قَوْلُ الْمُوَفَّقِ، وَالْمَجْدِ وَالشَّارِحِ وَابْنِ حَمْدَانَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْقَاعِدَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: يُطَلَّقَانِ بِحَيْضَةٍ مِنْ إحْدَاهُمَا، لأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ وُجُودُ الْفِعْلِ مِنْهُمَا وَجَبَ إضَافَتُهُ إلَى إحْدَاهُمَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ

1 في ش: هذا.

2 ف ش: لفظة.

3 ساقطة من ش.

4 في ش: أخذتا.

5 الآية 4 من النور.

6 ساقطة من ش.

7 في ز ض: منهم.

ص: 197

وَالْمَرْجَانُ} 1 وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا.

وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: لا يُطَلَّقَانِ بِحَالٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لا يَقَعُ الطَّلاقُ الْمُعَلَّقُ "عَلَى الْمُحَالِ"2.

1 الآية 22 من الرحمن.

2 في ش: في الحال.

ص: 198