الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في المندوب
…
"فَصْلٌ":"الْمَنْدُوبُ لُغَةً" أَيْ فِي اللُّغَةِ: "الْمَدْعُوُّ لِمُهِمٍّ" أَيْ لأَمْرٍ مُهِمٍّ "مِنْ النَّدْبِ، وَهُوَ الدُّعَاءُ" لأَمْرٍ مُهِمٍّ. قَالَ الشَّاعِرُ1:
لا يَسْأَلُونَ أَخَاهُمْ حِينَ يَنْدُبُهُمْ
…
فِي النَّائِبَاتِ عَلَى مَا قَالَ بُرْهَانَا
وَمِنْهُ2 الْحَدِيثُ: "انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ يَخْرُجُ فِي سَبِيلِهِ" 3 أَيْ أَجَابَ لَهُ طَلَبَ مَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِ4.
وَالاسْمُ النُّدْبَةُ - مِثْلُ غُرْفَةٍ-، وَنَدَبَتْ الْمَرْأَةُ الْمَيِّتَ، فَهِيَ نَادِبَةٌ، وَالْجَمْعُ نَوَادِبُ؛ لأَنَّهُ كَالدُّعَاءِ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ عَلَى تَعْدِيدِ مَحَاسِنِهِ، كَأَنَّهُ يَسْمَعُهَا5.
"وَ" الْمَنْدُوبُ "شَرْعًا" أَيْ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ: "مَا أُثِيبَ فَاعِلُهُ6" كَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ "وَلَوْ" كَانَ "قَوْلاً" كَأَذْكَارِ الْحَجِّ "وَ" لَوْ كَانَ "عَمَلَ قَلْبٍ" كَالْخُشُوعِ فِي الصَّلاةِ.
1 البيت لقرِيْطِ بن أنَيْف العَنْبري، نسبه له التبريزي في شرح ديوان الحماسة "1/ 5".
2 في ش: وفي.
3 رواه البخاري والنسائي وأحمد ومالك وابن ماجة والبيهقي والدارمي والطبراني في الأوسط، "انطر: صحيح البخاري 1/ 16، سنن النسائي 6/ 15، سنن ابن ماجة 2/ 920، السنن الكبرى 9/ 159، مجمع الزوائد 5/ 276، مسند أحمد 2/ 231" ورواه مسلم بلفظ تضمن "صحيح مسلم 4/ 1495" ورواه الدارمي ومسلم والبخاري والنسائي بلفظ تكفل "سنن الدارمي 2/ 200، صحيح مسلم 4/ 1496، فتح الباري 13/ 342، سنن النسائي 6/ 15، الموطأ 2/ 443".
4 انظر: النهاية في غريب الحديث 5/ 34.
5 انظر: المصباح المنير 2/ 921.
6 يخرج من التعريف المباح، فإن فاعله لا يثاب ولا يعاقب، ويخرج المحرم والمكروه، فإن تاركهما يثاب، "نهاية السول 1/ 59".
وَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ: "وَلَمْ يُعَاقَبْ تَارِكُهُ": الْوَاجِبُ الْمُعَيَّنُ، كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ.
وَبِقَوْلِهِ: "مُطْلَقًا": الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ1، كَخِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ كَصَلاةِ الْجِنَازَةِ2.
"وَيُسَمَّى" الْمَنْدُوبُ "سُنَّةً وَمُسْتَحَبًّا وَتَطَوُّعًا وَطَاعَةً وَنَفْلاً وَقُرْبَةً وَمُرَغَّبًا فِيهِ وَإِحْسَانًا".
قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي "مُقْنِعِهِ": "وَيُسَمَّى النَّدْبُ تَطَوُّعًا وَطَاعَةً وَنَفْلاً وَقُرْبَةً إجْمَاعًا"3.
لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَخْبَرْنَا الشَّيْخَ 4 أَبُو تَمَّامٍ بِمَكَّةَ أَنَّهُ سَأَلَ الشَّيْخَ"4 أَبَا إِسْحَاقَ بِبَغْدَادَ عَنْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ: سُنَّةً وَفَضِيلَةً وَنَفْلاً وَرَغِيبَةً5، فَقَالَ: هَذَا عَامَّةً6 فِي الْفُقَهَاءِ، وَلا يُقَالُ: إلَاّ فَرْضٌ وَسُنَّةٌ لا غَيْرُ.
قَالَ: وَأَمَّا أَنَا فَسَأَلْت أَبَا الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيِّ7 بِالْبَصْرَةِ، فَقَالَ: هَذِهِ
1 في ش: المخبر.
2 انظر تعريف المندوب في "المدخل إلى نذهب أحمد ص62، مختصر الطوفي ص25، الروضة ص20، شرح تنقيح الفصول ص71، الحدود للباجي ص55، التعريفات ص250، الإحكام، الآمدي 1/ 119، المسودة ص576، جمع الجوامع 1/ 80، التوضيح على التنقيح 2/ 75، التلويح 3/ 78، نهاية السول 1/ 58، شرح العضد على ابن الحاجب 1/ 225، كشف الأسرار 2/ 311، إرشاد الفحول ص6، شرح الورقات ص26".
3 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص62، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 89، التوضيح على التنقيح 3/ 76، نهاية السول 1/ 59، مختصر الطوفي ص25، إرشاد الفحول ص6.
4 ساقطة من ش.
5 في ش ز ع ب ض: وهيئة.
6 في ش ز: عامته.
7 هو أحمد بن محمد بن أحمد، القاضي أبو العباس، الجرجاني، كان قاضياً بالبصرة ومُدرساً فيها، وكان إماماً في الفقه والأدب، تقفه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، له تصانيف حسنة، منها:"المعاياة" و "الشافي" و "التحرير"، و "كنايات الأدباء وإشارات البلغاء" جمع فيه محاسن النظم والنشر، توفي سنة 482هـ، "انظر: طبقات الشافعية الكبرى، للسبكي 4/ 74، طبقات ابن هداية ص178، المنتظم، ابن الجوزي 9/ 50".
أَلْقَابٌ لا أَصْلَ لَهَا، وَلا نَعْرِفُهَا فِي الشَّرْعِ1. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
"وَأَعْلاهُ" أَيْ أَعَلا الْمَنْدُوبِ "سُنَّةٌ، ثُمَّ فَضِيلَةٌ، ثُمَّ نَافِلَةٌ"2.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو طَالِبٍ3 - مُدَرِّسُ المستنصرية، مِنْ أَئِمَّةِ4 أَصْحَابِنَا فِي "حَاوِيهِ الْكَبِيرِ"-: إنَّ5 الْمَنْدُوبَ يَنْقَسِمُ ثَلاثَةَ أَقْسَامٍ.
أَحَدُهَا: مَا يَعْظُمُ أَجْرُهُ، فَيُسَمَّى6 سُنَّةً.
1 قال أكثر الشافعية والحنابلة: إن هذه الألفاظ مترادفة وهي أقسام، وقال بعض الشافعية كالقاضي حسين وبعض الحنابلة وأكثر الحنفية، إنها على مراتب، ثم قال السبكي والخلاف لفظي. "انظر: حاشية الناني 1/ 89، 90، المدخل إلى مذهب أحمد ص62، مختصر الطوفي ص25، التوضيح على التنقيح 3/ 76، مناهج العقول 1/ 59".
2 أسماء المراتب محل اختلاف بين علماء الأصول، فبعضهم يسميها، سنة مؤكدة ثم سنة غير مؤكدة ثم سنة زائدة، وبعضهم يسميها، سنة ومستحباً وتطوعاً، وبعضهم يسميها: سنة الهادي وسنة الزوائد، ولهذا قال السبكي فيما سبق:"والخلاف لفظي" أي اختلاف اصطلاحي، ولا مشاحة في الاصطلاح، "انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/ 90، التوضيح على التنقيح 3/ 76، الممدخل إلى مذهب أحمد ص62، إرشاد الفحول ص60".
3 هو عبد الله بن عمر بن ابي قاسم، أبو طالب، الفقيه البصري، الضرير، نور الدين، نزيل بغداد، حفظ القرآن بالبصرة، وقدم بغداد، ودرس الفقه حتى أذن له بالفتوى، سمع من الشيخ مجد الدين بن تيمية، ثم درَّي بالمستنصرية، وكان بارعاً في الفقه، وله معرفة بالحديث والتفسير، له تصانيف عديدة، منها "الحاوي" في الفقه في مجلدين، و "جامع العلوم، في تفسير كتاب الله الحي القيوم" و "الكافي" في شرح الخرقي، و "الواضح" و "الشافي" في المذهب، توفي سنة 684هـ. "انظر: ذيل طبقات الحنابلة 2/ 313، نكت الهميان ص189، طبقات المفسرين 1/ 277، شذرات الذهب 5/ 386".
4 ساقطة من ش.
5 ساقطة من ع.
6 في ز ض: يسمى.
وَالثَّانِي: مَا يَقِلُّ أَجْرُهُ، فَيُسَمَّى1 نَافِلَةً.
وَالثَّالِثُ: مَا يَتَوَسَّطُ 2 فِي الأَجْرِ بَيْنَ هَذَيْنِ"2، فَيُسَمَّى فَضِيلَةً وَرَغِيبَةً3.
"وَهُوَ" أَيْ الْمَنْدُوبُ "تَكْلِيفٌ".
قَالَهُ4 الأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الإسْفَرايِينِيّ5، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْبَاقِلَاّنِيِّ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْمُوَفَّقُ، وَالطُّوفِيُّ، وَابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَغَيْرُهُمْ6، إذْ مَعْنَاهُ طَلَبُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ. وَقَدْ يَكُونُ أَشَقَّ مِنْ الْوَاجِبِ. وَلَيْسَتْ الْمَشَقَّةُ مُنْحَصِرَةً فِي الْمَمْنُوعِ عَنْ نَقِيضِهِ، حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ.
وَمَنَعَهُ ابْنُ حَمْدَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ7. قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ".
"وَ" هُوَ "مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً" عِنْدَ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِمَا.
1 في ز: ويسمى، وفي ض: يسمى.
2 في ش: بين هذين الأجرين.
3 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص62.
4 في ش ز ع ب: قال.
5 هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، الاستاذ أبو إسحاق، الإسفراييني، كان فقيهاً متكلماً أصولياً، وكان ثقة ثبتاً في الحديث، أقر له أهل بغداد ونيسابور بالتقدم والفضل، درّس بمدرسة نيسابور، وكان يلقب بركن الدين، وهو أول من لقب من العلماء، له تصانيف فائقة منها "الجامع" في أصول الدين والرد على الملحدين، و "العسفة" في أصول الفقه، توفي بنيسابور سنة 418هـ وقيل 417هـ. "انظر: طبقات الفقهاء للشيرازي ص126، طبقات الشافعية الكبرى، السبكي 4/ 256، وفيات الأعيان 1/ 8، الفتح المبين 1/ 228، البداية والنهاية 12/ 24، شذرات الذهب 2/ 209".
6 انظر: الروضة ص6، مختصر الطوفي ص11، الإحكام، الآمدي1/ 121 المسودة ص35، المحلي على جمع الجوامع 1/ 171.
7 انظر: فواتح الرحموت 1/ 112، الإحكام، الآمدي 1/ 121، تيسير التحرير 2/ 224، شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 5، المحلي على جمع الجوامع 1/ 171، شرح تنقيح الفصول ص79".
وَحَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ عُلَمَاءِ الأُصُولِ وَالْفُقَهَاءِ1، لِدُخُولِهِ فِي حَدِّ الأَمْرِ، لانْقِسَامِ2 الأَمْرِ إلَيْهِمَا3.
وَهُوَ مُسْتَدْعًى وَمَطْلُوبٌ4. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} 5، وَإِطْلاقُ الأَمْرِ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَالأَصْلُ: الْحَقِيقَةُ، وَلأَنَّهُ طَاعَةٌ لامْتِثَالِ الأَمْرِ6.
وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَالْحَلْوَانِيِّ7 وَالْحَنَفِيَّةِ8 وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ - مِنْهُمْ أَبُو
1 انظر: الروضة ص20، المستصفى 1/ 75، فواتح الرحموت 1/ 111، الإحكام، الآمدي، 1/ 120، تيسير التحرير 2/ 222، المسودة ص6، 8، 15، المدخل إلى مذهب أحمد ص62، مختصر الطوفي ص25، القواعد والفوائد الأصولية ص146، شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 5.
2 في ش د ع ب ض: وانقسام.
3 إذا ينقسم الأمر لغة إلى أمر إيجاب وأمر ندب، فكما أن الواجب مأمور به حقيقة، فإن المندوب مأمور به حقيقة ايضاً، "انظر: مختصر الطوفي ص25، الروضة ص21، الإحكام، الآمدي 1/ 120، المستصفى 1/ 75، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد 2/ 5".
4 أي المندوب مستدعى فعله ومطلوب كالواجب، لكنّ الواجب مطلوب مع ذم تاركه، والمندوب مطلوب مع عدم ذم تاركه، والمطلوب أمر من الشارع، فالمندوب مأمور به حقيقة. "انظر: الروضة ص21، المستصفى 1/ 75".
5 الآية 90 من النحل.
6 اتفق العلماء على أن المندوب طاعة، والطاعة تكون من امتثال أمر الله تعالى، فكان المندوب مأموراً به على الحقيقة، "انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 120، مختصر الطوفي ص25، الروضة ص21، المسودة ص7، 44، المستصفى 1/ 76، شرح العضد 2/ 5".
7 نص ابن تيمية في "المسودة""ص6" والبعلي في "القواعد والفوائد الأصولية""ص164"، أن صاحب هذا الرأي هو عبد الرحمن الحلواني، وهو ابن الحلواني، ابي الفتح، الذي مر معنا سابقاً "ص305"، والابن هو عبد الرحمن بن محمد بن علي، أبو محمد، ولد سنة 490هـ، وبرع في الفقه والأصول، وصنف فيهما، وهو من شيوخ الحنابلة، ومن مصنفاته "التبصير" في الفقه، و "الهداية" في أصول الفقه، وله "تفسير القرآن"، توفي سنة 546هـ. "انظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 221، طبقات المفسرين 1/ 274، شذرات الذهب 1/ 144".
8 النقل عن الحنفية فيه تساهل، لأن المحققين من الحنفية يقولون: إن المندوب مأمور به حقيقة، كالجمهور، خلافاً للكرخي وأبي بكر الرازي من الحنفية اللذين سارت على رأيهما أكثر كتب الحنفية، بأن المندوب مأمور به مجازاً. "انظر: فواتح الرحموت 1/ 111، تيسير التحرير: 2/ 222، أصول السرخسي 1/ 14".
حَامِدٍ وَغَيْرُهُ- أَنَّهُ مَجَازٌ1.
"فَـ" عَلَى الأَوَّلِ "يَكُونُ لِلْفَوْرِ".
قَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ: قِيَاسًا عَلَى الْوَاجِبِ.
لَكِنْ لَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ عَلَى الْفَوْرِ، مَاذَا يَكُونُ؟ يَحْتَمِلُ مَا أَتَى بِهِ عَلَى وَجْهِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تَكْرَارُهُ كَالْوَاجِبِ، يَعْنِي كَالأَمْرِ الْمُرَادِ لِلْوُجُوبِ2.
فَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: أَنَّ أَمْرَ النَّدْبِ هَلْ يَتَكَرَّرُ؟ قَالَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الأَمْرِ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْوُجُوبُ عَلَى مَا يَأْتِي3 فِي مَسَائِلِ الأَمْرِ4.
"وَلا يَلْزَمُ" الْمَنْدُوبُ "بِشُرُوعٍ" بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ بَيْنَ إتْمَامِهِ وَقَطْعِهِ5.
وَذَلِكَ: لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: "كَانَ يَنْوِي صَوْمَ التَّطَوُّعِ، ثُمَّ يُفْطِرُ" رَوَاهُ
1 أي المندوب مأمور به مجازاً، وليس حقيقة، انظر تفصيل هذا القول وأدلته ومناقشته في "الإحكام، الآمدي 1/ 120، المسودة ص6، القواعد والفوائد الأصولية ص164، المستصفى 1/ 75، حاشية التفتازاني على العضد 2/ 4، أصول السرخسي 1/ 14 وما بعدها".
2 في ش: به الوجوب، وفي ز: به للوجوب.
3 في ع: أتى.
4 انظر: المسودة ص26.
5 وهو مذهب الشافعية والحنابلة. "انظر: حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 90، 93، كشف الأسرار 2/ 311، مختصر الطوفي ص25، المسودة ص60، فواتح الرحموت 1/ 115،تخريج الفروع على الأصول ص59".
مُسْلِمٌ1 وَغَيْرُهُ2.
وَأَمَّا قَوْلُهُ سبحانه وتعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} 3 فَيُحْمَلُ عَلَى التَّنْزِيهِ، جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ4.
هَذَا إنْ لَمْ يُفَسَّرْ بُطْلانُهَا بِالرِّدَّةِ، بِدَلِيلِ الآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا5، أَوْ أَنَّ
1 هو مسلم بن الحجاج بن مسلم، أبو الحسين القشيري، النيسابوري، أحد الأئمة من حفاظ الحديث، وهو صاحب الصحيح المشهور الذي صنفه من ثلاثمائة ألف حديث، وله تصانيف كثيرة، منها "المسند الكبير" على أسماء الرجال، و "الجامع الكبير" على الأبواب، وكتاب "العلل" و "الكنى" و "أوهام المحدثين"، توفي سنة 261هـ. "انظر: وفيات الإعيان 4/ 280، المنهج الأحمد 1/ 147، طبقات الحنابلة 1/ 337، شذرات الذهب 2/ 144، طبقات الحفاظ ص260، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 89، تذكرة الحفاظ 2/ 588، الخلاصة ص375".
2 رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي وروى البخاري أن أبا الدرداء وأبا طلحة وأبا هريرة وابن عباس وحذيفة كانوا يفعلون ذلك، وفي رواية لمسلم:"فقد أصبحت صائماً فأكل". وفي رواية عن عائشة: "فجئت به فأكل، ثم قال: "قد كنت أصبحت صائماً". "انظر: صحيح مسلم 2/ 808، 809، صحيح البخاري 1/ 329، سنن أبي داود 2/ 442، سنن ابن ماجة 1/ 543، سنن النسائي 4/ 164"، وروى الترمذي والحاكم وأحمد والدارمي عن أم هانىء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر" وفي رواية:"أمين نفسه". "انظر: سنن أبي داود 2/ 442، سنن الترمذي 3/ 81، كشف الخفا 2/ 26، فيض القدير 4/ 231، مسند أحمد 6/ 341، المستدرك 1/ 439، سنن الدارمي 2/ 16".
3 الآية 32 من سورة محمد.
4 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/ 93.
5 وهي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [الآيتان 32-33 من سورة محمد]، وانظر: تفسير ابن كثير 6/ 324.
الْمُرَادَ: وَلا1 تُبْطِلُوهَا بِالرِّيَاءِ2، نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ3 عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ.
وَنُقِلَ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ تَفْسِيرُهَا بِمَعْنَى لا تُبْطِلُوهَا بِالْكَبَائِرِ4، لَكِنَّ الظَّاهِرَ تَفْسِيرُهَا بِمَا تَقَدَّمَ5.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ6، وَاحْتَجَّا بِحَدِيثِ الأَعْرَابِيِّ:"هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لا، إلَاّ أَنْ تَطَوَّعَ"7 أَيْ فَيَلْزَمُك التَّطَوُّعُ إنْ تَطَوَّعْت، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فِي أَصْلِهِ.
1 في ش ض ب: فلا.
2 وهو رأي ابن عباس رضي الله عنه وابن جريج ومقاتل. "انظر: الكشاف 3/ 539، فواتح الرحموت 1/ 115، تفسير القرطبي 16/ 254".
3 هو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، أبو عمر، الحافظ، القرطبي، أحد أعلام الأندلس، وكبير محدثيها، كان ثقة نزيهاً متبحراً في الفقه والعربية والحديث والتاريخ، قال الباجي: لم يكن بالأندلس مثله في الحديث، وقال أيضاً: أبو عمر أحفظ أهل المغرب، له كتب كثيرة نافعة ومفيدة، منها:"التمهيد" و "الاستذكار" و "الاستيعاب" في معرفة الصحابة، و "جامعة بيان العلم وفضله" و "الدرر في اختصار المغازي والسير" و "بهجة المجالس" توفي سنة 463هـ وقيل 458هـ، "انظر: وفيات الأعيان 6/ 64، الديباج المذهب 2/ 367، شذرات الذهب 4/ 314، طبقات الحفاظ 432 ص432، شجرة النور الزكية ص119، تذكرة الحفاظ 3/ 1128".
4 انظر: كشاف 3/ 538.
5 انظر رد ابن المنير الإسكندراني على رأي الزمخشري في حاشية الكشاف "3/ 538" وفيه: "قال الإمام أحمد: قاعدة أهل السنة على أن الكبائر ما دون الشرك لا تحبط حسنة مكتوبة، لأن الله لا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً
…
وقاعدة المعتزلة موضعة على أن كبيرة واحدة تحبط ما تقدمها من الحسنات، ولو كانت مثل زبد البحر.
6 انظر: كشف الأسرار 2/ 311، 312، التلويح على التوضيح 3/ 79، تقريرات الشربيني على جمع الجوامع 1/ 90، فواتح الرحموت 1/ 114، تفسير القرطبي 16/ 255، أصول السرخسي 1/ 115.
7 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي ومالك والحاكم وأحمد عن طلحة بن عبيد الله قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد، ثائر الرأس، يُسمع دويّ صوته، ولا يفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمس صلوات في اليوم والليلة"
…
الحديث"، "انظر: صحيح البخاري 1/ 17، صحيح مسلم 1/ 41، سنن أبي داود 1/ 160، سنن النسائي 1/ 184، سنن الترمذي مع تحفة الأحوذي 1/ 246، المستدرك 1/ 201، الموطأ 1/ 175، مسند أحمد 1/ 162".
وَعِنْدَنَا أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ، بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَبْطَلَ1 تَطَوُّعَهُ بِفِطْرِهِ بَعْدَ نِيَّةِ الصَّوْمِ.
وَمَحَلُّ الْخِلافِ "غَيْرُ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ، لِوُجُوبِ مُضِيٍّ فِي فَاسِدِهِمَا" فَإِتْمَامُ صَحِيحِ تَطَوُّعِهِمَا أَوْلَى بِوُجُوبِ الْمُضِيِّ فِيهِ، "وَ" لِـ "ـمُسَاوَاةِ نَفْلِهِمَا" لِـ "فَرْضِهِمَا نِيَّةً" أَيْ فِي النِّيَّةِ2 "وَكَفَّارَةً" أَيْ: 3 وَفِي الْكَفَّارَةِ"3، "وَغَيْرَهُمَا" كَانْعِقَادِ الإِحْرَامِ لازِمًا فِي حَقِّ مَنْ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَغَيْرِهِ4.
وَعَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: رِوَايَةٌ أُخْرَى بِوُجُوبِ إتْمَامِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَلُزُومِ الْقَضَاءِ إنْ أَفْطَرَ5.
وَعَنْهُ ثَالِثَةٌ: يَلْزَمُ إتْمَامُ الصَّلاةِ دُونَ الصَّوْمِ؛ لأَنَّهَا ذَاتُ إحْرَامٍ وَإِحْلالٍ. كَالْحَجِّ6.
1 في ز: أبدل.
2 أن النية في كل منهما هي قصد الدخول في الحج والتلبس فيه "المحلي على جمع الجوامع 1/ 93".
3 في ش ض: في الكفارة، وفي ز: والكفارة.
والكفارة تجب في الحج والواجب، والحج التطوع بالجماع المفسد له "انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/ 94".
4 أي في حق من وجب عليه الحج، وفي حق المتنفل والمتطوع. "انظر: حاشية البناني وجمع الجوامع 1/ 93، 49، كشف الأسرار 2/ 315، فواتح الرحموت 1/ 116، المغني 9/ 160، أصول السرخسي 1/ 116".
5 وهي رواية حنبل عن الإمام أحمد "انظر: المغني 3/ 159".
6 انظر: المغني 3/ 160.
وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ؛ كَالصَّدَقَةِ الْمُتَطَوَّعِ بِهَا، وَالْقِرَاءَةِ وَالأَذْكَارِ: فَلا يَلْزَمُ إتْمَامُهَا بِالشُّرُوعِ فِيهَا، وِفَاقًا لِلأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ1.
"فَرْعٌ"2:
"الزَّائِدُ عَلَى قَدْرٍ وَاجِبٍ فِي رُكُوعٍ3 وَنَحْوِهِ" كَسُجُودٍ وَقِيَامٍ وَجُلُوسٍ فِي الصَّلاةِ "نَفْلٌ"4 عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ5، وَعِنْدَ6 أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، لِجَوَازِ تَرْكِهِ مُطْلَقًا. وَهَذَا شَأْنُ النَّفْلِ7.
وَأَوْجَبَهُ الْكَرْخِيُّ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ8.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ. وَأَخَذَهُ مِنْ نَصِّ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّ الإِمَامَ إذَا أَطَالَ الرُّكُوعَ، فَأَدْرَكَهُ فِيهِ مَسْبُوقٌ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْكُلُّ وَاجِبًا لَمَا صَحَّ ذَلِكَ، لِعَدَمِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ9.
1 انظر: المغني 3/ 160، حاشية البناني 1/ 90، 93، المحلي على جمع الجوامع 1/ 94، تقريرات الشربيني 1/ 90.
2 في ش: فروع.
3 في ش: ركوح.
4 في ش: مطلقاً!؟.
5 انظر: التمهيد ص 14، 17، التلويح على التوضيح 3/ 78، نهاية السول 1/ 131، مناهج العقول 1/ 129، المستصفى 1/ 73، كشف الأسرار 2/ 311، شرح تنقيح الفصول ص160، المسودة 58.
6 ساقطة من ز ع ب ض.
7 قال الطوفي: الزيادة على الواجب إن تميزت كصلاة التطوع فندب اتفاقاً، وإن لم تتميز كالزيادة في الطمأنينة والركوع والسجود، ومدة القيام، والقعود على أقل الواجب فهو واجب عند القاضي، ندب عند أبي الخطاب، وهو الصواب "مختصر الطوفي ص25" وعند الشافعية قولان، والأصح أنه مندوب "التمهيد ص17" وانظر: المسودة ص58، المدخل إلى مذهب أحمد ص20، القواعد والفوائد الأصولية ص105، نهاية السول 1/ 131.
8 انظر المسودة ص58، 59، المستصفى 1/ 73، كشف الأسرار 2/ 311.
9 رد المجد بن تيمية كلام القاضي وقال: وليس هذا بمأخذ صحيح، لأن الكل قد اتفقوا على هذا الحكم، مع خلافهم في المسألة، وفي مسألة اقتداء المفترض بالمتنفل، ولذلك ذكر ابن عقيل =
"وَمَنْ""أَدْرَكَ رُكُوعَ إمَامٍ" وَلَوْ بَعْدَ طُمَأْنِينَتِهِ "أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ"1، قَالُوا: لأَنَّ الاتِّبَاعَ يُسْقِطُ الْوَاجِبَ، كَمَسْبُوقٍ وَصَلاةِ امْرَأَةٍ الْجُمُعَةَ2. وَيُوجِبُ الاتِّبَاعُ مَا كَانَ غَيْرَ وَاجِبٍ، كَمُسَافِرٍ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ، فَيَلْزَمُهُ الإِتْمَامُ وَلَوْ نَوَى الْقَصْرَ.
وَلا يُشْتَرَطُ فِي إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ إدْرَاكُ 3 الطُّمَأْنِينَةِ مَعَ الإِمَامِ"3، خِلافًا لِمَالِكٍ4 رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.
= فساد هذا المأخذ، واعتذر عن نص الإمام أحمد بكلام آخر ذكره، وكذلك أبو الخطاب غلط شيخه في ذلك، قال ابن عقيعل: نص أحمد لا يدل عندي على هذا، بل يجوز أن يعطي أحد أمرين، أما جواز ائتمام المفترض بمتنفل، ويحتمل أن يجري مجرى الواجب في باب الاتباع خاصة "المسودة ص58".
وجواز ائتمام المفترض بمتنفل هو أحد القولين عند الإمام أحمد ورجحه ابن قدامة، وهو قول الشافعية. "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص106، المسودة ص59، المعني 2/ 166".
1 لما رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة". ورى البخاري ومسلم وأصحاب السنن وأحمد ومالك والدارمي والبيهقي عن أبي هريرة مرفواعاً: "ومن أدرك الركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" أي ومن أدرك ركوع الركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة. "انظر: فتح الباري 2/ 38، صحيح مسلم 1/ 432، تحفة الأحوذي بشرح الترمذي: 1/ 554، سنن أبي داود 1/ 326، سنن الدارمي 1/ 277، الموطأ 1/ 105، مسند أحمد 2/ 241، فيض القدير 6/ 44، المغني 1/ 363، سنن النسائي 1/ 206، سنن ابن ماجة 1/ 256".
2 صلاة الجمعة غير واجبة على المرأة، وإنما الواجب عليها صلاة الظهر، ولكن إذا حضرت المرأة الجمعة سقط عنها الظهر. "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص106".
3 انظر: المغني 1/ 363، وفي ع ب ض: طمأنينة الإمام.
4 قال المالكية: إن المصلي يدرك الركعة متى مكَّن يديه من ركبتيه أو مما قاربهما قبل رفع الإمام، وأن لم يطمئن إلا بعد رفعه، قال الإمام مالك: وحدُّها: إمكان يديه بركبتيه قبل رفع إمامه. "انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/ 295، حاشية العدوي على شرح الخرشي 2/ 17، التاج والإكليل للمواق 2/ 82".
وقد ورد عن الإمام أحمد أنه قال: إذا مكّن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام فقد أدرك. "مسائل الإمام أحمد ص35".