الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
فَصْلٌ":"التَّكْلِيفُ
لُغَةً: إلْزَامُ1 مَا فِيهِ مَشَقَّةٌ" فَإِلْزَامُ الشَّيْءِ، وَالإِلْزَامُ بِهِ: هُوَ تَصْيِيرُهُ لازِمًا لِغَيْرِهِ، لا2 يَنْفَكُّ عَنْهُ مُطْلَقًا، أَوْ وَقْتًا مَا.
قَالَ فِي "الْقَامُوسِ": "وَالتَّكْلِيفُ: الأَمْرُ بِمَا يَشُقُّ، وَتَكَلَّفَهُ تَجَشَّمَهُ"3. وَقَالَ أَيْضًا: "أَلْزَمَهُ إيَّاهُ فَالْتَزَمَهُ، إذَا لَزِمَ شَيْئًا لا يُفَارِقُهُ"4.
"وَ" التَّكْلِيفُ "شَرْعًا" أَيْ: فِي اصْطِلاحِ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ: "إلْزَامُ مُقْتَضَى خِطَابِ الشَّرْعِ" فَيَتَنَاوَلُ الأَحْكَامَ الْخَمْسَةَ: الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ، الْحَاصِلَيْنِ عَنْ الأَمْرِ، وَالْحَظْرَ وَالْكَرَاهَةَ، الْحَاصِلَيْنِ عَنْ النَّهْيِ. وَالإِبَاحَةَ الْحَاصِلَةَ عَنْ التَّخْيِيرِ، إذَا قُلْنَا إنَّهَا مِنْ خِطَابِ الشَّرْعِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ فِي الْمُبَاحِ وُجُوبَ اعْتِقَادِ كَوْنِهِ مُبَاحًا5، أَوْ6 اخْتِصَاصَ اتِّصَافِ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِمَا دُونَ فِعْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ7.
1 في ع: الالزام.
2 في ع: ولا.
3 القاموس المحيط: 3/ 198، وانطر: المصباح المنير 2/ 828.
4 القاموس المحيط 4/ 177، وانظر: المصباح المنير 2/ 852.
5 وهذا من مقتضيات الخطاب المذكور، وفي قولٍ إنّ الإباحة ليست تكليفاً، لأن التكليف هو الخطاب بأمر أو نهي. "انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص58، مختصر الطوفي ص11، الفروق 1/ 161، تهذيب الفروق 1/ 176".
6 في ع: و.
7 انظر تعريف التكليف في "التعريفات ص58، طبعة الحلبي، المدخل إلى مذهب أحمد ص58، الروضة ص26،مختصر الطوفي ص11،الفروق 1/ 161".
"وَالْمَحْكُومُ بِهِ" 1 عَلَى الْمُكَلَّفِ "فِعْلٌ بِشَرْطِ إمْكَانِهِ2".
الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ يَتَعَلَّقُ بِالْبَحْثِ فِيهِ النَّظَرُ فِي أَشْيَاءَ:
- الأَوَّلُ: النَّظَرُ فِي الْحَاكِمِ، وَهُوَ اللَّهُ سبحانه وتعالى.
- الثَّانِي: النَّظَرُ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْعَبْدُ الْمُكَلَّفُ.
- الثَّالِثُ: النَّظَرُ فِي الْمَحْكُومِ بِهِ، وَهُوَ الْفِعْلُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا3.
وَيَسْتَدْعِي ذَلِكَ: أَنَّ الْفِعْلَ 4 غَيْرُ الْمَقْدُورِ 4 عَلَيْهِ هَلْ يَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِهِ أَوْ لا؟ وَيُسَمَّى التَّكْلِيفُ بِهِ: التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ، وَهُوَ أَقْسَامٌ:
- أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا لِذَاتِهِ، كَجَمْعِ الضِّدَّيْنِ، وَإِيجَادِ الْقَدِيمِ وَإِعْدَامِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَمْتَنِعُ تَصَوُّرُهُ. فَإِنَّهُ لا يَتَعَلَّقُ بِهِ قُدْرَةٌ مُطْلَقًا5.
- ثَانِيهَا: مَا يَكُونُ مَقْدُورًا لِلَّهِ تَعَالَى كَالتَّكْلِيفِ بِخَلْقِ الأَجْسَامِ وَبَعْضِ الأَعْرَاضِ.
- ثَالِثُهَا: مَا 6 لَمْ تَجْرِ 6 عَادَةٌ بِخَلْقِ الْقُدْرَةِ عَلَى مِثْلِهِ لِلْعَبْدِ مَعَ جَوَازِهِ،
1 المحكوم به هو فعل المكلف، وذلك لأن فعل المكلف يوصف بأنه مأمور به أو منهي عنه، بينما يطلق أكثر علماء الأصول على المحكوم به لفظ "المحكوم فيه" لأن الشارع جعل الفعل محكوماً فيه بالوجوب أو التحريم. "انظر: المستصفى 1/ 86، التوضيح على التنقيح 3/ 129، تيسير التحرير 2/ 184، فواتح الرحموت 1/ 123، مناهج العقول 1/ 181، العضد على ابن الحاجب 2/ 9، المسودة ص80".
2 في ض: إحكامه.
3 انظر: المستصفى 1/ 86، العضد على ابن الحاجب 2/ 9، إرشاد الفحول ص9، الروضة ص28، مختصر الطوفي ص15، المدخل إلى مذهب أحمد ص59.
4 في ز ع ض ب: الغير مقدور.
5 انظر: نهاية السول 1/ 185، المسودة ص76.
6 في ش: لا تجري.
كَالْمَشْيِ عَلَى الْمَاءِ، وَالطَّيَرَانِ فِي الْهَوَاءِ1.
- رَابِعُهَا: مَا لا قُدْرَةَ لِلْعَبْدِ عَلَيْهِ حَالَ2 تَوَجُّهِ الأَمْرِ، وَلَهُ الْقُدْرَةُ3 عَلَيْهِ عِنْدَ الامْتِثَالِ. كَبَعْضِ الْحَرَكَاتِ4.
- خَامِسُهَا: مَا فِي امْتِثَالِهِ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ كَالتَّوْبَةِ بِقَتْلِ النَّفْسِ5.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا "فَيَصِحُّ" مِنْ ذَلِكَ التَّكْلِيفُ "بِمُحَالٍ لِغَيْرِهِ" إجْمَاعًا، كَتَكْلِيفِ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ سبحانه وتعالى أَنَّهُ لا يُؤْمِنُ بِالإِيمَانِ وَذَلِكَ لأَنَّ6 اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ الْكِتَابَ، وَبَعَثَ الرُّسُلَ بِطَلَبِ الإِيمَانِ وَالإِسْلامِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ، وَعَلِمَ أَنَّ بَعْضَهُمْ لا يُؤْمِنُ7.
وَ "لا" يَصِحُّ التَّكْلِيفُ مِنْ ذَلِكَ8 بِمُحَالٍ "لِذَاتِهِ"، وَهُوَ الْمُسْتَحِيلُ الْعَقْلِيُّ، كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، "وَ" لا بِمُحَالٍ "عَادَةً" كَالطَّيَرَانِ فِي الْهَوَاءِ، وَالْمَشْيِ عَلَى الْمَاءِ، وَنَحْوِهِمَا عِنْدَ الأَكْثَرِ9. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ
1 انظر: نهاية السول 1/ 185.
2 في ز ب ع ض: بحال.
3 في ض: قدرة.
4 انظر: نهاية السول 1/ 185.
5 المرجع السابق.
6 في ش: أن.
7 انظر: نهاية السول 1/ 185، 188، شرح تنقيح الفصول ص143، المحلي وحاشية البناني 1/ 206، 208، فواتح الرحموت 1/ 127، العضد على ابن الحاجب وحاشية التفتازاني 2/ 9، الإحكام، الآمدي 1/ 134، تيسير التحرير 2/ 139، 140، إرشاد الفحول ص9، المسودة ص89، الروضة ص28، مختصر الطوفي ص15.
8 في ش: جهة، وفي ب: سقطت "من ذلك".
9 انظر: الموافقات 2/ 76، الإحكام، الآمدي 1/ 135، تيسير التحرير 2/ 137، المستصفى 1/ 86، المحلي على جمع الجوامع 1/ 206، فواتح الرحموت 1/ 123، العضد على ابن الحاجب 2/ 9، إرشاد الفحول ص9، الروضة ص28، مختصر الطوفي ص15، المدخل إلى مذهب أحمد ص59، نهاية السول 1/ 186، المسودة ص79.
وَالأَصْفَهَانِيّ، وَأَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ. وَحُكِيَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَامِدٍ وَأَبِي الْمَعَالِي، وَابْنِ حَمْدَانَ فِي "نِهَايَةِ الْمُبْتَدَئِينَ"1.
وَقَالَ أَكْثَرُ الأَشْعَرِيَّةِ وَالطُّوفِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا: بِصِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ مُطْلَقًا2، قَالَ الآمِدِيُّ: وَهُوَ لازِمُ أَصْلِ الأَشْعَرِيَّةِ فِي وُجُوبِ مُقَارَنَةِ الْقُدْرَةِ لِلْمَقْدُورِ بِهَا وَأَنَّهُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ3 تَعَالَى4.
وَقَالَ الآمِدِيُّ وَجَمْعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ عَادَةً5، وَلَمْ يَسْتَثْنُوا6 "إلَاّ" الْمُحَالَ "عَقْلاً" وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أُشِيرَ فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ7 "فِي وَجْهٍ".
وَجْهِ الْمَذْهَبِ الأَوَّلِ - وَهُوَ الْمَنْعُ فِي الْمُحَالِ لِذَاتِهِ وَعَادَةً-8 قَوْله تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَاّ وُسْعَهَا} 9، وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ10 رَضِيَ
1 وهو رأي الحنفية وأيده ابن السبكي. "انظر: فواتح الرحموت 1/ 123، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني 1/ 207، العضد على ابن الحاجب 2/ 9، نهاية السول 1/ 186".
2 أي سواء كان محالاً لذاته "عقلاً" أم محالاً للعادة، أم محلاً لغيره، وهو اختيار الإمام الرازي ومن تبعه. "انظر: نهاية السول 1/ 185، التمهيد ص24، المستصفى 1/ 86، الإحكام، الآمدي 1/ 133، إرشاد الفحول ص9، مختصر الطوفي ص15".
3 في ض: الله.
4 وقد عبر الآمدي بلازم الأشعري إذ لم يثبت تصريح الأشعري بالتكليف بالمحال، وإنما أخذ من مضمون كلامه. "انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 134"، وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 9، 11، المستصفى 1/ 86.
5 الإحكام، الآمدي 1/ 134، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني 1/ 207.
6 في ز: يثبتوا.
7 في ز ب ع ض: يقولي.
8 انظر: نهاية السول 1/ 186، 187، الإحكام، الآمدي 1/ 135، الروضة ص28 وما بعدها.
9 الآية 286 من البقرة.
10 هو عبد الرحمن أو عبد الله بن صَخْر الدَوّسي، صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم المدينة سنة سبع، وأسلم، وشهد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكني بأبي هريرة لأنه وجد هرة فحملها في كمه، ولزمَ رسول الله وواظب عليه رغبة في العلم، وكان أحفظ الصحابة، وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه حريص على العلم والحديث ودعا له بالحفظ، روى عنه أكثر من ثمانمائة رجل، توفي بالمدينة سنة 57هـ، وهو ابن 78 سنة. "انظر: الاستيعات 4/ 202، الإصابة 4/ 202، صفة الصفوة 1/ 685، مشاهير علماء الأمصار ص15،شذرات الذهب1/ 63".
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} 1، اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الصَّحَابَةِ. وَقَالُوا:"لا نُطِيقُهَا"2، وَفِيهِ:"أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَسَخَهَا"3، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَاّ وُسْعَهَا4 لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ، وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} 5، وَفِيهِ عَقِبَ كُلِّ دَعْوَةٍ:"قَالَ: نَعَمْ"6، وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ: "قَدْ قُلْت"7.
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ مَا يَثْقُلُ وَيَشُقُّ8، كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي
1 الآية 284 من البقرة.
2 هذا جزء من حديث رواه الإمام أحمد ومسلم، وتكملته: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم، سمعنا وعصينا"؟ بل قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك اللمصير، قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم" "انظر: صحيح مسلم 1/ 115، مسند أحمد 2/ 413، تفسير ابن كثير 1/ 600".
3 ونصها: "فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل.... " صحيح مسلم 1/ 115".
4 في ز ع ض ب: إلى آخر السورة، والتكملة من صحيح مسلم، ومن ش.
5 الآية 286 من البقرة.
6 أي قال الله تعالى. "انظر صحيح مسلم 1/ 116".
7 صحيح مسلم 1/ 116.
8 انظر: المستصفى 1/ 87، الروضة ص29.
الْمَمْلُوكِ: "لا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لا يُطِيقُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ1، وَكَقَوْلِهِ2:"لا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ. فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ3.
وَاحْتَجَّتْ الأَشْعَرِيَّةُ بِسُؤَالِ رَفْعِ التَّكْلِيفِ4 عَلَى جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالْمُسْتَحِيلِ لِغَيْرِهِ5.
وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالآمِدِيُّ6 وَغَيْرُهُمَا7: بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ التَّكْلِيفُ بِالْمُسْتَحِيلِ لَكَانَ مَطْلُوبَ الْحُصُولِ، لأَنَّهُ مَعْنَاهُ. وَهُوَ مُحَالٌ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ وُقُوعِهِ، لأَنَّهُ يَلْزَمُ تَصَوُّرُ الشَّيْءِ عَلَى خِلافِ مَاهِيَّتِهِ، وَاسْتِدْعَاءُ حُصُولِهِ فَرْعُ تَصَوُّرِ وُقُوعِهِ8.
1 رواه مسلم عن أبي هريرة، وأوله:"للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق". رواه أحمد والبيهقي ومالك والشافعي، ومعنى: لا يكلف: نفي بمعنى النهي، إلا ما يطيق الدوام عليه. "انظر: صحيح مسلم 3/ 138، الموطأ 2/ 980، مسند أحمد 2/ 247، فيض القدير 5/ 292".
2 في ز: ولقوله.
3 رواه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة عن أبي ذر، وهذا لفظ البخاري وابن ماجة، قال المناوي: ولا يكلفه: من التكليف وهو تحميل الشخص شيئاً معه كلفة، وقيل: هو الأمر بما يشق، أي لا يكلف من العمل "ما يغلبه" أي يعجز عنه، وتصر قدرته فيه مغلوبة، بعجزه عنه لمعظمه أو لصعوبته، فيحرم ذلك. "انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 1/ 15، صحيح مسلم 3/ 1283، تحفة الأحوذي بشرح الترمذي 6/ 75، سنن أبي داود 4/ 462، سنن ابن ماجة 2/ 1216، فيض القدير 1/ 221، مسند أحمد 5/ 158".
4 أي رفع التكليف بما لا يطاق في قوله تعالى: {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} البقرة 276.
5 انظر: نهاية السول 1/ 188، الإحكام، الآمدي 1/ 135، 138، الروضة ص28.
6 الإحكام، له 1/ 135.
7 في ض: وغيرهم.
8 انظر: فواتح الرحموت 1/ 123، العضد على ابن الحاجب 2/ 9، تيسير التحرير 2/ 138، إرشاد الفحول ص9، مختصر الطوفي ص15.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ لَمْ يُتَصَوَّرْ لَمْ يُحْكَمْ بِكَوْنِهِ مُحَالاً. لأَنَّ الْحُكْمَ بِصِفَةِ الشَّيْءِ فَرْعُ تَصَوُّرِهِ1؟
قِيلَ: الْجَمْعُ الْمُتَصَوَّرُ الْمَحْكُومُ بِنَفْيِهِ عَلَى الضِّدَّيْنِ: هُوَ جَمْعُ الْمُخْتَلِفَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُتَضَادَّةٍ، وَلا يَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِهِ مَنْفِيًّا عَنْ الضِّدَّيْنِ تَصَوُّرُهُ ثَابِتًا لَهُمَا، لاسْتِلْزَامِهِ التَّصَوُّرَ عَلَى خِلافِ الْمَاهِيَّةِ2.
وَحَيْثُ قِيلَ بِجَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ لِذَاتِهِ، فَعِنْدَ الأَكْثَرِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ3.
قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَالْمَجْدُ: "الْمُحَالُ لِذَاتِهِ مُمْتَنِعٌ سَمْعًا إجْمَاعًا، وَإِنَّمَا الْخِلافُ فِي الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ وَالاسْمِ اللُّغَوِيِّ"4.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ وَاقِعٌ5 قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ مِنْ أَصْحَابِنَا: اللَّهُ تَعَالَى يَتَعَبَّدُ خَلْقَهُ بِمَا يُطِيقُونَ، وَمَا لا يُطِيقُونَ. وَكَذَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلا6، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُدْعَوْنَ إلَى السُّجُودِ فَلا
1 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 136، نهاية السول 1/ 187، العضد على ابن الحاجب 2/ 9، تقريرات الشربيني على جمع الجوامع 1/ 207، فواتح الرحموت 1/ 125، 126.
2 يقول التفتازاني: "فحاصلة أن المستحيل هو الخارجي، وليس الذهني، وهو ظاهر، والمتصور هو الذهني لأنه الحاصل في العقل، فليس المتسحيل هو المتصور. "حاشية التفتازاني على العضد 2/ 9" وانظر: الإحكام، الآمدي 1/ 136، العضد على ابن الحاجب 2/ 9، 10، إرشاد الفحول ص9.
3 انظر: نهاية السول 1/ 186، الموافقات 2/ 76، فواتح الرحموت 1/ 123، العضد على ابن الحاجب 2/ 11، شرح تنقيح الفصول ص143، تيسير التحرير 2/ 137، 139، المسودة ص79، إرشاد الفحول ص9.
4 انظر: المسودة ص79.
5 وهو قول الإمام فخر الدين الرازي. "المراجع السابقة هـ 2، 3".
6 هو إبراهم بن أحمد بن عمر بن حمدان بن شاقُلا، أبو إسحاق البراز، كان جليل القدر، كثير الرواية، حسن الكلام في الأصول والفروع، شيخ الحنابلة في وقته، وهو تلميذ أبي بكر عبد العزيز، وكان له حلقتان في بغداد، توفي سنة 369هـ عن 54 سنة. "انظر: المنهج الأحمد 2/ 64، شذرات الذهب 3/ 68، طبقات الحنابلة 2/ 128، المدخل إلى مذهب أحمد ص206، المطلع على أبواب المقنع ص429".
يَسْتَطِيعُونَ} 1.
وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالْمُمْتَنِعِ عَادَةً، قِيلَ: إنَّهُ وَاقِعٌ. وَقِيلَ: لَمْ يَقَعْ2.
"وَلا" يَصِحُّ التَّكْلِيفُ "بِغَيْرِ فِعْلٍ"3.
"وَشُرِطَ" لِصِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ4 "عِلْمُ مُكَلَّفٍ حَقِيقَتَهُ5" أَيْ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ الَّذِي كُلِّفَ بِهِ، وَإِلَاّ لَمْ يَتَوَجَّهْ قَصْدُهُ إلَيْهِ، لِعَدَمِ تَصَوُّرِ قَصْدِ مَا لا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ، وَإِذَا لَمْ يَتَوَجَّهْ قَصْدُهُ إلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ وُجُودُهُ مِنْهُ، لأَنَّ تَوَجُّهَ الْقَصْدِ إلَى الْفِعْلِ مِنْ لَوَازِمِ إيجَادِهِ. فَإِذَا انْتَفَى اللَاّزِمُ - وَهُوَ الْقَصْدُ- انْتَفَى الْمَلْزُومُ، وَهُوَ الإِيجَادُ6.
1 الآية 42 من القلم.
2 انظر: نهاية السول 1/ 186، العضد على ابن الحاجب 2/ 11، فواتح الرحموت 1/ 123.
3 وضع علماء الأصول قاعدة أصولية وهي: "لاتكليف إلا بفعل". "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص62، العضد على ابن الحاجب 2/ 13، الإحكام، الآمدي 1/ 137، المستصفى 1/ 90، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 213، فواتح الرحموت 1/ 132، تيسير التحرير 2/ 135، المسودة ص80، مختصر الطوفي ص17، المدخل إلى مذهب أحمد ص59".
4 يشترط في التكليف شروط، بعضها يتعلق بالمكلف به، وهو الفعل المحكوم به، وبعضها يتعلق بالمكلف المحكوم عليه، وقد شرع المصنف بشروط الفعل، وسبق له بيان أحد شروطه "ص 484": وهو أن يكون الفعل ممكناً، ثم ذكر شروط المكلف فيما بعد، "انظر: الروضة ص26، مختصر الطوفي ص11، المدخل إلى مذهب أحمد ص58".
5 في ز: حقيقة.
6 انظر: المستصفى 1/ 86، الروضة ص28، مختصر الطوفي ص15، القواعد والفوائد الأصولية ص57-58، المدخل إلى مذهب أحمد ص58.
"وَ" مِنْ شَرْطِهِ أَيْضًا: أَنْ1 يَعْلَمَ الْمُكَلَّفُ "أَنَّهُ" أَيْ الْفِعْلُ "مَأْمُورٌ بِهِ، وَ" أَنَّهُ "مِنْ اللَّهِ تَعَالَى" وَإِلَاّ لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهُ قَصْدُ الطَّاعَةِ وَالامْتِثَالِ بِفِعْلِهِ2.
وَإِذَا لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهُ قَصْدُ الطَّاعَةِ "فَلا يَكْفِي مُجَرَّدُهُ" أَيْ مُجَرَّدُ حُصُولِ الْفِعْلِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الامْتِثَالِ بِفِعْلِهِ3. لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" 4.
"وَمُتَعَلِّقُهُ" أَيْ: مُتَعَلِّقُ الْمَأْمُورِ بِهِ "فِي نَهْيٍ"5، نَحْوِ قَوْله تَعَالَى:{وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَاّ بِالْحَقِّ} 6، "كَفُّ النَّفْسِ7" عِنْدَ الأَكْثَرِ،
1 في ز: أنه.
2 انظر: المستصفى 1/ 86، الروضة ص28، مختصر الطوفي ص15، المدخل إلى مذهب أحمد ص95.
3 أضاف الغزالي شرطاً في الفعل المحكوم به، وهو: أن يكون الفعلُ معدوماً، إذ إيجاد الموجود محال، وتبعه ابن قدامة والطوفي فيه، كما أضاف الغزالي شرطاً آخر، وهو: أن يكون الفعل مكتسباً للعبد حاصلاً باختياره. "انظر: المستصفى 1/ 86، الروضة ص28، مختصر الطوفي ص15، نهاية السول 1/ 172، فواتح الرحموت 1/ 132، المحلي على جمع الجوامع 1/ 216".
4 هذا طرف من حديث مشهور رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن وأحمد وغيرهم، عن عمر ابن الخطاب رصي الله عنه مرفوعاً، والحديث مجمع على صحته، وهو أحمد الأحاديث التي عليها مدار الدين، والغرض أن ذات العمل الخالي عن النية موجود، والمراد نفي أحكامها كالصحة والفضيلة. "انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 1/ 6، صحيح مسلم 3/ 1515، سنن أبي داود 1/ 510، تحفة الأحوذي بشرح الترمذي 5/ 283، سنن النسائي 1/ 50، سنن ابن ماجة 2/ 1412، كشف الخفا 1/ 11، فيض القدير 1/ 30، جامع العلوم والحكم ص5، مسند أحمد 1/ 25". وفي ع ب: بالنية، ورواية الحديث وردت باللفظين.
5 إن متعلق التكليف هو الأمر والنهي، وكلاهما لا يكون إلا فعلاً، وبما أن التكليف في الأمر ظاهر، لأن مقتصاه إيجاد فعل مأمور به كالصلاة والصيام، فتركه المصنف، وشرع في متعلق التكليف في النهي. "انظر: المستصفى 1/ 90، العضد على ابن الحاجب 2/ 13، مختصر الطوفي ص17، المدخل إلى مذهب أحمد ص59".
6 الآية 151 من الأنعام.
7 إن كف النفس عن المنهي عنه فعل، والتكليف في المنهي عنه تكليف بفعل إذن. "انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 14، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 214، تيسير التحرير 2/ 135، الإحكام، الآمدي 1/ 147، مختصر الطوفي ص17، المدخل إلى مذهب أحمد ص59".
وَهُوَ الأَصَحُّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ1.
وَقِيلَ: 2 مَعْنَاهُ: فِعْلٌ 2 ضِدُّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَنُسِبَ إلَى الْجُمْهُورِ3.
قَالَ الْكُورَانِيُّ: هَذَا عَيْنُ الأَوَّلِ، إذْ كَفُّ النَّفْسِ مِنْ جُزْئِيَّاتِ فِعْلِ الضِّدِّ.
قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهُوَ كَذَلِكَ.
قَالَ فِي "الرَّوْضَةِ": "وَقِيلَ: لا يَقْتَضِي الْكَفَّ إلَاّ أَنْ يَتَلَبَّسَ بِضِدِّهِ، فَيُثَابَ عَلَيْهِ، لا عَلَى التَّرْكِ"4.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَوْلُ الأَشْعَرِيِّ وَالْقَدَرِيَّةِ، وَابْنِ أَبِي الْفَرَجِ الْمَقْدِسِيُّ5 وَغَيْرِهِمْ. قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الإِيمَانِ: التَّرْكُ فِي الْحَقِيقَةِ فِعْلٌ، لأَنَّهُ ضِدُّ الْحَالِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا6.
1 انظر: تيسير التحرير 2/ 135، المسودة ص80، الروضة ص29، مختصر الطوفي ص17، المدخل إلى مذهب أحمد ص59.
2 ساقطة من ز ع ب، وفي ض: فعل.
3 انظر: المستصفى 1/ 90، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني 1/ 215، المسودة ص80، الروضة ص29، مختصر الطوفي ص17، التمهيد ص20.
4 الروضة ص29، وانظر: المستصفى 1/ 90، المسودة ص80.
5 هو عبد الوهاب بن عبد الواحد بن محمد بن علي، شيخ الإسلام، أبو القاسم، المعروف بابن الحنبلي، الفقيه الواعظ المفسر، له مصنفات في الفقه والأصول، منها:"المنتخب" في الفقه، و "المفردات" و "البرهان" في أصول الدين، و "الرسالة في الرد على الأشعرية"، كان شيخ الحنابلة بالشام في وقته، وهو ابن شيخ الإسلام أبي الفرج المقدسي الزاهد، توفي سنة 536هـ بدمشق. "انظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 198، طبقات المفسرين 1/ 362، شذرات الذهب 4/ 113".
6 انظر: المسودة ص80.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَوَجْهُ الْقَوْلِ الأَوَّلِ الَّذِي فِي الْمَتْنِ: أَنَّهُ لَوْ كُلِّفَ بِنَفْيِ الْفِعْلِ لَكَانَ مُسْتَدْعًى حُصُولُهُ مِنْهُ، وَلا يُتَصَوَّرُ، لأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ لَهُ، لأَنَّهُ نَفْيٌ مَحْضٌ، وَرَدَّهُ أَبُو هَاشِمٍ فَقَالَ: بَلْ هُوَ مَقْدُورٌ1، وَلِهَذَا يُمْدَحُ بِتَرْكِ الزِّنَا، وَرَدُّوهُ بِأَنَّ عَدَمَ الْفِعْلِ مُسْتَمِرٌّ فَلَمْ تُؤَثِّرْ الْقُدْرَةُ فِيهِ2.
"وَيَصِحُّ" التَّكْلِيفُ "بِهِ" أَيْ بِالْفِعْلِ "حَقِيقَةً" أَيْ عَلَى الْحَقِيقَةِ لا الْمَجَازِ "قَبْلَ حُدُوثِهِ" أَيْ الْفِعْلِ3.
قَالَ الآمِدِيُّ: "اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ قَبْلَ حُدُوثِهِ، سِوَى شُذُوذٍ مِنْ أَصْحَابِنَا"4.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إذَا تَقَدَّمَ الأَمْرُ عَلَى الْفِعْلِ كَانَ أَمْرًا عِنْدَنَا عَلَى الْحَقِيقَةِ.
قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ5: نَقَلَ الأَكْثَرُونَ6 أَنَّهُ حَقِيقَةٌ. نَقَلَهُ
1 يقول أبو هاشم، إن متعلق التكليف في النهي: هو العدم الأصلي، لأن تارك الزانى ممدوح حتى مع الغفلة عن ضدية ترك الزنا، وردَّ عليه بأن المدح إنما يكون عن كف النفس عن المعصية. "انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 147، تيسير التحرير 2/ 135، التمهيد ص20، مختصر الطوفي ص17".
2 انظر: الإحكام، الآمدمي 1/ 147، المستصفى 1/ 90، العضد على ابن الحاجب 2/ 14.
3 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 148، العضد على ابن الحاجب 2/ 14، فواتح الرحموت 1/ 134، تيسير التحرير 2/ 141، المسودة ص55، إرشاد الفحول ص10.
4 الإحكام، له 1/ 148.
5 هو عبد الوهاب بن علي بن نصر بن أحمد بن الحسين، البغدادي، أبو محمد، الفقيه المالكي الأصولي الشاعر، الأديب العابد الزاهد، تولى القضاء بالعراق ومصر، له مؤلفات في الفقه، منها:"المعونة في شرح الرسالة" و "النصرة لمذهب مالك" مائة جزء، و "الإشراف على مسائل الخلاف"، و "شرح المدونة"، وله مؤلفات في الأصول منها:"أوائل الأدلة" و "الإفادة" و "التلخيص" و "التلقين"، وله "عين المسائل" توفي سنة 422 هـ بمصر "انظر: الديباج المذهب 2/ 26، وفيات الأعيان 2/ 387، شذرات الذهب 3/ 223، الفتح المبين 1/ 230، فوات الوفيات 2/ 44".
6 في ع: أكثرون.
بْنُ قَاضِي الْجَبَلِ.
وَقِيلَ: أَمْرُ إعْلامٍ وَإِيذَانٍ لا حَقِيقَةٌ1، وَضَعَّفَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي "الْبُرْهَانِ" بَعْدَ أَنْ نَقَلَهُ عَنْ أَصْحَابِ الأَشْعَرِيِّ بِمَا مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَأَنَّهُ لا يَرْتَضِيهِ لِنَفْسِهِ عَاقِلٌ2.
وَقَالَ قَوْمٌ، مِنْهُمْ الإِمَامُ الرَّازِيّ: لا يَتَوَجَّهُ الأَمْرُ بِأَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ إلْزَامًا إلَاّ عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ لَهُ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ التَّحْقِيقُ، إذْ لا قُدْرَةَ عَلَيْهِ إلَاّ حِينَئِذٍ3. وَمَا قِيلَ: مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَدَمُ الْعِصْيَانِ بِتَرْكِهِ؟
فَجَوَابُهُ: أَنَّ الْمَلامَ قَبْلَ الْمُبَاشَرَةِ عَلَى التَّلَبُّسِ بِالْكَفِّ عَنْ الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ ذَلِكَ الْكَفُّ عَنْهُ4.
وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الأَخِيرِ. تَقْدِيرُهُ: أَنَّ الْقَوْلَ بِهِ يُؤَدِّي إلَى سَلْبِ التَّكَالِيفِ. فَإِنَّهُ يَقُولُ: لا أَفْعَلُ حَتَّى أُكَلَّفَ. وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لا يُكَلَّفُ حَتَّى يَفْعَلَ5.
وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ قَبْلَ الْمُبَاشَرَةِ مُتَلَبِّسٌ بِالتَّرْكِ، وَهُوَ فِعْلٌ فَإِنْ6 كَفَّ النَّفْسَ عَنْ الْفِعْلِ فَقَدْ بَاشَرَ التَّرْكَ. فَتَوَجَّهَ إلَيْهِ التَّكْلِيفُ بِتَرْكِ التَّرْكِ حَالَةَ
1 انظر: شرح تنقيح الفصول ص147.
2 انظر: المحلي علىجمع الجوامع 1/ 217، فوتح الرحموت 1/ 134، نهاية السول 1/ 178، تيسير التحرير 2/ 142.
3 وهذا ما أيده البيضاوي في "المنهاج"، والسبكي في "جمع الجوامع"، لكن الإسنوي رده وضعفه، كما ضعفه البناني. "انظر: نهاية السول 1/ 175، المحلي على جمع الجوامع وحاسية البناين عليه 1/ 217، مناهج العقول 1/ 175".
4 انظر: المحلي علىجمع الجوامع 1/ 217-218.
5 انظر: نهاية السول 1/ 177.
6 في ع ب: فإنه.
مُبَاشَرَتِهِ لِلتَّرْكِ. وَذَلِكَ بِالْفِعْلِ وَصَارَ الْمَلامُ عَلَى ذَلِكَ1. وَهَذَا جَوَابٌ نَفِيسٌ أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو الْمَعَالِي فِي مَسْأَلَةِ تَكْلِيفِ مَا لا يُطَاقُ.
"وَلا يَنْقَطِعُ" التَّكْلِيفُ "بِهِ" أَيْ بِحُدُوثِ الْفِعْلِ عِنْدَ الأَشْعَرِيِّ وَالأَكْثَرِ2؛ لأَنَّ الْفِعْلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَقْدُورٌ لِلْمُكَلَّفِ، وَكُلُّ مَقْدُورٍ يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِهِ، وَالتَّكْلِيفُ هُنَا تَعَلَّقَ بِمَجْمُوعِ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ، لا3 بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ. فَلا يَنْقَطِعُ التَّكْلِيفُ إلَاّ بِتَمَامِ الْفِعْلِ، وَيَكُونُ التَّكْلِيفُ بِإِيجَادِ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ لا بِإِيجَادِ مَا قَدْ وُجِدَ، فَلا تَكْلِيفَ بِإِيجَادِ مَوْجُودٍ فَلا مُحَالَ4.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ الأَمْرِ بِالْفِعْلِ الْمَوْجُودِ، وَالأَصَحُّ عَدَمُهَا5.
قَالَ الْمَجْدُ فِي "الْمُسَوَّدَةِ"، وَتَبِعَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ:"لا يَصِحُّ الأَمْرُ بِالْمَوْجُودِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْجُمْهُورِ"6. انْتَهَى.
لَكِنْ لا يَنْقَطِعُ التَّكْلِيفُ إلَاّ بِتَمَامِ الْفِعْلِ كَمَا تَقَدَّمَ7.
1 انظر: تقريرات الشربيني على حاشية البناني 1/ 218.
2 خلافاً للمعتزلة وإمام الحرمين ومن وافقهم من الحنابلة، وقد صرح الطوفي وابن بدران بانطاع التكليف حال حدوث الفعل. "انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 148، تيسير التحرير 2/ 141، 143، العضد على ابن الحاجب 2/ 14، شرح تنقيح الفصول ص147، إرشاد الفحول ص11، مختصر الطوفي ص15، المدخل إلى مذهب أحمد ص59".
3 ساقطة من ض.
4 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 148، شرح تنقيح الفصول ص147، فواتح الرحموت 1/ 134، تيسير التحرير 2/ 142 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/ 14، إرشاد الفحول ص11.
5 انظر: المسودة ص57.
6 المسودة ص57.
7 قد يتبادر للقارئ التناقض بين منع الأمر بالموجود، وبين استمرار التكليف بالفعل بعد حدوثه، والواقع أنه لا تناقض، لأن المنع منحصر في ابتداء الأمر حال الوجود، أما استمرار التكليف فيعني أن الأمر تقدم على الفعل، ويستمر هذا الأمر إلى تمام الفعل. "انظر: المسودة ص56، تيسير التحرير 2/ 141، إرشاد الفحول ص10".
"وَ" يَصِحُّ التَّكْلِيفُ "بِغَيْرِ مَا عَلِمَ آمِرٌ وَمَأْمُورٌ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ" فَيَصِحُّ بِمَا عَلِمَ آمِرٌ وَحْدَهُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ فِي وَقْتِهِ عِنْدَ الأَكْثَرِ1.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ": يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِمَا يَعْلَمُ اللَّهُ سبحانه وتعالى أَنَّ الْمُكَلَّفَ لا يُمَكَّنُ مِنْهُ مَعَ بُلُوغِهِ حَالَ التَّمَكُّنِ عِنْدَ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي الْخَطَّابِ. وَقَالَ: إنَّهُ يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا. فَلِهَذَا يَعْلَمُ الْمُكَلَّفُ بِالتَّكْلِيفِ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ. وِفَاقًا لِلأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ2. انْتَهَى.
وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ: يُبْنَى3 عَلَى النَّسْخِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ4.
قَالَ بَعْضُهُمْ: تُشْبِهُهَا؛ لأَنَّ ذَلِكَ رَفْعُ الْحُكْمَ بِخِطَابٍ. وَهَذَا بِتَعْجِيزٍ. وَنَبَّهَ5 ابْنُ عَقِيلٍ عَلَيْهِ.
وَنَفَى ذَلِكَ أَبُو الْمَعَالِي وَالْمُعْتَزِلَةُ6.
وَزَعَمَ غُلاةُ الْقَدَرِيَّةِ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ كَمَعْبَدِ الْجُهَنِيِّ7، وَعَمْرِو بْنِ
1 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 155، نهاية السول 1/ 180، المحلي على ابن الحاجب وحاشية البناني عليه 1/ 218، فواتح الرحموت 1/ 151، تيسير التحرير 2/ 240، القواعد والفوائد الأصولية ص189، إرشاد الفحول ص10، المسودة ص52، 54.
2 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 155، تيسير التحرير 2/ 240، المسودة ص52.
3 في ز ع: بنيني.
4 وعبارة الموفق: "ولا يبعد النسخ قبل المتمكن من الامتثال""الروصة ص28"، وانظر: المسودة ص53، تيسير التحرير 2/ 240، الإحكام، ابن حزم 1/ 472-474، بينما قال المعتزلة:"لا يجوز نسخ الشيء قبل وقته""المعتمد 1/ 407".
5 في ع: وتبعه.
6 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 155، العضد على ابن الحاجب 2/ 16، المحلي على جمع الجوامع 1/ 219، المسودة ص53.
7 هو عبد الله بن عكيم أو عديم، تابعي، روى عن أبي ذر ومعاوية، وهو أول من تكلم بالقدر، قال أبو حاتم: كان صدوقاً في الحديث، وكان أول من تكلم بالقدر بالبصرة، قدم المدينة فأفسد فيها أناساً، وكان الحسن يقول: إياكم ومعبد، فإنه ضالّ مُضِلّ، قتله عبد الملك في القدر، وصلبه سنة 80هـ. وقيل: بل عذبه الحجاج ثم قتله. "انظر: تهذيب التهذيب 10/ 225، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ص89، شذرات الذهب 1/ 88، المعارف ص625، جمهرة أنساب العرب، أبن حزم ص445، الجرح والتعديل 8/ 208".
عُبَيْدٍ1: أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَفْعَالَ الْعِبَادِ حَتَّى فَعَلُوهَا2. وَهَذَا كُفْرٌ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى قَائِلِهِ إنْ لَمْ يَتُبْ.
وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلافِ: الابْتِلاءُ وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي تَرِكَةِ مَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، ثُمَّ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ النَّهَارِ، وَكَذَا مَنْ عَلَّقَ طَلاقَ زَوْجَتِهِ بِشُرُوعِهِ فِي صَوْمٍ أَوْ صَلاةٍ وَاجِبَيْنِ وَمَاتَ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا3 تَطْلُقُ إجْمَاعًا4.
وَجْهُ الصِّحَّةِ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ التَّكْلِيفُ لَمْ يَعْصَ أَحَدٌ، لأَنَّ شَرْطَ الْفِعْلِ إرَادَةُ اللَّهِ سبحانه وتعالى إيَّاهُ، لاسْتِحَالَةِ تَخَلُّفِ الْمُرَادِ عَنْ إرَادَتِهِ تَعَالَى، فَإِذَا تَرَكَهُ 5 عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ 5 لا يُرِيدُهُ، وَأَنَّ الْعَاصِيَ لا يُرِيدُهُ.
قَالَ الْمُخَالِفُ: لَوْ جَازَ التَّكْلِيفُ مَعَ عِلْمِ الآمِرِ انْتِفَاءَ6 شَرْطِ وُقُوعِهِ لَجَازَ
1 هو عمر بن عبيد بن باب، أبو عثمان، من أهل البصرة، وأصله من كابل، كان متكلماً زاهداً مشهوراً، وهو من جلة أصحاب الحسن، كان متعبداً، وكان شيخ المعتزلة في وقته مع واصل بن عطاء، له رسائل وخطب، وكتاب في التفسير عن الحسن البصري، والرد على القدرية، وكلام كثير في العدل والتوحيد، توفي سنة 144هـ، وهو راجع إلى مكة. "انظر: فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ص68، طبقات المعتزلة ص35، وفيات الأعيان 3/ 130".
2 انظر: المسودة ص54، القواعد والفوائد الأصولية ص189.
3 في ز: فإنه.
4 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 157، القواعد والفوائد الأصولية ص189، المسودة ص53، شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 17.
5 في ز ع ب: علم الله أنه.
6 في ع: انتفى.
مَعَ عِلْمِ الْمَأْمُورِ بِذَلِكَ، اعْتِبَارًا بِالأَمْرِ، وَالْجَامِعُ: الْعِلْمُ بِعَدَمِ الْحُصُولِ1.
رُدَّ بِأَنَّ هَذَا يَمْتَنِعُ امْتِثَالُهُ، فَلا يَعْزِمُ وَلا2 يُطِيعُ وَلا يَعْصِي وَلا ابْتِلاءَ، بِخِلافِ مَسْأَلَتِنَا3. وَقَدْ قَطَعَ الأُصُولِيُّونَ بِعَدَمِ صِحَّةِ تَكْلِيفِ مَا عَلِمَ آمِرٌ وَمَأْمُورٌ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ4.
"وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ أَمْرٍ بِاخْتِيَارِ مُكَلَّفٍ فِي وُجُوبِ وَعَدَمِهِ" ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ5.
وَقِيلَ: لا.
لَفْظُ ابْنِ عَقِيلٍ: يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ الأَمْرُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مُعَلَّقًا عَلَى اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِ بِفِعْلٍ أَوْ بِتَرْكٍ مُفَوَّضًا6 إلَى اخْتِيَارِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ، مَعَ كَوْنِهِ مُخَيَّرًا بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ7.
"لا أَمْرٍ بِمَوْجُودٍ" فَإِنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ8.
"وَشُرِطَ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ "فِي مَحْكُومٍ عَلَيْهِ" وَهُوَ الْمُكَلَّفُ بِالْفِعْلِ "عَقْلٌ وَفَهْمُ خِطَابٍ"9.
1 انظر: حاشية البناني 1/ 220، فوتح الرحموت 1/ 153.
2 في ز ب ع: فلا.
3 انظر: فواتح الرحموت 1/ 153.
4 انظر تفصيل الموضوع في "تيسير التحرير 2/ 240-243، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 220، فوتح الرحموت 1/ 151".
5 انظر: المسودة ص54.
6 في ع: متوطا.
7 انظر: المسودة ص54.
8 انظر: السودة ص57.
9 انظر: أصول السرخسي 2/ 340، المستصفى 1/ 83، مناهج العقول 1/ 170، العضد على ابن الحاجب 2/ 15، الإحكام، الآمدي 1/ 150، فواتح الرحموت 6/ 143، 154، تيسير التحرير 2/ 243، التلويح على التوضيح 3/ 143، إرشاد الفحول ص11، الروضة ص26، مختصر الطوفي ص11، المدخل إلى مذهب أحمد ص58، القواعد والفوائد الأصولية ص15.
لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَحْكَامِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَأَحْكَامِ الْمَحْكُومِ فِيهِ، شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الآدَمِيُّ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَقْلُ وَفَهْمُ الْخِطَابِ، لأَنَّ التَّكْلِيفَ خِطَابٌ، وَخِطَابُ مَنْ لا عَقْلَ لَهُ وَلا فَهْمَ مُحَالٌ1، وَلأَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ مَطْلُوبٌ حُصُولُهُ مِنْ الْمُكَلَّفِ طَاعَةً وَامْتِثَالاً. لأَنَّهُ مَأْمُورٌ، وَالْمَأْمُورُ يَجِبُ أَنْ يَقْصِدَ إيقَاعَ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الطَّاعَةِ وَالامْتِثَالِ، وَالْقَصْدُ إلَى ذَلِكَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ الْفَهْمِ، لأَنَّ مَنْ لا يَفْهَمُ لا يُقَالُ لَهُ: افْهَمْ، وَلا يُقَالُ لِمَنْ لَمْ2 يَسْمَعْ: اسْمَعْ، وَلا لِمَنْ لا3 يُبْصِرُ: أَبْصِرْ4.
فَلا يُكَلَّفُ مُرَاهِقٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لأَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ فَهْمُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَقْصُودِ5. فَجَعَلَ الشَّارِعُ الْبُلُوغَ عَلامَةً لِظُهُورِ الْعَقْلِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:"رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثٍ: عَنْ6 النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُرَ - وَفِي رِوَايَةٍ: حَتَّى7 يَحْتَلِمَ، وَفِي رِوَايَةٍ: حَتَّى يَبْلُغَ- وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ" 8، وَلأَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ ضَعِيفُ الْعَقْلِ وَالْبِنْيَةِ، وَلا بُدَّ مِنْ
1 انظر: مناهج العقول 1/ 170، المستصفى 1/ 83، الروضة ص26.
2 كذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: لا.
3 في ع: لم.
4 انظر: المستصفى 1/ 83، الإحكام، الآمدي 1/ 150، أصول السرخسي 2/ 340، فواتح الرحموت 1/ 153، المسودة ص35، القواعد والفوائد الأصولية ص15، 16، الروضة ص26، مختصر الطوفي ص11، المدخل إلى مذهب أحمد ص58، إرشاد الفحول ص11.
5 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 151، العضد على ابن الحاجب 1/ 15، المراجع السابقة.
6 ساقطة من ز ب ع.
7 ساقطة من ش.
8 رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم عن عائشة وعلي وعمر بألفاظ متقاربة. قال السيوطي: حديث صحيح. "انظر: سنن أبي داود 4/ 198، سنن الترمذي مع تحفة الأحوذي 4/ 685، سنن ابن ماجة 1/ 658، المستدرك 4/ 389، كشف الخفا 1/ 434، فيض القدير 4/ 35، مسند أحمد 6/ 100".
ضَابِطٍ يَضْبِطُ الْحَدَّ الَّذِي تَتَكَامَلُ فِيهِ بِنْيَتُهُ وَعَقْلُهُ، فَإِنَّهُ يَتَزَايَدُ تَزَايُدًا خَفِيَّ التَّدْرِيجِ فَلا يَعْلَمُ بِنَفْسِهِ. وَالْبُلُوغُ ضَابِطٌ لِذَلِكَ. وَلِهَذَا تَتَعَلَّقُ بِهِ أَكْثَرُ الأَحْكَامِ1.
وَعَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: أَنَّ الْمُرَاهِقَ مُكَلَّفٌ بِالصَّلاةِ.
وَثَالِثَةٌ: أَنَّ ابْنَ عَشْرٍ مُكَلَّفٌ بِهَا.
وَرَابِعَةٌ: أَنَّ الْمُمَيِّزَ مُكَلَّفٌ بِالصَّوْمِ2.
وَ "لا" يُشْتَرَطُ فِي مَحْكُومٍ عَلَيْهِ "حُصُولُ شَرْطٍ شَرْعِيٍّ" لِصِحَّةِ الْفِعْلِ. كَاشْتِرَاطِ الإِسْلامِ لِصِحَّةِ الْعِبَادَاتِ، وَالطَّهَارَةِ: لِصِحَّةِ الصَّلاةِ3.
"وَالْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِالْفُرُوعِ" أَيْ بِفُرُوعِ4 الإِسْلامِ5. كَالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ
1 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 151، المستصفى 1/ 84، فوتح الرحموت 1/ 154، تيسير التحرير 2/ 248، التوضيح على التنقيح 3/ 150، أصول السرخسي 2/ 341، إرشاد الفحول ص11.
2 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص16، 17، الروضة ص26، مختصر الطوفي ص12، وانظر أحكام الصغر المميز في" أصول السرخسي 2/341وما بعدها، تسير التحرير 2/ 248وما بعدها، 2/255، الا شباه والنظائر، ابن نجيم ص306".
3 انظر: المستصفى 1/ 91، المحلي على جمع الجوامع 1/ 210، العضد على ابن الحاجب 2/ 12، الإحكام، الآمدي 1/ 144، إرشاد الفحول ص10، مختصر الطوفي ص14.
4 في ب: فروع.
5 هذه المسألة فرع ومثال للشرط السابق، وهو حصول الشرط الشرعي، وهل هو شرط بصحة التكليف أم لا؟ "انظر: التمهيد ص28، نهاية السول 1/ 195، العضد على ابن الحاجب 2/ 12، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 211" ويرى الشاطبي أن الإيمان ليس شرطاً للعبادة والتكليف، بل هو العمدة في التكليف، لأن معنى العبادة هو التوجه إلى المعبود بالخضوع والتعظيم بالقلب والجوارح، وهذا فرع الإيمان، فكيف يكون أصل الشيء وقاعدته شرطاً فيه؟ ! ثم يقول: وإذا توسعنا في معنى الشرط، فيكون الإيمان شرطاً عقلياً، وليس شرطاً شرعياً، أو هو شرط في المكلف، وليس في التكليف. "الموافقات 1/ 181"، وانظر: تيسير التحرير 2/ 148-149، حاشية التفتازاني على العضد 2/ 12-13.
وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَالأَشْعَرِيَّةِ وَأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ1 وَالْكَرْخِيِّ2 وَظَاهِرِ مَذْهَبِ مَالِكٍ3 - فِيمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَأَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ-4.
1 هو أحمد بن علي، أبو بكر الرازي، الإمام الكبير، المعروف بالجصاص، انتهب إليه رئاية الحنفية ببغداد، قال الخطيب:"كان إمام أصحاب أبي حنيفة في وقته، وكان مشهوراً بالزهد والدين والورع"، له مصنفات كثيرة، منها:"أحكام القرآن" و "شرح الجامع" لمحمد بن الحسن، و "شرح مختصر الكرخي" و "شرح مختصر الطحاوي" و "شرح الأسماء الحسنى"، وله كتاب مفيد في أصول الفقه، وكتاب "جوابات المسائل"، و "المناسك"، توفي سنة 370هـ ببغداد. "انظر: شذرات الذهب 3/ 71، الجوهر المضيئة 1/ 84، الطبقات السنية 1/ 380، الفوائد البهية ص27، تاج التراجم ص6، طبقات المفسرين 1/ 55".
2 هو عبد الله بن الحسن بن دلال بن دلهم، أبو الحسن الكرخي الحنفي، كان زاهداً ورعاً صبوراً على العسر، صواماً قواماً، وصل إلى طبقة المجتهدين، وكان شيخ الحنفية بالعراق، له مؤلفات منها:"المختصر"، و "شرح الجامع الكبير" و "شرح الجامع الصغير" و "رسالة في الأصول"، توفي سنة 340هـ ببغداد وعاش ثمانين سنة. "انظر: الفوائد البهية ص108، تاج التراجم ص39، شذرات الذهب 2/ 358، التفح المبين 1/ 186".
3 انظر: المستصفى 1/ 91، العضد على ابن الحاجب 2/ 12، شرح تنقيح الفصول ص162، نهاية السول 1/ 194، كشف الأسرار 4/ 243، فواتح الرحموت 1/ 128، تيسير التحرير 2/ 148، الأشباه والنظائر، ابن نجيم ص325، تخريج الفروع على الأصول ص35، الأشباه والنظائر، للسيوطي ص253، القواعد والفوائد الأصولية ص49، التمهيد ص28، الروضة ص28، مختصر الطوفي ص13، المدخل إلى مذهب أحمد ص58.
4 هو سليمان بن خلف بن سعد، التجيبي، أبو الوليد الباجي، القرطبي المالكي، أحد الأئمة الأعلام في الحديث والفقه والمناظرة والأصول، ولي القضاء في الأندلس، وكان صالحاً ورعاً مخلصاً، له مؤلفات كثيرة، منها:"المنتقى" شرح الموطأ، و "الإشارات" في أصول الفقه، و "الحدود في الأصول" و "إحكام الفصول في أحكام الأصول" و "الناسخ والمنسوخ" توفي في الرباط سنة 474هـ. انظر ترجمته في "الديباج المذهب 1/ 277، تذكرة الحفاظ 3/ 1178، وفيات الأعيان 1/ 215، طبقات المفسرين 1/ 202، شذرات الذهب 3/ 344، وفيات الأعيان 2/ 142، فوات الوفيات 1/ 356، الفتح المبين 1/ 252، طبقات الحفاظ ص440".
وَذَلِكَ لِوُرُودِ الآيَاتِ الشَّامِلَةِ لَهُمْ، مِثْلَ قَوْله تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اُعْبُدُوا رَبَّكُمْ} 1، {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} 2، {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} 3، {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ} 4، {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} 5، {يَا بَنِي آدَمَ} 6، {يَا أُولِي الأَبْصَارِ} 7.
"كَـ" ـمَا أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ "بِالإِيمَانِ" وَالإِسْلامِ إجْمَاعًا لإِمْكَانِ تَحْصِيلِ الشَّرْطِ، وَهُوَ الإِيمَانُ8.
وَأَيْضًا: فَقَدْ وَرَدَ الْوَعِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} 9، أَيْ: فَوْقَ عَذَابِ الْكُفْرِ. وَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عَلَى بَقِيَّةِ عِبَادَاتِ الشَّرْعِ10.
وَاحْتَجَّ فِي "الْعُدَّةِ"11 وَ "التَّمْهِيدِ" بِأَنَّ الْكَافِرَ مُخَاطَبٌ بِالإِيمَانِ، وَهُوَ: شَرْطُ الْعِبَادَةِ وَمَنْ خُوطِبَ بِالشَّرْطِ كَالطَّهَارَةِ كَانَ مُخَاطَبًا بِالصَّلاةِ، وَكَذَا احْتَجَّ ابْنُ عَقِيلٍ بِخِطَابِهِ12 بِصِدْقِ الرُّسُلِ، وَهِيَ مَشْرُوطَةٌ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ
1 الآية 21 من البقرة.
2 الآية 16 من الزمر.
3 الآية 43 من البقرة.
4 الآية 183 من البقرة، وهذه الآية خارجة عن محل النزاع، ولا يصح الاستشهاد بها على مخاطبة الكفار، لأن مطلعها خطاب للمؤمنين، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} .
5 الآية 97 من آل عمران.
6 الآية 31 من الأعراف.
7 الآية 2 من الحشر، وفي ب ض زيادة:"يا أولي الألباب".
8 انظر: شرح تنقيح الفصول ص162، والمراجع السابقة في الصفحة 501 هامش 3.
9 الآية 88 من النحل.
10 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 145 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 131.
11 في ش ز ب ض: العمدة، وهو تصحيف.
12 أي خطاب الله للكافر.
تَعَالَى، وَهِيَ عَلَى النَّظَرِ، وَأَنَّ هَذَا لِقُوَّتِهِ مُفْسِدٌ لِكُلِّ شُبْهَةٍ لِلْخَصْمِ1.
"وَالْفَائِدَةُ" أَيْ فَائِدَةُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الإِسْلامِ "كَثْرَةُ عِقَابِهِمْ فِي الآخِرَةِ" لا الْمُطَالَبَةُ بِفِعْلِ الْفُرُوعِ فِي الدُّنْيَا، وَلا قَضَاءُ مَا فَاتَ مِنْهَا2.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "شَرْحِ الْمُهَذَّبِ": اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ الأَصْلِيَّ لا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَغَيْرُهَا مِنْ فُرُوعِ الإِسْلامِ، وَالصَّحِيحُ فِي كُتُبِ الأُصُولِ: أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْفُرُوعِ، كَمَا هُوَ مُخَاطَبٌ بِأَصْلِ الإِيمَانِ
…
، قَالَ: وَلَيْسَ هُوَ3 مُخَالِفًا لِمَا تَقَدَّمَ، لأَنَّ الْمُرَادَ هُنَاكَ غَيْرُ الْمُرَادِ هُنَا، فَالْمُرَادُ هُنَاكَ: أَنَّهُمْ لا يُطَالَبُونَ بِهَا فِي الدُّنْيَا مَعَ كُفْرِهِمْ، وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْمَاضِي، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِعِقَابِ4 الآخِرَةِ. وَمُرَادُهُمْ فِي كُتُبِ الأُصُولِ: أَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَلَيْهَا فِي الآخِرَةِ زِيَادَةً عَلَى عَذَابِ الْكُفْرِ. فَيُعَذَّبُونَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْكُفْرِ جَمِيعًا، لا عَلَى الْكُفْرِ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْمُطَالَبَةِ فِي الدُّنْيَا. فَذَكَرُوا فِي الأُصُولِ حُكْمَ طَرَفٍ، وَفِي الْفُرُوعِ حُكْمَ الطَّرَفِ الآخَرِ5. انْتَهَى.
وَعَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُخَاطَبِينَ6.
1 انظر: الروضة ص28، القواعد والفوائد الأصولية ص50، نهاية السول 1/ 194.
2 في ب ش ض: منهما في الآخرة.
وانظر: كشف الأسرار 4/ 243، نهاية السول 1/ 197، شرح تنقيح الفصول ص165، فواتح الرحموت 1/ 126، القواعد والفوائد الأصولية ص50، إرشاد الفحول ص10، الروضة ص28، مختصر الطوفي ص14.
3 كذا في المجموع شرح المهذب، وساقطة من النسخ.
4 في ش: الخطاب.
5 المجموع شرح المهذب 3/ 4، وانظر نفس المرجع 4/ 328.
6 وهو المشهور عن أكثر الحنفية أيضاً، وهو قول الشافعي اختاره أبو حامد الاسفراييني والرازي =
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالنَّوَاهِي دُونَ الأَوَامِرِ1.
وَقِيلَ: إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِمَا سِوَى الْجِهَادِ2.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ3 أَيْضًا: أَنَّ مِنْ فَوَائِدِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْفُرُوعِ: تَيْسِيرُ الإِسْلامِ عَلَى الْكَافِرِ، وَالتَّرْغِيبُ فِيهِ، وَالْحُكْمُ بِتَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَنْهُ بِفِعْلِ الْخَيْرِ وَتَرْكِ الشَّرِّ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِهَا أَوْ4 بِفِعْلِهَا5.
"وَمُلْتَزِمُهُمْ" أَيْ وَالْمُلْتَزِمُ مِنْ الْكُفَّارِ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ غَيْرُ الْحَرْبِيِّ حُكْمُهُ "فِي إتْلافٍ" لِمَالِ غَيْرِهِ "وَجِنَايَةٍ" عَلَى آدَمِيٍّ وَ6 بَهِيمَةٍ "وَتَرَتُّبِ أَثَرِ عَقْدِ" مُعَاوَضَةٍ وَغَيْرِهِ "كَمُسْلِمٍ" لَكِنَّ هَذِهِ الأَحْكَامَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ لا مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ، بَلْ هُمْ أَوْلَى مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فِي الضَّمَانِ
= من الشافعية وأبو زيد والسرخسي من الحنفية. "انظر: فواتح الرحموت 1/ 128، تيسير التحرير 2/ 148، الأشباه والنظائر، ابن نجيم ص325، كشف الأسرار 4/ 243، نهاية السول 1/ 194، العضد على ابن الحاجب 2/ 12، شرح تنقيح الفصول ص163، المحلي على جمع الجوامع 1/ 212، التمهيد ص28، الأشباه والنظائر، للسيوطي ص253، الروضة ص27، مختصر الطوفي ص24، القواعد والفوائد الأصولية ص49، الإحكام، الآمدي 1/ 144، إرشاد الفحول ص10، المستصفى 1/ 91".
1 انظر: شرح تنقيح الفصول ص163، المحلي وحاشية البناني 1/ 212، نهاية السول 1/ 195، التمهيد ص28، الروضة ص27، مختصر الطوفي ص14، ارشاد الفحول ص10.
2 وهناك قول خامس أن المرتد مكلف دون الكافر الأصلي، حكاه القرافي عن القاضي عبد الوهاب في "الملخص". "انظر: شرح تنقيح الفصول ص166، المحلي على جمع الجوامع 1/ 212، التمهيد ص28، نهاية السول 1/ 195، القواعد والفوائد الأصولية ص50".
3 وهو القرافي في كتبه "انظر: شرح تنقيح الفصول ص165 وما بعدها".
4 في ع ب: و.
5 انظر: نهاية السول 1/ 197، شرح تنقيح الفصول ص165، المحلي على جمع الجوامع 1/ 211، القواعد والفوائد الأصولية ص50 وما بعدها".
6 في ب ع ض: أو.
بِالإِتْلافِ وَالْجِنَايَةِ1.
وَلا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الشُّرُوطِ فِي مُعَامَلاتِهِمْ، وَانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ، وَالْحُكْمِ بِصِحَّتِهَا أَوْ فَسَادِهَا وَتَرَتُّبِ آثَارِ كُلٍّ عَلَيْهِ، مِنْ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَطَلاقٍ وَغَيْرِهَا. وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله عنه قَالَ: بِصِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ مَعَ قَوْلِهِ بِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ بِالْفُرُوعِ2.
"وَيُكَلَّفُ" الْعَاقِلُ "مَعَ سُكْرٍ لَمْ يُعْذَرْ بِهِ" وَهُوَ مَا إذَا اسْتَعْمَلَ مَا يُسْكِرُهُ مُخْتَارًا عَالِمًا بِأَنَّهُ يُسْكِرُ3.
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ4 عَبْدِ اللَّهِ: السَّكْرَانُ لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ عَنْهُ الْقَلَمُ5. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ هَانِئٍ6: أَنَّ7 السَّكْرَانَ لَيْسَ
1 قال الإسنوي: لا يشترط التكليف في خطاب الوضع، كجعل الإتلاف موجباً للضمان، ونحو ذلك، ولهذا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون والضمان بفعلهما، وفعل الساهي والبهيمة "التنهيد ص25"، وانظر: المحلي على جمع الجوامع 1/ 166.
2 اختلف العلماء في أنكحة الكفار على ثلاثة أقوالٍ، أصحها: أنها صحيحة، والثاني: فاسدة والثالث: إن اجتمعت شرائط المسلمين كانت صحيحة، وإلا ففاسدة. "انظر: التمهيد ص30، القواعد والفوائد الأصولية ص55، الأشباه والنظائر، ابن نجيم ص325، 375".
3 وهو رأي الحنفية،، "انظر: التوضيح على التنقيح 3/ 205، المسودة ص35، الأشباه والنظائر، ابن نجيم ص311".
4 ساقطة من ز ع ب.
5 انظر: القواعد والفوئد الأصولية ص37، المسودة ص37.
6 هو أحمد بن محمد بن هانئ، أبو بكر الطائي، ويقال الكلبي، الأثرم، الإسكافي، كان جليل القدر، حافظاً، إماماً، كثير الرواية عن الإمام أحمد، قال ابن حبان: كان من خيار عباد الله، وقال إبراهيم الأصفهاني: هو أحفظ من أبي زرعة الرازي وأتقن، له كتاب "العلل"، اختلف في تاريخ وفاته، والغالب بعد سنة 260 هـ، قال ابن حجر 2619هـ، وقال الحافظ العراقي: توفي سنة 273هـ. "انظر: طبقات الحنابلة 1/ 66، المنهج الأحمد 1/ 206، شذرات الذهب 2/ 141، المدخل إلى مذهب أحمد ص205، طبقات الحفاظ ص256، الخلاصة ص12، تذكرة الحفاظ 2/ 570".
7 ساقطة من ع ب.
بِمَرْفُوعٍ عَنْهُ الْقَلَمُ، 1 فَلا يَسْقُطَ 1 عَنْهُ مَا صَنَعَ2 وَفِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ3: لَيْسَ السَّكْرَانُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْفُوعِ عَنْهُ الْقَلَمُ، هَذَا جِنَايَتُهُ مِنْ نَفْسِهِ4.
وَحَكَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: وَجَدْت السَّكْرَانَ لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ عَنْهُ الْقَلَمُ5. وَنَصَّ عَلَيْهِ 6 فِي الأُمِّ 6 أَيْضًا7. فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الصَّاحِي فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ8.
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: * أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ9.
1 كذا في القواعد والفوائد الأصولية، وفي ش ز ض ب: فيسقط.
2 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص37، المسودة ص37.
3 هو حنبل بن إسحاق بن حنبل، أبو علي الشيباني، ابن عم الإمام أحمد وتلميذه، له "تاريخ" حسن، وله عن أحمد "سؤالات" يأتي فيها بغرائب ويخالف رفاقه، وسمع المسند كاملاً من الإمام أحمد، وكان ثقة ثبتاً، توفي بواسط سنة 273هـ. "انظر: شذرات الذهب 2/ 162، طبقات الحنابلة 1/ 143، المنهج الأحمد 1/ 166، المدخل إلى مذهب أحمد ص207، طبقات الحفاظ ص268، تذكرة الحفاظ 2/ 600".
4 انظر: القواعد والفوائد الأصولية 2/ 600".
5 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص37، نهاية السول 1/ 171.
6 في ش: الإمام.
7 الأم، للشافعي 5/ 253.
8 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص37، 38، 39، المسودة ص35، التمهيد ص35، وهو رأي الحنفية. "انظر: كشف الأسرار 4/ 353، فواتح الرحموت 1/ 145".
9 هذه الرواية اقتصر عليها ابن بدران فقال: "ولا يكلف النائم والناسي والسكران الذي لا يعقل. "المدخل إلى مذهب أحمد ص58" وهو رأي ابن قدامة في "الروضة ص27" والطوفي في "مختصره ص12"، وهو رأي الغزالي والجويني والمعتزلة وأكثر المتكلمين والآمدي وابن عقيل. "انظر: المستصفى 1/ 84، القواعد والفوئد الأصولية ص37، 38، الإحكام، الآمدي 1/ 152".
وَعَنْهُ ثَالِثَةٌ 1: أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي أَقْوَالِهِ. وَكَالصَّاحِي فِي أَفْعَالِهِ2.
وَعَنْهُ رَابِعَةٌ: أَنَّهُ فِي الْحُدُودِ كَالصَّاحِي، وَفِي غَيْرِهَا: كَالْمَجْنُونِ3.
وَعَنْهُ خَامِسَةٌ: أَنَّهُ فِيمَا يَسْتَقِلُّ بِهِ. - كَقَتْلِهِ وَعِتْقِهِ وَنَحْوِهِمَا4- كَالصَّاحِي، وَفِيمَا لا يَسْتَقِلُّ بِهِ كَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَمُعَاوَضَاتِهِ كَالْمَجْنُونِ5.
وَعَنْهُ سَادِسَةٌ: لا أَقُولُ فِي طَلاقِ السَّكْرَانِ وَعِتْقِهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ.
وَعَنْهُ سَابِعَةٌ: لا تَصِحُّ رِدَّتُهُ فَقَطْ.
وَأَمَّا قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ زَمَنَ سُكْرِهِ فَلَمْ يَقُلْ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ إلَاّ أَبُو ثَوْرٍ6، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
وَحَدُّ السَّكْرَانِ الَّذِي فِيهِ الْخِلافُ: هُوَ الَّذِي يَخْلِطُ7 فِي كَلامِهِ وَيَسْقُطُ
*1 ساقطة من ض ع.
2 انظر: القواعد والفوائد الأصلية ص38.
3 المرجع السابق.
4 في ز: ونحوهما.
5 القواعد والفوائد الأصولية ص38.
6 هو إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان، أبو ثور البغدادي الكلبي، كان إماماً جليلاً، وفقيهاً ورعاً خيراً، كان من أصحاب الرأي حتى حضر الشافعي إلى بغداد فاختلف إليه ورجع عن الرأي إلى الحديث، وصار صاحب قول عند الشافعية، وهو ناقل الأقوال القديمة عن الشافعي، توفي في سنة 240هـ ببغداد. "انظر: وفيات الأعيان 1/ 7، طبقات الفقهاء ص101، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 74، البداية والنهاية 10/ 322، شذرات الذهب 2/ 93، طبقات الحفاظ ص223، الخلاصة ص17، ميزان الاعتدال 1/ 29، طبقات المفسرين 1/ 7، طبقات الفقهاء الشافعية، العبادي ص22".
7 في ع ض ب: يختلط.
تَمْيِيزُهُ بَيْنَ الأَعْيَانِ. وَلَوْ كَانَ يُمَيِّزُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَبَيْنَ الذَّكَرِ وَالأُنْثَى1.
"وَيُكَلَّفُ" الْعَاقِلُ أَيْضًا مَعَ "إكْرَاهٍ وَيُبِيحُ" الإِكْرَاهُ "مَا فُتِحَ ابْتِدَاءً" أَيْ مَا قَبُحَ ابْتِدَاءُ فِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ. كَالتَّلَفُّظِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَشُرْبِ الْمُسْكِرِ2.
وَمَحَلُّ الْخِلافِ فِي تَكْلِيفِ الْمُكْرَهِ: إذَا كَانَ الإِكْرَاهُ "بِضَرْبٍ أَوْ تَهْدِيدٍ بِحَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ" وَكَوْنُ الْمُكْرَهِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ مُكَلَّفًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ3، - خِلافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالطُّوفِيِّ4- لِصِحَّةِ الْفِعْلِ مِنْهُ، وَصِحَّةِ التَّرْكِ وَنِسْبَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ حَقِيقَةً، وَلِهَذَا يَأْثَمُ الْمُكْرَهُ بِالْقَتْلِ بِلا خِلافٍ5. قَالَهُ الْمُوَفَّقُ فِي "الْمُغْنِي"6، مَعَ أَنَّهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَنَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلاقًا
1 انظر: الأشباه والنظائر، ابن نجيم ص311، القواعد والفوائد الأصولية ص38، التوضيح على التنقيح 3/ 207.
2 انظر: التمهيد ص28، المستصفى 1/ 90، فواتح الرحموت 1/ 166، الإحكام، ابن حزم 2/ 719، نهاية السول 1/ 174، كشف الأسرار 4/ 384، التوضيح على التنقيح 3/ 227، القواعد والفوائد الأصولية ص47، المسودة ص35.
3 وهو الذي أكره فباشر الفعل بنفسه، وهنا زال الرضى فقط دون الاختيار، أما إذا زال الرضى والاختيار وصار كالآلة فله حكم آخر سيذكره المصنف في الصفحة التالية. "انظر: نهاية السول 1/ 174، مناهج العقول 1/ 174، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 72، التوضيح على التنقيح 3/ 227، فواتح الرحموت 1/ 166، تيسير التحرير 2/ 307، الإحكام، الآمدي 1/ 154، المستصفى 1/ 90، القواعد والفوائد الأصولية ص39، التمهيد ص27، الروضة ص27، مختصر الطوفي ص12، المدخل إلى مذهب أحمد ص58، المسودة ص35".
4 وهو قول السبكي ومن تبعه. "انظر: جمع الجوامع وشرح المحلي وحاشية البناني 1/ 73، نهاية السول 1/ 174، التمهيد ص27، مختصر الطوفي ص12-13".
5 قال السبكي والمحلي: يمتنع تكليفه حالة القتل والاكراه، وأثم القاتل لإيثاره نفسه بالبقاء على مكافئه. "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني 1/ 74".
6 المغني 8/ 267، وانظر: الروضة ص27.
بِقُدُومِ زَيْدٍ، فَقَدِمَ مُكْرَهًا: لا يَحْنَثُ، لِزَوَالِ اخْتِيَارِهِ بِالإِكْرَاهِ.
وَمَسْأَلَةُ أَفْعَالِ الْمُكْرَهِ مُخْتَلِفَةُ الْحُكْمِ فِي الْفُرُوعِ1.
قَالَ فِي"شَرْحِ التَّحْرِيرِ":وَالأَشْهَرُ عِنْدَنَا نَفْيُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَثُبُوتُهُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ. وَضَابِطُ الْمَذْهَبِ أَنَّ2 الإِكْرَاهُ لا يُبِيحُ الأَفْعَالَ، وَإِنَّمَا يُبِيحُ الأَقْوَالَ، وَإِنْ اخْتَلَفَ فِي بَعْضِ الأَفْعَالِ، وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ3.
وَ "لا" يُكَلَّفُ "مَنْ" انْتَهَى الإِكْرَاهُ إلَى سَلْبِ قُدْرَتِهِ حَتَّى صَارَ "كَآلَةٍ تُحْمَلُ"4.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: إذَا انْتَهَى الإِكْرَاهُ إلَى سَلْبِ الْقُدْرَةِ وَالاخْتِيَارِ، فَهَذَا غَيْرُ مُكَلَّفٍ.
وَ5 قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: الْمُكْرَهُ كَالآلَةِ يَمْتَنِعُ تَكْلِيفُهُ قِيلَ: بِاتِّفَاقٍ، لَكِنْ الآمِدِيُّ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَطْرُقُهُ الْخِلافُ مِنْ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ6 لِتَصَوُّرِ الابْتِلاءِ مِنْهُ، بِخِلافِ الْغَافِلِ، وَحِينَئِذٍ فَلا تَكْلِيفَ بِفِعْلِ الْمُلْجَأِ إلَيْهِ. لأَنَّهُ وَاجِبُ الْوُقُوعِ، وَلا بِتَرْكِ الْمُلْجَأِ إلَى تَرْكِهِ، لأَنَّهُ مُمْتَنِعُ الْوُقُوعِ7.
1 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص39، الروض المربع 2/ 362، التمهيد ص27، التوضيح على التنقيح 3/ 227 وما بعدها، كشف الأسرار 4/ 384 وما بعدها.
2 ساقطة من ش.
3 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص39، التمهيد ص27 وما بعدها، التوضيح على التنقيح 3/ 228.
4 انظر: المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني 1/ 70، نهاية السول 1/ 173، الإحكام، الآمدي 1/ 154، مناهج العقول 1/ 173، التمهيد ص26، مختصر الطوفي ص12، المدخل إلى مذهب أحمد ص58، القواعد والفوائد الأصولية ص39. وفي ع ز: بحمل.
5 ساقطة من ع.
6 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 154.
7 انظر: تيسير التحرير 2/ 309.
وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا: تَقَدَّمَ: أَنَّهُ يَصِحُّ التَّكْلِيفُ مَعَ سُكْرٍ لَمْ يُعْذَرْ بِهِ، وَأَمَّا مَنْ عُذِرَ بِالسُّكْرِ، كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْمُسْكِرِ. فَإِنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فِي حَالِ سُكْرِهِ الْمَعْذُورِ بِهِ. وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ:"أَوْ عُذِرَ بِسُكْرٍ"1.
"وَ" كَذَا لا يُكَلَّفُ "آكِلٌ بَنْجًا وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَنَائِمٌ وَنَاسٍ وَمُخْطِئٌ وَمَجْنُونٌ وَغَيْرُ بَالِغٍ"2 مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى3.
قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ4 مَسَائِلَ لا يُكَلَّفُ صَاحِبُهَا عَلَى الأَصَحِّ مِنْ الْمَذْهَبِ.
- أَحَدُهَا5: الْمَعْذُورُ بِالسُّكْرِ كَالْمُكْرَهِ، هَلْ يُكَلَّفُ أَمْ لا؟ فِيهِ خِلافٌ، وَالصَّحِيحُ6 مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ7 حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ فِي تَكْلِيفِهِ وَعَدَمِهِ8، ثُمَّ قَالَ:
- الثَّانِيَةُ: الْمُغْمَى عَلَيْهِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ حَالَ
1 انظر: التوضيح على التنقيح 3/ 204، نهاية السول 1/ 171.
2 هذه الموانع التي تمنع التكليف أو تسقطه يدرسها علماء الأصول، وخاصة الحنفية، بعنوان عوارض الأهلية، ويبحثون كلاً منها على حده، وقد يجمعونها تحت عنوان "منع تكليف الغافل". "انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 152، 154، المستصفى 1/ 84، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني 1/ 68، فوتح الرحموت 1/ 156، التوضيح على التنفيح 3/ 161، أصول السرخسي 2/ 338، 341، تيسير التحرير 2/ 264، وما بعدها، كشف الأسرار 4/ 262 وما بعدها، نهاية السول 1/ 171، الروضة ص27، مختصر الطوفي ص12، المدخل إلى مذهب أحمد ص59، القواعد والفوئد الأصولية ص16، 30، 35، 37، 39، المسودة ص35".
3 في ع: أو أنثى.
4 ساقطة من ز.
5 في ش: أحدهما.
6 في ع: والأصح.
7 في ض ب: أن المكره في عدم التكليف.
8 انظر: القواعد والقوائد الأصولية ص39، التوضيح على التنقيح 3/ 204، كشف الأسرار 4/ 351.
إغْمَائِهِ، بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ السَّكْرَانِ الْمُكْرَهِ فِي عَدَمِ التَّكْلِيفِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ1، ثُمَّ قَالَ:
- الثَّالِثَةُ: آكِلُ الْبَنْجِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ أَكْلَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ إذَا 2 أَزَالَ الْعَقْلَ 2 كَالْمَجْنُونِ. وَلا يَقَعُ طَلاقُ مَنْ تَنَاوَلَهُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ، لأَنَّهُ لا لَذَّةَ فِيهِ3، ثُمَّ قَالَ:
- وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ: النَّائِمُ وَالنَّاسِي، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمَا غَيْرُ مُكَلَّفَيْنِ حَالَ النَّوْمِ وَالنِّسْيَانِ، لأَنَّ الإِتْيَانَ بِالْفِعْلِ الْمُعَيَّنِ عَلَى وَجْهِ الامْتِثَالِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِالْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، لأَنَّ الامْتِثَالَ عِبَارَةٌ عَنْ إيقَاعِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِ الطَّاعَةِ4.
وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمُ الْمَأْمُورِ بِتَوَجُّهِ الأَمْرِ نَحْوَهُ وَبِالْفِعْلِ. فَهُوَ مُسْتَحِيلٌ عَقْلاً لِعَدَمِ الْفَهْمِ. كَمَا تَقَدَّمَ فِي السَّكْرَانِ، بِدَلِيلِ عَدَمِ تَحَرُّزِهِمْ مِنْ الْمَضَارِّ وَقَصْدِ الْفِعْلِ بِلُطْفٍ وَمُدَارَاةٍ، بِخِلافِ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ فَإِنَّهُمَا يَفْهَمَانِ وَيَقْصِدَانِ الْفِعْلَ عِنْدَ التَّلَطُّفِ5 بِهِمَا، وَيَحْتَرِزَانِ مِنْ الْمَضَارِّ، بَلْ وَالْبَهِيمَةُ كَذَلِكَ، وَيُخَصُّ النَّائِمُ وَالنَّاسِي بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ النَّائِمِ
1 انظر: القواعد والقوائد الأصولية ص35، التوضيح على التنقيح 3/ 168، كشف الأسرار 4/ 280.
2 في ض: زال عقله، وفي ب: زال العقل.
3 وروي عن أبي حنيفة رحمه الله أيضاً أن الرجل إذا كان عالماً بفعل البنج فأكله يصح طلاقه وعتاقه. "انظر: التلويح على التوضيح 3/ 205، كشف الأسرار 4/ 352".
4 انظر: التوضيح على التنقيح 3/ 167، تيسير التحرير 2/ 263 وما بعدها، كشف الأسرار 4/ 276، 278، نهاية السول 1/ 171، تخريج الفروع على الأصول ص33، الروضة ص27، التمهيد ص24، مختصر الطوفي ص12، القواعد والفوائد الأصولية ص30، الأشباه والنظائر، ابن نجيم ص302.
5 في ب: التلفظ.
حَتَّى يَسْتَيْقِظَ"1، وَ "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ"2، وَأَلْحَقَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي "مُقْنِعِهِ" الْمُخْطِئَ بِهِمَا، وَهُوَ كَمَا قَالَ3، انْتَهَى.
"وَوُجُوبُ زَكَاةٍ وَ" وُجُوبُ "نَفَقَةٍ وَ" وُجُوبُ "ضَمَانِ" مُتْلَفٍ "مِنْ رَبْطِ الْحُكْمِ بِالسَّبَبِ" لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِمَالِهِ أَوْ ذِمَّتِهِ الإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي بِهَا يَسْتَعِدُّ لِقُوَّةِ الْفَهْمِ بَعْدَ الْحَالَةِ الَّتِي امْتَنَعَ تَكْلِيفُهُ مِنْ أَجْلِهَا، بِخِلافِ الْبَهِيمَةِ4.
1 هذا طرف من حديث سبق تخريجه ص499.
2 رواه ابن ماجة والحاكم وابن حبان والطبراني عن ثوبان بألفاظ مختلفة، واضطربت أقوال العلماء في صحته وضعفه، قال المناوي:"رمز المصنف "السيوطي" لصحته، وهو غير صحيح، فقد تعقبه الهيثمي، وقصارى أمر الحديث أن النووي ذكر أنه حسن، ولم يسلم له ذلك، وذكر عبد لله بن أحمد في العلل أن أباه أنكره"، ورواه ابن ماجة عن ابن عباس بلفظ "إن الله وضع عن أمته الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وفي زوائد ابن ماجة: إسناده صحيح إن سلم من الانقطاع، والظاهر أنه منقطع، ورواه ابن ماجة عن أبي ذر بلفظ: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان
…
" وفي الزوائد إسناده صعيف، لاتفاقهم على ضعف أبي بكر الهذلي في سنده، بينما قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ورواه البيهقي عن ابن عمر بلفظ "وضع
…
" وصححه، كما صححة ابن حبان، واستنكره أبو حاتم، ورواه ابن عدي من حديث أبي بكرة مرفوعاً بلفظ "رفع عن هذه الأمة ثلاثاً، الخطأ والنسيان والأمر يكرهون عليه" وضعفه، وقوله: "رفع عن أمتي الخطأ": أي إثمه، لا حكمه، إذ حكمه في الضمان لا يرتفع. "انظر: سنن ابن ماجة 1/ 659، فيض القدير 4/ 34، 6/ 326، كشف الخفا 1/ 433، تخريج أحاديث أصول البزدوي ص89".
3 وأيده الآمدي فقال: "وأما الخاطيء فغير مكلف إجماعاً، فيما هو مخطىء فيه""الإحكام، له 1/ 154" وانظر: تيسير التحرير 2/ 305، التوضيح على التنقيح 3/ 224، كشف الأسرار 4/ 380، فواتح الرحموت 1/ 165.
4 أي هذا من خطاب الوضع، وقد سبق أنه لا يشترط في خطاب الوضع التكليف بالبلوغ والعقل. "انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 152، التمهيد ص25، شرح تنقيح الفصول ص145، المستصفى 1/ 84، مناهج العقول 1/ 173، الروضة ص27، مختصر الطوفي ص12، إرشاد الفحول ص11".
"وَلا" يُكَلَّفُ "مَعْدُومٌ حَالَ عُدْمِهِ" إجْمَاعًا "وَيَعُمُّهُ الْخِطَابُ إذَا كُلِّفَ كَغَيْرِهِ" أَيْ كَغَيْرِ الْمَعْدُومِ مِنْ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ، وَلا يَحْتَاجُ إلَى خِطَابٍ آخَرَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. وَحُكِيَ عَنْ الأَشْعَرِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ. وَحَكَاهُ الآمِدِيُّ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْفُقَهَاءِ1.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَانٍ. وَنُسِبَ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَجَمْعٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْمَعْدُومَ لا يَعُمُّهُ الْخِطَابُ مُطْلَقًا2.
وَاسْتَدَلَّ لِلْقَوْلِ الأَوَّلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، بِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{وَأُوحِيَ إلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} 3، قَالَ السَّلَفُ: مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ فَقَدْ أُنْذِرَ بِإِنْذَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4.
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إذَا امْتَنَعَ خِطَابُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَالْمَعْدُومُ أَجْدَرُ: ضَعِيفٌ، لأَنَّهُ فَهِمَ عَنْ الْحَنَابِلَةِ تَنْجِيزَ5 التَّكْلِيفِ وَلَمْ يَعْلَمْ التَّعْلِيقَ. وَأَنَّ حُكْمَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كَحُكْمِ الْمَعْدُومِ6.
1 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 153، فوتح الرحموت 1/ 147، نهاية السول 1/ 165، مناهج العقول 1/ 165، العضد على ابن الحاجب 2/ 15، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 77، المستصفى 1/ 85، تيسير التحرير 2/ 131، 239، المسودة ص44، إرشاد الفحول ص11، منهاج السنة 2/ 81.
2 انظر: أصول السرخسي 2/ 334، فوتح الرحموت 1/ 146، تيسير التحرير 2/ 131، نهاية السول 1/ 167، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني 1/ 78.
3 الآية 19 من الأنعام.
4 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 153، تفسير ابن كثير 3/ 12، تفسير القرطبي 6/ 399، تفسير الخازن 2/ 102.
5 في ع: بتخير.
6 إن هذا الاختلاف ثابت بالنسبة للصبي والمجنون بتقدير فهمه، بل أولى، من حيث إن المشترط في حقه الفهم فقط، وفي حق المعدوم الوجود والفهم "انظر: الإحكام، الآمدمي 1/ 153، تيسير التحرير 2/ 131، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني وتقريرات الشربيني 1/ 77، المستصفى 1/ 85، فواتح الرحموت 1/ 148".
وَمِنْ الأَدِلَّةِ أَيْضًا: قَوْلُهُ سبحانه وتعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} 1، وَكَالأَمْرِ بِالْوَصِيَّةِ لِمَعْدُومٍ مُتَأَهِّلٍ، وَخَيفُة2 الْمُوصَي الْفَوْتَ3 لا أَثَرَ لَهُ4.
وَيَحْسُنُ لَوْمُ الْمَأْمُورِ فِي الْجُمْلَةِ بِإِجْمَاعِ الْعُقَلاءِ عَلَى تَأَخُّرِهِ عَنْ الْفِعْلِ مَعَ قُدْرَتِهِ5 وَتَقَدُّمِ أَمْرِهِ6.
وَلأَنَّهُ أَزَلِيٌّ، وَتَعَلُّقُهُ بِغَيْرِهِ جُزْءٌ مِنْ حَقِيقَتِهِ. وَالْكُلُّ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الْجُزْءِ، وَكَلامُ الْقَدِيمِ صِفَتُهُ7، وَإِنَّمَا تُطْلَبُ الْفَائِدَةُ فِي سَمَاعِ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ إذَا وُجِدَ، وَلأَنَّ التَّابِعِينَ وَالأَئِمَّةَ لَمْ يَزَالُوا يَحْتَجُّونَ بِالأَدِلَّةِ، وَهُوَ دَلِيلُ التَّعْمِيمِ وَالأَصْلُ عَدَمُ اعْتِبَارِ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ لَنُقِلَ.
قَالَ الْمُخَالِفُونَ: تَكْلِيفٌ وَلا مُكَلَّفٌ مُحَالٌ8.
1 الآية 153 من الأنعام.
2 في ش: خوف.
3 في ض: الفوات.
4 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 153.
5 ساقطة من ش.
6 هذا فرع عن تكليف المعدوم بأن ينجز التكليف عند البلوغ والقدرة، وإلا استحق اللوم، "انظر: حاشية التفتازاني على العضد 2/ 14، شرح تنقيح الفصول ص146".
7 هذا الكلام جواب عن اعتراض المخالفين الذين قالوا، الأمر بالمعدوم فرع قدم الكلام بأقسامه، وأنه محال، لأنه يلزم تعدد القديم باعتبار أنواعه وأفراده، فأن المتعلق يزيد غير المتعلق بعمرو، والجواب: أن التعدد ههنا بحسب تعدد المتعلقات وأنه تعدد اعتباري لا يوجب تعدداً وجودياً، وذلك هو المحال، ومثاله الإبصار فإنه وصف واحد، لا يتعدد في الوجود بكثرة المبصرات، إنما يتعدد تعلقه، والوصف واحد "انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 16، تيسير التحرير 2/ 239، نهاية السول 1/ 168، مناهج العقول 1/ 168". قال القرافي:"هذه المسألة أغمض مسألة في أصول الفقه". "شرح تنقيح الفصول ص145، 146".
8 هذا قول المعتزلة. "انظر: تيسير التحرير 2/ 239، نهاية السول 1/ 169، العضد على ابن الحاجب 2/ 15".
رُدَّ بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّ، ثُمَّ بِالْمَنْعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْكَاتِبِ يُخَاطِبُ مَنْ يُكَاتِبُهُ بِشَرْطِ وُصُولِهِ وَيُنَادِيهِ، وَأَمْرِ الْمُوصِي وَالْوَاقِفِ حَقِيقَةٍ، لأَنَّهُ لا يَحْسُنُ نَفْيَهُ1.
قَالُوا: لا يُقَالُ لِلْمَعْدُومِ نَاسٍ.
رُدَّ: بِأَنْ2 يُقَالَ: بِشَرْطِ وُجُودِهِ.
قَالُوا: الْعَاجِزُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، فَهَذَا3 أَوْلَى.
رُدَّ: بِالْمَنْعِ عِنْدَ كُلِّ قَائِلٍ بِقَوْلِنَا، بَلْ مُكَلَّفٌ بِشَرْطِ قُدْرَتِهِ وَبُلُوغِهِ وَعَقْلِهِ4. وَإِنَّمَا رُفِعَ عَنْهُ الْقَلَمُ فِي الْحَالِ، أَوْ قَلَمُ الإِثْمِ، بِدَلِيلِ النَّائِمِ.
"وَلا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ" سبحانه وتعالى "شَيْءٌ" لا "عَقْلاً وَلا شَرْعًا" عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ: مِنْهُمْ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، بَلْ يُثِيبُ الْمُطِيعَ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ وَكَرَمِهِ5.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَمَعْنَى كَلامِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ شَرْعًا بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ. وَلِهَذَا أَوْجَبُوا إخْرَاجَ الْمُوَحِّدِينَ مِنْ النَّارِ بِوَعْدِهِ.
وَقَالَ6 ابْنُ الْجَوْزِيِّ7 فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ
1 انظر: إرشاد الفحول ص12، نهاية السول 1/ 169، تقريرات الشربيني 1/ 77.
2 في ع ب: بل.
3 في ش ز ب: فهنا.
4 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 15.
5 كان المصنف جاء بهذه المسألة كفرع ونتيجة على جواز التكليف للمعدوم، وجواز التكليف بالمحال عند من يقول به، من حيث أنه لا يقبح من الله شيء، ولا يجب عليه شيء. "انظر: المستصفى 1/ 87".
6 في ع ض ب: قال.
7 هو عبد الرحمن بن علي بن محمد، جمال الدين، أبو الفرج، المعروف بابن الجوزي، شيخ وقته، وإمام عصره، يتصل نسبه بأبي بكر الصديق رضي الله عنه، حفظ القرآن، وكان =
الْمُؤْمِنِينَ} 1، أَيْ وَاجِبًا أَوْجَبَهُ هُوَ2.
وَذَكَرَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ.
وَقَالَ3 الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَكْثَرُ النَّاسِ يُثْبِتُ اسْتِحْقَاقًا زَائِدًا عَلَى مُجَرَّدِ الْوَعْدِ لِهَذِهِ الآيَةِ. وَلِحَدِيثِ مُعَاذٍ4 رضي الله عنه: "أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟ "5.
= محدثاً مفسراً فقيهاً أصولياً واعظاً أدبياً زاهداً قارئاً، له مؤلفات كثيرة منها، "المعني" و "زاد المسير" في التفسير، و "الأذكياء" و "مناقب عمر بن خطاب" و "مناقب عمر بن عبد العزيز" و "مناقب أحمد بن حنبل" و "الموضوعات" في الحديث، و"منهاج الوصول إلى علم الأصول" وغيرها، توفي سنة 597هـ ببغداد، انظر ترجمته في "شذرات الذهب 4/ 229، ذيل طبقات الحنابلة 1/ 399، وفيات الأعيان 2/ 321، طبقات المفسرين 1/ 270، الفتح المبين 2/ 40، طبقات القراء 1/ 375، طبقات الحفاظ ص477، تذكرة الحفاظ 4/ 1342".
1 الآية 47 من الروم.
2 زاد المسير في علم التفسير 5/ 308.
3 في ع: قال.
4 هو مُعاذ بن جبل بن عمرو بن أوس، أبو عبد الرحمن، الصحابي الأنصاري الخزرجي، الإمام المقدم في علم الحلال والحرام، قال أبو نعيم عنه:"إمام الفقهاء، وكنز العلماء، شهد العقبة وبدراً والمشاهد" وكان أفضل شباب الأنصار حلماً وحياء وسخاء، وكان جميلاً وسيماً، وقال عمر:"عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ، ولولا معاذ لهلك عمر". أمره النبي صلى الله عليه وسلم على اليمن ولاية القضاء، قدم من اليمن في خلافة أبي بكر، ولحق بالجهاد والجيش الإسلامي في بلاد الشام، وكانت وفاته بالطاعون سنة 17، أو 18هـ، وعاش 34 سنة. "انظر: الإصابة 3/ 426، صفة الصفوة 1/ 489، تهذيب الأسماء 2/ 98، شذرات الذهب 1/ 29".
5 هذا جزء من حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة عن معاذ مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري بشرح السندي 2/ 146، 4/ 129، صحيح مسلم 1/ 59، تحفة الأحوذي بشرح الترمذي 7/ 402، سنن ابن ماجة 2/ 1435".
وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ: يَجِبُ عَلَيْهِ1 رِعَايَةُ الأَصْلَحِ. وَهِيَ قَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ2.
[انتهى المجلد الأول من شرح الكوكب المنير، ويليه المجلد الثاني وأوله: الأدلة الشرعية.]
[والحمد لله رب العالمين.]
1 ساقطة من ض.
2 انظر: رأي أهل السنة في هذه المسألة في "المسودة ص63-65، الإرشاد للجويني ص287، غاية المرام، الآمدي ص224، 228، نهاية الاقدام ص404 وما بعدها".