الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الكلي والجزئي
…
"فَصْلٌ"
"إذَا اتَّحَدَ اللَّفْظُ وَمَعْنَاهُ" الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ "وَاشْتَرَكَ فِي مَفْهُومِهِ" أَيْ مَفْهُومِ لَفْظِهِ "كَثِيرٌ" يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَيْهِمْ1 إيجَابًا2؛ لأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ "وَلَوْ" كَانَ الاشْتِرَاكُ "بِالْقُوَّةِ" دُونَ الْحَقِيقَةِ، بِأَنْ لَمْ يَمْنَعْ تَصَوُّرُهُ مِنْ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ3. وَلَمْ تَتَفَاوَتْ أَفْرَادُهُ بِاسْتِغْنَاءٍ وَافْتِقَارٍ، أَوْ شِدَّةٍ وَضَعْفٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ "فَـ" ـهُوَ "كُلِّيٌّ" كَالْحَيَوَانِ الصَّادِقِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانَاتِ4.
"وَهُوَ" أَيْ الْكُلِّيُّ قِسْمَانِ:
- قِسْمٌ "ذَاتِيٌّ": وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَقِيقَةِ ذَاتِ الشَّيْءِ، مِثْلُ الْحَيَوَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الإِنْسَانِ5.
- "وَ" قِسْمٌ "عَرَضِيٌّ": مَنْسُوبٌ إلَى الْعَرَضِ، مِثْلُ الضَّاحِكِ
1 في ش، على.
2 قال الشريف الجرجاني: أي يمكن حمله عليهم، بأن يشترك في مفهومه كثيرون، لا في نفس الأمر، بل بمجرد ملاحظة العقل لذلك المفهوم. وإنما قُيَّدَ الحمل بالإيجاب، لأن الجزئي يمكن حمله على كثيرين سلبأ. "حاشية الجرجاني على شرح العضد 1/126".
3 أي من اشتراكه بين كثيرين وصدقه عليهم. "تحرير القواعد المنطقية ص45".
4 انظر تفصيل الكلام على على الكلي في "تحرير القواع المنطقية وحاشية الجرجاني عليه ص44 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع1/274، الإحكام للآمدي 1/16، شرح تنقيح الفصول ص27 وما بعدها، فتح الرحمن ص53 وما بعدها، الأنصاري على إيساغوجي وحاشية عليش عليه ص39 وما بعدها".
5 فإنه داخل في حقيقة جزئياته، لتركب الإنسان من الحيوان والناطق. "عليش على إيساغوجي ص44".
بِالنِّسْبَةِ إلَى الإِنْسَانِ، لأَنَّ الضَّحِكَ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ الإِنْسَانِ1.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا "فَإِنْ تَفَاوَتَ2" أَيْ تَفَاوَتَتْ أَفْرَادُ الْكُلِّيِّ بِقِلَّةٍ وَكَثْرَةٍ، كَنُورِ السِّرَاجِ وَالشَّمْسِ3، أَوْ بِإِمْكَانِ التَّغَيُّرِ4 وَاسْتِحَالَتِهِ5، كَالْوُجُودِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ6، أَوْ الاسْتِغْنَاءِ وَالافْتِقَارِ، كَالْوُجُودِ7 بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ8، أَوْ بِشِدَّةٍ وَضَعْفٍ، كَبَيَاضِ الثَّلْجِ وَبَيَاضِ الْعَاجِ، أَوْ تَقَدُّمٍ وَتَأَخُّرٍ، كَالْوُجُودِ لِلْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ "فَمُشَكِّكٌ" لأَنَّهُ يَتَشَكَّكُ9 النَّاظِرُ فِيهِ: هَلْ هُوَ مُتَوَاطِئٌ10 لِوُجُودِ11 الْكُلِّيِّ12 فِي أَفْرَادِهِ، أَوْ مُشْتَرَكٌ لِتَغَايُرِ أَفْرَادِهِ؟ فَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ "شَكَّكَ"
1 انظر تفصيل الكلام على الذاتي والعرضي في "العضد على ابن الحاجب 1/ 71، 80، الإحكام للآمدي 1/ 17، تحرير القواعد المنطقية ص46-60، شرحا إيساغوجي للأنصاري وعليش ص44 وما بعدها".
2 في ش ع: تفاوتت.
3 فإن أفراد النور في الشمس أكثر وفي السراج أقل. "شرح تنقيح الفصول ص30".
4 في ز: التغيير.
5 في ع: واستحالة.
6 فإن الوجود الوجب لا يقبل التغير ولا الفناء ولا العدم ولا الزوال، والوجود الممكن بخلاف ذلك. "شرح نيقيح الفصول ص30".
7 في ش: كالموجود.
8 فالجوهر مستغن عن محل يقوم به، والعرض مفتقر إلى محل يقوم به. "شرح تنقيح الفصول ص31".
9 في ش ع ب: يشكك.
10 في ش: منوط.
11 في ش: بوجود.
12 ف ع: الكل.
الْمُضَاعَفُ 1 مِنْ شَكَّ 1 إذَا تَرَدَّدَ2.
وَقَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَتَمْثِيلُنَا بِالْوُجُودِ لِلْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ لِلْمُشَكِّكِ: ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ، تَبَعًا لِلآمِدِيِّ3، وَابْنِ الْحَاجِبِ4، لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِمَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ إجْمَاعًا.
"وَإِلَاّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ تَتَفَاوَتْ أَفْرَادُ الْكُلِّيِّ "فَـ" ـهُوَ "مُتَوَاطِئٌ"5، لأَنَّهُ الَّذِي تَتَسَاوَى6 أَفْرَادُهُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْكُلِّيِّ الَّذِي تَشَارَكَتْ فِيهِ، كَالإِنْسَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْرَادِهِ. فَإِنَّ الْكُلِّيَّ فِيهَا - وَهُوَ الْحَيَوَانِيَّةُ وَالنَّاطِقِيَّةُ- لا يَتَفَاوَتُ فِيهَا بِزِيَادَةٍ وَلا نَقْصٍ. وَسُمِّيَ بِذَلِكَ مِنْ التَّوَاطُؤِ، وَهُوَ التَّوَافُقُ7.
[وَ] لا يُقَالُ: إنَّهُ لا حَقِيقَةَ لِلْمُشَكِّكِ؛ لأَنَّ مَا حَصَلَ بِهِ الاخْتِلافُ؛ إنْ دَخَلَ فِي التَّسْمِيَةِ كَانَ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا، وَإِلَاّ كَانَ مُتَوَاطِئًا! لأَنَّا نَقُولُ: إنَّهُ دَاخِلٌ فِي التَّسْمِيَةِ، وَلا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا؛ لأَنَّ الْمُشْتَرَكَ مَا لَيْسَ بَيْنَ مَعْنَيَيْهِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ، كَلَفْظِ الْعَيْنِ الصَّادِقِ بِالْبَاصِرَةِ وَالذَّهَبِ،
1 ساقطة من ض.
2 انظر تفصيل الكلام على المشكك في "تحرير القواعد المنطقية ص39، شرح تنقيح الفصول ص30، المحلي على جمع الجوامع 1/ 275، إرشاد الفحول ص17، فتح الرحمن ص52".
3 الإحكام في أصول الأحكام 1/ 17.
4 مختصر ابن الحاجب وشرحه للعضد 1/ 126.
5 في ب: المتواطىء.
6 في ض: تساوي.
7 وذلك لتوافق أفراده في معناه. انظر تفصيل الكلام على المتواطىء في "المحلي على جمع الجوامع /274، تحرير القواعد المنطقية ص39، فتح الرحمن ص52، شرح تنقيح الفصول ص20، حاشية عليش على شرح إيساغوجي ص41".
سُمِّيَ بِذَلِكَ الاسْمِ، وَلا يَكُونُ خَارِجًا مِنْ الْمُتَوَاطِئِ1؛ لأَنَّ الْمُتَوَاطِئَ2 أَعَمُّ مِمَّا تَسَاوَتْ أَفْرَادُهُ أَوْ تَفَاوَتَتْ: إلَاّ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ تَفَاوُتٌ: فَهُوَ مُشَكِّكٌ3.
"وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِكْ" فِي مَفْهُومِ اللَّفْظِ كَثِيرٌ4 "كَمُضْمَرٍ" فِي الأَصَحِّ عِنْدَ الأَكْثَرِ5 لِوَجْهَيْنِ:
الأَوَّلِ: إنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ. فَلَوْ كَانَ مُسَمَّاهُ كُلِّيًّا لَكَانَ نَكِرَةً.
الثَّانِي: أَنَّ مُسَمَّى الْمُضْمَرِ لَوْ كَانَ كُلِّيًّا كَانَ دَالاًّ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ. وَالْقَاعِدَةُ الْعَقْلِيَّةُ: "أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى
1 في ش: التواطؤ.
2 في ش: التواطؤ.
3 قال الشيخ عليش: "قال ابن التلمساني: لا حقيقة للمشكك لأن ما به التفاوت إن دخل في التسمية فمشترك، وإلا فمتواطىء! وأجاب عنه القرفي بأن كُلَاّ من المتواطىء والمشكك موضوع للقدر المشترك، ولكن التفاوت إن كان بأمور من جنس المسمى فمشكك، وإن كان بأمور خارجة عنه كالذكورة والأنوثة والعلم والجهل فمتواطىء. وسمى مشككاً لأن الناظر فيه إن نظر لأصل المعنى عرف أنه متواطىء، وإن نظر إلى تفاوته ظن أنه مشترك، فيشكك في كونه متواطئاً أو مشتركاً". "انظر حاشية عليش على شرح إيساغوجي ص42، حاشية البناني على شرح جمع الجوامع 1/ 275، حاشية العليمي على فتح الرحمن ص52".
4 ساقطة من ع.
5 اختلف المناطقة في كون الضمير جزئياً أو كلياً على ثلاثة أقوال: "احداها" أنه جزئي كالأعلام. وهو قول أكثر المناطقة. "والثاني" أنه كلّي لصدقه على كثيرين من حيث هو. وهو قول القرافي. "والثالث" أنه كلّي وضعاً وجزئي استعمالاً. وهو قول أبي حيان. "انظر فتح الرحمن وحاشية العليمي عليه ص54، شرح تنقيح الفصول ص34 وما بعدها".
الأَخَصِّ"، فَيَلْزَمُ أَنْ لا يَدُلَّ الْمُضْمَرُ عَلَى شَخْصٍ خَاصٍّ أَلْبَتَّةَ1. وَلَيْسَ كَذَلِكَ2.
وَمِثْلُ زَيْدٍ وَعَمْرٍو. وَهَذَا الإِنْسَانُ "فَجُزْئِيٌّ"3 لانْدِرَاجِهِ تَحْتَ الْكُلِّيِّ.
"وَيُسَمَّى النَّوْعُ" الْمُنْدَرِجُ تَحْتَ الْجِنْسِ مِثْلُ نَوْعِ الإِنْسَانِ الْمُنْدَرِجِ تَحْتَ جِنْسِ4 الْحَيَوَانِ "جُزْئِيًّا إضَافِيًّا"5.
فَكُلُّ جِنْسٍ وَنَوْعٍ - عَالٍ أَوْ وَسَطٍ أَوْ سَافِلٍ-: كُلِّيٌّ لِمَا تَحْتَهُ، جُزْئِيٌّ لِمَا فَوْقَهُ، لَكِنْ لا بُدَّ فِي الْجُزْئِيِّ مِنْ مُلاحَظَةِ قَيْدِ الشَّخْصِ وَالتَّعْيِينِ فِي التَّصَوُّرِ، وَإِلَاّ لَصَدَقَ أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ تَصَوُّرُهُ مِنْ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ، إذْ لا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاكٍ6، وَلَوْ فِي أَخَصِّ صِفَاتِ النَّفْسِ7.
"وَ" الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ "مُتَعَدِّدُ اللَّفْظِ فَقَطْ" أَيْ دُونَ أَنْ يَتَعَدَّدَ مَعْنَاهُ كَالْبُرِّ وَالْقَمْحِ الْمُسَمَّى بِهِ الْحَبُّ الْمَعْرُوفُ. وَكَاللَّيْثِ وَالأَسَدِ "مُتَرَادِفٌ" لِتَرَادُفِ اللَّفْظَيْنِ بِتَوَارُدِهِمَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ8.
1 ساقطة من ش.
2 انظر شرح تنقيح الفصول ص34.
3 أي جزئي حقيقي بقرينة مقابلته بالكلي. "شرح العضد على ابن الحاجب 1/ 126".
4 في ش: جزئي.
5 أي بالإضافة إلى جنسه الذي هو أعم منه. "الجرجاني على شرح العضد 1/ 126، عليش على شرح إيساغوجي ص42".
6 في ش: اشترك.
7 انظر تفصيل الكلام على الجزئي الحقيقي والإضافي في تحرير القواعد المنطقية وحاشية الجرجاني عليه ص69 وما بعدها.
8 انظر تفصيل الكلام على المترادف في "المزهر 1/ 402 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 23 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع 1/ 275".
"وَ" مُتَعَدِّدُ "الْمَعْنَى فَقَطْ" أَيْ دُونَ اللَّفْظِ "مُشْتَرَكٌ" كَالذَّهَبِ وَالْبَاصِرَةِ. فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي لَفْظِ "الْعَيْنِ" لِصِدْقِهِ عَلَيْهِمَا1.
وَلا يُسَمَّى مُشْتَرَكًا إلَاّ "إنْ كَانَ" اللَّفْظُ وُضِعَ "حَقِيقَةً لِلْمُتَعَدِّدِ" كَمَا مَثَّلْنَا "وَإِلَاّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وُضِعَ حَقِيقَةً لِلْمُتَعَدِّدِ، بَلْ كَانَ مَوْضُوعًا لأَحَدِهِمَا، ثُمَّ نُقِلَ إلَى الثَّانِي لِمُنَاسَبَةٍ "فَـ" ـهُوَ "حَقِيقَةٌ" بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَوْضُوعِ لَهُ2 "وَمَجَازٌ" بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَنْقُولِ إلَيْهِ، كَلَفْظِ "السَّمَاءِ" فَإِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي السَّمَاءِ الْمَعْهُودَةِ، وَمَجَازٌ فِي الْمَطَرِ. قَالَ الشَّاعِرُ3:
إذَا نَزَلَ4 السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ
…
رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا5
وَكَالأَسَدِ، فَإِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ حَقِيقَةٌ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّجُلِ الشُّجَاعِ مَجَازٌ6.
"وَهُمَا" أَيْ وَمُتَعَدِّدُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى: أَلْفَاظٌ "مُتَبَايِنَةٌ" لَمَعَانٍ مُتَبَايِنَةٍ،
1 انظر تفصيل الكلام على المشترك في "شرح تنقيح الفصول ص29، العضد على ابن لحاجب 1/ 127 وما بعدها، المزهر 1/ 369 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 19 وما بعدها".
2 ساقطة من ع.
3 هو مُعَوَّد الحكماء، معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب كما في لسان العرب 14/ 399 والاقتضاب ص320 والمفضليات ص359 ومعجم الشعراء ص391 وغيرها "انظر تحقيق العلامة السيد أحمد صقر لتأويل مشكل القرآن ص135".
4 قال ابن البطليوسي في "شرح أدب الكاتب": المراد "إذا نزل المطر بأرض قوم فأخصبت بلادهم وأجدبت بلادنا سرنا إليها فرعينا نباتها، وإن غضب أهلها لم تبالِ بغضبهم لعزّنا ومنعتنا". "الاقتضاب ص320".
5 جاء في بعض الرويات: إذا سقط السماء، وفي بعضها: إذا نزل السحاب.
6 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 276، إرشاد الفحول ص17.
سَوَاءٌ "تَفَاصَلَتْ" تِلْكَ الْمَعَانِي1، كَمُسَمَّى إنْسَانٍ، وَمُسَمَّى فَرَسٍ "أَوْ تَوَاصَلَتْ" بِأَنْ كَانَ بَعْضُ الْمَعَانِي صِفَةً لِلْبَعْضِ الآخَرِ. كَالسَّيْفِ وَ2 الصَّارِمِ. فَإِنَّ "السَّيْفَ" اسْمٌ لِلْحَدِيدَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَلَوْ مَعَ كَوْنِهَا كَآلَةٍ، و "وَالصَّارِمُ" اسْمٌ لِلْقَاطِعَ3، وَالنَّاطِقِ4 وَالْفَصِيحِ وَالْبَلِيغِ5.
وَالْمُرَادُ بِتَوَاصُلِهِا6: أَنَّهُ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُا7 فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَنَحْوُ8 ذَلِكَ، لَوْ9 كَانَ أَحَدُهُمَا جُزْءًا مِنْ الآخَرِ، كَالإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ.
"وَكُلُّهَا" أَيْ: وَكُلُّ الأَلْفَاظِ مِنْ حَيْثِيَّةِ الاشْتِقَاقِ وَعَدَمِهِ قِسْمَانِ:
- قِسْمٌ "مُشْتَقٌّ": وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى ذِي صِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ، كَضَارِبٍ وَعَالِمٍ "وَنَحْوِهِمَا.
- "وَ" قِسْمٌ "غَيْرُهُ" أَيْ غَيْرُ مُشْتَقٌّ: وَهُوَ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى ذِي صِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَالْجِسْمِ وَالإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ.
"وَ" مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَصْفٌ أَوْ غَيْرُ وَصْفٍ قِسْمَانِ أَيْضًا:
1 في ش: المعاني أي لم يرتبط أحدهما بالآخر كضرب زيد عمراً و.
2 ساقطة من ش.
3 في ش: للقطع.
4 في ش: والناطق.
5 ساقطة من ز ع.
6 في ش ز ع: بتوصيلهما.
7 في ش ز ع: اجتماعهما.
8 في ض ب: ونحوه.
9 في ش: ولو.
- قِسْمٌ "صِفَةٌ": إنْ دَلَّ عَلَى مَعْنًى قَائِمٍ بِذَاتٍ كَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَقَالَ الْعَضُدُ: "هُنَا الصِّفَةُ مَا تَدُلُّ عَلَى ذَاتٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى مُعَيَّنٍ كَضَارِبٍ"1.
- "وَ" قِسْمٌ "غَيْرُهَا" أَيْ غَيْرُ صِفَةٍ2: إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَالإِنْسَانِ وَزَيْدٍ"3 وَنَحْوُهُمَا.
"وَيَكُونُ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ مُتَوَاطِئًا مُشْتَرَكًا" بِاعْتِبَارَيْنِ، كَإِطْلاقِ لَفْظِ "الْخَمْرِ" عَلَى التَّمْرِ وَالْعِنَبِ. فَيَكُونُ لَفْظُ "الْخَمْرِ" بِاعْتِبَارِ نِسْبَةِ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ إلَيْهِ مُتَوَاطِئًا، وَبِاعْتِبَارِ عَدَمِ النِّسْبَةِ مُشْتَرَكًا.
"وَ" يَكُونُ "اللَّفْظَانِ مُتَبَايِنَيْنِ مُتَرَادِفَيْنِ بِاعْتِبَارَيْنِ" كَلَفْظَيْ "صَارِمٍ" وَ "مُهَنَّدٍ"، فَإِنَّهُمَا مُتَبَايِنَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى 4 الصِّفَةِ مُتَرَادِفَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى 4 صِدْقِهِمَا عَلَى الْحَدِيدَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالسَّيْفِ. وَكَذَا "نَاطِقٌ" وَ "وَفَصِيحٌ"، فَإِنَّهُمَا مُتَبَايِنَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الاخْتِلافِ فِي الْمَعْنَى، مُتَرَادِفَانِ لِصِدْقِهِمَا عَلَى مَوْصُوفِهِمَا مِنْ إنْسَانٍ أَوْ لِسَانٍ.
"وَ" اللَّفْظُ "الْمُشْتَرَكُ" فِيهِ "وَاقِعٌ لُغَةً" أَيْ فِي اللُّغَةِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالأَكْثَرِ مِنْ طَوَائِفِ الْعُلَمَاءِ فِي الأَسْمَاءِ. - كَالْقُرْءِ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، وَالْعَيْنِ: فِي الْبَاصِرَةِ وَالْجَارِيَةِ وَالذَّهَبِ وَعَيْنِ الشَّمْسِ وَعَيْنِ الْمِيزَانِ. وَغَيْرِ ذَلِكَ- وَفِي الأَفْعَالِ - كَعَسْعَسَ: لأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، وَعَسَى: لِلتَّرَجِّي وَالإِشْفَاقِ، وَالْمُضَارِعِ لِلْحَالِ وَالاسْتِقْبَالِ. وَوُقُوعِ الْمَاضِي خَبَرًا وَدُعَاءً. كَغَفَرَ اللَّهُ لَنَا- وَفِي الْحُرُوفِ كَالْبَاءِ: لِلتَّبْعِيضِ وَبَيَانِ الْجِنْسِ
1 شرح العضد على ابن الحاجب 1/ 128.
2 في ش ز: الصفة.
3 ساقطة من ش.
4 ساقطة من ش.
وَالاسْتِعَانَةِ وَالسَّبَبِيَّةِ وَنَحْوِهَا.
"جَوَازًا" لأَنَّهُ لا يَمْتَنِعُ وَضْعُ لَفْظٍ وَاحِدٍ1 لِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ وَاضِعٍ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ وَيَشْتَهِرُ الْوَضْعُ.
وَمَنَعَ جَمْعٌ وُقُوعَ الْمُشْتَرَكِ فِي اللُّغَةِ. وَرَدُّوا مَا قَالَ الأَكْثَرُ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ2 إلَى3 التَّوَاطُؤِ أَوْ4 الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.
وَعَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ كَوْنُ الْمُشْتَرَكِ وَاقِعًا فِي اللُّغَةِ: لا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ مَفْهُومَيْهِ "تَبَايَنَا" وَهُوَ أَنْ لا يَصْدُقَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ. فَإِنْ لِمَ يَصِحَّ اجْتِمَاعُهُمَا فَهُمَا مُتَضَادَّانِ، كَالْقُرْءِ الْمَوْضُوعِ لِلطُّهْرِ وَالْحَيْضِ. وَإِنْ صَحَّ اجْتِمَاعُهُمَا فَهُمَا مُتَخَالِفَانِ.
قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ" عَنْ الإِسْنَوِيِّ5: إنَّهُ لَمْ يَظْفَرْ لَهُمَا بِمِثَالٍ6.
"أَوْ" بَيْنَ كَوْنِ مَفْهُومَيْهِ "تَوَاصَلا" بِصِدْقِ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ
1 ساقطة من ش.
2 في ش: اشترك.
3 في ش: في.
4 في ش: و.
5 هو عبد الرحيم بن الحسن بن علي، جمال الدين، أبو محمد، الأسنوي المصري الشافعي، الفقيه الأصولي المفسر النحوي، أشهر كبته "نهاية السول" شرح المنهاج في أصول الفقه و "الكوكب الدري في تخريج الفروع الفقهية على القواعد النحوية" و "التمهيد في تخريج الفروع على الأصول" و "طبقات الشافعية". توفي سنة 772هـ. "انظر ترجمته في الدرر الكامنة 2/ 463، شذرات الذهب 6/ 223، البدر الطالع 1/ 352، بغية الوعاة 2/ 92".
6 انظر نهاية السول 1/ 287.
"بِكَوْنِهِ" أَيْ بِكَوْنِ أَحَدِ الْمَفْهُومَيْنِ "جُزْءَ" الْمَفْهُومِ "الآخَرِ" كَلَفْظِ "الْمُمْكِنِ" فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْمُمْكِنِ بِالإِمْكَانِ الْعَامِّ وَالْمُمْكِنِ بِالإِمْكَانِ الْخَاصِّ1.
"أَوْ" بِكَوْنِهِ "لازِمَهُ" أَيْ لازِمَ الآخَرِ. كَقَوْلِهِمْ: طَلَعَتْ الشَّمْسُ. وَجَلَسْنَا فِي الشَّمْسِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ: "جَلَسْنَا فِي الشَّمْسِ": ضَوْءُ الشَّمْسِ اللَاّزِمُ لَهَا.
"2 وَكَذَا مُتَرَادِفٌ 2 وُقُوعًا" يَعْنِي وَكَذَا3 الْخِلافِ فِي وُقُوعِ الْمُتَرَادِفِ فِي اللُّغَةِ. وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَالْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ: أَنَّهُ وَاقِعٌ فِي اللُّغَةِ فِي الأَسْمَاءِ، وَالأَفْعَالِ وَالْحُرُوفِ فَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي الأَسْمَاءِ: الأَسَدُ وَالسَّبُعُ وَاللَّيْثُ وَالْغَضَنْفَرُ. فَإِنَّهَا كُلَّهَا لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ الْمَعْرُوفِ، وَفِي الأَفْعَالِ: قَعَدَ وَجَلَسَ، وَكَذَا: مَضَى وَذَهَبَ وَفِي الْحُرُوفِ: إلَى، وَحَتَّى. لانْتِهَاءِ الْغَايَةِ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ4، فِي "رَوْضَةِ الْمُحِبِّينَ": "الأَسْمَاءُ الدَّالَّةُ عَلَى مُسَمًّى وَاحِدٍ نَوْعَانِ:
1 انظر نهاية السول 1/ 287.
2 في ش: ولذا يترادف.
3 في ش: وقوع.
4 هو محمد بن أبي بكر بن أيوب الزراعي الدمشقي، شمس الدين، أبو عبد الله، ابن قيم الجوزية الحنبلي، الفقيه الأصولي المفسر النحوي. قال عنه الشوكاني:"برع في جميع العلوم، وفاق الأقران، واشتهر في الأفاق، وتبحر في معرفة مذاهب السلف". من كتبه "مدارج السالكين" و "زاد المعاد" و "إعلام الموقعين" و "الطرق الحكيمة" و "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" توفي سنة 751هـ. "انظر ترجمته في ذيل طبقات الحنابلة 2/ 447، البدر الطالع 2/ 143، شذرات الذهب 6/ 168، الدرر الكامنة 4/ 21، طبقات المفسرين للداودي 2/ 90، بغية الوعاة 1/ 62".
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَدُلَّ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ فَقَطْ. فَهَذَا هُوَ الْمُتَرَادِفُ تَرَادُفًا مَحْضًا. كَالْحِنْطَةِ وَالْبُرِّ وَالْقَمْحِ، [وَالاسْمُ وَالْكُنْيَةُ] 1 وَاللَّقَبُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ2 مَدْحٌ وَلا ذَمٌّ، وَإِنَّمَا أَتَى3 لِمُجَرَّدِ4 التَّعْرِيفِ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ تدُلَّ عَلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ بِاعْتِبَارِ تَبَايُنِ صِفَاتِهَا. كَأَسْمَاءِ الرَّبِّ، وَأَسْمَاءِ كَلامِهِ وَ [أَسْمَاءِ] 5 نَبِيِّهِ، وَأَسْمَاءِ الْيَوْمِ الآخِرِ، فَهَذَا النَّوْعُ مُتَرَادِفٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الذَّاتِ، مُتَبَايِنٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصِّفَاتِ.
فَالرَّبُّ وَالرَّحْمَنُ وَالْعَزِيزُ وَالْقَدِيرُ وَنَحْوُهَا تَدُلُّ عَلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ بِاعْتِبَارِ صِفَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ. وَكَذَلِكَ: الْبَشِيرُ وَالنَّذِيرُ، وَالْحَاشِرُ وَالْعَاقِبُ وَنَحْوُهَا، وَكَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَيَوْمُ الْبَعْثِ وَيَوْمُ الْجَمْعِ وَيَوْمُ التَّغَابُنِ وَيَوْمُ الآزِفَةِ وَنَحْوُهَا. وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ وَالْفُرْقَانُ وَالْكِتَابُ وَالْهُدَى وَنَحْوُهَا، وَكَذَلِكَ أَسْمَاءُ السَّيْفِ. فَإِنَّ تَعَدُّدَهَا بِحَسَبِ "أَوْصَافِهَا، وَأَوْصَافُهَا"6 مُخْتَلِفَةٌ، كَالْمُهَنَّدِ وَالْعَضْبِ7 وَالصَّارِمِ وَنَحْوِهَا.
قَالَ: وَقَدْ أَنْكَرَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ التَّرَادُفَ فِي اللُّغَةِ، وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا هَذَا الْمَعْنَى، وَأَنَّهُ مَا مِنْ اسْمَيْنِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ إلَاّ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ فِي صِفَةٍ أَوْ نِسْبَةٍ أَوْ إضَافَةٍ. سَوَاءٌ عُلِمَتْ لَنَا أَوْ لَمْ تُعْلَمْ.
1 زيادة من روضة المحبين.
2 في ض: به.
3 في روضة المحبين: أتى به.
4 في ش: بمجرد.
5 زيادة من روضة المحبين.
6 في روضة المحبين: أوصافٍ وإضافات.
7 في ش: المعضب.
وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ الْوَاضِعِ الْوَاحِدِ، وَلَكِنْ قَدْ يَقَعُ التَّرَادُفُ بِاعْتِبَارِ وَاضِعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، يُسَمَّى أَحَدُهُمَا الْمُسَمَّى بِاسْمٍ، وَيُسَمِّيهِ الْوَاضِعُ الآخَرُ بِاسْمٍ غَيْرِهِ، وَيُشْتَهَرُ الْوَضْعَانِ عَنْ1 الْقَبِيلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَهَذَا كَثِيرٌ.
وَمِنْ هَذَا2 يَقَعُ الاشْتِرَاكُ أَيْضًا فَالأَصْلُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ التَّبَايُنُ، وَهُوَ أَكْثَرُ اللُّغَةِ"3 انْتَهَى.
"وَلا تَرَادُفَ فِي حَدٍّ غَيْرِ لَفْظِيٍّ وَمَحْدُودٍ" أَمَّا الْحَدُّ اللَّفْظِيُّ: كَالْحِنْطَةِ وَالْقَمْحِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلامُ أَنَّهُ مِنْ الْمُتَرَادِفِ. وَأَمَّا غَيْرُ اللَّفْظِيِّ: كَالإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ: فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَرَادِفٍ؛ لأَنَّ التَّرَادُفَ مِنْ عَوَارِضِ الْمُفْرَدَاتِ؛ لأَنَّهَا الْمَوْضُوعَةُ. وَالْحَدُّ مُرَكَّبٌ، وَلأَنَّ دَلالَةَ الْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ عَلَى الْمَعْنَى غَيْرُ مُتَّحِدَةٍ. فَإِنَّ الْحَدَّ يَدُلُّ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَحْدُودِ بِالْمُطَابَقَةِ، وَالْمَحْدُودُ يَدُلُّ عَلَيْهَا بِالتَّضَمُّنِ، وَلأَنَّ الْمَحْدُودَ يَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَالْوَحْدَةُ4 الْمُجْتَمِعَةُ، وَالْحَدُّ يَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ التَّفْصِيلُ بِذِكْرِ الْمَادَّةِ، وَالصُّورَةِ مِنْ غَيْرِ وَحْدَةٍ.
"وَلا" تَرَادُفَ أَيْضًا فِي نَحْوِ "شَذَرٌ مَذَرٌ"5 عَلَى الصَّحِيحِ، وَنَحْوُ شَذَرٍ مَذَرٍ: حَسَنٌ بَسَنٌ، وَعَطْشَانُ نَطْشَانُ، وَشَغَرٌ بَغَرٌ6، وَشَيْطَانٌ
1 في ز: عند.
2 في روضة المحبين: ههنا.
3 روضة المحبين ص61، 62.
4 في ع: الواحدة. وفي ض: ولوحدة.
5 يقال: ذهب ماله شَذَرَ مَذَرَ: أي تفرق في كل وجه. "الإتباع للحلبي ص87".
6 يقال: تفرق القوم شَغَرَ بَغَرَ: إذا تفرقوا في كل وجه. "الإتباع للحلبي ص17".
لَيْطَانٌ1، وَحَارٌّ يَارٌّ2، وَجَائِعٌ نَائِعٌ، وَثَقِفٌ لَقِفٌ، وَحَيَّاك اللَّهُ وَبَيَّاكَ، وَأُسْوَانُ أَتْوَانُ3: أَيْ حَزِينٌ. وَتَافِهٌ نَافِهٌ4، وَحَلٌّ5 بَلٌّ، وَحَقِيرٌ نَقِيرٌ، وَعَيْنٌ حَدِرَةٌ بَدِرَةٌ: أَيْ عَظِيمَةٌ، وَغَضٌّ بَضٌّ6، وَخَرَابٌ يَبَابٌ، وَسَمْجٌ لَمْجٌ7، وَسَبُعٌ لَبُعٌ، وَشَكِسٌ لَكِسٌ8، وَيَوْمٌ عَكٌّ أَكٌّ9: إذَا كَانَ حُاراً10، وَعِفْرِيتٌ نِفْرِيتٌ، وَكَثِيرٌ بَثِيرٌ، وَشقيح11 لَقِيحٌ، وَثِقَةٌ نقَةٌ12، وَهُوَ أَشَقٌّ أَمَقٌّ خَنِقٌ: لِلطَّوِيلِ13، وَفَعَلْت ذَلِكَ عَلَى رَغْمِهِ وَدَغْمِهِ؛ لأَنَّ الَّذِي 14 بَعْدَ الأَوَّلِ تَابِعٌ 14 لا يُفِيدُ شَيْئًا غَيْرَ التَّقْوِيَةِ، وَشَرْطُ التَّرَادُفِ أَنْ يُفِيدَ أَحَدَ الْمُتَرَادِفَيْنِ لَوْ انْفَرَدَ، لأَنَّهُ مِثْلُ15 مُرَادِفِهِ فِي الرُّتْبَةِ16.
1 يقال: هو شَيْطَانٌ لَيْطَانٌ: وهو الذي يلزق بالشر، من قولك: ما يليطُ بي هذا، أي ما يلزَق. "الإتباع للحلبي ص75".
2 في ش: حان بان، وفي ز: جان بان، وفي ع ض ب: جاز باز.
3 في ش ز ع ض: أفوان.
4 يقال للشيء تافهٌ نافهٌ: إذا كان قليلاً حقيراً. "الاتباع للحلبي ص93".
5 في ز ع ض: وكل.
6 كذا في الإتباع للحلبي ص22، وفي ش: حض مض، وفي ز ع ض ب: خض مض.
7في ش ز د ع: سمح لمح.
8يقال: إنه لشَكِسٌ لَكِسٌ: إذا كان ضيق الخلق. "الإتباع للحلبي ص78" وفي ز ع ب ض: شكش لكش.
9في ش ز ع ب ض: لك.
10 في ش: حلواً.
11 في ش ز ع ب ض: فسيح.
12 في ز: بقة، وفي ش: لقة، وفي ض: تفه نفه. وفي ع: نقة لقة.
13 في ش: الطويل.
14 في ز: بعده.
15 ساقطة من ش.
16 انظر تفصل الكلام على الإتباع والفرق بينه وبين الترادف في "المزهر 1/414-425، نهاية السول 1/ 271" وانظركتاب الاتباع لأبي الطيب الحلبي والاتباع والمزاوجة لابن فارس.
"وَلا" تَرَادُفَ أَيْضًا فِي "تَأْكِيدٍ" لأَنَّ اللَّفْظَ الْمُؤَكَّدَ بِهِ تَابِعٌ لِلْمُؤَكَّدِ، فَلا يُرَادِفُهُ لِعَدَمِ اسْتِقْلالِهِ. "وَأَفَادَ التَّابِعُ التَّقْوِيَةَ" لأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ عَبَثًا1.
"وَهُوَ" أَيْ التَّابِعُ "عَلَى زِنَةِ مَتْبُوعِهِ" حَتَّى لَوْ وُجِدَ مَا لَيْسَ عَلَى زِنَتِهِ لَمْ يُحْكَمْ بِأَنَّهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ "وَ" اللَّفْظُ "الْمُؤَكِّدُ" لِمَتْبُوعِهِ "يُقَوِّي" مَتْبُوعَهُ، لأَنَّ التَّأْكِيدَ هُوَ التَّقْوِيَةُ بِاللَّفْظِ "وَ" يَزِيدُ عَلَى التَّقْوِيَةِ بِكَوْنِهِ "يَنْفِي احْتِمَالَ الْمَجَازِ"2.
وَأَنْكَرَتْ الْمَلاحِدَةُ كَوْنَ الْقُرْآنِ كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى بِسَبَبِ وُقُوعِ التَّوْكِيدِ فِيهِ، لِزَعْمِهِمْ الْقُصُورَ عَنْ تَأْدِيَةِ3 مَا فِي النَّفْسِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، وَجَهِلُوا4 كَوْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ خَاطَبَ عِبَادَهُ عَلَى نَهْجِ لُغَةِ الْعَرَبِ.
"وَيَقُومُ كُلُّ مُتَرَادِفٍ" مِنْ مُتَرَادِفَيْنِ5 "مَقَامَ الآخَرِ فِي التَّرْكِيبِ" لأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّرْكِيبِ إنَّمَا هُوَ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ. فَإِذَا صَحَّ الْمَعْنَى مَعَ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ مَعَ الآخَرِ؛ لاتِّحَادِ مَعْنَاهُمَا6. وَلا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مَا تُعُبِّدَ7 بِلَفْظِهِ، كَالتَّكْبِيرِ وَنَحْوِهِ؛ لأَنَّ الْمَنْعَ هُنَاكَ لِعَارِضٍ شَرْعِيٍّ8. وَالْبَحْثُ هُنَا مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ.
1 انظر المزهر 1/ 402 وما بعدها.
2 انظر نهاية السول 1/ 271، المزهر 1/ 416.
3 في ش: تأكيده.
4 في ش: وحعلوا.
5 في ش: المترادفين.
6 في ش: معناهما من حيث اللغة.
7 في ش: تعدد.
8 في ع ب: شرع.
"فَائِدَةٌ"
الْفَائِدَةُ فِي الأَصْلِ: الزِّيَادَةُ تَحْصُلُ لِلإِنْسَانِ، اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ قَوْلِك "فَادَتْ لَهُ فَائِدَةٌ" مِنْ بَابِ بَاعَ، وَأَفَدْته إفَادَةً أَعْطَيْتُهُ، وَأَفَدْت1 مِنْهُ مَالاً أَخَذْتُهُ. وَفَائِدَةُ الْعِلْمِ وَالأَدَبِ مِنْ هَذَا.
"الْعَلَمُ" مِنْ أَقْسَامِ الْجُزْئِيِّ لا الْكُلِّيِّ، وَهُوَ "اسْمٌ يُعَيِّنُ مُسَمَّاهُ".
فَقَوْلُنَا "اسْمُ" جِنْسٍ مُخْرِجٌ لِمَا سِوَاهُ مِنْ الأَفْعَالِ وَالْحُرُوفِ. وَقَوْلُنَا "يُعَيِّنُ مُسَمَّاهُ" فَصْلٌ مُخْرِجٌ لِلنَّكِرَاتِ. وَقَوْلُنَا "مُطْلَقًا" مُخْرِجٌ لِمَا سِوَى الْعَلَمِ مِنْ الْمَعَارِفِ. فَإِنَّهُ لا يُعَيِّنُهُ إلَاّ بِقَرِينَةٍ: إمَّا لَفْظِيَّةٍ، مِثْلُ "أَلْ" أَوْ مَعْنَوِيَّةٍ، كَالْحُضُورِ وَالْغَيْبَةِ، "فِي أَنْتَ"2 وَهُوَ. وَهَذَا الْحَدُّ لابْنِ مَالِكٍ3.
وَهُوَ قِسْمَانِ:
- قِسْمٌ شَخْصِيٌّ: وَهُوَ الْمَوْضُوعُ لِلْحَقِيقَةِ بِقَيْدِ الشَّخْصِ الْخَارِجِيِّ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "فَإِنْ كَانَ التَّعْيِينُ خَارِجِيًّا فَعَلَمُ شَخْصٍ" كَجَعْفَرٍ: عَلَمُ رَجُلٍ، وَخِرْنَقَ: عَلَمَ امْرَأَةٍ.
- وَأُشِيرَ4 إلَى الْقِسْمِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ "وَإِلَاّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّعْيِينُ خَارِجِيًّا، بِأَنْ لَمْ يُوضَعْ عَلَى شَخْصٍ مَوْجُودٍ5 فِي الْخَارِجِ، وَإِنَّمَا وُضِعَ
1 في ع: وأخذت.
2 في ش: كأنت.
3 عَرَّف ابن مالك في "التسهيل" الاسم العلم بقوله: "هو المخصوص مطلقاً، غلبة أو تعليقاً بمسمى غير مقدر الشياع أو الشائع الجاري مجراه". "تسهيل الفوائد ص30" ولعل المصنف نقل تعريفه عن بعض كتبه الأخرى.
4 في ش: وأشار.
5 في ش: موضوع.
لِلْمَاهِيَّةِ بِقَيْدِ الشَّخْصِ1 الذِّهْنِيِّ "فَـ" عَلَمُ "جِنْسٍ" كَأُسَامَةَ، فَإِنَّهُ عَلَمٌ عَلَى الأَسَدِ بِقَيْدِ تَشَخُّصِ مَاهِيَّتِه فِي ذِهْنِ الْوَاضِعِ. وَكَذَا ثُعَالَةُ عَلَى الثَّعْلَبِ، فَإِنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا لَمْ يُوضَعْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ جِنْسِهِ2 بِعَيْنِهِ. "فَتَشْمَلُ الْمَاهِيَّةُ كُلَّ"3 أَفْرَادِ الْجِنْسِ، وَلا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَا لا يُؤْلَفُ مِنْ الْوُحُوشِ، بَلْ يَكُونُ أَيْضًا لِبَعْضِ الْمَأْلُوفَاتِ. كَأَبِي الْمَضَاءِ لِجِنْسِ الْفَرَسِ4.
"وَ" الاسْمُ "الْمَوْضُوعُ لِلْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ" أَيْ لا بِقَيْدِ تَشَخُّصِهَا5 فِي الذِّهْنِ، وَلا عَدَمِ تَشَخُّصِهَا6. - كَأَسَدٍ- فَهُوَ "اسْمُ جِنْسٍ"7.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَعَلَمُ الْجِنْسِ يُسَاوِي عَلَمَ الشَّخْصِ فِي أَحْكَامِهِ اللَّفْظِيَّةِ: مِنْ كَوْنِهِ لا يُضَافُ، وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهِ حَرْفُ التَّعْرِيفِ، وَلا يُنْعَتُ بِنَكِرَةٍ، وَلا يَقْبُحُ مَجِيئُهُ مُبْتَدَأً، وَلا انْتِصَابُ النَّكِرَةِ بَعْدَهُ عَلَى الْحَالِ، وَلا يُصْرَفُ مِنْهُ مَا فِيهِ سَبَبٌ زَائِدٌ عَلَى الْعَلَمِيَّةِ.
وَيُفَارِقُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لِعُمُومِهِ، إذْ هُوَ خَاصٌّ شَائِعٌ فِي حَالَةٍ8 وَاحِدَةٍ. فَخُصُوصُهُ بِاعْتِبَارِ تَعْيِينِهِ الْحَقِيقَةَ فِي الذِّهْنِ، وَشِيَاعُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ لِكُلِّ شَخْصٍ مِنْ أَشْخَاصِ نَوْعِهِ قِسْطًا مِنْ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ فِي الْخَارِجِ9.
1 في ش: التشخص.
2 في ع: جنس.
3 في ز: فتشمل الماهية على.
4 انظر شرح تنقيح الفصول ص32 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 278.
5 في ض: شخصا.
6 في ض: شخصا.
7 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 278.
8 في ش: جهة.
9 انظر شرح تنقيح الفصول ص33.
وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ عَلَمِ الْجِنْسِ وَاسْمِ الْجِنْسِ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ اسْمَ الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ أَسَدٌ: مَوْضُوعٌ لِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ النَّوْعِ لا1 بِعَيْنِهِ، فَالتَّعَدُّدُ فِيهِ مِنْ أَصْلِ الْوَضْعِ، وَإِنْ عَلَمَ الْجِنْسَ الَّذِي هُوَ أُسَامَةُ مَوْضُوعٌ لِلْحَقِيقَةِ الْمُتَّحِدَةِ فِي الذِّهْنِ. فَإِذَا أَطْلَقْت أَسَدًا عَلَى وَاحِدٍ أَطْلَقْتَهُ عَلَى أَصْلِ وَضْعِهِ، وَإِذَا أَطْلَقْت أُسَامَةَ عَلَى الْوَاحِدِ2 فَإِنَّمَا أَرَدْت الْحَقِيقَةَ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ التَّعَدُّدُ فِي الْخَارِجِ. فَالتَّعَدُّدُ3 فِيهِ ضِمْنًا لا قَصْدًا بِالْوَضْعِ.
وَيَتَسَاوَيَانِ فِي صِدْقِهِمَا عَلَى صُورَةِ الأَسَدِ، إلَاّ أَنَّ عَلَمَ الْجِنْسِ وُضِعَ لَهَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهَا بِاسْتِحْضَارِهَا فِي الذِّهْنِ، وَاسْمَ الْجِنْسِ وُضِعَ لَهَا مِنْ حَيْثُ عُمُومُهَا.
1 ساقطة من ش.
2 في ش: واحد.
3 في ش ز: فالمتعدد.