المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الترتيب المعجمي عند العرب: - البحث اللغوي عند العرب

[أحمد مختار عمر]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ الترتيب المعجمي عند العرب:

2-

‌ الترتيب المعجمي عند العرب:

لا تعرف أمة من الأمم في تاريخها القديم أو الحديث قد تفننت في أشكال معاجمها، وفي طرق تبويبها وترتيبها كما فعل العرب. وقد تعددت طرق وضع المعجم العربي حتى كادت تستنفد كل الاحتمالات الممكنة. وقد كان العرب منطقيين حينما لاحظوا جانبي الكلمة، وهما اللفظ والمعنى، فرتبوا معاجمهم -إجمالًا- إما على اللفظ، وإما على المعنى، وبهذا وجد قسمان رئيسيان هما:

أ- معاجم الألفاظ:

ب- معاجم المعاني:

وقد كان مجال تنافسهم واضحًا بالنسبة للقسم الأول حيث وجدت في داخله طرق متعددة بخلاف القسم الثاني حيث لم يوجد فيه إلا طريقة واحدة. وما أظنهم كانوا سيكتفون بهذه الطريقة الواحدة لو أمكن -عقلًا- الاهتداء إلى طريقة أخرى. وبالنسبة لمعاجم الألفاظ كان هناك عدة أشكال لترتيب الأحرف الهجائية هي:

أ- الترتيب الصوتي الذي يراعي التشابه الصوتي للأحرف وتدرج المخارج.

ب- الترتيب الألفبائي الذي يراعي التشابه الكتابي للأحرف فيضع الثلاثيات متجاورة ثم الثنائيات وينتهي بالأحرف المفردة.

ص: 175

جـ- الترتيب الأبجدي وهو أقدم ترتيب عرفه العرب، وهو ترتيب فينيقي.

ولم يستخدم العرب في معاجمهم الترتيب الأبجدي، وإنما استعملوا الترتيب الصوتي والترتيب الألفبائي.

وقبل أن نتناول أنواع المعاجم العربية بصورة مفصلة نلخص مدارسها في الشكل التالي:

ص: 176

القسم الأول: "معاجم الألفاظ"

سنتناول معاجم هذا النوع على الترتيب التالي:

أ- مدرسة الترتيب الصوتي "أو المخرجي".

ب- مدرسة الترتيب الألفبائي.

وقد أخذت الأخيرة صورًا خمسة هي:

1-

وضع الكلمة تحت أسبق حروفها الأصلية في الترتيب الألفبائي.

2-

وضع الكلمة تحت أول حروفها الأصلية.

3 -

وضع الكلمة تحت أول حروفها دون تجريد.

4-

وضع الكلمة تحت حرفها الأخير دون تجريد.

5-

وضع الكلمة تحت حرفها الأصلي الأخير "الباب والفصل".

جـ- مدرسة الترتيب بحسب الأبنية.

وإليكم تفصيل ذلك:

أ- مدرسة الترتيب المخرجي:

معجم العين للخليل:

رائد هذه المدرسة هو الخليل بن أحمد "100 - 175 هـ" الذي امتاز بعقلية رياضية، وبراعة في الموسيقى والنغم. وخبرة واسعة بأمور اللغة ومشكلاتها.

وقد صب الخليل كل خبراته هذه في معجمه الذي سماه "العين"، والذي يعد أول معجم من أي نوع عرفته اللغة العربية.

ص: 178

وأهم ما يميز هذا المعجم -عدا نظامه- أن مؤلفه لم يجمع مفرداته عن طريق استقراء ألفاظ اللغة، وتتبعها في مؤلفات السابقين، وجمعها من شفاه الرواة، وإنما جمعها بطريقة منطقية رياضية، حيث لاحظ أن الكلمة العربية قد تكون ثنائية وقد تكون ثلاثية، وقد تكون رباعية وقد تكون خماسية.

وفي كل حالة إذا أمكن تبديل حروف الكلمة إلى جميع احتمالاتها "بالانتقال من حرف هجائي إلى الذي يليه" وأمكن تقليب أماكن هذه الحروف إلى جميع أوجهها الممكنة يكون الحاصل معجمًا يضم جميع كلمات اللغة من الناحية النظرية. ولكن لا توجد لغة تستخدم جميع إمكانياتها النظرية، ولهذا كان لا بد للخليل بعدالإحصاء النظري أن يميز بين المستعمل من هذه الصور والمهمل1 وقد فعل ذلك، واستفاد في تمييز المستعمل من المهمل بثقافته اللغوية الخصبة، وبخبرته الصوتية الباهرة، ومعرفته بالتجمعات الصوتية المسموح بها وغير المسموح بها في اللغة العربية. وبذا حكم القوانين الصوتية إلى جانب تحكمة للمادة اللغوية المسجلة.

وإذا تصورنا كيفية حصر الخليل للمادة اللغوية في أبواب الثنائي والثلاثي الصحيح، فإننا نفترض أنه قام بصنيع يشبه الجداول الآتية2 لجمع مواد اللغة "التوافيق" ثم قام بتقليب أصوات كل مادة ليحصل على الصور العقلية الممكنة "التباديل":

1 يكاد يتطابق مفهوم "المستعمل" عند الخليل مع مفهوم "المورفيم" عند المحدثين "المورفيم: أصغر وحدة ذات معنى" أما مفهوم المهمل فيشمل ما يسمى بالمصطلح الحديث "مورف" ويشمل غيره. وذلك لأن المهمل إذا كانت قوانين اللغة الصوتية تسمح به ولكن حدث بمحض الصدفة أن أهمل يسمى "مورفا". أما إذا كانت قوانين اللغة الصوتية لا تسمح به ولا يتصور أن يستخدم في وقت ما فلا يسمى "مورفا" ولكنه هو و"المورف" داخلان في مفهوم المهمل عند الخليل.

2 أهملت العين مع الحاء والهاء والخاء والغين من الثنائي وبدأت بالعين والقاف. وأهملت العين والحاء مع ما يثلثهما، وبدأت أبواب الثلاثي الصحيح بالعين والهاء والقاف.

ص: 179

وقد أثيرت شكوك حول كتاب العين شملت المؤلف نفسه أهو الخليل أم غيره. كما شملت احتمال وجود تأثير أجنبي على معجم العين. وسنترك قضية التأثير الأجنبي لمكانها في الباب الثالث من هذا البحث.

ونتحدث الآهن عن مؤلف العين أهو الخليل أم غيره. ولن نتناول القضية بالتفصيل، فقد سبقنا إليها الدكتور عبد الله درويش الذي خصص بابًا بعنوان "الخلاف حول كتاب العين"1 في كتابه المعاجم العربية.

ولكننا سنكتفي بالعرض السريع المركز.

تتلخص الآراء في مؤلف العين فيما يأتي:

1-

أن المؤلف هو الخليل.

2-

واضع الفكرة هو الخليل والمنفذ هو الليث.

3-

المؤلف هو الليث.

4-

واضع الفكرة، ومؤلف قسم منه هو الخليل. أما الذي أكمله فهو الليث.

أما من نفوا نسبة "العين" للخيل كليًّا أو جزئيًّا -وهذا يجمع الآراء الثلاثة الأخيرة- فقد بنوا رأيهم على ما يأتي:

1-

اختفاء معجم العين منذ عصرالمؤلف حتى منتصف القرن الثالث الهجري. وحين ظهر على أيدي أحد الوراقين الخراسانيين أنكره أبو حاتم السجستاني "255 هـ".

2-

وجود فجوة بين معجم "العين" وثاني معجم يظهر في اللغة العربية وهو معجم الجمهرة لابن دريد "321 هـ". مما يشكك في تأليف العين في القرن الثاني الهجري. فلا بد أن يكون مؤلفه لغويًّا متأخرًا.

1 صفحة 45 وما بعدها.

ص: 183

3-

لم يذكر أحد من تلامذة الخليل أو معاصريه هذا المعجم ولم يحكه عنه، مما يدل على أنه ليس من مصنفات الخليل.

4-

تشكك كثير من العلماء في نسبته للخليل أو إنكارهم هذه النسبة. ومن هؤلاء الأزهري "370 هـ" الذي قال في كتابه التهذيب: "كان الليث رجلًا صالحًا عمل كتاب العين ونسبه إلى الخليل لينفق كتابه باسمه ويرغب فيه". ومن هؤلاء أبو الطيب اللغوي "ت بعد سنة 305" الذي يرى أن ترتيب الأبواب للخليل والحشو لغيره.

5-

استخدام العين لبعض المصطلحات الكوفية مع أن الخليل أستاذ مدرسة البصرة. ومن ذلك إدخاله الرباعي المضعف في باب الثلاثي المضعف.

6-

ما يوجد من خلاف في الترتيب الصوتي ومخارج الحروف بين ما جاء في العين وما جاء في كتاب سيبويه. فلو كان المؤلف هو الخليل لتطابق ما في الكتابين لأن سيبويه حامل علم الخليل.

7-

كثرة الأخطاء والمآخذ في العين.

8-

النقل عن علماء متأخرين أو معاصرين للخليل، والاستشهاد بالمرذول من شعر المحدثين.

9-

نسخ العين التي عثر عليها كلها حديثة.

10-

لا إسناد لكتاب العين.

ويبدو أن منكري نسبة العين للخليل -لكي يجعلوا إنكارهم مقنعًا- قد نسجوا من خيالهم قصصًا شائقة، وإن لم تكن في جملتها مقنعة. فمن ذلك ما يحكيه ابن المعتز عن ذهاب الخليل إلى خراسان ونزوله عند الليث. وقد لاقى الخليل حفاوة وترحيبًا وإكرامًا بالغًا من الليث؛ فقام بإهدائه معجمه "العين". وأعجب الليث بالمعجم وانكب

ص: 184

عليه دراسة حتى كاد يحفظه عن ظهر قلب. وطاب لليث يومًا أن يشتري جارية حسناء، مما أحفظ قلب زوجته عليه، وهداها تفكيرها إلى الانتقام منه في أغلى شيء لديه فأحرقت نسخته من العين. ولم يتوان الليث عن التفكير في طريقة يحيي بها الكتاب من جديد، فأخذ يكتب مرة أخرى ما كان يحفظه من الكتاب حتى أتم نصفه تقريبًا. ثم جمع بعضًا من اللغويين المعاصرين فعاونوه على إتمام الكتاب.

وقد أفضى الأستاذ الدكتور عبد الله درويش في مناقشة هذه الأدلة وأبطلها جميعها بما ملخصه، مع بعض إضافات لي أو لغيري:

1-

يبدو أن عزلة الخليل، وانصرافه عن أن يدون كتبه بنفسه قد ساعد هو وغيره على أن يختفي كتاب العين بعضًا من الوقت فلم يظهر هذا الكتاب إلا بأخرة على يد وراق من خراسان، وربما كان مصير "العين" مثل مصير "الجيم" لأبي عمرو الشيباني، إذ يرون أن أبا عمرو بعد أن أتم تأليفه ضن به على الناس، ولهذا لم تكثر نسخه، ولم يشتهر أمره بين المتأخرين من العلماء1.

2-

أن هناك بعض معاجم ظهرت بين "العين" و"الجمهرة"، وأشهرها "الجيم" لأبي عمرو الشيباني "206 هـ".

3-

ليس من الغريب أن يروي العين عن الخليل الليث وحده، فقد حدث ما هو أغرب من هذا بالنسبة لصحاح الجوهري، ومع ذلك لم يشك أحد في نسبته، حيث لم يروه -كما يقول القفطي- أحد من أهل خرسان.

4-

أما إنكار الأزهري فلا اعتبار له، لأنه كان دائب التجريح لغيره من اللغويين، والانتقاص من قدر الكتب التي ألفت قبله حتى يرفع من قيمة معجمه.

1 دلالة الألفاظ، ص 223، المعاجم للدكتور عبد السميع، ص 38.

ص: 185

5-

أما ما يوجد من خلاف في الترتيب الصوتي1 بين الخليل وسيبويه أو ما يوجد من وفاق بين مصطلح الخليل ومصطلح الكوفيين، فلا شيء يمكن أن يؤخذ منه. وقد سبق أن عرضنا في فصل "النحو والصرف" تحت عنوان "هل وجدت مدارس نحوية عند العرب؟ " أمثلة كثيرة من هذا النوع فارجع إليها. بالإضافة إلى أن تصنيف الكلمات التي تكرر بعض حروفها محل خلاف كبير بين اللغويين، إذ لم يتفقوا فيه على رأي2.

6-

أما الأخطاء أو المآخذ الموجودة في العين؛ فلا دلالة لها كذلك حتى مع التسليم بها. وهل هناك من يزعم أن الخليل منزه عن الخطأ أو التصحيف أو التحريف؟ ومَنْ مِنَ اللغويين قد سلم من أمثال هذه الهفوات؟ ويكفي أن يراجع القارئ كتاب "التنبيه على حدوث التصحيف" لحمزة الأصفهاني "ت حوالي 460 هـ" ليرى مصداق ذلك. وأكتفي بأن أشير إلى الباب الأول من كتابه وعنوانه: "في تصحيفات العلماء في شعر القدماء وهم "أي العلماء" ستة وعشرو" ذكر منهم: أبو عبيدة، الأصمعي، أبو زيد، أبو عمرو بن العلاء، عيسى بن عمر، الخليل بن أحمد، سيبويه، أبو الخطاب الأخفش

وبالإضافة إلى هذا فقد سبق أن ذكرنا أن الخليل قد وجه كل اهتمامه إلى الطريقة الرياضية التي جمع بها مادته اللغوية، وأنه لم يفعل كما فعل غيره من الرجوع إلى الرواة والأعراب ليسمع منهم ويسجل لهم. وهذهطريقة ربما كانت أكثر عرضة للخطأ من غيرها، وإن كانت أدق من الناحية الإحصائية.

1 ورد في "المزهر" للسيوطي ما يفسر هذا الاختلاف حيث ذكر ابن كيسان أنه سمع من يذكر أن الخليل قال: "لم أبدأ بالهمزة لأنها يلحقها النقص والتغيير والحذف، ولا بالألف لأنها لا تكون في ابتداء كلمة ولا في اسم ولا فعل إلا زائدة أو مبدلة، ولا بالهاء لأنها مهموسة خفيفة لا صوت لها. فنزلت إلى الحيز الثاني وفيه العين والحاء فوجدت العين أنصع الحرفين فابتدأت به ليكون أحسن في التأليف....""المزهر" 1/ 90".

2 انظر ديوان الأدب 1/ 25 مقدمة المحقق.

ص: 186

7-

أما ما عثر عليه من نقول، سواء من المعاصرين أو المتأخرين، فيمكن تفسيره بسهولة على النحول التالي:

أ- ما ذكره أهلورات -حيث عثر على قطعتين مخطوطتين لا عنوان عليهما- ووجد فيهما نقولًا عن ثعلب "ت 291" والدينوري "ت 281" وكراع "ت 307" والزجاج "ت 310" وغيرهم- لا قيمة له مطلقًا؛ لأن القطعتين ليستا من كتاب "العين" كما زعم وإنما من كتاب "المحكم" لابن سيده كما حقق الدكتور عبد الله درويش.

ب- أما نقوله عن المعاصرين فلا شيء فيها، وقد كانت هذه طريقة القدماء، يجلس أحدهم إلى من يجد عنده علمًا دون نظر إلى سنة أو بلد ولا نظن أن نقل المؤلف عمن هو أصغر منه سنًّا -ما دام في سن تسمح بالأخذ عنه- يعد أمرًّا غريبًا، أو شيئًا مثيرًا للشبهة.

جـ- وأما نقوله عن المتأخرين فتفسيرنا لها أنها كانت أول الأمر بمثابة حواش أو تعليقات كتبها أحد التلامذة على نسخته من العين. وبمرور الوقت أدخلت هذه الزيادات في صلب الكتاب بفعل النساخ. وقد حدث هذا لكثير من الكتب، فليس "العين" بدعًا من بينها.

8-

وأما الزعم بأن كتاب "العين" ظل بلا إسناد ولا رواية فليس من الواقع في شيء فعندنا ثلاث سلاسل لإسناد الكتاب وهي:

أ- السلسلة الموجودة في النسخة التي طبعت وهي: قال أبو معاذ عبد الله بن عائد: حدثني الليث بن المظفر ابن نصر بن سيار عن الخليل بجميع ما في هذا الكتاب

ب- سلسلة ذكرها ابن فارس في أول المقاييس، وهي عن على بن إبراهيم القطان عن أبي العباس أحمد بن إبراهيم المعداني

عن الليث عن الخليل.

ص: 187

جـ- سلسلة ذكرها السيوطي في "المزهر" وهي عن أبي علي الغساني، عن أبي عمر بن عبد البر، عن عبد الوارث بن سفيان، عن القاضي منذر بن سعيد، عن أبي العباس أحمد بن محمد بن ولاد النحوي، عن أبيه، عن أبي الحسن علي بن مهدي، عن أبي معاذ عبد الجبار بن يزيد، عن الليث، عن الخليل. وقراءة كتاب العين على ابن ولاد ثابتة في عدة مراجع. بل إن الروايات نفسها تتحدث عن وجود نسخة أخرى من "العين" عند أبي جعفر النحاس "وهو معاصر لابن ولاد" كان يقرئها لمن يحب من تلاميذه. وتمضي الروايات قائلة: إن المنذر بن سعيد حينما ذهب إلى مصر قصد أبا جعفر النحاس أولًا، ولكن نشأ بينهما نوع من الجفوة نتيجة تصحيح منذر بن سعيد خطأ وقع فيه النحاس1. ولذلك أبى النحاس أن يقرئ منذر بن سعيد معجم "العين" فانتقل ابن سعيد من مجلس النحاس إلى مجلس ابن ولاد وقرأ عليه ونسخ من نسخته كتاب "العين".

وننتهي من هذا إلى أن معجم "العين" من عمل الخليل -جزئيًّا على الأقل- وإن كان الأرجح أنه كان من عمله. ويبدو أن الدكتور إبراهيم أنيس -برغم تشككه في نسبة العين- يميل مع الرأي الذي ينسبه إلى الخليل وهو يدعم رأيه بقوله: "وفي رأينا أن مثل هذا الترتيب الصوتي الموسيقى لا يمكن أن يقوم به إلا الخليل الذي عرف أنه موسيقى وعني عناية خاصة بالأصوات. والدليل اختراعه علم العروض وتأليفه كتبًا في الموسيقى. فمثله يمكن أن يعني بهذا الترتيب المخرجي".

وقد طبع الجزء الأول من العين عام 1967، وقام بتحقيقه الدكتور عبد الله درويش على ثلاث نسخ مخطوطة. ولكنه توقف عن تحقيقه فتقدم لهذه المهمة الدكتوران إبراهيم السامرائي، ومهدى المخزومي. وقد

1 راجع معجم الأدباء 14/ 183، 4/ 226 - 227، والقفطي 1/ 103، والزبيدي ص24.

ص: 188

نشرا الجزء الأول عام 1980 ثم تتابع نشر بقية الأجزاء حتى اكتمل المعجم في ثمانية أجزاء ظهر آخرها عام 1985.

أما ترتيب الخليل للعين فقد أخذ الصورة الآتية:

1-

رتب كلمات معجمه على الحروف ترتيبًا مخرجيًّا. وقد وجد أعمق الحروف هي حروف الحلق فبدأ بها. ولم يكتف بذلك، بل رتب حروف الحلق فيما بينهما فوجدها ذات مخارج ثلاثة هي: الهمزة والهاء - ثم العين والحاء - ثم الغين والخاء - وقد كان من المتوقع إذن أن يبدأ الخليل معجمه بحرف الهمزة وأن يسمي كتابه بـ "الهمزة"، ولكنه عدل عن ذلك وبدأ بحرف العين وسمى كتابه "العين"، والسر في ذلك أن الخليل قد وجد -بحسه الصوتي- أن الهمزة صوت معرض للتغييرات مثل التسهيل أو الحذف، فلم يشأ أن يبدأ بها، ووجد أن الهاء صوت مهموس خفي فلم يشأ أيضًا أن يبدأ بها. وانتقل إلى الحيز الثاني من حروف الحلق فوجد فيه العين والحاء فبدأ بالعين لأنها "أنصع" أي: أوضح لأنها مجهورة.

2-

كان يلتزم تجريد الكلمة من زوائدها، ثم يضعها في مكانها بعد ذلك، ومعنى ذلك أنه بنى معجمه على "الجذور" أو "ألأصول" وأهمل حروف الزيادة. وقد ظل هذا دأب معظم معاجمنا حتى الآن.

3-

رتب الأصوات على الوجه الآتي:

ع ح هـ خ غ / ق ك / ج ش ض / ص س ز / ط د ت / ظ ذ ث / ر ل ن / ف ب م / وأ ي 1.

1 نظمها بعضهم في قوله:

العين والحاء ثم الهاء والخاء

والغين والقاف ثم الكاف أكفاء

والجيم والشين ثم الضاد يتبعها

صاد وسين وزاي بعدها طاء

والدال والتاء ثم الظاء متصل

بالظاء ذال وثاء بعدها راء

واللام والنون ثم الفاء والباء

والميم والواو والمهموز والياء

ص: 189

4-

خصص لكل حرف كتابًا أسماه باسمه. فالمعجم عبارة عن كتب بعدد حروف الهجاء هي كتاب العين - كتاب الحاء - كتاب الهاء

وهكذا.

5-

وفي كل كتاب كان يضع الكلمات التي تشتمل على الحرف الذي يحمل الكتاب اسمه أيًّا كان موضع هذا الحرف في الأول أو الوسط أو الآخر.

6-

حين يتناول كلمة ما كان يقلبها على جميع أوجهها الممكنة. وكان في كثير من الأحيان يلتزم ببيان الأوجه المستعملة، والأوجه المهملة. فكلمة مثل "قد" تقرأ بوجهين إما مع البدء بالقاف أو مع البدء بالدال. وكلمة مثل "عند" إذا قلبت على أوجهها تنتج ست صور هي: ع ن د - ع د ن - ن ع د - ن د ع - د ع ن - د ن ع.

ولتوضيحها بالنسبة للثلاثي رسم ابن دريد مثلثًا وضع عند كل زاوية منه حرفًا من الحروف الثلاثة للجذر، وتحرك من كل زاوية في الاتجاهين، فحصل على التقليبات الستة:

ولتوضيحها بالنسبة للرباعي رسم الدكتور محمد سالم الجرح جدولًا ذا قوائم أربعة. فإذا وضعنا في القائمة الأولى أحد الأصول جاز لنا أن نضع في الثانية كلًّا من الثلاثة الباقية. ويتبادل مع كل واحد من حروف القائمة الثانية الحرفان الباقيان في الثالثة والرابعة. أي: أننا نحصل على ست صور في القائمة الرابعة مع حرف بعينه في القائمة

ص: 190

الأولى. فإذا ضربنا ذلك في الاحتمالان الأربعة بالنسبة للحرف الأول حصلنا على 24 صورة. فإذا كان الأصل الرباعي مثلًا هو دحرج كان الجدول كما يأتي:

وتتكرر نفس العملية مع كل من الحاء والراء والجيم بوضعها في القائمة الأولى مكان الدال.

فإذا كان الجذر خماسيًّا ضرب هذا الرقم في خمسة فتبلغ صور الخماسي العقلية 120 تقليبًا.

وقد طبق الخليل التقليبات مع جميع كلمات الثنائي والثلاثي وكان ينص على المستعمل من هذه الصور والمهمل. ولكن مع الرباعي والخماسي. وجد أن العملية طويلة والاحتمالات كثيرة والصور المستعملة فعلًا -بالنسبة للمهملة- قليلة جدًّا، ولذا اكتفى بالتقليبات العملية فقط لا الممكنة عقلًا.

7-

نتيجة لنظام التقليبات فإن كل كتاب لا يشتمل على كلمات فيها حروف سابقة: فكتاب "الحاء" لا يشتمل على أي كلمة فيها "عين"، لأن جميع الكلمات التي تشتمل على حرف العين قد سبقت في كتاب العين، وكتاب الهاء لا يشتمل على أي كلمات فيها عين أو حاء لأنها سبقت.... وهكذا. ومعنى هذا أن الكتب الأولى أكبر من الكتب المتأخرة. وكلما تأخرنا قلت كلمات الكتاب. ولهذا فإن كتاب العين يُعد أكبر كتب المعجم وحين نصل إلى كتاب الميم نجده لا يتجاوز بضع عشرة صفحة،

ص: 191

لأنه لم يبق لهذا الحرف ليوفق معه إلا أحرف العلة الثلاثة. أما كتب الحروف المعتلة وهو آخر الكتب فلم يتجاوز بضع صفحات.

8 خضع تبويب الكلمات لنظام الكمية. فمثلًا في باب العين نجد الكلمات مسجلة بحسب التقسيم الآتي:

الثنائي - الثلاثي الصحيح - الثلاثي المعتل - اللفيف - الرباعي - الخماسي - أما الثنائي فقد قصد به الخليل ما وجد فيه حرفان من الحروف الصحيحة، ولو مع تكرار أحدهما في أي موضع طبقًا لنظرية العناصر، فيشمل مثل قد وقد وقدقد. كما يشمل مثل ددن وقلق وجلل. ولذلك يقول ابن القطاع: الثنائي ما كان على حرفين من حروف السلامة، ولا تبال أن تتكرر فاؤه أو عينه"1 وواضح أن اصطلاح الخليل هذا ناتج عن نظام التقليبات الذي اتبعه، لأن مثل ددن وقلق وجلل ستتماثل في صورة من صور تقليباتها وتشترك في موضع التكرير فيها. أما سائر اللغويين ممن لم يقلبوا، فيعتبرون مثل قد وجلل من مضعف الثلاثي، ويعتبرون مثل قدقد من مضعف الرباعي، ويعتبرون مثل قلق من السالم2.

وأما الثلاثي الصحيح فهو عنده -كما عند غيره- ما اجتمع فيه ثلاثة حروف صحيحة. وأما الثلاثي المعتل فما وجد فيه حرفان صحيحان وحرف علة واحد سواء جاء أولًا "مثال" أو وسطًا "أجوف" أو آخرًا "ناقص". وأما اللفيف فقد عنى به ما وجد فيه حرفا علة سواء كانا مفروقين مثل وعى، أو مقرونين مثل كوى.

أما طريقة الكشف في العين فتقضي أولًا تجريد الكلمة من زوائدها لتحديد الجذر، ثم يبحث عن أعمق أصواتها لتحديد الكتاب. فإن كان من بينها "ع" أيًّا كان موضعها؛ فإن مكان الكلمة كتاب العين وإن لم

1 أبنية الأسماء والمصادر، ص 12.

2 شرح الشافية 1/ 34.

ص: 192

يكن بها "ع" ووجد بها "ح" فمكانها كتاب الحاء

ولهذا لا بد أن يعرف الباحث الترتيب المخرجي للحروف، ويفتش عن أقصى حرف في المخرج. فإذا حددنا الكتاب الذي سنبحث فيه عن الكلمة نظرنا إلى ناحية الكم، وحددنا نوع الكلمة أهي من الثنائي أم الثلاثي الصحيح أم الثلاثي المعتل

وبذا نضيق دائرة البحث. وبعد ذلك نحدد مادة الكلمة عن طريق إعادة ترتيبها صوتيًّا. وأخيرًا نقوم بالتقليبات الممكنة، وسنجد جذر الكلمة المطلوبة ضمن هذه التقليبات.

تهذيب اللغة للأزهري:

كان الأزهري مخظوظًا في مقدمة معجمه فنشرت أكثر من مرة، قبل أن تتعهد المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر بتحقيق المعجم بأكمله ونشره. ويرجع الاهتمام بالمقدمة إلى أنها -كما يقول الأستاذ عبد السلام هارون- "من أهم الوثائق في تاريخ التأليف اللغوي وتاريخ المدارس اللغوية الأولى"1.

ويبدو أن الأزهري -وقد امتد به العمر من 282 إلى 370 هـ- قد ألف معجمه هذا بعد السبعين كما يفهم من عبارة له وردت في المقدمة2 وأنه حشد له خبرات هذه الأعوام الطوال، وأمده بكثير مما سجله وقيده وسمعه سواء من الأساتذة أو الأعراب أو القوم الذين وقع في أسرهم، وكانوا عربًا عامتهم من هوازن.

وقد ذكر الأزهري في مقدمة معجمه أن من الروافد التي أمدت معجمه:

1-

تقييد نكث حفظها ووعاها من أفواه الأعراب الذين شاهدهم وأقام بين ظهرانيهم سنيات. إذ كان ما أثبته كثير من أئمة اللغة في الكتب لا ينوب مناب المشاهدة، ولا يقوم مقام الدربة والعادة.

1 مقدمة المحقق، ص 17.

2 يقول: وكنت منذ تعاطيت هذا الفن في حداثتي إلى أن بلغت السبعين مولعًا بالبحث في المعاني والاستقصاء فيها وأخذها من مظانها....

ص: 193

2-

المادة التي جمعها حين وقع في أسر القرامطة. وكان القوم الذين وقع في سهمهم عربًا عامتهم من هوازن، واختلط بهم أصرام من تميم وأسد. وقد كانوا قومًا "لا يكاد يقع في منطقهم لحن أو خطأ فاحش". وقد أقام بينهم -على حد تعبيره- دهرًا طويلًا واستفاد من مخاطباتهم ومحاورة بعضهم بعضًا ألفاظًا جمة ونوادر كثيرة أوقع أكثرها مواقعها في الكتاب1.

ومن يراجع "تهذيب اللغة" بأجزائه الخمسة عشر يجد مئات الأمثلة لهذه المادة التي رواها الأزهري عن طريق المشافهة والنقل المباشر. ولهذا فنحن لا نقر الدكتور عبد الله درويش على تشككه في قيمة المادة المسجلة من هذا الطريق، ووصفه لها بالندور2. ومن أمثلة هذه المشافهة:

1-

وسمعت الأعراب من بني عقيل يقولون: جارية فارهة وغلام فاره إذا كانا مليحي الوجه. "6/ 279".

2-

وخطأ بعض الناس قول القائل: فلان يستأهل أن يكرم بمعنى يستحق الكرامة. قال: ولا يكون الاستئهال إلا من الإهالة، وأجاز ذلك كثير من أهل الأدب. وأما أنا فلا أنكره، ولا أخطئ من قاله لأني سمعته. وقد سمعت أعرابيًّا فصيحًا من بني أسد يقول لرجل أولى كرامة: أنت تستأهل ما أوليت، وذلك بحضرة جماعة من الأعراب فما أنكروا قوله "6/ 418".

3-

سمعت صبيًّا من بني عقيل يقول: وجهي زين ووجهك شين أراد أنه صبيح الوجه وأن الآخر قبيحة

والتقدير: وجهي ذو زين، ووجهك ذو شين "13/ 255".

1 المصدر نفسه 6، 7.

2 المعاجم العربية، ص 29.

ص: 194

ولم يكن للأزهري طريقة معينة في تسجيل مشافهاته:

1-

فتارة يعتمد على الدليل السلبي "أي عدم سماعه عن العرب" في نفي وجود اللفظ أو التعبير ومن ذلك قوله:

أ- ولم أسمعهم يقولون في الغراب: نعق ولكنهم يقولون: نعب "1/ 257".

ب- لم أسمع الوضع في شيء من كلامهم "3/ 84".

2-

وتارة ينص على القبيلة أو الجماعة اللغوية التي سمع منها.

وأكثر من سمع عنهم.

8 بنو تميم "1/ 129، 3/ 263، 5/ 169، 9/ 228، 10/ 562"

* بنو عقيل "4/ 327، 6/ 279، 13/ 255".

* بنو كلاب - الكلابيون "2/ 238، 15/ 446، 650".

* بنو كليب "1/ 376، 7/ 144".

* بنو نمير "13/ 158، 15م 650.

* بنو سعد "2/ 219، 7/ 178".

* قيس "3/ 326، 10/ 562.

* بنو أسيد "10/ 94، 110".

ثم طييء "14/ 359"، وبنو مضرس "15/ 124"، وبنو فزارة "11/ 155"، وبنو سليم "10/ 546"، والهجريون "1/ 344"، والبحرانيون "1/ 62".

3-

وهو في معظم حالاته يسجل سماعه دون أن ينسبه ومن ذلك:

أ- سمعت بعض العرب "1/ 64، 106، 2/ 125، 284....".

ب- سمعت العرب "1/ 113، 151، 152، 178، 308، 328....".

جـ- سمعت غير واحد من العرب "1/ 212، 267....".

ص: 195

د- سمعت أعرابيًّا يقول: "1/ 241، 377

".

هـ هذا سماعي من العرب "1/ 263....".

وسمعت امرأة من العرب "3/ 58....".

ز هكذا سمعت من العرب "3/ 331.....".

ومهما يكن من شيء فإن "تهذيب اللغة" يعد تابعًا في منهجه "للعين" تبعية كاملة، بل بلغ من اتخاذه نموذجًا له أن نقل مقدمة العين في مقدمته نقلًا يكاد يكون حرفيًّا، بعد أن اعترف أن هذه المقدمة -بإجماع اللغويين- من عمل أبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد1.

أما من ناحية المادة اللغوية فحجم التهذيب ضخم جدًّا بالنسبة لحجم العين. وقد أبدى الأزهري كذلك اهتمامًا كبيرًا بأسماء البلدان والأماكن والمياه. واهتم بإيراد الشواهد من القرآن والحديث بالإضافة إلى الشعر، كما عني بإيراد القراءات المختلفة في مكانها المناسب2.

البارع للقالي:

مؤلف هذا المعجم أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي المولود عام 280 هجرية والمتوفي عام 356 هجرية بالزهراء ضاحية من ضواحي قرطبة.

وبعد البارع أول معجم أندلسي، وإن لم يكن له من الأندلسية إلا مكان التأليف.

وقد دخلت نسخة من كتاب "العين" الأندلس، ولم تكن موثقة فأوعز الحاكم الأموي إلى مجموعة من العلماء منهم "القالي" بمقابلة

1 تهذيب اللغة 1/ 41.

2 الجرح، ص 46.

ص: 196

الكتاب ولم يكن القالي يطمئن قبل ذلك إلى صحة نسبة "العين" للخليل.

ولكنه بعد المقابلة اقتنع بصحة نسبته، ولم ينسبه لليث كما فعل غيره، ولا تحفظ فقال:"صاحب العين" كما فعل آخرون.

ويقول الأستاذ هاشم الطعام محقق "البارع": "ولقد أتيح لي وأنا أحقق النص الذي بين يدي من "البارع" أن أقارن ما ورد فيه عن الخليل وهو أعظم الكتاب بنسختين مخطوطتين من العين فإذا بالكتابين متطابقين حذو القذة بالقذة.. وبهذا يكون "البارع" أقدم نسخة وصلت إلينا من كتاب "العين" "ص 66".

وقد أدخل القالي بعض زيادات وأجرى بعض تعديلات في كتاب "العين""فقدم لكل مادة لغوية بما ورد عنها في مروياته. وارتأى أن يخالف في ترتيب الحروف بعض الشيء، وأضاف بعض ما ظنه مهملًا، ونسب الشواهد غير المنسوبة إلى قائليها -متى استطاع إلى ذلك سبيلًا- وأكمل الشواهد المبتورة فكان من ذلك كله البارع. فالبارع إذن ليس إلا كتاب العين "موصولًا". "مقدمة المحقق ص65، 66".

وإلى جانب هذه التعديلات والزيادات نجد خلافات آخرين أحدهما يتعلق بترتيب الأصوات، والآخر يتعلق بالأبواب، فترتيب الخليل قد سبق ذكره، أما ترتيب القالي فهو: هـ ح خ ق ك ض ج ش ل ر ن ط ت ص ز س ظ ذ ث ف ب م وأ ي.

أما اختلاف الأبواب فيتمثل في تسمية القالي للفيف: الحواشي أو الأوشاب وفي إطلاقه على الثنائي اسم: الثنائي في الخط والثلاثي في الحقيقة. والخلاف كما يبدو خلاف لفظي لا حقيقي.

ولم يطبع "البارع" كله لأن المحقق لم يعثر على نسخة كاملة منه،

ص: 197

وإنما عثر على قطعتين إحداهما في المتحف البريطاني والأخرى في مكتبة بباريس، وهما قطعتان مختلفتان. وما زال هناك أمل في العثور على نسخة كاملة في إحدى خزائن الشمال الإفريقي.

مختصر العين للزبيدي:

والكتاب كما هو واضح من عنوانه اختصار لمعجم العين مع تعديلات طفيفة وتصرف ليس بالكثير. ومؤلفه في غنى عن التعريف فهو مؤلف طبقات النحويين واللغويين، ولحن العامة والاستدراك على أبنية سيبويه والواضح في عام العربية، وجميعها قد طبع وحقق1.

وقد اطلعت على الجزء الأول من المطبوع ويقع في ثمانين صفحة. وهي تعادل ست عشرة صفحة من مخطوطة بغداد البالغ عددها 232 صفحة. وقام بتحقيق هذا الجزء علال الفاسي، ومحمد بن تاويت الطنجي، ونشر التحقيق في السلسلة اللغوية التي تصدرها وزارة الدولة في المملكة المغربية.

وأهم ما قام به الزبيدي في مختصر العين:

أ- التنظيم والتبويب: وقد شمل ذلك زيادة باب "للمضاعف الثنائي المعتل" وهو عند الخليل مدمج في باب "اللفيف". كما شمل فصل أحرف العلة والهمزة وعدم دمجها كما فعل الخليل. وقد بدأ الزبيدي بالهمزة يليها الياء فالواو.

ب- تصحيح ما ورد من خلل أو تصحيف في العين مثل: جاء في

أ- حقق الطبقات الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم ونشره بمصر. أما لحن العامة فقد حققه كل من الدكتور رمضان عبد التواب وعبد العزيز مطر. وأما الاستدراك فقد طبع في روما عام 1890. وأما الواضح فقد حققه الدكتور أمين السيد ونشرته دار المعارف عام 1975. وقد توفي الزبيدي عام 379 هـ.

ص: 198

العين: رجل عقيم ورجال عقماء. فصوب الزبيدي هذا الجمع بقوله: ورجال عقمي.

ومثل إيراد الزبيدي كلمة "الفقاعي" وهو الأحمر يخالطه بياض في مادة "فقع" وكانت في كتاب العين في مادة "قفع" لتصحيفها.

جـ الاختصار: وذلك عن طريق حذف الصيغ القياسية كالمصادر والأفعال المضارعة والجموع القياسية، وحذف القواعد والأحكام اللغوية وأسماء اللغويين والرواة. وإسقاط الشواهد كلها نثرية وشعرية "فيما عدا بعض الشواهد القرآنية القليلة، وما فيها من قراءات".

د- الاستدراك: وذلك بزيادة بعض الألفاظ التي أهملها الخليل وهي في اللغة، أو إضافة بعض المعاني التي تركها للكلمة. إلا أن الزبيدي -كما ذكر في خاتمة الكتاب- "لم يستقص جميع ما أهمله العين لأنه اكتفى بكتابه الذي خصصه لهذا الموضوع، ولأنه أراد أن يكون المختصر صورة موجزة لما في الأصل من مواد"1.

المحيط للصاحب بن عباد:

شهد القرن الرابع معجمًا رابعًا يسير على طريقة الخليل وهو معجم "المحيط" للوزير الأديب المشهور الصاحب بن عباد "324 - 385 هـ".

وقد ظل هذا المعجم في زوايا النسيان حتى قام الشيخ محمد حسن آل ياسين بتحقيق بعض أجزاء منه. وقد رجع المحقق إلى نسختين اثنتين إحداهما نسخة المتحف البريطاني والأخرى نسخة كربلاء. وتوجد أجزاء متناثرة منه في مكتبات أخرى من العالم2.

1 أبو بكر الزبيدي وآثاره في النحو واللغة ص 464 - 482.

2 انظر رأي الصاغاني في هذا المعجم بعد، حين عرضنا لمعجم العباب له.

ص: 199

المحكم لابن سيده:

وهو من معاجم القرن الخامس الهجري ومؤلفه أشهر علماء اللغة في الأندلس في هذا القرن، وبرغم أنه كان كفيفًا فقد ألف هذا المعجم وألف معجمًا آخر ضخمًا سيرد فيما بعد وهو "المخصص". ولم يتح للمحكم أن يطبع جميعه بعد، فقد أصدر معهد المخطوطات بالقاهرة جزءه الأول عام 1958 وتتابعت الأجزاء حتى صدر السابع عام 1973 ووصل إلى مادة "ش ص م".

ونظام "المحكم" هو هو نظام العين مع فروق طفيفة، مثل إدماج الخليل الهمزة في حروف العلة، وإفراد ابن سيده الهمزة بالذكر، ومثل احتساب الخليل الألف اللينة حرف علة، وتجاهلها من ابن سيده تمامًا، لأن الألف الممدودة في العربية -ترد إذا كانت أصلية- إما إلى الواو أو الياء.

ويعتبر صاحب "المحكم" بأنه حذف أمورًا لا غناء فيها، ونبه فيه على أشياء لا بد من التنبيه عليها.

أ - فقد حذف مثلًا المشتقات القياسية لاطرادها.

ب- وميز بين المشتبهات كالجمع واسم الجمع وجمع الجمع. ومات ابن سيده عام 458 هـ.

ص: 200

مثالان تطبيقيان على معاجم الترتيب الصوتي:

المثال الأول: إذا أردنا أن نبحث عن كلمة "مريد" في قوله تعالى: {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} نسير على الخطوات الآتية:

الجذر: مرد.

الكتاب: الدال.

القسم: الثلاثي الصحيح.

المادة: درم.

التقليبات: د ر م - د م ر - ر د م - ر م د - م د ر - م ر د

المثال الثاني: إذا أردنا ترتيب عدد من الكلمات في معجم العين أو أحد توابعه فإننا نسير على الخطوات التالية حين يكون المراد ترتيب الكلمات الآتية:

أ- غربال - رفرف - ظنين - تل - تروية - فدان - دبابة - موءودة - دندنة - غيم.

1-

نحدد أعمق الأصوات في كل كلمة ونكتبه فوقها "بعد تجريدها من الزوائد":

غ ر ظ ت ر د د د

غربل - رفرف - ظنن - تلل - روى - فدن - دبب - وأد - د غ

دندن - غيم.

2-

تقسم الكلمات إلى مجموعات حسب أعمق الأصوات هكذا:

مجموعة الغين "غربل - غيم".

مجموعة الدال [فدن - دبب - وأد - دندن] .

مجموعة التاء [تلل] .

مجموعة الظاء [ظنن] .

مجموعة الراء [رفرف - روى] .

ص: 201

3-

ترتب كل مجموعة تشتمل على أكثر من كلمة حسب القسم:

الغين: غيم / غربل.

الدال: دبب / دندن / فدن / وأد.

التاء. تلل.

الظاء: ظنن.

الراء: رفرف / روى.

4-

إذا وجد لفظان ينتميان إلى نفس القسم يرتبان حسب المادة.

وينطبق ذلك على لفظي دندن ودبب اللذين يقعان في قسم الثنائي. وبالحصول على المادة وهي دن ودب نجد دندن تسبق دبب.

وعلى هذا يكون الترتيب النهائي على النحو التالي:

غيم - غربال - دندن - دبابة - فدان - موءودة - تل - ظنين - رفرف - تردية.

ب- دائرة - غضنفر - برائن - دريئة - تمثال - غرنوق - فرند - ورم - ثلاثة - تأييد - غاية.

الترتيب: "غ" غاية - غرنوق - غضنفر.

د- دائرة - دريئة - تأييد - فرند.

ث- ثلاثة - تمثال - براثن.

ر- ورم.

والترتيب النهائي: "1" غاية "2""3" غضنفر "4" دائرة "5" دريئة "6""7" فرند "8" ثلاثة "9" تمثال "10" براثن "11" ورم.

ص: 202

"ب" مدرسة الترتيب الألفبائي:

1-

وضع الكلمة تحت أسبق حروفها1:

الجمهرة لابن دريد:

سار ابن دريد في معجمه الجمهرة على الترتيب الألفبائي العادي، ووضع الكلمات تحت أسبق حروفها في الترتيب الهجائي ولكن عقد نظامه أن المؤلف اتبع المنهج الآتي:

1-

قسم أبينة الكلام إلى ثنائي وثلاثي ورباعي وخماسي وسداسي2 ولفيف، وبدأ بهذا التقسيم. ولم يكتف بهذه القسمة السداسية فعقد الموضوع بتقسيمات فرعية، فالثنائي تحته:

أ- ثنائي صحيح مثل أبب وأزز.

ب- ثنائي ملحق ببناء الرباعي وهو المكرر أو الذي ضعف فيه حرفان مثل زل زل.

جـ- ثنائي ممثل وما تشعب منه مثل باء وثوي "اعتبر الهمزة من حروف العلة". والثلاثي تحته:

أ- ثلاثي صحيح مثل ب ك ل.

ب- ثلاثي يجتمع فيه حرفان مثلان ب ت ت.

جـ- ثلاثي عين الفعل منه أحد حروف اللين مثل باب.

د- ثلاثي معتل الآخر ب ت "و - ا - ي".

وهكذا. وقد تتبع الدكتور عبد السميع أبواب الجمهرة فحصرها في سبعة عشر بابًا3.

1 أسبق حروفها في الترتيب الهجائي مهما كان موضعه في الكلمة.

2-

عبر عنه بقوله: هذه أبواب ألحقت بالخماسي بالزوائد التي فيها - وبقوله: الملحق السداسي - وبقوله: السداسية وإن كان الأصل غير ذلك. وذكر له الأمثلة الآتية: سحنكك ومبرنشق

إلخ.

3 المعاجم العربية، ص 55.

ص: 203

2-

رتب الكلمات تحت كل باب على الترتيب الهجائي العادي. لأنه اعتبر الترتيب الصوتي مسلكًا وعرًا لا يقدر على السير فيه إلا المتخصصون، يقول:"وقد ألف أبو عبد الرحمن بن أحمد الفرهودي كتاب "العين" فأتعب من تصدى لغايته، وعنى من سما إلى نهايته،

ولكنه رحمه الله ألف كتابه مشاكلًا لثقوب فهمه وذكاء فطنته وحدة أذهان أهل دهره، وأملينا هذا الكتاب والنقص في الناس فاش"1، ويقول: "وأجريناه على تأليف الحروف المعجمة، إذ كانت بالقلوب أعبق، وفي الأسماع أنفذ، وكان علم العامة بها كعلم الخاصة"2.

3-

اتبع نظام التقليبات كالخليل. ومعنى هذا أننا لا نجد الكلمة تحت حرفها الأول، وإنما تحت أسبق حروفها في الترتيب الهجائي مهما كان مكان هذا الحرف. فكلمة عبد توجد في الباء لأنها أسبق الحروف في الترتيب، وكلمة سمع توجد تحت السين وهكذا.

ويوجد بين العين والجمهرة وجها شبه رئيسيان هما:

1-

التقسيم الكمي.

2-

التقليب.

كما يوجد بينهما وجها خلاف رئيسيان هما:

1-

الترتيب الصوتي في العين، والهجائي في الجمهرة.

2-

بدء العين بمرحلة الترتيب الهجائي "الصوتي" ثم تقسيم كل حرف تقسيمًا كميًّا، أما الجمهرة فتبدأ بالتقسيم الكمي، ثم تقسم كل نوع إلى أبواب بعدد حروف الهجاء.

وهناك جملة مآخذ أخذت على ابن دريد منها:

1-

التكرار حيث جعل قسمًا للثنائي الصحيح، وهو ما ضعف فيه الحرف الثاني مثل أزز، ثم جعل قسمًا للثلاثي يجتمع فيه حرفان مثلان في أي موضع، وذلك يشمل الثنائي الصحيح وزيادة.

1 الجمهرة 1/ 3.

2 المرجع السابق.

ص: 204

2-

اعتباره الهمزة من أحرف العلة.

3-

من أبوابه باب سماه اللفيف1 وهو يضم الكلمات التي جاءت على أوزان قليلة. وقد حشدها بدون ترتيب وبعضها سبق توزيعه على الأبواب.

4-

في أبواب الثلاثي الصحيح نجده يذكر أمثلة للثلاثي المعتل مثل: ب ن و - ب وهـ مع أن للمعتل بابًا خاصًّا به.

5-

اعتباره تاء التأنيث أحيانًا من بنية الكلمة وعدها ضمن حروفها ومن ذلك ذكره كلمة "عجة" في مادة ج ع هـ وقال: "العجة ضرب من الطعام عربية صحيحة". وحقها أن تذكر في الثنائي الصحيح. والغريب أن ابن دريد ذكرها مرة ثانية في "باب من الثلاثي يجتمع فيه حرفان مثلان في أي موضع". ومن ذلك ذكره كلمة "ثبرة" في الرباعي وتعليله ذلك بأن الهاء لازمة. بل ذكره كلمات ثلاثية لا تلزمها التاء في قسم الرباعي مثل "جلبة" و "جنبة"2.

6-

مناقضته اسم معجمه وما نبه عليه في المقدمة من إيثاره للجمهور من كلام العرب، وتجاهله للوحشي والمستنكر، فأكثر من الألفاظ الغربية، حتى انفرد بأشياء لم ترد في معاجم غيره. ويتضح ذلك من مراجعة المادة اللغوية التي احتواها المزهر للسيوطي في الفصل الخاص بمعرفة الضعيف والمنكر والمتروك من اللغات، فمعظمها مأخوذ من الجمهرة3.

1 قال: وسميناه لفيفًا لقصر أبوابه والتفاف بعضها إلى بعض.

2 هذه المآخذ وردت في المعاجم العربية للدكتور عبد السميع ص 59 وما بعدها. وجلبة الجرح القطعة الرقيقة من الجلد التي تركبه عند البرء.

أما الجنبة فهي علبة تتخذ من جلد جنب البعير.

3 الجرح: ص 43.

ص: 205

7-

وأخطر من هذا، تلك التهمة التي ألصقها به الأزهري وذلك في قوله: "وممن ألف في عصرنا الكتب فوسم بالافتعال وتوليد الألفاظ

وإدخال ما ليس من كلام العرب في كلامها أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد وتصفحت كتاب "الجمهرة" له فلم أره دالًّا على معرفة ثاقبة وعثرت منه على حروف كثيرة أنكرتها ولم أعرف مخارجها"1.

8-

ويبدو أن معظم أخطاء ابن دريد قد نتجت عن عدم خبرته بعلم الصرف وفي ذلك يقول ابن جني: "وأما كتاب "الجمهرة" ففيه أيضًا من اضطراب التصنيف وفساد التصريف ما أعذر واضعه فيه لبعده عن معرفة هذا الأمر. ولما كتبته وقعت في متونه وحواشيه جميعًا من التنبيه على هذه المواضع ما استحييت من كثرته. ثم إنه لما طال على أومأت إلى بعضه وأضربت ألبتة عن بعضه"2.

ويبدو أن ابن دريد كان يحس بالنقص في عمله ويعتذر بأنه أملى الكتاب ارتجالًا "لا عن نسخة، ولا تخليد في كتاب قبله. فمن نظر فيه فليخاصم نفسه بذلك فيعذر إن كان فيه تقصير أو تكرير"3.

ولكننا من ناحية أخرى نجد من العلماء من يشهد له ويقدمه على منافسيه. يقول المسعودي: "وكان ابن دريد ببغداد ممن برع في زماننا هذا في الشعر، وانتهى في اللغة، وقام مقام الخليل بن أحمد فيها، وأورد أشياء في اللغة لم توجد في كتب المتقدمين"4. ويقول

1 1/ 31.

2 المزهر 1/ 93 ثقلا عن الخصائص.

3 الجمهرة 3/ 268.

4 وفيات الأعيان 3/ 448.

ص: 206

أبو الطيب اللغوي: "هو الذي انتهى إليه علم لغة البصريين. وكان أحفظ الناس وأوسعهم علما وأقدرهم على الشعر. وما ازدحم العلم والشعر في صدر أحد ازدحامهما في خلف الأحمر وابن دريد"1.

ويدافع عنه السيوطي قائلا: "معاذ الله هو بريء مما رمى به، ومن طالع الجمهرة رأي تحريه في روايته. ولا يقبل فيه طعن نفطويه لأنه كان بينهما منافرة عظيمة"2.

وكانت وفاة ابن دريد عا م 321 هـ عن نيف وتسعين سنة. وكان قد أصيب بالفالج على رأس التسعين ثم شفي ثم أصيب به مرة ثانية.

وقد طبع معجم الجمهرة في حيدر آباد بالهند عام 1344 هـ في ثلاثة مجلدات ألحق بها مجلد خاص للفهارس. وقد قام على تصحيحه رجلان هما الشيخ محمد السورتي والمستشرق الألماني فريتس كرنكو.

ويبدو أن تعقد منهج "الجمهرة". وتمسك ابن دريد بنظام التقليبات برغم طرحه لترتيب الخليل الصوتي كانا من أسباب انصراف المعجمين عن اتباع نظام "الجمهرة". ولذا يقف ابن دريد وحده دون أتباع أو مريدين3.

1 مراتب النحويين ص 84.

2 المزهر 1/ 93.

3 ولكن هذا لم يمنع تأليف بعض الكتب حوله مثل: فائت الجمهرة لأبي عمر الزاهد، وجوهرة الجمهرة للصاحب بن عباد، وشرح شواهد الجمهرة لأبي العلاء المعري.

ص: 207

مثالا تطبيقيان على معجم الجمهرة:

المثال الأول: للبحث عن كلمة "ربابة" في الجمهرة:

الجذر: ربب.

القسم: الثنائي.

الباب: الباء.

المادة: ب ر.

التقليبات: ب ر - ر ب.

المثال الثاني: ترتيب الكلمات الآتية حسب ورودها في معجم الجمهرة:

علقم - سبابة - ابتلاء - توبيخ - دلال - عصفور - دقيق - انبثاق - ركود - شتيمة.

1-

معجم الثنائي بعد التجريد: "سبب - دلل - دقق".

مجموعة الثلاثي الصحيح: [بثق - ركد - شتم] .

مجموعة الثلاثي المعتل: [بلو - وبخ] .

مجموعة الرباعي: [علقم - عصفر] .

2 ترتيب كل مجموعة حسب أسبق الحروف.

أ- سبب - دلل - دقق.

ب- بثق - شتم - ركد.

جـ- بلو - وبخ.

د- عصفر - علقم.

3-

ترتيب ما اتفق أسبق الحروف فيه حسب المادة:

أ- ب س - د ق - د ل.

ص: 208

"ب" ب ث ق - ت ش م - د ر ك.

جـ- ب خ و - ب ل و.

د- ر ص ع ف - ع ق ل م.

4-

التريب النهائي:

سبابه - دلال - دقيق- انبثاق - شتيمة - ركود - ابتلاء - توبيخ - عصفور - علقم.

2-

وضع الكلمة تحت أول حروفها الأصلية:

ظهر هذا النوع من المعجم منذ وقت مبكر لا يتجاوز النصف الثاني من القرن الثاني الهجري. وأقدم معجم سلك هذا النظام هو:

معجم الجيم لأبي عمرو الشيباني:

وتوجد من المعجم نسخة مصورة في معجم اللغة العربية بالقاهرة. كما قام المجمع بطبعه في ثلاثة أجزاء حقق الأول منها إبراهيم الإبياري "1974" والثاني عبد العليم الطحاوي "1974" والثالث عبد الكريم العزباوي "1975" وألحق بالمعجم جزء رابع يشتمل على الفهارس "1983".

ويعد الشيباني من المعمرين فقد ولد قبل الخليل "94 هـ"، وتوفي بعده "206 هـ". ولهذا يطرح بعضهم احتمال أن يكون الشيباني سابقا للخليل في وضع معجمه1.

وأبو عمرو راوية كوفي أخذ اللغة مشافهة عن الأعراب ورحل إلى البادية، وكانت له مشاركة في رواية الحديث.

1 انظر: في علم اللغة العام لشاهين، ص 197. وانظر في ذكر الخلاف حول مولده ووفاته: مقدمة المحقق لكتاب الجيم، ص 10 وما بعدها. ويختار ديم أن يكون مولده حوالي سنة 120 ووفاته سنة 213 "ص 18، 19".

ص: 209

ويقولون: إن مؤلف الجيم كان ضنينًا به، ولم ينسخ في حياته، ففقد بعد موته إلا يسيرًا. وحين أراد مجمع اللغة العربية تحقيقه لم يعثر إلا على نسخة واحدة ومع ذلك يقول المحقق عن الكتاب:"ولكنه لا شك ليس على صورته النهائية التي أرادها له واضعه، كما أنه لا يحمل مقدمة تعرف بمنهجه وتعلل تلك التسمية" ويقول أيضًا: "هذا إلى أن ورود بعض الأبواب مبتورة يكاد يؤكد لنا أن الكتاب لم يتم استصفاء على يدي صاحبه أبي عمرو وأن الموت عجل به عن ذلك"1.

ويبدو أن عدم تداول الكتاب جعل العلماء يظنون أن سبب التسمية أنه انتهى بحرف الجيم كما ذكر كرنكو أو أنه بدأ بها كما ذكر كثيرون لكن قال أبو الطيب اللغوي: "وقفت على نسخة منه فلم نجده مبدوءًا من الجيم". وكلام أبي الطيب حق، فالمعجم لا يبدأ من الجيم وإنما يسير على الترتيب الهجائي العادي بحسب أوائل الكلمات بعد تجريدها من الزوائد، ولكنه لم يدخل في الترتيب ثواني الكلمات وثوالثها. ولهذا نجد كلمات حرف الألف تتتابع هكذا: أوق - ألب - أفق - أزح - أنف - أرب - أخذ

إلخ.

وربما كانت أهم ميزة لهذا المعجم أن ألفاظه خلاصة استصفاء لشعر شعراء قبائل تربي على الثمانين يكاد جل شعرهم يكون مجهولًا يعز تتبعه في المراجع التي بين أيدينا. كما أن هذه الكلمات تحمل شروحًا لا تنطوي عليها معاجمنا، وتكاد تكون غريبة عليها2.

ولهذا فإن كتاب الجيم يمكن تسميته معجمًا على سبيل التجوز، لأنه يهتم بالألفاظ الغربية التي لا يكاد يعرفها غيره، والتي تنسب إلى قبائل معينة قديمة، ويبدو أن المؤلف -لجريه وراء الغريب- قد أطلق على معجمه لفظًا وأراد به معناه الغريب. فالجيم في اللغة الديباج،

1 ص 35، 46.

2 مقدمة المحقق ص 47، وفرنر ديم ص 57.

ص: 210

وهذا هو المعنى الذي ربما عناه المؤلف تشبيهًا لعمله بالديباج لحسنه1.

ولكن يعكر على هذا التخريج أن تفسير الجيم بالديباج لم يرد في معجم الجيم نفسه.

وهناك احتمال آخر هو أن يكون المؤلف قد بدأ معجمه بالجيم فعلًا، ولكن جاء بعده من أعاد ترتيب الكتاب على الترتيب الهجائي المعروف ويبقى السؤال: لماذا اختار الجيم على هذا الاحتمال؟ الإجابة يلخصها الأستاذ إبراهيم الإبياري محقق الكتاب في قوله:

أ- إما لأنه كره أن يبدأ بالباء أول الحروف لأنه لا بد معها من النص على نقطها حتى لا تلتبس بالتاء والثاء. وهذا يطول العنوان، ولذا بدأ بالجيم الذي لا يلتبس في اسمه بحرف آخر.

ب- أو لأن الجيم أحد حروف خمسة تجمع بين الجهر والشدة2.

وقد كان أول من نوه بمعجم الجيم وأشار إلى أهميته المستشرق ف. كرنكو ولكنه هو ومن جاء بعده من المستشرقين أخفقوا في تحقيقه.

وفي عام 1968 صدرت أول دراسة علمية مفصلة عن المعجم برسالة أعدها فرنر ديم لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة لودفيك مكسيميليان في ميونيخ. وترجم بحث فرنر ديم إلى العربية ونشر عام 1980. وقد أثبت ديم أن كثيرًا من مادة "الجيم" لم يرد في المعاجم الأخرى، وأن علماء اللغة المتأخرين لم يأخذوا منه إلا قليلًا. كما ذكر أن في الجيم

1 هذه المعلومات مأخوذة من بغية الوعاة - كشف الظنون - الأعلام للزركلي - دلالة الألفاظ للدكتور إبراهيم أنيس "ص 223" - محاضرات في علم اللغة للمؤلف "ص 207".

وقد ذكرالدكتور عدنان الخطيب أن لأبي عمرو الشيباني معجمًا سماه "الحروف" رتبه على الترتيب الهجائي العادي "المعجم العربي، ص 29".

وراجع ما ذكره في ص 32، 33 كذلك.

2 مقدمة الجيم ص 38، 40.

ص: 211

عددًا ضخمًا من الشواهد الشعرية التي يصعب العثور عليها في مراجع أخرى. وهذا وذاك يعطي المعجم أهمية كبيرة1.

المقاييس لابن فارس:

ولد ابن فارس "أحمد بن زكريا القزويني" وعاش ومات في القرن الرابع الهجري قرن النهضة المعجمية الشاملة. وكانت ولادته عام 329 هـ2 ووفاته عام 395 هـ. وآثار ابن فارس اللغوية عديدة منها "الصاحبي في فقه اللغة" ومنها "المجمل" بالإضافة إلى معجمه مقاييس اللغة الذي معنا. وقد أقيم نظام المقاييس على أساسيين هما:

1-

اتباع الترتيب الهجائي العادي. ولكنه لم يكن يبدأ ثواني الكلمات من أول الألفبائية ولكن من الحرف الذي يلي الحرف الأول.

وحينئذ فقوله: باب الحاء وما بعدها يعني به الحاء مع الخاء، ثم يسير إلى نهاية الألفبائية، ويبدأ من الهمزة ويقف عند الجيم، وقد شرح الدكتور عبد الله درويش الفكرة قائلًا: فإذا تصورنا أن الأبجدية منتظمة في شكل دائرة فإن الترتيب يبدأ من الحرف المعين مبتدئًا بتأليفه مع

1 ديم ص 148، 158.

2 ذكر ذلك عدنان الخطيب ص 39، وأكد الأستاذ هلال ناجي أنه ولد سنة 312 والأرجح أنه ولد خلال العقد الأول من القرن الرابع أو بداية العقد الثاني "مقدمة التحقيق لمجمل اللغة".

ص: 212

ما يليه في الدائرة ثم ينتقل إلى الحرف الثاني وهكذا حتى تعود الدائرة من حيث بدأت وهكذا:

وفعل مثل في الحروف الثالثة1. وعلى هذا فكلمة مثل "عبد" توضع في المقاييس بعد كلمة "عقد" لأن القاف تلي العين بحرفين أما الباء فلا يأتي دورها إلا بعد الانتهاء من جميع حروف الهجاء ثم البدء بالهمزة ثم الباء2.

2-

تقسيم كل حرف من حروف الهجاء أقسامًا ثلاثة "إن وجدت الثلاثة" أو بعضها "إن لم توجد كلها". وهذه الأقسام هي: "أ" المضاعف. "ب" الثلاثي الأصول. "ج" ما جاء على أكثر من ثلاثة أحرف.

وأهم ما يميز المقاييس إلى جانب ذلك شيئان:

1-

محاولة ربط المعاني الجزئية للمعاني بمعنى عام يجمعها أو معان عامة. وخير مثال لذلك مادة "جن" التي ردها إلى معنى الستر والتستر، وفرع على ذلك: الجنة لأنها ثواب مستور عنهم اليوم -والجنة بمعنى البستان لأن الشجر بورقه يستر- والجنين الولد في بطن أمه - والجنان القلب - والمجن الترس، وكل ما استتر به من السلاح فهو جنة - والجنة المجنون، وذلك أنه يغطي العقل - وجنان الليل سواده وستره الأشياء، والجن سموا بذلك لأنهم مستترون

3.

2-

مذهبه الخاص في الرباعي والخماسي الذي شرحه بقوله:

1 المعجم العربي ص 124.

2 يبدو أن ابن فارس أخذ فكرته البدء في الثواني بما يلي الأوائل وفي الثوالث بما يلي الثواني - أخذها عن معاجم التقليبات. ولكن معاجم التقليبات فعلت ذلك تجنبًا للتكرار، ولا حكمة في صنيع ابن فارس.

3 1/ 421، 422.

ص: 213

"اعلم أن للرباعي والخماسي مذهبا في القياس يستنبطه النظر الدقيق. وذلك أن أكثر ما تراه منحوت. ومعنى النحت أن تؤخذ كلمتان وتنحت منهما كلمة تكون آخذة منهما جميعًا بحظ. والأصل في ذلك ما ذكره الخليل من قولهم: حيعل الرجل إذا قال حي على

فعلى هذا الأصل بنينا ما ذكرناه من مقاييس الرباعي فنقول: إن ذلك على ضربين: أحدهما المنحوت الذي ذكرناه. والضرب الآخر الموضوع وضعًا لا مجال في طرق القياس...."1.

ومن يراجع مادة المقاييس يجد ابن فارس يضيف إلى هذين الضربين ضربًا ثالثًا وهو: "ما يجيء على الرباعي وهو من الثلاثي على ما ذكرناه لكنهم يزيدون فيه حرفًا لمعنى يريدونه من مبالغة"2.

وأمثلة هذه الأنواع الثلاثة كما يلي:

1-

بحتر: القصير المجتمع الخلق من بتر وحتر: فالأول كأنه حرم الطول فبتر خلقه، والثاني لأنه ضيق عليه ولم يعط ما أعطيه الطويل.

2-

أما ما وضع وضعًا فمثل له بالبخنق والبرغز والبرذن والبرشم 3

إلخ.

3-

أما ما زيد فيه حرف فمثاله بلعوم من البلع، وبرقع، بزيادة الباء، وبلسم بزيادة الميم وبلقع بزيادة اللام.

وقد طبع معجم مقاييس اللغة في مصر بتحقيق الأستاذ الكبير عبد السلام هارون في ستة مجلدات وزود بفهارس دقيقة وافية.

1 1/ 329.

2 1/ 335.

3 البخنق: برقع يغشي العنق والصدر. والبرغز: ولد البقرة الوحشية. والبرشم: البرقع.

ص: 214

مجمل اللغة لابن فارس:

عده بعضهم أفضل ما ألف ابن فارس وأشهره: وقد قام بتأليفه -كما ذكر في مقدمته- ليتلافى تعقيدات المعاجم السابقة مثل العين والجمهرة. ولذا ألفه مختصرًا قريبًا، قليل اللفظ، كثير الفوائد1.

ويكشف عنوان الكتاب عن منهجه، وهو الإجمال الشديد، والتقليل من الشواهد والتصاريف. كما أن المؤلف يكشف عن جوانب أخرى من المنهج في مقدمته حين يصف المعجم بصغر الحجم وحسن الترتيب. وفي أوائل الأحرف قد يتحدث المؤلف عن جوانب أخرى من منهجه كقوله في أول حرف الجيم:"هذا باب الجيم من مجمل اللغة وقد ذكرنا فيه الواضح من كلام العرب والصحيح منه دون الوحشي المستنكر. ولم نأل جهدًا في اجتباء المشهور الدال على غريب آية أو تفسير حديث أو شعر. والمتوخي من كتابنا هذا من أوله إلى آخره: التقريب والإبانة عما ائتلف من حروف اللغة فكان كلامًا، وذكر ما صح من ذلك سماعًا، ومن كتاب لا يشك في صحة نسبه"2.

أما ترتيبه فهو نفس ترتيب المقاييس أي الترتيب الهجائي مع بدء الثاني مما يلي الأول والثالث مما يلي الثاني والتقسيم الكمي إلى مضاعف وثلاثي وما زاد على ثلاثة أحرف.

بين المقاييس والمجمل:

رغم اتفاق المعجمين في الترتيب فهما يختلفان في عدة جوانب منها:

1-

يقوم المقاييس على جملة من الأقيسة تتعلق بالثلاثي والرباعي كما سبق أن ذكرنا أما المجمل فمعجم عادي همه إيصال معاني الألفاظ إلى القارئ.

1 مقدمة التحقيق للمجمل ص 96.

2 مجمل اللغة 1/ 382.

ص: 215

2-

ينفرد "المجمل" بذكر مواد كثيرة لم يشر إليها في "المقاييس"1.

وقد طبع "المجمل" طبعتين محققتين، أولاهما بتحقيق زهير عبد المحسن سلطان، في أربعة أجزاء، والأخرى بتحقيق هادي حسن حمودي في خمسة أجزاء، من منشورات معهد المخطوطات العربية بالكويت.

مثالان تطبيقيان على معجمي المقاييس والمجمل:

المثال الأول: البحث عن كلمة "متكلف" في أحد المعجمين:

الجذر: كلف.

الباب: الكاف.

القسم: الثلاثي.

المادة: الكاف واللام وما يثلثهما.

المثال الثاني: ترتيب الكلمات الآتية حسب ورودها في أحد المعجمين:

بهو - حيتان - أتان - تدبير - درهم - بثور - أزيز - صيام - صنبور - برزخ - دخان - صحراء - دهان.

"أ" تقسم الكلمات إلى مجموعات حسب حرفها الأول بعد التجريد:

* أتن - أزز.

* بهو - بئر - برزخ.

* حوت.

* دبر - درهم - دخن - دهن.

* صوم - صنبر - صحر.

1 مقدمة التحقيق للمجمل ص 115.

ص: 216

"ب" ترتب كلمات كل حرف حسب حجمها:

* أزز / أتن.

* بهو - بئر - برزخ.

* حوت.

* دبر - دخن - دهن / درهم.

* صوم - صحر / صنبر.

جـ- ترتب كلمات كل قسم حسب الثواني والثوالث:

* أزز - أتن.

* بئر - بهو - برزخ.

* حوت.

* دهن - دبر - دخن - درهم.

* صوم - صحر - صنبر.

فيكون الترتيب النهائي:

أزيز - أتان - بثور - بهو برزخ - حوت - دهان - تدبير - دخان - درهم - صيام - صحراء - صنبور.

أساس البلاغة للزمخشري:

ولد الزمخشري عام 467، وتوفي عام 538. وهو أول من اكتمل على يديه نظام الترتيب الألفبائي: وقد ذكر في سبب اختياره له ما يأتي: "وقد رتب الكتاب على أشهر ترتيب متداولًا، وأسهله متناولًا، يهجم فيه الطالب على طلبته -موضوعة سعلى طرف الثمام وحبل الذراع". ونظام الزمخشري هو النظام الحديث الذي ينظر إلى الأوائل فإذا اتفقت ينظر إلى الثواني؛ فإذا اتفقت ينظر إلى الثوالث

ويشرح الزمخشري

ص: 217

خطته قائلًا: "من خصائص هذا الكتاب تخير ما وقع في عبارات المبدعين وانطوى في استعمالات المفلقين من التراكيب التي تملح وتحسن

"ومنها التوقيف على مناهج التركيب والتأليف.. بسوق الكلمات متناسقة لا مرسلة بددًا، ومتناظمة لا طرائق قددًا

"ومنها تأسيس قوانين فصل الخطاب والكلام الفصيح بإفراد المجاز عن الحقيقة، والكناية عن التصريح

"1.

ولعل أهم ما يميز الكتاب -إلى جانب سهولة ترتيته- ما التزمه المؤلف من التفريق بين المعاني الحقيقية والمعاني المجازية للكلمة، وبدئه بالمعنى الحقيقي. ومن أمثلة ذلك قوله:

1-

سيف وسنان ذ ر ب. . . وفيه ذ ر ب وذرابة: حدة.. ومن المجاز: لسان ذرب.. وسم ذ رب..

2-

مَج الماء من فيه. وشيخ وبعير ماج: هرم لا يمسك ريقه

ومن المجاز: مزج الشراب بمجاج المزن وبمجاج النحل

وهذا كلام تمجه الأسماع

وإذا كان الزمخشري قد وفق في الأمثلة السابقة وغيرها فهو لم يوفق في بعض آخر مثل:

1-

يقال: أشد من وخز الإبر

ومن المجاز: إبرة القرن لطرفه.

2-

أرتج الباب: أغلقه إغلاقًا وثيقًا

ومن المجاز: أرتجت الناقة. حملت فأغلقت رحمها على الماء

وأرتجت الدجاجة: امتلأ بطنها بيضًا.

3-

كتب الكتاب

انتسخه

ومن المجاز: كتب عليه كذا: قضى عليه

وكتب البغلة وكتب عليها إذا جمع بين شفريها بحلقة

وكتب النعل والقربة: خرزها بسيرين.

1 مقدمة المؤلف ص 8.

ص: 218

وأهم ما نلاحظه على هذه الاقتباسات شيئان:

"أ" أنه ثبت المعاني الحقيقية والأخرى المجازية مع أن المجاز والحقيقة في حركة دائبة ويتبادلان مراكزهما.

ب- أنه عكس الوضع بالنسبة لكلمات "إبرة" و "أرتج" و"كتب" فاعتبر المجاز حقيقة والحقيقة مجازًا.

المصباح المنير للفيومي:

وهو من المعاجم الموجزة، ومؤلفه من علماء القرن الثامن الهجري1. وقد اهتم فيه المؤلف بالاصطلاحات الفقهية، لأنه هدف من تأليف معجمه إلى شرح ألفاظ "شرح الوجيز" الذي كتبه الرافعي2 على "الوجيز"3 للغزالي وفيه أكثر من الاستشهاد بالحديث النبوي4.

والكتاب -كما ذكر الفيومي في خاتمة معجمه- قد جمع أصله من نحو سبعين كتابًا ما بين معاجم وموسوعات وكتب تفسير ونحو ودواوين شعر. ويزيد في قيمة المعجم أن المؤلف ألحق بكتابه دراسة موجزة ضمت قواعد من النحو والاشتقاق والتصريف والمصادر والجموع والتذكير والتأنيث والتفضيل والنسب.

1 لم تحدد المراجع تاريخ مولده، واستنتج بعضهم أن يكون قد ولد قبيل عام 700. أما تاريخ وفاته فقيل في حدود 760 وقبيل 770 هـ.

2 هو إمام الدين عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل بن الرافعي القزويني "557 - 623 هـ" وشرح الوجيز يسمى كذلك: "الشرح الكبير" و "وفتح العزيز في شرح الوجيز".

3 الوجيز كتاب في فقه الشافعية.

4 من ذلك قوله في مادة "ثنى": "أثنيت عليه خيرًا وبخير وأثنيت عليه شرًّا وبشر

وفي الصحيحين: $"مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرًا فقال عليه الصلاة والسلام وجبت. ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرًّا فقال عليه الصلاة والسلام وجبت".

ص: 219

ملاحظة: سارت معاجم هذه المدرسة على اعتبار الأوائل ثم الثواني ثم الثوالث، ولكن هناك طريقة غريبة سار عليها أبو حيان في معجمه "تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب" حيث اعتبر الأوائل ثم الثوالث1.

3 وضع الكلمة تحت أول حروفها دون تجريد:

لم تظهر - في الحقيقة - معجمات قديمة كاملة اتبعت هذا النظام. وإنما ظهرت مجموعة من الكتب اللغوية التي اهتمت بنوع معين من المفردات وأهم هذه الكتب هو:

1-

"المقصور والممدود" لابن ولاد المصري المتوفي عام 332 هـ.

وهو معجم يحصر كلمات المقصور والممدود في اللغة العربية، وسار فيه المؤلف على النحو التالي:

1-

وضع الكلمات تحت أوائلها بدون تفريق بين الأصلي والزائد.

2-

اتباع نظام الترتيب الهجائي العادي وطرح نظام الخليل الصوتي.

3-

عدم إعطاء أي اعتبار لثواني الكلمات أو ثوالثها.

وقد طبع كتاب ابن ولاد حتى الآن طبعتين غير محققتين، إحداهما بإشراف الدكتور بول برونل في لندن - ليدن عام 1900، والأخرى بإشراف السيد محمد بدر الدين الحلبي في القاهرة عام 1908 - وكلتاهما مليئة بالتحريفات والأخطاء.

ب- "غريب القرآن" لأبي بكر محمد بن عزير السجستاني المتوفي عام 330 هـ.

1 انظر مقدمة المحققين ص 7 - 8.

ص: 220

جـ- وقد لاقى هذا النظام رواجًا بصفة خاصة بين المؤلفين في غريب القرآن وغريب الحديث، لأن عملهم في الحقيقة كان يخاطب الجمهور المسلم قبل المتخصصين في البحث اللغوي، ولا شك أن هذا النظام أيسر على القارئ العادي. ونشير بوجه خاص إلى "المفردات في غريب القرآن" للراغب الأصفهاني، و"النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير.

د- كذلك سلك الجواليقي هذا السبيل في كتابه عن الكلمات المعربة في اللغة العربية والذي يحمل اسم "المعرب".

والسر في عدم شيوع هذا النظام بين المعجميين القدماء أنه يمزق كلمات المادة الواحدة، ويفرقها في أماكن متعددة. فمادة "كتب" مثلًا ستوزع مشتقاتها على النحو الآتي:

كتاب وكتاب و

في الكاف

مكتب ومكتوب و

في الميم

تكاتب

و

في التاء.

اكتتاب.... و.... في الألف وهكذا

وبذلك ضحى المعجميون بالسهولة في سبيل لم المتفرق وجمع الشمل.

4-

وضع الكلمة تحت حرفها الأخير دون تجريد:

التقفية في اللغة:

مؤلف هذا المعجم أبو بشر اليمان بن أبي اليمان البندنيجي، الذي ولد عام 200 هـ وتوفي عام 284 هـ. والبندنيجي نسبة إلى بلد يدعى بندنيجين على طرف النهروان من ناحية الجبل من أعمال بغداد في أرض السواد، قرب الحدود العراقية الإيرانية.

ص: 221

رتب المؤلف كتابه على حسب أواخر الكلمات، بغض النظر عن كونها حروفًا أصلية أو زائدة، مع أخذه في الاعتبار قوافي الشعر وكيفية ترتيبها هجائيًّا. ومن أجل هذا -ولأن المؤلف هدف إلى خدمة الشعراء- لم يرتب الكلمات داخلالقافية أي نوع من الترتيب، وإنما اكتفى بتجميع الكلمات تحت الحرف الأخير "حرف الروي في القافية"، مع ما يسبقه حين يكون التزامه ضروريًّا في القافية.

ومما يدل على أن هدف المؤلف لفظي يتمثل في تقديم القوافي المتماثلة -أنه كثيرًا ما كان يسرد الكلمات سردًا متتابعًا دون توضيح معانيها، وتكراره الكلمة في أكثر من موضع بحسب ما يلحقها من زوائد تغير القافية. "فكبير" في قافية و"كبيرة" في قافية أخرى

وهكذا. وقد أفصح المؤلف عن هذا حين قال: إنه "اختار الكلام الفصيح الذي لا يجهله العوام". وحين أطلق على الفروع داخل الحرف الواحد "قافية".

ولنمثل لذلك بباب الراء. فقد بدأ بكلمات: المجر - النجر - البشر - العسر

ثم قال: "قافية أخرى" اشتملت على كلمات مثل: الميرة - كبيرة - صغيرة - جبيرة.... ثم "قافية أخرى" اشتملت على كلمات مثل: قماطر - عذافر - تضافر - تظاهر

ومما يؤكد سيطرة فكرة القافية على تقسيمات المؤلف أنه قسم حرف الألف إلى: باب الألف الممدودة مثل: أباء - خباء - هباء - حرباء - شتاء

ثم باب الألف المهموزة مثل: نبأ - ظمأ - كلأ -

وتحت هذا الباب فروع متنوعة. ففرع يشمل: الظماء - الفناءة - الجراءة

وفرع يشمل: اللألأة - الصأصأة - الدأدأة

وأخيرًا ذكر باب الألف المقصورة ويشمل كلمات مثل: القفا - البلى - الطلى - العلى....

وما دام هدف المؤلف تقديم القوافي للشعراء، وليس هدفه تقديم

ص: 222

العون لمن يريد ضبط كلمة أو معرفة معناها فإنه لم ير أي داع لترتيب الكلمات داخل القافية الواحدة. لأن من يبحث عن قافية معينة لا يهمه ترتيب الكلمات تحت هذه القافية إذ لا بد له أن يقرأ كلمات القافية المرادة كلها. وهذا هو السر في أن المؤلف لم يرتب الكلمات أي ترتيب آخر على الأوائل أو الثواني مثلًا.

ولهذا فلا معنى لقول محقق "التقفية": "فلم يدر بخلده ارتضاء ترتيب هجائي يوفر على المراجع الجهد، مما يدل على عدم اختمار المسألة في ذهنه""انظر ص 24 من المقدمة".

وقد طبع المعجم عام 1976 باسم "التقفية في اللغة" وقام بتحقيقه الدكتور خليل إبراهيم العطية، ونشر في العراق بمساعدة وزارة الأوقاف.

5-

وضع الكلمة تحت حرفها الأصلي الأخير:

رائد هذه الطريقة التي يطلق عليها نظام الباب والفصل أو الترتيب بحسب القافية هو الفارابي اللغوي وعنه أخذها تابعون كثيرون.

ومن الباحثين من ينسب الريادة للبندنيجي مؤلف "التقفية" ومن هؤلاء محقق التقفية الدكتور خليل العطية وكذلك الدكتور عبد الصبور شاهين1. وفي رأيي أن كتاب التقفية لا يمكن اعتباره من معاجم الباب والفصل لما يأتي:

أ- أنه مرتب بحسب الأواخر دون تجريد من الزوائد.

ب- أنه لم تعتبر فيه الأوائل في حال اتفاق الأواخر.

جـ- أن مهمته تختلف عن مهمة المعجم، لأنها تتركز في عرض كلمات اللغة مبوبة على حسب تقسيمات القافية في الشعر العربي. أما مهام المعجم الأساسية التي تتلخص في شرح الكلمات وضبطها بالشكل

1 انظر: في علم اللغة العام، ص 215.

ص: 223

وبيان كيفية كتابتها وتحديد وظيفتها الصرفية

فتكاد تختفي من هذا الكتاب.

صحاح الجوهري:

يعد الجوهري تابعًا لطريقة الفارابي، ولكنه أدخل تعديلًا جوهريًّا عليها إذا طرح الخطوات الكثيرة التي سارت عليها معاجم الأبنية، واختار من منهج الفارابي المعقد فكرة الباب والفصل وحدها وأدار عليها معجمه. ولذا فإن مزيته -على حد تعبير المستشرق الألماني كرنكو- "تنحصر في أنه رتب المادة اللغوية برمتها في ترتيب هجائي واحد".

والاسم الكامل لمعجم الجوهري هو "تاج اللغة وصحاح العربية" ولكنه اشتهر باسم "الصحاح". وتضبط إما بكسر الصاد جمع صحيح وإما بفتح الصاد فتكون مفردًا بمعنى صحيح مثل براء وبريء. وأفضل طبعة للصحاح تلك التي حققها الأستاذ أحمد عبد الغفور العطار.

وقد سار كتاب "الصحاح" في الآفاق وبلغ في الشهرة مبلغًا عظيمًا، ويقول القفطي: إنه لما دخلت نسخة منه مصر نظرها العلماء فاستجودوا قرب مأخذها. ويقول: إن أهل مصر يروون كتاب "الصحاح" عن ابن القطاع الصقلي متصل الطريق إلى الجوهري، ولا يرويه أحد من أهل خراسان1.

وفي رأيي أن كتاب "الصحاح" نال من الشهرة أكثر مما يستحق، وأن الجهد الحقيقي يعود إلى الفارابي لا إلى الجوهري، وأن أصابع الاتهام تشير إلى الجوهري بالأخذ والاغتراف من "ديوان الأدب" بدون أن يشير إلى ذلك أو يلمح حتى إليه.

ولما كانت هذه التهمة خطيرة وتمس مكانة الجوهري العلمية فسنعطيها شيئًا من البسط حتى يتضح فيها وجه الحق.

1 مقدمة العطار لتهذيب الصحاج للزنجاني، ص 42.

ص: 224

بين "الصحاح" و"ديوان الأدب":

ان كرنكو1 أول من تنبه إلى العلاقة بين الصحاح وديوان الأدب، وأشار إلى وجود التشابه بل التماثل بينهما ولكنه تحدث عن ذلك في إيجاز شديد وسطحية ظاهرة، إذ قال: إنه عقد مقارنة بين المعجمين "وكم كانت دهشتي أن أكتشف أن الجوهري لم يكتف بأن عب من ديوان الأدب، بل وجدت -قدر ما استطعت الاستقراء والمقابلة- أن "الصحاح" لا يحتوي على أي شيء لا يوجد في ديوان الأدب".

ولم يحاول أحد من الباحثين منذ نشر المقال "عام 1924" حتى الآن أن يتوفر على درس القضية ويناقشها مناقشة واعية فكل ما وجه إليها ما قاله الأستاذ أحمد عبد الغفور العطار: "ولقد أسرف كرنكو في دعواه ولا سند له. فديوان الأدب للفارابي وصحاح الجوهري موجودان

والفارق بين المعجمين كبير. وبعد كل هذا نجد عمل الجوهري أصح وأكمل وأعظم من عمل خاله الفارابي"، وما قاله: "والتقاء الفارابي والجوهري في نقطة أو نقاط ليس دليلًا على أن الثاني سطا على الأول"2. وحاول الدكتور عبد السميع محمد في أسطر قليلة أن ينفي عن الجوهري دعوى السرقة من خاله الفارابي، وكان أهم ما اعتمد عليه عدم تحدث أحد من العماء عن دعوى النقل هذه3.

أما نحن فليتلخص رأينا فيما يأتي:

1-

هناك اتفاق بين المؤرخين على أن هناك صلة نسب بين الجوهري والفارابي. فمعظم المؤرخين على أن الفارابي خال الجوهري، وروى بعضهم رواية أخرى ضعيفة تقول: إن الجوهري هو خال الفارابي4.

1 في مقال له بعنوان The Beginning of Anabic lexicography

2 مقدمة الصحاح، ص 81، 82.

3 المعاجم العربية، ص 86، 87.

4 إنباه الرواة 1/ 52، ومعجم الأنباء 6/ 61 وما بعدها، ونزهة الألباء، وبغية الوعاة وغيرها.

ص: 225

2-

كما أن من المتفق عليه تاريخيًّا وجود صلة علمية بين الفارابي والجوهري، فقد ذكر المؤرخون أن الجوهري تتلمذ على خاله الفارابي، بل منهم من ذهب إلى تعميق هذه الصلة، وقال: إنها هي السبب في تسمية الجوهري بالفارابي، وأنه سمى بذلك نسبة إلى خاله وأصله هو من فارس1.

3-

من الروايات التاريخية الموثقة أن الجوهري قرأ ديوان الأدب على خاله، وأنه كان يحتفظ بنسخة منه عنده كتبها بخطه. بل أكثر من هذا يقول ياقوت: إنه بعد أن قرأه على مؤلفه بفاراب أعاد قراءته على أبي السري محمد بن إبراهيم الأصبهاني بأصبهان، ثم عرضه على أستاذه أبي سعيد السيرافي ببغداد فقبله ولم ينكره فصار عنده من صحاح اللغة2.

فكل هذه العوامل تجعلنا نقول: إن الجوهري قد استفاد ولا شك من ثقافة خاله وعلمه، وإنه تأثر بشخصيته اللغوية، واستعان بكتاب "ديوان الأدب" في تأليف معجمه "الصحاح".

ولكن إلى أي حد بلغ هذا التأثر؟

وإلى أي مدى استفاد الجوهري من ديوان الأدب؟

هذا ما سنحاول أن نجيب عنه الآن:

1-

وأول شيء ثابت لا يقبل النقاش أن الجوهري أخذ عن "ديوان الأدب" نظام الباب والفصل. وهذه قضية لا يستطيع أحد أن يجادل فيها أو ينكرها. فأمامنا ديوان الأدب وأمامنا الصحاح. ولا شك أن ديوان الأدب أسبق في التأليف من الصحاح، ولا شك أن الفارابي هو السابق بهذا النظام.

1 معجم الأدباء 6/ 62، وبغية الوعاة، وإضاءة الراموس 1/ 45.

2 معجم الأدباء 6/ 63.

ص: 226

وهذه نقطة التقاء هامة لأنها النقطة الجوهرية التي حققت للصحاح الشهرة وأنزلته من المعاجم منزلًا حسنًا. ومعظم صفات المدح التي وصف بها الصحاح ترجع إلى هذا النظام، مثل وصفه بأنه قريب التناول - حسن الترتيب - سهل المطلب لما يراد منه.

ولا أظن أن الأستاذ العطار1 على حق حين يصر على نسبة الفضل في هذا النظام للجوهري مع اعترافه بأن الفارابي هو السابق. ولا أفهم كيف يمكن التوفيق بين قوله: "ولعل من الحق والإنصاف أن نذكر أن بين الفارابي والجوهري نقطة التقاء وهي تقسيم الكتاب إلى أبواب وفصول". وقوله: "والذي نراه أن منهج الجوهري في ترتيب صحاحه باعبتار أواخر الكلمات غير مقصود منه تيسر الأمر على الشعراء والكتاب

أما المنهج الذي اتبعه فهو من ابتكاره "! ! " وهداه إليه علمه الواسع بالصرف واشتغال به" "! ! ".

2-

أما المادة اللغوية، فلتحقيق صلة الصحاح فيها بديوان الأدب لجأت إلى ثلاثة طرق:

أولها: أني رتبت بعض مواد "ديوان الأدب" على ترتيب "الصحاح" ثم قارنت بين النوعين من المادة.

ثانيها: أنني قابلت مادة "ديوان الأدب" على "الصحاح" لأرى مدى اتفاقهما في معالجة الألفاظ، وطريقة تناولها، وبيان معانيها، وأقف على ما زاده أو نقصه كل منهما عن الآخر.

وثالثها: أني عقدت موازنة بين الكتابين شملت أعلام العلماء وأسماء المراجع، والأبحاث النحوية، والشواهد، والمآخذ اللغوية.

وأظننا -بعد هذه الموازنات- نستطيع أن نصدر حكمنا ونحن مطمئنون.

1 مقدمة الصحاح، ص 122، 125.

ص: 227

أولًا:

تحليل بعض المواد اللغوية

مادة حبب:

الصحاح

1-

الحبة واحدة حب الحنطة، ونحوها من الحبوب.

2-

وحبة القلب سويداؤه ويقال: ثمرته وهو ذاك.

3-

والحبة السوداء والحبة الخضراء.

4-

والحبة من الشيء القطعة منه.

5-

ويقال للبرد: حب الغمام وحب المزن وحب تر.

6-

ابن السكيت: وهذا جابر ابن حبة اسم للخبز وهو معرفة.

7-

والحبة بالكسر بزور الصحراء مما ليس بقوت. وفي الحديث: $"فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل" والجمع حبب.

8-

والحبة بالضم: الحب. يقال: نعم وحبة وكرامة.

9-

والحب: الخابية فارسي معرب. والجمع حباب وحببة.

10-

والحب المحبة وكذلك الحب بالكسر. والحب أيضًا الحبيب مثل خدن وخدين.

ديوان الأدب

1-

الحبة واحدة الحب من كل الحبوب.

2-

وحبة القلب ثمرته.

3 وهي الحبة الخضراء والحبة السوداء.

4-

........ ............

5-

....... ...........

6-

....... ...........

7-

والحبة بزور الصحراء.

8-

......... ...........

9-

والحب: الخابية، والجمع حباب.

10-

فلان حبي أي حبيبي، كما تقول: خدن وخدين. والحب أيضًا لغة في الحب "انظر 33".

ص: 228

الصحاح

11-

يقال: أحبه فهو محب وحبه يحبه بالكسر فهو محبوب، قال الشاعر:

أحب أبا مروان من أجل تمره

وأعلم أن الرفق بالمرء أرفق

ووالله لولا تمره ما حببته

ولا كان أدنى من عبيد ومشرق

وهذا شاذ لأنه لا يأتي في المضاعف يفعل بالكسر إلا ويشركه بفعل بالضم إذا كان متعديًا ما خلا هذا الحرف.

12-

ويقال: ما كنت حبيبًا، ولقد حببت بالكسر أي: صرت حبيبًا، ولقد حببت بالكسر أي: صرت حبيبًا.

13-

الأصمعي: قولهم: حبّ بفلان معناه ما أحبه إلي. وقال الفراء: معناه حبب بضم الباء ثم أسكنت وأدغمت في الثانية. وقال ابن السكيت في قول ساعدة:

هجرت غضوب وحب من يتجنب

وعدت عواد دون وليك تشعب

أراد حبب فأدغم، ونقل الضمة إلى الحاء لأنه مدح. ومنه قولهم: حبذا زيد. فحب فعل ماض لا يتصرف وأصله حبب على ما قال الفراء، وذا فاعله، وهو اسم مبهم من أسماء الإشارة، جعلا شيئًا واحدًا فصار بمنزلة اسم يرفع ما بعده. وموضعه رفع بالابتداء، وزيد خبره فلا يجوز أن يكون بدلًا من ذا لأنك تقول: حبذا المرأة ولو كان بدلًا لقلت:

حبذه المرأة قال الشاعر جرير:

ديوان الأدب

11-

ذكر في باب فعل يفعل.

يقال: حببته بمعنى أحببته. وهذا شاذ لأنه لا يأتي يفعل -بالكسر- في المضاعف وهو واقع إلا أن يشركه يفعل.

12-

....

13-

.....

ص: 229

الصحاح

وحبذا نفحات من يمانيه

تأتيك من قبل الريان أحيانا

14-

وتحبب إليه تودد.

15-

وتحبب الحمار إذا امتلأ من الماء، وشربت الإبل حتى حببت أي: تملأت ريا.

16-

وامرأة محبة لزوجها، ومحب لزوجها أيضًا عن الفراء.

17-

الاستحباب كالاستحسان.

18-

وتحابوا أي: أحب كل واحد منهم صاحبه.

19-

الحباب بالكسر المحابة والموادة.

20-

الحباب بالضم الحب قال الشاعر:

فوالله ما أدري وإني لصادق

أداء عراني من حبابك أم سحر

21-

الحباب أيضًا الحبة.

وإنما قيل: الحباب اسم شيطان؛ لأن الحية يقال لها: شيطان. ومنه سمي الرجل.

22-

وحباب الماء بالفتح معظمه قال طرفة:

يشق حباب الماء حيزومها بها

كما قسم الترب المفايل باليد

ويقال أيضًا: حباب الماء: نفاخاته التي تعلوه وهي اليعاليل.

23-

ويقول أيضًا: حبابك أن تفعل كذا أي غايتك.

24-

والأحباب البروك.

ديوان الأدب

14-

تحبب إليه أي تودد.

15-

وتحبب الحمار إذا امتلأ من الماء.

16-

.... ....

17-

استحبه عليه أي آثره واستحبه أي أحبه.

18-

تحابوا أي أحب كل واحد منهم صاحبه.

19-

والحباب الحبيب.

20-

.......... ............

21-

الحباب: الحية. ومنه سمي الرجل الحباب. وإنما قيل الحباب اسم شيطان لأن الحية يقال لها شيطان.

22-

حباب الماء معظمه والحبابة واحدة حباب الماء.

23-

ويقال: حبابك أن تفعل كذا أي غايتك.

24-

والأحباب هو البروك.

ص: 230

الصحاح

25-

والأحباب في الإبل كالحران في الخيل، قال الشاعر:

ضربت بعير السوء إذ أحبا

أبو زيد: يقال بعير محب. وقد أحب أحبابًا، وهو أن يصيبه مرض أو كسر فلا يبرح من مكانه حتى يبرأ أو يموت، وقال ثعلب: يقال أيضًا للبعير الحسير: محب وأنشد:

جبت نساء العالمين بالسبب

فهن بعد كلهن كالمحب

26-

وأحب الزرع وألب إذا دخل فيه الأكل، وتنشأ فيه الحب والب.

27-

الحبب بالتحريك تنضد الأسنان قال:

وإذا تضحك تبدي حببا.

28-

الحباب اسم رجل بخيل كان لا يوقد إلا نارًا ضعيفة مخافة الضيفان فضربوا بها المثل حتى قالوا: نار الحباحب لما تقدحه الخيل بحوافرها.

قال النابغة يذكر السيوف:

نقد السلوقي المضاعف نسجه

وتوقد بالصفاح نار الحباحب

وربما قالوا: نار أبي حباحب، وهو ذباب يطير بالليل كأنه نار، قال الكميت:

يرى الراءون بالشفرات منها.

كنار أبي حباحب والظبينا وربما جعلوا الحباحب اسمًا لتلك النار، قال الكسعي:

ما بال سهمي يوقد الحباحبا.

ديوان الأدب

25-

ويقال للبعير: محب إذا كان لا يبرح موضعه من كسر أو مرض.

26-

........ .........

27-

حبب الأسنان تنضدها.

28-

نار الحباحب النار التي توريها الخيل بحوافرها من الحجارة. ويقال الحباحب اسم رجل كان بخيلًا جدًّا.

ص: 231

الصحاح

قد كنت أرجو أن يكون صائبًا

29-

حبان بالفتح اسم رجل موضوع من الحب.

30-

الحباحب بالفتح الصغار، الواحد حبحاب، قال الهذلي:

دلجي إذا ما الليل جن

على المقرنة الحباحب

يعني بالمقرنة الجبال التي يدنو

بعضها من بعض.

31-

حبى على فعلي اسم امرأة، قال هدبة بن خشرم:

فما وجدت وجدي بها أم واحد

ولا وجد حبي بابن أم كلاب

32-

..... .....

33-

انظر رقم 10

34-

.... .... ....

35-

..... .....

36-

.... ......

37-

.... .... .....

38-

.... ......

ديوان الأدب

29-

حبان من أسماء الرجال.

30-

الحبحاب الصغير الشأن الحقير.

31-

..... ....... ..........

32-

الحب الخشبات الأربع التي توضع عليها الجرة ذات العروتين.

33-

المحبة الحب.

34-

هو الحبيب.

35-

يقال: أتانا زمن الحباب أي: زمن تلقيح النخل.

36-

حبان من أسماء الرجال.

37-

حببت الرجل إذا أطعمته الحب.

38-

حبب الله إليه الإيمان وهو نقيض التكريه.

ص: 232

ومن هذه الموازنة نخرج بالنتائج الآتية:

1-

توجد في الصحاح ريادات ليست في ديوان الأدب مثل الفقرات 5، 6، 13، 26، 31، ومثل الزيادات التي نجدها داخل الفقرات على سبيل الشرح أو التفصيل أو الاستشهاد.

ونلاحظ أن بعض هذه الزيادات يحتاج إلى نقل عن مرجع آخر كالفقرة رقم 13 وهي موجودة في "تهذيب اللغة"، وبعضها موجود في العين، وكالفقرة رقم 26 ولم أجدها في "العين" ولا "الجمهرة" ولا "تهذيب اللغة"، كما أن بعض من قبيل التطبيق أو الشرح والتفصيل الذي لا يحتاج إلى مرجع.

2-

كما توجد في "ديوان الأدب" زيادات ليست في "الصحاح" مثل الفقرة رقم 32 وهي موجودة في التهذيب والعين، والفقرتين رقم 35، 37 ولم أجدهما لا في العين ولا التهذيب ولا الجمهرة.

3-

ولكننا إلى جانب ذلك نلمح شبهًا كبيرًا وأحيانًا تماثلًا بين بعض الفقرات مثل:

أ- الفقرة رقم 3، فالعبارة هي العبارة، والغموض في العرض هو الغموض. والعبارة -بعد هذا- لم ترد في العين ولا التهذيب ولا الجمهرة.

ب- ومثل رقم 9، وتفسير الحب بالخابية لم يرد في العين ولا الجمهرة ولا التهذيب. وعبارة الخليل. الحب الجرة الضخمة. وعبارة الجمهرة: الحب الذي يكون فيه الماء. وعبارة التهذيب هي عبارة الخليل.

جـ- ومثل الفقرة رقم 18. ولم ينص في "العين" ولا في "الجمهرة" ولا في "التهذيب" على هذا المعنى لأنه مفهوم من الصيغة. ولكنا نجده عند الصحاح بعبارة ديوان الأدب.

ولو لم يكن قد أخذ العبارة منه لوجدنا اختلافًا بين العبارتين. وقد كان في إمكان الجوهري أن يقول مثلًا: أي أحب بعضهم بعضًا، أو أحب كل واحد منهم أخاه، أو أحب كل منهم الآخر.

ص: 233

3-

كما نجد زيادات كثيرة في الصحاح ليست في ديوان الأدب.

ولسنا في حاجة إلى ضرب الأمثلة على ذلك، فهو واضح من الموازنة السابقة بين مادة حبب في "ديوان الأدب" والصحاح، كما يتضح من المقارنة بين حجمي المعجمين، فحجم الصحاح يبلغ مثلي ديوان الأدب، ولذلك جاء أكثر ألفاظًا وأوفر مادة.

4-

ونجد أيضًا زيادات في "ديوان الأدب" ليست في "الصحاح"، ولكنها قليلة بالنسبة لزيادات "الصحاح" قلة ظاهرة. وقد جمعت هذه الزيادات فلم تزد على بضع صفحات1.

ثالثًا: دراسة الظواهر المشتركة

1-

إذا قارنا بين المعجمين من حيث الأعلام نجد الجوهري مكثرًا من ذكر أسماء العلماء والرواة بخلاف الفارابي الذي كان مقلًّا جدًّا.

2-

ومن حيث المراجع، لم يذكر الفارابي اسم أي مرجع من المراجع التي رجع إليها في حين أن الجوهري كان أحيانًا يذكر اسم المرجع ومن هذه المراجع. الإبل للأصمعي، والهمز لأبي زيد، الكتاب لسيبويه، والفرق للأصمعي، والغريب المصنف لأبي عبيد، والفرس للأصمعي.

3-

ونجد الأبحاث النحوية كثيرة في الصحاح، وتفوق نظيرتها في ديوان الأدب.

1 راجع رسالتنا للماجستير عن الفارابي اللغوي، ص 312.

ص: 237

4-

أما الشواهد فتفوق في الصحاح عددها في ديوان الأدب، سواء كانت قراءات قرآنية أو أحاديث نبوية أو أمثالًا أو أبياتًا شعرية. وهناك شواهد لم ينسبها الفارابي ونسبت في الصحاح، أو جاءت ناقصة في ديوان الأدب ورواها الجوهري كاملة كما أن هناك أشياء خالف فيها الصحاح ديوان الأدب1.

5-

وأما المآخذ اللغوية التي أخذها العلماء على الصحاح فنجد كثيرًا منها مشتركًا بين الصحاح وديوان الأدب، وبعضًا منها ينفرد بها الصحاح، مما يدل على أن الجوهري لم يأخذها من ديوان الأدب.

ومن أمثلة المآخذ المشتركة بينهما:

أ- قال الفارابي: الشَّبَر العطية وأصله بالتسكين.

قال العجاج: الحمد لله الذي أعطى الشَّبَر.

وقال الجوهري: ومصدره الشبر "بالسكون" إلا أن العجاج حركة فقال:

الحمد لله الذي أعطى الشبر.

قال ابن بري: وقول الجوهري إن الأصل فيه الشبر بسكون الباء

وهم لأن الشبر مصدر شبرته إذا أعطيته والشبر اسم للعطية.

ب- ذكر الفارابي كلمة "اللفاء" في الناقص لا المهموز، وكذلك فعل الجوهري.

1 راجع تفصيل ذلك في المرجع السابق، ص 313، 323.

ص: 238

قال الصغاني: والمهموز موضعه.

جـ- ذكر الفارابي "الزرجون" في باب فعلول على اعتبار أن نونها أصلية. وكذلك فعل الجوهري إذ ذكرها في باب النون فصل الزاي.

قال الصغاني: وموضعه "زرج" لأن وزنه فعلون والجيم لام الكلمة.

د- قال الفارابي في باب مفعل: منعج اسم موضع. وكذلك ضبطها الجوهري "بالفتح".

قال الصغاني: والصواب فيه كسر العين، ولعله نقله من كتاب الفارابي.

هـ- قال الفارابي: وسالم من أسماء الرجال. وقال بعضهم: يقال للجلدة التي بين العين والأنف سالم. ومثل هذا في الصحاح.

قال الصغاني: وهذا غلط وقد تبع خاله الفارابي في أخذ اللغة من معنى الشعر.

وقال الفارابي: غضبي مائة من الإبل وهي معرفة لا تدخلها الألف واللام. ومثل هذا قاله الجوهري.

وقال الفيروزآبادي: قول الجوهري تصحيف والصواب غضيا بالمثناة من تحت. وغير ذلك كثير وكثير.

ويتضح من هذا كله وجه الشبه الكبير في المادة اللغوية بين الصحاح وديوان الأدب، فما معنى هذا؟ وما تفسيره؟

قد يقال: إن الجوهري لم يأخذ تلك المادة من الفارابي، وإنما أخذها من أصوله ومراجعه الأولى.

ولكن الذي يبدو أن الجوهري قد استعان بديوان الأدب مباشرة

ص: 239

وأنه أخذ منه كثيرًا من مادته اللغوية مما أدى إلى هذا التشابه أو التماثل في بعض الأحيان. ويبدو أيضًا أن كثرة ما أخذه الجوهري عن خاله كانت السبب في إغفاله ذكر اسمه في معجمه جميعه إغفالًا تامًّا، وإلا فلو حرص على ذكر اسمه في كل موضع لتكرر اسمه في كل صفحة ولسجل الجوهري على نفسه الحكم بالتبعية، وهو ما حاول أن يخفيه ويطمس معالمه.

وإلا فكيف نعلل تسجيل الجوهري أسماء العلماء الذين نقل عنهم "وأسماء المراجع في بعض الأحيان" ومنهم من نقل عنه مرة واحدة أو مرتين، وفي مسائل غير ذات بال، ومنهم من لا يتمتع بمثل شهرة الفارابي وطيب سمعته1؟ ولو أن الجوهري كان حسن النية، أو لو أنه لم يأخذ كل هذه المادة المشتركة من "ديوان الأدب" مباشرة لذكر اسمه ولو مرة واحدة. وإذا كان الجوهري قد أحس بالحرج من كثرة تردد اسم خاله في كل صفحة، فلا أقل من أن يشير إلى اسمه في مقدمة معجمه ويشيد بفضله.

ولكننا مع هذا لا نوافق كرنكو في قوله: "إنه ليس في الصحاح شيء لا نجده في ديوان الأدب" فالصحاح أوسع مادة وأكثر كمًّا من ديوان الأدب، وهو يحتوي على زيادات كثيرة لا نجدها في ديوان الأدب كما سبق أن ذكرنا، وأظنه لو عكس القضية فقال:"ليس في ديوان الأدب شيء إلا نجده في الصحاح" لكان أقرب إلى الصواب وأدنى إلى الحقيقة، وإن كان هذا الحكم كذلك ليس على إطلاقه.

والخلاصة أن الصحاح متأثر بديوان الأدب في نظامه، وفي مادته اللغوية، وأنه استفاد منه كثيرًا -مباشرة وبالواسطة - وإن اشتمل

1 ممن نقل عنهم الجوهري مثلًا أبو الغوث "في عجين أنبجان". والجوهري ينقل في صحاحه عن أساتذته المباشرين -من طبقة الفارابي- كأبي علي الفارسي وأبي سعيد السيرافي، ويبدو أن الجوهري كان من دأبه إغفال أهم الأسماء التي اعتمد عليها، فقد فعل نفس الشيء بالنسبة لابن قتيبة، فقد أغفل ذكر اسمه إغفالًا تامًّا برغم كثرة ما أخذه عنه وكثرة إشاراته إلى العلماء بشكل ملحوظ.

ص: 240

على زيادات كثيرة ليست فيه، وقد أحس بهذه الاستفادة الصغاني من قبل فنبه في أكثر من موضع من كتابه "التكملة" على ذلك كما سبق أن ذكرنا. كذلك أدركها الفيومي فأشار إليها أكثر من مرة في معجمه المصباح المنير1.

الأعمال التي دارت حول الصحاح:

لاقى الصحاح اهتمامًا كبيرًا من الطلاب والباحثين منذ ظهوره وكتبت عليه شروح وتعليقات عديدة، كما قال أكثر من عالم باختصاره. وقد أخذت الأعمال التي دارت حول الصحاح أشكالًا خمسة هي:

1-

التوهيم.

2-

الدفاع.

3-

التذييل والتعليق.

4-

الاختصار.

5-

الترجمة.

وأشهر ما ألف في توهيم الصحاح كتابان هما:

أولًا: التنبيه والإيضاح عما وقع من الوهم في كتاب الصحاح، الذي يعرف كذلك بحواشي ابن بري. وقد نشره مجمع اللغة العربية بالقاهرة باسم:"كتاب التنبيه والإيضاح عما وقع في الصحاح" بتحقيق الأستاذين مصطفى حجازي وعبد العليم الطحاوي "1980 - 1981".

وهذا الكتاب يعد من أسبق التعليقات النقدية على الصحاح؛ لأن مؤلفه عبد الله بن بري المصري قد ولد عام 499 هـ وتوفي عام 582هـ. فإن علمنا أن الصحاح قد دخل مصر على يد ابن القطاع المتوفي

1 انظر مثلًا مادة سدد وشوش.

ص: 241

عام 515هـ أدركنا مدى حرص ابن بري منذ نشأته على الاشتغال بهذا الكتاب والنظر فيه، وتتبع ما فيه "محصيًا غلطاته ومخرجًا سقطاته".

ولا ترجع أهمية حواشي ابن بري "التنبيه والإيضاح" إلى قدمها فقط، وإنما إلى جملة أمور، من بينها:

1-

أنها أحد الأصول الخمسة التي وثق فيها ابن منظور "مؤلف لسان العرب"، وبنى عليها معجمه.

2-

أنها من كتب اللغة القلائل التي توفر لمؤلفيها عمق النظرة، ودقة الرواية، وكثرة المحفوظ، وسعة الاطلاع إلى جانب العناية الفائقة بالنحو والتصريف.

وقد عرف ابن بري بهذه الصفات؛ فلفت الأنظار إليه وهو في سن مبكرة، ووقع عليه الاختيار وهو في الحادية والعشرين من عمره ليتولى التصفح في ديوان الإنشاء بمصر "فكان لا يصدر كتاب عن الدولة إلى ملك من ملوك النواحي إلا بعد أن يتصفحه ويصلح ما لعله فيه من خلل خفي".

وقد جمع ابن بري إلى علمه أدبًا جمًّا ولسانًا عفًّا، فكان -كما يقول محقق الكتاب- "لا يسارع إلى التخطئة، ولا يتهم بالغفلة أو الجهل. وهذه سمة العلماء، يعرفون فضل المتقدم ويحترمون اجتهاد غيرهم

". ويعجب الزبيدي بأدب ابن بري فيقارن بين عبارته:

"وليس كما ذكر"

وعبارة الفيروزآبادي: "وأخطأ الجوهري في الإطلاق"، ويقول:"ولكن ما أحلى تعبيره بقوله: "وليس الأمر كما ذكر. فانظر أين هذا من قوله [الفيروزآبادي] : أخطأ، على أنه لا خطأ".

ولهذا جاءت تعليقات الذين أرخوا لحياته حافلة بعبارات التقدير وألفاظ الثناء. فالسيوطي يقول: "إنه لم يكن في الديار المصرية مثله

ص: 242

وكان قيمًا بالنحو واللغة والشواهد ثقة". والقفطي يقول: "كان جم الفوائد، كثير الاطلاع، عالمًا بكتاب سيبويه وعلله، وبغيره من الكتب النحوية، قيمًا باللغة وشواهدها

وكانت كتبه في غاية الصحة والجودة

وأكثر الرؤساء بمصر استفادوا منه وأخذوا عنه". ويصفه ابن خلكان "بالإمام المشهور في علم النحو واللغة والرواية والدراية، علامة عصره، وحافظ وقته، ونادرة دهره".

وهناك إشارة في بعض المراجع القديمة إلى أن ابن بري لم يكمل حواشيه على الصحاح وأنه وقف عند مادة "وقش"، لكن الأستاذ مصطفى حجازي يرجح إتمام الكتاب وبلوغ ابن بري بحواشيه آخر الصحاح، ويتوقع الأستاذ حجازي إمكانية الحصول على نسخة كاملة من حواشي ابن بري عن طريق استخلاص ما في "لسان العرب" لابن منظور من نقول عن ابن بري بعد مادة "وقش"1

دراسة تحليلة لكتاب ابن بري:

نقرر بادئ ذي بدء أن ابن بري لم يستوعب في حواشيه كل ما يمكن أن يوجه إلى الصحاح من نقد. وقد وجدنا -في حدود المادة التي وصلتنا من حواشي ابن بري- أن ابن بري قد أغفل بعض المآخذ التي وردت عند غيره كالصاغاني والفيروزآبادي. ونكتفي بذكر المثالين التاليين:

1-

ذكر الجوهري أن الأتان تسمى البيدانة. وقد نقل ابن بري هذه التسمية دون أن يعقب عليها بالرفض كما فعل الصاغاني. ففي التكملة "2/ 8": "أتان بيدانة تسكن البيداء، وهي غير ما قيل: البيدانة الأتان. ففي هذا القول نظر". وتقييد البيدانة بساكنة البيداء سبق به الخليل في العين ونقله عنه الأزهري في "تهذيب اللغة". ولكن ابن بري يذكر للبيدانة تفسيرين هما: التي تسكن البيداء

1 راجع مقدمة المحقق ص 5 وما بعدها.

ص: 243

"فتكون النون زائدة" أو العظيمة البدن "فتكون النون أصلية". ولا يوجه أي نقد لعبارة الصحاح.

2-

ذكر الجوهري في فصل "ثعلب" بيتًا شاهدًا على أن الثعلبان: ذكر الثعالب، وهو:

أرب يبول الثثعلبان برأسه

لقد هان من بالت عليه الثعالب

ولم يعقب ابن بري على هذا بأكثر من قوله: "هذا البيت مختلف في قائله فبعضهم يرويه لغاوي من ظالم، وبعضهم يرويه لأبي ذر الغفاري، وبعضهم يرويه للعباس بن مرداس".

وأمامنا تعليق كل من الصاغاني والفيروزآبادي على الشاهد:

"أ" قال الصاغاني: والصاب الثعلبان تثنية ثعلب "التكلمة 1/ 20".

ب- وقال الفيروزآبادي: واستشهاد الجوهري بقوله: "أرب يبول الثعلبان برأسه" غلط صريح

والصواب في البيت فتح التاء لأنه مثنى.

فإذا أردنا أن نحلل تعليقات ابن بري على الصحاح تحليلًا موضوعيًّا نجدها تدور حول ما يأتي:

1-

نسبة الجوهري إلى الخطأ الصرفي الذي أدى إلى صنع الكلمة في غير موضعها الصحيح. ومن ذلك وضعه "الأباءة" لأجمة القصب في المعقل مع أن همزتها أصلية، ووضعه "اختتأ" بمعنى استتر خوفًا أو حياء في "ختاء" مع أنها من ختا يختو، فحقها أن توضع في المعتل. ومن ذلك وضعه "الفئة" بمعنى الطائفة في "فيأ" من أن أصلها فئو، فالهمزة عين، والمحذوف لامها وهي الواو، وكذلك وضعه "حنبطأ". في "حبطأ" وصوابه في "حبط" لأن الهمزة زائدة.

ص: 244

2-

الاستدراك على ما ساقه من شاهد، وهذا يشمل:

أ- نسبة الشاهد إلى قائله، ومن ذلك نسبته البيت:

ثنياننا إن أتاهم كان بدأهم

وبدؤهم إن أتانا كان ثنيانا

لأوس بن مغراء السعدي "1/ 6"، والبيت:

إذا الأرطي توسد أبرديه

خدود جوازئ بالرمل عين

للشماخ بن ضرار "1/ 9".

ب- تصحيح نسبة الشاهد، ومن ذلك نسبة الجوهري بعض بيت وهو

قتيل التجوبي..

نسبته للكميت، وهو للوليد بن عقبة "1/ 55"، ونسبته:

والقصب مضمر والمتن ملحوب

لامرئ القيس، وهو لإبراهيم بن عمران الأنصاري 1/ 129"، ونسبته:

جرت عليها كل ريح ريدة

هوجاء سفواء نووج الغدوة

لهميان بن قحافة، والقائل هو علقمة التيمي "2/ 24".

جـ- تكملة الشاهد، ومن ذلك استشهاد الجوهري بنصف البيت:

ولو تعادَى ببك كل محلوب

وقد عقب ابن بري قائلًا: صدره:

يقال محبسا أدنى لمرتعها

"1/ 7".

وكذلك استشهاد الجوهري بعجز بيت لامرئ القيس وهو:

كمشي أتان حلئت عن مناهل

ص: 245

قال ابن بري: صدره:

وَأَعجَبَني مَشيُ الحُزُقَّةِ خالِدٌ

"1/ 12".

د- إضافة شواهد جديدة، ومن ذلك أن الجوهري قد ذكر أن الإسوار لغة في السوار نقلًا عن أبي عمرو. وقد عقب ابن بري بقوله: "وحقه أن يذكر شاهدًا على الإسوار لغة في السوار لئلا يظن أن الإسوار في السوار قول انفرد به أبو عمرو: وشاهده قول الأحوص:

غادة تَغرَثُ الوِشاحَ وَلا يَغـ

ـرَثُ مِنها الخَلخالُ والإِسوارُ

وقال حميد بن ثور.. وقال العرندس الكلابي.. وقال المرار بن سعيد الفقعسي

" "2/ 135".

هـ- الاعتراض على مكان وضع الشاهد، فقد قال الجوهري:"قراب السيف: جفنه، وهو وعاء يكون فيه السيف بغمده وحمالته، وفي المثال: إن الفرار بقراب أكيس"، وقد عقب ابن بري قائلًا: "صواب الكلام أن يقول -قل المثل- والقراب: القرب، ويستشهد بالمثل عليه، لأن هذا المثل

إلخ" "1/ 127".

"و" التعليق على الشاهد بتفسير غامضه أو بيان مناسبته أو توجيهه أو ذكر أصله ومضربه إن كان مثلًا. وأكتفي باقتباس الأمثلة الآتية:

* عقب على رواية بيت عدي بن زيد:

أجل أن الله قد فضلكم

فوق ما أحكي بصلب وإزار

قائلًا: "هذه الرواية تحتاج إلى تفسير، لأنه أراد بالصلب ها هنا الحسب، وبالإزار العفاف. أي: فضلكم الله بحسب وعفاف فوق ما أحكي أي: أقول

".

* عقب على قول الجوهري إن الرجز الآتي لامرأة ترقص ابنها:

ص: 246

أشبه أبا أمك أو أشبه عمل

ولا تكونن كهلوف وكل

يصبح في مضجعه قد انجدل

وارق إلى الخيرات زنئا في الجبل

عقب قائلًا: "البيت "اقتبس الجوهري البيت الأخير" لقيس ابن عاصم المنقري، وكان أخذ صبيًّا من أمه يرقصه، وأمه منفوسة بنت زيد الفوارس، والصبي هو ابنه واسمه حكيم

وزعم الجوهري أن الرجز لأمه، قالته وهي ترقصه، وليس بصحيح، وإنما الذي قالته رادة على أبيه هو:

أشبه أخي أو أشبهن أباكا

أما أبي فلن تنال ذاكا

تقصر أن تناله يداكا

* عقب ابن بري على اقتباس الجوهري المثل: "أساء سمعًا فأساء جابة" بقوله: "ولم يذكر أصله. وأصله -على ما ذكر الزبير بن بكار- إنه كان لسهل بن عمرو بن مضعوف، فقال له: إنسان: أين أمك؟ أي قصدك، فقال: ذهبت تشتري دقيقًا فقال أبوه: أساء سمعًا فأساء جابة".

ز تصحيح الرواية أو الضبط. والأمثلة على هذا كثيرة منها:

* روى الجوهري البيت التالي "ملجأ".

وملجأ مهروئين يلفي به الحيا

إذا جلفت كحل هو الأم والأب

فعقب ابن بري قائلًا: "صوابه: وملجأ بكسر الهمزة لأن قبله...."

* روى الجوهري صدر بيت شاهدًا

وهو:

والخيل تمزع غربًا في أعنتها

ص: 247

فعقب ابن بري قائلا: "وصواب إنشاده: والخيل بالنصب لأنه معطوف على المائة من قوله:

الواهب المائة الأبكار زينها

سعدان توضح في أوبارها اللبد.

* ذكر الجوهري في فصل "ميد" صدر بيت لأبي ذؤيب شاهدًا على "مايد" بالياء المثناة اسم جبل هو:

يمانية أحيالها مظ ما يد

وقد عقب ابن بري قائلًا: "صوابه: ما بد بالباء المعجمة بواحدة. وحقه أن يذكر في فصل مبد

".

وغيره كثير

3-

إهماله بعض المواد، أو الكلمات. ومن أمثلة ذلك:

"أ" قال ابن بري: "وذكر في فصل "برأ": برئت أبرأ، وبرأت - أيضًا أبرأ

ولم يذكر برأت أبرؤ -بالضم في المستقبل- وقد ذكره سيبويه وأبو عثمان المازني وغيرهما من البصريين

".

ب- قال ابن بري: "وقد أهمل من هذا الفصل "بوب" قولهم: بابة، والجمع بابات، وهي تستعمل في الحساب والحدود والكتاب. قال الأصمعي: بابات الكتاب: وجوهه، وقال غيره: طرقه

".

4-

التعليقات الصرفية والنحوية، وهذا يشمل:

أ- أخطاء للجوهري، كما حدث في مادة "ش ي أ" حين معالجته لكلمة "أشياء"، وفي مادة "ن ب أ" حين حديثه عن تصغير "نبي"، وفي مادة "زرر" حين حديثه عن ضبط الراء في الأمر:" ز ر هـ"، وفي مادة "ن ص ب" حين حديثه عن النسبة إلى "نصيبين"، وفي مادة "ق د د" حين حديثه عن نون الوقاية....

ص: 248

ب- إضافة واستطرادات، كإثباته أن أصل الألف في "آءة" واو، وقوله إن "الذرية" فعلية من الذر أو فعلولة..، وكتفصيله الحديث عن "أمس" في الصفحات 256، 257، 258

5-

عدم الدقة في التعبير، كقول ابن بري: "وقول الجوهري: إن البوادر من الإنسان اللحمة.. ليس بصحيح، وصوابه أن يقول: إن البوادر جمع بادرة للحمة التي بين المنكب والعنق

". ومثله قول ابن بري: "أما قول الجوهري: الحمارة تنصب حول الحوض، وتنصب أيضًا حول بيت الصائد، فصوابه أن يقول: الحمائر: حجارة تنصب على الحوض، الواحدة حمارة، وهو كل حجر عريض".

6-

ضبط كلمة أو تصحيح ضبطها، أو إزالة ما لحقها من تصحيف. ومن أمثلة ذلك:

أ- قال الجوهري: البدأة: النصيب من الجزور.

وقال ابن بري: ذكر أبو عبيد في باب الميسر من غريب المصنف:

البدأة بالضم النصيب من أنصباء الجزور

ب- قال الجوهري: والاسم الجشأة، مثال الهمزة.

وقال ابن بري: الذي ذكره أبو زيد الأنصاري: الجشأة ساكنة الشين ويقوي قوله قول الراجز:

في جشأة من جشآت الفجر

جـ- روى الجوهري في فصل "س ع ب" بيتًا لابن مقبل هو:

يعلون بالمردقوش الورد ضاحية

على سعابيب ماء الضالة اللجز

وقد عقب ابن بري قائلًا:

"هذا تصحيف تبع فيه ابن السكيت.

وإنما هو اللجن بالنون، وقبله:

من نسوة شمس لا مكره عنف

ولا فواحش في سر ولا علن

7-

التعقيب برأي آخر، ومن ذلك:

ص: 249

"أ" ذكر الجوهري في فصل "ج ن ب" قولهم: فلان لا يطور بجنبتنا. وقد عقب ابن بري قائلًا: "هكذا قال أبو عبيدة وغيره بتحريك النون. وكذا رووه في الحديث: وعلى جنبتي الصراط أبواب مفتحة. وقال عثمان بن جني. قد غرى الناس بقولهم: أنا في ذكراك وجنبتك -بفتح النون- والصواب إسكان النون

".

ب- ذكر الجوهري في فصل "س ر ب" قولهم: فلان آمن في سربه أي في نفسه. وقد عقب ابن بري قائلًا: "هذا القول الذي قاله هو قول جماعة من أهل اللغة. وأنكر ابن درستويه قول من قالوا: آمن في سربه أي: في نفسه، قال: وإنما المعنى آمن في أهله وماله وولده

".

8-

توجيه النقد لغير الجوهري. وممن نقدهم ابن بري:

أ- الحريري: يقول ابن بري: "وفي هذا البيت شاهد على صحة السل لأن ابن الحريري ذكر في كتابه "درة الغواص": أنه من غلط العامة، وصوابه عنده السلال، ولم يصب في إنكاره السل لكثرة ما جاء في أشعار الفصحاء، وقد ذكره سيبويه في كتابه أيضًا

".

"1/ 112".

ب- ابن القطَّاع: يقول ابن بري: "وذكر الجوهري شاهدًا على حلبة جمع حالب وهو قولهم: شتى تؤوب الحلبة، وغيره ابن القطاع فجعل بدل شني: حتى

والمعروف هو الذي ذكره الجوهري، وكذلك ذكره الأصمعي وأبو عبيد

" "1/ 68".

جـ- المحدثون: قال ابن بري: "وأهمل أن يذكر بعد هذا الفصل "حنطب" وهي لفظة قد يصحفها بعض المحدثين فيقول حنظب، وهو غلط

" "1/ 65".

د- أبو عبيد: قال ابن بري: "لم يذكر السبحة بالفتح وهي الثياب من الجلود، وهي التي وقع فيها التصحيف، فقال أبو عبيد:

ص: 250

هي السُّبجة بالجيم وضم السين. وغلط في ذلك إنما السبجة: كساء أسود. واستشهد أبو عبيد على صحة قوله بقول مالك بن خويلد الهذلي وهو:

إذا عاد المسارح كالسباج.

فصحف البيت أيضًا، وهذا البيت من قصيدة حائية

" "1/ 244".

"هـ" الأصمعي: قال ابن بري: "وذكر في فصل "ش ت ت ".

شتان ما هما

قال: وقال الأصمعي: لا يقال: شتان ما بينهما، وقول الشاعر:

لشتان ما بين اليزيدين في الندى

يزيد سليم والأغر بن حاتم

ليس بحجة، إنما هو مولد"، وقد عقب بقوله: "وأما ما حكاه عن الأصمعي أنه لا يقال: شتان ما بينهما، فليس بشيء، لأنه قد جاء ذلك في أشعار الفصحاء من العرب، ومن ذلك قول أبي الأسود الدؤلي

ومنه قول البعيث

وقال آخر

وقال الأحوص

".

1/ 166، 167".

ثانيًا: "نفوذ السهم فيما وقع للجوهري من الوهم" لخليل بن أيبك الصفدي المتوفى عام 764 هـ، وتوجد منه نسخة مصورة بمكتبة مجمع اللغة العربية بالقاهرة. وقد تتبع الصفدي الجوهري في أوهامه المصرفية والاشتقاقيه والتصحيف وسوء التعبير والخطأ في التفسير. ويبدو أن معظم مآخذ الصفدي منقولة عن ابن بري ولذلك يقول بعضهم:"قلد فيه ابن بري، فلا يكاد يذكر مسألة من عنده إلا بعض أدبيات والاستدلال ببعض الأبيات"1.

أما كتب الدفاع فأشهرها "الوشاح وتثقيف الرماح في رد توهيم

1 انظر حسين نصار: المعجم العربي 2/ 526، 527.

ص: 251

المجد الصحاح" لعبد الرحمن بن عبد العزيز المغربي نزيل مكة وأحد مدرسيها1.

وأما التذييل والتعليق؛ فقد تمثلا أحسن تمثيل في كتاب الحسن بن محمد بن الحسن الصغاني2 في كتابه المسمى "التكملة والذيل والصلة"، وقد طبعه مجمع اللغة العربية بالقاهرة.

وذكر المؤلف في مقدمته ما نصه: "هذا كتاب جمعت فيه ما أهمله أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري رحمه الله في كتابه وذيلت عليه وسميته كتاب "التكملةوالذيل والصلة" غير مدع استيفاء ما أهمله واستيعاء ما أغفله". ويتلخص جهد الصغاني في هذا الكتاب في النقاط الآتية:

1-

إيراد المواد التي أهملها الجوهري.

2-

إيراد الصيغ والألفاظ والمعاني التي أهملها الجوهري فيما ذكره من مواد.

3-

تكملة الشواهد الشعرية أو إصلاح ما بها من خلل أو تصحيف أو تصويب اسم قائل الشاهد الشعري.

4-

نقد الاستشهاد ببعض الأحاديث الضعيفة.

5-

تصحيح الأخطاء المتعلقة بالتصرف أو التفسير3.

وأما المختصرات فمنها:

أ- ترويح الأرواح في تهذيب الصحاح للزنجاني "ت 656 هـ".

ووقع حجمه موقع الخمس من الصحاح.

1 وقد طبع على هامش الصحاح "طبعة بولاق 1292 هـ".

2 توفي عام 650 هـ.

3 انظر المعجم العربي لحسين نصار 2/ 513 وما بعدها.

ص: 252

ب- "تهذيب الصحاح" للمؤلف السابق. قال في مقدمته: "ثم نظرت نظرًا ثانيًا فرأيت همم بني الزمان ساقطة

فأوجزته إيجازًا ثانيًا حتى وقع حجمه موقع العشر من كتاب الجوهري1. وقد طبع الكتاب بتحقيق الأستاذين هارون والعطار.

جـ- "مختار الصحاح" لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي من علماء القرن السابع الهجري. قال في مقدمته: "هذا مختصر في علم اللغة جمعته من كتاب الصحاح

لما رأيته أحسن أصول اللغة ترتيبًا وأوفرها تهذيبًا وأسهلها تناولًا وأكثرها تداولًا

واقتصرت فيه على ما لا بد لكل عالم فقيه أو حافظ أو محدث أوأديب من معرفته وحفظه".

وقد أعيد ترتيبه على نظام أساس البلاغة مؤخرًا وحذف منه ما لا يناسب الطلاب. وقام بإعادة ترتيبه وتهذيبه الأستاذ محمود خاطر وراجعه الشيخ حمزة فتح الله.

أما ترجمات الصحاح فسنتحدث عنها في الباب الثالث: قضية التأثير والتأثر.

"العباب" للصغاني "العباب الزاخر واللباب الفاخر":

هذا ثاني 2 عمل معجمي يقدمه الصغاني، وقد سبق الحديث عن "التكملة". ويتميز هذا العمل باستقلاله وتحرره من صحاح الجوهري. وقد ألفه فيما بين سنتي 643 و650، ومات المؤلف دون أن يتمه إذ وصل إلى مادة "بكم" 3 فقط.

1 مقدمة تهذيب الصحاح للزنجاني، ص 4.

ترك الصغاني عملًا لغويًّا ثالثًا هو: "مجمع البحرين" في 12 مجلدًا جمع فيه بين الصحاح والتكملة.

3 ومع ذلك تذكر بعض المراجع أنه في عشرين مجلدًا.

ص: 253

وقد ظل العباب حبيس خزائن الكتب حتى تصدى لتحقيقه ونشره الشيخ محمد حسن آل ياسين، فنشر حرف الهمزة عام 1977 ثم حرف الطاء عام 1979 ثم حرف الغين عام 1980

وقد علل المحقق لجوءه إلى نشر قطع متفرقة من الكتاب باختلاف قطع الكتاب المتفرقة وأشلائه الموزعة بين:

أ- ما كتب بخط المؤلف، ويتصف بالدقة والإتقان والضبط الكامل.

ب- ما نقل من أصل المؤلف وعليه خطه وتصويباته.

جـ- ما خط بأقلام عدد من الناسخين الذين لم يسلموا من الوقوع في الغط.

ولهذا رأى أن يبدأ "بنشر القطع المكتوبة بخط المؤلف" ولم يجد ضيرًا في انعدام التسلسل "ما دامت كل قطعة منها تشكل حرفًا مستقلًّا".

وقد احتل عباب الصغاني مكانة عالية بين المعاجم حتى اعتبر أحد المعاجم اللغوية الرئيسية التي لا يستغنى الباحث والدارس عن الرجوع إليها. فقد اعتبر الفيروزآبادي في مقدمة معجمه "القاموس" محكم ابن سيده وعباب الصغاني غرتي الكتب المصنفة في هذا الباب. ويرى السيوطي أن أعظم الكتب اللغوية بعد الصحاح: المحكم والعباب.

وقد قدم المؤلف لمادة معجمه بمقدمة تحدثت عما يأتي:

1-

اشتمال الكتاب على ما تفرق في كتب اللغة المشهورة والتصانيف المعتبرة المذكورة وما بلغه مما جمعه علماء هذا الشأن، والقدماء الذين شافهوا العرب العرباء وساكنوها في داراتها، وسايروها في نقلها من مورد إلى مورد ومن منهل إلى منهل.

2-

استشهاده بالقرآن والحديث النبوي والفصيح من الأشعار والسائر من الأمثال.

ص: 254

3-

ذكره أسامي جماعة من أهل اللغة لا غنى بممارس هذا الكتاب وسائر كتب اللغة عن معرفتها.

4-

تفاخره بدقته وبنخله الكتب المتداولة، ونقده للغويين السابقين مثل الأزهري والجوهري وابن فارس وابن السكيت والصاحب بن عباد. وقد قسا المؤلف على الأخير منهم قائلًا:"وأما الصاحب بن عباد؛ فإن كتابه المسمى بـ"المحيط" لو قيل: إنه أحاط بالأغلاط والتصحيفات لم يبعد عن الصواب. وكأن علماء زمانه خافوا أنهم لو نطقوا بشيء منها قطع رسومهم وتسويغاتهم فلبوا نداءه، وأمنوا على دعائه ونجوا بالصمت".

لسان العرب لابن منظور:

يعد لسان العرب من أضخم المعجمات العربية -إن لم يكن أضخمها- علىالإطلاق ومؤلفه هو عبد الله محمد بن مكرم بن علي بن أحمد الأنصاري، من نسل رويفع بن ثابت. وتتنازع ابن منظور أقطار عربية هي تونس وليبيا ومصر.

وقد حققت في بحث لي حول ابن منظور أن صلة ابن منظور بليبيا تنحصر في أن جده الأعلى رويفع بن ثابت الصحابي ولى طرابلس إبان حكم معاوية وغزا منها إفريقية سنة 47 هـ. أما النسبة "الطرابلسي" التي وردت في بعض المراجع فهي نسبة إلى طرابلس الشام "لا طرابلس الغرب" فقد ولي ابن منظور القضاء في هذه المدينة بعد أن استردها السلطان قلاوون من أيدي الصليبين عام 688.

ومن الثابت تاريخيًّا أن ابن منظور ولد بمصر وترعرع بها، ومن الثابت كذلك أنه ولي ديوان الإنشاء بمصر مدة طويلة عبر عنها المؤرخون بقولهم:"طول عمره"، كما كانت وفاة ابن منظور بمصر. ولذا فإن من الأقرب اعتباره مصريًّا إذا أصررنا على نسبته إلى إقليم بعينه، والأفضل

ص: 255

نسبته إلى أفريقية1 ومصر كما جاء في كتب التراجم "الإفريقي المصري"، أو عدم نسبته إلى إقليم بعينه لكثرة أسفاره وتنقلاته على عادة العلماء في ذلك العصر.

وقد اعتمد ابن منظور أكثر ما اعتمد على مصادر خمسة هي "تهذيب اللغة" للأزهري، و"المحكم" لابن سيده، و"الصحاح" للجوهري، و"الجمهرة" لابن دريد، و"النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير.

وذكر في مقدمة معجمه أن كتابي الأزهري وابن سيده وعرا المسلك عسرا المطلب، وأنه لذلك فضل أن يرتب معجمه ترتيب الصحاح في الأبواب والفصول، لسهولة منهجه وبساطة ترتيبه.

وليس هناك ما يميز معجم ابن منظور عن غيره من المعاجم التي سلكت في ترتيبها نظام الباب والفصل سوى توسعه في الشرح وإفاضته في ذكر أسماء الرواة والعلماء واللغويين والنحويين، وكثرة شواهده وتنوعها.

وقد ولد ابن منظور سنة 630 هـ، وتوفي عام 711 هـ، وطبع معجمه عدة طبعات أولاها في بولاق بمصر عام 1300 هـ، وتقع في عشرين مجلدًا، والثانية في لبنان وتقع في 65 جزءًا صغيرًا. ثم قامت دار لسان العرب ببيروت بإصدار طبعة من لسان العرب بعد أن أعيد ترتيبها على حسب الأوائل، وأضيف إليها المصطلحات العلمية التي أقرتها المجامع العلمية والجامعات العربية، وزودت بالصور والرسوم والخرائط، واختارت لهذه الطبعة اسم "لسان العرب المحيط". وقد قام بإعداد هذه الطبعة وترتيبها السيدان: يوسف خياط ونديم مرعشلي.

1 أفريقية كانت تطلق على ما يطلق عليه اليوم بالتقريب، تونس. وانظر مؤلفنا - النشاط الثقافي في ليبيا ص 227 - 281 - ومقالنا: ابن منظور اللغوي "مجلة المعهد المصري للدراسات الإسلامية في مدريد، المجلد 18 - 74 / 1975".

ص: 256

وما زلنا نطمح في مزيد من الاهتمام بهذا المعجم فيتقدم أحد لإعادة ترتيب مادته داخليًّا، وإعداد فهارس متنوعة لمادته1.

القاموس المحيط للفيروزآبادي:

أما الفيروزآبادي فهو طاهر مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازي المولود بقرية كارزين قرب شيراز. وقد عرف باسم الفيروزآبادي نسبة إلى قرية فيروزآباد من قرى فارس ومنها والده وجده. وكان مولده عام 729 هـ ووفاته عام 816 أو 817 هـ.

وقد ذكر الفيروزآبادي في مقدمة معجمة السبب في وضعه هذا المعجم وأهم مميزاته فقال: "وكنت برهة من الدهر ألتمس كتابًا جامعًا بسيطًا.. ولما أعياني الطلاب شرعت في كتابي الموسوم باللامع المعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب2.. وضممت إليهما زيادات

غير أني خمنته في ستين سفرًا يعجز تحصيله الطلاب. وسئلت تقديم كتاب وجيز على ذلك النظام. فصرفت صوب هذا القصد عناني، وألفت هذا الكتاب محذوف الشواهد، مطروح الزوائد

ولخصت كل ثلاثين سفرًا في سفر، وضمنته خلاصة ما في العباب والمحكم، وأضفت إليه زيادات من الله تعالى بها.

نظامه:

1-

رتبه المؤلف على نظام الباب والفصل، وقد اشتمل على 28.

1 نشر الدكتور ياسين الأيوبي "1980" معجمًا لشعراء لسان العرب، وطبعته دار العلم للملايين، وأصدرت دار المعارف بمصر الجزء الأول من فهارس اللسان "1984". ويقوم الدكتور خليل عمايرة بإعداد فهارس تفصيلية للسان باستخدام الكمبيوتر. كما قدم الدكتور علي حلمي موسى احصاءات بمواد لسان العرب.

2 المحكم لابن سيده، والعباب للصغاتي.

ص: 257

بابًا1 غير أنه قدم باب الهاء على باب الواو والياء. وأما في الفصول فالواو مقدمة على الهاء وهي قبل الياء.

2-

التزام الاختصار والتركيز ما أمكن. وفي سبيل ذلك:

أ- حذف الشواهد إلا ما ندر.

ب- حذف أسماء الرواة واللغويين.

جـ- استخدام الرموز الآتية:

ع- وتعني موضع، و "د" وتعني بلد، "ة" وتعني قرية، و "ج" وتعني جمع، و "جج" وتعني جمع الجمع، و "م" وتعني معروف، و "و" وتعني واوي، و "ي" وتعني يائي.

د- ترك القياسي والمطرد.

هـ- لم يذكر المؤنث مرة ثانية بعد ذكر المذكر بل اكتفى بقوله: وهي بهاء أي أنثى هذا المذكر بهاء.

و ترك النص على عين المضارع إذا كان الفعل من باب فعل يفعل "بفتح فضم" واكتفى بذكر الماضي.

ز- ما كان مفتوح الأول جرده من الضبط وما جمع إلى ذلك فتح الثاني وصفه بقوله: محركة.

3-

تخليص الواو من الياء -وهذا قسم على حد تعبير الفيروزآبادي- يسم المصنفين بالعي والإعياء.

4-

أنه لم يكن -زيادة في الضبط- يكتفي بذكر الحركة وإنما يذكر المثال كقوله: "رأب الصدع كمنع أصلحه"، فهي كمنع في الضبط

1 ضم الفيروزآبادي الواو والياء في باب واحد وعقد بابًا للألف اللينة وضع تحته كلمات مثل إذا - إلى - ألا....

ص: 258

لا في المعنى. وكقوله: "والقبقب البطن، وبالكسر صدف بحري، وكغراب أطم1 بالمدينة

وككتاب ع بسمرقند".

بين الفيروزآبادي والجوهري:

من يقرأ مقدمة القاموس يحس بأن الفيروزآبادي وضع نصب عينيه صحاح الجوهري، وأنه أراد أن يتفوق عليه، وأن ينتزع الإعجاب الذي ناله الصحاح منذ ظهوره وعلى امتداد أربعة قرون. ولهذا جعل الفيروزآبادي من أهدافه في معجمه:

1-

زيادة مادته على مادة الصحاح، وقد عبر عن ذلك بقوله:"ولما رأيت إقبال الناس على صحاح الجوهري -وهو جدير بذلك غير أنه فاته نصف اللغة أو أكثر إما بإهمال المادة، أو بترك المعاني الغريبة النادرة- أردت أن يظهر للناظر بادئ ذي بدء فضل كتابي هذا عليه، فكتبت بالحمرة المادة المهملة لديه.. ولم أذكر ذلك إشاعة العفاخر، بل إذاعة لقول الشاعر: كم ترك الأول للآخر"2.

2-

تصويب أخطاء الجوهري ورد أوهامه، وعبر عن ذلك بقوله: "ثم إني نبهت فيه على أشياء ركب فيها الجوهري رحمه الله خلاف الصواب غير طاعن فيه، ولا قاصد بذلك تنديدًا له، وإزراء عليه، وغضًّا منه بل استيضاحًا للصواب، واسترباحًا للثواب

واختصصت كتاب الجوهري من بيت الكتب اللغوية مع ما في غالبها من الأوهام

1 الأطم: الحصن والبيت المرتفع.

2 ومع ذلك استدرك العلماء على الفيروزآبادي كثيرًا من المادة، يقول السيوطي: فاته أشياء ظفرت بها في أثناء مطالعتي حتى هممت أن أجمعها جزء: ويقول آخر: إنه هناك من يعتقدون أن "القاموس قد أحاط باللغة" ولذا أراد "التنبيه على بطلان هذا الزعم بذكر شيء مما فاته""انظر: ابن الطيب الفاسي للبواب، ص123". وسيأتي ذكر لتكملة الزبيدي لقاموس الفيروزآبادي.

ص: 259

الواضحة، والأغلاط الفاضحة، لتداوله واشتهاره بخصوصه، واعتماد المدرسين على نقوله ونصوصه".

أما بالنسبة لزيادات الفيروزآبادي فقد استعاضت المطبعة عن الحمرة بخط ممتد يوضع فوق المادة الزائدة. وتبدو الزيادات كثيرة من النظرة السريعة لكثرة الخطوط وشمولها معظم الصفحات، وتكررها في كثير منها.

ولم يقم أحد من الباحثين بإحصاء يبين عدد الجذور التي يحتويها القاموس المحيط لمقارنتها بجذور معجم الصحاح وتحديد نسبة الزيادة، ولكن قدم الدكتور علي حلمي موسى الإحصاء التالي المتعلق بالصحاح واللسان وتاج العروس، كما قدم الدكتور محمد مصطفى رضوان إحصاء بمجموع مواد القاموس.. وهما كما يأتي 1:

ولا يغرب عن البال أن زيادات المواد أو الجذور ليست هي كل زيادات القاموس على الصحاح، لأن التوسع في الشرح، وذكر معان جديدة للجذر يمثل نسبة كبيرة من زيادات الفيروزآبادي.

ويكفي لبيان فضل الفيروزآبادي في هذا أن أشير إلى أن بعضًا من مادة القاموس لم يرد حتى في "لسان العرب" برغم اعتبار الأخير واحدًا من أضخم المعاجم العربية على الإطلاق، ويكفي أن أمثل بالمثل الآتي -وقد

1 انظر احصاءات جذور معجم لسان العرب ص 93 ودراسات في القاموس المحيط صفحتي 96، 97.

ص: 260

عثرت عليه بطريق المصادفة- فقد أهمل ابن منظور في مادة "لجن" ذكر كلمة "لجنة" ومعنها، وقد ورد في القاموس ما نصه:"واللجنة الجماعة يجتمعون في الأمر ويرضونه".

وأما بالنسبة لمآخذ الفيروزآبادي على الجوهري فبعضها يسلم له، وبعضها يسلم للجوهري، وبعضها لا يعد أحد الرأيين فيه أفضل من الآخر. وقد تتبع كثير من العلماء هذه الأوهام بالتعليق والدراسة، ويبدو أن تعاطفهم كان متجهًا إلى الجوهري ولذا ألفت الكتب في الانتصار له، ولا أعرف كتابًا واحدًا ألف للانتصار للفيروزآبادي.

فمما أخذه الفيروزآبادي على الجوهري ولا يمكن الدفاع فيه عن الجوهري.

1-

قال في القاموس: "شاد": "شاد الحائط يشيده طلاه بالشيد وهو ما طلى به حائط من جص ونحوه. وقول الجوهري: من طين أو بلاط - بالباء - غلط، والصواب ملاط بالميم؛ لأن البلاط حجارة لا يطلى بها، وإنما يطلى بالملاط وهو الطين".

2-

قال في القاموس "صعر": "والصيعرية اعتراض في السير، وسمة في عنق الناقة لا البعير، وأوهم الجوهري بيت المسيب الذي قال فيه طرفة لما سمعه: قد استنوق الجمل".

وقد حاول ابن الطيب الفاسي أن يعتذر عن الجوهري بقوله: إنه أراد بالبعير الأنثى1، والتكلف واضح في هذا الدفاع.

أما بيت المسيب الذي أشار إليه الفيروزآبادي فهو:

وقد أتناسى الهم عند احتضاره

بناج عليه الصيعرية مكدم

1 إضاءة الراموس 3/ 109.

ص: 261

3-

قال في القاموس: "نوف": "وأناف عليه زاد كنيف. وأفرد الجوهري له تركيب "ن ي ف " وهما. والصواب ما فعلنا لأن الكل واوي".

ومما أخذه الفيروزآبادي على الجوهري دون وجه حق:

1-

جاء في القاموس: "بهت" وقول الجوهري: فابهتي عليها أي فابهتيها لأنه لا يقال: بهت عليه -تصحيف- والصواب فانهتي عليها بالنون لا غير".

والفيروزآبادي يشير إلى قول أبي النجم:

سبي الحماة وابهتي عليها

ثم اضربي بالود مرفقيها

وقد تكفل صاحبا "إضاءة الراموس"، و "الوشاح" بالرد على الفيروزآبادي.

فقال الأول: إن كانت الرواية فابهتي ثابتة فلا يلتفت لدعوى التصحيف لأنها في مثله غير مسموعة

وإن لم تثبت الرواية كما قال، وصحت الرواية معه ثبت هذا التصحيف حينئذ بالنقل لا لأنه لا يقال.. وليس عندي جزم في الرواية حتى أفصل قوليهما.. وإنما ادعاء التحريف بمجرد أنه لا يتعدى "بهت" بعلي دعوى خالية عن الحاجة1.

وقال الثاني: قوله: بالنون لا معنى له هنا لأن نهت لازم لا يتعدى ولا بحرف الجر، يقال: نهت ينهت.. والنهيت الزئير. وقد أقر ابن بري كلام الجوهري ولم يتعقبه من جهة المعنى وقال: إنما عدي بعلى لأنه بمعنى افترى2.

2-

جاء في القاموس "كتب": "والكتاب" كرمان: الكاتبون.

1 إضاءة الراموس 2/ 77.

2 الوشاط ص 36 والتنبيه لابن بري - مادة "بهت".

ص: 262

والمكتب كمقعد موضع التعليم. وقول الجوهري: الكتاب والمكتب واحد غلط".

وما جاء في "الصحاح" صحيح، فقد قال الخليل: المكتب بضم الميم: المعلم، والكتاب مجمع صبيانة. وذكر الأزهري أن الكتاب اسم المكتب الذي يعلم فيه الصبيان.

وقال صاحب "الوشاح": العبارة في غاية الصواب.. وفي مسند الإمام أحمد عن ابن مسعود قال: "قرأت من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيعن سورة وإن زيد بن ثابت له ذؤابة في الكتاب"1.

3-

جاء في القاموس "مزج": "المزج الخلط والتحريش، وبالكسر اللوز المر كالمزيج والعسل، وغلط الجوهري في فتحه أو هي لغية".

وقد تكفل الفاسي بنقض ذلك فقال: لا غلط في الفتح، فهو الذي جزم به غيره وصرح به الفيومي، وقال: سمي العسل مزجًا؛ لأنه يخلط بالشراب. وبالفتح روى بيت أبي ذؤيب:

وجاءوا بمزج لم ير الناس مثله

هو الضحك إلا أنه عمل النحل

وهو الذي قاله أبو حنيفة وغيره، فلا معنى لقوله: أو هي لغية به هي لغة مبكرة صحيحة ثابتة نقلها الأثبات2. وقد اقتصر الخليل في "العين" على الفتح.

وقد رد بعضهم ما في "الصحاح" من أوهام إلى أن الجوهري مات وترك الكتاب مسودة فبيضه تلميذه أبو إسحاق الوراق بعد موته فغط فيه في عدة مواضع. وسئل الميداني عن الخلل الواقع في الصحاح فقال:

1 انظر العين، والتهذيب، وإضاءة الراموس 2/ 3، والوشاح ص 34

2 إضاءة الراموس 2/ 219.

ص: 263

إنه قرئ عليه إلى باب الضاد فحسب وبقي أكثر الكتاب على سواده. ولم يقدر له تنقيحه ولا تهذيبه. قال: ومن زعم أنه سمع من الجوهري شيئًا من الكتاب زيادة على باب الضاد فقد كذب1.

إضاءة الراموس2 لابن الطيب الفاسي3.

يعد إضاءة الراموس موسوعة لغوية فريدة، ومع ذلك ما يزال مخطوطًا لم ير النور بعد برغم تعدد نسخه في مكتبات العالم. ومؤلفه ابن الطيب الفاسي من أعلام المغرب، وقد ولد عام 1110 هـ من أسرة متمسكة بالدين حريصة على العلم، وتوفي عام 1170 هـ في المدينة المنورة حيث دفن.

ويفصح المؤلف منذ البداية عن استنكاره لموقف الفيروزآبادي من الجوهري ويصرح بأن الدفاع عن الجوهري كان من أسباب تأليف هذا الكتاب: "وفي أثناء القراءة والإقراء.. رأيت المجد الشيرازي يكثر في قاموسه من الاعتراضات على الصحاح.. ويتابع في الرد، ويأتي بالتنديد الذي لا يحمله سد، ورأيت بعض المدعين يقلدونه في كلامه، ويعتقدون لقصورهم، تصويب اعتراضاته عليه وملامه.. فلما رأيته أكثر من التنديد عليه، وبالغ في عزو الأوهام إليه، انتصرت لأبي نصر

وجعلت أرد ما يورده مشروحًا في شرحي لمصنفات اللغة وأتعقبه في الدروس أكمل التعقيب وأبلغه. فلما وقف على ذلك أشياخنا الأساتذة وأصحابنا الجهابذة تاقت نفوسهم إلى جمع ذلك في تعليق مستقل".

وقد بدأ المؤلف متحمسًا في الأبواب الأولى من كتابه "الهمزة إلى

1 انظر شرح ديباجة القاموس للشيخ نصر الهوريني، ص 38.

3 الراموس: القبر. ويعرف الكتاب كذلك باسم شرح القاموس أو حاشية القاموس.

3 اعتمدنا في كتابة هذه النبذة على رسالة الدكتوراه "مخطوطة المعنونة: ابن الطيب الفاسي وأثره في المعجم العربي للدكتور على حسين البواب.

ص: 264

الراء" فتوسع واستفاض في الشرح والتعقيب، ولم يهمل أي فصل من فصول القاموس، ثم فتر حماسه بعد ذلك حتى اكتفي في القسم الأخير بتعليقات بسيطة، واقتصر على أقل الألفاظ.

وقد لخص الدكتور علي البواب جهود ابن الطيب الفاسي في النقاط الآتية:1

1-

الشرح بمعناه الواسع الذي يشمل الضبط والتفسير والاستشهاد وغير ذلك.

2-

الاستدراك 2.

3 النقد3.

4 زيادات الفيروزآبادي على الجوهري.

5 انتقادات الفيروزآبادي للجوهري.

ويلاحظ في المعجم ميل المؤلف الظاهر نحو الجوهري، وتعصبه المطلق له، وتحامله الواضح على الفيروزآبادي، مما جعله يتهمه بالتقصير والغموض والخطأ والوهم وغيرها من التهم.

وقد خالف ابن الطيب الفاسي تلامذة نابهين كان أشهرهم الزبيدي مؤلف "تاج العروس" التالي:

1 صفحة 151 من الرسالة.

2 لاحظ أنه أراد بذلك الرد على ادعاء الفيروزآبادي الإحاطة. ولهذا نرى الفاسي يعلق وهو يستدرك على الفيروزآبادي تعليقات مثل: "وهو قصور بالغ" وأغفله مع شدة تتبعه الصحاح" و "وقد أغفل المصنف أكثر من نصفها

وهو غاية في القصور في جنب دعوى القاموس المحيط بجميع الأمور".

3 شمل ذلك نقد الضبط والشرح وأخطاء الوزن والترتيب والخروج على الاصطلاح والحشو.

ص: 265

تاج العروس للزبيدي:

اشتهر الزبيدي باسم السيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي. وقد ولد بإحدى مدن الهند عام 1145 هـ، ثم ارتحل إلى زبيد باليمن حيث درس بها ثم غادرها وهو في السابعة عشرة من عمره. وفي سنة 1167 هـ هاجر إلى مصر واستقر بها إلى أن توفي عام 1205 هـ.

وقد التقى الزبيدي بأستاذه الفاسي في المدينة المنورة وتتلمذ عليه هناك، وتلقى عليه القاموس المحيط وشرحه سماعًا ومشافهة، ووضع نسخة من حاشية ابن الطيب الفاسي بين يديه وهو يؤلف التاج1.

ولم يترك الزبيدي مناسبة إلا أشاد بأستاذه وشيخه كقوله: "وهو عمدتي في هذا الفن والمقلد جيدي العاطل بحلي تقريره المستحسن"، "ولعمري لقد جمع فأوعى، وأتى بالمقاصد ووفى". وكان إذا قال في "تاج العروس": "شيخنا" -وما أكثر ما قالها- فإنه يعني ابن الطيب الفاسي2.

وقد ذكر المؤلف الهدف من تأليف هذا الكتاب فقال: "كتاب القاموس المحيط

أجلّ ما ألف في الفن.. ولما كان إبرازه في غاية الإيجاز، وإيجازه عن حد الإعجاز تصدى لكشف غوامضه ودقائقه رجال من أهل العلم "فكرت" في وضع شرح عليه ممزوج العبارة جامع لمواده.. واف ببيان ما اختلف من نسخه والتصويب لما صح منها من صحيح الأصول".

وتقول المراجع إن الزبيدي بعد أن أنجز من "التاج" إلى آخر حرف الدال أولم وليمة حافلة جمع فيها طلاب العلم بمصر وأطلعهم عليه فاغتبطوا به وشهدوا بفضله وسعة اطلاعه.

وإذا كان الزبيدي قد ترسم خطى أستاذه الفاسي في جميع مراحل

1 ابن الطيب الفاسي، ص 288، 289، عدنان الخطيب، ص 43.

2 ابن الطيب الفاسي، ص 290.

ص: 266

منهجه، فقد خالفه في حملته الشديدة على الفيروزآبادي حيث خفف كثيرًا من حدتها وتجنب استعمال العبارات الجارحة.

وكانت طريقة صاحب التاج أن يضع عبارة "القاموس المحيط" بين قوسين ثم يورد شروحه وأقواله واستشهاداته وتعليقاته خارج الأقواس، محاولًا الملاءمة بين ما يقوله وما هو من كلام القاموس حتى لا ينقطع السياق.

وبرغم أن "تاج العروس" شرح للقاموس فلقد ظهرت شخصية الزبيدي فيه إلى حد جعله يفوق مجرد شرح أو تعليق، ويعتبره اللغويون كتابًا مستقلًّا، ومعجمًا قائمًا بذاته1. وقد ختم الزبيدي بمعجمه هذا عهد المعجمات المطولة، ورجع في تأليفه إلى حوالي خمسمائة مرجع ذكر أهمها في مقدمته.

وتشمل إضافات الزبيدي على القاموس ما يأتي:

1-

ذكر الشواهد التي أغفلها القاموس.

2-

رد بعض الاقتباسات إلى أصولها أو مصادرها الأولى.

3-

الاستدراك على الفيروزآبادي فيما أغفله من مواد أو كلمات أو معان. وكان من عادة المؤلف أن يختم المادة بما استدركه قائلًا: ومما يستدرك عليه.

وقد تم طبع تاج العروس عام 1307 هـ "1889 م" بعد محاولة بدأت سنة 1287 هـ2. ويعاد طبعه الآن بالكويت طبعة علمية محققة وصلت عام 1986 إلى الجزء الثالث والعشرين.

1 عبد الله درويش: المعاجم العربية ص 107، وحسين نصار: المعجم العربي 2/ 639 وما بعدها.

2 عدنان الخطيب ص 46.

ص: 267

التكملة والذيل والصلة للزبيدي:

ألف الزبيدي هذا الكتاب ليستدرك ما فات صاحب القاموس من اللغة "إبطالًا لما يعتقده كثير ممن لا توغل له في هذا الشأن أن صاحب القاموس قد أحاط باللغة"1 وهو بهذا يحاكي الصاغاني في تكملته على الصحاح.

وقد ظلت التكملة مخطوطة حتى طبع مجمع اللغة العربية بالقاهرة الجزءين الأول والثاني منها بتحقيق الأستاذ مصطفى حجازي "1986"، وقد وصل الجزءان إلى نهاية حرف الجيم.

ويشبه منهج الزبيدي في هذا الكتاب منهج الصاعاني في تكملته على الصحاح فهو مثله:

1-

ينسب ما يورده -مما فات صاحب القاموس من اللغة- إلى قائليه من اللغويين وأصحاب المعاجم.

2-

ويعزو ما ينقله إلى مصدره كالصحاح واللسان والأساس.

3-

ويتعقبه فيما وقع فيه من خطأ أو وهم. وكانت طريقته في ذلك إيراد عبارة القاموس مسبوقة بقوله: "وقول المصنف كذا

" ثم التعقيب على ذلك بقوله:"خطأ، أو وهم صوابه: كذا" ثم يتبع ذلك بالنقول والشواهد التي تؤيد ما ذهب إليه"2.

وقد ألفه بعد فراغه من معجمه "تاج العروس"، وقد ذكر ذلك في مقدمة التكملة حيث يقول: "فإني لما فرغت من شرحي على كتاب القاموس.. وتعقبت فيه البحث عن عواره، والكشف عن مخبآت أسراره، وبيان غامضه ومشكله، وتقييد مبهمه ومهمله، والتنبيه على

1 ص 71.

2 ص 12، 13.

ص: 268

ما وقع فيه من اختلال في بعض سياقاته، وحل تعقيد في طي عباراته، وكنت ذكرت عقيب كل تركيب ما فاته من اللغات.. فكان يختلج في البال إفراد ذلك في تأليف على الاستقلال

"1.

جـ- مدرسة الترتيب بحسب الأبنية:

مدخل:

يلاحظ أن جميع المعاجم التي سبق ذكرها قد رتبت بحسب الحروف الساكنة "أو ما يمكن أن يسمى بالصوامت أو السواكن Cansonants" دون اعتبار الحركات "أو ما يمكن أن يسمى بالصوائت أو العلل Vowels" سواء في ذلك ما قام بتجريد الكلمة من الزوائد -وهو النوع الغالب- أو ما وضع الكلمات تحت حرفها الأول دون تجريدها من الزوائد.

أما هذا النوع من المعاجم الذي سميناه بمعاجم الأبنية؛ فقد كان نوعًا فريدًا في بابه إذ راعى في ترتيب الكلمات الحركة إلى جانب الصوت الساكن. ولكنه -من سوء الحظ- لم يكتب له الشيوع والشهرة نظرًا لتعقد نظامه وتركبه من خطوات عدة.

وعلى الرغم من أن أول معجم كامل اتبع نظام الأبنية قد ظهر في القرن الرابع الهجري على يد مؤلف من تركستان، من إقليم فاراب اسمه أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي؛ فقد تمت محاولات كثيرة لدراسة أبنية اللغة العربية وترتيبها منذ بدأ التفكير اللغوي عند العرب. وقد مهدت هذه المحاولات الطريق، ويسرت السبيل أمام ظهور فكرة المعجم الكامل.

وربما كان من المفيد -من أجل هذا- أن نقسم البحث في معاجم الأبنية إلى نقطتين أساسيتين نتناول في أولاهما مرحلة التمهيد، أو وضع اللبنات الأولى، ونتناول في ثانيتهما مرحلة المعجم الكامل، وأشهر المعاجم التي اتبعت هذه الطريقة.

1 ص 71.

ص: 269

أولًا: حرية التمهيد

بدأ التأليف في الأبنية على أيدي النحاة، وقد كان "سيبويه أول من ذكرها وأوفى من سطرها"1، ولذلك أفرد لها في كتابه أبوابًا جمع فيها ما عرفه من أبنية اللغة العربية وقسمها تقسيما كميًّا، مع فصل أبنية الأسماء عن الأفعال، ومثل لكل نوع منها، وقد ذكر للأسماء 308 بناء بين ثلاثي مجرد ومزيد، ورباعي مجرد ومزيد، وخماسي مجرد ومزيد. وذكر للأفعال 34 بناء بين ثلاثي مجرد ومزيد ورباعي مجرد ومزيد.

ومهد سيبويه لكلامه عن الأبنية بمقدمة تحدث فيها عن أقل ما تكون عليه الكلمة وأكثر ما تصل إليه وحروفها أصلية أو مزيد فيها. ثم تحدث عن حروف الزوائد حرفًا حرفًا، وذكر مواضع زيادة كل منها2. ولم يكن من غرض سيبويه في هذا البحث أن يحصر ألفاظ كل بناء، وإنما كان غرضه يتجه إلى حصر الأبنية والتمثيل فقط كل منها.

وجاء النحاة بعد سيبويه فبهرهم هذا العمل، وأثار إعجابهم. فلم يقدموا لنا في الموضوع شيئًا ذا بال، وانحصر بحثهم في ناحيتين:

الأولى: الاستدراك على سيبويه وإضافة بعض الأبنية التي تركها. وقد فعل ذلك ابن السراج الذي ذكر أبنية سيبويه وزاد عليها 22 مثالًا، كما زاد أبو عمر الجرمي عليها أمثلة يسيرة، ثم زاد ابن خالويه أمثلة يسيرة 3، وزاد الزبيدي أكثر من ثمانين بناء4.

والثانية: يمثلها المبرد الذي حول البحث في الأبنية إلى عمليات تدريبية وافتراضات عقلية بدلًا من أن يحاول القيام بعمل إيجابي. فهو

1 أبنية الأسماء لابن القطاع ورقة2.

2 كتاب سيبويه، 2/ 315 وما بعدها "طبعة بولاق".

3 أبنية الأسماء لابن القطاع ورقة 2.

4 الاستدراك على سيبويه للزبيدي "ط روما سنة 1890"، ص1.

ص: 270

لم يبحث الأبنية بحثًا عمليًّا يقوم على الاستقراء والتتبع، وإنما أطلق لفكره العنان، وأكثر من الفروض العقلية. ومن ذلك أنه عقد بابا باسم "هذا باب معرفة الأبنية وتقطيعها بالأفاعيل

" قال فيه: "فإذا قال لك: ابن مَن "ضرب" مثل "جعفر" فقد قال لك: زد على هذه الحروف الثلاثة حرفا، فحق هذا أن تكرر لامه فتقول:"ضريب".. ولو قال لك: ابن لي من "ضرب" على مثال "صمحمح" لقلت "ضربرب"1.

ولكن من حسن حظنا أن اللغويين لم يدعوا النحاة وحدهم في هذا الميدان يصولون ويجولون، وإنما شاركوهم فيه. وحولوا البحث في الأبنية مرة أخرى إلى بحث استقرائي تتبعي، وإن اتجهوا في البحث اتجاهًا آخر، فلم يعد هدفهم حصر الأبنية فقط -فهذا أمر قام به السابقون- وإنما اتجه إلى محاولة حصر الألفاظ تحت كل بناء، واتخذ ذلك مظهرين اثنين: فاتجه فريق إلى أن يفردوا في كتبهم اللغوية بحوثًا خاصة بالأبنية، واتجه فريق آخر إلى التأليف في الأبنية مؤلفات مستقلة.

أما الفريق الأول فلم تتسم بحوثه بطابع خاص، وإنما اتخذت أشكالًا متعددة. فمنها ما اهتم بأن يذكر من ألفاظ البناء ما يقع الاشتباه فيه ويدع ما عداها، ومنها ما اهتم بذكر الأبنية التي تعد ضبطها، ومنها ما تعرض لبعض الأبنية -بدون ضابط وذكر ألفاظها، ومنها ما اهتم بذكر الأبنية النادرة، ومعظمها وجه عنايته لصيغتين من صيغ الأفعال هما "فعل أو فعل". وقد حظيت هاتان الصيغتان باهتمام اللغويين جميعًا حتى إن الكتب المبكرة التي ألفت في الأفعال كانت تحمل اسم "فعل وأفعل" أو "فعلت وأفعلت".

وأهم ما ألف في هذا الاتجاه "الغريب المصنف" لأبي عبيد، و"إصلاح المنطق" لابن السكيت، و"أدب الكاتب" لابن قتيبة،

1المقتضب للمبرد "مخطوطة دار الكتب المصرية رقم 1909 - نحو، ص 37.

ص: 271

و "المنتخب" لكراع النمل، و "الجمهرة" لابن دريد في أبوابها الأخيرة.

وأما الفريق الثاني فلم يصل بمؤلفاته -حتى القرن الرابع الهجري- إلى مرتبة المعجم الكامل الذي يحصر الأبنية "سواء كانت للأسماء أو الأفعال" ويوزع تحت كل بناء ما يخصه من ألفاظ، وإنما كانت مؤلفاته خاصة ببعض الأبنية دون بعض.

وانحصرت جهود اللغويين في هذه الناحية فيما يأتي:

"أ" التأليف في أبنية المصادر: وأول من ألف في ذلك الكسائي "ت سنة 182 هـ أو سنة 183 هـ"، ثم النضر بن شميل "ت سنة 203 هـ"، والفراء "ت سنة 207 هـ" وخص كتابه بمصادر القرآن، وأبو عبيدة "ت سنة 209 هـ"، والأصمعي "ت سنة 213 هـ" وأبو زيد "ت سنة 215 هـ" ونفطويه "ت سنة 323 هـ"1.

"ب" التأليف في أبنية الأفعال: ولا نعرف مؤلفًا واحدًا منها تعرض للأفعال جملة، إذ لم يبدأ التأليف في ذلك إلا بعد الفارابي "قرن 4هـ" الذي سنخصه بحديث مفصل فيما بعد.

وإنما نجدها تناولت صيغًا خاصة من الأفعال، ونجد صيغتين اثنتين من بين هذه الصيغ تجتذبان اهتمام اللغويين فيؤلفون فيهما، وهما صيغتا "فعل وأفعل". ومن أول من ألف فيهما قطرب "ت سنة 206 هـ" والفراء، وأبو عبيدة، وأبو زيد، والزجاج "ت سنة 311هـ" وابن دريد "ت سنة 321 هـ". وأقدم كتاب وصلنا منها هو "فعلت

1 انظر الفهرست لابن النديم "ط مصر 1348" ص 77، 80، 81، 98- 100، 121 ومعجم الأدباء "ط الحلبي" 1/ 271، 272، 11/ 216، 217، 13/ 202، 203، 19/ 343، 20/ 13، 14.

ص: 272

وأفعلت" لأبي حاتم السجستاني "ت سنة 255 هـ"1، وقد حققه ونشره مؤخرًا الدكتور خليل العطية.

"ج" التأليف في أبنية الأسماء: ولم أجد أحدًا من اللغويين قد أفرد أبنية الأسماء بتأليف مستقل يقصد استيعابها، ويعمد إلى تنظيمها ويجمع ما تفرق منها، ولكنني وجدتهم قد ألفوا في شيء خاص منها وهو "المقصور والممدود". وممن ألف في ذلك الفراء، والأصمعي، وأبو عبيدة، والزجاج2 وأبو علي القالي "ت سنة 356هـ"، وقد وصلنا كتاب أبي على القالي وما يزال مخطوطًا.

ونخلص من كل هذا إلى أن التأليف في الأبنية في مرحلته الأولى لم يأخذ صورة المعجم الكامل، ولم يتجه إلى حصر المادة اللغوية وتوزيعها على الأبنية. وهو إلى جانب فقده عنصر الترتيب والنظام لم يصل إلى أكثر من:

أ- حصر الأبنية والتمثيل لكل منها.

ب- العناية ببعض الأبنية ومحاولة حصر ألفاظها.

أي أنه فقد أهم عنصرين من عناصر المعجم الكامل وهما الشمول والترتيب.

ثانيًا: مرحلة المعجم الكامل

1-

ديوان الأدب للفارابي:

رائد هذه المرحلة هو الفارابي اللغوي أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم المتوفي سنة 350 أو 370 هـ، وكان موطنه فاراب، وهي مدينة

1 انظر الفهرست ص 79، 89، 91، 100، ومعجم الأدباء 1/ 151. 18/ 126، 136، 19/ 53، 160، 162، 20/ 13، 14.

2 انظر كشف الظنون "ط استنبول 1360 - 62" 2/ 1461، 1462.

ص: 273

وراء نهر سيحون. ويعتبر معجمه "ديوان الأدب" أول معجم جامع في اللغة العربية ترتب مادته على حسب الأبنية، أو باعتبار السواكن والعلل.

وقد قام مجمع اللغة العربية بالقاهرة بطبع هذا المعجم بتحقيق المؤلف وظهر في أربعة أجزاء يليها جزء خاص بالفهارس. ويتلخص نظام ديوان الأدب فيما يأتي:

أ- قدم الفارابي لمعجمه بمقدمة شغلت من المطبوعة ثلاثًا وعشرين صفحة1 وتناولت مسائل عدة لغوية وتصريفية كما سنتحدث فيما بعد.

ب- بعد المقدمة تجيء المادة اللغوية موزعة على أبوابها بحسب أبنيتها على النحو الذي شرحه في مقدمته.

جـ- وذيل معظم أبواب الأفعال بأحكام تصريفية.

المقدمة: أما المقدمة فقد تناولت المسائل الآتية:

1-

تفضيل اللسان العربي على سائر الألسنة؛ لأنه كلام جيران الله في دار الخلد، ولأنه المنزه من بين الألسنة عن كل نقيصة، والمعلى عن كل خسيسة.

2-

التعرض لأعمال اللغويين السابقين بصورة مجملة وتقسيمهم إلى موجز وغير موجز ومعتدل بين المذهبين.

3-

إدلاله بنفسه وفخره بمصنفه، وذكره أنه عمل في كتابه "عمل من طب لمن حب" وأنه لم يسبق إلى هذا النظام، أو يزاحم عليه.

4-

ذكره الضابط العام الذي ينتظم كل ما حواه معجمه من مادة

1 انظر ديوان الأدب بتحقيقي الجزء الأول ص 70 - 92.

ص: 274

لغوية وهو أن يكون مستعملًا، وأن يذكره النحارير من علماء أهل الأدب في كتبهم، وأن يكون واردًا في قرآن أو حديث أو شاهد من كلام العرب.

5-

شرح منهج الكتاب.

6-

التعرض لبعض الأحكام التصريفية التي تتعلق بنظام الكتاب كالحديث عن أقل الأبنية وأقصاها، وعن حروف الزيادة ومواضعها، وعن أبينة الأسماء مجردها ومزيدها واستعمالات كل بناء، كقوله عن بناء "فعل" بفتح فسكون أن يكون واحد فعول "قلب وقلوب" أو فعال "كلب وكلاب" أو أفعال "ثوب وأثواب" ويكون وصفًا من الأفعال الدالة على الطبائع "ضخم"، ويكون مصدرًا لفعل المتعدي "ضرب" ويكون جمعًا لفعلة "تمرة".

المادة اللغوية: رتبت المادة اللغوية على النحو الآتي:

1-

قسم الفاربي معجمه ستة أقسام أسماها كتبًا وهي على الترتيب الآتي:

أ- كتاب السالم، وعرفه بقوله: ما سلم من حروف المد واللين والتضعيف.

ب- كتاب المضاعف، وعرفه بقوله: ما كانت العين منه واللام من جنس واحد.

جـ- كتاب المثال، وعرفه بقوله: ما كانت في أوله واو أو ياء.

د- كتاب ذوات الثلاثة، وعرفه بقوله: ما كانت العين منه حرفا من حروف المد واللين "الأجوف".

هـ- كتاب ذوات الأربعة، وعرفه بقوله: ما كانت اللام منه حرفًا من حروف المد واللين "الناقص".

ص: 275

و كتاب المهموز، وهو ما كان أحد أصوله همزة1.

2-

جعل كل كتاب من هذه الكتب شطرين: أسماء وأفعالًا2 وقدم الأسماء في كل كتاب على الأفعال.

قسم كل شطر منهما إلى أبواب بحسب التجرد والزيادة. ففي الأسماء بدأ بالثلاثي المجرد ثم ما لحقته الزيادة في أوله "أصبع ومذهب" ثم المثقل الحشو "المزيد بالتضعيف" وذلك مثل "حمص"، ثم ما لحقته الزيادة بين الفاء والعين "طابع"، ثم ما لحقته الزيادة بين العين واللام "سحاب" ثم ما لحقته الزيادة بعد اللام "خدب" ثم الرباعي وما ألحق به "ثعلب"، ثم الخماسي وما ألحق به" جرْدَ حل".

وفي الأفعال بدأ بالثلاثي المجرد "ثقب"، ثم ما لحقته الزيادة في أوله من غير ألف وصل وهي الهمزة "أترب"، ثم المثقل الحشو رتب" ثم ما لحقته الزيادة بين الفاء والعين "جاذب"، ثم الأبواب الثلاثة التي في أولها ألف وصل "اجتذب - انسحب - استصعب" ثم ما لحقته الزيادة في أوله وهي التاء مع تثقيل حشوه "تكلم"، ثم ما لحقته الزيادة في أوله وهي التاء، مع زيادة بين الفاء والعين "تجاذب"، ثم بابا الألوان وما أشبه ذلك "أحمر - احمار"، ثم أبواب الرباعي وما ألحق به3 أو زيد فيه.

1 ذكر السر في إفراد المهموز بكتاب بقوله: "والهمزة كالحرف السالم في احتمال الحركات، وإنما جعلت في حروف الاعتلال لأنها تلين فتلحق بها""1/ 76".

2 يشمل شطر الأفعال الأفعال ومشتقاتها كالمصدر واسم الفاعل واسم المفعول.

3 الإلحاق هو جعل كلمة على وزن كلمة أزيد منها لتلحقها في التصريف وهو نوعان: ملحق بالرباعي وملحق بالخماسي. وأشهر أوزان الملحق بالرباعي: فعلن: خلبن، وفوعل، جورب، وفيعل: سيطر، وفعول: سرول، وفعلل: جلبب وغيرها.

ص: 276

4-

ولما كان كل باب من هذه الأبواب قد يشترك في عدة أبنية، كالثلاثي المجرد من الأسماء الذي له تسعة أبنية، وضع قاعدة لتقديم بعض هذه الأبنية على بعض فقدم ساكن الحشو على المتحرك لأن السكون أخف، وقدم المفتوح الأول لأن الفتحة أخف ثم أتبعه المضموم ثم المكسور. وقدم ياء التأنيث على همزة التأنيث وهمزة التأنيث على النون.

5-

ولما كانت هناك كلمات كثيرة تشترك في الوزن الواحد رأى أن يرتب الأوزان بحسب حرفها الأخير مع أولها ووسطها. وهذا ما يعرف الآن بنظام الباب والفصل، وقد اشتهر بين الباحثين أن الجوهري هو الذي اخترعه، والذي تبين الآن أن الفارابي قد سبقه إليه.

ولكنه عدل في ترتيب ألفاظ المعتل اللام أو المهموزها عن اعتبار الحرب الأخير لأنه واحد في جميعها، واعتبر الحرف الذي قبله مع الحرف الأول. وهذا وجه خلاف بينه وبين الجوهري الذي لم يعدل عن اعتبار الحرف الأخير، حتى في المهموز والناقص.

فكلمة البدء تذكر في الصحاح قبل الخبء لأنها عنده من باب الهمز فصل الباء. ولكنها تذكر بعد الخبء في ديوان الأدب، لأنها من باب الدال فصل الباء، وكلمة الخبء من باب الباء فصل الخاء. ومثل هذا يقال عن كلمتين مثل "نحو" و"رخو" فالأولى تذكر أولًا في ديوان الأدب، ومتأخرة في الصحاح.

6-

اعتبر أحرف الزيادة لمعرفة بناء الكلمة، ولكنه لم يعتبر الزيادة حينما أراد توزيع الكلمات على الأبواب والفصول.

7-

كان في كثير من الأبواب ولا سيما في شطر الأفعال يذيل الباب بتعقيب يتحدث فيه عن أحكام عامة تعلق بالباب كما سنذكر فيما بعد.

8-

في أبواب المعتل كان يفصل الواوي من اليائي ويقدم الأول منهما.

ص: 277

9-

راعى الإيجاز في معجمه ولذلك حذف الأبنية القياسية سواء في الأسماء أو الصفات أو المصادر، اكتفاء بذكر أحكامها في المقدمة والتذييلات.

10-

كان يرد الجموع إلى مفرداتها ويضع الجمع تحت مفرده.

التذييلات:

أتبع الفارابي كثيرًا من أبواب الأفعال بفصول تذييلية تناول فيها بالتفصيل أنواع المشتقات، وتعرض لكثير من الأحكام التصريفية العامة. وكان غرضه من ذلك الجمع بين المادة اللغوية المسموعة، والأخرى المقيسة. وبذلك يضم معجمه أكبر قدر ممكن من ألفاظ اللغة، ما لا ضابط له بالنص عليه، وما له ضابط بذكر قاعدته وكيفية اشتقاقه.

وكان تركيزه في هذه التذييلات على أمور منها:

1-

بيان المصادر من كل باب، كقوله في باب فَعل يفعُل "بفتح فضم" والمصدر القياسي في هذا ما كان على الفعل أو الفعول.

الفعل للمتعدى والفعول للازم، وقد يتبادلان، وربما اجتمعا مثل سكت سكتا وسكوتا. وربما جاء المصدر من هذا الباب على فعل "بفتح فضم" وهو قليل.

2-

بيان الصفات من كل باب كاسم الفاعل والصفة المشبهة.

3-

كيفية أخذ اسم الزمان والمكان والمصدر الميمي.

4-

كيفية أخذ فعل الأمر وضبط ألفه في كل باب.

5-

معاني صيغ الزوائد.

6-

أحكام تخص بعض الأبواب دون بعض، ومن ذلك:

أ- ذكره سر المخالفة بين حركة الماضي الثلاثي ومضارعه.

ص: 278

ب- ذكره السر في اشتمال باب فَعل يفعَل على أحد حروف الحلق.

جـ- حديثه عن لزوم باب فعل يفعل وسر التزام الضم في الماضي والمضارع معًا.

د- ذكره كثيرًا من أحكام الإعلال في أبواب المثال وذوات الثلاثة وذوات الأربعة1.

أما فائدة هذا النوع من المعاجم فتتلخص فيما يأتي:

1-

اختار ترتيب الكلمات على الترتيب الهجائي المعروف، ولم يذهب في ذلك مذهب الخليل بن أحمد ولم يرتب ترتيبه "ميلًا إلى الأشهر، لقرب متناوله، وسهولة مأخذه على الخاصة والعامة".

2-

ترتيب الكلمات على حسب حرفها الأخير يسهل البحث عن الكلمات التي قد يغمض معرفة أولها، أو سبق أولها بحروف مزيدة مثل: يعد - ميزان - أواصل2.

كما أن هذا الترتيب ييسر على الشعراء والكتّاب النظم والنثر في عصر كانت قد شاعت فيه المحسنات البديعية والتزمت القوافي.

3-

ويكشف لنا القاضي نشوان بن سعيد الحميري في مقدمة كتابه "شمس العلوم"، وهو ممن تأثر بالفارابي في تنظيمه عن عامل آخر أملى هذا النظام، وذلك في قوله: "وقد صنف العلماء رحمهم الله تعالى كثيرًا من الكتب فمنهم من جعل تصنيفه حارسًا للنقط وضبطه بهذا الضبط، ومنهم من حرس تصنيفه بالحركات بأمثلة قدروها، وأوزان ذكروها،

1 انظر ديوان الأدب 3/ 256، 261، 401، 4/ 81 على سبيل المثال.

2 ثبت بالإحصاء أن لام الكلمة ثابتة لا تتغير مهما اختلفت صورة الكلمة - إلا في حالات قليلة ومتى لحقها التغيير أو زيد بعدها حرف أو حرفان فإن الكلمة تنتقل إلى أوزان أخرى ولا تعتبر من الثلاثي.

ص: 279

ولم يأت أحد منهم بتصنيف يحرس جميع النقط والحركات. فلما رأيت ذلك ورأيت تصحيف الكتاب والقراء

حملني ذلك على تصنيف يأمن كاتبه وقارئه من التصحيف، يحرس كل كلمة بنقطها، وشكلها، ويجعلها مع جنسها وشكلها ويردها إلى أصلها، جعلت فيه لكل حرف في المعجم كتابًا، ثم جعلت له ولكل حرف معه من حروف المعجم بابًا، ثم جعلت كل باب من تلك الأبواب شطرين: أسماء وأفعالًا، ثم جعلت لكل كلمة من تلك الأسماء والأفعال وزنًا ومثالًا. فحروف المعجم تحرس النقط وتحفظ الخط، والأمثلة حارسة للحركات والشكل، فكتابي هذا يحرس النقط والحركات جميعًا"1.

4-

ترتيب المعجم على نظام الأبنية، وجمع الكلمات التي على شاكلة واحدة في صعيد واحد يفيد الصرفيين كثيرًا، ويطلعنا على خصائص الأوزان، وما يفيده كل بناء من الأبنية، كوزن "فُعال" بضم الفاء الذي يفيد الزيادة والكثرة، وصيغة "فعيل" التي تدل على الملازمة والمبالغة في الشيء. كما يقفنا على معاني صيغ الزوائد كصيغة "أفعل" و"فاعل" و"فعل" و"استفعل". إلخ.

5-

من عيوب المعاجم أنها كثيرًا ما تهمل النص على باب الفعل الثلاثي مما يوقع الباحث في الحيرة. وقد تغلب الفارابي على هذه المشكلة بتوزيعه الأفعال على أبوابها، فليس في معجمه فعل واحد لم يرد إلى بابه. ومن أمثلة ذلك قول الجوهري:"قلبته أي: أصبت قلبه، وقلبت النخلة أي نزعت قلبها" ولم يذكر الباب. وقد ذكرهما الفارابي في باب فعل يفعل. "بفتح فكسر".

تقدير القدماء لديوان الأدب:

استفادت كتب اللغة المتأخرة بمادة ديوان الأدب وأهمها فقه اللغة

1 ص 2.

ص: 280

للثعالبي، والتكملة والعباب للصغاني، والمزهر للسيوطي، وإضاءة الراموس للفاسي والمصباح المنير للفيومي

كما أثنى عليه العلماء ووصفوه بأرفع الصفات فسموه "الجامع لديوان الأدب"، ووصفوه بأنه "ميزان اللغة ومعيار العربية". وكان أبو العلاء المعري يحفظه عن ظهر قلب، وهو الذي أكمله لأديب يمني عثر على جزء منه وأعجبه جمعه وترتيبه.

كما مدحه كثير من الشعراء، فقال أحدهم:

كتاب ديوان الأدب

أحلى جنى من الضرب

ما ضر من يحفظه

خمول ذكر أو نسب

يرفعه كتابنا

أعلى الأعالي والحسب

ومدحه القاضي نشوان بن سعيد بقوله:

نعم الكتاب ديوان الأدب

نعم الذخيرة فهمه والمكتسب

في كل باب منه كنز دونه

كنز اللجين ودونه كنز الذهب

عيوبه:

1-

تعقد نظام الكتاب وصعوبة استخدامه حتى على المتخصصين، فهو نظام لا يسعف الباحث المتعجل.

2-

أرغمت هذه الخطة المؤلف على تمزيق الصيغ التي ترجع إلى مادة واحدة وتوزيعها على أبواب مختلفة بحسب أوزانها.

3-

لم يشمل المنهج إفراد أبواب للفعل المبني للمجهول، أو للحروف، ونراه يدمج النوع الأول في أبواب المبنية للمعلوم ويدمج الثاني في أبواب الأسماء.

ص: 281

4-

أساس الاستفادة من المعجم معرفة ضبط الكلمة أولًا. ولهذا فهو يصلح لمن يعرف ضبط الكلمة ويريد أن يقف على معناها، أو يريد أن يقف على خصائص بناء من الأبنية، ولكنه لا يصلح لمن عرف مدلول كلمة، وأراد الوقوف على ضبطها.

5-

وقوع المؤلف في بعض الأخطاء المنهجية مثل تكرار اللفظ مرة في باب الأسماء ومرة في باب الأفعال، ومثل الخلط بين الأسماء والصفات والأولى موضعها القسم الخاص بها والثانية موضعها قسم الأفعال، ومثل ذكره بعض الصيغ القياسية مع نصه على عدم ذكرها في المقدمة.

6-

كما أنه وقع في بعض الأخطاء في شرح المادة اللغوية كقوله: وهي الكنيسة للنصارى، مع أن المعروف أنها لليهود. أما معبد النصارى فيسمى بيعة1.

2-

شمس العلوم لنشوان:

وهو من معاجم الأبنية التي اقتفت أثر الفارابي: واسمه بالكامل "شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم". واسم مؤلفه نشوان ابن سعيد بن نشوان الحميري النحوي اللغوي الفقيه من علماء القرن السادس الهجري. وصفه السيوطي بقوله: "أوحد أهل عصره، وأعلم دهره". وقد كان هذا الكتاب أسعد حظًّا من "ديوان الأدب" إذ طبع منه جزء في مجلدين وصل إلى آخر حرف الجيم بتحقيق ك. و. سترستين كما أخذت مطبعة الحلبي في طبعه وأصدرت منه جزءين وصلا إلى آخر حرف الشين، وذلك قبل أن يطبع ديوان الأدب. ثم أخذت مطبعة الحلبي في إعادة طبعه وأخرجت منه عام 1983 خمسة أجزاء ثم توقفت.

1 وانظر ما سبق من مآخذ لغوية في دراسة العلاقة بين الصحاح وديوان الأدب، وما كتبته في مقدمة التحقيق عن عيوب المعجم "1/ 43 وما بعدها".

ص: 282

والكتاب يبدأ بمقدمة يليها فصل في التصريف. وأهم ما تناولته المقدمة فضل اللغة العربية على سائر اللغات، والحديث عن نظام الكتاب. أما فصل التصريف فقد بين أهمية علم التصريف وافتقار علم اللغة إليه ثم تناول مشكلات الزيادة، والإبدال، والحذف، ومخارج الحروف، والإدغام وغير ذلك. وقد شغلت المقدمة وفصل التصريف 29 صفحة من مطبوعة ليدن.

نظامه:

1-

قسم المؤلف معجمه إلى كتب على عدد حروف الهجاء، مرتبة على حسب الترتيب الهجائي المعروف، فبدأ بكتاب الهمزة، وتلاه بكتاب الباء، ثم التاء، ثم الثاء.

2-

قسم كل كتاب من هذه الكتب إلى جزءين، جزء للمضاعف وجزء لغيره، وكان يبدأ كل كتاب بباب المضاعف.

3-

قسم كل جزء من هذين الجزءين إلى شطرين، شطر للأسماء، وشطر للأفعال وكان يبدأ بشطر الأسماء.

4-

قسم كل شطر إلى أقسام بحسب التجرد والزيادة، فكان يبدأ بالثلاثي المجرد، ثم المزيد فيه، ثم الرباعي، ثم الخماسي.

5-

ولما كان كل قسم من هذه الأقسام يشترك في عدة أبنية راعى في المجرد الحركة حين ترتيب الأوزان، فكان يقدم ساكن الحشو على المتحرك والمفتوح الأول على المضموم والمكسور. أما في المزيد فقد راعى مكان الزيادة فقدم من الأبنية ما كانت زيادته أسبق، مع مراعاة نوع الحركة أيضًا.

6-

اعتبر أحرف الزيادة لمعرفة بناء الكلمة، ولكنه لم يعتبر الزيادة حينما وزع الكلمات على الأبواب والفصول.

ص: 283

بين ديوان الأدب وشمس العلوم:

هناك أوجه شبه وأوجه خلاف بين المعجمين. أما أوجه الشبه فواضحة فيما يأتي:

1-

فكرة التقسيم إذ اتبعا نظام الأبنية.

2-

التقسيم إلى أسماء وأفعال، وإفراد أبنية كل قسم ومفرداته.

3-

التقسيم بحسب التجرد والزيادة، ثم بحسب نوع الحركة.

4-

اعتبار أحرف الزيادة لمعرفة بناء الكلمة، وإهمالها عند توزيع الكلمات على الأبواب والفصول.

وأما أوجه الخلاف فتتلخص فيما يأتي:

1-

قسم الفارابي كلماته إلى ستة أقسام بحسب نوع حروفها، في حين أن القاضي نشوان راعى فصل المضاعف فقط عن غيره. ولا أفهم سر ذلك.

2-

قدم الفارابي مرحلة التقسيم بحسب الأبنية على مرحلة التقسيم بحسب الحروف، في حين أن القاضي نشوان قد شطر مرحلة التقسيم بحسب الحروف إلى شطرين، قدم أولهما "وهو اعتبار الحرف الأول والثاني" على مرحلة الأبنية، وأخر ثانيهما "وهو اعتبار الحرف الأخير" عن مرحلة الأبنية.

3-

كذلك نجد الفارابي في اعتباره للحروف يرتب بحسب الحرف الأخير والأول "نظام الباب والفصل" أما القاضي نشوان فيرتب بحسب الحرف الأول، ثم الثاني، ثم الأخير1.

1 سواء كان الأخير ثالثًا أو رابعًا، ولذلك رتب كلمات البناء "فعال" في قسم الأسماء هكذا: جلعب، جلسد، جلعد، جلمد - جلهم

ولو كان ينظر إلى الحرف الثالث لغير الترتيب.

ص: 284

4-

وهناك فرق هام بين المعجمين يتمثل في المادة اللغوية الموجودة في كل. فديوان الأدب معجم مختصر، وقف عند حدود المعجم، فأهمل المسائل الفقهية والكلامية، ونحى الأشياء الغريبة عن علم اللغة، وحد من الأبحاث النحوية والبلاغية: أما "شمس العلوم" فكان يحشد تحت المادة كل ما يمكن حشده من ألوان العلوم والمعارف، ولذا جاء حجمه ضخمًا بالنسبة لحجم "ديوان الأدب"، مع نص القاضي نشوان في مقدمته على أنه بلغ في هذا التصنيف من الإيجاز والاختصار جهده، وأتى بأقصى الغاية مما عنده.

ولكن ماذا يغني الاختصار والكتاب مليء بأخبار الملوك، ومعرفة منافع الأشجار، وطبائع الأحجار، والحديث في علوم القرآن والقراءات والتفسير، والأنساب والأخبار والحساب، والفقه والنجوم وتأويل الرؤى، والنحو والصرف والعروض، ومصطلح الحديث والفرق الإسلامية1.

ويبدو أن القاضي نشوان قد تعمد إغفال اسم "ديوان الأدب" حتى يقطع الصلة بين المعجمين أو يمحو معالمها. ويبدو أن هذه النية هي التي جعلته يزعم في مقدمته أن أحدًا من المؤلفين في المعاجم لم يأت قبله بتصنيف يحرس جميع النقط والحركات، مع أن الفارابي قد سبقه إلى ذلك بقرنين من الزمن.

ولم يستطع القاضي نشوان برغم ذلك أن يمحو تأثير الفارابي عليه، أو يقطع صلته به، ولذلك نجد القفطي يعتبر "شمس العلوم" شرحًا لـ"ديوان الأدب". وهو ليس كذلك في الحقيقة ولكنه أثر من آثاره2.

1 المقدمة س 3، 6 وقد تكلم المؤلف في أكثر من صفحتين منها من علم النجوم وأهميته ومنزلته.

2 ولاحظ ما سبق أن اقتبسناه من قصيدة نشوان في مدح ديوان الأدب. وقد أوردت القصيدة بنصها في مقدمة تحقيقي "1/ 39".

ص: 285

3-

مقدمة الأدب للزمخشري:

ومقدمة الزمخشري من الكتب التي سارت على نظام الأبنية، ومؤلفها من علماء القرن السادس كذلك، وقد قسمها إلى خمسة أقسام: الأسماء، والأفعال، والحروف، وتصرف الأسماء، وتصرف الأفعال.

ولم يتبع المؤلف في قسم الأسماء نظام الأبنية، وإنما سلك فيه سبيل المعاجم المرتبة بحسب الموضوعات، فقسمه إلى أبواب، جمع تحت كل باب منها الكلمات التي تدور حول موضوع واحد.

أما قسم الأفعال فقد اتبع فيه نظام الأبنية فقسمه أولًا إلى:

أ- الثلاثي المجرد.

ب- الثلاثي المزيد.

جـ- الرباعي.

د- وألحق بها قسمًا رابعًا جمع فيه "من غير نظام" الأفعال غير المتصرفة ثم قسم كل قسم من الأقسام الثلاثة الأولى إلى أبواب. فقسم الثلاثي المجرد بحسب ماضيه ومضارعه إلى ستة أبواب، وألحق بها بابًا سابعًا للمبني للمجهول.

وفصل في كل باب الأنواع الآتية بعضها من بعض:

أ- الصحيح.

ب- المضاعف.

جـ- المعتل الفاء.

د- المعتل العين.

هـ- المعتل اللام.

و المعتل الفاء واللام.

ز- المعتل العين واللام.

ورتب الكلمات تحت كل نوع ترتيبًا هجائيًّا كترتيب "ديوان الأدب" و"الصحاح".

ص: 286

وأما قسم الحروف فهو قسم قصير جدًّا لم يعالج فيه الزمخشري الحروف معالجة اللغوي، وإنما عالجها معالجة النحوي الذي يبحث عن الأثر الإعرابي ولذلك كانت أقسامه:"فصل في الحروف التي تجر الأسماء" فصل في الحروف التي تنصب الأسماء"، "فصل في الحروف التي تنصب الاسم وترفع الخبر".

وأما القسمان الرابع والخامس الخاصان بتصريف الأسماء والأفعال فيتناولان موضوعات تمس النحو والصرف كالإعراب والبناء، والتعريف والتفكير، والإفراد والتثنية والجمع، والتصغير، والنسب.

وتوجد من المعجم عدة نسخ ناقصة في دار الكتب المصرية يكمل بعضها بعضًا وهي:

نسخة رقم 100 لغة تشتمل على الأسماء وقسم الأفعال.

نسخة رقم 636 لغة وتشتمل كذلك على قسمي الأسماء والأفعال.

نسخة رقم 272 لغة تنقص قسم الأسماء فقط وتشتمل على الأقسام الأربعة الأخرى وكتب عليها خطأ "كتاب الأفعال".

ص: 287

القسم الثاني: معاجم المعاني

يبدو أن فكرة هذا النوع من المعاجم الذي يرتب ألفاظه بحسب الموضوعات، كانت أسبق في الوجود، أو معاصرة لأولية المعاجم العربية المرتبة على الألفاظ، وإن أخذت البداية شكلًا خاصًّا يتمثل في كتيبات صغيرة يتناول كل منها موضوعًاواحدًا من الموضوعات.

ومن أوائل من ألفوا الكتيبات ذات الموضوع الواحد: أبو مالك عمرو ابن كركرة الذي ألف: خلق الإنسان، والخيل. ومنهم أبو خيرة الأعرابي الذي ألف: الحشرات وهما من علماء القرن الثاني الهجري.

وفي القرن الثالث استمر هذا العمل، ووجدت بجانبه أعمال أخرى تتمثل في كتب تجمع أكثر من موضوع في مجلد واحد. فمن النوع الأول: السلاح للنضر بن شميل، والنحلة، والإبل، والخيل، وخلق الإنسان لأبي عمرو الشيباني، والإنسان، والزرع لأبي عبيدة، والمطر، والمياه، وخلق الإنسان، والشجر لأبي زيد الأنصاري، والإبل، والنحل والإنسان، والنبات والخيل للأصمعي، وأسماء الخيل، والبئر، والدرع لابن الأعرابي من النوع الثاني تلك الكتب التي حملت اسم "الغريب المصنف" أو "الصفات"، وأبو عبيد القاسم بن سلام الذي ألف "الغريب المصنف"1. ومن معاجم هذا القرن كذلك معجم لابن السكيت يحمل اسم "الألفاظ" وهو مطبوع ومتداول2.

1 ما يزال مخطوطًا. وانظر عدنان الخطيب ص 37، وحسين نصار 1/ 129 وما بعدها.

2 طبع بتهذيب التبريزي باسم، "كنز الحفاظ في كتاب تهذيب الألفاظ".

ص: 288

ويستمر الاتجاهان في القرن الرابع، فيؤلف الأخفش الأصغر "الأنواء"، وابن دريد "السرج واللجام" و "المطر والسحاب"، وأبو علي القالي "الإبل". ويؤلف كراع النمل "أبو الحسن علي بن الحسن الهنائي المتوفى بعد عام 309 هـ""المنجد"1، وعبد الرحمن ابن عيسى الهمذاني2 "توفي 320 هـ""الألفاظ الكتابية" وقدامة بن جعفر "توفي 337 هـ""جواهر الألفاظ". وآخر ما طبع من معاجم المعاني لهذا القرن "متخير الألفاظ" لابن فارس "توفي 395 هـ"3.

أما القرن الخامس فقد كاد يختفي4 منه الاتجاه الأول، وبقي الاتجاه الثاني ممثلًا في "مبادئ اللغة" للإسكافي "توفي 421هـ" الذي ضم أبوابًا تدور على الموضوعات، مثل النجوم والدهر والليل والنهار والثياب والآلات وأدوات الطعام والشراب، وقد طبع بالقاهرة. كذلك ظهر فيه "فقه اللغة" للثعالبي "توفي 429 هـ" وقد طبع كذلك.

وتوج هذا القرن بعملين هامّين، أحدهما غاية في الطول، والآخر غاية في الاختصار.

أما العمل الأول فهو:

المخصص لابن سيده:

وهذا المعجم يُعد أوفى وأشمل معجم من معاجم المعاني في تاريخ اللغة العربية. وقد استعان ابن سيده في تأليفه بكل ما كتب قبله تقريبًا من مؤلفات الغريب المصنف، والصفات والألفاظ والمعاجم اللغوية وكتب اللغة المختلفة، ولذا جاء شاملًا وافيًا.

1 طبع بتحقيق المؤلف بالاشتراك مع ضاحي عبد الباقي.

2-

طبع كتابه بتحقيق لويس شيخو.

3 طبع بتحقيق هلال ناجي.

4 لم أعثر إلا على "الأزمنة والأنواء" لابن الأجدابي وسيرد مزيد بيان عنهما.

ص: 289

ويضم الكتاب إلى جانب ذلك كثيرًا من المباحث النحوية والصرفية، كما أنه مزود بالشواهد المنظومة والمنثورة.

والمخصص مطبوع ومتداول ويقع في 17 جزءا. ويقول مؤلفه في مقدمته: "وتأملت ما ألفه القدماء في اللسان

فوجدتهم قد أورثونا بذلك فيها علومًا نفيسة جمة

إلا أني وجدت ذلك نشرًا غير ملتئم، ونثرًا ليس بمنتظم

ثم إني لم أر لهم فيها كتابًا مشتملًا على جلها فضلًا عن كلها مع أني رأيت جميع من مد إلى تأليفها يدًا

قد حرموا الارتياض بصناعة الإعراب، ولم يرفع الزمن عنهم ما أسدل عليهم من كثيف ذلك الحجاب، حتى كأنهم موات لم يمد بحيوانية أو حيوان لم يحد بإنسانية".

والمعجم مقسم إلى أبواب رئيسية بحسب الموضوعات، وتحت كل باب مجموعة من التقسيمات الفريعة، كما يبين من المثال التالي: كتاب خلق الإنسان - كتاب اللباس - كتاب الطعام

وتحت كتاب خلق الإنسان نجد: باب الحمل والولادة - أسماء ما يخرج مع الولد - الرضاع والفطام والغذاء وسائر ضروب التربية - الغذاء السيئ للولد

- الرأس - ومن صفات الرأس -

الحاجب - العين وما فيها

- الأنف

- الشفة وما يليها من الذقن1.

وقد أعد الأستاذ محمد الطالبي دراسة، كما قام بعمل فهارس متنوعة للمخصص وطبعها تحت عنوان "المخصص لابن سيده - دراسة ودليل" وهو عمل لا بأس به وييسر على الباحثين عناء التجوال في أجزاء المخصص المتعددة للعثور على طلبتهم.

1 انظر مقارنة بين معاجم المعاني "القديمة" ومعاجم الحقول الدلالية "الحديثة" في بحثنا: نظرية الحقول الدلالية واستخداماتها المعجمية "مجلة كلية الآداب، جامعة الكويت، العدد 13".

ص: 290

ورب سائل يسأل: ولكن ما قيمة هذا النوع من المعاجم؟ وكيف يمكن الاستفادة به؟ والحقيقة أن هذا النوع من المعاجم لا يستفيد منه من عثر على كلمة وأراد ضبطها بالشكل، أو تحديد معناها، فمثل هذا الباحث لا بد أن يرجع إلى معاجم الألفاظ. ولكنه يفيد من يدور معنى من المعاني في ذهنه، أو يفكر في موضوع ما، ويريد أن يجمع الألفاظ المتعلقة به أو التي تدور حوله فلن يفيده إلا هذا النوع من المعاجم.

ولو أراد مثل هذا الباحث الاستعانة بلسان العرب مثلًا في العثور على طلبته لأفنى الشهور والسنين في لَمّ الكلمات التي يريدها وجمع شتاتها من أماكنها المتفرقة، ولعدل عن المضي في بحثه حين يكتشف مدى الجهد الذي ينتظره.

وأما العمل الآخر فهو:

"كفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ" لابن الأجدابي:

ولجهل الكثيرين بالكتاب ومؤلفه رأينا أن نخصهما ببحث واف يقصد إلى التعريف بهما ووضعهما في مكانهما:

أما المؤلف فهو العالم اللغوي أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل بن أحمد بن عبد الله اللواتي الأجدابي1 الطرابلسي، من علماء القرن الخامس الهجري، إذ كان معاصرًا لأبي محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم ابن هانش قاضي طرابلس في المدة من عام 444 إلى 477هـ، وله معه قصة ذكرها التجاني في رحلته2.

ومن مجموع ما ذكره المؤرخون وكتاب التراجم عن حياته نعرف أنه

1 اللواتي نسبة إلى "لواتة" وهي قبيلة بربرية كانت تسكن أجدابية. والأجدابي نسبة إلى "أجدابية" وهي بلد من بلاد برقة "الزاوي: أعلام ليبيا ص 4، معجم البلدان الليبية ص 20".

2 ص 263.

ص: 291

وإن كان ينتسب إلى أجدابية، فقد ولد وعاش ومات في طرابلس. وقد وصفه القفطي بقوله:"من أهل اللغة، وممن تصدر في بلده واشتهر بالعلم. وكانت له يد جيدة في اللغة وتحقيقها وإفادتها"1. وقد ألف كتبًا كثيرة هي بالإضافة إلى كتابنا هذا:

1-

الأزمة والأنواء وقد طبع طبعة محققة ونشر في دمشق بتحقيق الدكتورة عزة حسن سنة 1964 م.

2-

كتاب في العروض قال عنه التجاني "ناهيك به حسنًا وترتيبًا وتهذيبًا".

3-

كتاب في الرد على أبي حفص بن مكي في "تثقيف اللسان".

4-

كتاب شرح ما آخره ياء مشددة من الأسماء.

5-

كتاب مختصر في علم الأنساب.

6-

رسالة في الحول ألفها حين عيره "ابن هانش" بحوله2:

وأما الكتاب فقد نال شهرة عظيمة برغم صغر حجمه، وتوالت عليه المؤلفات شرحًا ونظمًا، وبقيت منه نسخ عدة في كثير من مكتبات العالم. كما أنه طبع أكثر من مرة في أكثر من بلد عربي.

والكتاب صغير الحجم إذ يبلغ في بعض الطبعات 55 صفحة، وفي بعضها الآخر 80 صفحة. أما موضوعه فنترك الحديث عنه لابن الأجدابي نفسه الذي يقول: "هذا كتاب مختصر في اللغة وما يحتاج إليه من غريب الكلام، أودعناه كثيرًا من الأسماء والصفات، وجنبناه حوشي الألفاظ

1 إنباه الرواة 1/ 158.

2 مزيد بيان عنه بمؤلفنا "النشاط الثقافي في ليبيا"، ص 257 وما بعدها.

ص: 292

واللغات، وأعريناه عن الشواهد ليسهل حفظه ويقرب تناوله، وجعلناه مغنيًا لمن اقتصر في هذا الفن، ومعينًا لمن أراد الاتساع فيه، وصنفناه أبوابًا".

أما أبواب الكتاب فمنها:

باب في صفات الرجال المحمودة- ومن صفات الرجال المذمومة باب في صفات النساء المحمودة- ومن مذموم صفاتهن- معرفة حلى النساء- باب ما يحتاج إلى معرفته من خلق الإنسان

وليس أدل على قيمة هذا الكتاب من احتفال العلماء به، واهتمامهم بكتابة الشروح والتعليقات عليه فمن ذلك:

1-

شرح محمد بن الطيب المغربي الفاسي "المتوفي سنة 1170 هـ" المسمى "تحرير الرواية في تقرير الكفاية"، وتوجد منه نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية تحمل رقم 14 لغة ش1، وقد بدأ ابن الطيب الفاسي كتابه بقوله:"يا من المتحفظ بذكره كاف عن كفاية المتحفظ، والتلفظ بشكره إلى بدايته تنتهى نهاية المتلفظ" وذكر أنه رمى من وراء تأليفه إلى ضبط كلمات الكفاية وشرح غريبهما، وأنه لم يؤلف كتابه إلا بعد ما سألنيه جماعة من الأصحاب الجهابذة الذين تكررت قراءتهم إياه كغيره على طائفة من الشيوخ والأساتذة الذين كانوا يستندون في أمثاله من العلوم اللسانية إليّ".

2-

نظم ابن مالك صاحب الألفية له. ويوجد من هذا النظم ميكروفيلم محفوظ في معهد المخطوطات بالقاهرة برقمي 286، 287 لغة وعدد ورقاته 43. ومن أبياته:

1 قام بتحقيقه مؤخرًا علي حسين البواب ضمن رسالة للحصول على الدكتوراه من كلية دار العلوم، جامعة القاهرة "1978".

ص: 293

وبعده فقد رأيت حتمًا

إذ كنت أكملت الفصيح نظمًا

أن أنتضى عزمة ذي عناية

فأنظم الوارد في الكفاية

إذ بها يتم نيل الأرب

لمبتغي علم كلام العرب

3-

ونظمه كذلك قاضي الحرم جمال الدين محمد بن محب الدين الطبري المتوفى سنة 700 هـ تحت عنوان: "عمدة المتلفظ في نظم كفاية المتحفظ".

وغير ذلك:

ومما قيل تعليقًا على كفاية المتحفظ:

القفطي: "صنف في اللغة مقدمة لطيفة سماها كفاية المتحفظ يشتغل بها الناس في المغرب ومصر".

ابن الطيب الفاسي: "واعتنى بهذا المختصر جمع من الأئمة المقتدى بهم واعتمدوه. وأكثر من النقل عنه

الفيومي في كتابه "المصباح المنير"

والدميري في "حياة الحيوان" وغيرهما. وعدلوه بالمصنفات الكبار كالصحاح والتهذيب والمجمل ونحوها. وربما اختار كلامه في المصباح عليهم أحيانًا

وشهرته بين أهل الفن كافية".

ومدحه الأديب الفقيه علي بن صالح العدوي بقوله:

من كان يطلب في الغريب وسيلة

من شاعر أو كاتب متلفظ

أو كان يبغي في الكلام بلاغة

فليحفظن كفاية المتحفظ1

1 راجع: النشاط الثقافي في ليبيا للمؤلف، ص 262 وما بعدها.

ص: 294