المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الخامس: الدراسة المقارنة - البحث اللغوي عند العرب

[أحمد مختار عمر]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌الفصل الخامس: الدراسة المقارنة

‌الفصل الخامس: الدراسة المقارنة

من المشهور بين الباحثين أن الدراسة اللغوية المقارنة لم توجد إلا في العصر الحديث، وبعد اكتشاف اللغة السنسكريتية. يقول محمد الأنطاكي:"لم يفطن أحد إلى وجود القرابة بين كل هذه الألسن، ولم يظهر المنهج المقارن إلا بعد العثور على اللسان السنسكريتي".

وهذه المقولة برغم شيوعها ليست صحيحة، على الأقل بالنسبة للدراسات العربية. فقد وجدت منذ القرن العاشر الميلادي "الرابع الهجري" دراسات مقارنة قام بها لغويون متخصصون، ومعظمها تم في المغرب والأندلس على يد لغويين يهود سجلوها باللغة العربية.

وأشهر عملين تما في هذا الخصوص عملا ابن بارون وجودة بن قريش.

وإن وجدت أعمال أخرى أقل قيمة كتلك التي قام بها أبو يوسف القرقساني وداود بن إبراهيم1، ودوناش بن تميم2.

أما ابن بارون فقد كان من يهود إسبانيا، واسمه بالكامل أبو إبراهيم إسحاق بن بارون، وقد كتب في أواخر القرن الحادي عشر كتابه العظيم "كتاب الموازنة بين اللغة العبرية والعربية"3. وقد خصص الكتاب للدراسة المقارنة بين اللغتين من جانبي اللغة والنحو، واهتم ببيان أوجه الشبه والخلاف.

1 انظر: Literary History of Hebrew ص 16، 23.

2 انظر: Ibn Barun's Arabic Works ص 3.

3 المراجع السابق، مقدمة.

ص: 333

والكتاب مقسم إلى قسمين. فالقسم الأول مخصص للنحو المقارن، وأما القسم الثاني فيضم معجمًا مرتبًا ألفبائيًّا لجذور الكلمات الواردة في الكتاب المقدس والتي لها مقابل عربي.

وتبعًا لعهده رتب ابن بارون القسم المعجمي "التالي لقسم النحو" ألفبائيًّا.

وقد بدأه بقوله: "إن الجزء الأول من هذا الكتاب إذا كان قد خصص لمناقشة "رتبة التشارك" بين اللغتين من نواحي "النحو" "وتصرف الأفعال"، وما اتصل بهما، فإن الجزء الثاني سوف يحوي معجمًا يجمع كل الجذور التي نطقها ومعناها يتفقان في كلتا اللغتنين1.

وذكر ابن بارون أن هناك "ضروبًا متقاربة بين اللغتين تشمل:

1-

التشابه في الخط واللفظ والمعنى.

2-

التشابه نتيجة لتعاور الحروف المتشابهة المخارج.

3-

التشابه نتيجة لتعاور الحروف المتجاورة.

4 التشابه نتيجة التصحيف"2.

إلخ

إلخ

وقد أشار ابن بارون إلى بعض المعجميين العرب ومؤلفاتهم مثل العين للخليل بن أحمد، والجمهرة لابن دريد، والمجرد لكراع. كما أشار إلى بعض النحاة العرب مثل المبرد، والزجاج، وابن الأنباري.

ومن أمثلة المقارنة في القسم النحوي ذكره:

1 المرجع السابق، ص 54.

2 المرجع السابق، ص 54 - 56.

ص: 334

أ- أن علامة التثنية والجمع في العبرية بإضافة الميم، وفي العربية بإضافة النون.

ب- وأن العربية يوجد فيها تغيير إعرابي بخلاف العبرية.

جـ- وأن العربية يوجد فيها جمع تكسير بخلاف العبرية.

ومن عناون هذا القسم:

القول على مرتبة الاسم - القول على التثنية والجمع وما اتفق عليه اللغتان في ذلك - القول في التذكير والتأنيث - القول على الخواص التي تلحق الفعل ورتبة تصرف أبنيته المذكورة- القول على الأفعال المعتلة ورتبة تجانس اللغتين فيها - القول على أقسام الأفعال في التعدي1.

وقد أعطى ابن بارون حكمًا عامًّا على اللغتين - وضم إليهما السريانية - فقال: "نرى اليوم اللغة العبرانية والعبرانية والسريانية متقاربات الاشتقاق والتصريف واللفظ لقرب مزاج أهلها، لقربهم في الإقليم.. فإني أذكر منها ما وقع التوافق فيه خاصة"2.

وقد نشر المستشرق الروسي "P. k Kokovtsov""1861- 1942" "في سنة 1893 القطع التي عثر عليها من هذا الكتاب في مكتبة لننجراد الوطنية. وقدم للطبعة بمقدمة وملاحظات باللغة الروسية، كما ألحق بها ترجمة روسية. وفي عام 1916 أعاد المستشرق السابق طبع كتاب.

1 Ibn Bartun's Arabic Works ص 3، 15، 25، 28، 32، 33، 38، 43 وغيرها.

2 كتب الموازنة لابن بارون - تحقيق وتقديم "P. K. Kokoovstov" ص 22، 23.

ص: 335

ابن بارون مع إضافة بعض القطع الجديدة التي عثر عليها، ومع ترجمة كاملة باللغة الإنجليزية.

وأما جودة بن قريش التاهرتي فقد كان أسبق من ابن بارون بنحو قرن من الزمن، وكان أول أمره طبيبًا ازدهر في منتصف القرن العاشر الميلادي "الرابع الهجري".

وقد ترك ابن قريش عملًا مكتوبًا بالعربية قسمه إلى ثلاثة أقسام، وعالج في قسم منه العلاقة بين العبرية والآرامية، وفي قسم آخر العلاقة بين العبرية والعربية. وشبه العلاقة بين العبرية والآرامية "بفروع الشجرة الواحدة أو بعروق الجسد الواحد". كما صرح بأن العربية والآرامية ليسا أجنبيين.

وذكر أن العربية والعبرية نتجا عن أصل واحد وتفرعا نتيجة الخروج إلى أماكن مختلفة والاختلاط بلغات أخرى، والافتراضي منها. وأصدر حكمة على اللغة الثلاثة بقوله:"العبرية والآرامية والعربية قد صيغت - بالطبيعة - بطريقة واحدة".

ومن أهم القضايا التي تناولها ابن قريش إلى جانب ذلك.

1-

شرحه لتقابلات الأصوات الساكنة في كل من العبرية والآرامية والعربية، سواء وقعت في أوائل الكلمات، أو في أواخرها. وقد وضع كل ذلك في ترتيب ألفبائي حتى يمكن لمن أراد حرفًا معينًا أن يجده في مكانه.

2-

تناوله للأصوات الصفيرية، وذكر السبب في تعرضها الواسع للتبادل.

3-

تخصيصه بابًا لعلاج الجذور العربية والعبرية التي تتطابق أو تتشارك في أصل أو أصلين ساكنين.

ص: 336

4-

إظهاره الملامح المشتركة بين العربية والعبرية والآرامية في تصريف الأفعال.

ولهذا يقول بعض الباحثين: "لا يعد مبالغة أن نزعم أن ابن قريش يعد بحق أبًا للدراسات اللغوية السامية المقارنة على الرغم من أن ملاحظاته كانت عرضية، أكثر منها مؤسسة على دراسة مستفيضة لتركيب كل من اللغات الثلاث"1.

1 انظر: Literary History of Hebrew الصفحات 17 - 19.

ص: 337