المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: احتمالات التأثير العربي - البحث اللغوي عند العرب

[أحمد مختار عمر]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌الفصل الثاني: احتمالات التأثير العربي

‌الفصل الثاني: احتمالات التأثير العربي

كما أن العرب قد تأثروا بغيرهم ممن سبقهم، فقد أثروا في غيرهم بعد أن تمثلوا الثقافات الأجنبية المتنوعة. وقد امتد تأثيرهم -أو احتمالات تأثيرهم على الأقل- إلى شعوب كانت أسبق منهم في الدرس اللغوي مثل الهنود، والسريان، والمصريين.

وهناك جانبان بارزان أثر فيهما العرب على غيرهم وهما: النحو والمعجم.

أولًا - النحو

يبدو أثر العرب واضحًا في الدراسات النحوية الآتية:

1-

النحو السرياني:

بعد أن اتصل السريان بالعرب عندما دخل العرب بلادهم فاتحين، وعدت اللغة العربية على لغتهم أثر ذلك على السريان فوضعوا نحوهم على نمط النحو العربي، لأنه أقرب إلى لغتهم من النحو اليوناني. وكان النحاة السريان في القرن الثاني عشر وما بعده يعكسون مناهج المدارس العربية الشهيرة في البصرة والكوفة. وقد وضع ابن العبري "ولد 1226 م وتوفي 1286 م" كتابًا كبيرًا في النحو سماه "كتاب الأشعة" على غرار كتاب "المفصل" للزمخشري "توفي عام 538 هـ = 1143 م".

ويلاحظ أن ابن العبري في كتابه كان يتبع تقسيمات النحاة العرب1.

1 تاريخ اللغة السريانية الزاكية رشدي، ص 268، 270.

ص: 357

2-

النحو القبطي:

تأثر النحاة الأقباط في كتبهم النحوية بمجهودات العرب في ذلك وأنت تخرج بهذه النتيجة بعد تصفحك لكتب النحو القبطية المتقدمة، حيث تجد تشابهًا عجيبًا بين المنهجين. فالكلمة عند "ابن كاتب قيصر" تنقسم إلى اسم وفعل وحرف. والاسم هو الذي يخبر به أو يخبر عنه. وهو ما دخله أحد1 أدوات التعريف أو التفكير أو التذكير أو التأنيث أو الجمع أو ما أشبه ذلك

والحرف ما دل على معنى في غيره ولم يستقل بنفسه ولا يخبر به ولا يخبر عنه

ومنها الحروف التي تدخل على المبتدأ والخبر وهي إن وأخواتها

إلخ. فهل تصدق أنك تقرأ في كتاب يعالج نحو اللغة القبطية؟

ولم يكن هذا سبيل ابن كاتب قيصر وحده بل كان سبيل النحاة جميعًا حتى ضاق بهم مؤلف قبطي آخر اسمه الشيخ الوجيه القليوبي فقال في مقدمة كتابه المسمى "الكفاية": "وقد وضع في ذلك النحو القبطي" مقدمات، إلا أن المفسرين لغلبة أحكام تصريف اللغة العربية عليهم قاسوا أكثر أحكام القبطي عليها. وليس الأمر كذلك، بل من شرط المخرج من لغة إلى أخرى أن يجرد ذهنه عن اللغة الغالبة، ويذهل عنها ثم يذوق اللغة المخرجة ويستحضر جميع أجزائها، ويستقري مواضع استعمال أدواتها"2.

3-

النحو العبري:

نشير في هذا المقام إلى ما سبق أن ذكرناه في الفصل الثاني من الباب الأول وملخصه:

أ- ازدهار الدراسات اللغوية العبرية بعد ظهور الإسلام، وكان النموذج العربي هو الذي احتذاه العبرانيون ثم طوروه.

1 كذا وصحتها إحدى.

2 تاريخ اللغة العربية في مصر للمؤلف، ص 154، 155.

ص: 358

ب- وجود شواهد مؤكدة أن النفوذ العربي كان موجودًا حتى منذ اللحظة الأولى للنشاط اللغوي العبري، ويبدو ذلك في أسماء الحركات الثلاث.

جـ- ظهور الثقافة العربية في مؤلفات أبو يوسف القرقساني النحوية الذي تتلمذ على مدارس بغداد.

د- تأثير الثقافة العربية على مؤلفات يهوذا بن حيوج النحوية.

هـ- تأليف أبو الوليد بن جناح لكتاب نحوي عبري أسماه "اللمع" يسير على النمط العربي.

ثانيًا- المعجم:

1-

الهنود:

بالنسبة للهنود نشير إلى ما سبق أن ذكرناه1 من أن العرب يحتلون مكان المركز سواء في الزمان أو المكان، بالنسبة للعالمين القديم والحديث، وبالنسبة للشرق والغرب. وما ذكرناه من أن فترة النشاط المعجمي الكبير في الهند لم توجد إلا في القرن الثاني عشر بعد إنتاج بعض المعاجم العربية العظيمة.

2-

الترك:

هناك نوعان من التأثير يدخلان تحت هذا العنوان هما:

1-

ترجمة بعض المعاجم العربية إلى التركية مثل ترجمة "الصحاح" التي قام بها قرة بيري المتوفي عام 886 هـ أو 866 هـ والتي سماها "الترجمان" ومثل ترجمة المولى محمد بن مصطفى الكوراني المتوفي سنة 1000 هـ 2.

1 صفحة 344.

2 مقدمة الصحاح ص 208.

ص: 359

2-

تأليف بعض المعاجم التركية على نمط المعاجم العربية، وأكتفي بأن أمثل بما يأتي:

أ- ديوان لغات الترك: للكاشغري الذي سار على نمط ديوان الأدب للفارابي. ومؤلفه هو محمود بن الحسين بن محمد الكاشغري من أهل كاشغر على حدود الصين، وقد توفي عام 466 هـ 1. والكتاب معجم يشرح الألفاظ التركية بعبارات عربية. ووجه الشبه واضح كل الوضوح بينه وبين ديوان الأدب سواء في المقدمة أو ترتيب المادة، وإن لم يشر الكاشغري إلى ذلك، ولم يذكر اسم الفارابي. والموازنة التالية تكشف عن مدى التشابه بين الكتابين:

1 الأعلام للزركلي.

ص: 360

المقدمة:

ديوان الأدب

قال الفارابي: رتبت كل كلمة فجعلتها أولى بموضعها مما يقدمها أو يعقبها ليجدها المرتاد لها في بقعة بعينها رابضة من غير نص مطية أو إدآب نفس.

قال الفارابي: جعلت كل كتاب من هذه الكتب شطرين أسماء وأفعالًا وقدمت الأسماء في أمثلتها وأبوابها على الأفعال ثم تلوتها بالأفعال مبوبة على مراتبها ومدارجها مقدمًا الأحق فالأحق منها.

نتبدئ بالأسماء التي في أواخرها الباء ثم نتجاوزها إلى ما بعدها حتى نأتي على حروف المعجم.

لم نذهب في ذلك مذهب الخليل بن أحمد ولم نرتب ترتيبه ميلًا إلى الأشهر لقرب متناوله وسهولة مأخذه على الخاصة والعامة.

قال الفارابي: مشتملًا على تأليف لم أسبق إليه وسابقًا بتصنيف لم أزاحم عليه.

ديوان لغات الترك

قال الكاشغري: أنخت كل كلمة في محلها، وأنهضتها من عدوائها ليصادفها في مبركها طالبها، ويرصدها في مسلكها رابعها.

وقال الكاشغري: جعلت كل كتاب من هذه الكتب شريحين أسماء وأفعالًا، وقدمت الأسماء على الأفعال، ثم قفوتها بالأفعال مبوبة على مراتبها الأولى فالأولى.

وضعته مرتبًا على ولاء حروف المعجم.

ولقد تخالج في صدري أن أبني الكتاب كما بنى الخليل بن أحمد كتاب "العين" وأذكر المستعمل والمهمل

إلا أن هذا البناء أصوب لأن مأخذه أقرب.

قال الكاشغري: برزت بتصنيف لم أسبق إليه وتأليف لم يوقف عليه.

ص: 361

ديوان الأدب:

قال الفارابي: القول في تقديم الحروف بعضها على بعض: نبتدئ بالأسماء التي في آخرها الياء ثم نتجاوزها إلى ما بعدها حتى نأتي على حروف المعجم.

قال الفارابي: قول آخر فيما ذكر في الكتاب وفيما لم يذكر غير ذلك مما لاغنى عنه: كل ما كان من أسماء البلدان والأودية والجبال..

ديوان لغات الترك:

وقال الكاشغري: القول في تقديم الحروف بعضها على بعض:

نبتدئ بالأسماء التي في أعجازها الباء ثم نمر إلى ما بعدها حتى نستوفي في حروف المعجم كل اقتداء بأئمة الأدب، وتشبيهًا في البناء بلغات العرب.

قال الكاشغري، قول آخر فيما ذكر في الكتاب أو لم يذكر: ما كان من أسماء الجبال والمهامه والأودية والمياه

ذكرت التي في بلاد الإسلام.

وكما نلاحظ هذا التشابه -الذي يدل على التأثر- في مقدمتي المعجمين نلاحظه في نظامهما. وجزء من هذا النظام قد شرحته المقدمة ونضيف إلى ذلك.

أ- تقسيم الفارابي معجمه إلى ستة كتب هي السالم والمضاعف والمثال، وذوات الثلاثة وذوات الأربعة والمهموز. وقد تبع الكاشغري الفارابي في التقسيم، وفي استخدام المصطلحات حتى ذوات الثلاثة وذوات الأربعة، وإن زاد عليه كتاب الغنة وكتاب الجمع بين الساكنين وهي زيادة اقتضتها طبيعة اللغة التركية.

ب- التقسيم لكل كتاب إلى شطرين، شطر للأسماء وشطر للأفعال موجود في كلا المعجمين.

جـ- تقسيم كل شطر بحسب التجرد والزيادة موجود في كلا المعجمين.

ص: 362

د- تذييل بعض الأبواب بأحكام تصريفية نجده عند الفارابي وعند الكاشغري كذلك.

وعلى الرغم من أن الكاشغري أهمل ذكر الفارابي فقد تنبه بروكلمان إلى التشابه بين العملين وكانت إشارته هي السبب في عقدنا هذه المقارنة1.

ب- قاموس الأروام في نظام الكلام: لمؤلفه شيخ الإسلام ملا صالح أفندي من علماء القرن الحادي عشر. وقد سار فيه على نظام للصحاح وجمع فيه الألفاظ التركية وفسرها بالعربية2.

2-

الفرس:

قام الفرس بترجمة بعض المعاجم العربية ووضع معاجم فارسية عربية على نمط بعض آخر.

1-

فمن المعاجم العربية المترجمة: "الصراح من الصحاح" وهو ترجمة لصحاح الجوهري مع إبقاء الآيات والأحاديث والشعر والأمثال باللغة العربية، وقام بهذه الترجمة أبو الفضل محمد بن خالد القرشي عام 681 هـ.

2-

أما المعاجم العربية التي نسج على منوالها فأشهرها معجما الصحاح وديوان الأدب.

أ- فقد ألف هندوشاه بن سنجر الكيزاني "كان حيا سنة 730 هـ".

1 يقول بروكلمان: "كان ديوان الأدب مثالًا للكتاب الذي ألفه الكاشغري وسماه ديوان لغات الترك". "s، 1، 195".

2 مقدمة الصحاح، ص 210، 211.

ص: 363

"صحاح العجم" على ترتيب صحاح الجوهري وقال: "سميته بهذا الاسم لكونه على أسلوب صحاح العربية"1.

ب- مصادر الزوزني وهو معجم للمصادر مرتبة بحسب أبواب أفعالها ألفه القاضي أبو عبد الله الحسين بن أحمد الزوزني المتوفي سنة 486هـ وهو معجم عربي فارسي بدأ بمقدمة موجزة تحدث فيها المؤلف عن منهجه وذكر أنه تأثر "بديوان الأدب".

جـ- تاج المصادر لبو جعفرك المتوفى عام 544 هـ. وهو معجم عربي فارسي يبدأ بذكر المصدر العربي ثم يذكر معناه باللغة الفارسية.

والمصادر فيه مرتبة على أبواب أفعالها على النحو الذي فعاه ديوان الأدب2.

وأخيرًا يجب ألا ننسى جانبين آخرين يظهر فيهما التأثير العربي بوضوح وهما:

1-

جانب الكتابة أو الحروف الهجائية العربية التي استعارتها كثير من الشعوب التي دخلت في حكم الإسلام مثل الفرس والأتراك وما يزال الفرس يكتبون بها لغتهم، أما الأتراك فقد تركوها على مصطفى كامل أتاتورك واستبدلوا بها الحروف اللاتينية.

2-

جانب العروض أو موسيقى الشعر وقوالبه. وقد ظهر التأثير العربي بوضوح في الشعر الفارسي والسرياني يقول الدكتور على الشابي

1 المرجع ص 207، 210.

2-

راجع "الفارابي اللغوي"، رسالة ماجستير للمؤلف ص 345 وما بعدها.

ص: 364

"نشأ الشعر الفارسي متأثرًا بالشعر العربي شكلًا وموضوعًا" ويقول عن "منو جهري" الشاعر الفارسي الغنائي " كان للقصيدة العربية بمفهومها الفني أثر واضح في نشأة القصيدة الفارسية...."، ويقول بعد أن عرض نماذج لشعره:"إنها تعتبر أنموذجًا حيًّا للقصيدة الفارسية من حيث تأثرها بالقصيدة العربية شكلًا وموضوعًا"1.

أما تأثر السريان فقد تمثل في شكل محاكاتهم للعرب في القوافي.

وأول من أدخلها في شعرهم يوحنا بن خلدون في القرن الحادي عشر الميلادي2.

1 الأدب الفارسي في العصر الغزنوي ص 220، 221.

2 تاريخ اللغة السريانية لزاكية رشدي ص 268 - 270.

ص: 365